|
Re: مؤتمـر الخريجين .. ذكـرى اسـتعادة تاريخنـا الـوطنـي بعد 70 عامـا (Re: حسين يوسف احمد)
|
من داخل هذه الفئات الاجتماعية الجديدة نشأت الحركة الوطنية السودانية الحديثة ممثلة في جمعيتي الاتحاد السوداني ، واللواء الأبيض ( 1919 ـ 1924 ) ، صعود نشاط هاتين الجمعيتين ، خاصة اللواء الأبيض هو ما يمكن أن نطلق عليه الطور الأول للحركة الوطنية الحديثة .. كانت جمعية الاتحاد أول تنظيم سياسي حديث في السودان ، وكان رفض الاحتلال الأجنبي ـ حينهاـ يتخذ شكل النشاط الاجتماعي والثقافي ، إحياء الشعر العربي التقليدي ، الحنين للأمجادالعربية الاسلامية ...الخ
وفي ذلك ساهم بعض الكتاب المصريين والسوريين في الصحف التي كانت تصدر وقتها ، وفي الأندية وفي المدارس .. كما ساهمت أيضا بعض العناصر المسيحية الوطنية حيث يصف كتاب ملامح من المجتمع السوداني أحد هؤلاء بأنه سوداني الوطنية ، عربي النزعة ، يجعل من مناسبة الهجرة النبوية وسيلة للتعبير عن ميوله التحررية .. وفي منشورات الجمعيتين ومذكرة البطل علي عبداللطيف التي كتبها باسم الأمة ، نلاحظ حدود وملامح هذه الفئات ، حيث ركز البطل علي عبداللطيف على الاحتجاج على الأوضاع المعيشية السيئة ، احتكار السكر ، قيام مشروع الجزيرة على حساب مصالح الأهالي ...الخ لقد اتسم نشاط جمعية الاتحاد بالسرية المفرطة ، فولدت جمعية اللواء الأبيض من داخلها رافعة راية النضال الوطني والعلني ضد المستعمر وفئات الارستقراطية الدينية والقبلية ، وشعار وحدة وادي النيل والنضال المشترك مع الحركة الوطنية المصرية .. وتصاعد نشاطها حتى وصل إلى الانتفاضة المسلحة عام 1924 .. من هنا كانت ثورة 1924 انتفاضة شعبية معادية للاحتلال الأجنبي نظمتها وقادتها هذه الفئات الوسطى وهي في طور انتقالها إلى شكلها الجديد .. وشاركت فيها جماهير المدن في معظم أنحاء البلاد .. ومن خلال نشاطها العملي قدمت للواقع الوطني أساليب جديدة في العمل السياسي شملت المنشورات والمظاهرات السلمية والمسلحة وطرحت رموزا قيادية لها مهاراتها الواسعة في تحريض وتعبئة الجماهير مثل علي عبد اللطيف ، كما قدمت رموزا أخرى لها امكانيات كبيرة في العمل السري والتنظيمي مثل عبيد حاج الأمين الذي يعتبر المهندس التنظيمي لحمعية اللواء الأبيض ، وأول سوداني يحترف العمل الثوري كمنظم سياسي بعد فصله من العمل الحكومي .. المهم إن نشاط الجمعيتين وثورة 1924 بالذات كان وليد احتياج موضوعي في قلب الواقع السوداني نظمته وقادته أيادي سودانية ، وليس نتيجة تدبير مصري كما كانت تقول المخابرات البريطانية وحلفائها من الارستقراطية الدينية والقبلية .. صحيح أنها كانت ترفع شعار وحدة وادي النيل وكانت لها صلاتها بالحركة الوطنية المصرية ، كما كانت ترسل أعضاءها للدراسة في مصر ..الخ هذا كله صحيح ، لكنه كان ينبع من تفاعل العوامل الموضوعية التي ساعدت على ظهور تلك الجمعيات ، التي كانت تمثل الحركة الوطنية وقتها ، والتي يتمثل أهمها في : الحرب العالمية الأولى ، ثورة 1919 المصرية بقيادة سعد زغلول ، والتناقض بين دولتي الحكم الثنائي ...الخ وبحكم ضعف الفئات الاجتماعية التي نظمتها وقادتها كان لابد لها من التحالف مع الحركة الوطنية المصرية .. ومع كل ذلك انت ثورة 1924 صلبة وصافية لدرجة بعيدة سواء من حيث عناصرها أو أساليب عملها وهي صفات استمدتها من أن تلك الفئات كانت في مرحلة انتقالية إلى وضعها الوسطي ، وكانت لا تزال تتغذى من اصولها الريفية الحية القوية .. وفي الوقت نفسه أدى موقف العداء لثورة 1924 الذي اتخذته الارستقراطية الدينية والقبلية بعد أن ربطت نفسها بسلطات الاحتلال .. أدى هذا الموقف إلى دفع ثورا اللواء الأبيض وطلائع الحريجين إلى تشديد نشاطهم المعادي للوجود الأجنبي وحلفائه المحليين وتأكيد تمسكهم بشعار وحدة وادي النيل كتعبير عن وحدة المصير بين شعبي وادي النيل ، وعن المحيط التاريخي والضحاري لشعب السودان ، والذي كانت تتداخل فيه ـ وقتها ـ دائرة وادي النيل ، والدائرة العربية ، و الدائرة الاسلامية ، وهو تداخل ظل يطبع الفكر السياسي في مصر والسودان لفترة طويلة لاحقة ، وذلك في مقابل فكرة السودان للسودانيين التي كانت تطرحها وقتها جريدة ( الحضارة ) ومن خلفها قوى الارستقراطية الدينية والقبلية .. ويلاحظ أن الصراع بين هذين التيارين ظل حيا حتى اعلان الاستقلال عام 1956 ، وربما أنه مستمر حتى الآن في أشكال أخرى ..
نواصل باذن الله >>>
|
|
|
|
|
|
|
|
|