صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !!

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 11:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-17-2008, 09:45 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! (Re: الكيك)



    دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته (7 من 8)

    السُّودان وتشاد .. الإطار الإقليمي لمشكل دارفور



    د. عمر مصطفى شركيان
    [email protected]

    لا مريَّة في أنَّ السُّودان منذ وقت باكر بدأ يمارس نوعاً من النفوذ المباشر وغير المباشر في الأحداث السياسيَّة والعسكريَّة التي شكَّلت كل من أثيوبيا وتشاد وأخيراً يوغندا. وكان المدخل لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا يتم عن طريق إريتريا، وباستخدام الإسلام والعروبة كأساس روحي وأثني، كما استحسنهما أولو الحكم في الخرطوم في هذا التدخل السافر. وقد كان ظهور الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان إضافة ثانويَّة لهذا التعاطف الذي ظلَّت تبديه حكومات السُّودان – من قبل ومن بعد - تجاه الحركات المسلَّحة الإثيوبيَّة. ففي أزمان باتت اليوم بعيدة بعض الشيء – وتحديداً في أعوام الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي – كان عدد من الدول العربيَّة منشغلة كل الانشغال بصراعات حدوديَّة مع بعضها بعضاً، أو متورِّطة في مشكلات داخليَّة لجيرانها لأسباب سياسيَّة، أو عقائديَّة، أو توسعيَّة، أو تأريخيَّة أو غيرها. وحسبنا للدلالة على هذا أن نذكر كيف حاول الرئيس العراقي الأسبق الجنرال عبد الكريم قاسم احتلال الكويت للمرة الأولى العام 1961م، وقد أُحبِطت هذه المحاولة بعد التنسيق البريطاني مع الرئيس المصري العقيد جمال عبد الناصر والعاهل الأردني الملك حسين، وإثر ذلك التعاون قامت بريطانيا بإرسال قوات البحريَّة الملكيَّة لحماية الكويت. وكانت هناك الحرب الأهليَّة اليمنيَّة (1962-1970م) وتورُّط فيها كل من المملكة العربيَّة السعوديَّة ومصر أيَّما التورُّط، وكذلك تفجَّر المشكل الحدودي بين الجزائر والمغرب في تشرين الأول (أكتوبر) 1963م، والتدخل العسكري السوري في الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة منذ العام 1975م، وتدريب النظام الليبي لقوات المعارضة السُّودانيَّة المسلَّحة ( أي الجبهة الوطنيَّة)، وإرسالها لمحاولة قلب نظام الحكم في الخرطوم في مستهل تموز (يوليو) 1976م. ومن أجل بعض المصالح السياسيَّة الضيِّقة، والتعاطف العرقي والديني، فضلاً عن الحدود المفتوحة أمام حركة المجموعات البشرية المختلفة، يتدخَّل السُّودان فيما يجري سياسيَّاً في تشاد بين الفينة وأخرى. وفي سبيل فهم المسألة التشاديَّة نفسها دعنا نلج في شيء من الإسهاب كثير في تأريخ تشاد السياسي الحديث. فماذا جرى في هذا البلد الجار؟

    في المبتدأ، يتكون تشاد من ثلاثة أقاليم جغرافيَّة: الجنوب الاستوائي الزراعي، والقطاع الساحلي الذي يربي المزارعون الماشية، والقطاع الصحراوي (وهي مديريات برقو، عنيدي، وتيبيستي) الذي يمتاز بالمراعي الخضراء ويحترف أهله الرعي. ويشكل القطاعان الساحلي والصحراوي شمال تشاد، حيث سيطرت عليه تأريخيَّاً إمبراطوريَّة كانم-برنو، التي تأسست في القرن التاسع عشر الميلادي، ومملكتي باجيرمي وودَّاي، اللتان تأسستا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، على التوالي. وقد تركَّزت السلطة السياسيَّة في هذه الممالك، التي كانت تدين بالإسلام، واعتمدت تنميتها الاقتصاديَّة على تجارة الرق، والغارات على أهل الجنوب ل"صيد الرقيق"، حيث لم يكن لهؤلاء الجنوبيين حول ولا قوة لصد هذه الهجمات. إذ كان لهم جسم سياسي لا مركزي يقوم على الولاء القبلي. وقد زادت حدة تجارة الرق بقدوم رابح الزبير من السُّودان العام 1878م، ومكث 20 عاماً مسيطراً على مملكتي باجيرمي وكانم. ومن ثَمَّ استطاع رابح أن يؤسس لنفسه نفوذاً قويَّاً في هذه المنطقة، وقوة عسكريَّة منظَّمة بها استطاع أن يقاوم الفرنسيين الذين شنوا ثلاث غارات عسكريَّة ضد تشاد بعد العام 1890م. وفي خلال هذه الحقب كانت تعصف بالبلد حروب استنزاف أهليَّة، وتمزِّقه إقطاعيَّات شر ممزق، حتى أمسى معاقل لزعماء العصابات وأمراء حرب. ولكن بعد تحالفات الفرنسيين مع حكام باجيرمي العام 1897م وكانم العام 1899م أفلحوا في نهاية الأمر في هزيمة رابح في كوسيري في 22 نيسان (أبريل) 1900م. وبعد سلسلة من الإخفاقات، تمكَّن الفرنسيون في بسط سيطرتهم على مملكة ودَّاي العام 1911م في شرق البلاد وفي الإقليم الصحراوي شمالاً العام 1916م. مهما يكن من شأن، فقد استمرت المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في المديريات الشماليَّة حتى العام 1930م، والتي أمست تحت الإدارة الفرنسيَّة العسكريَّة حتى العام 1965م، أي خمسة أعوام تقريباً بعد استقلال تشاد.

    أما القطاع الجنوبي – من جانب آخر – فقد بات هادئاً، وساعدت المؤسسات السياسيَّة اللامركزيَّة في فرض النظم الفرنسيَّة الاستعماريَّة فيها، والتي تمثَّلت في إدخال زراعة القطن في العشرينيَّات من القرن الماضي الميلادي، وتطوير اقتصاد السوق، مما أدَّى إلى تدمير النظام الاجتماعي التقليدي، وخلق نظام إداري يعتمد على الشيوخ في جباية الضرائب. وقد أدَّت زراعة القطن إلى نجاح محدود في الاستثمار وتشييد المدارس، وتدريب السكان المحليين، عكس شمال تشاد تماماً. وكما شهدنا، فقد سيطرت ممالك الشمال على أهل الجنوب في الماضي، وحينما جاء الاستعمار عكس الوضع، وبعد رحيل المستعمر ورث أهل الجنوب، الذين تعلَّموا نوعاً ما في ظلال الاستعمار، السلطة السياسيَّة في البلاد. إذن، متى ظهر الجانب السُّوداني في الصراع التشادي-التشادي؟ بعد ثلاث سنوات من استقلال تشاد العام 1960م شهدت البلاد احتجاجات عارمة ضد حكومة فرانسوا تومبلباي في أيلول (سبتمبر) 1963م في العاصمة فورت-لامي (إنجمينا حاليَّاً)، وانتفاضة المزارعين في منقالمي العام 1965م، ثمَّ انتشرت حركة الاحتجاج بسرعة جنونيَّة إلى إقليم جيرا، وأخذت طابع حرب عصابات، وكذلك اشتعلت الاحتجاجات في إقليمي ودَّاي وسلامات. هذه هي الأثناء التي فيها وُلِدت "الجبهة الوطنيَّة لتحرير تشاد" (فرولينات) في نيالا بالسُّودان في 22 حزيران (يونيو) 1966م.

    كان هذا الجسم الجديد المعارض عبارة عن جبهة متحدة بين "الاتحاد الوطني التشادي" بزعامة إبراهيم أباتشا من جهة، و"جبهة تحرير تشاد" بقيادة أحمد موسى من جهة أخرى. فبرغم من أنَّ المنفستو الذي رفعته جبهة تحرير تشاد كان قومي المظهر، إلا أنَّ الجَّبهة نفسها كانت حركة إقليميَّة وإسلاميَّة محافظة، حيث كانت تسيطر على المقاومة المسلَّحة في شرق البلاد. وهكذا نجد أنَّ الاتحاد الوطني التشادي قد تحالف مع جبهة تحرير تشاد من أجل توحيد المعارضة ضد حكومة تومبلباي. وفي العام 1967م انتشرت المقاومة العسكريَّة في شرق ووسط البلاد (ودَّاي، باثا، جيرا، وسلامات)؛ وفي آذار (مارس) 1968م قامت انتفاضة شعبيَّة في إقليم تيبيستي في أقصى شمال البلاد تحت قيادة محمد علي طاهر، حيث شكَّل الجيش الثاني لفرولينات. وقد خلفت ممارسات الجيش التشادي تذمراً في أوساط أهل مديريَّة تيبيستي، حيث كانت العسكرتاريا تقوم على استزراع المواطنين أراضي جرداء قاحلة وسط تنكيل وترهيب شديدين، وقد أظهرت العسكرتاريا – كذلك - إزدراءاً ماحقاً تجاه القادة التقليديين، مما اضطرَّ والد جوكوني عويدي إلى الهروب إلى ليبيا في كانون الأول (ديسمبر) 1966م، وقد أنقذ الفرنسيُّون نظام تومبلباي من السقوط بإرسال جنود مظلات فرنسيين إلى تشاد في آب (أغسطس) 1968م، وانتشر فيلق فرنسي يتكوَّن من 2,500 رجلاً في البلاد العام 1969م.

    برغم من هذا الحضور الفرنسي القوي في تشاد وبعثة الإصلاحات الإداريَّة التي تزامنت مع المساعدات العسكريَّة الفرنسيَّة في آب (أغسطس) 1969م، وتعيين شيوخ في الإدارة الأهليَّة، لم تفلح هذه المساعي الترميميَّة في كسر شوكة فرولينات التي بدأت تُحظى بتأييد قوي من المواطنين ودعم سخي من ليبيا بعد العام 1971م. فقد حاول تومبلباي تحقيق المصالحة الوطنيَّة العام 1971م، بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتعيين وزراء مسلمين كانوا قد شُرِّدوا من السلطة منذ العام 1963م، ولكن دون جدوى. وبمساعدة الفرنسيين حاول تومبلباي إضعاف فرولينات بصورة غير مباشرة بواسطة حسين هبري الذي كان يشغل يومئذٍ منصب نائب المحافظ في إقليم موسورو. وبعد مقتل أباتشا في المعارك في شباط (فبراير) 1968م خلفه أبا صديق – الوزير السابق في "الحزب التقدُّمي التشادي" – وعزَّز نفوذه كليَّاً بعد طرد بغلاني العام 1970م، حيث كان لهذا الأخير علائق سياسيَّة مع جماعة "الإخوان المسلمين" في السُّودان. وكان بغلاني قد أسس "قوات البركان" في إقليم ودَّاي بالقرب من الحدود السُّودانيَّة-التشاديَّة، وكجسم معارض لفرولينات. وفي العام 1971م حاولت فرولينات توحيد جيوشها، إلا أنَّ هذه المحاولة قد أشعلت نضالاً بين جوكوني عويدي – قائد الجيش الثاني – وقيادة فرولينات. إذ استغل حسين هبري هذا الوضع وتوسَّل إلى جوكوني عويدي ليلتحق بمجموعته المتمرِّدة التي كانت تسمى "مجلس قيادة قوات الشمال المسلَّحة". برغم من انسلاخ مجموعتين من فرولينات، حاولت الأخيرة – في "عمليَّة حسكنيت" – الهجوم على العاصمة فورت-لامي في حزيران (يونيو) 1972م، مما أدَّى هذا الهجوم الفاشل إلى فقدان الدعم من حلفاء الأمس. ففي نيسان (أبريل) 1972م قام السُّودان بتعليق المساعدات لفرولينات، وفي كانون الأول (ديسمبر) 1972م – بعد أن قطع تومبلباي العلاقات الديبلوماسيَّة مع إسرائيل – انتزع العقيد الليبي معمر القذافي اعترافاً سريَّاً من تومبلباي بموجبه أصبح خط اتفاقيَّة موسوليني لترسيم الحدود العام 1935م، والذي يشمل 114,000 كيلومتراً مربعاً في قطاع أوزو، جزءاً من الأراضي الليبيَّة. هذه هي الطريقة التي بها احتلت ليبيا هذا القطاع تحت دعاوي إنقاذ الأهالي من محرقة الحرب الأهليَّة تارة، وصفقات خبيثة مع ثوار فرولينات تارة أخرى، وابتزاز الرئيس تومبلباي تارة ثالثة. هذا وقد تحمَّل نظام تومبلباي هذا الاحتلال مقابل أن تتوقف ليبيا عن دعم المعارضة المسلَّحة التي تمثَّلت في فرولينات، ووعدت بمنح تشاد مساعدة مالية مقدارها 23 بليون فرنك تشادي. هكذا نجد أنَّ المساعدات الليبيَّة التي طالما بدأت تنهمر على تشاد مدراراً سرعان ما أخذت طابعاً استعماريَّاً. ومن خلال مجريات الأحداث يتضح بلا ريب أنَّ الأنظمة السُّودانيَّة وقفت مع الجماعات المسلحة في شمال ووسط تشاد تحت مظلة العروبة والإسلام ضد حكومة تومبلباي الإفريقي المسيحي القادم من الجنوب. هذه هي نفس المنطق الذي تعاملت به حكومات الخرطوم المتعاقبة مع الحركات الإريتريَّة المسلحة ضد حكام أديس أبابا – أي منطق الإسلام والعروبة ضد الأفارقة النصارى.

    ومن ناحية أخرى، فقد تبدَّدت آمال فرنسا في استبدال تومبلباي بحليف موثوق به للمحافظة على مصالحها الاقتصاديَّة الحيويَّة في تشاد، والتي تمثَّلت – فيما تمثَّلت – في مزارع القطن الغنيَّة في جنوب البلاد. إذ تبخَّرت هذه الآمال بعد اعتقال الجنرال فيليكس مالوم - رئيس هيئة الأركان في الجيش التشادي في حزيران (يونيو) 1973م، واغتيال أوتيل بونو – زعيم "الحركة الديمقراطيَّة الثوريَّة التشاديَّة" في باريس في آب (أغسطس) 1973م. بعد هذا كله حاول تومبلباي أن يبز فرولينات العام 1973م، وذلك باستبدال "الحزب التقدمي التشادي" – أي الحزب الحكم – ب"الحركة الوطنيَّة من أجل الثورة الثقافيَّة والاجتماعيَّة". ومن بعدئذٍ، تم تغيير أسماء المدن، فأصبحت فورت-لامي إنجمينا، وحُظِرت الأسماء المسيحيَّة، وتم إحياء طقوس ال"يوندو" باسم الثورة الثقافيَّة. بيد أنَّ هذه السياسات قد عملت على تفاقم الأوضاع وازدياد استياء الشعب تجاه الحكومة والجَّيش.

    وفي 13 نيسان (أبريل) 1975م استولى الجنرال أودينقار على السلطة في إنجمينا في انقلاب عسكري دموي تسبَّب في اغتيال تومبلباي، وإعلان المجلس العسكري الأعلى برئاسة فيليكس مالوم، الذي أُخرِج من السجن إلى القصر. غير أنَّ النظام الجديد لم يسر الشعب التشادي، حيث أبقى المصالح الأجنبيَّة في البلاد، وحظر أي نشاط سياسي، إلا أنَّه انتوى إجراء مصالحة وطنيَّة. بيد أنَّ محاولة الاغتيال الذي تعرَّض له الجنرال مالوم بواسطة فرولينات والضربات الموجعة التي سددتها ضد النظام الجديد العام 1975م أظهرت "كعب أخيل" في الحكومة الجديدة، التي أفلحت فقط في استمالة أهل الديردي في آب (أغسطس) 1975م وأحمد موسى – زعيم جبهة تحرير تشاد – في تشرين الأول (أكتوبر) 1975م، والذي أوقف عملياته العسكريَّة في ذلك الرَّدح من الزمان.

    وفي العام 1976م عرضت ليبيا – التي كانت قلقة في سبيل خططها التوسعيَّة – على أبا صديق دعماً ماديَّاً مجدداً لفرولينات شريطة أن يوحِّد كل المجموعات المتمرِّدة، بما فيها عناصر فرولينات في وسط وشمال البلاد وأنصار بغلاني وعويدي وهبري. إلا أنَّ أبا صديق، الذي كان مستقراً في الجزائر وبعيداً عن حقائق الأمر الواقع داخل تشاد، رفض هذا العرض الليبي. وفي نهاية الأمر، تمَّ إعفاء أبا صديق من قيادة فرولينات في آب (أغسطس) 1977م في مؤتمر كارنقا وبإلحاح من محمد أبا، قائد التمرُّد وسط وشرق البلاد. ومن ثَمَّ بدأت المساعدات الليبيَّة تتدفَّق مجدداً على فرولينات العام 1977م، وبخاصة بعد طرد هبري من قيادة الجيش الثاني لفرولينات في تشرين الثاني (نوفمبر) 1976م لمعارضة الاحتلال الليبي لقطاع أوزو. هكذا نجد أنَّ الانتصارات العسكريَّة التي حقَّقتها فرولينات ضد قوات النظام العسكري في إنجمينا في صيف 1977م وشباط (فبراير) 1978م في المديريات الشماليَّة قد خلقت مناخاً صالحاً لتوحيد كل الجيوش المعارضة تحت الرعاية الليبيَّة في مؤتمر فيا-لارقو في آذار (مارس) 1978م، وتزعَّم جوكوني عويدي قيادة الجيش الموحَّد. كذلك أظهرت ليبيا مناورة ديبلوماسيَّة بدعوتها لقمة سبها بليبيا بين القذافي ومالوم ورؤساء النيجر والسُّودان في 24 شباط (فبراير) 1978م، وكان من بين المقترحات وقف إطلاق النار في تشاد، بحيث تشرف عليه ليبيا والنيجر. وتحت الضغوط الليبيَّة اجتمع قادة الجبهة مع الحكومة التشاديَّة في بنغازي بليبيا، وفي 27 آذار (مارس) 1978م تمَّ الإعلان عن وقف إطلاق النار مع إجراءات لقيام المصالحة الوطنيَّة.

    وفي هذه الأثناء عزَّزت فرنسا وجودها العسكري في تشاد تحت ستار الاتفاقات العسكريَّة التي أُبرمت في آذار (مارس) 1976م، وبخاصة بعد نقض المواثيق السابقة بواسطة الأوضاع المتغيرة على الأرض بين عشيَّة وضحاها. وفي آب (أغسطس) 1978م انتهزت فرنسا هذه الفرصة ودعمت حلاً سياسيَّاً جديداً يقضي بحل المجلس العسكري الأعلى على أساس "الميثاق التأسيسي"؛ إذ بموجبه تمَّ تعيين حسين هبري رئيساً للوزراء، بينما بقي مالوم كرأس للدولة. وفي "حكومة الوحدة الوطنيَّة" التي تشكلت في 31 آب (أغسطس) 1978م قُسِّمت الوظائف الرئيسة مناصفة بين أنصار هبري ومالوم. وعلى الفور أدان رئيس الوزراء الجديد التوسُّعات الليبيَّة، بينما رحَّب بوجود القوات الفرنسيَّة في تشاد. مهما يكن من شأن، فقد بقي تحالف هبري-مالوم هشاً، مما أفسح المجال لمواجهات عسكريَّة جديدة العام 1979م. وحين أدركت ليبيا أن جزءاً من الجيش الثاني لفرولينات في حالة تأهب لمساندة هبري – عدو ليبيا اللدود – قامت ليبيا بتعزيزات عسكريَّة لأصيل أحمد – النائب المكتهل منذ أيام تومبلباي - والذي شرع هو الآخر في تجميع "قوات البركان" في نهاية العام 1975م، وفرض نفسه على هذه القوات، وأصبح أصيل أحمد الجسم السياسي لليبيا في تشاد، وبخاصة لأنَّه لم يجرؤ على معارضة الإستراتيجيَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة الليبيَّة في تشاد. ولسحب البساط من تحت قدمي جوكوني عويدي، شكَّل أصيل أحمد "اللجنة التصحيحيَّة" في أيلول (سبتمبر) 1978م، والتحق به نائب رئيس فرولينات – محمد أبا. وفي كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام فشلت محادثات الصلح وسط قيادات فرولينات، إلا أنَّ الأحداث – على صعيد آخر – قد ساعدت على تضميد الجراحات القديمة بين عويدي وهبري، وذلك في اللحظة التي كان يقوم فيها كل كل من مالوم وهبري باستعراض عضلاتهما لمنازلة بعضهما بعضاً.

    وفي إنجمينا تحصَّل هبري على آليات عسكريَّة وتعزيزات من مدينتي بيلتين وأبيشي، حيث سلَّمته فرنسا مدفعيَّة ثقيلة العام 1978م، وتمَّ نقلها إلى العاصمة إنجمينا في كانون الثاني (يناير) 1979م. كذلك أجرى هبري اتصالات مع الجيش الثالث – الذي أصبح يُعرَف فيما بعد ب"حركة التحرير الكامل لتشاد" – بزعامة أبوبكر عبد الرحمن، الذي كان نشطاً منذ العام 1978م في منطقة بحيرة تشاد (كانم). وحين اندلع القتال بين القوات المسلحة الشماليَّة (أنصار هبري) والقوات المسلحة التشاديَّة (أنصار مالوم) في إنجمينا في شباط (فبراير) 1979م وقفت فرنسا – برغم من أنَّها أعلنت الحياد في هذا النزاع – إلى جانب هبري. وقد أغضب هذا الموقف الفرنسي مالوم وعبد القادر ود الكاموقي (قائد الجيش التشادي). وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّه قد حدثت مذابح كثيرة في حق المدنيين العزل في العاصمة وفي جنوب البلاد، وذلك بعد أن بدأ طرفا النزاع يتوسَّلان إلى أنصارهما مستخدمين الطابع الإقليمي والعنصر الديني والعامل الاجتماعي (الشمال ضد الجنوب، والمسلمون ضد المسيحيين) في سبيل السيطرة على السلطة. وهنا تدخَّلت الخرطوم وقامت بدعم قوات حسين هبري المعارضة لفيليكس مالوم وللقذافي على السواء كيداً لليبيا، بينما استمرَّت ليبيا هي الأخرى في دعم مناوئي الخرطوم عبر بوابة دارفور.

    برغم من اندلاع هذه الاشتباكات المتقطعة عُقِد المؤتمر الأول للمصالحة الوطنيَّة في كانو بنيجيريا في آذار (مارس) 1979م بمبادرة نيجيريَّة وحضور إقليمي من دول الجوار، وخرج المؤتمرون باتفاق بين القوات المسلحة التشاديَّة، قوات الشمال المسلحة، فرولينات، وحركة التحرير الكامل لتشاد. وأُجبر كل من مالوم وهبري بتقديم استقالتهما، وتمَّ إنشاء مجلس سيادة انتقالي مكوَّن من عضوين من كل حزب في 23 آذار (مارس) 1979م. وأصبحت العاصمة منطقة منزوعة السلاح، وأرسلت نيجيريا 850 جنديَّاً لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، وأبدت فرنسا رغبتها في انسحاب جنودها من تشاد، إلا أنَّ المجلس الانتقالي طلب منها إبقاءها. وفي المؤتمر الثاني في كانو في نيسان (أبريل) 1979م الذي هدف إلى التحام جميع الفصائل السياسيَّة والعسكريَّة المعارضة – تحديداً أصيل أحمد، محمد أبا، وأبا صديق – نجده قد أخفق في إحراز أيَّة اتفاقيَّة، وذلك من جراء تصلُّب عويدي وهبري أمام المقترحات التي دفعت بها - أو قل فرضتها – ليبيا ونيجيريا على الرفقاء الفرقاء.

    وبناءاً على الاتفاقات التي توصَّلت إليها الأطراف المتصارعة في إنجمينا، تمَّ تشكيل حكومة الاتحاد الوطني الانتقالي في 25 نيسان (أبريل) 1979م برئاسة الجنرال تشوا (حركة التحرير الكامل لتشاد)، وينوب عنه جبريل جوجو (القوات المسلحة التشاديَّة)، وجوكوني عويدي (فرولينات) وزيراً للداخليَّة، وحسين هبري (قوات الشمال المسلحة) وزيراً للدفاع. وكان واضحاً في المبتدأ أنَّ ذلك التقاسم الرباعي للسلطة لن يدوم طويلاً.. إنَّه لقانون التأريخ. وفي الحق، هذا ما جرى. فإنَّ هذه الحكومة – التي باركتها فقط فرنسا – تعرَّضت لحملة ديبلوماسيَّة عارمة في إفريقيا، واعتبرتها دول الجوار حكومة غير شرعيَّة في مؤتمر لاغوس (حاضرة نيجيريا يومئذٍ) في أيار (مايو) 1979م، فضلاً عن أنَّها لم تُحظ بمقعد في قمة منظمة الوحدة الإفريقيَّة (الاتحاد الإفريقي حاليَّاً) في تموز (يوليو) من ذلك العام في منروفيا – حاضرة ليبيريا. وقد واجهت هذه الحكومة ظروفاً صعبة امتثلت في حظر النفط إليها من نيجيريا وشح رجال الخدمة المدنيَّة وضغوط عسكريَّة مختلفة. وفي هذه الأثناء قام عبد القادر ود الكاموقي بإعادة تنظيم الجسم الأساس للقوات المسلحة التشاديَّة، وهي كانت بضعة آلاف رجلاً، وانتبذ بهم مكاناً قصيَّا في جنوب البلاد، وأصبحوا يشكِّلون تهديداً للعاصمة. كذلك قام أحمد أصيل بتعزيز قواته بواسطة التجنيد المكثف وسط التشاديين في ليبيا، وبُعيد تكوين "جبهة العمل الانتقاليَّة من أجل المجتمع" مع كل من أبا صديق، أبو بكر عبد الرحمن، وأدوم دانا، وشنوا هجوماً على مديريات الشمال بدعم ليبي. وفوق ذلك كله شهدت العاصمة نزاعاً في قلب الأحزاب المؤتلفة المكوِّنة للحكومة، وفي حزيران (يونيو) من ذلك العام قامت فرولينات بحل "حركة التحرير الكامل لتشاد"، وذلك بعد اتهامها بالعمالة لصالح نيجيريا وليبيا؛ ثمَّ كان لبروز مفهوم الوسط والشرق لدي المتمرِّدين السابقين دوراً سالباً على الحل السياسي في هذا البلد الذي أنهكته الحرب الأهليَّة. فسرعان ما بدأ التأييد الذي حظيت به فرولينات في أول الأمر في الاندثار رويداً رويداً نسبة لارتباطها بنمط من "الاستعمار الجديد" المتمثِّل في الوجود العسكري الفرنسي في تشاد. وبطلب من الحكومة الانتقاليَّة تم انسحاب القوات النيجيريَّة من تشاد.

    ففي 18 آب (أغسطس) 1979م تمَّ التوقيع على اتفاق ثان في لاغوس بين كل الفصائل التشاديَّة للعمل على الآتي:

    الوقف الفوري لإطلاق النار، وخلق منطقة منزوعة السلاح قطرها 100 كيلومتراً حول إنجمينا.

    تشكيل حكومة انتقاليَّة جديدة ولجنة مراقبة بواسطة دول منظَّمة الوحدة الإفريقيَّة.

    انسحاب القوات الفرنسيَّة من تشاد.

    وفي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1979م تمَّ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة جوكوني عويدي. برغم من نص الاتفاق على نزع السلاح حول العاصمة، إلا أنَّه بقيت في العاصمة خمسة جيوش: أربعة جيوش تحت قيادة قائدها العسكري محمد أبا سعيد، وقوات الغرب المسلحة تحت قيادة موسى مديلا. إذ لم تفلح مساعي رؤساء الدول الإفريقيَّة ومنظمة الصليب الأحمر وجهات أخرى لإقناع الأطراف المتصارعة لوقف الحرب التي اندلعت في العاصمة بين هذه الفصائل المناوئة في 21 آذار (مارس) 1980م، وقد اقتصرت ضراوة الاقتتال بين أنصار جوكوني عويدي وحسين هبري. وما لبثت هذه المبادرات أن اندثرت الواحدة منها تلو الأخرى، ثمَّ ما فتئ الوضع في البلاد يتوغَّل في متاهات العنف والدَّم والدَّمار. وفي هذه الأثناء أرسلت ليبيا 2,000 من الجنود التشاديين المدرَّبين في ليبيا لمساندة عويدي، وفي الحق وصلت هذه القوات براً في 4 أيار (مايو) 1980م، فيما التحم تحالف جديد بين جوكوني عويدي وأصيل أحمد بمعاونة القوات الليبيَّة، التي تدخَّلت مباشرة وغزت الأجزاء الشماليَّة من تشاد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1980م. وانتشر القتال سراعاً من العاصمة إلى المدن الأخرى وسط البلاد، وبما أنَّ كل المجموعات كانت متحدة ضد هبري، إلا أنَّه وقف صلداً مع جيشه ذي التدريب العالي والمنظم وأسلحته التي جاءت من مصر، بينما اقتصرت المساندة الفرنسيَّة على العقيد عبد القادر ود الكاموقي الذي كان على رأس القوات المسلحة التشاديَّة المتمركزة جنوب نهر شاري. وكما شهدنا، فقد كان التدخل الليبي سافراً في الشؤون الداخلية التشاديَّة. ففي مستهل تشرين الثاني (نوفمبر) 1980م غزت ليبيا إقليم تيبيستي في شمال تشاد بواسطة لواءين من قوات المشاة – أي حوالي 3,000 جنديَّاً – مدعومين بدبابات ومدفعيَّة ثقيلة وطائرات عاموديَّة (الهليوكوبتر)، وفي نهاية الأمر، وصلت القوات الليبيَّة إلى إنجمينا وحاصرتها وقطعت خطوط إمداد قوات حسين هبري. وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) 1980م هُزِمت قوات هبري في العاصمة، وفرَّ هو الآخر إلى الكاميرون مع من تبقَّى من قواته، وهرب البعض الآخر شرقاً نحو الحدود السُّودانيَّة لمواصلة النضال.

    ومن السُّودان، الذي اتخذه هبري قاعدة للانطلاق بعد هزيمة كانون الأول (ديسمبر) 1980م، شقَّ طريقه محارباً حتى سيطرت قواته على معظم أقاليم الشمال وأغلب الأرياف باستثناء العاصمة، التي دخلها في نهاية الأمر في 7 حزيران (يونيو) 1982م، وأدَّى القسم رئيساً للبلاد في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1982م. وفي هذه الأثناء قُتِل أصيل أحمد بعد أن ضربته مروحيَّة طائرة، وهُزِم كاموقي في الجنوب وهرب إلى الكاميرون، بينما اتخذ جوكوني عويدي من ليبيا قاعدة انطلاق له في مستهل العام 1983م. وفي ذلك العام شنَّ عويدي أول هجوم له على تشاد واستولى على إقليم أونيانغا كبير ومدينة فيا-لارقو – المدينة الرئيسة في شمال تشاد – وتبعها الاستيلاء على أبيشي في شرق البلاد، إلا أنَّ قوات هبري استعادت مدينة فيا-لارقو. غير أنَّ المقاتلات الليبيَّة قد قامت بقذف المدينة، التي شهدت أيضاً هجوماً بريَّاً بواسطة قوات عاليَّة التدريب، حيث اشترك 2,000 جندي في الغارة على المدينة، واستعادتها لصالح عويدي، وأُسِر 500 من جنود هبري. وسراعاً أرسلت زائير 2,000 عسكريَّاً إلى إنجمينا، ووعدت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بمساعدة مالية لتشاد مقدارها 10 مليون دولاراً أمريكيَّاً، فضلاً عن إرسال طائرات "الإيواكس" الاستطلاعيَّة إلى السُّودان، والقيام بالضغط على فرنسا من أجل التدخل المباشر. وفي 13 آب (أغسطس) 1983م أرسلت فرنسا – بعد شيء من التردُّد كثير – جنوداً مظليين تعدادهم 3,000 جنديَّاً وأخذوا مواقفهم على خط 15 درجة شمالاً، وفي شباط (فبراير) 1983م تقدَّم هذا الخط الفرنسي درجة واحدة شمالاً. وفي 12 آب (أغسطس) 1983م ظهرت بوادر الانشقاق في قوات عويدي حين أعلنت حركة معارضة جديدة في أوقادوقو – حاضرة بوركينا فاسو (فولتا العليا سابقاً) – باسم "تجمع القوى الوطنيَّة" بزعامة فاشو بلام، وأفصح عن رغبته في محادثات من أجل المصالحة الوطنيَّة، لكنه رفض الاعتراف بحسين هبري رئيساً للدولة.

    بعد انسحاب الفرنسيين والليبيين، وفشل مؤتمر المصالحة الوطنيَّة في برازفيل – حاضرة الكونغو – في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1984م، بدأت حكومة هبري تشهد صراعاً متجدِّداً يوماً إثر يوم في جنوب البلاد مع "الكوماندوز" حتى العام 1985م. إذ احتجَّ أهل الجنوب المسيحيُّون أنَّ حكومة هبري الشماليَّة قد تجاهلتهم وهمَّشتهم، وفي 12 كانون الثاني (يناير) 1985م احتشدوا تحت قيادة العقيد كوتيغا جيرينان، وكوَّنوا جبهة موحَّدة.

    وفي 10 شباط (فبراير) 1986م – حين توغَّلت القوات الليبيَّة جنوب خط الطول 16 درجة شمالاً – طلب هبري من الفرنسيين التدخل، واستجابت فرنسا بابتعاث طائراتها المقاتلة من قواعدها في جمهوريَّة إفريقيا الوسطى وقذفت مطار وادي دوم بعد ستة أيام من التوغل الليبي، وأردفت فرنسا بإرسال 1,000 كوماندوز إلى إنجمينا، وردَّت ليبيا بشن غارات جويَّة على مطار إنجمينا. انشغل هبري في هذه الأثناء بترتيب البيت داخليَّاً، وذلك في إجراء تغيير وزاري بموجبه أدخل في حكومته زعيم "الجبهة الديمقراطيَّة التشاديَّة" – الجنرال جبريل جوجو – وأثنين من متمرِّدي الجنوب الآخرين. على أيَّة حال، اختلف جوكوني عويدي مع حلفائه الليبيين في طرابلس، وفي نهاية تشرين الأول (ديسمبر) 1986م تعرَّض لحادثة إطلاق النار، وأُصِيب بجرح خطير إثر هذا الاعتداء على حياته في طرابلس، وبات شبه سجين للحكومة الليبيَّة.

    وفي مستهل العام 1987م شرع هبري في حملة جديدة ضد الوجود الليبي في تشاد. إذ قامت قواته بهجمات واسعة شمال خط الطول 16 درجة شمالاً، واستعادت "فادا" في 2 كانون الثاني (يناير)، و"زوار" في 5 كانون الثاني (يناير) وأخيراً قضت على القوات المدرعة الليبيَّة في وادي دوم في منتصف آذار (مارس). وبحلول نيسان (أبريل) 1987م كانت قوات هبري قد حرَّرت كل أراضي شمال تشاد، باستثناء قطاع أوزو وجيوب متناثرة هنا وهناك في إقليم تيبيستي. وفي نيسان (أبريل) 1989م أعلنت حكومة هبري عن إحباط محاولة انقلابيَّة فاشلة، وكان من بين المتَّهمين إدريس ديبي إيتنو، البالغ من العمر يومذاك 32 عاماً، وهو كان رئيساً لهيئة الأركان في الجيش التشادي. هرب ديبي إلى السُّودان ليظهر في يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1990م قائداً قوة قوامها 2,000 مسلحاً من السُّودان، ودخل بها تشاد واستولى على السلطة في إنجمينا، التي فرَّ منها هبري إلى السنغال.

    في البدء، كان التهديد الذي ظلَّ يهدِّد نظام ديبي هو ذلك الذي شكَّلته "حركة الديمقراطيَّة والتنمية"، وهي حركة كانت تستمد نفوذها من أنصار الرئيس المخلوع حسين هبري، وكانوا ينطلقون من نيجيريا والنيجر، ويتَّخذون من منطقة بحيرة تشاد مسرحاً لعملياتهم العسكريَّة، وبخاصة في مستهل كانون الأول (ديسمبر) 1991م. وبرغم من أنَّ أحداث حدجيراي في تشرين الأول (أكتوبر) 1991م قد تمَّت معالجتها – وإن كان جزئيَّاً – العام 1992م، إلا أنَّ أهل الجنوب بدأوا يتململون ضد الجيش التشادي الذي يسيطر عليه أهل الشمال، وإنَّ أثنيَّة "الزغاوة" – قبيلة الرئيس ديبي نفسه – لهي العنصر الغالب في الجيش، وفي الحق جلهم من السُّودانيين في دارفور، مما جلبوا لأنفسهم استياء أهل الجنوب التشادي. وبعد مقتل جوزيف بيهيدي في العاصمة إنجمينا في شباط (فبراير) 1992م تمرَّد أهل الجنوب في الجيش التشادي بقيادة الملازم مويس كيتي، وقد قام الحرس الجمهوري بارتكاب مذابح ضد أهل الجنوب في قرية قور والقرى المجاورة في سبيل مساعيه للقضاء على عصيان كيتي.(87) وهكذا نجد أنَّ الحرب الأهليَّة التشاديَّة، التي كانت في جوهرها نزاعاً بين رحل (عرب) وظاعنين (أفارقة) حول السلطة السياسيَّة في البلاد، وإن تخلَّلها العاملان الديني والأثني، أمست ذات أبعاد متشعِّبة، وتدخُّلات إقليميَّة ودوليَّة متعدِّدة. ولعلَّ نظام تومبلباي – كما رأينا – كان يمثِّل مجموعة "السارا" في جنوب تشاد، وهم مسيحيُّون رعتهم فرنسا أثناء الاستعمار وأنعم عليهم بالسلطة، وأغدق عليهم بالامتيازات السياسيَّة الاجتماعيَّة، ومن ثَمَّ انتقلت السلطة للشماليين المسلمين بعد حكومة تومبلباي بالطريقة التي سردناها سلفاً. ثم حدثت فتن وصراعات، مما أسفر عنها استقرار السلطة في الثمانينيَّات من القرن المنقضي تحت قيادة حسين هبري، الذي يمثِّل أثنية "القرعان"، وبتحالف شاركت فيه بعض القبائل العربيَّة ومجموعات أخرى، ثم قضى إدريس ديبي على نظام هبري العام 1991م بمساعدة من النظام "الإنقاذي" في الخرطوم، الذي أزعجه وجود مكتب للحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في إنجمينا. وينتمي ديبي – كما أسلفنا ذكراً – إلى أثنية "الزغاوة"، التي لا تشكل أكثر من 10% من جملة سكان تشاد، لكنهم بوصفهم المادي وترابطهم مع بعضهم بعضاً طغى اسمهم، مما حدا بالأثنيات الأخرى للتفكير والعمل للإطاحة بالسلطة والحلول محلها.(88)

    وبرغم من "سعي قيادات سودانيَّة إلى تجميع المجموعات العربيَّة الطامحة إلى استعادة السلطة في تشاد وتدريبها وتسليحها (...)، إلا أنَّ الرئيس التشادي إدريس ديبي أصرَّ على موقفه الرافض للتعامل مع المعارضة السُّودانيَّة، التي سعت في منتصف التسعينيَّات إلى إيجاد موطئ قدم في تشاد وقيادة عمليات في مواجهة الحكومة السُّودانيَّة، كما حدث في شرق البلاد، انطلاقاً من إريتريا."(89) وإنَّ الميليشيا العربيَّة التي تتحدَّر من قبائل القرعان والهبانية والسلامات والمسيريَّة، أكَّدت للحكومة السُّودانيَّة أنَّ في استطاعتها الوصول إلى إنجمينا وتغيير نظام الحكم واستعادة السلطة التي فقدتها العام 1990م بسقوط نظام حسين هبري على يد إدريس ديبي، كما استطاعت القيام بذلك للمرة الأولى العام 1978م عندما استولى الرئيس جوكوني عويدي على السلطة في تشاد. والجدير بالذكر أنَّ الرئيسين السابقين عويدي وهبري وصلا إلى السُّلطة انطلاقاً من دارفور في الأعوام 1978 و1981م، وبدعم مباشر من الخرطوم. وبرغم من هذا الموقف التشادي الرسمي الرافض لتقديم أي دعم للمعارضة السُّودانيَّة، إلا أنَّ نظام الخرطوم لم يلتزم بذلك الحياد. فنجد أنَّ متمرِّدي "تجمع الديمقراطيَّة والحرية" أو "حركة التجمع من أجل الديمقراطية والحريَّة" – التي تتزعَّمها قيادة ثلاثيَّة تتكوَّن من الجنرال محمد نوري والشيخ ابن عمر وآدم حسب الله - قد انطلقوا من الأراضي السُّودانيَّة، وقاموا بالهجوم على بلدة أدري التشاديَّة في يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2005م، وذلك بعد أن "تلقوا تدريباً وتجهيزاً على أساس أنَّهم وحدة من الجيش السُّوداني، وأنَّ زعيمهم مقرَّب من الرئيس السُّوداني عمر البشير." وقد شاركت جماعة "منبر التغيير والوحدة الوطنيَّة والديمقراطيَّة" في الهجوم على بلدة أدري على حدود تشاد الشرقيَّة مع السُّودان، كما زعم زعيم المنبر يابا ديللو دييرو. ولدحض مزاعم الخرطوم أنَّها لا تأوي المعارضة التشاديَّة ولا تقوم بمساعدتها قام عبد الواحد عبود مكاي بإجراء مقابلة إذاعيَّة كشفت أنَّه موجود في العاصمة السُّودانيَّة، وإنَّ حركته لتقيم علاقات وديَّة مع الخرطوم. وقد أغضب هذا الإفصاح عن الأمر، الذي ظلت الخرطوم تنكره حيناً من الدهر، السلطات السُّودانيَّة، وقامت باعتقال عبد الواحد عبود في يوم الخميس 19 كانون الثاني (يناير) 2006م ومعه 19 آخرين من المتمرِّدين التشاديين. والجدير بالذكر أنَّ كلاً من عبد الواحد عبود وعبد الله عبد الكريم قد وقعا على اتفاق بين ثماني جماعات تشاديَّة متمرِّدة اتفقت فيما بينهما في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2005م على تشكيل "الجبهة المتحدة للتغيير الديمقراطي".(90)

    وفي هذه الأجواء الحربيَّة تزعَّم أحمد (يوسف) توغويمي – وزير الدفاع التشادي السَّابق – "حركة العدل والمساواة" المعارضة، وقاد تمرداً ضد الرئيس إدريس ديبي في شمال البلاد، وسيطر على مرتفعات تيبيستي على الحدود الليبيَّة-التشاديَّة العام 2000م قبل أن تتمكن منه القوات التشاديَّة. وكذلك شن "اتحاد القوى من أجل الديمقراطيَّة والتنمية" المعارض هجوماً على مدينة أبيشي في شرق البلاد في يوم 4 شباط (فبراير) 2006م، وسقط ما لا يقل عن 220 قتيلاً وعشرات الجرحى وآلاف المهجرين، مما أسفر الهجوم عن عرقلة عمل الإغاثة في دارفور، حيث تتخذ المنظمات الإنسانيَّة من هذه المدينة مركزاً لخدمتها؛ وسيطرت جنود "تجمع القوات الديمقراطيَّة" على مدينة بيلتين، التي تبعد 60 كيلومتراً شمال-شرقي مدينة أبيشيه، ويتزَّعم هذا التجمع الذي ينشط في وسط تشاد الشقيقان توم وتيمان إرديمي، ويمثل الشقيقان تيار "الزغاوة" الناقمين على إدريس ديبي. ومن جانب آخر، هناك قضية "زغاوة كوبي"، الذين كانوا يعارضون نظام الرئيس التشادي ديبي المدعوم من قبل "زغاوة البديات"، ووجدوا دعماً عسكريَّاً في جمهوريَّة إفريقيا الوسطى – أي في عهد الرئيس باتاسيه، حيث كانت تدعمهم ليبيا. وبعد سقوط نظام باتاسيه في بانغي على يد جنود الرئيس فرانسوا بوزيز دخل هؤلاء إلى دارفور وهم يحملون السلاح، وتمازجوا مع المجتمع الدرافوري. وهناك كذلك فصيل النقيب محمد نور عبد الكريم (من أثنية التاما، وهو نائب سابق للجبهة المتَّحدة للتغيير الديمقراطي) في شرق البلاد والذي لا يمكن إغفاله، برغم من محاولته الفاشلة لاجتياح العاصمة – إنجمينا، التي باتت يتداولها المحاربون ككرة ثلج على مدى ثلاثة عقود – في نيسان (أبريل) 2006م.(91)

    ففي نهاية آذار (مارس) 2007م هاجم تحالف المتمرِّدين التشاديين والميليشيات السُّودانيَّة قريتي "تيرو" و"مارينا" في وادي تشاد (على بعد 45 كيلومتراً من حدود غرب السُّودان)، حيث استغرق حصول فريق الأمم المتحدة على إذن لزيارة هاتين القريتين نحو أسبوع. وعند وصول الفريق كانت رائحة الجثث المتحلِّلة والدِّماء المسفوكة والدَّمار في انتظاره. وقد قدَّرت الأمم المتحدة عدد الضحايا ب 400 شخصاً. وفي نيسان (أبريل) 2007م انطلق متمرِّدو "اتحاد القوى من أجل الديمقراطيَّة والتنمية" بزعامة الجنرال محمد نوري، و"تجمع القوى الديمقراطيَّة" بقيادة توم وتيمان أرديمي، و"جبهة الوفاق الوطني" التشاديَّة بزعامة الدكتور حسن صالح الجنيدي (من قبيلة اللحيمات العربيَّة)، انطلقوا من الأراضي السُّودانيَّة وتجمَّعوا قرب منطقة أمدجريما (19 كيلومتراً داخل العمق التشادي)، وشنّوا هجوماً على تشاد. وأثناء تعقُّب القوات التشاديَّة للمتمرِّدين دخلوا الأراضي السُّودانيَّة، مما أدَّى إلى الاشتباك بين القوات السُّودانيَّة والتشاديَّة ومقتل 17 من قوات الأولى وجرح أكثر من 40 آخرين إثر تصديها لهجوم القوات التشاديَّة. وقد بلغ عدد القتلى من الجانبين 30 قتيلاً وإصابة نحو 50 آخرين. ونسبة لأسباب بشريَّة (سياسيَّة واجتماعيَّة) وطبيعيَّة، لم يأت البروتوكول العسكري الموقَّع بين الخرطوم وإنجمينا في يوم 28 آب (أغسطس) 2006م بالنتائج المرجوة.(92) وإنَّ انسحاب المتمرِّدين التشاديين داخل الأراضي السُّودانيَّة لمبعثه عاملان: أما أولهما فهو إنَّ السلطات السُّودانيَّة قد لا تمانع في وجودهم داخل السُّودان، وربما حمت ظهورهم تحت دعاوي صد الجيش التشادي الذي دخل بقضه وقضيضه إلى الأراضي السُّودانيَّة دون مراعاة لسيادة الدولة السُّودانيَّة؛ أما ثانيهما فهو يعني احتمال وجود معسكرات للمتمرِّدين التشاديين داخل السُّودان، وكل ما فعله هؤلاء المتمرِّدون التشاديُّون هو عودتهم إلى قواعدهم.

    فبينما كانت الأحداث تسير بالصورة التي شهدناها جاءت الطامة الكبرى في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2007م حين اتَّهمت الحكومة التشاديَّة منظَّمة "قوس الحياة" (Zoe d’Arc) الفرنسيَّة بأنَّها تقوم بأخذ الأطفال السُّودانيين (103 طفلاً) من مخيَّمات لاجئي دارفور لبيعهم في فرنسا وبلجيكا، وقبضت السلطات التشاديَّة على 9 فرنسيين (6 أعضاء في المنظَّمة و3 صحافيين)، و7 أسبانيين هم أعضاء طاقم الطائرة المستأجرة بتورُّطهم في هذه العمليَّة، إضافة إلى طيار بلجيكي واثنين من التشاديين اتهما بالاشتراك معهم. ومن جانب آخر، ذُكِر أنَّ أربعة سودانيين شاركوا في نقل أطفال القرية بمساعدة 3 فرنسيين إلى منطقة أدري التشاديَّة، وهم: هاشم السنوسي، الفكي سليمان إبراهيم، حسن سعد الدين، وأحمد عشر. وحسب إفادة عمدة قبيلة المساليت بقرية "أسونقا" محمد خاطر أحمد، مشيراً إلى أنَّ السنوسي كان مسؤولاً عن نقل الأطفال عبر عربته "الكارو" إلى الفكي سليمان، فيما كان سعد الدين وعشر يقومان بإقناع أولياء الأمور بتسليم أطفالهم للمنظَّمة لتلقي التَّعليم، وابتدرا العمليَّة بتسليم أطفالهما.(93) وقد تولى أمر هؤلاء الأطفال (21 طفلة و82 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين العام وعشرة أعوام) بعد إنقاذهم في مدينة أبيشي التشاديَّة مسؤولون من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التَّابعة للأمم المتحدة، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف)، واللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر. وبما أنَّ أفراد المنظَّمة كانوا يصرِّون أنَّهم أخذوا هؤلاء "اليتامي للتبنِّي والعلاج والتعليم" والإقامة مع عائلات أوربيَّة مقتدرة ولسوف تعاملهم "بكل لطف وحنان"، قال بعضها إنَّهم دفعوا ما يصل إلى ألفي يورو أو أكثر "كتبرع" لتغطية تكاليف النَّقل، إلا أنَّ السلطات التشاديَّة والرأي العام الشَّعبي في هذا البلد تقول إنَّ هؤلاء الأطفال أُخِذوا خداعاً أو اختطافاً من ذويهم بغرض التجارة بهم لمن يرغبون في الأطفال بما فيهم الشواذ جنسياً، أو بغرض قتلهم وبيع أعضائهم للمحتاجين، وبخاصة حين يتم أخذ الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة بهذه الطريقة غير القانونيَّة وغير الأخلاقيَّة – أي دون موافقة أولياء أمورهم، وعدم امتلاكهم للأوراق الثبوتيَّة – فإنَّ كل شيء لجائز في عالم اليوم، كما كان جائزاً في عالم الأمس. ومن المقابلات التي أجرتها منظَّمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر تتناقض مع بيانات منظمة "قوس الحياة"، التي وصفت الأطفال بأنَّهم أيتام ومرضى ومعزون. وقد قال 91 طفلاً إنَّهم ليعيشون مع عائلاتهم المكونة من شخص واحد بالغ على الأقل يعتبرونه أحد والديهم، وقال بعضهم إنَّ آباءهم لا يزالون أحياءاً، وإنَّهم تعرَّضوا للإغراء بالحلوى والبسكويت للخروج من قراهم على الحدود السُّودانيَّة.(94) على أيَّة حال، فقد تسببت هذه الحادثة في فقدان الثقة بين النَّازحين واللاجئين من جهة، والمنظَّمات الإنسانيَّة الغربيَّة من جهة أخرى. ولكن – بعد اعتقال هذه المجموعة – يبرز السؤال المهم التَّالي: هل هذه هي أول رحلة التي حاولت الطائرة المأجورة القيام بها أم أنَّها قامت برحلات مثيلة في الماضي قبل اكتشاف أمرها في تشرين الأول (أكتوبر) 2007م؟

    أمَّا بعد، فبالنظر إلى طبيعة أشخاص بعض الأعضاء المؤسسين لحركتي تحرير السُّودان والعدل والمساواة، والواقع على الأرض، والحركات المعارضة في تشاد، وكيفيَّة وصول الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى السُّلطة في إنجمينا في بادئ الأمر، يمكن أن ندرك – دون عناء – أنَّ الوضع السياسي والاجتماعي في هذه المنطقة معقَّدة أيما التعقيد، وتفاعل المصادر البشريَّة والعوامل السياسيَّة وتشابكها مع بعضها بعضاً تصب في خدمة الأغراض السياسيَّة المباشرة وغير المباشرة لأطراف بعينها. برغم من انتشار مزاعم سودانيَّة حكوميَّة بدعم إنجمينا لمتمرِّدي دارفور، إلا أنَّنا لم نعثر على بيِّنة ماديَّة عما هم زاعمون، بل العكس تماماً. فمن خلال تصريحات المسؤولين في الخرطوم، وأقوال فقهاء السلطان، وتلميحات مؤيِّدي السلطات الخرطوميَّة من غير عذر سياسي واضح سوى بقيَّة من جاهليَّة، نستطيع أن نجزم – ولا شك في ذلك – أنَّ الخرطوم تدعم مسلِّحي تشاد كما دعمت إدريس ديبي من قبل وأوصلته إلى سدة الحكم في إنجمينا. أي جذرت دولة "الإنقاذ" غرسها في تشاد فنبت حسكها، ومع ذلك، فهناك من كان يعتبر ذلك الحسك زهراً نضيداً. ففي الهجوم الثاني الذي شنَّه المتمرِّدون التشاديُّون على إنجمينا في مختتم كانون الثاني (يناير) 2008م بدأ بعض فقهاء السلطان في الخرطوم يستبشرون تصريحاً ب"أنَّ إفريقيا ستشهد ميلاد دولة عربيَّة جديدة"، وأذاع بعض قادة الحكم في الخرطوم في الناس "أنَّكم ستسمعون أخباراً سارة قريباً من تشاد"، واستبق بعضهم الأمور بنضرات النعيم التي بدت تتراءى على وجوهم. إنَّ هذه التصريحات والتلميحات لوسائل الإعلام المختلفة، والتباشير بميلاد دولة عربيَّة جديدة في قلب إفريقيا النابض، لينبئنا بما لا مُراء فيه أنَّ ثمة شيئاً ما يختمر في بواطن المسؤولين السُّودانيين، وهذا يوضِّح بجلاء أنَّ هناك قصداً وتصميماً للوصول إلى غاياتهم السياسيَّة مهما كلَّفهم من ثمن، أو أرهقهم من جهد.

    أما في حال صدق مزاعم الخرطوم ضد إنجمينا، فإنَّ ذلك قد يعود إلى رؤية الحكومة في إنجمينا – أو على الأقل أعضاء نافذين فيها – أنَّ عليهم مساندة بني جلدتهم في حركتي تحرير السُّودان والعدل والمساواة اللتين يشكل أبناء الزغاوة – القبيلة الحاكمة في إنجمينا - جزءاً رائساً فيهما. وفي حال متمرِّدي دارفور فإنَّ من يتعرَّض للضيم من حاكم غشوم كان لزاماً عليه أن يلتمس العون والمدد من كل مَنْ يرى عدالة قضيَّته، كما أنَّ السلاح أمسى سلعة عالميَّة رائجة يشتريها من يستطيع إلى ذلك سبيلاً، ثمَّ إنَّ المتمردِّين في دارفور قد حقَّقوا انتصارات عديدة على قوات الحكومة السُّودانيَّة وميليشياتها، وبالطبع قد اغتنموا كثيراً من السلاح. كما أنَّ نظام الخرطوم يرى في زعزعة الاستقرار في شرق تشاد بأنَّها تحقق لها عدة أهداف آنيَّة، منها: المعاملة بالمثل ضد النظام التشادي، وخلق وضع غير آمن في هذا الجزء من البلد حتى يجفل الاتحاد الأوربي عن نشر قواته في شرق تشاد وشمال شرق جمهوريَّة إفريقيا الوسطى. إذ ترى الخرطوم أنَّها هي المعنيَّة بنشر هذه الوحدات العسكريَّة الأوربيَّة بسبب أزمة دارفور، وإنَّ شيوع عدم الاستقرار في هذه المنطقة كلها ليجعل المجتمع الدولي أن يعيد تفكيره بغية إرسال القوات الهجينة إلى إقليم دارفور المضطرب في السُّودان. وفي هذه الحال المربكة والمرتبكة نشطت الحكومة السُّودانيَّة مستخدمة طرائق شتى ومكائد متنوعة. وأخيراً ربما حالت الإمكانات الماديَّة والبشريَّة لدي السُّودان وتشاد دون ضبط توغل الحركات المسلَّحة في البلدين، وبخاصة إذا علمنا أنَّ كلتا الدولتين قد عجزتا عن دحر معارضيها المسلَّحين داخل حدودها، فكيف تظفر كل منهما بالسيطرة على المتمرِّدين التَّابعين لدولة أخري، وهم يستخدمون أسلوب الكر والفر المعهود لدي حروب العصابات. ونسبة لطول الحدود وكثرة المنافذ والمعابر الحدوديَّة، فشلت اللجنة المشتركة بين السُّودان وتشاد في مراقبة الحدود بين البلدين، فضلاً عن غياب العزيمة السياسيَّة في أول الأمر.


                  

العنوان الكاتب Date
صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-03-08, 07:26 AM
  Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-03-08, 10:21 AM
    Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-04-08, 04:48 AM
      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-04-08, 06:44 AM
        Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-04-08, 07:45 AM
          Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-04-08, 11:04 AM
            Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-05-08, 04:49 AM
              Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-05-08, 06:23 AM
                Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-05-08, 07:54 AM
                  Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-05-08, 08:18 AM
                    Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-05-08, 08:34 AM
                      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-07-08, 04:32 AM
            Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-07-08, 11:35 AM
              Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-10-08, 06:01 AM
                Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-10-08, 11:16 AM
                  Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-12-08, 11:37 AM
                    Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-13-08, 05:30 AM
                      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-20-08, 11:18 AM
                        Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! Mohamed Omer03-16-08, 11:03 AM
                    Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-21-08, 08:20 AM
                      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-21-08, 08:26 AM
                      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-21-08, 08:26 AM
              Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! Mohamed Omer03-16-08, 11:07 AM
            Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! Mohamed Omer03-16-08, 11:02 AM
          Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك02-21-08, 04:23 AM
            Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك03-12-08, 05:10 AM
              Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك03-16-08, 05:54 AM
  Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! Mohamed Omer03-16-08, 10:58 AM
  Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! Mohamed Omer03-16-08, 11:00 AM
    Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك03-17-08, 04:17 AM
      Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك03-17-08, 04:39 AM
        Re: صراع الانظمة الدكتاتورية حول تشاد ...ما اشبه الليلة بالبارحة !! الكيك03-17-08, 09:45 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de