مهجرو جنوب طوكر ، واستحقاق إعادة التوطين ... بمناسبة إنشاء صندوق إعمار شرق السودان *
بمناسبة خبر تعيين مدير تنفيذي لصندوق إعمار شرق السودان ، مؤخرا ، ضمن إنفاذ بنود اتفاقية أسمرا ، لا ندري كيف ستكون طبيعة هذا المشاريع الإنمائية في ظل اتفاقية خلت بنودها من إي برنامج تفصيلي لتسوية أوضاع مهجري حرب العام 1997 م بين المعارضة والحكومة بمنطقة جنوب طوكر. ما لا يعرفه الكثيرون أنه في مثل هذه التسويات مثل اتفاقية أسمرا ، حين يكون الطرفان الموقعان عليها ، هما السبب الأساس في تدمير تلك المنطقة ـ وكذلك منطقة ضواحي كسلا ـ فمن الطبيعي أن لا يكون هناك بند مفصل في الاتفاقية إلا من خلال عبارات عائمة ، وغير منضبطة ، لا سيما وأن المنطقة ـ التي لا تكاد تعرف إعمارا منذ بدْ الخليقة ـ كانت باستمرار من الهوامش المهملة لحكومات السودان الشمالي المتعاقبة ، كما أن طبيعة التداخل الحدودي لسكانها ظلت دائما هي الحجة المبطنة لذلك الإهمال الذي وجد في التمدد الحدودي لقومية التقرى (قبائل الحباب وبني عامر) ما يشبه الذريعة للتنصل من استحقاقاته تجاه هذا الجزء من الوطن وأهله . لقد كان للوضع الاستعماري لأرتريا أثر كبيرا في تعاطي الحكومات المتعاقبة مع قومية التقرى ـ كما لوكانت هذه القومية عنصر طارئا ً ـ وكان هذا الفهم يتغذي من الضعف الذي انعكس على هذه القومية بسبب الاستعمار الأثيوبي لأرتريا ؛ إذ أن جزء كبيرا منها وقع لضغوط الوضع الاستعماري من قتل وتشريد ولجوء . و بدا الإحساس الدائم للحكومات المتعاقبة ملتبسا تجاه سكان هذه المنطقة ـ جنوب طوكر حتى قرورة ـ الذين هم قومية التقرى (قبائل بنو عامر والحباب) وللأسف كان لهذا الالتباس ظلال سالبة على قومية ظلت باستمرار تجد في المطالبة بحقوقها الطبيعية ، ما يشبه استنكارا مبطنا لتلك الحقوق (طبعا كان ذلك في جزء منه ضمن الإهمال الكبير الذي طال كل أطراف السودان المهمشة ) لكن لانعكاس الأوضاع السيئة في إرتريا طوال النصف الثاني من القرن العشرين على أبناء هذه القومية في السودان ، مضافا ً إليه الجهل ، والإهمال ، والتهميش ، كل ذلك ضاعف من أحوال هذه القومية لجهة وجودها الطبيعي في السودان ، لا سيما عند موجات اللجوء التي كانت تفيض بسبب الحرب في إرتريا . هذه مقدمة لا بد منها ونحن نتحدث عن ما جرى لأهالي منطقة جنوب طوكر في حرب العام 1997 . ذلك أن الحرب التي استغلت هذا الهامش الرخو في منطقة جنوب طوكر أثناء تحالف المعارضة مع الحكومة الإرترية ، أحدثت دمارا شاملا في المنطقة المهملة أصلا ، وكان النتيجة تدمير أكثر من 20 قرية في المنطقة الممتدة من قرورة وحتى طوكر ، ولجوء أهل هذه القرى إلى بورسودان للعيش مع ذويهم في الأحياء الشعبية ، فضلا عن القتلى والجرحى ، والمفقودين ـ الذين لم يشملهم بند يشرح وضعهم على نحو تفصيلي في اتفاقية أسمرا! ويذكر الأستاذ محمد الحسن طاهر في مقال نشر بسودانايل بعنوان (النازحون في الشرق ينتظرون انصافهم) توثيقا احصائيا للقرى المتضررة في منطقة جنوب توكر وضواحي كسلا قائلا : (اشتعلت الحرب في جنوب توكر في مارس 1997 ونتج عن هذا أن تعرضت للدمار أكثر من عشرين قرية تمتد من قرورة إلى مرافيت ومن هذه القرى : عدوبنة ، وعيتربا ، و جلهنتي ، وعيت ، وعدارت وعقيتاي ، وعقيق ، ودرهيب ، وعيدب ، وعندل ، وسروبت وعدليبا وهمبوكاييب وقادم قفريت ... ألخ ونزح سكان هذه المنطقة البالغ عددهم حوالي مائة ألف نسمة إلى توكر وبورسودان وأقام النازحون على أطراف المدينتين في أعشاش وأكواخ مزرية ومكتظة وليس فيها مرافق صحية ولا خدمات ، وتركوا وراءهم 17 شبه مدرسة وعددا من المراكز الصحية البائسة . ولم تقدم لهم الدولة أي مساعدات بالرغم من أنها هي التي أشعلت بظلمها الحرب كما أنها كانت تعرضهم للدفاع عنها ضد من أصبحوا شركاؤها الآن . وقضى منهم المئات في القتال ، ونتيجة للإصابة بالكوليرا والملاريا ) أهـ والآن بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تلك الكارثة التي حلت بأهالي منطقة جنوب طوكر ، مازال وضعهم كما هو ، ولم تقم الحكومة ولا جبهة الشرق بإيواء النازحين وتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم في الأرواح والأموال فلماذا ؟ سنجد أنفسنا مرة أخرى أمام ذلك الهروب من الاستحقاق الذي يجب على الحكومة وجبهة الشرق أن تقوما به تجاه هؤلاء المواطنين ، ولكن لأن الخوض في هذه التسوية سيفتح ملفات أخرى تزعج الحكومة وجبهة الشرق معا ، لذلك تتغاضيان عن دورهما ، لا سيما إذا استصحبنا ذلك الإهمال المتمادي لسنوات طويلة تجاه هذه المنطقة ، وذلك الالتباس الذي يلقي بظلاله على أهلها فيما خص مواطنيتهم ، وهو التباس تغذيه أقلام حمقاء مغرضة من جهات عديدة ، ولا تنتبه للمغالطة المكشوفة في ذلك الالتباس . ذلك أن منطق السودان القديم الذي يقوم على فرز أقوامه عن حيثياتهم التاريخية لمجرد واقع الجهل والتخلف ، ولا ينتبه لهم إلا في حالات فلكلورية بائسة كان باستمرار يمثل الحلول المريحة لقلق الهوامش الذي تجاهلته الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال . ثم جاء نظام (الإنقاذ) الذي حاول أن يستقطب ولاء أبناء هذه المنطقة لما عرف عنهم من التدين (وهو في الحقيقة استقطاب بدأه حسن الترابي في سنوات الديمقراطية الثالثة في لقاءات عديدة بشرق السودان عزف فيها على وتر التدين ، مع المامه بلغة التقرى التي كان يخاطبهم بها) بيد أن المؤسف في الأمر أن ذلك الولاء بدا ولاءً مجانيا ، إنشد دائما إلى معان دينية مفترضة ومسنودة بنوايا طيبة ، فيما كان نظام الجبهة ، والإنقاذ بعد ذلك ، يستثمر ذلك الولاء سياسيا ويهدر القيمة الدينية حين تتعارض المصالح . لقد كان ذلك الولاء المجاني في وجه من وجوهه تعبيرا عن إحساس وهمي بمشاركة فعلية من طرف بعض أبناء المنطقة ـ الذين تم إهمالهم لسنوات طويلة ـ في الحراك السياسي ضمن نظام الإنقاذ ، وكان من ذلك أيضا انخراط الكثير من أبناء المنطقة في بعض مؤسسات القطاع الحكومي . لكن كل ذلك لم يترجم ، كوعي قومي بإشكالات المنطقة وحاجاتها التي كانت في أمس الحاجة إلى أن يتبناها أبناء تلك القومية ، وهي حاجات أقل من عادية لإنسان منطقة جنوب طوكر الذي حرم حتى من إحساسه كمواطن بفعل إلتباسات عديدة جرت في المحيط الذي عاش فيه . لكن ثمة تأويل اسلاموي خبيث كان يوحي باستمرار لأبناء هذه القومية المنخرطين في تنظيم الجبهة السابق ونظام الانقاذ فيما بعد ، أن مثل هذه المطالب ضرب من الخوض في الدعوة إلى العنصرية التي ينبذها الاسلام ـ فيما الأمر ليس كذلك ـ وكأن الواقع الطبيعي هو ترك حال المنطقة وأهلها على ما هو عليه . أي تثبيت واقع ظالم لمجرد كونه كذلك ، كحقيقة من حقائق الحياة ؛ بحيث يتقبل أولئك المسيسون من أبناء هذه القومية أن امتيازات المركز ، وحرمان الهامش هو قدر طبيعي . والواقع أن ذلك التفسير الآيدلوجي الذي يطابق بين من يسعى لخدمة أهله ضمن حقوق عامة ، وطبيعية ، وبين العنصرية في تأويلات بعض الإسلامويين الشماليين ـ في الجبهة الإسلامية والإنقاذ فيما بعد ـ كان هو الوهم الذي جعل ولاء بعض أبناء قومية التقري للنظام ولاء مجانيا من ناحية ، وعدم اهتمامهم أو انشغالهم عن قضاياهم القومية الملحة والمرتبطة بمصالحهم الحياتية المباشرة كالتعليم والعلاج والخدمات ، من ناحية ثانية . وبطبيعة الحال ليس هناك علاقة حقيقية بين شعارات النظام ، ومن قبله الجبهة الإسلامية ، وبين القيم الاسلامية الحقيقية التي تم تسويقها كشعارات لذلك الاستقطاب ولعل أوضح مثال لزيف الخطاب التعبوي الذي أغرى أبناء التقري في نظام الانقاذ هو الواقع البائس للمهجرين بسبب حرب العام 1997 الذي مازالت مأساتهم الإنسانية واقعا حيا ً يكشف عن زيف نوايا النظام وجبهة الشرق معا ً . إن ما وقع لهؤلاء المهجرين هو اقتلاع بكل معنى الكلمة ؛ فهؤلاء مواطنون متمسكون بأرضهم التي رفضوا أن يغادروها طوال حياتهم البائسة فيها ، لولا الحرب التي وقعت عليهم . وطبيعة المطالب التي يحتاجون إليها ترتبط بحقوقهم وأموالهم وديارهم التي وقعت ضحية لحرب النظام والمعارضة ، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل . وإذا أردنا اختبار تلك الرؤية التي تدرج هؤلاء المواطنين المهجرين من منطقة جنوب توكز في خانة مهملة لمفهوم المواطنة أو إحساس خامل بجدوى حقوقهم يمكننا أن نقارن بين ما جرى من تعويض للمناصير في الشمال ، لقاء إقامة سد مروي ، وكذلك تعويض بعض العوائل البجاوية التي نزحت من منطقة شلتين؟ هنا ستتكشف المفارقة التي تضمر ذلك الإحساس بلا جدوى مواطنية هؤلاء السودانيين الذين رماهم قدرهم في هذه المنطقة الحدودية الساخنة ؟ وسنحتاج للعودة مرة أخرى لمقال " النازحون في الشرق ينتظرون انصافهم " حيث يحدد صاحب المقال بوضوح ما يحتاج إليه هؤلاء المواطنون : ( ونزح منهم مئات الألوف ، وهجروا مزارعهم ومراعيهم مما تسبب في انتشار أشجار المسكيت فيها ، كما هجروا أعشاشهم التي كانت تؤويهم وهلكت ثرواتهم الحيوانية وأصبحوا فقراء يتسولون في أطراف المدن .... وبما أن كل أطراف ما تسمى بحكومة الوحدة الوطنية شاركوا في دمار هذه المنطقة ، فتقع عليهم مسؤولية تعويض السكان تعويضا عادلا عن قتلاهم وجرحاهم ـ والمفقودين ـ وثرواتهم الحيوانية والسنوات التي هجروا فيها مزارعهم ، وضاع عليهم غرسها ؛ على نفس الأسس التي تم بها تعويض النازحين في منطقة سد مروي وبناء مساكن وقرى جديدة بنفس ذلك المستوى . كما يجب على الحكومة أن تعمل على إصحاح البيئة التي عاش عليها البجة لآلاف السنين لتعود لما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في أراضيهم . والقيام بأسرع ما يمكن بحفر الآبار وفتح طرق آمنة من الألغام ، وتشييد مستشفيات ومدارس فيها وتزويدها بالخدمات الأساسية الأخرى حيث لا يوجد لا مستشفى ولا طبيب ولا قابلة صحية ولا حتى سيارة إسعاف) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * عن جريدة الصحافة الأربعاء 16/1/2008 م (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 01-16-2008, 11:12 PM)

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]