هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 00:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-06-2008, 07:12 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله


    الدكتور/ محمد سعيد القدال

    من مواليد الخرطوم 1935، حاصل على شهادة الدكتوراة في تاريخ السودان الحديث. أستاذ مشارك في مادة تاريخ السودان الحديث في كلية الآداب في جامعة الخرطوم، له العديد من المؤلفات منها:

    1970:التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية
    1972: الحرب الحبشية السودانية(تحقيق بالاشتراك) ط.ث.1992
    1973: المهدية والحبشة. ط.ث. 1993
    1985: الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو
    1986: الإمام المهدي: لوحة لثائر سوداني. ط.ثالثة. 2004
    1987: السياسة الاقتصادية للدولة المهدية. ط.ث. 1992
    1992: الإسلام والسياسة في السودان:621- 1985
    1992: الانتماء والاغتراب: دراسات في تاريخ السودان
    1993: تاريخ السودان الحديث: 1820- 1956. ط.ث. 2003
    1997: الشيخ القدال باشا:معلم سواني في حضرموت. ط.ث. 2005
    1998: السلطان علي بن صلاح القعيطي :نصف قرن من الصراع السياسي في حضرموت. . ط.ث. 1999
    1997: كوبر: ذكريات معتقل سياسي في سجون السودان. ط.ثالثة. 1999
    1999: معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني:1946-1975
    2000: المرشد إلى تاريخ أوربا الحديث: من عصر النهضة إلى الحرب العالمية الثانية
    2000: الدليل على كتابة الأبحاث الجامعية (بالاشتراك)
    2003: الشيخ مصطفى الأمين:رحلة عمر من الغبشة إلى همبرج
    ترجمة كتب من الإنجليزية

    1997 حضرموت: إزاحة النقاب عن بعض غموضها
    1998 رحلة في جنوب شبه الجزيرة العربية
    1999 القات
    2003 تاريخ الطريقة الختمية في السودان
                  

01-06-2008, 07:14 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)
                  

01-06-2008, 07:14 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    تأملات حول اطلاق سراح دكتور الترابي
    [B]د. محمد سعيد القدال

    من اقوال الشهيد محمود محمد طه الشهيرة: «الحرية لنا ولسوانا». طافت بذهني هذه المقولة بعد اطلاق سراح الدكتور الترابي، والتصريحات التي اخذ يدلي بها عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية. وهذا امر جديد في موقف الترابي، ولعله يمثل بشرى لبداية عودة الوعي.

    ان ما قاله الاستاذ محمود لا يمثل موقفا تكتيكيا ليتلاءم به مع مقتضى الحال، بل هو موقف ظل الرجل متشبثا به، ومرابطا عنده حتى اعدم. وما كان اسهل عليه ان يتراجع ليتجنب مواجهة رهبة الموت. ولكن كانت اقدامه راسخة في ارض الثبات على المبدأ. وقد احسن منصور خالد الاستشهاد بقصيدة لأبي تمام عندما رثى محمود ومطلعها:

    لقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

    وربما نتفق او نختلف مع محمود، ولكننا لا نملك الا ان نحترم التجانس بين سلوكه الشخصي ومواقفه العملية وافكاره. وهي مواقف يقل فيها التناقض. وقد عبر هو عن ذلك قائلاً: «ان الاسلام ليس ثوبا يلبس عند مقام الوعظ ويخلع على الرف اذا اقتضى الامر الحديث عنه امر مدني، وانما هو صبغة فكرية لا تنفصل عمن انصبغ بها ابد الدهر».

    فماذا قال الترابي عن محمود بعد اعدامه. اولا نشير الى ان المحكمة العليا اصدرت قرارا في 18/11/1986م، ببطلان حكم الاعدام الذي صدر في حق محمود. ولكن بعد مضي عام ونصف على صدور ذلك القرار، قال الترابي لجريدة الوطن: « لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود.. ان ردته اكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لانه رأي رجلا دينيا يريد ان يقوم بنبوة غير نبوته هو، وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته.. ولقي مصرعه غير مأسوف عليه» (جريدة الوطن، 30/4/1988م).

    ويبعث تصريح الترابي على الدهشة ، بل الكثير من الدهشة. فهو اولا يختصر وقفة محمود الشامخة امام حبل المشنقة وهو ثابت الجنان بأنها بسبب الغيرة. وهذا تبسيط لا يخلو من سطحية، بل يمكن ان نقول ما هو اكثر من ذلك. ثانياً يصف نميري بانه رجل دين، بينما هو احد تجار الدين، ثالثا، ان التصريح يناطح قرار المحكمة العليا. وكيف نقيم حكما ديمقراطيا دون مؤسسات تحافظ عليه، والمحكمة العليا من اهم تلك المؤسسات؟. أليس من حقنا ان نرتاب في تصريحات الترابي عن الحرية للجميع والديمقراطية؟

    وكان الترابي قد صادم قرارا آخر للمحكمة العليا الخاص بحل الحزب الشيوعي عام 1965م، ولو وقف الترابي مع قرار حل الحزب الشيوعي مع من وقف من السياسيين في تلك الايام الكالحة، لقلنا لعله قد انجرف وراء رياح التيه التي عصفت بالحياة السياسية. ولكنه نشر كتابا بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي». وصدر الكتاب في يناير 1967م، اي بعد مضي شهر على قرار المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي. ويقوم الكتاب على فكرة بائسة. واثار ردود فعل عنيفة، كان اكثرها حدة ما قاله محمود محمد طه في كتاب نشره في الرد عليه. قال: «ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر، لانه متهافت، ولانه سطحي، ولانه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري.. ولا نعتقد ان الدكتور الترابي ذهب في كتابه الغريب بفعل الرغبة او الرهبة، بقدرما ذهب بفعل ضحالة الثقافة وسطحية التفكير».

    ويثير كتاب الترابي بعض الاسئلة. هل نصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا؟ وهل اصبحت في البلاد محكمتان، احداهما حكومية والاخرى خاصة بالدكتور الترابي؟ ولماذا لم يعترض على عرض القضية على المحكمة منذ البداية، وظل صامتا لمدى عام؟. واذا اعترض الترابي على احكام المحكمة العليا مرتين، فكيف يمكن ان تتحقق الحرية للجميع وكيف تتم ممارسة الديمقراطية؟ والاسئلة تترى.

    وفي استعراضنا لموقف الدكتور الترابي، نحتاج لوقفة عند علاقته بنميري. عندما قبل بالمصالحة مع من قبل من الاحزاب، لم يكتف بالصمت عند ذلك الموقف مع الذين صمتوا، بل ادلى بالعديد من التصريحات عن نميري ونظامه. فقال بعد اول لقاء مع نميري انه يشيد بالصدق الذي ساد اللقاء، واتاح له اللقاء ان يلمس مجددا حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل، وتأسيس كيانه القانوني. وافاض في حديث آخر في الاشادة بنميري فقال: «ان التزام نميري تجاه امته جاء مسامحا وسخيا عكس الظنون التي توهمت انه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية.. ومهما كان من سياسات اتخذها ازاء الطائفية، فقد انكسرت اليوم شوكتها، وتهيأت حركة سياسية حديثة نحو الاسلام، مبرأة من الجمود والقيود، وتتجه نحو المستقبل.. ان اتساع الفراغ السياسي بالتمزق قد ملأته ثورة مايو حتى وصلت الى شموخها الحالي». واشار في حديث آخر الى ان «مبادرة الرئيس القائد لدعم الوحدة الوطنية خطوة شجاعة ورائدة» واكد ـ انهم لا يكادون يختلفون مع الثورة الا في قضايا فرعية، لا يفك الناس عن الاختلاف حولها». (جريدة الايام 23/12/1977م و20/3/1978م).

    ولا خلاف لنا حول ما قاله الترابي عن نميري، فهذا من حقه. ولكن خلافنا معه بل دهشتنا، حول ما قاله بعد سقوط نميري. فقال عام 1990م: «ان المصالحة مع النظام المايوي اثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الاسلامية، ولثارات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء (من كتابه الحركة الاسلامية، ص 195).

    هذا الانقلاب الدرامي في موقف الترابي، يزيد من ريبتنا حول تصريحاته عن الديمقراطية والحرية للجميع.

    ثم جاءت سنوات الانقاذ. ولسنا بصدد اجراء محاكمة لما حاق بالبلاد من خراب خلال تلك السنوات العجاف ، فهذا أمر متروك للتاريخ والتاريخ لايرحم. ونكتفي ببعض المقتطفات من الكلمة التي نشرها الطيب صالح في مجلة المجلة بعد خروج الترابي من السجن . قال: « اليوم ينعم الله على الترابي نعمة اضافية، بعد ان مكن له في بلاد السودان، يشاء ان يذهب طليقاً.. وبينما هو كذلك، شاءت له ارادة الله ان يسقط فجاءة من عليائه ..وان يذوق على ايدي انصاره السابقين بعض ما ذاق الناس على يديه، لم يكن حبسه القسري في مرارة بيوت الاشباح والزنازين التي وصفها الذين دخلوها بأنها لاتسمح للجالس ان يقف، ولا الواقف ان يجلس، ولا المضطجع على جنبه الايمن ان ينقلب على جنبه الأيسر. وغير ذلك من اهوال يشيب لها الرأس. ولايشفع للدكتور الفاضل امام الله والناس ان يقول انه لم يكن يعلم، وانه ليس مسؤولاً عما حدث. ان الله يعلم والناس يعلمون ان كل تلك الاهوال قد ارتكبت، ان لم يكن بتدبيره ، فقد حدثت من دون اعتراض منه. وكان الله رحيماً حقاً حينما انتزعه من عالم الغرور والكبرياء الذي كان يحيط به ، وزج به في غياهب الجب حتى يثوب الى نفسه.. ولعله فعل. لأن بعض ما قاله إثر خروجه من السجن ان الجبهة الاسلامية بزعامته اضطرت الى احداث تغيير عسكري في البلاد قبل نحو خمسة عشر عاماً، ولكنها اتعظت من التجربة، ويعجب الانسان: هل كان لزاماً ان تدخل الجبهة في التجربة اصلاً؟ وهل كانت تحتاج الى خمسة عشر عاماً حسوماً لتتعظ من التجربة؟ كم ربح السودان في هذه الاعوام وكم خسر ؟ وكم ربح الاسلام وكم خسر ؟ وكم ربح الدكتور الترابي وكم خسر روحياً وعقليا؟.. انني بوصفي رجلاً مسلماً من غمار الناس، ارجو للدكتور كل الخير، وقد سعدت انه خرج من ضيق الحبس الى براح الحر ية، وأخذ من فوره كعهده دائماً يملأ الدنيا ويشغل الناس. ولكنني انصحه نصيحة خالصة، واقول له : «انك اليوم تواجه أصعب امتحان واجهته في حياتك. فكر جيداً ماذا تصنع امام الله والناس. أي طريق تسلك؟ وأي وجهة تتجه؟ هل تعكف على عقلك وروحك فتنجو بنفسك...؟ ام تنغمس مرة أخرى في مستنقع السلطة والحكم والتحالفات والمؤامرات»؟

    ولعل الطيب صالح ليس وحده الذي انزعج للتقلبات في مواقف الترابي السياسة. فقد كتب الاستاذ محمد احمد محجوب في كتابه «الديمقراطية في الميزان » (ص190) يقول، انه يقدر عالياً قدرات الترابي القانونية، ولكنه لايثق في أسلوبه في العمل السياسي. وقال الاستاذ محمد ابراهيم نقد في الجمعية التأسيسية عام 1965م تعليقاً على ما قاله الترابي: ان تصريحات الترابي متضاربة. ومن المهم ان يواجه الانسان خصماً سياسياً له رأى واضح، اما التذبذب والتلون في المبادئ والاخلاق، « فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه) «محاضر الجمعية التأسيسية.

    فهل يمكننا ان نقول ان تصريحات الترابي عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية هى خروج عن تراثه السياسي منذ ان اعتلى منصة النشاط السياسي، وانها تمثل بشرى بعودة الوعي بعد طول غياب؟. وهل نحتاج ان نذكر ان الانسان موقف، وهو موقف يصبح الفرد بدونه عرضة للتطويح كلما هبت رياح عاتية؟
                  

01-06-2008, 07:19 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    الإنقاذ بعد 18 عاما...وقفة وخواطر تاريخية
    محمد سعيد القدال

    لعل الوقت لم يحن بعد لدراسة وتقييم فترة حكم الإنقاذ وهي لمّا تزل في السلطة. ولكن سؤالين ظلا يلحان عليّ وأنا اتحاشاهما ما وسعني إلى التحاشي سبيل لأنهما قد يبتعدان بي عن التناول الموضوعي. وقررت أخيرا هذه الوقفة لأقول بعض الخواطر التاريخية، لعل فيها ما يفتح منفذاً لدراسة أكثر شمولاً وعمقاً. السؤال الأول هو: كيف استطاع حزب الجبهة الإسلامية أن يستولي على السلطة وهو حزب صغير ولم يمتلك بعد التأهيل التاريخي للحكم؟ والسؤال الثاني هو: كيف تمكن هذا الحزب من البقاء في السلطة 18 عاماً وربما تمتد؟ ونحن لا نطرح هذه الأسئلة لنعقد محاكمة لفترة حكم الإنقاذ، ولكن لنحاول قراءة التاريخ بعيداً عن الإدانة والتجريم، فهذه سيأتي لها زمانها ومكانها.

    بالنسبة للسؤال الأول، نحتاج أن نقف عند مفهوم التأهيل التاريخي للحزب السياسي. والمقصود بالتأهيل التاريخي، أو ما سماه قرامشي هيمنة الحزب hegemony of the party، هو أن يمتلك الحزب نفوذاً راسخاً وممتداً من قدراته الاقتصادية والسياسية، ومن نفوذه في الحركة الفكرية والأدبية والفنية، وأن يتولى مفكروه صياغة كل ذلك في برنامج على امتداد الساحة الفكرية. فيكون له حضوره الآسر وسط الرأي العام، ثم يأتي بعد ذلك الاستيلاء على السلطة بذلك التأهيل، وليس بالتآمر والقوة الغاشمة. وأمامنا البرجوازية الأوربية التي ظلت تتأهل لعقود حتى استولت على الحكم. وقد عبر أحد أفرادها عن ذلك عام 1789 عندما اجتمع البرلمان (مجلس الطبقات) في فرنسا، فوقف يصيح: (ما هي البرجوازية؟ إنها كل شيء، ما هو وضعها الآن؟ لا شيء، وماذا تريد أن تكون؟ بعض الشيء). ولكنها في الواقع كانت تريد أن تكون كل شيء، وكان لها ما أرادت، لأنها امتلكت التأهيل التاريخي. وظلت أحزاب الطبقة العاملة تناطحها في السلطة وتسعى لتتأهل تاريخياً. وعندما تتأهل يكون استيلاؤها على السلطة انسياباً مع حركة التاريخ وليس قفزاً فوق المراحل أو تهريجاً ودجلاً أجوف.

    وبمناسبة الحديث عن التأهيل التاريخي، يخطر على بالي موقف الحزب الشيوعي بعد ثورة أكتوبر 1964. فقد خرج الحزب من فترة الدكتاتورية العسكرية نجماً ساطعاً في سماء السياسة السودانية. فشارك في حكومة أكتوبر واكتسح دوائر الخريجين ونافست جريدته الميدان الجرائد المستقلة وبرز عبد الخالق بقدرات كارزمية. واندفع بعض قادته نحو السلطة دون أن يمتلك الحزب التأهيل التاريخي. وأدرك عبد الخالق بنظرته البعيدة خطورة ذلك الاندفاع وحاول لجمه. وتدخلت قوى داخلية وخارجية وحالت دون ذلك، واصطرع الحزب الشيوعي حتى انقسم عام 1970. وكان ذلك هو الفرق بين الثوري والمغامر. وهذه خاطرة عابرة ربما وقفنا عندها لاحقاً وقفة أطول.

    فهل امتلك حزب الجبهة التأهيل التاريخي الذي يمكنه من الاستيلاء على السلطة وحكم البلاد؟ لنجيب على هذا السؤال نعود إلى الظروف التاريخية التي نشأ فيها الحزب. برز حزب الجبهة الإسلامية القومية بعد ثورة أكتوبر بقيادة د. حسن الترابي. وكان حزباً صغيراً، رصيده الأساسي في الجامعات والمدارس لأن الحكم العسكري لم يلجم يده مثل الأحزاب الأخرى، ودور الترابي في ندوة جامعة الخرطوم التي كانت الشرارة التي فجرت ثورة أكتوبر الذي كافأه عليه الخريجون بإعطائه أكثر الأصوات في انتخابات الخريجين.

    فماذا فعل الحزب بعد ذلك؟ فعل ما فعلته كل حركات الهوس الديني بداية من الإخوان منذ حسن البنا وحتى طالبان، وهو الاتكال على سلطة أقوى تستقوي بها وتقوم بدور مخلب القط، وعندما يشتد ساعدها ترميها أو ربما تنقلب عليها. كان الصراع السياسي بعد ثورة أكتوبر عنيفاً. فالحزب الوطني الاتحادي وحزب الامة يتوجسان خيفة من نفوذ الحزب الشيوعي الطاغي وخطابه السياسي المدوي. فقاما بحله وطرد نوابه من البرلمان. واستغلا حزب الجبهة في تلك المعركة. وزاد اتكال الحزب على تلك القوى السياسية وهو يسير في ركبها. وكان المسرح السياسي يموج بصراعات وتيارات، ولم ينجل الأفق بعد. فوقع انقلاب 25 1969 وقلب الموازين.

    ودخل حزب الجبهة مع الأحزاب الكبيرة في معارضة نظام مايو. فشارك في المعارك العسكرية في الجزيرة أبا وفي 1976. وفي ذات الوقت أخذ بعض قادته يتجولون في بلاد البترول ويجمعون الثراء الذي فتحت تلك البلاد لهم أبوابه. وعندما أعلن نظام مايو المصالحة مع القوى السياسية عام 1977، اندفع حزب الجبهة بكل طاقته مع ذلك التيار. وتعامل الصادق المهدي مع المصالحة بحذر، وامتنع الشريف الحسين والحزب الشيوعي عن الدخول فيها.

    وأخذ قادة الجبهة يدبجون الحجج لتبرير دخولهم المصالحة والإشادة البلهاء بنظام نميري. فقال الترابي في أول لقاء مع نميري إنه لمس حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل وتأسيس كيانه القانوني. وإن التزام الرئيس تجاه أمته جاء متسامحاً وسخياً عكس الظنون التي توهمت أنه سيلجأ للبطش بمحكم ثقافته العسكرية. وقال وقد انكسرت شوكة الطائفية اليوم وتهيأت حركة سياسية حديثة نحو الإسلام مبرأة من الجمود والقيود. وإن الفراغ السياسي بالتمزق قد ملأته ثورة مايو حتى وصلت إلى شموخها الحالي. وقال أنهم لا يكادون يختلفون مع الثورة إلا في قضايا فرعية لا ينفك الناس على الاختلاف حولها. وأشار إلى أن دواعي لقائه مع الثورة تعود إلى اتجاه قيادتها نحو المنهج الإسلامي في سلوك القادة وتربية المجتمع وأوضاعه التشريعية. (نص الأحاديث في جريدة الأيام).

    وقال يس عمر الإمام أحد قادتهم في تبرير تصالحهم مع النظام: لقد تصالحنا نحن الإسلاميين مع النظام، وأن من مقتضيات الحكمة ألا يعرض الداعية نفسه إلى خطر الإصابة بالإدمان السياسي. فالمصالحة في المقام أول استجابة للمبدأ القرآني الذي يحكم مبدأ التعامل السياسي مع الخصوم، فطالب المسلم بقبول مبدأ فض المنازعات بوسائل السلم لا بالإضراب. والمصالحة أصل في الإسلام وواحدة من ركائز النهج الإسلامي. ويمضي فيقول: إن الجماعات الإسلامية التي ظلت تعارض الأنظمة، تخدر وعيها بفقه المعارضة، فأورثت أبناءها تقاليد في العمل السياسي قائمة على مناهضة الأنظمة الحاكمة على إطلاقها، وهؤلاء لم يحاولوا أن يكتشفوا أو يتعرفوا على فقه المصالحة الثابت الأصل في الإسلام. ويبرر معارضتهم السابقة لنظام مايو فيقول: إنهم حين دعوا إلى تكوين جبهة وطنية عام 1969، لم يعقدوا حلفاً مقدساً بين أعضائها ولم يكن حلفاً مقدساً لإسقاط النظام، وإنما كان تجمعاً لأطراف المعارضة حول برنامج العمل السياسي المشترك. (الأيام يناير 1980)
    ونحتاج أن نقف ملياً أمام هذه التصريحات.

    (2-3)

    تناولنا في الحلقة السابقة بعض تصريحات قادة الجبهة الإسلامية عندما تحالفوا مع نظام مايو. والتحالفات أمر مشروع في العمل السياسي. ولكن تبرير ذلك التحالف دينياً يثير الدهشة إن لم يثر ما هو أسوأ من ذلك. فالمصالحة مع نظام مايو لا علاقة لها بالقرآن. إن إقحام الدين في السياسة من أخطر الكوارث التي يمر بها العالم الإسلامي، ومن أكبر المحن التي شهدها السودان. وكان حزب الجبهة قد تدرب على هذا منذ حل الحزب الشيوعي عام 1965، ويبدو أته استمرأ الأمر. وكانت تلك هي بضاعته التي تاجر فيها في سوق السياسة.

    الأمر الثاني أنهم ذهبوا في تبرير قبول المصالحة مع نظام مايو أنها أتاحت لهم فرصة العمل العلني وشبه العلني لتقوية تنظيمهم، مهما كانت طبيعة النظام الذي يعملون في ظله. فاحتلوا مناصب مهمة في الدولة. فأصبح حسن التربي عضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، ثم مشرفاً سياسياً على دارفور، ثم نائباً عاماً، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية. وتعين أحمد عبد الرحمن وزيراً للشئون الداخلية، وعين يس عمر الإمام وسعاد الفاتح عضوين في مجلس الشعب. وفي عام 1980 أصبح يس عمر الإمام رئيساً لمجلس إدارة جريدة الأيام الحكومية. وبلغ شهر العسل ذاك قمته بانفتاح الأبواب على البنوك الإسلامية، التي عمل فيها جماعة الجبهة بهمة وراكموا ثراءً عريضاً. إن الفيلية هي زاد حزب الجبهة الأساسي في تطورها السياسي.

    ثم أخذ قادة الجبهة يتبارون في الإشادة بنميري. فكتب يس عمر الإمام عن كتاب: النهج الإسلامي لماذا؟: الذي صدر باسم نميري يقول: (إن الكتاب انفعال كثيف بتجربة أمة في مرحلة دقيقة من تاريخها، ورؤية في قلب الأحداث لرائد كان له النصيب الأول في صنعها... ويكتسب مؤلف الأخ الرئيس أهميته كسفر تاريخي غير مسبوق في فكره ومحتواه (التشديد من عندي). وكتب موسى يعقوب يقول: إن نميري مسلم يسهم في بلورة الصحوة الإسلامية بفكره، وإنه بدأ الهجرة من منطقة المسلم العادي إلى منطقة المسلم العامل الملتزم (جريدة المسلمون، يونيو، 1982). ووصف الترابي نميري بأنه مجدد هذه المئة، أي أنه الإمام الذي يأتي على رأس القرن الهجري ويجدد الإسلام.

    وعندما أعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983، التي سميت الشريعة ودفع الأستاذ محمود محمد طه حياته ثمنا لمعارضته لها، قال الترابي إن تلك القوانين جاءت بركة ضخمة، وأن الرئيس قاد الاتجاه السليم في المجال الاقتصادي والنمط السلوكي الرشيد في القيادة وفي مجال التشريعات بوجه حاسم لم يسبقه إليه أي حاكم من قبل. وتنصل عن حزبه وقال إن الذين ينسبونه إلى الإخوان المسلمين أرجو ألا يكونوا يقصدون طائفة منكفئة على نفسها تنتهز الفرصة للاستيلاء على السلطة!!. (التشديد والتعجب من عندي).

    ووصل تلاحم جماعة الجبهة قمته عند مبايعة نميري إماما للمسلمين في قرية أبوقرون. فكتب يس عمر الإمام يقول: انهمرت الدموع في إبي قرون وهي تستعيد ذكرى السيرة العطرة ومواقف الصحابة في بيعة الرضوان... وتحرك رئيس الجمهورية وسط الناس يحيط به الحراس... البيعة عهد سياسي يقوم على ركائز الدين.. وأمر البيعة لا يستوي إيمان المرء إلا به.

    وجعلهم عمى السلطة يسكتون على هجوم نميري المتواصل عليهم بعد أن أطل الصراع على السلطة برأسه. بدأ الهجوم تلميحاً، ثم أصبح أكثر وضوحاً. فقال في اجتماع القيادة المركزية للاتحاد الاشتراكي: (قسوت على بعض المرجفين والعملاء الذين باعوا أنفسهم وباعونا لغير هذا الوطن ولغير ديننا الحنيف، إنه النفاق... وإنني والشعب معي نعرف خداعهم في المظهر ونعرف زيفهم في الحياة وكذبهم في المعاملات... ونعرف من أين يأتون بالأموال وكيف أن مشاريع الثورة التي قصدنا بها تركيز الاقتصاد صارت مشاريع في أيديهم).

    وفي فجر 11 مارس 1984 انقض نميري على حلفائه واعتقل قادة الصف الأول والثاني الذين عثروا عليهم. واندهش بعضهم لهذا الانقلاب المفاجئ، حتى أن أحدهم طلب من رجل الأمن الذي اعتقله أن يسمح له بالاتصال بالرئيس، فقال له إن الرئيس نفسه هو الذي أمر بالاعتقال. وأذاع نميري بيانا هاجم فيه حزب الجبهة قائلا: إنهم يتسترون بالإسلام لتقويض منجزات الشعب، وارتضوا المصالحة لتحقيق مآربهم السياسية، وشاركوا في تطبيق الشريعة الإسلامية بغرض التغول على مكتسبات الشعب والقفز للسلطة باسم الدين. وقال إنهم جماعة شيطانية، وهم أبعد الناس عن الإسلام، ويعملون من أجل تحقيق أهدافهم الرخيصة من خلال الدعوة بتجديد الإسلام، واتخذوا التطرف والتعصب والزج بالدين لكسب جولات سياسية. وأنهم بذروا الفتنة في الجنوب والشرق والغرب، واحتكروا السلع الاستراتيجية كالذرة والفول، وحولوا المصارف الإسلامية إلى قلاع مقفولة لهم وتلاعبوا بالنقد الأجنبي، وأدخلوا السلاح إلى السودان عن طريق دولة ترعى الإسلام.

    الأمر الثالث الذي يثير الدهشة، أن قادة الجبهة الإسلامية بعد أن رفعوا نميري ونظامه إلى عنان السماء، انقلبوا 180 درجة وانهالوا عليه بعد سقوطه عام 1985. فأصدروا عدداً من الكتب، منها كتاب د. الترابي بعنوان: الحركة الإسلامية في السودان، التطور، المكسب، المنهج. الخرطوم 1990. وكتاب د. حسن مكي: الحركة الإسلامية في السودان: تاريخها وخطابها السياسي. الخرطوم 1990. وكتاب محمد وقيع الله: الإخوان وسنوات مايو. الخرطوم 1988(سوف نستعرض هذا الكتاب بالتفصيل في مقال منفرد). ونشروا العديد من المقالات في الصحف التي كان يسيطر عليها النظام وأوكل إليهم إدارة بعضها. فكتب الترابي يقول إن المصالحة مع نظام مايو أثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الإسلامية ولثارات الحركة من تلقائه ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء. (ص195). ويحشر الإسلام هنا أيضا للمزايدة السياسية. ولا ندري إن كانت تلك الخصال قد تم اكتشافها بعد سقوط نظام مايو، أم أنهم وقفوا عليها أثناء مشاركتهم له في الحكم وسكتوا عليها؟ ماذا نقول في هذا التناقض الفاضح؟

    مازلنا خلف السؤال الأول وهو: كيف استطاع حزب لا يملك التأهيل التاريخي أن يستولي على السلطة؟ فرأينا في الصفحات السابقة كيف تطاول الحزب عام 1964 من حزب صغير إلى حزب يشارك في سلطة مايو ويرفعها إلى أعلى ثم يصطرع معها، ويحني ظهره للعاصفة.

    يتضح من هذه المقتطفات أن حزب الجبهة يريد السلطة بأي ثمن. فلم يكترثوا لأي معايير. وإذا كانت عائلة الهبسبيرج قد تزوجت طريقها إلى العرش كما يقال (married their way to the thrown)، فإن حزب الجبهة شق طريقه إلى السلطة بالنفاق الأعمى والتجارة بالدين. وكان نميري من أكبر تجار الدين، فلم تسلك بضاعته طويلاً معه.

    وسقط نميري، وخرج حزب الجبهة إلى فترة الانتفاضة. فكيف سار تاريخهم في ظلها؟
                  

01-06-2008, 07:22 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    الجذور التاريخية لانتشار ظاهرة الهوس الديني في العالم الإسلامي
    محمد سعيد القدال

    تجتاح العالم الإسلامي أمواج عاتية من العنف الذي لم يشهده في تاريخه. وهذه الموجة العاتية من العنف لها عدة مسميات. فتسمى الأصولية أو الإسلام السياسي أو التأسلم أو الإسلاموية وغيرها. على أننا نفضل استعمال الهوس الديني لأنها الصفة المشتركة بين تلك الحركات على اختلاف مظاهرها ومراميها، ولاتها الصفة التي تعطيعها الوصف المميز لها، فالذي يحدث هذا ما هو إلا طيش وانفلات مجنون. ورغم ان كل واحدة من تلك الحركات لها خصوصيتها في كل بلد إسلامي وتختلف درجاتها من الهوس والتعصب. إلا إن بينها خصائص مشتركة وهي التي سوف نتناولها في هذه الدراسة عن الجذور التي خرجت منها. فما هي الجذور التاريخية التي تشكلت فيها معالم تلك الحركات واتخذت منها صفاتها ؟ نتناول أولا المعالم الأساسية للظاهرة، ثم الصفات المشتركة بينها وأخيراً الجذور التي خرجت منها.

    انتشرت ظاهرة الهوس الديني في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بين قطاع واسع من جيل الشباب، جيل الغد. وهم جيل ايجابي وليس سلبياً رغم اختلافنا معه في التعبير عن ايجابية، فلم يتجه إلى إدمان المخدرات أو السقوط في مستنقعات الرذيلة التي أخذت تحاصره من عدة جهات، بل خرج بعضه مضحيا بحياته في سبيل ما يؤمن به. وإذا استرخص الإنسان حياته من أجل المبدأ فهذا الأمر يحتاج لتمحيص متروٍ وفحص عميق، وليس مجرد الردع بقوات الطوارئ والوعظ المسطح الغث، فالأمر ليس مجرد إرهاب. كما انه ليس تعصباً للدين وإلا لانتشر وسط الكهول والشيوخ أيضا ولما اقتصر على جيل الشباب. إنها ظاهرة تحتاج إلى فحص، فهذا الجيل من الشباب المهووس ليسوا أعداء من الخارج بل من داخل أسرنا ومجتمعنا. فلابد من البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا الجنوح الذي أصابهم.

    المعلم الثاني، ان الظاهرة انتشرت بين جيل الشباب في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، واتسع انتشارها بشكل عنيف منذ منتصف الثمانينات. فلماذا أصبح قطاع واسع من جيل الشباب مهووساً دينياً في أخريات القرن الماضي؟ وحتى إذا قبلنا تسمية صحوة، فسوف تجابهنا عدة أسئلة : لماذا الصحوة الآن ولماذا اقتصرت على الشباب ولم تمتد إلى الكهول أو إلى الشيوخ الذين ترعرعوا في كتف العقيدة الإسلامية؟ فنحن أمام ظاهرة انتشرت بين قطاع معين من الشباب وخلال فترة زمنية معينة، فلماذا؟ هذا هو السؤال الملح.

    ما هي الصفات الأساسية لظاهرة الهوس الديني؟ تركز أجهزة الإعلام على الإرهاب باعتباره الصفة المميزة للتعصب الديني. ذلك أن الإرهاب مثير وعنيف ويودي بأرواح الناس فوجد تركيزاً في الأجهزة الإعلامية. ولكن ليس كل من هو مهووس ومتعصب دينياً إرهابياً. قد يكون رصيداً للإرهاب، لكنه لا يمارس بالضرورة الإرهاب. فالإرهاب صفة لشريحة من المهووسين دينيا. وهو تعبير عن مرحلة منفلتة. كما ان الإرهاب موجود بين المهووسين دينياً وغير المهووسين. وموجود في البلاد العربية وغير العربية. ولاشك أن الإعلام يلعب دوراً سلبياً لحد بعيد، فهو إعلام تسيطر عليه المؤسسات الرأسمالية أو الطفيلية. ولذلك تعمل على صرف الأنظار عن جوهر الأزمة، لإضعاف الحس النقدي لدى الشباب حتى لا يصلوا إلى الطفيلية، فالإرهاب تمارسه شريحة من المهووسين دينيا. ولا يقتصر الإرهاب عليهم فيمارسه الهندوس والصهاينة كما مارسته التنظيمات الفلسطينية، ومارسه من قبل النازيون بشكل همجي.

    الصفة الثانية التي تنتشر على نطاق واسع بين المهووسين دينيا هي التركيز على المظاهر الخارجية والطقوس بشكل مبالغ فيه، هذه أخطر مظاهر الهوس الديني، لأنها تجعل الشباب يتمسك بالقشور دون الجوهر، ويتباهى بها. وأبرزها انتشار الحجاب بين الفتيات، أو ما يسمى اللبس الإسلامي. وليس للإسلام لبس محدد للنساء. لذلك نجد أنواعاً مختلفة من الحجاب تمتد من تغطية الشعر إلى تغطية كل الجسم بما في ذلك أصابع اليدين والرجلين بلباس أسود في طقس حار جداً تصل الحرارة فيه درجات عالية، وهناك مثل صارخ : قبل أعوام خلت رأى احد الشباب في الجزائر من المهووسين أن لبس إحدى الفتيات ليس إسلاميا فأطلق عليها الرصاص وأرداها قتيله. فذلك الشاب نصب من نفسه حكماً يقرر ماذا يكون عليه اللبس الإسلامي، ثم ارتقى منصة القضاء وأصدر حكما بإعدام الفتاة وتولى أخيراً دور الجلاد فقام بتنفيذ الحكم. وحتى إذا فرضنا أن اللبس ليس إسلاميا حسب زعمه فهل عقوبة ذلك الإعدام؟ وهذا مثال جانح للهوس الديني. ودونكم والحجاب الذي تفرضه حركة طالبان على النساء في أفغانستان.

    وانفجرت في مصر معركة عام 2006 حول النقاب، عندما قالت د. سعاد صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حلوان إن النقاب ليس من الإسلام، وأن النقاب عادة وليس فريضة. فصدرت فتوى بإهدار دمها. وقال أحد أئمة المساجد: لو رأيت سعاد صالح لقتلتها على فتواها بأن النقاب ليس فريضة.

    الأمر الأهم ان الفتيات أصبحن يتحجبن بأشكال مختلفة بالذات في العقد الأخير من القرن الماضي، بينما كان الحجاب قاصراً في الماضي على النساء دون الفتيات. وحتى ذلك الحجاب كان في حدود معينه فما الذي حدث حتى ارتدت الفتيات إلى الحجاب الذي عارضه الإمام محمد عبده وقاسم أمين وهدى شعراوي وجيل كامل من رواد الاستنارة المسلمين؟ وكيف تقبل المرأة بالحجاب الذي يرتد بها من إنسان إلى عورة؟ ولماذا اغلب الحجاب لونه اسود في بلاد حرارتها عالية وهل هو مظهر للتدين أم مزايدة؟

    وانتشرت بين الشباب ظاهرة إطالة اللحية. ليس هناك غرابة في إطالة اللحية، فها هو جيل الشباب في البلاد الغربية يطلق لحاه. ولكن الغريب هو انتشارها بين الشباب وليس الشيوخ وفي سنوات بعينها. وقد امتعض المتنبي قبل ألف عام حتى من هذه الظاهرة وقال بيت شعره المشهور:

    أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا امة ضحكت من جهلها الأمم؟

    ومن المظاهر الخارجية التي انتشرت أيضا الجلباب القصير أو تقصير البنطلون،لأن اللبس الطويل كان لبس الأباطرة والملوك، واللبس القصير يعبر عن قصور الإنسان وينطوي على نزعة تصوف.

    كل هذه المظاهر الخارجية تعطي الشباب إحساساً بالذاتية وتفرداً، وتمنحهم المظاهر الخارجية المشتركة انتماءً وتواصلاً ورابطة تجمع بينهم دون تعقيد فكأنهم في فيلق عسكري. ويجدون في تلك المظاهر المشتركة حماية وجداراً يتكئون عليه في وقت أصبح السقوط في الهاوية قاب قوسين أو أدنى. كما أن تلك المظاهر هي الجانب السهل الذي لا يحتاج الأخذ به إلى كبير عناء.

    إن اقتفاء سيرة الرسول ليس لحية وجلباباً قصيراً ومسواكاً، ولكن الاقتفاء بتلك السيرة العطرة أكثر مشقة من ذلك. إن سيرة الرسول (ص) تمثل انسجاماً لا تناقض فيه بين سلوكه الشخصي ونشاطه العلمي والدعوة التي حمل أمانتها، تتداخل كلها معاً في نسيج واحد لا انفصام ولا تناقض فيه. هذا ما أعطى الرسول (ص) مكانته المتفردة نموذجاً أعلى للإنسان الكامل، ويرتقي الإنسان كلما اقترب من ذلك الكمال. وهذا هو الأمر الشاق الذي يحتاج إلى مجاهدة حقيقية للنفس. أما المظاهر الخارجية أمرها سهل ويستطيع أن يأخذ بها من هو صادق ومن هو أفاك.

    _______________________

    الجذور التاريخية لانتشار ظاهرة الهوس الديني (2)
    د. محمد سعيد القدال

    السوداني 30-9-2007

    نواصل تناول الصفات التي تتسم بها ظاهرة الهوس الديني. الصفة الثالثة هي النفور الذي يصل أحيانا مرحلة العداء لأغلب مظاهر الإبداع من فنّ وموسيقى وغناء ومسرح ورقص، باعتبارها مظاهر تفسّخ وانحلال. وربما كان في ممارسة البعض لتلك الجوانب ما ينفّر منها، ولكن حركة الإبداع أعمق من ذلك، وقد أعطت حياة البشر عمقا وبعدا وثّق من انتماء البشر إلى الكون وإلى خالقه. وفى الوقت الذي يهاجم فيه اليوم بعض أئمة المساجد قمم الإبداع ، نجد الإمام محمد عبده يكتب إلى تولستوي الروائي الروسي رسالة في مطلع القرن العشرين يشيد برواياته التي تمجد القيم الخيرة في الإنسان. فتجسيد هذه القيم روائيا يختلف عن الوعظ، لأن الإبداع أكثر مشقة ويحتاج إلى مقدرات في الخلق والابتكار. ولذلك لن تجد بين جيل الشباب المهووس دينيا أي مبدع. بل حاول أحدهم اغتيال نجيب محفوظ دون أن يكون قد قرأ رواية من رواياته، في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الروايات على امتداد كوكبنا بمختلف اللغات. وقامت حركة طالبان بتحطيم أجهزة الراديو والتلفزيون لأنها مظهر تفسخ، بينما ينطلق مقاتلوها بالدبابات والمدافع التي تحصد أرواح الناس . وتنتشر فيها زراعة وتجارة المخدرات التي تدمر الشباب فتزوي أيامهم.

    الصفة الرابعة ،الموقف المعادى للمرأة، مع وجود اختلافات في ذلك الموقف. فهم ضدّ عمل المرأة وبعضهم يشتط وينادى بعدم خروجها من المنزل. ويصرّون على الفصل بين الجنسين في الجامعات والمعاهد. ولا يعارضون تعدد الزوجات. ويصل هذا الموقف إحدى قمم التطرف في ما ذهب إليه الشيخ عبد العزيز بن باز من أن عمل المرأة مثل الدعارة. وتعبر حركة طالبان في موقفها من المرأة عن أقصى ما وصل إليه الهوس الديني من درك سحيق. والشيء الغريب أن بعض الفتيات يشاركن من هذه الأفكار التي تحيلهن إلى حريم وإلى مواطنات من الدرجة الثانية أو ما دون ذلك. ويبدو أن هؤلاء لم يطلعوا على ما قاله القرآن عن المرأة، أو قرأوه بعيون الموتى.

    الصفة الخامسة الاقتناع المطلق بصحة الرأي. فلا يحتملون الرأي الآخر ويعتبرونه خروجا على الحقيقة ومروقاً. بل قد يكفّرون صاحب الرأي الآخر لمجرد اختلافه معهم. وهذا ما يدفعهم إلى مجابهة مخالفيهم بالعنف الجسدي. ولا يميلون إلى مناقشة الآخرين. فهم آلة فكرية صماء مورست عليها درجة كبيرة من غسيل المخ. لذلك يحفظون نصوصاً يستشهدون بها يمنة ويسرة دون تمحيصها ويرفضون أي رأي عقلاني حولها. ولذلك قامت إحدى جماعات الهوس الديني بتأسيس جامعة اسمها "جامعة الإيمان"، وهو أمر ينافي تماما رسالة الجامعة. فالجامعة تجمع مختلف التخصصات ومختلف التيارات الفكرية، وتصطرع كلها في إطار المنهج العلمي، وهذا ما جعل الجامعات تصبح منارات عالية. أما جامعة الإيمان فهي ملهاة هزلية.

    الصفة السادسة تداولهم كتبا معينة وقراءتها دون تفكير ناقد، باعتبار أن ما جاء فيها مسلمات. وليست هناك غرابة في قراءة هذه الكتب، إنما الغرابة في الانتشار الواسع لهذه الكتب بين جيل الشباب في فترة زمنية معينة. فما الذي يجمع بين أفكار هؤلاء الكتاب مما أعطاها هذا الرواج بين الجيل المهووس دينيا؟ كتبوا جميعهم في ظروف أزمات حادة. ففي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي واجه العالم الإسلامي التتار من الشرق والصليبيين من الغرب وصراعات الحكام داخل البلاد العربية والانحرافات الجانحة لبعض الفرق الصوفية. فانبرى ابن تيمية للدفاع عن الهوية الإسلامية بالعودة إلى السلفية. وكانت سلفيته المتزمتة تمسكا بمعيار ثابت في مواجهة تلك الغزوات والتشققات. وعاش ابن كثير في ظروف أزمة حادة أيضا. وتعكس أفكار المودودي أزمة القلة المسلمة وسط طوفان من الهندوس. وفى إطار تلك الأزمة تشكلت مرتكزاته الأيديولوجية. وكتب سيد قطب "معالم في الطريق" وهو في سجون عبد الناصر، وحركة الإخوان المسلمين في قمة أزمتها ولا تستبين أمامها أفقا واضح المعالم. وتحول سيد قطب من الكتابة عن "معركة الإسلام والرأسمالية" و"العدالة الاجتماعية في الإسلام" و"التصوير الفني في القرآن" إلى الجاهلية الجديدة في كتابه "معالم في الطريق" و كتابه "مشاهد القيامة في القرآن". وظل كتاب "معالم في الطريق" متداولا طوال عهد عبد الناصر، وطبع ثلاث مرات بأمر عبد الناصر رغم اعتراض الأجهزة الأمنية، لأن أجهزة الأمن تنظر تحت رجليها وليس لها أفق سياسي عريض، لذلك لم يجد الكتاب الرواج الذي لقيه فيما بعد. فهذه كتابات مأزومة إن صح التعبير. والكتابات التي تستسلم لمحاصرة الأزمة لا تضيء طريقا ولا تنير بصيرة. ولم يحدث أن خرج فكر مأزوم من ضبابية الوضع المأزوم وعتمته، لأنه يكون في الغالب ردّ فعل للأزمة، فيرتد إلى ظلمات الماضي ليختبئ فيها من نور الحاضر الذي يرتعد من وهج ضيائه.

    وأصبح لأولئك الكتاب نسخ جديدة استغلت معطيات ثورة الاتصالات من تلفزيون وكاسيت وفيديو، وأخذوا يروّجون لأفكار غثة تجد لها استجابة وسط مشاعر جيل الشباب المهووس وهم في حالة توقف العقل و غيبة الوعي. فهم يهاجمون الحضارة الغربية المتفسخة المنهارة من فوق الأجهزة التى ابتدعتها تلك الحضارة. دون أن يحفلوا بالتناقض الصارخ في موقفهم الانفصامي.

    لماذا حدث هذا؟ مثل هذه الظاهرة تحتاج إلى تمحيص يغوص إلى القاع ويشارك فيه مختلف الكتاب. و يجب أن يتحول الحكام من الدفاع عن أنظمتهم المهترئة وعروشهم المهتزة إلى التصدي لهذه الظاهرة التي تهدد جيلا بأكمله، جيل الغد. وسوف نحاول أن نتتبع الجذور التاريخية التي يمكن أن تفسر بروز وانتشار هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وننظر إليها نظرة شمولية، لعل هذا يساعد في فتح المزيد من قنوات الحوار، ويساعد على الخروج من سياسة الردع إلى المعالجة الموضوعية للظاهرة.
                  

01-06-2008, 07:27 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    تداعيات تاريخية الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (1-8)
    د.محمد سعيد القدال


    السوداني 17-6-2007

    لعل من أشق الأمور على الدارس أن يكتب عن أحداث عاشها وتفاعل معها مدا وجزرا. ولكن انقلاب مايو مضى عليه 38 عاما، مما قد يسمح بهامش محدود لتناول الأشهر الأولى من عمر الانقلاب.

    وتثير علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب مايو جدلا مازالت ذيوله تمتد إلى يومنا هذا. وتذهب بعض الأقلام إلى وصف الانقلاب بأنه من تدبير الشيوعيين. فيقول د.عبد الرحيم عمر في كتابه: "الترابي والإنقاذ: صراع الهوية والهوى" ما يلي: "في صبيحة 25 مايو 1969 تنفس الشيوعيون الصعداء وخرجوا من مخابئهم ليقودوا ويوجهوا يرنامج الثورة الفتية" (ص14). من الواضح أن المؤلف يكتب على هواه. فلم يكن الحزب الشيوعي يعمل تحت الأرض، بل كان له نائبان في البرلمان أحدهما سكرتيره العام. فأي مخابئ هذه التي يتحدث عنها. ولعله ما كان بحاجة إلى افتعال هذه الدراما لولا أنه يريد أن يلصق بالحزب تهمة الانقلاب، وكأنما القيام بانقلاب سبة،عجبي!!. ثم يقول: "كان الشيوعيون يدركون أن الحركة الإسلامية بقيادة د. الترابي هي المحرض الرئيسي على حل حزبهم" ثم يتحدث عن ندوة معهد المعلمين العالي وينتهي قائلا: "ونتيجة لذلك الوسط المفعم بالإثارة والكراهية للحزب الشيوعي تم حله وطرد نوابه من البرلمان: (المصدر السابق). يبدو أننا أمام هستيريا سياسية وأمام ألفاظ لا تصلح إلا للخطب في الحلقات الحزبية المغلقة. فالحديث عن الكراهية ضد حزب اكتسح انتخابات الخريجين قبل أشهر خلت مدعاة للتعجب. كما أن تضخيم دور الحركة الإسلامية مدعاة لتعجب أكثر. فالحركة الإسلامية لم تكن وقتها ذات شأن يمكنها من حل الحزب الشيوعي، قبل التمكين الذي وفره لها نظام مايو منذ 1977. إن معركة حل الحزب الشيوعي قادها الحزبان الكبيران وكانت جبهة الميثاق تسير في ذيلهم. وكان حل الحزب الشيوعي مسرحية هزيلة ومخجلة وانتقدها بعض الذين شاركوا فيها. والبعض الآخر يشيح عنها الوجه على استحياء. وكنت أعتقد أن الزمن سوف يعيد للناس صوابهم ويدركون أن تلك المسرحية كانت طعنة نجلاء في كبد الديمقراطية، فيستوعبوا درسها بدلا من التفاخر الأجوف الذي لا طائل تحته. والكاتب غير دقيق في ذكر بعض الحقائق، وهي صفة لأغلب كتاب الجماعة الإسلامية لأنهم لا يهتمون بالتاريخ بقدر اهتمامهم بالعمل الدعائي حتى وإن كان لا يستقيم مع حقائق التاريخ. فيقول إن حل الحزب الشيوعي كان عام 1968 وهذا خطأ. ويقول إن المحكمة الدستورية برئاسة بابكر عوض الله رفضت إصرار الحكومة على رفض القرار. عليه أن يراجع المعلومات. ويقول إن الشيوعيين قاموا بفصل "أعضاء الحركة الإسلامية من هيئة أساتذة جامعة الخرطوم". ومرة أخرى عليه مراجعة معلوماته ليتأكد من الذين فصلوا ومن فصلهم بدلا من أن يلقي الحديث على عواهنه. وإذا كان فصل الأساتذة معرة فعليه أن يذكر مذبحة الفصل التي ارتكبت في جامعة الخرطوم منذ عام 1989، وعليه أن يذكر اقتحام قوات الأمن لحرم الجامعة لأول مرة في تاريخها منذ عهد الحكم البريطاني وعليه أن يذكر أشياء أخرى تناولتها في مقالات سابقة.

    خلاصة القول إن بعض الكتاب يندفعون وراء العمل الدعائي الذي لا يقوم على حقائق، بينما الحقائق ساطعة وناصعة وقلم التاريخ لن يجف. ,إذا كانت الدعاية الجوفاء تجدي، لبقي هتلر في الحكم إلى يومنا هذا.

    نعود للموضوع الأساسي : ما هي علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب 25 مايو. وكنت قد نشرت كتابا عام 1986 بعنوان: الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو. ونشرت فصلا في كتابي بعنوان: معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني (1999). وسوف اعتمد عليها في تناول هذه العلاقة الشائكة.

    إن علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب مايو لا تتم الإجابة عليها بلا أو نعم مثل المسألة الحسابية. فالانقلاب تداخلت فيه عوامل محلية وإقليمية وعالمية وأوضاع الأحزاب ذاتها التي كانت في الساحة السياسية، وربما أصابع أجهزة بعض المخابرات. علينا أولا أن نستعرض الوضع السياسي في البلاد قبل الانقلاب. ثم نتناول الوضع في الحزب الشيوعي في تلك الفترة، وننتهي بالعلاقة بين الحزب والانقلاب.

    كان الوضع السياسي يتدهور سراعا بعد ثورة أكتوبر. ذكرنا من قبل حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ثم مصادمة استقلال القضاء. فاهتزت كل الأركان الذي يقوم عليها البنيان الديمقراطي، إلا إذا كنا نقيم نظاما ديمقراطيا لنتسلى به. وتناولت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في دورتها بتاريخ 27\5\1965 الوضع فقالت: إن ضيق القوى الرجعية بالنظام البرلماني قاد إلى انقلاب 1958. ففي ذلك العام والحركة الشعبية ما زالت ضعيفة، هاجم الرجعيون النظام البرلماني وأدانوه كنظام لا يؤدي إلى الاستقرار و لجأوا للحكم الدكتاتوري السافر... وبهذا يمكننا القول إن الرجعيين وهم يجمعون قواهم تحت راية البرلمانية، يهدفون في الأصل لتهديدها ومصادرة الحقوق الديمقراطية... فلم تعد القضية الآن ديمقراطية أو لا ديمقراطية، بل أصبحت تسير كل يوم كالآتي: أي نوع من الديمقراطية". وتعرض الحزب الشيوعي للتجربة الديمقراطية في مؤتمره الرابع (أكتوبر 1967) فقال: إن ضيق قوى اليمين بالنظام البرلماني قضية تستحق الاعتبار من قبل الشيوعيين وكل الحركة الثورية... وكشفت التكتيكات المرنة التي اتبعها الحزب منذ 1965 عن ضيق قوى اليمين بالنظام البرلماني وعدم قدرتها على حكم البلاد بواسطته.

    وشهدت البلاد من 1964 إلى مايو 1969 خمس حكومات مدنية بمعدل حكومة كل عام تقريبا. وتعرضت الأحزاب لسلسلة من الانقسامات والتحالفات. فانقسم حزب الأمة إلى جناح الإمام الهادي وجناح الصادق ثم التحما مرة أخرى. واندمج حزب الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي. وخرجت مجموعة من الأخوان على جبهة الميثاق. وكانت أحشاء الحزب الشيوعي تموج بانقسام تجلى لاحقا.

    وبرزت أزمة حادة حول الدستور المزمع وضعه. وكانت الجمعية التأسيسية قد فرغت في يناير 1967 من وضع مسودة للدستور، ولكن الأزمة السياسية أدت إلى حل الجمعية في فبراير. وجاءت جمعية تأسيسية جديدة لمواصلة وضع دستور جديد. وأعلن محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء أن وضع دستور دائم للبلاد وإجازته لا يخص الحكومة دون المعارضة. (مداولات الجمعية التأسيسية 10\6\1968).

    وخاطب عبد الخالق محجوب الذي انتخب للجمعية في الانتخابات الأخيرة. وكانت مخاطبته لا تخلو من حدة ومن نبرات تهديد. فقال بأنه يجب تطويع اللائحة ليؤدي المجلس أعماله ومسؤولياته، فتحديد الزمن في مناقشة اتجاهات فكرية لم يكن لها وزن انتخابي بالنسبة للقوى العديدة داخل المجلس، أمر مضر. ثم قال ومن الخير أن نقول هنا ما نود أن نقوله بدلا من أن نقوله في الخارج بطريقة قد لا ترضي شقي المجلس. أما عن الدستور فلابد من إيجاد صيغة قومية... ويجب أن يراعى فيها كل الاتجاهات مثل ما حدث عام 1957، وأن توضع مسودة في جو أكثر صحة ومعافاة. (المرجع السابق).

    وفي سبتمبر تكونت لجنة الدستور من الأحزاب الممثلة في الجمعية. وخضعت أعمالها للمناورات و"بالكلفتة والعجلة" على حد تعبير جريدة الأيام. وقال الصادق المهدي الذي كان يقف في المعارضة إن الحديث عن الدستور قبل التغلب على المشاكل الكبرى التي تهدد وحدة السودان يعد عبثا ما بعده عبث.

    وعندما اقترح بعض النواب حل لجنة الدستور وعرض مسودة 1967 على الجمعية، قال عبد الخالق إن الاقتراح عبث ولا يلقى الاحترام، وأن هذه المناورات لا يستفيد منها سوى أطراف معينة معتقدة أن هذا الطريق سوف يوصلها إلى الحكم. هكذا انفجر الصراع حول الدستور الإسلامي حتى قبل أن يجاز ويطبق.

    وكان الوضع الاقتصادي المحور الرئيسي للصراع الاجتماعي. وقد أفرد الحزب الشيوعي في مؤتمره الرابع بابا خاصا له. ومنذ الحكم العسكري انفتح الباب على مصراعيه للدفع الرأسمالي. وقادت السياسة الاقتصادية المبنية على الدفع الرأسمالي إلى تطلع الرأسمالية وأدت إلى طريق مسدود. وبرزت مشكلة العاطلين وبند العطالة. وانتقد الحزب الشيوعي ميزانية 1968\1969، وقال إن السمة الظاهرة لكل ميزانياتنا هي تزايد إيرادات الدولة من الضرائب غير المباشرة التي يقع عبئها على جماهير الشعب، وتزايد الصرف على مجالات أبعد ما تكون على رفع مستوى معيشة الناس.

    وبقيت مشكلة الجنوب البؤرة الساخنة في السياسة السودانية منذ انفجارها عام 1955. هكذا انفتح الطريق للانقلاب العسكري، ولم يكن زلزالا أخذنا به على حين غرة، ولا مؤامرة حيكت بليل من مؤامرة سرية قام بها الحزب الشيوعي أو نفر من الضباط.

    __________________

    وقفة وخواطر تاريخية:الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (2)
    د. محمد سعيد القدال

    السوداني 24-6-2007

    ماذا كان وضع الحزب الشيوعي بعد ثورة أكتوبر وحتى انقلاب 25 مايو؟ تأثر الحزب الشيوعي بعد ثورة أكتوبر بالأوضاع في البلاد وفي المنطقة العربية والعالم. كان لحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان آثار سلبية على مساره. ولكنه استطاع أن يلجم الهجمة التي انطلقت بعد حله وطرد نوابه من البرلمان، واستنفر القوى الديمقراطية والنقابات وصمد في الساحة السياسية. بل استطاع أن يفوز بدائرة الخرطوم الشمالية في الانتخابات التكميلية بانتخاب أحمد سليمان عضو اللجنة المركزية، وكانت تلك أول دائرة إقليمية يفوز فيها الحزب. وكانت لطمة سياسية في وجه الذين قاموا بحله. وخاطب عبد الخالق الجماهير التي احتشدت بعد النصر، وقال جملته الشهيرة: إن الاشتراكية الوضاءة هي إسلام القرن العشرين.

    وأدى خروج الحزب إلى العلنية لأول مرة في تاريخه، واحتلال بعض كوادره لمناصب برلمانية ووزارية، إلى بروز النزعات الفردية وطغيان العامل الذاتي. وأخذت تلك السلبيات تتسرب إلى جسد الحزب، وتأثر بها بعض كادر الحزب الذين ينحدر أغلبهم من طبقة البرجوازية الصغيرة. فهاجمها عبد الخالق في إحدى دورات اللجنة المركزية قائلاً: ظهرت روح الزعامة البرجوازية القائمة على تصور أن ما يتمتع به الكادر من احترام الجماهير يرجع إلى صفات خاصة به، ولا يرجع إلى مجموع عمل الحزب الشيوعي الثوري، وإلى التضحيات المذهلة من قبل الشيوعيين عبر سنوات النضال الصابر الصامد... فمن المهم أن يناضل حزبنا بثبات، وفي الوقت المناسب ضد روح الزعامة البرجوازية، ومن أجل تثبيت الحقيقة الجوهرية في علاقة الأفراد بمجموع العمل الثوري: لا نفوذ للأفراد فوق الأرض التي يمهد لها النضال المتشعب الصابر للحزب الشيوعي".

    وانعكست تلك السلبيات على تقييم الحزب لدور الديمقراطيين الثوريين في المنطقة العربية، وامتد إلى المدارس الاشتراكية في أفريقيا التي نشر عنها عبد الخالق كتابه، والذي انتقد أطروحاته فيما بعد. وخلطت كل تلك المواقف بين الاتجاه التقدمي والموقف الطبقي. وبرزت الدعوة لتكوين حزب اشتراكي ودمج الحزب الشيوعي فيه وإنشاء تنظيم في داخله يسمى القلب الثوري. ارتفعت بعض الأصوات التي تقول إنه لا حاجة للحزب الشيوعي في مرحلة ما قبل الاشتراكية. واعتبر عبد الخالق أن مجمل تلك الأفكار يمثل انحرافا يمينيا، ودعا إلى مكافحتها بالبحث عن أساسها الفكري. ورأى أن هذا من آثار تغليب العلنية، ومن آثار ما سماه الثورة المضادة. ودفعت تلك الصراعات ضمن عوامل أخرى إلى عقد المؤتمر الرابع. (للمزيد من التفاصيل راجع الفصل الخامس من كتابي: معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني).

    انعقد المؤتمر الرابع في 21 أكتوبر 1967 تيمنا بثورة أكتوبر. ونشر تقرير المؤتمر في كتاب بعنوان: الماركسية وقضايا الثورة السودانية، وأعيد نشره مرة ثانية بعد الانتفاضة. ويرى عبد الخالق أن المؤتمر: "يمثل حقيقة محصول حزبنا فيما يختص بنظرية الثورة... وقدم هيكلاً لاستراتيجية الثورة السودانية، وهذا الهيكل هو لب إنجاز المؤتمر الرابع".

    وتناول المؤتمر القضية التي احتدم حولها الصراع لاحقاً، وهي الاستراتيجية والتكتيك والقضايا التي قادت إلى ما سماه الانحرافات السابقة والتي احتدم حولها الصراع لاحقاً وعلى رأسها دور الديمقراطيين الثوريين. وأشار التقرير إلى المهام المعقدة التي تواجه حركة الثورة العربية وأبرزها احتلال العناصر الديمقراطية مكان القيادة في الأقسام التي وصلت منها إلى السلطة. ورغم أن تلك القيادات حققت إنجازات اجتماعية، إلا أن حديثهم يشوبه بعض الغموض من الناحية النظرية ويحوي مفاهيم غير علمية عن الاشتراكية. ويرى أن هناك تبايناً في تقييم تجربة الديمقراطيين الثوريين. فهناك التقديرات اليمينية التي تهول منها وتعتبرها تجربة متكاملة تحمل نفياً للماركسية حول قوانين التطور الاجتماعي. وهناك تقديرات لبرالية تهبط بها إلى مستوى حركة برجوازية صغيرة عاجزة عن مواكبة الثورة الاجتماعية ناهيك عن قيادتها. وحتى لا ننزلق في تعصبات الجمود العقائدي وخطأ التقديرات الذاتية، من المهم أن يتم تقييم هذه الثورة في الظروف التاريخية المعينة.

    ثم تعرض التقرير إلى تفشي روح اليأس والاستسلام في الظروف التي أعقبت قرار الحل. فارتفعت أصوات تعلن أن الطريق أمام الحركة الثورية أصبح مقفولاً. وظهرت هذه الآثار السلبية على أقسام من البرجوازية الصغيرة، وفي انغماس بعضها في الفساد واللامبالاة. وهذه نكسة وهي ليست مستغربة.. ولكن النضال اليومي للحزب الشيوعي والثوريين والعمل الفكري الدؤوب، يؤدي إلى انحسار هذه الموجة. ووصل ببعضها القول بأنه لا توجد طبقات في السودان، ولذلك لا حاجة للحزب الشيوعي. وينتهي التقرير إلى القول بأن هذا الصراع يجب أن يتم وفق الأسس اللينينية.

    وخضع انتخاب اللجنة المركزية في المؤتمر لتوازنات قوى عديدة. فقال تقرير اللجنة المركزية الذي نشر عام 1996 إن اللجنة المركزية التي اختارها المؤتمر الرابع جاءت مثقلة باتجاه تصفوي ظل يتحين الفرص لتذويب الحزب في تيارات البرجوازية الصغيرة.

    وتواصل هذا الصراع الأيديولوجي بشكل أكثر حدة بعد المؤتمر الرابع وحتى انقلاب مايو. فعقدت اللجنة المركزية اجتماعين في فترة وجيزة مما يعكس عمق الصراع، لأن الصراع الأيديولوجي يتخذ أشكالاً جديدة في كل منعطف. وركز الاجتماعان على خطر التفكير الانقلابي الذي أخذ يطل في أفق السياسة السودانية.

    جاء في الدورة الأولى (يونيو 1968) أن التحليل الطبقي يتطلب صراعاً فكرياً عميقاً، ليس فقط وسط الحركة الجماهيرية، بل بين صفوف الحزب الشيوعي أيضاً. ودار نقاش حمل وضع الرأسمالية. وعلق عبد الخالق عليه قائلاً إن فهمنا لمدى وضع الرأسمالية بشقيها الوطني وغير الوطني، يتوقف عليه قيادة الحزب الشيوعي للحركة الثورية.

    وتطرقت وثيقة اللجنة المركزية إلى قضية الديمقراطية في اقترابها من قضية التغيير الاجتماعي وأهمية وضعها بين الجماهير لضمان النضال ضد روح اليأس والمغامرة. فالقوى اليائسة والمغامرة من البرجوازية الصغيرة، ترى أن النضال من أجل الحقوق الديمقراطية البرجوازية لا يقود لشيء، والطريق هو الدعوة من فوق رأس البيوت للديمقراطية الجديدة وحدها، متناسية أن هناك ذلك الارتباط العضوي. فلكي تصل الجماهير إلى نقطة الاقتناع بالديمقراطية الجديدة ذات المحتوى الاجتماعي، عليها أولاً وقبل كل شيء أن تكسب حقوقها، وأن تدرك فيما بعد أن المشكلة ليست مشكلة حقوق بل هي الضمانات لتنفيذ تلك الحقوق.

    وأكد عبد الخالق في مجلة الشيوعي على بعض تلك القضايا. فقال عندما يؤكد المؤتمر الرابع أن المرحلة الثورية ما زالت مرحلة التطور الوطني الديمقراطي، فإن المؤتمر يوجه ضربة نحو مواقع اليسار التي تريد أن تقفز فوق المراحل اعتماداً على تصورات ذاتية، ويوجه ضربة نحو الاتجاهات اليمينية التي تتغاضى عن وجود قوى حقيقية تطرح قضية التقدم الاجتماعي. ويرى أن المجهود لتطوير الثورة السودانية لن يعود للجماهير بفوائد ما لم تطرح قضية تنظيم الجماهير في العمل اليومي.

    وانعقدت دورة اللجنة المركزية التالية في مارس 1969 في خضم ذلك الصراع ونذر الانقلاب العسكري تطل في سماء السياسة السودانية. فما هي القضايا التي تناولتها؟ إن الحديث عن علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب 25 مايو لا يمكن تناولها إلا في ذلك الإطار
    .

    __________________

    تداعيات تاريخية: الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (3)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 1-7-2007


    كانت دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في مارس 1969 من أهم الدورات بالذات بالنسبة لعلاقته بانقلاب مايو فيما بعد.

    يقول التقرير إن البرجوازية الوطنية، ولأسباب عديدة، تؤثر على الحزب الشيوعي بضغوط فكرية في محاولة لإرجاعه عن خطه الرامي لقيادة الثورة وإقناعه بقيادة البرجوازية والتحالف معها تحت مظلتها. كان هذا الصراع من قبل عالياً، لأن البرجوازية نفسها كانت بالفعل تتزعم حركة الجماهير الوطنية. ولذلك فإن الانقسامات في الحزب في عامي 1956 و 1964 كانت أصواتها عالية، أما في الوضع الراهن فمواقع البرجوازية بين حركة الجماهير الثورية ضعيفة. ولذلك فإن أثرها الفكري داخل الحزب الشيوعي لا يتخذ شكل شعارات واضحة عالية ومفصحة، ولكنها تحقق أهدافها بطرق أخرى. ورغم خطورة هذا الهجوم التي تقوده تلك العناصر التي أسمتهم الوثيقة "العميلة الانتهازية"، إلا أن الخطر الأكبر هو وجود تربة صالحة تنيت اليأس والتراجع البرجوازي الصغير, وعلى الحزب مواجهة الاستفزازات التي تهدف إلى دفعه للدخول في معارك لم تنضج بعد لتغيير تكتيكه من الدفاع إلى الهجوم في وقت لم تتهيأ فيه الظروف لمثل هذا التغير.

    وتمضي الوثيقة لتقول إنه في ظروف الثورة المضادة يسود اليأس ويعلو التراجع، خاصة بين عناصر البرجوازية الصغيرة، فتلتحف بدثار اليسار شكلاً ولكنها في الجوهر اتجاهات يمينية تحاول إجهاض العمل الثوري الصبور قبل أن ينضج ويستوي، وتحتقر العمل الصبور. ولذلك فهي تتطهر من مسؤوليات العمل اليومي.

    وكرست الوثيقة حيزاً كبيراً لقضية الانقلاب العسكري. فقالت إن بروز واشتداد الدعوة للانقلاب العسكري تجد لها أيضا جذوراً في تفكك النظام السياسي الذي يتدلى في قاع الفساد وتسوء سمعته بين الجماهير. ولذلك ليس غريباً أن تطل الفكرة القائلة بتدخل القوات المسلحة. ولكن من المهم أن تكون للقوى الشعبية مراكز تشد إليها أنظار الجماهير حتى لا يجد أي حل عسكري تأييداً جماهيرياً في حالة القلق واليأس الراهنة التي تطرح القضية وكأنها استمرار للنظام البرلماني الفاسد أو الانقلاب العسكري. وفي كلا الحالتين فالشعب لا يد له في مواجهة قضاياه. وعلى قيادة الحزب وكادره اتخاذ موقف حازم للخروج نهائيا من حيز المشاكل التافهة والجو المسموم الذي يغذيه أعداء الثورة.

    ثم تمضي الوثيقة لتؤكد أن تكتيك الانقلاب هو إجهاض للثورة ونقل مواقع قيادتها حاضرها ومستقبلها إلى فئات أخرى من البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. والبرجوازية الصغيرة مهتزة وليس في استطاعتها السير بحركة الثورة بطريقة متصلة، بل ستعرضها للآلام ولأضرار واسعة، وقد جربت في ثورة أكتوبر فأسهمت في انتكاسة العمل الثوري. ثم تعلن الوثيقة بالصوت العالي قائلة: إن التكتيك الانقلابي بديلا عن العمل الجماهيري، يمثل في نهاية الأمر _ وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية _ مصالح فئة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة.

    ودعت اللجنة المركزية إلى إجراء تغيير جذري في قيادة الحزب. لأن الثورة الوطنية خطت خطوات إلى الأمام نحو التحامها بالثورة الاجتماعية. وألمحت اللجنة المركزية نحو الوجهة التي يتم بها إعادة تركيب القيادة. فأشارت إلى أن تغيير فترة المرحلة الثورية، وبروز التيارات الفكرية للبرجوازية الصغيرة الباحثة عن بديل للماركسية وللحزب الشيوعي، جعلت أسس الوحدة في الحزب تنتقل إلى مرحلة أعلى، إلى القضايا النظرية للثورة. وهذا الميدان الجديد يتطلب نوعاً جديداً من الكادر المثقف الذي يهيء ذاته في ميدان المعرفة. إنه ليس كادر العمل السياسي بالمفهوم الذي دخل به المثقفون في الماضي صفوف الحركة الشيوعية السودانية.

    أبرزت وثائق الحزب في الفترة التي سبقت انقلاب مايو قضايا أساسية. أهمها الموقف المبدئي الصارم من الانقلاب العسكري، وضرورة تغيير قيادة الحزب، والتركيز على العمل الجماهيري الصبور طويل النفس.

    أخذ الصراع الأيديولوجي يتجلى في بعض جوانب النشاط العملي. ونكتفي بمثالين. الأول تكوين اتحاد القوى الاشتراكية للخروج من مأزق الدعوة للانقلاب ولمواجهة التيار الداعي للدستور الإسلامي. وتم التوقيع على ميثاق ذلك الاتحاد الذي ضم الناصريين والاشتراكيين الديمقراطيين الشيوعيين وشخصيات مستقلة. وتكونت لجنة من اثني عشر عضوا هم: بابكر عوض الله، إبراهيم يوسف سليمان، عابدين إسماعيل حسن احمد الكد، مكاوي مصطفى، أمين الشبلي، محجوب محمد صالح، طه بعشر، عزالدين علي عامر، الشفيع أحمد الشيخ، عبد الخالق محجوب. وتم صياغة برنامج للتحالف. وفي يناير 1969 تطور الميثاق لمواجهة انتخابات رئاسة الجمهورية التي بدأ الإعداد لها، ورشح التحالف بابكر عوض الله.

    وانفجر الصراع حول الانقلابات العسكرية وطفح على صفحات الجرائد. فنشر أحمد سليمان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مقالات في جريدة الأيام (5-6-8 / 12 \ 1968 ).وخلص فيها إلى المخرج من أزمة الحكم الراهنة هو وضع ميثاق شعبي يصحح هنات أكتوبر. ويقوم بتنفيذ ذلك الميثاق حكومة وحدة وطنية تتمتع بالاستقرار. ولا سبيل إلى هذا الاستقرار غير حماية القوات المسلحة. فالجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تحمي الميثاق المنشود وحكومته، ويستطيع بما يتمتع به من وحدة أن يردع المارقين والمغامرين.

    ورد عليه عبد الخالق في جريدة أخبار الأسبوع (يناير، 1969). فقال إن الحديث عن القوات المسلحة كثر هذه الأيام بوصفها الأمل الوحيد للإنقاذ. والحديث في هذا الإجمال خطير ويتجاهل تجربة أهل السودان مع الحكم العسكري. والحاجة التاريخية في البلاد اليوم ليست في مستوى بعض الإجراءات مثل الضبط والربط والتنفيذ السريع. كما أنها ترفض قطعاً المسخ الذي سموه حزماً وسياسة فكان وبالاً على الحركة الثورية. كما أن الحديث عن أجهزة الدولة بوصفها قوة اجتماعية منفصلة عن بقية المجتمع، حديث غير سليم ومجاف للحقيقة. فالقوات المسلحة لا تخرج من إطار التحليل الطبقي.

    ثم يقول إن أحمد سليمان يرى أن الحل لأزمة الحكم والطبقات الحاكمة هو قيام حكومة الوحدة الوطنية التي تجمع بين القوى التقدمية والرجعية. كما يعارض تحليل المؤتمر الرابع الذي لا يرى في القوات المسلحة جمعاً طبقياً واحداً، بل هو يقترح دخول القوات المسلحة بأقسامها الوطنية والرجعية لحل أزمة الحكم وحماية حكومة الوحدة الوطنية – ولكن حمايتها من من؟ ألا يدل حديث أحمد سليمان أن القوات المسلحة مدعوة إلى دعم حكم رجعي به عناصر تقدمية شكلاً، وإيجاد صيغة للتصالح بين القوى الرجعية حتى في أبسط ميادين الديمقراطية وهو الانتخابات.

    كان الصراع الأيديولوجي داخل الحزب الشيوعي حاداً وعميقاً. ورغم أن الحزب مازال حزباً واحداً من الناحية التنظيمية، إلا أن في داخله تيارات تتماوج وتصطرع. ثم وقع انقلاب مايو.

    __________________

    تداعيات تاريخية:الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (4)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 8-7-2007


    كانت هناك عدة قوى سياسية تستبق الخطى نحو الجيش، حتى غدا الأمر في المراحل الأخيرة وكأنه سباق محموم. وكان الحزب الشيوعي قد بدأ منذ الخمسينيات في إقامة تنظيم سري داخل الجيش تحت إشراف عبد الخالق المباشر. وكان للضباط الأحرار أيضا تنظيم داخل الجيش يضم قوى سياسية مختلفة من شيوعيين وناصريين وبعثيين. (راجع كتاب محمد محجوب عثمان، الجيش والسياسة في السودان. 1998).

    ومع اشتداد الأزمة السياسية، نشط الضباط الأحرار تدفع بهم قوى سياسية داخلية وخارجية. ولم تكن مصر بعيدة عن ما كان يجري في السودان، وكان لها تأثير من جانبين. من جانب كان جمال عبد الناصر نجما ساطعا في سماء السياسة العربية، واتخذ منه بعض الضباط نموذجا يحتذى به. من الجانب الآخر كانت المخابرات المصرية تمد لها خلجانا داخل الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي. وهناك مخابرات دول أخرى. وقد وصف عبد الخالق أحد قادة الحزب الذين كانت له صلات بمخابرات أجنبية قائلا عنه: He has glassy eyes أي له عيون زجاجية.

    ومنذ أبريل 1969، بدأ بابكر عوض الله يضعف عمله في اللجنة السياسية لتحالف القوى الاشتراكية، وأخذ يقوي صلاته بالضباط الأحرار وبمصر. وطرح الضباط الأحرار على الحزب الشيوعي فكرة الانقلاب العسكري، واعترضت عليها اللجنة المركزية في دورة مارس 1969. ثم حمل الفكرة بابكر عوض الله وفاروق حمد الله وهو العقل المفكر والمنسق لانقلاب 25 مايو، وعرضاها على عبد الخالق. ورفض المكتب السياسي للمرة الثانية فكرة الانقلاب. وعندما طرح موضوع الانقلاب في اجتماع الضباط الأحرار، عارضه غالبيتهم. وقالت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1969 إن تلك المواقف ظلت محصورة في إطار أجهزة الحزب. وقالت إن رفض المكتب السياسي للانقلاب لم تتبعه دعوة اللجنة المركزية لعرض الأمر عليها وتوحيد مجموع الحزب في مواجهة الفكر الانقلابي. وهذه ملاحظات ثاقبة.

    ورغم تلك المعارضة، قرر الضباط القوميون تنفيذ الانقلاب منفردين لأنهم كانوا في مواقع مؤثرة في الجيش أساسا الاستخبارات والمظللات والمدرعات. وعلى الرغم من أنهم كانوا قلة ليس بالنسبة للمجتمع فحسب، بل حتى بالنسبة للجيش. إلا أن العزلة التي أحاطت بالنظام من جراء الأزمات، جعلت العملية الانقلابية تتم في يسر. وسقط النظام مثل حبة فاكهة متخثرة.

    وبرز الانقلاب بواجهة يسارية صارخة. فرئيس الوزراء بابكر عوض الله كان مرشح اليسار لانتخابات رئاسة الجمهورية. وبيان الانقلاب الذي تلاه مـأخوذ من ميثاق القوى الاشتراكية، ولغته هي لغة اليسار العريض. وقائد الانقلاب نميري له مواقف مشهودة وله سمعة وطنية عالية بين صفوف القوات المسلحة قبل أن ينكشف وجهه الكالح الكريه. وكان اثنان من أعضاء مجلس قيادة الثورة من الضباط الشيوعيين وهما بابكر النور وهاشم العطا رغم أنهما لم يشاركا في العملية العسكرية التي نفذت الانقلاب. وكان مجلس الوزراء الذي أعلن في نفس اليوم يضم أربعة وزراء شيوعيين منهم اثنان من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وهما جوزيف قرنق ومحجوب عثمان، ومعهما فاروق أبو عيسى وموريس سدرة.

    كان وضع الحزب الشيوعي في موقف لا يحسد عليه. فقد نفذ الضباط الأحرار الانقلاب. وكان تنظيمهم يسع تيارات سياسية شتى تلتقي في أهداف عامة، ولكنها تختلف بالضرورة في وسائل التكتيك للوصول لتلك الأهداف وأساليب تنفيذها. وكان التكتيك الانقلابي غالبا على التنظيم، وما كان لإشراك الشيوعيين فيه أن يغير من طابعه. ( تقييم السكرتارية المركزية للحزب الشيوعي لانقلاب 10 يوليو، يناير 1969).

    تم تنفيذ الانقلاب وكان ذلك ضد طرح الحزب الشيوعي المعارض للانقلابات الذي ظل يدعو له بإلحاح في وثائقه. ولكن كان داخل الحزب تيار مؤثر يدعو للانقلاب. فكان الحزب الشيوعي في الواقع يضم تيارين في تنظيم واحد، ولم يحسم أمرها بعد. وجاء الانقلاب بواجهة يسارية وبرموز يسارية أيضا. ولكن جاء اختيار الشيوعيين للسلطة دون أخذ رأي الحزب وإنما بتعيين فوقي. فماذا هو فاعل في هذا الموقف البالغ التعقيد؟

    اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مساء 25 مايو، وناقشت البيان السياسي الذي تلاه عبد الخالق والذي وضح موقف الحزب من الأحداث، ثم اشتراك الشيوعيين في الوزارة دون استشارته.

    أكد البيان ضرورة التحليل الماركسي للانقلاب، والاعتماد على تكتيكات الحزب الدفاعية حيث ثابر على تجميع الحركة الشعبية الواسعة حتى تصل إلى الحلف الديمقراطي. وكان الحزب يضع احتمال لجوء فئات اجتماعية بين قوى الجبهة الديمقراطية إلى انقلاب عسكري. وبناء على ذلك يرى أن ما وقع صباح 25 مايو انقلاب عسكري وليس عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح. ولكن الانقلاب انتزع السلطة من يد الثورة المضادة. أما عن طبيعة الانقلاب فنبحث عنها في التكوين الطبقي لمجلس قيادة الثورة الذي باشر الانقلاب وفي التكوين الجديد للقيادات. ويشير هذا البحث إلى أن السلطة الجديدة تتشكل من فئة البرجوازية الصغيرة، وهي فئة مهتزة وليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة، بل ستعرضها للآلام ولأضرار واسعة. ولكن السلطة الجديدة بمصالحها النهائية جزء من قوى الجبهة الديمقراطية، ومن المؤكد أن تتأثر بالجو الديمقراطي العام. وسوف تلقى الفشل إذا حاولت أن تختط لنفسها طريقا يعادي قوى الثورة السودانية. وعلى الحزب دعم وحماية السلطة الجديدة من خطر الثورة المضادة، على أن يحتفظ بقدراته في نقدها وكشف منهج البرجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل قيادة الثورة من يد الطبقة العاملة. وناشد السلطة تجنب التأييد الأجوف الذي يساعد العناصر الانتهازية الوصولية التي تتمسح بأعتاب كل سلطة.

    ووافقت اللجنة المركزية بالإجماع على تلك الوثيقة. ولكنها رفضت بأغلبية 23 إلى 7 اقتراح عبد الخالق بعدم الاشتراك في حكومة الانقلاب، ورأت أن البيان كاف لتحديد العلاقة بين الحزب والسلطة الجديدة. ولكنها تحفظت على الصيغة المفروضة على الحزب باختيار الوزراء الذين يمثلونه. وعندما نقل جوزيف قرنق رأي الحزب هذا إلى بابكر عوض الله، قال له إن تكوين المجلس لم يتم على أساس تحالف سياسي وإنما على أساس الميزات الشخصية.

    وعلقت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1969 على ذلك الموقف فقالت إن قرار الاشتراك في حكومة الانقلاب جعل اللجنة المركزية أسيرة التكتيك الانقلابي، فأصبحت طرفا في صراع التصفيات والانقلابات الكامن في طبيعة انقلاب مايو. وكان قبول تعيين بابكر النور وهاشم العطا في مجلس قيادة الثورة دون التشاور مع تنظيم الضباط الأحرار قد فاقم من الخطأ. وقال محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي عام 1986 إن الخطأ الأول أنه عندما وقع الانقلاب وأعلن برنامجه من محتويات برنامج القوى الاشتراكية، وأصبح كأن التحالف يقف خلف الانقلاب، أن يعلن للجماهير بأنه ما عاد طرفا في ذلك التحالف. والخطأ الثاني قبول إشراك وزراء شيوعيين بالتعيين، مما أدى إلى فقدان الحزب لاستقلاليته وكان الواجب رفضه، وكان ذلك رأي عبد الخالق مساء 25 مايو.

    فالذين يقولون إن الحزب الشيوعي دبر الانقلاب عليهم الرجوع إلى الوقائع، إلا إذا كانوا من الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فأخذوا يكتبون التاريخ بأرجلهم.

    ولم ينته الصراع عند ذلك الحد.

    __________________

    الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو..تداعيات تاريخية (6)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 22-7-2007


    كانت هذه الحلقات في البداية خمس، ولكن رأيت أن أستشهد بمقاطع أطول من وثائق الحزب الشيوعي، لأن الأجيال الحديثة لم تطلع على تلك الوثائق، ولأن الصراع بين الحزب وسلطة مايو كان متشعباً إلى مدى بعيد. فليعذرني القارئ لهذه الاستطالة.

    نتناول بعض الجوانب العملية في علاقة الحزب الشيوعي بنظام مايو. في الثاني من يونيو، اي بعد أسبوع من الانقلاب، خرج الموكب الذي يدعم الانقلاب، والذي دعا له اتحاد نقابات العمال، وشاركت فيه النقابات المهنية وقوى سياسية أخرى ضاقت بسياسة الأحزاب. وكان الموكب يسير تحت مظلة اليسار العريض. وخاطب الشفيع أحمد الشيخ الموكب بكل ثقله التاريخي. هكذا أعطى اليسار بكل تياراته أرضاً سياسية للنظام الجديد يرتكز عليها.

    وفي التاسع من يونيو أصدرت حكومة الانقلاب بيان الجنوب الشهير. وطرح البيان الحكم الذاتي الإقليمي حلاً, وطالب بتنفيذ ثلاثة شروط لتنفيذه هي: (1) توفير وضمان الديمقراطية الكاملة للجماهير في الجنوب (2) وضع برنامج للتنمية حسب واقع الجنوب وقدرات البلاد (3) المساعدة في بناء حركة للقوى التقدمية في الجنوب. وتم دعم البيان بإعلان العفو العام.

    ويمثل البيان قمة الجهد الفكري والسياسي للحزب الشيوعي. وأصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي كتيباً عام 1977 وضّح فيه ذلك الجهد، وقال: من من القادة السياسيين والعسكريين القابضين على السلطة اليوم (1977) في الجنوب ينكر أن مندوبي الحزب الشيوعي اتصلوا بهم فرداً فرداً داخل السودان وخارجه لإقناعهم بالحكم الذاتي الإقليمي والحل الديمقراطي السلمي لمشكلة الجنوب وخطر التمرد؟ ومَن مِن القادة الجنوبيين غير جوزيف قرنق الشيوعي كان يعلن رأيه لقادة التمرد علنا عندما كانوا يأوون إلى داره تحت جنح الليل في واو مؤكداً لهم أن طريق التمرد مسدود؟ وهل ينسى قادة جبهة الجنوب وحزب سانو جناح وليم دينق الاجتماعات المطولة التي عقدها معهم الحزب الشيوعي طيلة السنوات الأربع من 1965 إلى 1969 ليشرح لهم خطورة سعيهم لمكاسب عاجلة؟ وأعطى الموكب وبيان الجنوب أرضاً للانقلاب يقف عليها.

    ثم بدأ الصراع مع سلطة مايو. في سبتمبر تم استدعاء أعضاء اللجنة المركزية إلى وزارة الداخلية لمقابلة الوزير فاروق حمد الله، وكان الاستدعاء بأن سلم كل واحد أمراً بوليسياً بالحضور. واستدعي معهم بعض أعضاء الحزب النشطين في العمل الجماهيري من غير أعضاء اللجنة المركزية. وكان الغرض من الاستدعاء بتلك الطريقة غير الكريمة عدة أشياء منها: إبراز دور السلطة المتفرد وعدم الاعتراف بتحالف يقوم على أساس متساوٍ بين أطرافه – الادعاء بعدم معرفة أعضاء اللجنة المركزية للتقليل من أهميتها – إبراز دور عبد الخالق أمام الكادر القيادي باعتباره عنصراً معوقاً للتعاون بين الحزب والضباط الأحرار. وكان أهم ما جاء في رد عبد الخالق أنهم مع الحوار، ولكن الاستدعاء بأمر قبض بوليسي لا يساعد على خلق الجو المناسب للحوار. وأبدى دهشته لعدم معرفة الوزير بأعضاء اللجنة المركزية مع أن سكرتيره محمد أحمد سليمان كان عضواً فيها، كما أن الأسماء عرفت بعد انتخابها بيوم واحد. وكان ذلك الاجتماع أحد الدروب الشائكة في تلك العلاقة.

    وفي أكتوبر 1969، أدلى بابكر عوض الله بتصريح في ألمانيا الديمقراطية قال فيه إن الثورة لا يمكن أن تستمر بدون دور الشيوعيين. وسرعان ما انبرى له مجلس الثورة ببيان عنيف وانتقده بشدة، وشمل البيان هجوماً على الحزب الشيوعي. وكان رأي عبد الخالق أن يستقيل الوزراء الشيوعيون احتجاجاً على البيان، لأنه من الصعب التعاون مع نظام ينتقدهم في أجهزة الإعلام. ولكن الوزراء لم يستقيلوا لأن الصراع داخل الحزب كان يحكمه توازنات القوى المصطرعة. وكانت تلك بداية التراجع في علاقة الحزب مع السلطة.

    وفي أواخر أكتوبر جرى تعديل وزاري أعفي بموجبه محجوب عثمان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وثلاثة من الوزراء الديمقراطيين، وحل محلهم أحمد سليمان عضو اللجنة المركزية والمتصدي للعمل الانقلابي، ودخل معه ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة. واحتدم الصراع داخل الحزب حول التعديل، حتى أن المكتب السياسي ناقشه في خمسة اجتماعات متتالية. وأصدر بعدها بياناً عكس التوازن داخل الحزب. فقال إن التعديل لم يغير الطبيعة الاجتماعية للنظام، ولكن خطاب مجلس الثورة بعد خطاب بابكر عوض الله يحمل روح العداء للشيوعية. كما أن بيان المجلس حول التعديل جاء سلبياً.

    وبرزت معركة أخرى عندما طالب بعض الشيوعيين العاملين في النقابات إلى تدخل الدولة لتغيير القيادات الرجعية في بعض النقابات ووضعها في يد القوى الديمقراطية. وكانت بعض العناصر في السلطة تدفع بذلك الاتجاه. فنشرت قيادة الحزب مقالاً في الشيوعي أوضحت فيه أن تحرير الجماهير العاملة من نفوذ الرجعية لا يتم بقرار فوقي تصدره السلطة مهما كانت نوعية هذه السلطة, ولكنه يتم بالصراع الطبقي والنضال الصبور. إن التنظيمات النقابية ليست أجهزة رسمية بل أدوات شعبية ويجب أن تظل كذلك. وقد ناضل الحزب الشيوعي في كافة الظروف لتحافظ النقابات على تلك الصفة. وكانت تقاليد الحزب ترى دائما أن النضال ضد القيادات الانتهازية ليس باستعداء السلطة, بل بنضال فرع الحزب بين جماهير النقابة المعنية. (مجلة الشيوعي، 134).

    وانفجرت أزمة أخرى عندما أصدر المكتب السياسي بياناً جماهيرياً في نهاية ديسمبر 1969 بمناسبة ذكرى استقلال السودان. وقد درج الحزب على إصدار مثل هذا البيان منذ عام 1957. فتم استدعاء أعضاء المكتب السياسي لمقابلة بابكر عوض الله، الذي أكد لهم أن الأحزاب قد حلت، وأن السلطة قد تغاضت في الماضي عن بعض ممارسات الحزب، أما أن يصدر بيان جماهيري موقع من المكتب السياسي فأمر غير مقبول.

    وفي نفس الشهر أعلن مجلس الثورة عن تكوين الاتحاد الاشتراكي السوداني تنظيماً سياسياً للسلطة. ويوضح هذا الإعلان اتجاه السلطة لاحتكار العمل الجماهيري. وهذه تجربة مألوفة في بلدان العالم الثالث، حيث سعت العديد من الأنظمة إلى تكوين منظمات سلطوية فوقية على حساب المنظمات الجماهيرية.

    ونتابع في الحلقة القادمة الصراع الذي تواصل بين الحزب الشيوعي ونظام مايو.


    __________________

    تداعيات تاريخية:الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (7)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 29-7-2007


    وفي مارس انفجرت أزمة جديدة لا تخلو من حدة، فقد تجمعت في الجزيرة أبا معارضة بقيادة الإمام الهادي والشريف حسين الهندي والاخوان المسلمين، وسلحوا أتباعهم وتخندقوا في الجزيرة أبا لمواجهة مسلحة مع النظام، ولكن هل باستطاعة المعارضة مواجهة النظام الذي تسنده القوات المسلحة بنفر ضعيف التسليح والتأهيل؟ وهل استطاعت المعارضة ان تكسب جانباً من القوات المسلحة؟ وماذا عن الشارع، هل سيخرج أم يظل ساكناً ينتظر النتائج؟ فإذا لم تحسب المعارضة تلك الاحتمالات، فإن ما قامت به يكون عملاً انتحارياً.

    وانزعج النظام للمواجهة العسكرية التي لم يحسب لها حساباً ولم يدر حجمها. فجند لها حملة واستعان بسلاح الطيران المصري الذي دك الجزيرة أبا وتم سحق المقاومة في معركة غير متكافئة، ومن فوق النصر العسكري أخذ النظام في تصفية بعض حساباته السياسية. فنفى عبد الخالق إلى مصر في مطلع أبريل، وقال عبد الخالق ساخراً من ذلك النفي: أنا خليفة الزبير باشا في النفي، وفي مصر التقى عبد الخالق مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال له ان مصر وطنه ويمكنه ان يبقى فيه ما شاء. فقال له عبد الخالق أنا أربأ بمصر ان تكون منفى للوطنيين، وانه يرغب في العودة للسودان، وعاد بالفعل بعد أسابيع، وهنا تستوقفنا عدة أمور منها، لماذا نفى عبد الخالق إلى مصر دون سائر البلاد العربية الأخرى؟ وهل كانت مصر على علم بذلك النفي؟ وما هو نفوذ مصر على السودان حتى يعيد عبد الناصر بإرجاع عبد الخالق إلى السودان وينفذ وعده؟ ونفى مع عبد الخالق إلى مصر أيضاً الصادق المهدي.

    واجتمعت اللجنة المركزية في اليوم التالي لنفي عبد الخالق، وقال أحمد سليمان ومحاسن عبد العال ان نفي عبد الخالق تم لأسباب شخصية وليس له علاقة بالحزب، وهددا بعدم الالتزام بقرارات اللجنة إذا صدر منها بيان يهاجم السلطة، ونتيجة لذلك صدر بيان هزيل من اللجنة المركزية يناشد السلطة بمراجعة موقفها، فقامت منظمات الحزب في منطقة الخرطوم وأصدرت بياناً آخر، جاء فيه ان اعتقال عبد الخالق عمل موجه ضد الحزب، وانه رد فعل لمذكرة اللجنة المركزية في 18/3/1970 لمجلس قيادة الثورة حول أحداث الجزيرة أبا، وان اعتقال عبد الخالق يكشف التطور الجديد لأساليب الخيارات، كما يكشف عن غفلة الحزب تجاهها.

    وفي أبريل قامت السلطة بحل اتحاد الشباب والاتحاد النسائي وهما تنظيمان مستقلان ولكن للحزب الشيوعي نفوذ كبير فيهما، ويرى عبد الخالق ان تلك الإجراءات تشكل مخططات متكاملة تهدف إلى عزل المنظمات الجماهيرية والديمقراطية عن الحزب الشيوعي ووضعها تحت تصرف القيادة العسكرية للبرجوازية الصغيرة، أما المرحلة التالية فهي ترويض الحزب الشيوعي على قبول وضع ضعيف طالما نجحت الصيغة الأولى باختيار بعض أعضائه وزراء، والنتيجة ان هناك جواسيس داخل الحزب يعملون لصالح أجهزة الأمن، وسوف تتواصل هذه الصيغة بعد 25 مايو 1970، حيث يتم طرح ميثاق لتنظيم شعبي به بعض الشيوعيين المعينين، وقال انه من الضروري تصفية الاتجاهات اليمينية الانتهازية داخل الحزب، ودعا إلى عقد المؤتمر التداولي قبل 25 مايو، والتحضير لعقد المؤتمر الخامس لتصفية الاتجاهات اليمينية الانتهازية داخل الحزب، وانتهى قائلاً: أتابع في الصحف تصريحات المصفى القانوني للحزب الشيوعي، أو يهوذا الشيوعيين، السيد الوزير أحمد سليمان.. إلى متى يحتمل الشيوعيون هذا الدمل في جسدهم؟ (رسالة عبد الخالق إلى التيجاني الطيب منشورة في كتابي، الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو).

    وانفجر صراع حول قوانين المصادرة والتأميم التي أعلنتها السلطة في 25 مايو 1970، وأثارت جدلاً بين مختلف القوى السياسية، وما كان ممكنا مناقشة الأمر في الحزب في جو الصراع المحتدم، فانتقل الصراع إلى الصحف، فكتب عبد الخالق في جريدة أخبار الأسبوع في يوليو بعد عودته من المنفى يقول بضرورة التمييز بين التأميم والمصادرة، فالتأميم في البلدان المتخلفة يستهدف أمرين، الأول وضع يد الدولة على أنشطة بعينها بهدف توفير فائض اقتصادي يسهم في تحقيق خطة التنمية، والثاني وضع يد الدولة على مراكز استراتيجية في الاقتصاد الوطني لتحريره من القبضة الأجنبية، ويشمل هذا بالنسبة للسودان المصارف والتجارة الخارجية وشركات التأمين، أما المصادرة في هذه المرحلة الوسطية من الثورة الوطنية الديمقراطية، فيعتبر عقوبة اقتصادية على الرأسماليين الذين يخرجون على قوانين الدولة الاقتصادية يضعفون بذلك التخطيط المركزي، وبما ان هذا الإجراء خطير في وقت مازالت فيه العناصر الرأسمالية مدعوة للإسهام في ميدان التنمية، فيجب ان تحاط المصادرة بإجراءات قانونية، كما ان التمويل الذي يقوم به الرأسماليون المنتشرون في كل بقاع البلاد ومواصلته أمر حيوي، لا بالنسبة لاقتصاد البلاد فحسب بل بالنسبة لأمن السلطة ومستقبلها.

    فانبرى عمر مصطفى المكي عضو المكتب السياسي للرد على عبد الخالق، فقال ان الثورة لا تعتمد في إجراءاتها على الفهم التقليدي للقانون وانما على شرعية أعمالها من ثوريتها، وما حدث صباح 25 مايو لم يكن عملاً قانونياً بالمعنى التقليدي، والشرعية الثورية تجيز أي إجراء يخدم مستقبل الثورة، كما ان إجراءات المصادرة تخطت ثورية الحزب الشيوعي نفسه.

    هكذا احتدم الصراع الأيديولوجي، وافترقت السبل في تناول القضايا التي تفرزها الأوضاع السياسية تباعاً، وفي هذا المناخ عقد المؤتمر التداولي، ولعله أهم مؤتمر في تاريخ الحزب الشيوعي.

    __________________

    وقفة وخواطر تاريخية:الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو (الحلقة الأخيرة)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 12-8-2007


    انعقد المؤتمر التداولي في 21 أغسطس 1970. ولعله أهم مؤتمر في تاريخ الحزب الشيوعي. فقد انعقد بعد صراع أيديولوجي منذ عام 1964، وتصاعد بعد 25 مايو. ولم يكن الصراع يدور حول قضايا نظرية بحتة بعدما دخلت السلطة طرفا فيه، بل تدخلت قوى خارجية ومخابرات. وكان على المؤتمر أن يحسم الصراع النظري تنظيميا. فكانت التعقيدات والظروف تحف بالمؤتمر من عدة جوانب. فكان صراعا حادا ليس فيه منطقة رمادية.

    وكان عبد الخالق يدعم من منفاه في مصر ضرورة عقد المؤتمر من أجل: "حسم النزاع الداخلي في حزبنا لصالح الاتجاه الماركسي، وأعني كلمة حسم حقيقة... فثمة صراعات مبدئية في الحزب الشيوعي، لا مجرد تيارات شخصية كما صورتها العناصر المتكتلة... وفي اعتقادي أن الحزب لن يستطيع اجتياز هذه المرحلة من غير أن يطهر صفوفه من العناصر اليمينية والبوليسية ومن كل العناصر المهتزة فكريا... إن الاتجاه البرجوازي الأبوي عند بعض كادر الحزب الرامي إلى المصالحة حفاظا على الوحدة، يؤدي في النهاية إلى تسميم جسد الحزب وتجريده من العمل ومن إرادة الحركة. وهذا الاتجاه موجود بين أضعف قطاعات حزبنا، وأعني قطاع اللجنة المركزية، وظللنا نعاني من سلبياته منذ المؤتمر الرابع إلى يومنا هذا".

    وقدمت في المؤتمر مساهمات مكتوبة ومداخلات شفاهية. وكانت بلورة للخلافات التي دارت طوال السنوات المنصرمة، ولكن سنقف وقفة خاصة عند مساهمة عبد الخالق، فهو المركز الأساسي في الصراع، وله ثقله الفكري والتنظيمي والتاريخي. كتب عنه المفكر العربي هادي العلوي يقول: "وعبد الخالق محجوب أقل أدلجة من غيره، لأن الغالب عليه كان وعي العصر متماهيا في قلب برولتاري ذي خصوصية سودانية... وكان عبد الخالق محجوب شيوعي الوعي أكثر مما هو شيوعي الإيمان. ولولا أن الإمبريالية وعملاءها الناطقين بالعربية لم تنصب له ذلك الكمين الغادر بين لندن وطرابلس والخرطوم، لكنا اليوم نلتف حول جمهورية نادرة المثال في منطقتنا. (مجلة الحرية 29\8\1991). وكانت السلطة والعناصر المؤيدة لها تدرك ذلك الثقل، فاستهدفوه باستمرار: اعتقلوه ونفوه، ثم اعتقلوه مرة ثانية، ثم اعتقلوه مرة ثالثة وأعدموه، فالوقوف عند مساهمته له مايبرره خصوصا وأنها آخر وقفة له في تجمع حزبي. أما الفئات التي وقفت ضده فقد اندثروا في رحى الصراع الطبقي وكنسهم التاريخ في ترابه.

    قال عبد الخالق إن الحزب كان يتحول بالتدريج في مجري تاريخه الطويل إلى الأيديولوجية الشيوعية خلال الصراع ضد أفكار الفئات التي تشترك معه في نقطة أو أكثر في المراحل المختلفة للثورة السودانية. ويواجه الحزب اليوم اتجاها يمينيا شمل قضايا الاستراتيجية والتكتيك، ووصل مستوى تصفية الحزب ودوره في المجتمع. وقد غذت هذا الاتجاه اليميني المظاهر السلبية بعد دحر ثورة أكتوبر، واتسع نطاقه بعد 25 مايو. ويقول إن نشاط الحزب الشيوعي مع الفئات الأخرى لا يعني التخلي عن أيديولوجية الطبقة العاملة وتدريب طلائع الجماهير الكادحة على أسس الماركسية. لذلك يطرح الحزب قضايا النضال السياسي والتحالف ضد أعداء الثورة، ويوضح في الوقت الفوارق في الجبهة الأيديولوجية. أما الاتجاه اليميني فقد اهتم منذ البداية بقدرات ذلك القسم من البرجوازية الصغيرة التي استلمت السلطة، عازلا تلك القدرات عن الخط الحقيقي للطبقة العاملة والجماهير المتحالفة معها. والمطروح الآن هو حماية الثورة في وجه المحيط المتلاطم الأمواج وليس السفسطة حول إمكانيات مرتقبة للنشاط الثوري المستقل للفئات المتقدمة من البرجوازية الصغيرة. ويكمن خطر الاتجاه اليميني في وجوده قريبا من السلطة، وفي طرحه باسم الماركسية لمفاهيم ومبررات لسلبيات البرجوازية الصغيرة التقدمية. ويتفاقم هذا الوضع بتدخل تلك العناصر من السلطة في عملية الصراع الداخلي. وذكر عبد الخالق بعض مواقف الاتجاه اليميني من نقد النظام، أهمها رفضه الدفاع عن الحقوق الديمقراطية للشعب في موضوع الأمر الجمهوري الرابع. وينتهي عبد الخالق قائلا: "نحن كشيوعيين لا نقبل نظرية الفئة التي تقبض على السلطة ثم بعد ذلك ترجع إلى الجماهير. في اعتقادي أن هذا موقف أيديولوجي ثابت. وقد تطورت الشيوعية كعلم في الصراع ضد هذه النظرية.

    ثم طرحت على المؤتمر القرارات للتصويت عليها. وفاز مشروع القرار المقدم من عبد الخالق بأغلبية 69 ضد 15. ومن ضمن ما اشتملت عليه القرارات الآتي: يتحالف الحزب مع السلطة ويدعمها في وجه الرجعية والاستعمار – يناضل بثبات لنشر أهداف الثورة بين الجماهير ويدفع نشاطها لتحقيق حكومة الجبهة الوطنية الديمقراطية – يدعم إيجابيات السلطة ويناضل ضد سلبياتها التي تحول دون وضع أدوات الثورة في يد الجماهير. ودعا المؤتمر اللجنة المركزية للتحضير للمؤتمر الخامس.

    وبعد انتهاء المؤتمر مباشرة بدأ بعض أعضاء اللجنة المركزية اتصالات جانبية، وفي 21 سبتمبر صدر البيان الذي وقع عليه 12 من أعضاء اللجنة المركزية. وصدر بيان آخر وقع عليه حوالي 50 من كادر الحزب. فكان ذلك انقساما واضح القسمات والمعالم. فاجتمعت اللجنة المركزية في 25 سبتمبر وأصدرت بيانا مفصلا ناقشت فيه بيان الانقسام. وقالت إن الصراع ليس بين من يؤيد النظام ومن يعارضه، بل بين تأييد أجوف وتأييد يستهدف إنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وواصلت العناصر المنقسمة نشاطها فقررت اللجنة المركزية فصلهم.

    وكان أثر الانقسام على الحزب كبيرا. لخصته سكرتارية اللجنة المركزية عام 1996 قائلة: خرج الحزب مرهقا من معركة الانقسام ومواقعه وكوادره مكشوفون أمام السلطة بعد أن سلمها الانقساميون كل أسراره. وأدى الانقسام دوره المرسوم سلفا من إضعاف الحزب وشل حركته وسط الجماهير، ولكنه فشل فشلا ماحقا في تصفية الحزب.

    وفي أكتوبر أصدرت اللجنة المركزية بيانا حول الاتحاد الثلاثي الذي وقعه السادات والقذافي ونميري. وانتقدت ذلك الاتحاد ونبهت إلى خطر جهاز الأمن المصري على حركة الثورة في السودان. وكان البيان تعبيرا عن الموقف المستقل للحزب الشيوعي. فوجهت السلطة ضربتها للحزب.

    وفي 16 نوفمبر وقع الانقلاب الذي أقصى بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا من مجلس قيادة الثورة. واعتقل عبد الخالق في نفس اليوم، واقتيد إلى القيادة العامة، حيث وجد نفسه أمام اجتماع لمجلس الثورة أشبه بالمحكمة العسكرية برئاسة نميري الذي وجه لعبد الخالق قائمة اتهامات شملت معارضة ثورة مايو ووضع العراقيل في طريقها قبل وبعد انتصارها، ومعارضة ضرب الجزيرة أبا، ومعارضة التأميم والمصادرة، ومعارضة ميثاق طرابلس، ومعارضة الأمر الجمهوري الرابع. ثم قال له قرر مجلس الثورة اعتقاله وإنه لن يرى النور بعد اليوم. وتدخل مأمون عوض أبوزيد وأبو القاسم محمد إبراهيم بحديث مبتذل، فزجر بعضه وتجاهل بعضه الآخر.

    وهكذا انفتح الطريق لانقلاب 19 يوليو وهذا موضوع لحديث آخر. ولعله قد أتضح من المقالات السابقة العلاقة المعقدة بين الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو، وكانت علائقه جد معقدة ومتشابكة، وليست بالسذاجة التي تصورها بعض الأقلام التي تنبش في نفايات الأحداث مثل الكلاب الضالة. فهؤلاء الكتاب ينتمون إلى فئة الزواحف والعياذ بالله.
                  

01-06-2008, 07:32 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    الجذور التاريخية لانهيار الاتحاد السوفيتي
    محمد سعيد القدال


    عندما سئل شو ان لاي - اول رئيس للوزراء في الصين بعد الثورة- عن رأيه في الثورة الفرنسية التي وقعت عام 1879، قال إن أوان تقييمها لم يأت بعد• ولعله قصد الى اشياء متعددة ربما من بينها أننا كلما ابتعدنا من الحدث التاريخي كان تقييمنا له أكثر موضوعية• ولكن تقييم الثورة الفرنسية لم ينتظر حتى يحين ذلك الأوان• فخلال القرنين الماضيين تناولها المؤرخون من كل جوانبها، ووفدوا اليها من كل حدب وصوب، ونشروا مئات الدراسات، ومازالت الدراسات تترى•

    فهل آن الأوان لتقييم الثورة البلشفية والتجربة السوفيتية عامة >إن تقييم تلك التجربة قد بدأ في الواقع وهي لما تزل في مهدها• ولكن بعد انهيارها انفتحت المزيد من السبل للمزيد من الدراسات النقدية التي تجاذبتها مختلف الاتجاهات والمقاصد• ولسنا هنا بصدد تقييم التجربة السوفيتية خلال الحقب الست التي اشرقت خلالها على الارض بنورها في أحيان كثيرة، ولكننا سوف نحاول إبراء بعض الاخطاء الكامنة في الجذور التاريخية، وكانت تنخر فيها مثل دابة الارض حتى انهارت كما انهارت منسأة سليمان أمام دهشة الجن• فهذه الورقة ليست دراسة للتجربة السوفيتية عبر مسارها الطويل نسبيا، وإنما نتناول الجذور التاريخية لست جوانب سلبية•

    أولاً:يطرح انهيار الاتحاد السوفيتي سؤالا، بل ربما اسئلة، حول الماركسية وجدواها وقابليتها للتطبيق على الواقع• وكلها اسئلة مشروعة، وستظل تفرض نفسها شئنا ان ابينا• ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي هو انهيار لتجربة خاصة ببلد معين• اما الماركسية فهي منهج له تجلياته الكونية المختلفة، وتيار متدفق انسكبت فيه مختلف الاجتهادات والتجارب، كان بعضها بعيد المدى عميق الغور، وكان بعضها الآخر في خلاف بيّن معها، وبعضها الثالث في عداء سافر مع الاتحاد السوفيتي• وإذا كان الاتحاد السوفيتي السابق قد طغى على الماركسية بنفوذه المادى والمعنوى، فإن انهياره لا يعني زوال الماركسية، فقد اصبحت الماركسية إرثا فكريا اندغم في نسيج التراث البشري• ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي لابد ان يلقى بظلال كثيفة علي الماركسية• وفي هذا الصدد قال آينشتاين: >عندما تتصادم أسس اية فكرة مع عملية تجسيدها، فإن هذا التصادم في حد ذاته يجب ان يدلنا علي ان هنالك خللا ما في مكان ما• لابد ان نبحث عنه ونكتشف موضعه<• (النص من كتاب محمد حسنين هيكل، زيارة جديدة للتاريخ، ص 402)• فهل الخلل في الماركسية أم في الاسلوب الذي طبقه الروس بها ام في مجمل تعاملهم معها، وهل من سبيل للتفريق بينهما؟ والأسئلة ما تفتأ تتوالى ولن يتوقف تدفقها، فالأمر مثير للجدل ومثير للّغط ومثير للتأمل•

    لقد صيغت الماركسية في قمة الثورة الصناعية والتطور الرأسمالي واللبرالية• وكانت امتدادا لعصر الاستنارة الذي سطعت شمسه في سماء اوربا منذ القرن الثامن عشر• واغترفت من معين التراث الانساني، ومن الفكر الاوربي في القرن التاسع عشر، وهو قرن صيرورة تاريخية حركت فيه البرجوازية مسرح التاريخ ايما حراك• فكانت الماركسية من نتاج ذلك الحراك• لقد انفلتت الماركسية من احشاء النظام الرأسمالي من ثنايا التاقض الفاحش بين الثورة والفقر• ودرست الماركسية النظام الرأسمالي وكشفت التناقض الكامن فيه، وطرحت آفاقا لمجتمع جدي تتقلص فيه الفوارق حتى تنقرض•

    والماركسية لها جانبان الاول المنهج الذي توصل اليه ماركس ومن سار معه على الدرب والثاني الاستنتاجات التي توصل اليها عند تطبيق ذلك المنهج أما المنهج فهو جزء من التراث البشري، ويختلف تطبيقه من مفكر لآخر ومن مجتمع لمجتمع وقد اندهش ماركس من بعض الاستنتاجات الجامدة التي ادعى اصحابها انهم ماركسيون، فقال قولته الشهيرة: >إذا كانت هذه هي الماركسية، فأنا لست ماركسيا<•

    لقد التقط بعض المفكرين من غير الماركسيين جوهر الماركسية يقول المؤرخ البريطاني البروفيسور بترفيلد: >توجد أدلة عديدة على وجود روح جديدة في الدراسات التاريخية، التي يمكن ان تعزى الي نفوذ ماركس لقد اسهمت الماركسية في كل الدراسات التارخية اكثر مما يعترف به غير الماركسيين لقد صححت الفهم القديم الذي يتحاشى القضايا الاساسية ويعالج التاريخ كحقل لنشاط افكار مجردة< وتبعه البروفيسور فنلي قائلاً: >ان الماركسية قائمة في تجربتي الفكرية لقد وضع ماركس نهاية لأية فكرة تقول ان دراسة التاريخ هي نشاط مستقل، كما وضع نهاية للاستنتاج الذي يقول ان مختلف اوجه النشاط البشري من اقتصادي وسياسي وديني وثقافي، يمكن معالجتها بمعزل عن بعضها البعض<• (النصان من كتاب جون لويس، ماركسية ماركس، الفصل عن ماركس والتاريخ ترجمة محمد سعيد القدال قيد النشر)• وليس ما قاله المؤرخان البريطانيان هو الكلمة النهائية والحجة الدامغة، ولكن اوردناه لانه تلخيص فيه دقة وبراعة لجوهر المنهج الماركسي•

    وادرك ماركس علي ايامه ان انماط الانتاج التي توصل الي انها حكمت تطور المجتمع الاوربي، لايشترط انها تنطبق على المجتمعات الاخرى فبعد دراسته لبعض المجتمعات الشرقية، صاغ >نمط الانتاج الآسيوي<• وحتى هذا ليس الاخير فالمنهج مفتوح لدراسة المجتمعات البشرية والتعرف على مراحل تطورها ويتصدى المنهج للاجابة عن سؤال جوهري: هل هناك قانون يحكم تطور المجتمعات البشرية ام انها تسير عشوائيا؟ ويتبعه السؤال الثاني: واذا كان هناك قانون فهل هو قطعا القانون الذي يحكم حركة الطبيعة؟ وبرز هنا امران الاول ان لكل مجتمع خصوصيته التي يجب وضعها في الاعتبار عند دراسة تطوره والثاني ان افكار البشر ومجمل تصرفاتهم لها استقلال نسبي في مسار تطورها يختلف عن مسار الطبيعة الصماء وهذا ما اعطى الماركسية مرونتها•

    ولم تبق الماركسية وقف علي ما قاله ماركس، رغم انها اتخذت اسمها منه، ولا على ما قاله انجلز ولينين وكل الرواد الأوائل فقد غدت لها اضافات واجتهادات شتى على امتداد كوكبنا ان الماركسية ليست عقيدة لها كهنة يحرسونها، ولا هي مقولات لا يأتيها الباطل من خلفها ومن أمامها• ولايوجد شخص يمكنه ان يدعى انه مرجعيتها وحامي حماها• والاصوات التي ارتفعت عاليا في الآونة الأخيرة تنادي باعادة النظر في الماركسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جاءت متأخرة، لان اعادة النظرلم تتوقف اصلا منذ ان طرح ماركس افكاره بجرأة حول النظام الرأسمالي ومستقبله• ولمن الارتباط الطويل بين التجربة السوفيتية والماركسية، يجعل فك الاشتباك بينهما امرا لايخلو من مشقة ولكنها مشقة لن تقف امام البحث العلمي، وهو قادر علي قهرها•

    لقد صيغت الماركسية في قمة التطور الرأسمالي وانفتاحه اللبرالي واخذت تستشرق افق ما بعد ذلك التطور وترسم معالمه فيصبح من الطبيعي ان تكون المجتمعات التي بلغت نفس مرحلة ذلك التطور الذي صيغت فيه الماركسية، هي اخصب تربة تصلح لتطبيقها كما تتفتح الماركسية وتزدهر اذا تم التعامل معها باعتبارها منهجا يمكن ان يساعد علي فهم التركيب الاجتماعي ومسار تطوره، بالذات في المجتمعات التي لم تبلغ بعد ذلك المدى من التطور ولكن عندما انتقلت الماركسية للتطبيق لاول مرة في التاريخ كان ذلك في روسيا القيصرية•

    ثانياً: كيف كان الوضع في روسيا عندما انتقلت اليها الماركسية وطبقت فيها عمليا؟كانت روسيا في مطلع القرن العشرين اكثر البلدان الاوربية الكبيرة تخلفا فالطبقة العاملة ضعيفة لا تتعدى 4% من العاملين ويشكل عبيد الارض في النظام الاقطاعي غالبية المجتمع، ويرزحون تحت ظروف قاسية فجرت صدامات ومآسى، عكس الادب الروسي الرفيع ضراوتها وبقى الاقطاع عبء روسيا التاريخي وحكم البلاد نظام قيصري بوليسي باطش قهر الناس واذلهم وكانت الكنيسة الارثوذكسية اكثر الكنائس المسيحية عسفا في منهجها وبقيت روسيا رغم مجهودات بطرس العظيم وكاترين العظيمة، بعيدة عن روح عصر النهضة وزخم البرجوازية اللبرالي كانت روسيا تتنفس برئتين غير اللتين تنفست بهما اوربا التي خرجت منها الماركسية لقد تركت القرون الطوال من التسلط والهيمنة القيصرية بصماتها علي منهج الحياة في روسيا•

    ولكن لم تكن روسيا ساكنة فقد انفجرت فيها حركات اجتماعية وسياسية ضد القهر والتخلف وبرزت فيها قوي سياسية لها اهداف متباينة واساليب مختلفة واخذ المنفى فس سيبريا يستقبل مئات الثوار واحتضنت اوربا مئات اخرى من المهاجرين، الذين احتكوا بالتيارات الثورية هناك وكانت الماركسية وقتها حمالة لواء الثورية في اوربا وانهمك المهاجرون من الثوار الروس في نقاش عنيف وصاخب ومحتدم كانوا يبحثون عن افق وكانوا يسعون لصياغة برنامج لعملهم السياسي ولمستقبل بلادهم وفي ذلك المناخ المفعم بالحوار والجدل ولد حزب البلاشفة وهم الاغلبية التي بقيت مع لينين عندما انقسم حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام 3091م وتعكس كتابات لينين في تلك الفترة ذلك المناخ السياسي الصاخب والحوار الفكري المحتدم والذين يطالعون كتاباته اليوم قد يجدون فيها رتابة لايستسيغونها ولكن كان ذلك هو الواقع الذي تخاطبه وتصطرع معه انها كتابات من النوع المقاتل >polemic< واصبح الجدل المنفتح من الصفات المميزة للبلاشفة•

    وقدم الثوار الروس اسهامات اساسية للماركسية وتقف كتابات بلخانوف ولينين بارزة في هذا المجال ولا شك ان الواقع الروسي المتخلف قد القى ببعض ظلاله علي تناولهم وعلي طرحهم وهذا من لب الماركسية فالافكار مهما كان سموها فانها لاتحرج من فراغ اذ لاينفك الواقع الذي خرجت منه يلقي عليها بعضا من اثره وتختلف درجات ذلك الاثر، ولكن يبقي له حضوره في بنيانها الفكري•

    ولم يكن البلاشفة الحزب الوحيد في المعترك السياسي فقد كانت الساحة تموج باحزاب واحزاب، كلها تسعي لتغيير واقع روسيا المتخلف وتحويلها الي مجتمع صناعي حديث فالبلاد كانت حبلي بالثورة وفي ذلك المناخ اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 4191، وخاضتها روسيا بجانب معسكر الوفاق المكون من بريطانيا وفرنسا ضد معكسر الوسط المكون من المانيا والنمسا وكانت الحرب هي العامل الذي هيأ المسرح للتغيير•

    كشفت الحرب هشاشة النظام القيصري فلم تكن روسيا صنواً لحليفتيها بريطانيا وفرنسا، ولا كانت ندا لالمانيا التي تحترب معها فمنيت بهزائم متلاحقة وللحرب ويلاتها التي انحطت ثقيلا علي كاهل الناس واخذ السخط والتذمر يتصاعدان بين العمال والفلاحين وبين الجنود في جبهة القتال وكانت القيصرية ضعيفة وفاسدة ويساندها تحالف هزيل من النبلاء وبعض الاحزاب وقيادة عسكرية جاهلة تحولت بعض هجمات الالمان الي مذابح واصبح النظام القيصري عاجزا عن التصدي لمشكلات البلاد العسكرية والمدنية فانفتح الصراع حول السلطة اكثر من ذي قبل بل ان السلطة اصبحت في الشارع في متناول من يمد يده ويستولي عليها وفي فبراير/ مارس 1917م، تفجرت الاضرابات والتمرد بين العمال والجنود وكان القيصر بعيدا في الميدان يقود جيوشه المنهزمة ورفض جنرالاته ضرب التمرد في العاصمة لان الذين قاموا به مثلهم من الروس•

    وتشكلت في العاصمة قيادتان ثوريتان الاولى لجنة الدوما >البرلمان< المؤقتة، وتسيطر عليها العناصر البرجوازية، ونفوذها قوى في الريف والثانية مجلس سوفيت العاصمة ويتكون من العناصر الثورية ويسيطر على الشارع وادى تطور الاوضاع الي تنازل القيصر عن العرض لاخيه فانفتح الصراع حول السلطة اوسع من ذي قبل•
    وكانت هناك ثلاثة احزاب سياسية ثورية المنشفيك ونفوذهم قوى في سوفيتات المدن ثم الاشتراكيون الديمقراطيون ونفوذهم في الريف اخيرا البلاشفة وكانوا اضعف الحزبين قاعدة ولكنهم اكثر دقة في التنظيم وانضباطا في الحركة، ويقودهم لينين بعبقريته الفذة في قراءة الواقع•

    وفي هذا المنعطف الحاد، عاد لينين من المنفي وكان مجيئه نقطة تحول حاسمة كتب عنه المؤرخ البريطاني فيشر يقول: >وقد كفلت له حيويته الفائقة ونشاطه الجم وعقله الماضي، ونشاطه الالمعي المتوقد، ونظرته الواضحة الجلية، وموهبيته الشخصية النادرة بين الروس في الكلام الموجز والفعال، وسرعته في انجاز الاعمال، وقدرته التي يكاد يكون فيها منقطع النظير علي جعل نفسه مرهوب الجانب، كفلت له هذه الصفات تفوقا وسيطرة علي اتباعه الثوريين<• ولم يكن فيشر من المتحمسين للبلاشفة وقائدهم اما الصحفي الامريكي جون ريد صاحب كتاب >عشر ايام هزت العالم< فلم يخف حماسته لعبقرية لينين، ولقدرته الكارزمية التي لايعتمد فيها على الخطابة المنفعلة وانما علي التفكير الرزين الهادئ والاقناع ومخاطبة العقل، وهي القدرات التي سيطر بها علي اقرانه وعلي الجماهير•

    وادرك لينين عند عودته توازن القوى الدقيق فوجد البلاشفة في اتفاق مع المنشفيك ومع الحكومة المؤقتة ولم يعجبه ذلك الموقف في وقت كانت فيه السلطة قاب قوسين او ادنى فكتب مقالته الشهيرة >موضوعات نيسان<، التي اعتبرها بعض اتباعه ضربا من الجنون فقد دعا فيها الي عدم التعاون مع الحكومة المؤقتة، وتأميم الارض، واقامة حكومة جمهورية سوفيتية ولكنه لم يناد باسقاط الحكومة فورا، لان ذلك مستحيل بدون ان يتغير مزاج السوفيتات وقال ان الجماهير مهتمة بالثورة اكثر من ولائها لاي حزب، وهي سوف تساند من يعطيها الثورة، والحكومة المؤقتة غير قادرة على ذلك وصاغ البلاشفة شعارات الثورة الثلاثة: السلام- الخبز- الارض، التي بلورت طموحات الناس وجذبتهم الي مواقع البلاشفة ويقال ان امرأة صاحت قائلة: >احببت الثورة وكرهت البلاشفة< اذا صحت الرواية فهي تعكس قوة الشعارات التي طرحوها•

    وكانت الاحداث تتلاحق سراعا وفي مثل هذه الظروف فان التفكير السريع المرتب، هو القادر علي حسم الموقف وكان لينين يمتلك تلك المقدرات فادرك ان توازن القوى يسمح بالاستيلاء على السلطة فصاغ مقالته الشهيرة الاخرى >الثورة والدولة<، التي فتحت الطريق امام البلاشفة للمضى قدما والاستيلاء علي السلطة•

    ووضع البلاشفة بقيادة لينين خطة دقيقة وبارعة، مستفيدين من اخطاء محاولتهم الاولى في يوليو 1917م وفي اكتوبر استولى البلاشفة على السلطة في انتفاضة خاطفة خلال عشرة ايام هزت العالم وسوف يقف امامها التاريخ مليا لروعتها وتفردها بين الثورات التي شهدها التاريخ•

    تبرز من هذا العرض بعض الحقائق التي نحتاج ان نتدبرها اولها ان الوضع الثوري في روسيا لم يكن من جهد البلاشفة وحدهم فقد تضافرت فيه جهود احزاب واوضاع متشابكة، ساهمت كلها في تعميق ازمة النظام القيصري ولكن البلاشفة خطوا اللحظة التاريخية بعمل خاطف، كانت لحظة مليئة بالتناقضات•

    وثانيها ان الاستيلاء علي السلطة تم من اعلى بانتفاضة ثورية بارعة نفذها حزب البلاشفة ولكن البلاشفة اخذوا يتحدثون باسم جماهير العمال والفلاحين باعتبارهم هم الذين قاموا بالثورة، دون ان يكون لتلك الجماهير المبادرة التاريخية في المشاركة الشاملة والفعالة في تحقيقها لقد وجد البلاشفة انفسهم امام وضع متناقض: القيام بثورة برولتارية بدون برولتاريا، فقام نظام بالتعاون مع فلاحين لم يكونوا يناضلون في سبيل اهداف اشتراكية•

    وثالثها ان حزب البلاشفة عندما استولى على السلطة لم يصل المرحلة التي سماها انطوان قرامشي >هيمنة الحزب< (hegemony of the party )، ولكن افضل ان اسميها التأهيل التاريخي والمقصود بالتأهيل التاريخي ان تصل الطبقة الاجتماعية المرحلة التي تؤهلها للاستيلاء علي السلطة بواسطة الحزب الذي يمثل طموحها التاريخي وبهذا يكون الاستيلاء علي السلطة تطورا منطقيا مع حركة التاريخ وليس تغولا من اعلى والمقصود بالتأهيل التاريخي ايضاً ان يصبح للحزب السياسي قدرات واسهامات في مختلف مجالات الحياة، تجعله قادرا علي تسييرامور المجتمع عندما يستولى علي السلطة واذا حانت للحزب فرصة لاستلام السلطة قبل ان يتهيأ لها تاريخيا، فهذا لا يعني الاحجام عنها بحجة عدم التأهيل، وانما عليه ان يستولى عليها ويتأهل اثناء ممارسته لها، ولا يتوهم ان الاستيلاء علي السلطة قد حقق ذلك التأهيل وهذا يتوجب ان ينفتح الحزب على القوى السياسية الاخرى ويفضى اليها وتفضي اليه، ومن خلال تلك الممارسة يتحقق التأهيل التاريخي ولايكون انفتاح الحزب على القوى الاخرى لمجرد تبرئة الذمة، وانما ينبع من احساس عميق بضرورته بدون ذلك فان المأساة واقعة لا محالة وهناك فرق بين المأساة والصراع السياسي فهل حدث هذا بعد استيلاء البلاشفة على السلطة؟

    الامر الرابع ان الاستيلاء علي السلطة من اعلى ثم الهبوط الى القاعدة لتثبيت السلطة، له سلبياته ومنزلقاته الخطيرة فالاستيلاء على السلطة من اعلى مع ضعف القاعدة الاجتماعية، دفع البلاشفة للجوء الي استعمال الاجهزة للحفاظ على السلطة فابتعدوا عن الجماهير وضعف الاعتماد علي الحوار والجدل مع القوى السياسية الاخرى، فناقضوا تاريخهم الذي قام على الحوار والجدل وفتح لهم الطريق لبداية التأهيل التاريخي وكانت نظرية الحزب التي صاغها لينين تحمل في احشائها جرثومة التسلط، بالذات في المجتمع الروسي الذي لم يعبر مرحلة اللبرالية ولم يألف اجواءها المنفتحة فالحزب المنضبط الذي كان انضباطه اداة فعالة في الاستيلاء على السلطة، تحول الى اداة للمحافظة على السلطة في وجه المعارضين لها وتحولت الديمقراطية المركزية وهي قلب نظرية الحزب اللينيني الي مركزية ديمقراطية او ربما مركزية خاوية من اي محتوى ديمقراطي وهو امر ليس بمستغرب بالنسبة لتراث المجتمع الروسي• ولعل روزا لكسمبيرج هي التي لخصت الامر قائلة: >اخذ الحزب يتحدث باسم البرولتاريا، ثم اخذ الجهاز يتحدث باسم الحزب، ثم اخذ القادة يتحدثون باسم الجهاز، وانتهي الامر الى ان فردا واحدا اخذ يتحدث باسم الجميع<•

    ثالثا: بعد الاستيلاء على السلطة جاءت مرحلة ممارستها الفعلية وتطبيقها بدأ البلاشفة في تطبيق الاشتراكية كما فهموها وصاغوها في برنامجهم وحمل ذلك التطبيق معه ايجابيات، كما حمل معه ايضا سلبيات ومآسى وكان الطموح كبيرا فالانتقال الي الاشتراكية لا يعني فقط الانتقال من نظام استغلالي الي نظام اقل منه درجة في الاستغلال مثل الانتقال من نظام الرق الى الاقطاع او الاقطاع الي الرأسمالية وانما هو انتقال من نظام ينتهي فيه استغلال الانسان نهائيا وهذا يستوجب نقلتين في آن واحد: الانتقال من نظام الى نظام آخر والانتقال من مجمل انظمة الاستغلال الي نظام يختلف عنها جميعا انه نقلة حاسمة الى تأهيل التاريخ البشري، وتحتاج الى اكثر من اجراءات ادارية انها تحتاج الى تأهيل تاريخي وتهيؤ نفسي واجتماعي فهل كان حزب البلاشفة والمجتمع الروسي مؤهلين تاريخيا للقيام بتلك المهمة التاريخية المصيرية؟

    بدأ حزب البلاشفة بنقل روسيا من بلد اقطاعي شبه رأسمالي الي بلد اشتراكي ان النقلات الاجتماعية لا تتم بحرق المراحل قبل ان يتهيأ لها المجتمع ويملك القدرات للقيام بها كما ان التحولات الاجتماعية تحتاج لمشاركة الجماهير التي لها مصلحة في تحقيقها ومن الصعب مشاركة الجماهير العريضة واغلبهم من الفلاحين الذين يحتاجون الى نقلة ترتفع بوعيهم الاجتماعي يمكنهم من تلك المشاركة وادرك لينين خطأ تلك الفترة فقال عام 1921م: >من الواضح اننا فشلنا لقد كنا نريد بناء مجتمع اشتراكي جديد وفقاً لصيغة سحرية، في حين تستغرق هذه العملية عشرات السنين وعديد من الاجيال••• فلا يمكن في لحظة تغيير عقليات الناس وعاداتهم المكتسبة منذ عدة قرون<•

    فهل يمضي البلاشفة في تطبيق البرنامج الذي ادركوا خطأه، أم يتراجعون عنه؟ تراجع البلاشفة باعلان السياسة الاقتصادية الجديدة التي عرفت باسم >النب< من اختصار اسمها بالانجليزية NEP - New Economic Policy• والنب ليست مجرد تراجع تكتيكي اومجرد برنامج اقتصادي جديد، رغم ان هذا هو الفهم المتداول عنها ان النب رؤية ايديولوجية متكاملة انها تقول بالصوت العالي ان تطبيق الاشتراكية دون العبور علي مرحلة التطور الرأسمالي ضرب من الاستحالة بمعنى آخر التطور ليس حرق مراحل، وانما عملية جدلية ونشوء وارتقاء وبمعني ثالث فان النب تعني اعادة نظر شاملة لمنهج البلاشفة وليس لبرنامجهم فحسب وبمعنى رابع تعني النب ادراك الخلل الذي ينشأ بين النظرية والتطبيق، والتصادم الذي يقع بينهما وكان يمكن ان تؤدى النب الي فتح آفاق رحبة للبلاشفة لولا ان غلفتها اردية المنهج الروسي السوداء، فاحالتها الى حاشية اكاديمية لقد ادرك لينين قبل غيره وبجلاء الخلل الذي نشأ من التطبيق وهو ادراك اهله له ذهنه النفاذ في قراءة الواقع ولكن مهما كانت قدرات الرجل الرفيعة فانها لاتستطيع ان تخترق كل حجب الواقع الروسي الملبد بغيوم التخلف•

    وحملت النب في احشائها تناقضا فقد فتحت المجال للتطور الرأسمالي واقتصاد السوق، ولكن تحت سيطرة الدولة البلشفية ونهجها المركزي في التخطيط الاقتصادي فاعطت بعض الفئات حرية المبادرة الرأسمالية تحت سيطرة الدولة، فلا المبادرة الرأسمالية تستطيع ان تنطلق تحت هيمنة الدولة والتخطيط المركزي سيتخلي كليا عن دوره في قيادة المجتمع فاصبحت النب رغم نبل مقاصدها تكبل خطا النقلةالتي ارادت ان تحققها فالخطأ الذي وقع في البداية، لايمكن تلافيه بمنهج منفتح مثل النب فحسب، بل لابد ان يصاحب ذلك منهج مكتمل اكثرانفتاحا•

    رابعا: برزت مشكلة الديمقراطية بشكل حاد وتنتقد الماركسية الديمقراطية اللبرالية باعتبارها ديمقراطية الطبقة البرجوزاية التي تحرم الطبقات الاخرى المشاركة الفعلية ويتقصر دور تلك الطبقات علي مجرد الذهاب الي صناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم وينتهي دورهم بعد ذلك وحتى الادلاء بالاصوات لا يتم بالحرية المطلوبة لان الاستغلال الذي ترزح تحته تلك الطبقات يحرمها من حرية الاختيار، لان الاستغلال قيود تكبل وعيها ومن اجل تطوير الديمقراطية لتصبح ممارسة حرة بحق، لابد من انهاء الاستغلال الطبقي حتي تنكسر تلك القيود، ويصبح الناس احرارا في ممارسة الديمقراطية ولا يعني هذا النقد القضاء علي الديمقراطية اللبرالية وانما تطويرها ان اسشراف المستقبل بدون الاعتماد على الماضي، يجعل التطور مبتورا وعرضة للتطويح فالمنهج الماركسي لايريد قطع الصلة مع الرأسمالية والديمقراطية اللبرالية، وانما يريد ان يشيد فوق ذلك الارث مجدا علي مجد•
    ان الديمقراطية تعني في الاساس احترام الانسان، واحترام ذاتيته، حتى يشارك في صنع القرار وتنفيذ القرار، وليس اتخاذ القرار وتنفيذه نيابة عن الجماهير وهذا ما عبر عنه نهرو قائلا: >كنت ادرك بعد التجربة السوفيتية ان هناك شرطا اساسيا لنجاح الاشتراكية وهو مشاركة الناس في التفكير وفي الفعل والآفاق< أما ان تتحول سلطة الشعب التي يمثلها الحزب الي بيروقراطية الحزب، فهذه دكتاتورية اشد ضراوة من دكتاتورية النظام اللبرالي البرجوازي•

    وقع ذلك الخلل في روسيا لسببين اساسيين الاول منهج الحكم القيصري المشبع بالتسلط والقهر الذي القي بارثه البغيض علي التجربة السوفيتية ان هيمنة التراث المنغرس في المجتمع لا تنتهي بمجرد الاعلان عن نهايتها، ولا تنتهي بالنوايا الخيرة والثاني نظرية الحزب التي صاغها لينين، وفي قلبها مبدأ الديمقراطية المركزية وقد راج المبدأ ودافع عنه الثوريون لانه يجعل الحزب يتحرك كجسد واحد دون ان تقعد به التناقضات فيرتفع اداؤه ويكون اكثر فعالية وقد تمكن البلاشفة من الاستيلاء علي السلطة، لانهم كانوا حزبا متماسكا ومتسقا في حركته ولكن الديمقراطية المركزية التي كانت اداة فعالة في لحظات النهوض الثوري قد لا يكون لها الدور نفسه في حكم البلاد، لان الحكم تتداخل فيه شتى التيارات التي قد لا تتفق مع طرح البلاشفة فتتحول الديمقراطيةالمركزية الى اداة لقهر المعارضين وكان من الممكن الا تكون الديمقراطية المركزية بذلك التسلط لولا التراث القيصري الذي يعشش في جنبات المجتمع الروسي فيفرخ كلما سنحت له الفرصة وينقض علي الاعداء باسم القيصر او باس الثورة او باسم الشعب لقد عاشت الاحزاب السياسية في اوروبا الغربية لقرون دون ان تكون الديمقراطية المركزية نصا في لائحتها وطقسا يعلو ولا يعلي عليه•
    كانت الديمقراطية في حاجة الي جرعات مكثفة من العدالة الاجتماعية حتي تصبح فعالة في ادائها وقد حقق النظام السوفيتي قدرا كبيرا من العدالة الاجتماعية لم يشهد مثله اي نظام اجتماعي في التاريخ، وسيبقي من مفاخر النظام السوفيتي وتحديا تاريخيا ينتصب فيوجه كل الذين شرعوا اسلحتهم لينهالوا بها علي التجربة بعد زوالها ولكن تحقيق تلك العدالة الاجتماعية تم علي حساب الديمقراطية وليس تطويرا لها، وعلي حساب الانسان فالتجربة التي خرجت ترتاد افقا جديدا للانسان، حطت بثقلها علي كاهله وسيبقي هذا من منزلقات النظام السوفيتي الذي انتقل ارثه الي كثير من الانظمة التي كانت تترسم خطاه من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية•

    كما ان الهاجس السوفيتي باللحاق بالغرب، جعل الغاية الانسانية للاشتراكية تتبخر، وصارت التنمية اولوية الاولويات وغاية في حد ذاتها واصبحت الادارات المركزية البيروقراطية تخنق مبادرات القاعدة لكي تحافظ علي قرارات القمة وتفرض خضوعا اعمى علي كل المواطن، وتفرض عليه احيانا طاعة عمياء وهذا على نقيض ما قاله لينين من ان مبادرة الملايين من البشر تحمل دائما شيئا اكثر نبوغا من الافكار الاشد نبوغا (قارودي، الاصوليات المعاصرة، ص 33 باريس، 1992م)•

    خامسا: حقق البلاشفة ثلاثة انجازات بعضها ملاحم بطولية ثبتت اقدامهم في السلطة ولكن كان لبعضها سلبياتها الاول الانتصار في حرب التدخل فما ان انتهت الحرب حتي بدأت الدول الرأسمالية تستجمع قواها لتقضي على الدولة البلشفية الفتية يساندها انصار الاقطاع والقيصرية وكانوا يستهدون بشعار تشرشل الذي دعا فيه الى: >خنق البلشفية في مهدها< فهاجمتها جيوش من اربع عشرة دولة فهب الروس بقيادة البلاشفة والجيش الاحمر للدفاع عن الوطن الأم، وقدموا تضحيات جساما ودحروا التدخل الاجنبى وكان انتصارا للبلاشفة وللشعب الروسى واعتقد البلاشفة ان وقفة الشعب الروسي للدفاع عن الوطن الام، هي وقفة مطلقة بجانبهم وتوهموا ان الشعب الروسي يمكن ان يقدم تضحيات مماثلة لتنفيذ برنامجهم الاقتصادي ويبدو ان الانتصار العسكري يملأ الناس بالزهو، والزهو في الحسابات السياسية خطير، وقد يقود الي تقديرات مدمرة•

    الامر الثاني عندما اندلعت الحرب العالمية كانت هناك ثلاث امبراطوريات متداعية وهي النمساوية والعثمانية والروسية وتفككت الامبراطوريتان النمساوية والعثمانية وتمكن البلاشفة من لم شمل الامبراطورية الروسية، وحافظوا عليها وكان ذلك بلا شك انجاز، ولكن خدمتهم شتى الظروف، ولم يكن انجازاً بلشفيا خالصا•

    ثالثا، البرنامج الاقتصادي الطموح الذي اخرج روسيا من مستنقع الاقطاع ووضعها في الطريق لتصبح دولة صناعية ذات شأن ولكن كان لذلك الانجاز ثمن باهظ فقد قمعت المعارضة البرنامج بعنف وضراوة ولعل اسطع مثال ما حدث للكولاك ولن تجدي هنا التبريرات والحجج الواهية• فالكولاك جزء من الشعب الروسي واختلافهم مع برنامج البلاشفة ما كان يستدعي مثل ذلك العنف الذي جوبهوا به كما ان التأميم لصالح الدولة مع قبضة الحزب القوية حول السوفيتات من مجالس عمال وفلاحين ونواة لديمقراطية جديدة، الي مجرد ترس في الآلة البيروقراطية فقد تحولت المركزية الديمقراطية بفعل المنهج الروسي الي بيروقراطية صماء حتى عجزت عن تجديد نفسها فشاخت•

    سادسا: اخطأ البلاشفة في التعامل مع قضيتين هما الدين والقومية فلم يفرقوا بين العقيدة الدينية والمؤسسة الكنسية وهذا الخلط لعنة كثير من الانظمة في تعاملها مع الدين فبدلا من التصدى للمؤسسات التي تشوه الدين وتخضعه الى نظم الحكم المتسلطة، هاجموا العقيدة التي ترسخت في وجدان الناس ووجدوا فيها برد اليقين ان الدين ينسق علاقة الانسان بالكون ويعطي وجوده بعدا شاسعا ومعني عميقا فما استطاع البلاشفة الغاء ذلك اليقين وخلقوا حاجزا بينهم وبين الفئات التي تستظل به•

    والتعامل مع قضية القومية ايضا من الامور الشائكة فالقومية تمنح الانسان انتماء فوق الارض، وتختلج فيها مشاعر جياشة وقد تبقي مكبوتة، ولكن من العسير ازالتها وقد عبر البلاشفة عن فهم واضح لقضية القومية، سواء في تعريفها او في اعطاء القوميات حق الانفصال اذا اردت ذلك حسب ما ورد في الدستور السوفيتي واخذت كثير من الحركات تسترشد بطرحهم المستنير ولكن في التطبيق العلمي، ومع تطور الدولة السوفيتية، اخذ الطرح المستنير يتراجع لتحل محله سياسات تخضع القوميات لهيمنة الدولة المركزية بل ارسل الاتحاد السوفيتي دبابات محمولة علي الطائرات لاخضاع قوميات خارج حدوده واذا كان للسوفيت تبريراتهم في اتخاذ تلك الخطوة في صراع الحرب الباردة فهذا لا ينفي انها كانت قمعا لمشاعر قومية، انفجرت فيما بعد في حركات لم يهدأ لها جنب حتى اليوم•

    خاتمة: لعل النقاط الست السابقة قد لا تغطي كل الجوانب المتعلقة بالجذور التاريخية التي ادت الى انهيار الاتحاد السوفيتي ولكن ربما تفتح منافذ تساعد علي حوار حول الظاهرة التي اخذ انهيارها كثيرا من الناس علي حين غرة ولاشك اننا كلما ابتعدنا عنها زمنيا كلما كان تناولنا لها اكثر موضوعية، واقرب الي التاريخ منه الي السياسة•
    وعلى الرغم من ان بعض هذه السلبيات قد تبدو بينة وربما رآها البعض بديهية الا ان الظروف التي انتصرت فيها الثورة البلشفية صحبها ضجيج وانتشاء وتنفس البعض الصعداء لزوال الحكم القيصري، فلم يلتفت اليها، او لعلها توارت خلف اصوات النشوة والفرح ومهما كان حجم تلك السلبيات فانها لن تمحو دور الاتحاد السوفيتي في التاريخ وهذا موضوع له مجال آخر•
    امريكا•

    نقلاً عن جريدة الحرية 31 يناير 2003

    (عدل بواسطة khalid kamtoor on 01-06-2008, 07:36 PM)

                  

01-06-2008, 07:50 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    لمحة تاريخية:الانتخابات البرلمانية في السودان (1-2 من 4) بقلم محمد سعيد القدال
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 1-4-2007


    تقديم
    أجريت في السودان خمسة انتخابات برلمانية في ظل الأنظمة الديمقراطية في الأعوام: 1953 – 1958 – 1965 – 1968 – 1985. ولا تشمل الانتخابات التي أجريت في ظل الأنظمة العسكرية لأنها انتخابات شائهة عرجاء وأصباغ خارجية لا معنى لها. فما هي الدروس التي نستخلصها من تلك الانتخابات الديمقراطية؟ فالتجارب السابقة إذا لم تترسب في الوعي الاجتماعي وتضيء السبل تصبح حياة الإنسان بلا بعد تاريخي. إن الإنسان حيوان ذو تاريخ والوعي التاريخي والحس التاريخي هما اللذان يفرقان بينه وبين الحيوانات الأخرى التي ليس لها تاريخ وتظل تجتر تجاربها السابقة وتكررها وتعيدها. فبماذا خرجنا من تجارب الانتخابات السابقة حتى يصبح لنا بعدنا التاريخي ولا نجتر التجارب السابقة بلا وعي تاريخي، وحتى تصبح النظرة للمستقبل ليست ضربا من التنجيم والحدس وإنما رؤية تسترشد بالعلم؟

    إن إجراء الانتخابات ليس حلا سحريا، فلن تأتي الانتخابات بالحلول السحرية وإنما هي وسيلة تفتح الطريق لإيجاد الحلول التي تواجه المجتمع. وإذا شحنّا الانتخابات بطموحات عريضة فإن ذلك قد يؤدي إلى خيبة أمل أشد إيلاما من انعدام الانتخابات. لقد شهدت البلاد ثلاثة انقلابات عسكرية جاءت كلها بعد انقضاء فترة وجيزة على انتخابات برلمانية. فهل نريد أن نجري انتخابات نبذل فيهت جهدا سياسيا وماليا ثم يأتي انقلاب عسكري ليطيح بذلك الجهد؟

    صحيح إن الانقلابات لها عومل مختلفة، ولكن الانتخاب التي لا تعكس الوضع السياسي بشكل ناصع تصبح من أسباب التغول على الحياة السياسية.

    كما أن الناس لا تذهب لتدلي بصوتها وكأنهم آلات. إن الإدلاء بالصوت الانتخابي عملية معقدة تحكمها عدة عوامل. وبالنسبة لبلد مثل السودان فإن تلك العوامل متعددة ومتشابكة، وقد لا يوجد مثلها في البلاد الأخرى. أولها المناخ السياسي السائد الذي يلقي بظلاله على الناخبين. وثانيها الأوضاع الإقليمية والعالمية التي لها أثرها المباشر وغير المباشر. وثالثها المناورات السياسية، ولكنها محكومة بالعاملين السابقين، ومحكومة بالقاعدة الاجتماعية التي تحكم مجرى العملية الانتخابية ونتائجها، مما يجعل تأثيرها محدودا وليس مطلقا.

    ويتم إجراء الانتخابات من أجل التداول السلمي للسلطة، وليس مجرد ديكور خارجي ليضفي شرعية مزيفة على سلطة غير شرعية. ولذلك فإن المناورات الانتخابية بغرض كسب الأصوت بأي ثمن لن تضفي شرعية على أي نظام. وقد خبرنا تكرار هذه التجربة البلهاء طوال تاريخنا البرلماني.

    فما هي الدروس التي نخرج بها من تجربة الانتخابات السابقة؟

    أجريت الانتخابات الأولى عام 1953 والطموحات عريضة والآمال بعيدة المدى. فقد استطاع أهل السودان كسر جبروت الاستعمار البريطاني وليس لهم من سلاح سوى المقاومة السلمية من مظاهرات واضرابات. وتمت عزلته في الشارع السياسي. وحتى حزب الأمة الذي شارك في مؤسساته الدستورية وتعاون معه، نفض يده من تلك المشاركة وذلك التعاون. ثم انفجرت الثورة المصرية في يوليو عام 1952، وألقت بثقلها مع الطموحات العريضة للحركة الوطنية السودانية. ولكن الموقف المصري كانت تتجاذبه حماسة الضباط الأحرار من جانب وطموح البرجوازية المصرية التي ما زالت ترى أن: مصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها. وكانت حركات التحرر مشتعلة في أرجاء المعمورة، ويفرد عليها الاتحاد السوفيتي ظله بالدعم والحماية ولن ينمحي هذا الدور لمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي هذا الجو أجريت انتخابات عام 1953.


    انتخابات 1953
    في مطلع العام تشكلت لجنة الانتخابات المحايدة برئاسة سوكومارسن الهندي الجنسية وعضوية بريطاني ومصري وأمريكي وأربعة سودانيين. وقامت اللجنة بالطواف على أقاليم السودان. وتبين لها الفرق الكبير بين سكان الحضر الذين يتمتعون بوعي اجتماعي عالٍ وشاركوا في الحركة السياسية وفي صنع أحداث البلاد، وسكان الريف الذين هم في حالة متدنية من الوعي الاجتماعي ومن المشاركة الفعالة في صنع الأحداث. فهل تنقل التجربة الغربية بنصها الذي يعطي صوتا للمواطن بعد أن اكتمل تطورها هناك عبر مسار طويل، أم تعدل لتناسب واقع السودان؟ كان هذا هو السؤال الملح الذي أثار جدلا كبيرا. فرأى البعض أن عدم إعطاء صوت لكل مواطن فيه خروج على الديمقراطية. ورأى البعض الآخر أن إعطاء صوت لكل مواطن لا يتناسب مع واقع السودان. والديمقراطية الغربية نفسها لم تبدأ منذ يومها الأول بإعطاء صوت لكل مواطن، بل إن النساء لم ينلن حق التصويت إلا بعد الحرب العالمية الأولى. هذا الأمر يحتاج إلى وقفة حتى نستبين الفرق بين التطبيق الخلاق والتطبيق الجامد.

    تمت مراعاة الوعي الاجتماعي وعدد السكان عند تقسيم الدوائر، مثال ذلك أن 579 ألف ناخب في كسلا لهم ثلاثة مقاعد في البرلمان، بينما يحصل 640 ألف ناخب في الاستوائية على مقعدين. ورفعت دوائر الانتخاب المباشر من 35 إلى 68. والانتخاب غير المباشر هو أن يختار الناخبون ممثلين عنهم ويختار الممثلون النائب البرلماني الذي يمثلهم. وأعطي الخريجون خمس دوائر. وأثارت تلك الدوائر بعض الجدل، ولكن اللجنة كانت تحاول أن تتعامل مع واقع يختلف عن واقع البلاد الغربية. وذهبت بعض القوى السياسية إلى ان سوكومارسن تم اختياره بإيعاز من عبدالناصر إلى نهرو ليختار شخصا يضع نظاما للانتخات يخدم الحزب الوطني الاتحادي. وهذا رأي ينطلق من أفق محدود. فإذا كانت اللجنة تخدم مصالح الوطني الاتحادي تكتيكيا، فإن الوطني الاتحادي قد وضع رأسه في المكان الصحيح. كما أن مصالح الوطني الاتحادي لا يتم تحقيقها بالمناورات وإنما بالوضع السياسي والمناورات عنصر مساعد وليست عاملا حاسما. فالانتخابات لم تحسمها في الأساس المناورات وإنما الأساس الاجتماعي والوعي الاجتماعي الذي ينبعث من ذلك الأساس ومن قدرات العصر.

    واكتنف تلك الانتخابات بعض القصور. فقد حرمت النساء من حق الانتخاب. كما حددت سن الناخب بواحد وعشرين سنة. فحرم قطاع كبير من السكان من حق المشاركة.

    فكيف سارت تلك انتخابات؟


    --------------------------------------------------------------------------------

    لمحة تاريخية: الانتخابات البرلمانية في السودان (2-4)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 8-4-2007


    الانتخابات البرلمانية عام 1953

    بلغ عدد الدوائر في انتخابات عام 1953، 97 دائرة تنافس عليها 227 مرشحا يمثلون ستة أحزاب. وتنافس 22 مرشحا على دوائر الخريجين الخمسة. وكانت النتيجة كما يلي: الوطني الاتحادي 53 – الأمة 22 – المستقلون 7- الجنوب 7- الجمهوري الاشتراكي 3. وحصل الوطني الاتحادي على ثلاث مقاعد في الخريجين ومستقل على مقعد والجبهة المعادية للاستعمار (تحالف الشيوعيين والديمقراطيين) على مقعد. ولكن الأصوات التي حصل عليها حزب الأمة كانت أكثر من الوطني الاتحادي بفارق 47 ألف صوت.

    وعلق البروفسور هولت على تلك النتيجة بأنها وضّحت أن معظم تأييد الوطني الاتحادي جاء من المدن ومناطق الاستقرار في أواسط السودان وهو مكان نفوذ الختمية. كما عبرت النتيجة عن رفض الاستعمار البريطاني. ولم يكن تأييد الوطني الاتحادي في رأيه تأييدا للوحدة مع مصر، بقدر ما كان تعبيرا عن الرغبة في التغيير. وكان أيضا تأييدا لموقف الوطني الاتحادي المعادي للاستعمار. وخلص إلى أن النتيجة كانت مثار دهشة بالنسبة للبريطانيين.

    وأثار حزب الأمة اتهامات حول تدخل أموال مصرية في الانتخابات. وكان تدخل الأموال الأجنبية حقيقة، ولكن تدخل نفوذ الاستعمار البريطاني أيضا حقيقة. وكان التصويت بالإشارة أيضا حقيقة. ولكن الصراع في تلك الانتخابات لم يحسم على مستوى الأموال الأجنبية والنفوذ الاستعماري والطائفي، وإنما حسمه القطاع الحديث الواعي الذي أتيح له ثقل أكبر في تلك المعركة.

    وعبر حزب الأمة بشكل غاضب عن عدم رضائه لنتيجة الانتخابات في حوادث مارس 1954. كان الأول من مارس يوم افتتاح البرلمان، وجاء الرئيس محمد نجيب ممثلا لمصر، فأراد حزب الأمة أن يظهر نفوذه السياسي في الشارع ويعبر عن رفضه للوحدة مع مصر. ومهما قيل عن تلك الأحداث فقد كانت تعبيرا عنيفا في صراع ديمقراطي. وحزب الأمة الذي ظل يتحالف مع الإدارة البريطانية وهو يرفع شعارا هلاميا: السودان للسودانيين، والذي لم يرفع منذ تأسيسه عام 1945 شعارا واحدا معاديا للاستعمار، والذي لم ينظم مظاهرة واحدة من المظاهرات التي تفجرت في وجه الحكم البريطاني، لم يحتمل صدمة الرفض من القطاع الذي ظل ينسج مقاومته للاستعمار البريطاني خيطا بخيط من تضحيات أبنائه.

    وكان برلمان 1954 أنجح البرلمانات في تاريخ السودان السياسي. فقد أرسى قواعد النظام الذي يقوم على تداول السلطة سلميا، وأنجز السودنة والجلاء، وتوّج ذلك بإعلان الاستقلال في ديسمبر 1955.


    الانتخابات البرلمانية الثانية عام 1958
    وعندما أجريت الانتخابات الثانية عام 1958، تغيرت موازين القوى. فقد كانت الحكومة تقوم على تحالف بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي الذي انفصل عن الوطني الاتحادي. فماذا فعلت بقانون الانتخابات؟ ألغت دوائر الخريجين لأن حزب الأمة لم يحصل على دائرة فيها في انتخابات 1953. ولكن الغرض من دوائر الخريجين ليس المكسب الحزبي، وإنما إعطاء وزن للفئة التي لعبت دورا قياديا في مجرى السياسة السودانية. وحزب الأمة نفسه اختار لقيادته السياسية نخبة من المتعلمين المتميزين من أصحاب الكفاءات العالية الذين لا يربطهم به الولاء الطائفي. فكان الإلغاء ردة عن قانون 1953. ثم قسمت الدوائر تقسيما عدديا مطلقا، لأن هدف حزب الأمة الحصول على مقاعد برلمانية، حتى ولو كان ذلك على حساب الإنجاز الذي حققته لجنة سوكومارسن. فأصبح عد الدوائر كالآتي:

    ارتفع عدد دوائر دارفور من 11 إلى 22

    ارتفع عدد دوائر كردفان من 17 إلى 29

    ارتفع عدد دوائر النيل الأزرق من 18 إلى 35

    ارتفع عدد دوائر كسلا من 8 إلى 16

    ولعله من الملفت للانتباه أن كل مرشحي الحكومة سقطوا في دوائر العاصمة المثلثة.

    وألغي شرط التعليم بالنسبة للمرشح، فدخل البرلمان بعض النواب الذين ليست لهم مؤهلات تمكنهم من المشاركة في القضايا التي تطرح. وأجيز قانون جديد للجنسية في يوليو 1957 بدلا عن قانون 1948 الذي حرم أعدادا من المشاركة في الانتخابات السابقة، وكان أغلب المستفيدين منه من أنصار حزب الأمة. فحصل 6264 على الجنسية منهم 3165 من الفلاتة. وأدخل نظام مراكز الاقتراع المتنقلة لإعطاء القبائل الرحل فرصة أكبر للمشاركة في التصويت.

    وتمخض عن تلك التعديلات ارتفاع عدد الدوائر إلى 173 وجاءت بالنتائج التالية: حزب الأمة 63 _ الوطني الاتحادي 44 – الأحرار 40 – حزب الشعب 16.

    حصلت الحكومة الائتلافية الجديدة برئاسة عبد الله خليل على أغلبية برلمانية، وحسبت أنها حققت حكما مستقرا. وفات عليها أن الديمقراطية لها منابر أخرى هي التي تحقق الاستقرار السياسي وهي المنابر التي أصبحت تعرف اليوم بمؤسسات المجتمع المدني التي تقوم على الاختيار الطوعي بعيدا عن هيمنة السلطة. وفات عليها أيضا أن الديمقراطية تقوم على محتوى اجتماعي هو الركيزة الأخرى لاستقرار الحكم. فالديمقراطية ليست حذلقة لفظية وبراعة خطابية وإجراءات ولوائح. فالناس يسعون في نهاية المطاف إلى العيش في ظل حياة كريمة، وهم يتوقعون أن تكون الديمقراطية أفضل السبل لتحقيق ذلك.

    فما هي أهم معالم التجربة الانتخابية الديمقراطية الثانية؟ لم تعش التجربة فترة تمكن من الحكم عليها. ولكن الفترة على قصرها اكتنفتها سلبيات. من أبرزها تغيير النواب مواقعهم الحزبية والانتقال من هذا الحزب إلى ذاك لأن الأموال أصبحت تلعب دورا في تغيير المواقف الحزبية. وأصبحت الحكومة تواجه معارضة من منابر المجتمع المدني. ولم تشفع للحكومة أغلبيتها البرلمانية. وعندما ضاقت واستحكمت حلقاتها ولم تنفرج، قام عبد الله خليل بتسليم السلطة للجيش بعلم حزبه. فما كان باستطاعة حكومة عبد الله خليل قبول المعونة الأمريكية أمام المعارضة القوية إلا بتسليم السلطة للجيش.

    وفي هذا الصدد كتب عبد الخالق محجوب يقول إن الديمقراطية اللبرالية في السودان تقف حجر عثرة في طريق التطور الرأسمالي وتشكل عقبات أمام الاندفاع السريع لخلق مجتمع مختلط من الرأسمالية ومواقع التخلف. والتنمية في طريق الرأسمالية تقترن بالعنف في السودان.

    هكذا انهارت التجربة الانتخابية الثانية ولم يمض عليها سوى بضعة أشهر رغم الأغلبية البرلمانية.


    --------------------------------------------------------------------------------

    مداخلة تاريخية:الانتخابات البرلمانية في السودان(3-4)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 16-4-2007


    الانتخابات البرلمانية الثالثة 1965
    اندلعت ثورة أكتوبر عام 1964، وبدأت معها التجربة الديمقراطية الثانية والتجربة الانتخابية الثالثة. وخرج الناس تنفخ في أشرعتهم رياح الأمل. وكان لابد أن ينعكس المد الثوري على قانون الانتخابات وعلى الانتخابات التي أجريت عام 1965. وكان لابد أيضا لتوازن القوى الذي حكم خطى الثورة أن يؤثر عليها أيضا. فوسع قانون الانتخابات من المشاركة بالآتي: أعطى النساء حق التصويت للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وخفض سن الناخب من 21 إلى 18 سنة. وأعطى القانون للخريجين 15 دائرة. كان ذلك أقصى ما حققه المناخ الثوري. وكان ذلك إنجازا كبيرا بالنسبة لانتخابات 1958. من الجانب الآخر قسمت الدوائر تقسيما عدديا محضا ولم يراع الفرق بين مناطق الإنتاج والوعي والمناطق الأخرى كما حدث في انتخابات 1953، لأن الأحزاب مازالت تلهث خلف المقاعد بغض النظر عن القوى التي تمثلها تلك المقاعد. فتقليد الديمقراطية الغربية في قمتها هو المسيطر عليها. وكان ذلك طبيعيا نسبة لتوازن القوى. ولم تحفل الأحزاب بأن الديمقراطية لا تلغي الاضطهاد الطبقي، ولكنها تجعله أكثر وضوحا. وكلما كان نظام الحكم ديمقراطيا، أصبح العمال أكثر قدرة على رؤية صور الشر في الرأسمالية. هذا ما قاله لينين قبل أن تندثر أقواله مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتغيير اسم مدينة لينينغراد إلى بطرسبيرج.

    لقد كانت ثورة أكتوبر حدثا كبيرا في مجرى السياسة السودانية. وقد لخصه عبد الخالق محجوب قائلا: إن الثورة واجهت الفئات التي تداولت الحكم منذ 1953 بالحقائق المذهلة التالية:

    أولا: من الممكن أن تنشأ في السودان حركة سياسية مستقلة عن تلك الفئات التي تداولت الحكم مدنيا كان أو عسكريا، والتي ظلت توجه الأحداث منذ الحرب العالمية الثانية.

    ثانيا: أن تكون هذه الحركة من الناحية الشعبية من منظمات مهنية ونقابية وجماعات سياسية لم يكن لها شأن كبير من قبل ومن أبرزها الحزب الشيوعي.

    ثالثا: أن تستطيع هذه الحركة نسف حكم قائم بطريقة مفاجئة للفئات ذات المصالح ومن بينهم القادة السياسيون البرجوازيون وأن تشكل سلطة لا تنتمي لتلك الفئات.

    رابعا: وهو الأمر الخطير – أن ينفصل جهاز الدولة عن السلطة الحاكمة وينضم إلى تلك القوى السياسية في عمل ثوري هو الإضراب السياسي. وكان هذا درسا قاسيا ارتجفت له الفئات الحاكمة والدوائر الاجتماعية من أصحاب المصالح والسلطة الدائمة.

    وانتهى تقسيم الدوائر كالآتي:

    النيل الأزرق 45

    كردفان 36

    كسلا 33

    دارفور 24

    الشمالية 17

    الخرطوم 13

    الجنوب 60

    فبلغ عدد الدوائر 233 دائرة. وشارك في الانتخابات 12 حزبا سياسيا. وقاطع حزب الشعب الديمقراطي تلك الانتخابات، وكان ذلك موقفا متطرفا قصد به حزب الشعب أن يطهر أرديته من دنس التعاون مع النظام العسكري، ولكنه أضعف موقف حزبه والأحزاب القريبة منه من المشاركة الفعالة في الأحداث التي شهدتها البلاد.

    كانت نتيجة الانتخابات كما يلي:

    الأمة: 92 – الوطني الاتحادي: 73 – مستقلون: 18 – مؤتمر البجة: 15- الشيوعي 11 وكلها في الخريجين – سانو10: جبال النوبة 10 – جبهة الميثاق 5

    كانت النتيجة مبعث رضى بالنسبة للأحزاب الكبيرة وكانت أيضا مبعث عدم رضى. فقد أصبح للحزبين الكبيرين أغلبية مريحة، ولكنها أغلبية تقوم على التحالف. فطغت المناورات الحزبية، وكان للحزب الوطني الاتحادي اليد الطولى في تلك المناورات، بالذات بعد انقسام حزب الأمة بين الإمام الهادي وابن أخيه الصادق. وانزعجت الأحزاب للنفوذ الذي تمتع به الحزب الشيوعي رغم عدد نوابه القليل. ولم يقتصر نشاطه على البرلمان حيث قدم معارضة قوية، فقد كانت صحيفته الميدان أكثر الجرائد توزيعا بين الجرائد الحزبية، بل لعلها نافست بعض الجرائد المستقلة. وكان اللقاء الذي يقيمه عبد الخالق كل أسبوع بإحدى دور الحزب في العاصمة يجذب إليه أعدادا كبيرة من المستمعين. وكان خطاب عبد الخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد عام 1965 لمناقشة مشكلة الجنوب كانت له آثار سياسية ذات وزن بعيد المدى. لقد أتضح أن الديمقراطية اللبرالية لها منابر أخرى ذات تأثير غير البرلمان. ويبدو أن الحزب الشيوعي لم يعر اهتماما لتوازن القوى والتمييز بين قدرته في الإفصاح ونفوذه الأدبي من جانب وقدرته العددية.فكانت مذبحة الديمقراطية الكبرى في تاريخ البلاد.

    فما الذي حدث؟ أقدمت الأحزاب على حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان مستغلة أغلبيتها العددية في البرلمان. ولا نريد أن نعيد تفاصيل تلك المأساة فقد كتب عنها الكثير. (راجع على سبيل المثال كتابي: الإسلام والسياسة في السودان 1992، وكتابي: معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، 1999). وأسميها مذبحة الديمقراطية الكبرى لأنها رمت بكل التقاليد الديمقراطية عرض الحائط ولم تحفل إلا بأمر واحد وهو حل الحزب الشيوعي.

    ولكن واجهتهم عقبات، بعضها قانوني وبعضها سياسي وبعضها أخلاقي العقبة الأولى حول تعديل الدستور. وكان مبارك زروق قد تقدم بمذكرة عام 1958 حول مبادئ تعديل الدستور خلص فيها إلى أن دستور السودان من الدساتير التي لا يمكن تعديل مواده الأساسية. وعلق عبد الخالق محجوب عام 1967 على تلك المذكرة بأنها تعكس أولا تطلعات جماهير الوطني الاتحادي بعد الاستقلال مباشرة، ويمكن إجمال تلك التطلعات في تثبيت دعائم الديمقراطية، وهم كانوا ضمن الحركة الديمقراطية، وكانوا قوى خارجة وقتها من غمرة النضال. وتعكس أيضا موقف الحزب الوطني الاتحادي وهو في المعارضة ويدرك جيدا أن بقاءه مرتبط ببقاء الديمقراطية، في الوقت الذي بدأت القوى الحاكمة التنكيل بالمعارضة تعبيرا عن عجزها في الحكم. وتعكس أيضا الحياة السياسية عامة التي كانت تتمتع بجو أكثر صحة وعافية من جو التضليل والتهريج وتزييف الإسلام. (جريدة أخبار الأسبوع/ فبراير 1967) ولم تحفل القوى الحاكمة بذلك فأقدمت على تعديل الدستور أكثر من مرة حتى حققت هدفها السياسي. وكانت تلك أكبر مذبحة للديمقراطية في تاريخ السودان السياسي الحديث. وما زالت القوى السياسية مترفعة عن تقديم نقد شجاع لمشاركتها في تلك المذبحة، فقد أخذتها العزة بالاثم.

    ثم رفع الحزب الشيوعي قضية دستورية إلى المحكمة العليا. وحكمت المحكمة ببطلان التعديلات التي اتخذتها الجمعية التأسيسية لأنها تتعارض مع الدستور. وأصبح الحكم سابقة قانونية تدرس في الجامعات. فما الذي حدث في السودان؟ تمت المذبحة الثانية للديمقراطية.

    ولكن الضربة التي وجهت لقرار الحل جاءت في الانتخابات التكميلية في دائرة الخرطوم شمال وفي انتخابات عام 1967 .


    --------------------------------------------------------------------------------

    مداخلة تاريخية:الانتخابات البرلمانية في السودان (4-4)
    د. محمد سعيد القدال
    السوداني 22-4-2007


    الانتخابات البرلمانية عام 1968
    كان أهم تغيير في قانون الانتخابات الجديد إلغاء دوائر الخريجين. وبقيت القوانين الأخرى كما هي. واكتنفت الفترة صراعات حزبية. ورغم أنها صراعات مشروعة، إلا أنها فتت من عضد النظام البرلماني الذي لا يزال في حالة تكوين واستعادة قدراته بعد سنوات الدكتاتورية العسكرية.

    ثم برزت الدعوة للدستور الإسلامي. وكان الصراع السياسي في السودان علمانياً وليس فيه مجال للتلاعب بالدين في المعترك السياسي. فعندما عرض على لجنة الدستور عام 1957 اقتراح بأن تكون جمهورية السودان جمهورية إسلامية وأن يكون الدستور إسلامياً، سقط الاقتراح بأغلبية 21 صوتاً مقابل ثمانية أصوات. فجاءت مسودة دستور 1957 علمانية، ولكن انقلاب 1958 عطل المضي فيها. إلا أن تصاعد الصراع السياسي بعد ثورة أكتوبر، دفع بعض القوى السياسية للزج بالدين في ذلك الصراع.

    وشهدت الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات بعض التحولات في الخريطة السياسية. فاندمج الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في حزب واحد هو الحزب الاتحادي الديمقراطي. وانقسم حزب الأمة إلى جناحين هما جناح الإمام الهادي وجناح الصادق المهدي. وانقسم جماعة الإخوان المسلمين فظهر تنظيم جديد بزعامة حسن الترابي باسم جبهة الميثاق الإسلامي. وبقي الحزب الشيوعي متماسكاً رغم الصراع الذي كان يعتمل في داخله وأدى إلى انقسامه عام 1970. وكانت الأيادي الأجنبية تتدخل في السياسة السودانية بمختلف الأشكال. وفي هذا المناخ أجريت انتخابات عام 1968.

    أجريت الانتخابات في 218 دائرة، وشارك فيها 3 ملايين ناخب. وكانت النتيجة كما يلي: الاتحادي الديمقراطي 101، حزب الأمة بجناحيه 72، المستقلون 10 وأعلن أغلبهم فيما بعد انتماءهم الحزبي، الأحزاب الجنوبية 25، جبهة الميثاق 3، الحزب الشيوعي مقعدين. ولكن مقاعد الحزب الشيوعي لها دلالتها. فقد فاز عبد الخالق محجوب على مرشح الحزب الاتحادي أحمد زين العابدين في دائرة أم درمان الجنوبية وهي دائرة الرئيس إسماعيل الأزهري ومن أهم معاقل الحزب الوطني. وفاز الحاج عبد الرحمن عضو اللجنة المركزية للحزب في دائرة عطبرة التي لها وزنها العمالي المتميز. كما أن فوز المرشحين عن الحزب الشيوعي كان صفعة لقرار حل الحزب.

    كانت الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات، والنتائج التي تمخضت عنها، والأزمة الاقتصادية التي خيمت على البلاد، والصراعات التي اكتنفت المسرح السياسي، كانت كلها هي المقدمة لانقلاب 25 مايو. فلم تكن الأغلبية البرلمانية كافية لحماية النظام الديمقراطي من تغول المؤسسة العسكرية، لأن استقرار النظام البرلماني ليس مجرد أغلبية برلمانية. وكانت تلك هي المرة الثانية التي يؤدي نظام الانتخابات الذي لا يقوم على دعائم راسخة إلى انقلاب عسكري، ولم تكن هي المرة الأخيرة.

    الانتخابات البرلمانية عام 1986

    أجريت هذه الانتخابات بعد 17 عاما من غياب الديمقراطية. وإذا أضفنا إليها سنوات الحكم العسكري الأول الست، يكون السودان عاش بعد الاستقلال 23 عاما من الحكم العسكري مقابل 7 سنوات من الديمقراطية. وكانت تلك السنوات على قصرها مشحونة بالاضطراب السياسي وبقانون انتخابات غير سوي، مما يجعل منها فترة سلبية قريبة من الحكم العسكري.

    وأجريت الانتخابات بعد عام من الانتفاضة التي أطاحت بحكم الفرد. ولم يكن من طموحات الانتفاضة بحكم توازن القوى الذي حكم خطاها أن تصل نهايتها المنطقية وتصفي مؤسسات دولة حكم الفرد. بل إن الانتفاضة اختطفتها (hijacked) المؤسسة العسكرية التي كانت هي نفسها من ركائز النظام المايوي. كما أن الأحزاب الكبيرة وهي الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية، لم تكن من ركائز النظام المايوي المندحر فحسب، بل لم تكن شديدة الحرص على تصفية مؤسساته.

    وكان قانون تلك الانتخابات كسيحاً، وعارضته غالبية القوى السياسية. ورغم ذلك شاركت في الانتخابات لأن القوى السياسية لا تصارع في الظرف المثالي الذي تشتهيه، بل تناضل من أجل خلق ذلك الظرف المثالي الذي تشتهيه. وتدخل المجلس العسكري الانتقالي بكل ثقله ليخرج القانون الخاص بدوائر الخريجين ليتناسب مع تنظيم الجبهة الإسلامية. وقد سجلت ذلك في مقال بجريدة الميدان في 18 و20 أبريل 1986.

    وأجريت الانتخابات بعد أن استشرت الرأسمالية الطفيلية وانتفخت أوداجها خلال سنوات مايو. والذي يراجع الخريطة السياسية لتلك الانتخابات لن يغيب عنه طفح الطفيلية التي وزعت الأموال يمنة ويسرى في حزام الفقر. لقد ارتكب المجلس العسكري الانتقالي عدة جرائم نكراء في حق الحركة السياسية السودانية، لعل أكثرها بشاعة المناخ الكالح الذي أجريت فيه الانتخابات.

    بلغ عدد الدوائر 301 دائرة خصص منها 28 دائرة للخريجين. وامتدت فترة الاقتراع إلى 12 يوما. فصوت بعض الناس أكثر من مرة. وكانت نتيجة الانتخابات في عمومها متوقعة، ما عدا المقاعد التي حصلت عليها الجبهة الإسلامية والتي فاقت الخمسين مقعدا. ولكن الذي يتأمل في الواقع السياسي لن يجد في تلك النتيجة غرابة. ولكن الجبهة رغم تلك المقاعد التي حصلت عليها وأصبحت الحزب الثالث في البلاد، قامت بانقلاب عسكري واستولت على السلطة. فهل كانت النتيجة مقدمة للانقلاب أم النتيجة لم تكن تعكس الواقع السياسي فاستولت الجبهة على السلطة بالقوة وليس بالطريقة الديمقراطية؟ إن الحزب الذي يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة سوف يعتمد على تلك القاعدة للوصول للحكم وليس على المؤسسة العسكرية. فكانت انتخابات 1986 المرة الثالثة التي تمهد فيها لانقلاب عسكري. فهل نحتاج لدرس ثالث أم كفانا ما تلقينا من دروس؟
                  

01-06-2008, 08:23 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    رحم الله القدال الشجاع المثابر وعميق الفكر مقتصد العبارة
    وشكر علي إيرادك لمقاله عن الثورة البلشفية، فقد بحثت عنه كثيرا
    لم يجرؤ أحد من الشيوعيين ليقول ما قال ولا حتي مناقشته في مقاله
    ولسبب مخجل....
    الثورة البلشفية هي أحدي الأبقار المقدسة للشيوعيين
                  

01-06-2008, 09:11 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: Nasr)

    الأخ الكريم خالد،
    حار عزائي لك ولأسرته الكريمة.
    تشرفت بأن درست على يد هذا الطود الشامخ.
    كم يحزنني فقده
    كم يحزنني فقده
    وكم يحزنني فقده
    ولا أقول إلا ما يرضي الله.
                  

01-06-2008, 09:20 PM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: Haydar Badawi Sadig)

    شكرا لك اخ خالد على جميل ماقمت به تجاه نابغة سودانى اصيل
    له الرحمة ولنا حسن العزاء فى فقده الجليل
    رحم الله ود الباشا القدال
    هكذا كنا نناديه تحببا
    له كل الرحمة
                  

01-07-2008, 06:46 AM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    هكذا يجب ان يكون الرثاء يا خالد

    رحم الله العالم الجليل محمد سعيد القدال ،

    ونسال الله ان يتغمد الفقيد برحمته ومغفرته ويلزم ابنائه وتلاميذه واصدقائه الصبر الجميل

    وانا لله وانا اليه راجعون .
                  

01-07-2008, 06:59 AM

wadalzain
<awadalzain
تاريخ التسجيل: 06-16-2002
مجموع المشاركات: 4701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: Agab Alfaya)

    شكرا يا خالد

    رحم الله الدكتور محمد سعيد القدال

    فلنتمثل سيرته وكتاباته ولنقرأها بتمعن وعمق
                  

01-07-2008, 01:40 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: wadalzain)

    الإخوة الأعزاء
    نصر
    حيدر بدوي
    سلمى الشيخ
    عجب الفيا
    ود الزين

    لكم التحية.... والعفو والمغفرة للعالِم الدكتور محمد سعيد القدال
                  

01-07-2008, 05:13 PM

wadalzain
<awadalzain
تاريخ التسجيل: 06-16-2002
مجموع المشاركات: 4701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا هو العالم والمؤرخ السوداني/ محمد سعيد القدال.. رحمه الله (Re: khalid kamtoor)

    الجموع تشيع جزءاً من ذاكرة الشعب السوداني:الموت يغيّب البروفسيور محمد سعيد القدال

    الخرطوم: آدم محمد أحمد
    غيّب الموت أمس بالخرطوم البروفسيور محمد سعيد القدال, إثر علة لم تمهله طويلاً, وتم تشييعه بمقابر الجريف غرب, بحضور لفيف من قيادات المجتمع والمثقفين وزملائه من أساتذة الجامعات، تقدمهم السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد.
    وكان الفقيد من مواليد الخرطوم 1935، وتخرج من جامعة الخرطوم في 1958م وحاصل على شهادة الدكتوراة في تاريخ السودان الحديث. أستاذ مشارك في مادة تاريخ السودان الحديث في كلية الآداب في جامعة الخرطوم.
    ويعتبر الفقيد من رواد كتاب تاريخ السودان الحديث, وأحد قيادات الحزب الشيوعي السوداني, وله العديد من الإسهامات الصحفية من خلال كتاباته في الصحف اليومية, ومنها صحيفة السوداني اليومية.
    وتحدث نقد عن اسهامات الفقيد, وقال إن القدال أسهم إسهاماً منهجياً متواصلاً ومنسقاً, في الدراسة العميقة والموفقة والناقدة لتاريخ السودان, عبر مختلف فتراته خاصة فترته الحديثة, وتميزت كتاباته بقدر عالٍ من الموضوعية, والبحث التاريخي الناقد، لذلك نجح في كل ما كتب الى ان توصل الى نتائج صحيحى, وظل أفق الكتابة امامه فسيحاً. وقال (عندما أقرأ من كتبه أحس بأنه فتح أفقاً واسعاً), واضاف رغم تواصل مشاغل الحياة كان منضبطاً في المواعيد, لذلك ترك لنا الفقيد ميراثاً قيماً في تاريخ السودان الحديث, وللطلاب الذين يبحثون في المجال.
    أما مدير مركز الدراسات السودانية د. حيدر ابراهيم فقال ان الفقيد يمثل مدرسة خاصة في تاريخ السودان الحديث, فقد ترك اسهامات مميزة في موضوعات لم تعالج بنفس هذه الطريقة بالأخص في ما يتعلق بالثورة المهدية, فقد قدم اول تحليل اقتصادي اجتماعي للثورة المهدية, على وجه الخصوص في السيرة التي قدمها للامام المهدي في السياسة الاقتصادية للمهدية, كما قدم الفقيد كتباً تعليمية شاملة في تاريخ السودان, سواء للمبتدئين او المتخصصين, وقدم الفقيد بعض اسهاماته النظرية في ما يخص فلسفة التاريخ, خاصة دراسته عن الانتماء والاغتراب.
    واضاف ان القدال لم يكن مجرد اكاديمي واستاذ متخصص في التاريخ بل كان يتابع القضايا اليومية العامة, كما يظهر في مقالاته اليومية في الصحف السيارة التي عالجت بعمق قضايا راهنة. وواصل حيدر ان الفقيد كان ملتزماً ومنظماً فوجد بعضويته في الحزب الشيوعي الفرصة لتحديد خط صارم في كتابة التاريخ المنحاز الى الجماهير الكادحة, وهو فوق كل ذلك انسان ودود وطريف ولطيف لا تملك إلا ان تدخله في قلبك بسهولة, مهما كان الاختلاف في الرأي, ففقدانه يعد فقداناً في الزمن الصعب حيث يندر أمثاله.
    وقال زميله الكاتب والمحامي.د كمال الجزولي أن القدال هرم وعالم كبير ومناضل جسور قضى حياته ما بين الجامعات والمعتقلات, وكان حتى هو في المعتقل فقد زاملته كثيراً وكان مواظباً, ومعظم مؤلفاته وضعها داخل السجون, وفي ظروف عصية لا يستطيع ان ينتج فيها علمياً, وهو تولى كرسي الأستاذية في التاريخ بجامعة الخرطوم, وتخرج على يدية الآلاف من الطلاب في الدراسات العليا, وشغل منصب نائب رئيس اتحاد الكتاب السودانيين, وواصل الجزولي ان الفقيد كان صبوراً لا يكاد احد من اصدقائه يعلم شيئاً عما يعاني منه حتى وافته المنية وهو يسعى بنفسه قائداً سيارته وحده من منزله الى المستوصف وهو المشوار الذي لم يعد منه. وختم حديثه بالترحم على الفقيد بقدرما اجزل من عطاء لشعبه ولحزبه.
    ومن جانبه قال القيادي بالحزب الشيوعي د. الشفيع خضر ان القدال ساهم في التربية وتعليم العديد من الاجيال في مواقع متعددة ومرموقة, وكان همه البحث في تفاصيل تاريخ السودان وربطه بالتطورات المعاصرة, وكان همه هو ان يتحول التاريخ من مجرد حكاوٍ وقصص الى مدلولات, واضاف ان الفقيد كان مناضلاً من اجل الديقراطية والحرية ومن اجل الثقافة الوطنية, وكان مجتهداً بجرأة في قضية التنوير الديني للتعامل بفكر مستنير مع القضايا الدينية, وواصل ان الفقيد كان اجتماعياً في حياته مشهوداً له في المجالس المختلفة, وكان محبوباً يمزح الطرفة بالنكتة وبالتعليق الهادف, وكان مربياً لأبنائه بحيث يفخر بكريماته, مثل ما هن يفتخرن بأبيهم.
    اسهامات عديدة بالمكتبة السودانية
    وللقدال العديد من المؤلفات التي أتحف بها المكتبة السودانية منها:
    التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية- 1970م.
    الحرب الحبشية السودانية (تحقيق بالاشتراك)- 1972م.
    المهدية والحبشة- 1973م
    الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو- 1985م
    الإمام المهدي: لوحة لثائر سوداني- 1986م.
    1987: السياسة الاقتصادية للدولة المهدية- 1987م
    الإسلام والسياسة في السودان (621- 1985)- 1992م
    الانتماء والاغتراب: دراسات في تاريخ السودان- 1992م.
    تاريخ السودان الحديث: (1820- 1956) – 1993م.
    الشيخ القدال باشا: معلم سوداني في حضرموت- 1997م.
    السلطان علي بن صلاح القعيطي :نصف قرن من الصراع السياسي في حضرموت- 1998م.
    كوبر: ذكريات معتقل سياسي في سجون السودان- 1997م.
    معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني (1946-1975) – 1999م.
    المرشد إلى تاريخ أوربا الحديث: من عصر النهضة إلى الحرب العالمية الثانية- 2000م.
    الدليل على كتابة الأبحاث الجامعية (بالاشتراك)- 2000م.
    الشيخ مصطفى الأمين: رحلة عمر من الغبشة إلى همبورج-2003م
    كما ترجم كتباً من الإنجليزية وهي:-
    حضرموت: إزاحة النقاب عن بعض غموضها- 1997م.
    رحلة في جنوب شبه الجزيرة العربية- 1998م.
    القات-1999م.
    تاريخ الطريقة الختمية في السودان-2003م.
    وله كتاب تحت الإعداد كان يعد فيه حتى آخر حياته وهو بعنوان:- (الإنفاق في سياق النص القرآني).

    ( جريدة السودانى )
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de