منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 04:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2008, 01:44 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي

    إن معركة (العقل والنقل) قديمة جداً، وليست من المستحدثات التي جاءت كنتيجة طبيعية لطروء عدة من التحولات الفكرية في الوسط الاسلامي في هذا القرن.. وإن كانت هي بطبيعتها كمعركة تتأثر بلون المحيط الذي تثار فيه سواء كان زمانياً أو مكانياًً، ولهذا فإنها تتزيّا كل يوم بزي جديد.
    وما يرمز إلى قدمها ما نجده من انشدادات ماضويّة لدى التيارات المختلفة، فكل تيار أو مذهب فكري يعمد دائماً إلى استمداد القوة والعون ـ في سبيل دعم مبانيه والتأصيل لها ـ من حالة تاريخية سابقة، ولو من خلال تأييدها أو تصنيف نفسه ضمنها.. فحين نجد ـ مثلاً ـ باحثاً كالدكتور محمد عمارة يؤسس لمشواره الفكري بكتاب مثل (المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية) ـ الذي هو عبارة عن أطروحته للدكتوراه ـ ، وحين نجد أيضاً باحثاً آخر كالدكتور محمد عابد الجابري يعيد إنتاج الفيلسوف المغربي (ابن شد)، ويعتبر إنتاجه قمّة الإنتاج الفلسفي الاسلامي، ويهتدي به كثيراً لكونه آخر ما توصلت إليه العقلية الاسلامية ـ وهو بذلك لا يرى لزومية التعويل على انتاجات من قبله ـ ، وكذلك عندما نلحظ كثرة الانشداد إلى (أبي حامد الغزالي) من قبل خصماء الفلسفة.. فحين نجد كل ذلك نكتشف أن كل المذاهب الفكرية تبحث لها عن أصول تاريخية تأنس بها وتصنف نفسها في دائرتها.. وذلك هو عين ما يدل على قدم تلك المعركة في الوسط الاسلامي.
    فقد أخذت تلك المعركة تحتدم من بدايات العصر الاسلامي الأول، حيث ظهر تضاد في المتبنيات الفكرية بين تيارين عريضين في الساحة الاسلامية، ترأس أحدهما الإمام مالك بن أنس وتلامذته، وكان متمركزاً في المدينة المنورة، ووقف على رأس التيار الآخر الإمام أبو حنيفة النعمان وتلامذته، وكانت العراق مركز انطلاقته، وتبعه تضاد من نوع آخر بين التيار المعتزلي المتمثل في واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وحاشيتهما، والتيار المرجئي بزعامة الحسن البصري وتلامذته ثم انحدر الإشكال عند هذين التيارين إلى الخلف الممثلين لهما، فوصل إلى الجبائيين ـ أبو علي وأبو هاشم قبلهما العلاّف ـ من جهة المعتزلة ـ ، وأبو الحسن الأشعري وخلفه ـ من جهة الأشاعرة ـ .
                  

01-07-2008, 01:45 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي (Re: Sabri Elshareef)

    ثم أخذ التضاد في التعمق والاتساع عندما اشتبك الفقهاء مع أصحاب الميول الفلسفية في مباحث جدلية كثيرة، وعلى رأس تلك المباحث أصل المنحى الفلسفي في التفكير.. وقد أحدث هذا الاشتباك فعقعات سمعت أصداؤها في كثير من المدارس الفكرية والأطر المذهبية، كان من بينها الشقاق الإخباري الأصولي في المحيط الشيعي بدايات القرن الحادي عشر الهجري..
    وجميع هذا التضاد والاعتراك عمقُه الأساسي (جدلية العقل والنقل)، وإن كان لكل تضاد ميزاته الخاصة..
    فالمعركة ـ إذاً ـ بين العقل والنقل قديمة في الوسط الاسلامي، وهي تتجدد بتجدد الزمان والمكان..
    لكن مع كونها قديمة، والقِدَم بطبيعته يستدعي تكاملاً في البحث والنظر ولو بحد نسبي، إلا أنها لم تحرز حتى هذا اليوم قاسماً فكرياً مشتركاً يلمُّ سائر التيارات، وإنما الملاحظ أن الزمان كلما تطور وتقدم كلما تعمقت الهوة بين تلك التيارات..
    فبعض المواد العلمية التي كانت يوماً محل نقضٍ وإبرام شديدين، كان للزمان أثر في تهدئتها واستقرارها، لأن إطالة النظر فيها وتحصيص ملابساتها، والإكثار من التحاور فيها، أوصَلَها إلى نقطة يمكن ن يتفهمها كل تيار كان له تصورٌ معاكس أو موافق فيها.. فمسألة خلق القرآن، كانت يوماً من أعقد المواد العلمية وأكثرها بحثاً ونظراً، ولطالما حدثت بسببها مهاترات في الوسط الكلامي الاسلامي أيام زهو الدولة العباسية، لكن بفعل تعدد النظر وتتابع الحوار بين الخصوم، استقر النظر فيها لا أقل على مستوى القاسم المشترك الذي يمكن أن يتفهمه كل طرف، أي تبلور الاستنتاج فيه نسبياً لا مطلقاً ـ خاصة بعد انكفاء عوامل إذكائها الخارجية وعلى رأسها سياسة الدولة العباسية ـ.
                  

01-07-2008, 01:46 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي (Re: Sabri Elshareef)

    ويمكن ادعاء ذلك أيضاً في مسائل أخرى كنظرية الفيض، أو إشكالية العلم الإلهي، أو حقيقة البعث يوم القيامة، فعامل الزمان كان له أبلغ الأثر في استقرارها ولو نسبياً.
    إلا إن هذا الأثر من الاستقرار والتهدئة، لم ينعكس على إشكالية العقل والنقل حتى بالمستوى النسبي، بل الملاحظ أن الزمان ساهم في إذكائها، حتى لكأنك تشعر بانسداد أي إمكانية من شأنها ايجاد جامع فكري بين مختف التيارات المتباينة النظر في خصوص هذه الإشكالية، وما الباعث على مثل هذا التجذر في الإشكالية إلا عمقها، خاصة أنها لم تكن وليدة مصلحة سياسية معينة ـ وإن كان ادعاء ذلك في بعض فصولها ليس فيه ثمة مجازفة، كما لوحظ في مسألة خلق القرآن، أو تشجيع المأمون العباسي على ترجمة الإنتاج العقلي اليوناني، ولكن عموم المسألة العقلية النقلية لم تكن كذلك، وإنما كانت مسألة فكرية بحتة ـ .
    ولأنها مسألة فكرية بحتة، فلا يمكن طيُّها بسهولة.. ولهذا فهي تحتاج إلى دراسة هادئة أبعد ما تكون عن الطابع الهجومي، ومُجانبة للاستهتار بآراء الآخر.. دراسة تتوخى مقاربة الصواب، من خلال التأسيس البرهاني المتماسك، بالذات أن كل أصحاب النظريات المتفاوتة في هذه المسألة العلمية لا تعوزهم الأدلة والبراهين القوية، بل لم نجد من ناقش وتبنى خطاً فكرياً ـ في خصوص هذه المسألة بالذات ـ بالاعتماد على أدلة ساذحة ـ إلا مَن شذ منهم ـ .. فغالب الباحثين مهما كانت اتجاهاتهم ومتبنياتهم يتكئون على أدلة علمية متينة في نفسها، وإن كان فيها نظر عند ناقدها..
    هكذا ينبغي لنا ولوج هذا البحث الحساس.. ولكن قبل الاسترسال في عرض مواده، نحتاج إلى تقديم إجابة على سؤال قد يكون له ظلال على مجمل البحث وهو: كيف بدأت مشكلة (العقل والنقل)، هل تولّدَت من داخل العقل الاسلامي، أم سقطت عليه من الخارج فانفعل بها؟
    والإجابة على هذا السؤال على قدر من الأهمية، لأن المشكلة إذا كانت نابعة من داخل العقل الاسلامي، فإنها تكشف ن طبيعة تركيبة الفكر الاسلامي وطبيعة ديناميكيته قابلة لتمخض مثل هذه الإشكالية، ومجرد احتمال هذه القابلية يعطي مصداقية لمادة الإشكال.. وبالتالي إذا صحت هذه الفرضية فإن مساق البحث والمناقشة يبتني على ضرورة تلمس أي إجابة على تلك الإشكالية من داخل النص الديني لا من خارجه..
                  

01-07-2008, 01:47 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي (Re: Sabri Elshareef)

    فما دام الفكر الاسلامي بذاته ـ الذي جاء به ذلك النص ـ قابلاً لتولد مثل تلك الإشكالية، فلابد أن ننقب عن الإجابة في ذات النص، لأنه المسؤول عن صدورها، وبالتالي فهو المتكفل بوضع مقاييسها وضوابطها.
    أما إذا كانت الإشكالية مستوردة وساقطة من الخارج، فإن الأمر يختلف تماماً .. لأنه أولاً لا يُنبئُنا عن وجود قابلية لتفجر مثل تلك الإشكالية في الفكر الاسلامي، وبالتالي فلسنا معنيين باستظهار الإجابة من النص، وإن كنّا على كل حال مضطرين لعرض الإشكالات الخارجية على أصولنا الدينية لتمحيصها.
    ثم إن وعينا للإشكالية نفسها لا يكون من داخل النص ولا من داخل العقل الاسلامي المنفعل بها، لعدم مسؤوليته المباشرة عنها، وإنما يكون من خارج النص والعقل الاسلاميين.. فلابد أن نبحث عن المصدر الحقيقي ونستظهر حقيقة الإشكالية منه.. وهذا بطبيعته يضطرنا لجرجرة إجابات علاجية خارجة عن حريم النص، لضبط التعاطي مع تلك الإشكالية.
    فكيف تولدت هذه الإشكالية؟
    في الواقع أن تموجات الفكر النصي وطبيعة ديناميكيته الخارجية ـ أي حين يصطدم بالواقع المتحرك ـ لابد أن تقف يوماً على هذه الإشكالية ـ العقل، النقل ـ ، خاصة إذا غاب المشرِّع المباشر المتمثل في المعصوم.. فحين يكون المشرع موجوداً قد لا يكون لهذه الإشكالية مجال، إذ كلما استجد أمرٌ أمكن العودة إليه.. لكن حين يغيب ـ مطلق الغياب بما هو أعم من الموت ـ ، وتبدأ الحياة بعد غيابه تُخرِج مستجداتها من جهة، ومن جهة تبدأ العقول بالتضارب في فهم نصوص ومقولات المشرِّع، عندها تقفز إلى السطح إشكالية العقل والنقل بشكل أوتوماتيكي.
    ويمكن أن نلحظ هذا التقرير عملياً من خلال التأمل في التفاوت الزمني الحاصل بين التقنين الأصولي السني والتقنين الشيعي.. فالمناخ العلمي السني انقطع عنه المد النصي بموت رسول الله(ص)، لهذا سارعت تلك الإشكالية للبروز في وسطه، فاستحدث لها أجوبة كانت هي علم الأصول المصطلح.
    أما المناخ العلمي الشيعي فتواصل لديه المد عبر الأئمة المعصومين من أهل البيت(ع)، فلم يجدوا أنفسهم في حاجة تلك الإشكالية إذا كان حجمها وصورتها، إلا بدايات القرن الرابع الهجري، حيث شرعت العقلية الأصولية في التحرك عند ابن الجنيد وغيره.
    فطبيعة الديناميكية الخارجية لأي فكر مودع في نصوص ـ أيُّ فكر نصي مقنن سواء كان قانوناً شرعياً أم قانوناً وضعياً ـ لابد أن تقترب منه إشكالية العقل، ولو على نحو الفرضية، حتى وإن لم يكن لها مثيرٌ خارجي.
    وقد كان هذا الأمر واضحاً في العقل الاسلامي، حيث أخذت تلك الإشكالية بالبروز شيئاً فشيئاً من داخله، وقد ساعد على بروزها حيثيات عديدة استبطنها النص الديني نفسه منها.
    1 ـ اكتفاء النص في كثير من الموارد بسن أحكام كلية، وترك تطبيقها للمكلف العاقل، كالحكم الكلي القائل بوجوب تعظيم حرمات الله سبحانه وتعالى.
    فالشارع إذا اكتفى بجعل الحكم الكلي، فإن مفاد ذلك التخيير العقلي بالنسبة للمكلّف في كيفية التطبيق.. ففي المثال يكون المكلف مخيّراً في كيفية تعظيمه لحرمات الله سبحانه.. وفي ذلك اعطاء مجال للعقل كي يتحرك ويتصرف ضمن ضوابط وحدود.
    2 ـ التصريح المتكرر داخل النص نفسه بجلال العقل، واستعداده لتعقل الأحكام والتكاليف.
    3 ـ التأكيد على ضرورة ثبات الرؤية الدينية والمحافظة على حياتها.. وذك يستلزم احتكاك بين العقل والنقل.. إذ لو لم يكن ثبات الرؤية ضرورياً، لأمكن للعقل العمل بعيداً عن النقل ولم يكن في ذلك ثمة محذور.
    أما إذا كان من الضرورة واللزوم الشرعي المحافظة على بقاء الرؤية الدينية، فلابد أن يتدخل العقل ليفكر في كيفية تثبيتها، وماذا يمكن تثبيته وماذا لا يمكن.
    4 ـ تكفل النص بسن قواعد ثانوية من شأنها تنحية الأحكام الأولي مؤقتاً.. كقاعدة نفي الضرر ونفي العسر والحرج وما أشبه.
    فمثل هذه القواعد لا يمكن إعمالها إلا بتدخل العقل، فهو الذي يحشر نفسه في هذه الزاوية ليقدم حكماً على آخر في حال انطباق العناوين الثانوية.. وهذا يجعله في تماس واحتكاك مع النص باستمرار.
    5 ـ ترسيم خيار الاجتهاد حتى على عصر رسول الله (ص)، فكيف به بعده؟!
    فقد نقل المؤرخون أن رسول الله (ص) بعث أحد الصحابة وهو معاذ بن جبل قاضياً إلى اليمن، وقال (ص) له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: اقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله (ص)، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله، قال: أجتهد رأيي لاآلو، قال: فضرب بيده على صدري، وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول الله لما يرضاه الله.
    وهكذا فعل الإمام علي (ع) في يوم الشورى بعد موت الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث رفض فاطُرح عليه من العمل بسيرة الشيخين، ووضع بديلاً لها بقوله (واجتهاد رأيي).
    والعمل الاجتهادي إنما هو احتكاك منظّم بين العقل والنقل، وصلاحية خاصة يمكن للعقل فيها أي يتحرك في مسيرة استنباطية للأفكار من داخل النص الديني.
    فجميع هذه الحيثيات عندما نضمها إلى بعضها ونضعها في عرض واحد، مع غياب المشرع، لابد أن تكون النتيجة بروزاً واضحاً لإشكالية العقل والنقل.
    وهذا هو تماماً عين ما حصل في الدائرة الاسلامية، فبسبب تراكم جميع تلك الحقائق وانضمامها إلى غياب المعصوم، نشأ إشكال من داخل العقل الاسلامي يهدف إلى الموازنة بين النص الديني المقنن وبين العقل المتحرك.. وقد كان النص لحيويته وقابلية للحركة هو الذي يغذي هذه الحالة ويذكيها في داخل العقل.
    بهذا فالمشكلة نابعة من داخل العقل الاسلامي، وذلك أن النص والفكر الديني فيه من الحيوية والنشاط بحيث يكون قابلاً لإفراز مثل تلك الإشكالية.. وهذه القابلية مظهر ايجابي من مظاهر تكامل النص، ودليل على حركيته وحيويته، خصوصاً إذا علمنا بأن النص تكفل بالاجابة على الإشكالية لوم يتركها حائرة.
    فلو كان النص جامداً وغير قابل للتحريك بالعقل، لكان معنى ذلك توقفا لنص وتجاوز الزمان له وبالتالي تحوله إلى تاريخ وأطلال، هذا من جهة، ومن جهة أرخى تحول العقل إلى عقل سطحي جاهلي لعدم علمنته بالنص، إذ إن العقل غير قادر على إدراك كل شيء ولو تُرِك وشأنه لاضطرب في حركته، وعلاقته مع النص هي الكفيلة بحفظ توازنه وضبط حركته.
    أما إذا كان النص قابلاً للحركة، وفيه قابلية للاستجابة لكل التحولات والإجابة على كل الإشكاليات، فإنه يكون نصاً حيوياً.. وهكذا هو النص الاسلامي، فهو محتضن لتلك الحيوية، ولهذا فهو يحتك مع العقل في مسيرة طويلة هدفها تنزيل النص تنزيلاً علمياً إلى الواقع.
    إذاً فالإشكالية تولدت من داخل العقل الاسلامي، وذلك بالطبع لا يعني عدمية الانفعال بالخارج، فالعوامل الخارجية المتمثلة في التساؤلات الفلسفية جاءت متأخرة وكان لها دور توسيع الإشكالية وأضافت مفردات جديدة لها، لكن أصل الإشكالية لم تكن دخيلة وإنما داخلية.. ولو كانت الإشكالية كلها دخيلة، في حين أنها أثرت تأثيراً بالغاً على العقل الاسلامي، لأوجَبَ ذلك القول بخفّة النص الديني لأنه سريع الاختراق، والحال خلاف ذلك.
    بل القول الأصح أن الإشكالية كونها نابعةً من الداخل، أعطاها مجالاً للتجاوب مع الوارد وتهذيبه.. ولو لم تكن داخلية لَطُرِدَ الوارد وما أمكن للنص التجاوب معه، لأن التجاوب آنذاك يكشف عن خفة في النص، إذ كيف يتعاطى ويتداخل ـ وربما يستقيم ـ مع ما هو مرفوض مبنائياً في وسطه؟!
    وعلى كل حال فهذه الإشكالية (العقل - النقل) ليست إشكالية استعمارية - دخيلة - كما يتصوّر، وإنما هي إشكالية حقيقية، بل إشكالية ايجابية.. فهي ليست عدوّة للنص بقدر ما هي مظهر من مظاهر حيويته وجماليته.. وقد أمكن للنص أن يستوعبها، ويُنظر لها.. وإنما أقول ذلك حتى لا ننظر إليها بشيء من الريبة والترقب، وإنما نتعامل معها على أنها إشكالية طبيعية.. ولأنها كذلك ـ داخلية وطبيعية ـ فالنص متكفل بالاجابة عنها.
    كل ذلك يتصل بالخط العام للإشكالية، أي الإشكالية بما هي.. لكن توجد ثمة استثناءات في ثنايا هذه الإشكالية ـ وبتعبير أصح استثناءات اتصلت بها لاحقاً، أو سابقاً أيضاً ـ ، يمكن لنا التحفظ عليها.. وهذا التحفظ هو الباعث لهذه الدراسة.
    طبعاً نحن إلى الآن لم نعرض حقيقة الإشكالية، ولم نتبيّن ماهيتها، وإنما ألمحنا فقط إلى أصل وجودها.. لهذا لابد من تحرير الإشكالية بشكل واضح حتى نعرف ما يحتاج منها للمناقشة وما يمكن أن يتأسس كنظرية.


    http://www.balagh.com/mosoa/mabade/qs0or8bx.htm
                  

01-07-2008, 05:03 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: منهاج التفكير، بين العقل والنقل //* فيصل العوامي (Re: Sabri Elshareef)

    1 ـ اكتفاء النص في كثير من الموارد بسن أحكام كلية، وترك تطبيقها للمكلف العاقل، كالحكم الكلي القائل بوجوب تعظيم حرمات الله سبحانه وتعالى.
    فالشارع إذا اكتفى بجعل الحكم الكلي، فإن مفاد ذلك التخيير العقلي بالنسبة للمكلّف في كيفية التطبيق.. ففي المثال يكون المكلف مخيّراً في كيفية تعظيمه لحرمات الله سبحانه.. وفي ذلك اعطاء مجال للعقل كي يتحرك ويتصرف ضمن ضوابط وحدود.
    2 ـ التصريح المتكرر داخل النص نفسه بجلال العقل، واستعداده لتعقل الأحكام والتكاليف.
    3 ـ التأكيد على ضرورة ثبات الرؤية الدينية والمحافظة على حياتها.. وذك يستلزم احتكاك بين العقل والنقل.. إذ لو لم يكن ثبات الرؤية ضرورياً، لأمكن للعقل العمل بعيداً عن النقل ولم يكن في ذلك ثمة محذور.
    أما إذا كان من الضرورة واللزوم الشرعي المحافظة على بقاء الرؤية الدينية، فلابد أن يتدخل العقل ليفكر في كيفية تثبيتها، وماذا يمكن تثبيته وماذا لا يمكن.
    4 ـ تكفل النص بسن قواعد ثانوية من شأنها تنحية الأحكام الأولي مؤقتاً.. كقاعدة نفي الضرر ونفي العسر والحرج وما أشبه.
    فمثل هذه القواعد لا يمكن إعمالها إلا بتدخل العقل، فهو الذي يحشر نفسه في هذه الزاوية ليقدم حكماً على آخر في حال انطباق العناوين الثانوية.. وهذا يجعله في تماس واحتكاك مع النص باستمرار.
    5 ـ ترسيم خيار الاجتهاد حتى على عصر رسول الله (ص)، فكيف به بعده؟!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de