كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
الموت في زمن الغفلة
|
الموت في زمن الغفلة • الصحفي الذي يشترون قلمه صحفي على درجة من الأهمية • الصحفي الذي يشترون صمته أكثر أهمية • الصحفي الذي يشترون موته على درجة قصوى من الأهمية
وهكذا إشتروا موت الصحفي المناضل الجسور محمد طه محمد احمد. لا لأنه يعلم الكثير جداً كما يقول زعماء المافية عندما يقررون تصفية أحد. ولكن لأنه تخصص في ارتياد حياض لا يقترب منها أحد. حياض منطقة (المسكوت عنه). شئ ربما يهمسه الناس في جلساتهم....لكنهم لا يتناولونه في العلن. الأستاذ الشهيد محمد طه محمد احمد (رحمه الله وتقبل شهادته وأنزله مع الصديقين والشهداء) أسس مدرسة صحفية خالية من الأسوار الرمادية. معالمها واضحة تشكلت من نزيف الكتابة اليومية ومن جرأة وإقدام وقدرة على الإقتحام والمصادمة. أسلوبه يثير الرعب في الذين يعنيهم لأن الرد عليه يستعصي عليهم ولذلك حاولوا إسكاته مرات عديدة لكنهم فشلوا. وظل محمد طه وفياً لقلمه ومبادئه يقبض عليها كالقابض على الجمر، ينثرها في فضاء الحقيقة فتثير رعباً لا نهائياً. الموت في زمن الفضائيات صار إحصائيات باردة لا تثير الشفقة. صور السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والأشلاء المتناثرة احتلت مكانها في مجال الرؤية لتمسح عنها الدهشة. وزاد معدل العنف في كل مكان... العنف في لغة المخاطبة اليومية، العنف في مفردات الكتابة، العنف في الشعر، في الموسيقى في الحوار في المفاوضات... هذا زمان العنف وزمان الموت للشرفاء أمثال الأستاذ محمد طه محمد احمد. إن إغتيال الأستاذ محمد طه وبتلك الطريقة البشعة ينهي أسطورة أن ما يحدث هناك لا يحدث هنا. فلا يجوز أن نستسلم لخدر أوهام سادت ثم بادت. ويجب ألا يغرينا هذا الهدؤ المشوب بالحذر بغفلة قد تعصف بنا من خلالها فتن العصر وتآمر الذين يسيرون من حولنا ثم يطرقون على أبوابنا وينسجون من ذلك مشهداً تاريخياً دامياً. الصحافة لم تعد مهنة النكد والمتاعب فحسب ولكنها مهنة يختبئ الموت في كل حرف من حروفها وبين كل سطر وسطر لأن قواعد اللعبة القديمة قد تغيرت. وامتلأت الساحة بمن يؤمنون أن رصاصة في الليل تحسم حجة وحوار. وها نحن نقدم من عندنا شهيد القرن الحادي والعشرين من قبيلة الصحفيين لعل ذلك يكون مدعاة لوحدة الصف الصحفي والعمل على إعلاء كلمة الحق فليس هناك كلمة تعلو عليها. لقد شهدت نهاية القرن التاسع عشر وفجر القرن العشرين ظهور حركات ذات طابع دموي كالعدميين (النهليست) والفوضيين (الأناركيست) والخناقين في الهند وكلها تنادي بالدعوة للمبدأ بالجريمة. ولكن قيم الحق والعدل هزمتها فتبخرت في الهواء وتلاشت بعد أن أثخنت في الأرض. فهل تطيش هذه المحنة القاسية بصوابنا أم تجعلنا أكثر صموداً وواقعية في سد ثغرات الغفلة والتباهي بأن ما يحدث هناك لا يحدث هنا؟ اللهم أرحم عبدك محمداً .. تقبل شهادته وأنزله عندك في الفردوس الأعلى من الجنة وثبت قلوبنا في مواجهة الصعاب والمحن وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولكنا لا نقول إلا ما يرضيك. اللهم أرض عنه وأرض عنا إنك نعم المولى ونعم النصير.
|
|
|
|
|
|
|
|
|