|
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... (Re: Abo Amna)
|
كمال أبو ديب
إن أسلوبه النظيف والمعضلات الأخلاقية المبرحة التي يعريها والمصائر الفردية المعذبة لشخصياته التي يعالجها بقدر عال من الرهافة والمفارقة اللاذعة المقننة - هذه الخصائص كلها تمتدح من تاريخ السيطرة الفرنسية على الجزائر، بل تعيد في الواقع إحياءه بدقة محتاطة وبغياب لافت للندامة والرأفة والتعاطف الشعوري.
من جديد، ينبغي أن يعاد نفح العلاقة المتداخلة بين الجغرافيا والنزاع السياسي بالحياة بالضبط حيث يغطيها كامو، في رواياته، ببنية فوقية احتفى بها سارتر لأنها تقدم "مناخا للعبثي اللامعقول " إن كلتا "الغريب و الطاعون " تدوران حول موت عرب، وهو موت يبرز ويفعم بصمت مصاعب الضمير والتأمل التي تعانيها الشخصيات الفرنسية.وعلاوة فإن بنية المجتمع المدني التي تقدم بنصاعة بارزة - بلدية المدينة، الجهاز القضائي والمستشفيات، المطاعم، النوادي، أماكن التسلية ووسائلها، المدارس _ هي بنية فرنسية، رغم أنها بشكل غالب تقوم بإدارة (شؤون) السكان غير الفرنسيين. إن التطابق بين الطريقة التي يكتب بها كامو عن ذلك كله وبين تصويره في الكتب المدرسية الفرنسية لتطابق أسر : فالروايات والقصص القصيرة تروي نتيجة انتصار تحقق ضد شعب مسلم محيد، ممزق، انتصبت حقوقه في امتلاك أرضه اغتصابا حادا. وكامو بتأكيدا وتعزيزا بهذه الطريقة للأولوية الفرنسية، لا يشكك ولا يخرج على الحملة من أجل السيادة التي شنت ضد مسلمي الجزائر لما ينون على مئة عام.
1- 2 "لكم هو مختلف (هذا العالم بأسره ) عز العالم القاتم للطبقوسطية (البورجوازية ) الأوروبية، الذي يقوم جوه، كما يسوغه كل روائي زي شأن، بإعادة تأكيد انحطاط الحياة المعاصرة وانقراض جميع أحلام الشبوب العاطفي، والنجاح، والمغامرة الغرائبية. إن عمل كبلنغ الاختلاقي ليشكل طباقا: فعالمه لأنه مموضع في هند تسيطر عليها بريطانيا، لا يضن بشيء على الأوروبي المغترب. وتجلو كيم كيف يستطيع صاحب أبيض أن يتمتع بالحياة في هذا (الفضاء) المعقد الخصيب الفضيل : وبودي أن أطرح منظومة أن غياب المقاومة للتدخل الأوروبي فيه _هرمزا اليه بمقدرات " كيم " على التنقل عبر الهند دون أن يمسه خدش نسبيا _يعود الى رؤياه الامبريالية. ذلك أن ما يعجز المرء عن تحقيقه في بيشته الغربية الخاصة -حيث تعني محاولته لأن يحيا الحلم الجليل لبحث مثمر مجابهة عادية مقدراته وفساد العالم وانحطاطه - يغدو قابلا لأن يحققا في الخارج. أو ليس بوسع المرء في الهند أن يفعل كل شيء؟ ويكون أي شيء؟ ويذهب الى كل مكان بأمان من أية عواقب ؟
تأمل نسق طواف "كيم " وتنقلاته من حيث تأثيرا على بنية الرواية. تتحرك معظم رحلاته ضمن البنجاب، على المحور الذي تشكله لاهور واومبالا،... يقوم كيم برحلات قصيرة الى سيملا، ولكنو، وقيما بعد الى وادي كولو؟ ومع محبوب يمضي موغلا حتى بومبي جنوبا و حتى كراتشي غربا بيد أن الانطباع الكلي الذي تتركه هذه الرحلات هو انطباع بالتجوال المتمعج الحر الطليق.. هنا ليس ثمة مرابون يكيدون المكائد، أو قرويون زميتون، أو لوك ألسنة وشائعات أثيمة، أو محدثو نعمة منفرون غلاظ الأكباد، مما يجده المرء في روايات معاصري كبلنغ الأوروبيين الكبار.
والآن قارن بين بنية "كيم " المحلولة الرخية، القائمة على رحابة جغرافية وفضائية مترفة وبين البنى المحكمة الضيقة. الزمانية بصرامة لا تسامح فيها، للروايات الأوروبية المعاصرة لها يقول لوكاش في نظرية الرواية إن الزمن هو صانع المفارقة اللاذعة العظمي، وهو يكاد يكون شخصية من شخصيات هذا الروايات، إذ يولج البطل (أو البطلة ) في مزيد من انقشاع الوهم والاختبال، كما يجلو كون أوهامه أو أوهامها لا أساس لها. جوفاه، عقيمة الى حد المرارة في "كيم "، يتشكل لديك انطباع بأن الزمن الى جانبك. لأن الجغرافيا ملكك ورهن مشيئتك لتتحرك فيها كما تشاء بحرية شبه تامة ".
2- تتبطن منظومات ادوارد سعيد مما مجموعة من التصورات والأسس النظرية التي تتأصل في ثورة مستمرة في العلوم الانسانية تترك آثارها على كل شيء، كما أن الامبريالية تركت آثارها على كل شيء تستمر هنا فاعلية المنطلقات التي تبطنت " الاستشراق "، حيث نبعت تحليلاته من معطيات مثل القوة، والسلطة وسلطة الانشاء والنصوص، والتمثيلات ورؤية الآخر وتنميطه، وقوة الانشاء والنصوص المولودة لذاتها وترابط المعرفة بالقوة، والاستعراض والمعجبة..الخ، لكن مفاهيم طارئة تقفز لتحتل المكانة المركزية في التحليل، وفي تكوين المنظور الذي يعاين منه الثقافة، والتاريخ، والمجتمع،والأدب، والرواية خاصة. بين هذه المفاهيم ماله خطورة هائلة بحق، تخصيصا بالنسبة لمجتمعات كالمجتمع العربي الآن، ولقضايا سياسية، تاريخية ثقافية وأعراقية قومية كقضاياه، وأهمها على الاطلاق مفهوم التلاحم بين التاريخ، السرديات والتكوين الاستيهامي الخالص للمجتمع المتخيل، كما يسميه هو وغيره من الدارسين الآن، وتشابك المخيلة بالتاريخ، والواقع بالسحر، بل انتفاء امكانية تحديد الواقع خارج إطار التخيل، والتاريخ خارج إطار السرد. وستبدو كلمة السرد ومشتقاتها، السردية والسرديات والاختلافات السردية، ملغزة للقاريء العربي _ وهي ما تزال بحق ملغزة للقاريء في أمريكا وأوروبا غير المتخصص بمثل هذه الدراسات. ذلك أن وراء معناها المباشر، وهو حكي حكاية، يختفي مدلولها الخطير المتخصص الطاريء. السرد، في السياق الجديد هو تشكيل عالم متماسك متخيل، تحاك ضمنه صور الذات عن ماضيها، وتناغم فيه أهواء وتميزات، وافتراضات تكتسب طبيعة البديهيات، ونزوعات وتكوينات عقائدية يسوغها الحاضر بتعقيداته بقدر ما يسوغها الماضي بمتجلياته وخفاياه، كما يسوغها بقوة وفعالية خاصتين، فهم الحاضر للماضي وانهاج تأويله له. ومن هذا الخليط العجيب. تنسج حكاية هي تاريخ الذات لنفسها وللعالم، تمنح طبيعة الحقيقة التاريخية، وتمارس فعلها في نفوس الجماعة وتوجيه سلوكهم وتصورهم لأنفسهم وللآخرين، بوصفهم حقيقة ثابتة تاريخيا. وتدخل في هذه الحكاية، أو السردية، مكونات الدين، واللغة والعرق والأساطير والخبرة الشعبية، وكل ما تهتز له جوانب النفس المتخيلة. غير أن ما هو الآن حقيقة تاريخية يمثل الأمة وتاريخها، في وعي الذات الجماعية، لا يخرج بهذا المعنى عن كونه "متخيلا" إن تكوين هوية يهودية، وخلق اسرائيل، هو بهذا المعنى تنام لسر دية قومية دينية علاقتها بالتاريخ "الحقيقي" _.اذ كان لهذه الكلمة الآن من معنى، وذلك أمر مريب مشكوك فيه _ملتبسة، مبهمة، وعويصة عصية على البحث و:لتحديد، غير أن ذلك كله ليس بذي قيمة حقيقية، لأن الذات الجماعية، تعتبر _بل تؤمن دون وعي لأي انشراخ _إن ما تعيشه هو "تاريخها وتراثها وذاتها " وبهذا المعنى يمكن القول أن القوميات عموما - والقومية العربية مثلا على ذلك -هي سرديات لا أكثر، ولقد صاغ هومي بابا هذه العلاقة صياغة ممتازة في عنوان لكتاب حرره يضع الأمة
والسردية مقترنتين معا هو "الأمة والسرد" (Nation and (Narration)).
يتــــــبع
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-22-04, 02:32 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-22-04, 08:51 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | TahaElham | 04-22-04, 09:39 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-22-04, 10:17 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-23-04, 02:56 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | theNile | 04-23-04, 03:05 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Alia awadelkareem | 04-23-04, 04:01 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-26-04, 01:05 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-26-04, 01:08 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-26-04, 09:20 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 04-28-04, 00:43 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... فزيائياً | Muna Abdelhafeez | 04-27-04, 01:23 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... فزيائياً | Muna Abdelhafeez | 05-06-04, 05:39 PM |
إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Salih Merghani | 05-07-04, 08:51 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | صديق الموج | 05-07-04, 09:08 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-07-04, 12:47 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-08-04, 09:57 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-08-04, 11:29 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-08-04, 11:35 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | الطيب بشير | 05-08-04, 07:00 PM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-11-04, 10:23 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-12-04, 08:05 AM |
Re: إضاءات حول ادوارد سعيد ... غياب آخر العمالقة ... | Abo Amna | 05-15-04, 08:11 AM |
|
|
|