سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 03:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2007, 00:30 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي!

    تـمـر فـي سـبتمـبـر هـذا العام الذكري الرابعـة والعـشـرين عـلي "قـوانيـن سـبتمـبر" البغـيـضـة والـتـي ألغـيـت كـلهـا بـعـد انتفاضـة سـبتـمبـر 1985. ولكـن الـذي يتـمـعـن بدقـة وبتأنـي شـديد فـي مـجـريات الأمـور فـي السـودان يـجـد ان "قـوانيـن سـبتمـبـر 1983" مـازالت مـوجـودة وقام الأنقاذ بتـطويرها وحـمايتهـا.

    وهـاكـم هـذه الـحـقائـق:
    ___________________________

    1ـ إنـدماج "ألـمؤتمـر الـوطـنـي" وحـزب النـميـري " تـحـالف قـوي الشـعـب "،

    2ـ عـدم اشـتـراط البشـيـر لـنمـيـري بالتخـلي عـن شـريعـة سـبتـمـبـر،
    قـبل انـدماج الـحـزبييـن،

    3ـ قيـام البشـيـر بتعـييـن القانونيـة بـدرية سـليمان مـستشارة مـرة اخـري،

    4ـ مازال الأخـوة الاقبـاط وباقـي الاقليات الغـيـر مـسلـمـة وحـتـي الأن ومـنـذ سـبتمـبـر1985 لايعـرفون ايـن حـقوقـهـم الـدينيـة ولـم تنصـفـهـم وزارة العـدل الـمـسـيـسـة،

    5ـ لـم تقـم وزارةالشـوؤن الدينية والأوقاف وحـتـي اليوم بالغـاء التمييـز واحتـرام الاديان الأخـري وسـبق لـمـطران الكنيسـة الكاثوليكية وان صـرح صـراحـة عـبـر الصـحـف السـودانية انه وهناك تعـمـد بتقليل دور الـمسـيحـييـن فـي السـودان وعـدم منـحـهـم فـرصـة الأشـتـراك الكافـي للانـخـراط فـي الـمجـتمع كـما كان سابقآ،

    6ـ قـوانيـن سـبتمـبـر 1983 اعـطـت الـحـق لرجال الشـرطة بالاعـتقالات والـحـبس ودون تـوضـيح الأسـباب، والذي يتابع اعـتقالات جـهـاز أمـن الأنقاذ
    الأن ومـايقـوم بـه مـن اعـتقالات عـشـوائية شـملت السيـاسـييـن والصـحافييـن وبعـض الضـباط القـدامـي والطـلاب يـجـد انهـا نـفس الأعـتقالات الـتـي كـان يقـوم بـهـا رجـال الأمـن فـي زمان اللواء السابق عـمر محـمـد الطـيب،

    7ـ احـكامات الاعـدامات والقطـع مـن خـلاف والـحـبس والتـي صـدرت مـن "مـحاكم العـدالة النـاجـزة " شـملـت الـمتهـمييـن الفقـراء وتـركت اللصـوص الكبار الـذين فسـدوا وسـرقـوا الامـوال العامـة وافلسـوا "مـصـنع سـكر كنانة" و" شـركةالصـمـغ الـعـربي " و"الـمـؤسـسة الاقتـصادية العـسكرية" و" جـمعـية ود نـميـري التعاونيـة"، نـفس هـذاالشـئ نـجـده الأن فـي عـصـر الأنقاذ التـي تـحـمـي مافيـآ "غـسيل الأمـوال " ولاتـقوم باسـتـرداد الأمـوال الـمنهـوبة مـن الـمختـلسـييـن وتحكـم عـلي ابناء الغـرب الفقـراء بالاعـدامات والصـلب والقـطع مـن خـلاف بـحـجـة انهـم قامـوا بالنهـب الـمـسلح،

    8ـ عـشرات الأنواع مـن الأجـهـزة الأمنيـة الان تسـيـر بنفس اسلوب امـن النـميري خـصوصآ فيما يـتعلـق بـمراقبـة الأحـياء السـكنيـة وازياءالنساء وسـلوك الناس فـي مناسـباتهـم الاجـتماعـية وفـض حـفلات الاعـراس بالقـوة بعـدالساعـة الـحادية عـشـر،

    9ـ مـحاكـم "العدالـة الناجـزة " فـي زمـانات النـميـري كانت فـوق النقـد ويحـرم عـلي الصـحـف التطـرق سـلبآ لقرارات القضـاة فيـها، ومــحاكـم عـام 2007 لااحــدآ يـدري مـايـدور فيـها، فـجـهاز الأمـن يفـرض السـرية عـلي كل القضـايا الـجـنائية الهـامـة الـتي تشـغل بال الـمجـتمع، واصـبـحـت 40 صـحـيفة سـودانية الأن وتشـبة الصـحـفتييـن اللتيـن كـانتا تـصـدران فـي زمانات الـمشـيـر نـمـيـري، صـحـف "سـابقآ وحـاليـآ " بـلاطـعـم ولاحـقيقـة،

    10ـ راح مـن السلطة وغاب عـوض الـجـيـد والـمكاشـفي ولكن وزارة العـدل تـحـفظ ارثـهـما وتعـمل عـلي تطـويـر افـكارهـما!!!


    _____________________________________________
    اكتمال اندماج المؤتمر الوطني وتحالف قوى الشعب
    البشير والنميري يدعوان إلى صفحة جديدة وتحالف وطني عريض:

    1ـ المـصـدر: جـريـدة " الصـحـافـة "
    الخرطوم/يوسف سراج الدين:

    اعلن الرئيسان عمر البشير والاسبق جعفر نميري، دمج حزبيهما (المؤتمر الوطني وتحالف قوي الشعب العاملة) في تنظيم جديد تحت اسم (التحالف الوطني).
    وقال الرئيس البشير لدي مخاطبته امس بالمركز العام للمؤتمر الوطني لقاءً ضم قيادات في الحزب الحاكم وتنظيم تحالف قوي الشعب العاملة، ان القرار بدمج التحالف والمؤتمر الوطني خطوة سيكون لها مابعدها، مجددا في الوقت نفسه الدعوة لكافة القوي السياسية لتوحيد صف الجبهة الداخلية واقامة تحالف قومي بعيدا عن العصبيات الحزبية.
    وشدد البشير علي ضرورة وحدة اهل السودان وسد الثغرات في دارفور والشرق، مضيفا ان حكومة الانقاذ جاءت علي ذات النهج المايوي في تطبيق الشريعة الاسلامية. وقال انه لامجال للحديث عن جيوب للعلمانية في العاصمة خلال المرحلة المقبلة، مذكرا بدور نميري في اعلان الشريعة الاسلامية في العام 1983م.
    وكشف البشير لاول مرة، عن رفضه تقلد وظيفة مدير مكتب الرئيس نميري ابان الحكم المايوي. وقال انه نقل رغبته الي الفريق السر اب احمد، رئيس الاستخبارات الاسبق في ان يعمل في القوة الخاصة بحراسة الرئيس نميري بعد اعلانه تطبيق الشريعة الاسلامية.
    من جهته، اعلن الرئيس الاسبق نميري، ميلاد حزب التحالف الوطني وفتح عضويته امام كافة السودانيين. وقال نمد ايدينا للشرفاء والحريصين علي فتح صفحة جديدة في العمل الوطني لاعادة الاستقرار في البلاد واحداث التنمية المتوازنة وازالة الفقر واشاعة المساواة بين المواطنين.
    وناشد نميري، الحكومة بفتح صفحة جديدة في العمل السياسي والعفو عن كافة المعارضين ودعوتهم للعودة الي الوطن، مشيرا الي ان خطوة الدمج مع المؤتمر الوطني ارتكزت علي تعزيز الثوابت والتمسك بسماحة الاسلام والشريعة.
    واضاف ان الخطوة سبقها عمل لجان مشتركة للتسريع في انفاذها، مؤكدا علي انها جاءت لاحياء الارادة السودانية وللخروج من حالة الاحباط والمنعطف الخطير ولقطع الطريق امام الساعين للفتن وتقسيم البلاد الي دويلات ضعيفة ومنغلقه، مشيرا الي رصيد حزبه من الخبرات في مجالات وقف اطلاق النار واعادة التوطين.
    الي ذلك، اعتبر الامين العام للمؤتمر الوطني، البروفيسور ابراهيم احمد عمر، التحالف الجديد
    بداية لاندماج اخرين لجهة الاجماع الوطني الذي يحتاجه السودان، مشيرا الي انها خطوة في وقت مهم، وكشف عمر ان التحالف ثمرة للقاءات بين الجانبين اسهم فيها كثيرا القيادي الاسلامي الشيخ محمد صادق الكاروري.
    وفي رده علي اسئلة الصحافيين حول بدء العمل بالمسمي الجديد بعد الدمج، اوضح عمر انها مرحلة تأتي لاحقا، وسيتم العمل باسم المؤتمر الوطني نسبة لارتباطه كطرف في الاتفاقيات الموقعة اخيرا.
                  

09-10-2007, 00:46 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    أبو كلابيش يترافع بضراوة عن حكومة مايو ويصفها بأفضل نظام حكم في السودان
    الشريعة الإسلامية لم تكن قراراً فردياً من نميري بل قرار اللجنة المركزية.
    ------------------------------------------------------------------

    "اخبار اليوم"

    حاوره /عادل البلالي

    الأستاذ محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش وزير الدولة بوزارة التربية والتعليم معلم ومربي وأستاذ لا يشق له غبار وهو سياسي ضليع ومتمرس ومخضرم وصاحب تجارب معتقة ، بصرف النظر عن الأتفاق أو الاختلاف معه .. وهو أحد تكنوقراط حكومة مايو التي أعترك فيها وخلالها مسارح العمل العام كبرلماني في مجلس الشعب القومي وكوزير إقليمي في حكومة أقليم كردفان وكسياسي من خلال عضويته في اللجنة المركزية لتحالف قوى الشعب العاملة.. أو الاتحاد الاشتراكي بوصفه الآلية الفكرية:
    .
    انه يقول:

    أما الحديث عن الشريعة الإسلامية بهذا الطرح الفج فهو قول ساذج جداً ويجهل آفاق وأعماق مايو ، ولأن قرار تطبيق الشريعة الإسلامية لم يكن قراراً فردياً من جعفر نميري بل نبع ذلك التوجه من اجتماع شهير للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي السوداني في عام 1976م ، وقد تم اتخاذ قرار التوجه نحو الشريعة الإسلامية في خطاب لكل أعضاء مجلس الشعب والقيادات التنفيذية والسياسية كان ممهوراً بتوقيع الرئيس نميري والذي كان قد منع ثلاثة أشياء بصورة قاطعة هي :
    شرب العرق ـ ولعب الورق ـ واستباحة الجمال !
    وقال أن من لا يستطيع الكف والإقلاع عن هذه المحاذير ولا يستطيع أن يتغلب على شهوته في شرب الخمر ولعب الميسر واستباحة الجنس .. فعليه أن يذهب غير مأسوف عليه ! وطلب الرئيس نميري الإجابات على خطابه كتابة وبحمد لله فإن الردود التي وصلت إليه لم تخذله بما جعله مطمئناً على أركان الحكم وبكافة أجهزته ، ما عدا واحداً فقط لا داعي لذكر أسمه فتقدم باستقالته وغادر ! وهذا قبل إعلان الشريعة بست سنوات !! وأذكر جيداً أنه في العام 1983م وفي أجتماع شهير وبمضابطه داخل قاعة الصداقة تنادينا إليه كأعضاء في اللجنة المركزية من كل أرجاء السودان وتوزعنا للجان وأعدت توصياتها وعندما أنعقد الاجتماع الختامي لتلاوة التوصيات جاءت التوصية بخصوص الشريعة الإسلامية من اللجنة القانونية (غير واضحة) !.
    فأثار ذلك الأمر حفيظة الرئيس نميري والذي طلب من أعضاء المؤتمر بأن يحددوا مواقفهم بوضوح متسائلاً :-
    يا جماعة أنا عاوز أجابتكم القاطعة .. هل ترحبون بإعلان الشريعة الإسلامية أم لا ؟! فأنا لا أود أن أقدم على خطوة وأسمع غداً من يقول بأن : (النميري ومعه رجلين وامرأة في القصر قد أتوا لنا بالشريعة الإسلامية) !!
    ورفع نميري الاجتماع لمدة 24 ساعة فقط للحصول على الإجابة القاطعة .. ثم أجتمعنا كقيادة مركزية للاتحاد الاشتراكي على مستوى السودان وخرجنا بتوصية وبالإجماع متمسكين بإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية والقرار بذلك كان قرار ممثلى الشعب ، وعلى ذلك الأساس أرتكز الرئيس نميري ، وأعلن في ذات اليوم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان !
    هذه ادعاءات جوفاء
    بالنسبة لمسائل القبض والكبت والاعتقالات التي يروج لها البعض .. فأرجو أن أوضح أمراً بشأنها ، فأهلنا في كردفان يقولون في مثلهم الشهير : (ما في أبو قنفود إمليس) ويقصدون بذلك القنفذ لأن له بشرة شوكية وليست ملساء أو ناعمة .. وكذلك فأي نظام ومنذ الاستقلال كانت له أشواكه وأنا أتحداهم أن يأتوا لي بحكومة لم تضع الناس في السجون أو المعتقلات ؟!.
    في نظام الديمقراطية الأخيرة المزعوم برئاسة الأخ الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ورئيس مجلس الوزراء ، (أنا شخصياً محمد أحمد الطاهر أبوكلابيش) كنت أرعي أغنامي عند حدود كردفان مع دارفور فتمت مطاردتي هناك بواسطة الأجهزة الأمنية وألقوا القبض علي في تلك الفلاه .. ورحلوني من هناك إلي الأبيض ثم منها إلي الخرطوم وهذا في زمن الديمقراطية التي كان على رأسها ائتلاف حكومة حزبي السيدين (الأمة والأتحادي) ووضعوني في سجن كوبر لمدة (4 شهور و19 يوماً) ثم أخرجوني بعد ذلك ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة لازلت أجهل لماذا تم أعتقالي وما هي تهمتي !! ولماذا لم يوجه لي ولا سؤال واحد طوال تلك الفترة ؟!!
    هل هذه هي الديمقراطية التي يتمشدقون بها ؟!! فإذا كانت هذه هي الحريات في عهد الديمقراطية فلماذا إذا نحمل على الأنظمة الشمولية ؟
    ابريل كانت نكسة السودان :
    أقول وفي تصوري أنه لولا أبريل لأصبح هذا السودان دولة عظمى .. وحتى تلك المظاهرات التي خرجت في السادس من أبريل إنما خرجت بعد بيان المشير سوار الذهب ، لماذا ؟ أقول لك الإجابة بالبرهان والدليل ..
                  

09-10-2007, 04:04 PM

Azhari Nurelhuda
<aAzhari Nurelhuda
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 1958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)



    للذكرى
    لعل الذكرى تنفع المؤمنين

    و هل عدل هؤلاء؟
    لا يستطيع أحد الجزم بهذا...

    و لكن الحكم العدل هو الله
    و إليه ترجع الأمور....
    سبحانه
                  

09-10-2007, 01:24 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    حكومة السودان ضد المكاشفي طه الكباشي.
    ________________________________________


    الـمصـدر: قـوانيـن السـودان عـلي الأنتـرنيـت.


    المحكمة العليا:
    _______________

    القضاة:
    ________


    1-السيد/ علي يوسف الولي قاضي المحكمةالعليا رئيساً

    2- السيد/ هاشم محمد أبو القاسم قاضي المحكمة العليا عضواً

    3- السيد/ الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا عضواً

    حكومة السودان ضد المكاشفي طه الكباشي.
    م ع / ف ج/ 194/ 1406

    المبادئ:
    --------------
    قانون جنائي:
    1- اجتهاد القاضي بحسن نية واعتماده على رأي أحد الفقهاء مع وجود القانون الوضعي وعدم وجود نص صريح في القرآن والسنة يعفيه من المسئولية الجنائية.
    قانون جنائي: حصانة القاضي متى كان حسن النية-ترفع عنه في حالة التلبس بالجريمة أو سوء النية المادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983م.


    2/ القاضي الذي يبني حكمة بحسن نية على رأي اجتهاده من بين آراء الفقهاء مع وجود القانون الوضعي بعد أن لم يجد نصاً صريحاً وارداً في القرءان الكريم ولسنة، على الرغم من أن القانون لم يخول له ممارسة هذه السلطات إلا أن لا يكون مسئولاً جنائياً على نحو مماثل لدى استعمال السلطات المخولة له قانوناً بشرط توفر حسن النية.

    3/ ليس صحيحاً أن القاضي يتمتع بحصانة مطلقة وفقاً للمادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983/ بل الصحيح أن بحظي بالحصانة متى كان حسن النية، ولذلك فإن القاضي الذي يخطئ في حكمه عمداً يجرد ويسلب من حمايته وحصانته القضائية ومن ثم يصبح عرضة للمساءلة الجنائية والمدنية وفق التفسير الحرفي للعبارات الواردة بالمادة 45 وفق ما ورد في المذكرة التفسيرية.
    المحامون:
    -------------

    محمد عبد الله مشاوي
    أحمد عثمان الحاج

    الحـكــــم .
    ---------------
    القاضي: على يوسف الولي:
    التاريخ 30/10/1989

    الوقائع:
    ------------
    هذا الطلب تقدم به لهذه المحكمة عن طريق الفحص الأستاذان محمد عبد الله مشاوي وأحمد عثمان الحاج محاميا الشاكي الفاتح عبد الرحمن أحمد ضد حكم محكمة استئناف الخرطوم المنشور في قضية حكومة السودان ضد المكاشفي طه الكباشي مجلة الأحكام القضائية سنة 1985 ص 147 والصادر بتاريخ 22/6/1985 والقاضي بشطب البلاغ رقم 6/35/1405 بمركز شرطة أم درمان الأوسط ضد القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي والقاضي أيضاً بإلغاء قرار قاضي جنايات أم درمان وسط الذي أمر بفتح البلاغ ضد القاضي السابق المذكور تحت المواد 138 و323 و 278 من قانون العقوبات 1983م وأسباب البلاغ كانت تتلخص في أن المتهم المذكور قد مارس سلطاته القضائية بسوء نية متجاوزاً بذلك البلاغ بسبب إدانة الشاكي المذكور في القضية رقم أ/ 82 /1984 أمام محكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان برئاسة المتهم القاضي السابق المذكور وعضوية العقيد سعد سيد أحمد والمقدم معاوية غندور تحت المادة 320(2) من قانون العقوبات سنة 1983 –جريمة السرقة الحدية وقضت عليه بقطع يده اليمنى من مفصل الكوع أي الكف والغرامة مبلغ 47.434 جنيه و628 مليماً وبعدم الدفع السجن لمدة ثلاثة سنوات وقد نفذت فيه عقوبة القطع في 1/6/1984م وكان الاتهام الوارد ضد الشاكي حالياً الفاتح عبد الرحمن أحمد والمتهم وقتئذٍ ينحصر تحت المواد 362و 351 و408 و410 من قانون العقوبات سنة 1983 وذلك لأخذه المبلغ المذكور من الخزينة العامة وتحويله لمنفعته الخاصة.
    وتتحصل الوقائع في القضية رقم أ/82 /1984 في أن الشاكي المذكور في البلاغ بين أيدينا –كما ثبت لمحكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان –هو المحاسب المسئول في الفترة بين شهر 8/1980 إلي 12/1983 في مدرسة وادي سيدنا وهي الفترة التي حدثت فيها أخذ ذلك المبلغ المذكور ووضح للمحكمة أنه كان الشخص الوحيد الذي يقوم بإعداد كشوفات مرتبات المعلمين والعاملين بالمدرسة وإعداد فروقات علاواتهم وترقياتهم ويقوم أيضاً باستلام وتوريد أمنيات الكتب ويقوم كذلك بواجبات الصراف في صرف المرتبات خلال تلك الفترة كما ثبت أنه أدخل عدد أسماء تسعة أشخاص وهمية وأدراجهم في كشوفات المرتبات في خلال تلك الفترة المذكورة وكان يصرف تلك المرتبات بهؤلاء التسعة ويحولها لمنفعته الخاصة كما ثبت أم المذكور حول لمنفعته الخاصة فروقات المنحة والعلاوات والترقيات وفروقات أمنيات الكتب كما ثبت أن المحاسب المذكور يقوم بإعداد كشوفات المرتبات وإعداد فروفات العلاوات والترقيات ويقدمها لمدير المدرسة لاعتمادها والتصديق عليها.

    وقد جاء في حيثيات محكمة الطورائ رقم (7) أم درمان في القضية رقم أ/82/1984 ما يلي:
    ----------------------------------------------------------------------------------
    (وترى المحكمة في تكييفها لهذا الفعل أنه جريمة سرقة حيث أن المتهم قد أخذ المال المختلس وبسوء قصد من حيازة شخص دون رضاه فالأخذ هنا قد وقع بناء على احتيال مارسه المتهم على مدير المدرسة بإدخال تسعة أشخاص وهميين ليسوا موظفين حقيقيين والأخذ عن طريق الاحتيال والمغافلة والتخلية والخلسة يعتبر صاحبه مختلساً في قول على الشريعة هو الذي يغافل صاحب المتاع أو يحتال عليه ويأخذ متاعه، وقد اعتبر القانون في المادة 320 (2) المختلس سارقاً لأن كلمة (أخذ) الواردة في نص المادة كلمة عامة مطلقة يدخل في المختلس والمنتهب والغاصب.
    وقد قال أياس بن معاوية من فقهاء التابعين بقطع يد المختلس لأن المختلس يأخذ الشيء فيكون سارقاً وقد روى ذلك عن رسول الله (ص) كما ذكر بن رشد صاحب بداية المجتهد ونهاية المقتصد وحيازة الدولة للممال تعتبر حيازة حقيقية لهذا المال المختلس كان في حيازة الدولة وقد أخذ بدون رضاه لأن مدير المدرسة لو علم أن هؤلاء الموظفين وهميين لما أذن بالصرف وصدق عليه كما أن المتهم لم يكن المال في حوزته قبل أخذه حتى يعتبر أمين عليه أو مسيطراً عليه بل احتال على مدير المدرسة حتى صدق بالصرف. كما أن ملكية الدولة للمال لا تعتبر شبهة يدرأ بها حد السرقة فقد قضى أئمة كبار بقطع يد سارق المال العام فقد روي عن الإمام مالك بن أنس دار الهجرة وابن المنذر وابن حزم أن السارق من المال العام تقطع يده ...........ولذلك يكون المتهم قد خالف نص الموارد (320) (2) السرقة الحدية والمادة (408) التزوير لأجل الاحتيال والمادة (410) استعمال محرر مزور على أنه صحيح من قانون عقوبات سنة 1983....ولذلك قضت المحكمة بقطع يد المختلس عملاً بما ذهب إليه الفقيه التابعي اياس بن معاوية وعملاً بنصوص القانون نفسه)....
    ينعى محاميا الشاكي على حكم محكمة الاستئناف بأنه جاء مخالفاً لصريح قول الرسول الكريم "لا يضيع دم امرئ مسلماً هدراً" حيث قضت بشطب البلاغ ضد القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي الذي حكم بقطع يد الشاكي لارتكابه جريمة اختلاس المال العام وكان مخطئاً في حكمه وقد بنى حكمه الخاطئ على اجتهاده في حين أن القاعدة الأصلية تنص بأنه لا اجتهاد مع النص ومن ثم فإن اجتهاد رأيه في هذه الحالة لا يعفيه عن المساءلة القانونية على خطئه وقال محميا الشاكي في مذكرتهما لهذه المحكمة في هذا الصدد ما يلي:
    (مع احترامنا لقرار محكمة الاستئناف إلا أننا نختلف معها تماماً في استنادها على أن المتهم المكاشفي طه الكباشي قد اجتهد ذلك لأنه قد فات على المحكمة الموقرة بأن لا اجتهاد مع النص....الاجتهاد لا يأتي إلا في حالة عدم وجود النص سواء في القرآن أو السنة أن الإجماع ولكن هل القرآن أو السنة أوجب قطع الخائن أو المختلس. بالرجوع إلي كتاب الله الكريم نجد صريح الآية التي أوجبت القطع فقط على السارق....هذا ما جاء في كتاب الله عز وجل فقال قطع إلا لسارق....من هنا كان المتهم أن يقف ولا يتدرج في مصادر التشريع الجنائي الإسلام إذ أن هذه الآية قاطعة الدلالة ولكن على فرض أنه أخذ بالسنة فإن الرسول الكريم قال بأنه ليس على الخائن أو المنتهب أو المختلس قطع....كما تقدم ومع وضوح النص فلم يكن هنالك موجب للاجتهاد وذلك فإننا نرى بأن وصف محكمة الاستئناف بأنه اجتهد فأخطأ فهذا تفسير يجافي روح الشرع والحق بل ويجهض مصادر التشريع الجنائي الإسلامي إجهاضاً إلي حد الإهدار غير المتوقع)...
    ويرى محاميا الشاكي أن محكمة الاستئناف أخطأت أيضاً عندما شطبت البلاغ استناداً إلي الحماية القضائية الواردة في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983 وقالا ما يلي:
    (خلصت المحكمة إلي أن المتهم ينطبق عليه الشق الأول من المادة 45 لأن كان يمارس سلطات قضائية خولها له القانون كرئيس محكمة ينظر القضية المقامة ضد الشاكي وآخرين...ولهذا فلا مجال للحديث حول حسن نيته أو سوء قصده...أن محكمة الإستئناف....جزأت المادة إلي جزئين حتى خلصت إلي سوء النية أو حسن النية لا قيمة لها وهذا تفسير خاطئ لأن المادة القانونية وحدة واحدة ولو شاء المشرع تقسيمها إلي جزئين بالكيفية التي أخذت بها محكمة الاستئناف ...لكان المشرع قسمها...وعليه فإن استبعاد النية من المادة (45) فيما يختص بحالة المتهم المكاشفي فهو تغيب لاستلهام روح النص القانوني وأن محكمة الاستئناف ...قد أدخلت نفسها في مغالطة لا طائل منها وحتى على فرض صحة تقسيم المادة (45) إلي قسمين فإننا نعتقد بكل يقين بأن الشق الثاني ينطبق على حالة المتهم المكاشفي).

    ويرى محاميا الشاكي أيضاً بأنه لا يمكن تطبيق مبدأ الحماية القضائية بموجب المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م على فعل المتهم القاضي السابق في مرحلة التحري بل يجب إرجاء ذلك والنظر فيه في مرحلة المحاكمة لدى محكمة الموضوع فقلا ما يلي:
    (ذكرت محكمة الاستئناف في قرارها بأن الدفع بالحماية القضائية استناداً إلي نص المادة (45) من قانون العقوبات يمكن أن يثار في هذه المرحلة أي مرحلة التحري... في تقدينا أن هذا فهم يخالف الواقع القانوني...لأن المادة (45) إحدى الدفوع المهدرة للمسئولية الجنائية لذا فإن أثارتها في هذه المرحلة ليس بذي جدوى ذلك لأنها تتعلق بإهدار المسئولية الجنائية لهذا يجب إثارتها في مرحلة المحاكمة أي بمعنى آخر يجب أن يستمر التحري وتقديم البلاغ للمحكمة وأن ما توصلت إليه محكمة الاستئناف كان يجب أن تصل إليه محكمة الموضوع).
    وينعى أيضاً محاميا الشاكي على حكم محكمة الاستئناف بأنه لم يطرح وجهة نظر الشريعة الإسلامية السمحاء حول الحصانة القضائية بل استندت إلي القانون الإنجليزي والهندي والأمريكي وذلك عندما جاء في مذكرتهما الملحقة ما يلي:
    (نلاحظ أن محكمة الاستئناف الموقرة لجأت للقانون الإنجليزي والهندي والأمريكي أي قانون الكفار والمجوس يا ترى هي يرضى ذلك المكاشفي كي ينجده في حالة الشدة قانون المجوس والملحدين؟؟؟).
    الأسباب
    باستقراء مذكرة محكمة الاستئناف وأوراق محاكمة الشاكي في هذا البلاغ الذي نحن بصدده الفاتح عبد الرحمن أحمد-بالنمرة أ/82/1984 التي أجرتها محكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان برئاسة المتهم في هذا البلاغ القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي وبالاطلاع على مذكرة الفحص وملحقها اللذين تقدم بهما لنا محاميا الشاكي / أرى أن حكم المتهم القاضي السابق المذكور بقطع يد الشاكي المذكور أنه ثبت لمحكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان بأن الشاكي المذكور حول لمنفعته الخاصة مبلغ 47.434 جنيه و 628 مليماً من المال العام أي مال الدولة- فعل لا جريمة فيه بمقتضى نص المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983 ومن ثم أرى شطب طلب الفحص وتأييد حكم محكمة الاستئناف موضوع الفحص والقاضي بشطب أمر قاضي الجنائيات الذي قضى بفتح البلاغ المذكور ضد المتهم القاضي السابق المذكور.

    سأناقش مبدأ الحصانة القضائية الواردة في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م على ضوء الشريعة الإسلامية الغراء والقانون الإنجليزي باعتباريهما المصدرين الأساسيين القانونيين لهذه المادة لأبين أن القاضي ورئيس محكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان السابق المكاشفي طه الكباشي لا يخضع للمساءلة القانونية والجنائية بسبب الحكم الذي قضى به أثناء مباشرته لسلطته القضائية بصفته رئيسً لمحكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان بمقتضى تلك المادة.

    بادئ ذي بدء ينبغي أن أقرر –خلافاً لما يرى محاميا الشاكي-أن مجرد البدء في إجراءات فتح البلاغ أو تحريكها في مواجهة القاضي يعني مساءلته القانونية الجنائية لما يتعرض إليه القاضي من قبض ووضع في الحراسة رهن التحقيق وتفتيش وغير ذلك من الإجراءات الجنائية التي تهدر حريته وتقيدها وتؤذي كرامته وتجرح كينونته وذاتيته كإنسان وعليه فإن النظر بأن إثارة رفع الحصانة القضائية يجب أن يرجأ إلي بدء مرحلة المحاكمة وأنه لا يتعين ألا يثار في مرحلة التحريات نظر لا يمثل القانون الواجب الاتباع ذلك لأن حصانة القاضي تدرأ عنه من أول وهلة إجراءات البلاغ ضده والمثول أمام الشرطة كما تدرأ عنه أيضاً إجراءات محاكمته الجنائية والمثول أمام القضاء ما لم يرفع الشرطة كما تدرأ عنه أيضاً إجراءات محاكمته الجنائية والمثول أمام القضاء ما لم يرفع السيد رئيس القضاء الحصانة لتلبس القاضي بالجريمة أو لأسباب موضوعية أخرى تتعلق بإنجاز علمه القضائي بعد إجراء التحقيق اللازم وفقاً لقانون السلطة القضائية.

    قد عرف الإسلام الحصانة القضائية منذ زمن طويل ومارس القضاة أعمالهم تحت مظلتها بضوابط معينة وأطر محددة فقد جاء في كتاب تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام تأليف العلامة برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن فرحون اليفمري المالكي الطبعة الأولي ص 129-130 في حصانة القاضي وتشددها ما يلي:
    (قال القاضي أبو إسماعيل ويحمل القضاء على الصحة ما لم يثبت الجور وفي التعرض لذلك ضرر بالناس ووهن للقضاة فإن القاضي لا يخلو من أعداء يرمونه بالجور فإذا مات أو عزل قاموا يريدون الانتقام منه بنقض أحكامه فلا ينبغي للسلطان أن يمكنهم من ذلك).
    وجاء في نفس كتبا تبصرة الحكام الجزء الأول ص36 ما يلي:
    (وقال ابن القاسم في القاضي يعزل فيدعي الناس أنه جار عليهم أنه لا خصومة بينهم وبينه ولا ينظر فيما قالوا عنه ألا يرى الذي بعده جوراً بيناً فيرده ولاشيء على القاضي).
    وجاء في نفس كتاب تبصرة الحكام الجزء الأول ص 62 ما يلي :
    (ولا ينبغي أن يمكن الناس من خصومه قضاتهم لأن ذلك لا يخلو من وجهين إما أن يكون عدلاً فيستهان بذلك ويؤذي وإما أن يكون فاسقاً فاجراً وهو ألحن حجته ممن شكاه فيبطل حقه ويتسلط ذلك القاضي على الناس).

    أما في القانون الإنجليزي نجد أن الحصانة القضائية ضاربة في جذوة من زمن بعيد أيضاً قال اللورد ديننج في كتابه "الوسائل القانونية السليمة" تعريب هنري رياض قاضي المحكمة العليا وعبد العزيز صفوت ص 87-99 ما يلي:
    (وعلى أن أبدأ بالقضاة أنفسهم فهم أيضاً ليسوا معصومين وهم عرضة للخطأ بما يسبب الظلم ... يمكن في أغلب الأحوال تصحيح خطأ القاضي بالاستئناف ... وقد تكون هذه الأخطاء ناجمة عن الجهل أو القصور وقد تؤدي إلي إصابة الخصم بالخسارة المالية أو القلق أو الضرر .......ذلك أن أحداً لا يخطر له على بال مساءلة القاضي شخصياً عن خطأ برئ ولكن لنفترض أن قاضياً أخطأ بسبب سوء الدراية ونجم عن ذلك أن حبس شخص خطأ في السجن ، فهل تجوز مقاضاة القاضي شخصياً عن الأضرار؟...(منذ 1613-أن لم يكن قبله-والإجماع منعقد في ظل القانون على عدم جواز قبول دعوى ضد القاضي بسبب أي فعل أو قول يقع منه أثناء ممارسته لسلطاته المخولة له)...
    فالألفاظ التي يتفوه بها مشمولة بحصانة مطلقة والأوامر التي يصدرها والعقوبات التي يوقعها لا يحص أن تكون محلاً لدعوى مدنية ضده ولا يؤثر في شئ أن القاضي كان قد وقع في خطأ جسيم أو جهل بالغ...إذ لا يجوز مساءلته عن كل ذلك وإنما يكمن العلاج في لجوء الطرف المضرور إلي محكمة الاستئناف لطلب إطلاق السراح أو استصدار أمر لاستبعاد القرار أو الخطأ أو أن تتخذ الخطوة اللائمة لتقض حكم القاضي,
    ولا شك أنه إذا كان القاضي قد تلقى رشوة أو أنحرف أيسر انحراف أو افسد سير العدالة فنه يجوز معاقبته أمام محاكم الجنايات وباستثناء ذلك فإن القاضي على أي حال لا تصح مقاضاته في دعوى التعويض ، وليس وراء ذلك تمتع القاضي بأي حصانة أو امتياز لارتكاب الأخطاء أو الظلم وإنما السبب تمكينه من أداء واجبه في استقلال تام، متحرراً من الخوف وقد أفصح عن ذلك بجلاء رئيس القضاء اللورد تنتردين في قضية جانيت ضد فيرناند 1827 حيث قال:
    (أن هذا الإنفلات من الدعوى والتحلل من المساءلة قد اسبقه القانون على القاضي لدى نظره لقضايا الأفراد رعاية للصالح العام وحسن سير العدالة أكثر منه إكراماً للقضاة الذين يتحررهم من مغبة الدعاوى يضمنون حرية الفكر واستقلال القرار كما ينبغي من يتصدى لتسير العدالة).
    وهذه المقولة لا تنطبق على قضاة المحاكم العليا فحسب بل على كل القضاة على اختلاف درجاتهم علياً ودنياً ....ففي هذا العصر الحديث أحب أن تكون شرعتي ومناهجي على النحو التالي:
    (ليس لقضاة المحاكم العليا –من ناحية-أي حق في الحصانة أولى من حق قضاة المحاكم الدنيا فكل قاضي في هذه البلاد محكمته عليا كانت أم دنيا يجب أن يتمتع بنفس الحصانة وأن يخضع لنفس المساءلة فإذا كان السبب الكامن وراء هذه الحصانة هو ضمان أن يكون للقضاة حرية الفكر واستقلال القرار فإن هذا الأمر ينطبق على كل قاضي مهما كانت درجته فيجب حمايته من المسئولية عن التعويض متى كان ذلك ناشئاً عن عمله القضائي...وينبغي أن يمكن كل منهم من أداء واجبه في استقلا تام وتحرر من الخوف فليس عليه أن يقلب في صفحات مراجعه وجلا مرتعش الأوصال قائلاً:
    "أتراني لو فعلت كذا مسئولاً عن الأضرار".
    فطالما أدى القاضي واجبه باعتقاد صادق أن يمارس سلطاته المخولة له فإنه لا يكون محلاً لمساءلة بدعوى مدنية.
    وقد يخطئ في الوقائع وقد يجهل حكم القانون وقد يتجاوز حدوده اختصاصاه ولكن ما دام يعتقد صادقاً أن الأمر داخل في اختصاصه فلا يجوز مساءلته فمتى أخذ بمثل هذا الاعتقاد الصادق فلا يكون عرضة للمسئولية ولا يجوز تكديره بالادعاءات القائمة على سوء القصد أو خبث الطوية أو التحامل أو ما شابهها وقد جرى العمل وما زال يجري على رفض الدعاوى القائمة على مثل هذه المزاعم. ولا شئ يجعل القاضي محلاً للمساءلة إلا إذا ثبت أنه تصرف على نحو غير قضائي علاماً بانعدام اختصاصاه بهذا التصرف...
    أما الحصانة القضائية عندنا في السودان ضد مساءلة القاضي جنائياً عن الأخطاء التي يقترفها أثناء أداء عمله القاضي كمحكمة أو كعضو في محكمة تنص عليها المادة 45 من قانون العقوبات 1983 م كالآتي:
    (فيما عدا حالات القتل الخطأ لا جريمة فيما يقع من الشخص عند مباشرته أعمالاً قضائية بصفته محكمة أو كعضو في محكمة مستعملا ً أية سلطة يخوله أياه القانون أو يعتقد بحسن نية أن القانون يخوله إياه)
    ينطبق هذا النص كما قال الدكتور محمد محي الدين في كتابه قانون العقوبات السوداني معلقاً عليه بصفحة 66:
    (على كل من يباشر القضاء كمحكمة أو كعضو في محكمة فيما يؤديه من أعمال قضائية في الجلسة أو في مكتبه ويدخل في ذلك القضاة......المحاكم المدنية والجنائية والشرعية ......والمحاكم المحلية الشعبية......والمجالس العسكرية وأعضاء هذه المحاكم)...
    أجدني لا أرى كما ترى محكمة الاستئناف بأن القاضي وفقاً لنص المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983 يتمتع بحصانة قضائية مطلقة بلا ضوابط ولا قيود في قولها على صفحة 178 من المجلة القانونية آنفة الذكر.
    (والحماية التي نصت عليها المادة 45 من قانون سنة 1983 هي حماية كاملة وشاملة لكل ما يصدر من أحكام وقرارات قضائية ولا ستثنى منها إلا حالة القتل الخطأ).
    وذلك لأن حسن النية وفقاً لنص المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983م لابد من توافره على كل حال على النحو الذي سوف أبينه فيما بعد لدرء المسئولية الجنائية عن القاضي كما اختلف مع محكمة الاستئناف حول تقسيمها للحالات التي تنص عليها المادة 45 من قانون العقوبات 1983م كما اختلف معها أيضاً حول الحالة التي استظل بظلها القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي من حالات الحماية القضائية الواردة في المادة المذكورة فقد قالت محكمة الاستئناف على صفحتي 178-179 من المجلة القانونية المذكرة الآتي:
    (و بما أن الحالة التي أمامنا ليست حالة حكم بالإعدام فإنها مشمولة بالحماية القضائية المنصوص عليها في المادة 45 من قائل بأن المتهم لم يكن حسن النية عندما أصدر حكمه موضوع الشكوى ولكن مسألة حسن النية وسوء النية أو القصد لم ترد في الشق الأول من المادة 45 من قانون العقوبات والتي تنقسم إلي شقين أساسيين أولهما شخص يباشر أعمالاً قضائية بصفة محكمة أن عضو محكمة ويعتقد مجرد اعتقاد بحسن نية أن القانون يخوله تلك السلطات.
    في الحالة الأولى يمارس الشخص سلطات يخوله إياه القانون وفي هذه الحالة مسألة حسن النية كشرط غير واردة حتى يطلب إثباتها طالما كان الشخص يمارس أعمالاً قضائية خولها له القانون-الحماية في هذه الحالة مطلقة.....ولكن في الحالة الثانية وحينما يباشر أعمالاً قضائية دون أن يخوله القانون إياه لا يستفيد من الدفع بالحماية القضائية ما لم يكن يعتقد بحسن نية أن القانون يخلوه مباشرة تلك الأعمال. والحالة الماثلة أمامنا ينطبق عليها الشق الأول من المادة 45 من قانون العقوبات ذلك لأن المتهم كان يمارس سلطات قضائية خولها له القانون كرئيس محكمة مختصة وينظر القضية الجنائية المقامة ضد الشاكي وآخرين ولهذا فلا مجال للحديث حول حسن نيته أن سوء قصده)....
    فإني أرى أن الحالات الواردة في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983 هي ثلاثة كآلاتي:
    1/ خطأ القاضي المتعمد الإرادي الاختياري عندما يباشر أعمالاً قضائية بصفته محكمة أو عضو في محكمة.
    2/ خطأ القاضي غير المتعمد وبحسن نية عندما يستعمل سلطات يخولها له القانون بصفته محكمة أو عضو في محكمة.
    3/ خطأ القاضي غير المتعمد في حالة استعماله سلطات لم يخولها له القانون كمحكمة أو عضو في محكمة ولكن يعتقد بحسن نية أن القانون يخوله إياها.
    1/ الخطأ الإرادي الاختياري :
    في هذه الحالة يباشر القاضي أعمالاً قضائية بصفته محكمة أو كعضو في محكمة ولكن يقع عمداً في خطأ بإرادته واختياره أي يتصرف بسوء قصد كما تنص على ذلك المادة 18 من قانون العقوبات سنة 1983 كالآتي:
    (يقال عن الشخص أنه فعل شيئاً بسوء قصد إذا فعله بقصد الحصول على كسب غير مشروع لنفسه أو لغيره أو بقصد تسبيب خسارة غير مشروعة لشخص آخر).
    فالقاضي يخطئ عمداً في حكمه عندما يجور ويشطط ويأتي حكمه منطوياً على الظلم والحيف واتباع الهوى وعدم النزاهة بسبب الفساد والرشوة و المحسوبية فيبرئ مذنباً ويدين بريئاً ويحل حكمه حراماً ويحرم حلالاً أي يجئ حكمه مخالفاً للقرآن والسنة ومجافياً للقانون الوضعي ويقول الله عز وجل محذراً نبيه القاضي داؤود عليه السلام في سورة (ص) الآية (26) من مغبة اتباع الهوى عندما يكون ذلك دافعاً للحكم:
    (يا داؤود أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب.)
    والقاضي إذا جار وفسد وظلم لزمه الشيطان فقال نبينا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم:
    (إن الله مع القاضي إذا لم يجر وإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان).
    وقال صلى الله عليه وسلم محذراً القاضي الجائر الظالم الفاسد:
    (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين)
    وقال أيضاً:
    (قاضيان في النار وقاضي في الجنة).
    فليس هناك حصانة للقاضي الذي يخطئ في حكمه عمداً بل يجرد ويسلب من حمايته وحصانته القضائية ومن ثم يصبح عرضة للمساءلة الجنائية والمدنية معاً فقد ورد في المذكرة التفسيرية لقانون العقوبات سنة 1983م الفقرة الثانية ما يلي:
    (أما الأفعال العمدية غير المبررة قانوناً فلا حصانة فيها لأحد)
    وجاء في كتاب تبصرة الحكام المشار إليه سابقاً ص63 في القاضي الجائر والظالم ما يلي:
    (وفي مختصر الواضحة وعلى القاضي إذا أقر بأنه حكم بالجور أن ثبت ذلك عليه بالبينة العقوبة الموجهة ويعزل)...
    وقال الأستاذ معوض محمد مصطفى سرحان رئيس قسم الشريعة بكلية الخرطوم والمندوب من كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول سابقاً في كتابه "المرافقات الشرعية" الطبعة الأولى 1371هـ 1952م ص249 ما يلي:
    (أ/ا إذا قضي القاضي بالجور عمداً وأقر به فالضمان في ماله... في جميع الوجوه ويعزر القاضي ويعزل)....
    والقاضي كما تنص المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م –لا يستطيع أن يستظل بمظلة حصانته القضائية إذا ما أخطأ عمداً وهو يباشر سلطاته القضائية وقضى بالقتل فيقول الله تعالى في محكم تنزيله في الآية (93) من سورة النساء:
    (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).
    وجاء في كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي تأليف عبد القادر عودة الجزء الثاني ص74 ما يلي:
    (والقاضي إذا حكم بالإعدام على شخص ظلماً وهو عالم بذلك ومتعمداً اعتبر قاتلاً للمحكوم عليه عمداً)...
    ففي البلاغ الذي بين أيدينا والشاكي فيه الفاتح عبد الرحمن أحمد والمتهم فيه القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي ليس هنالك أدني دليل على أن المتهم المذكور عندما حكم على الشاكي عندما كان يباشر سلطاته القضائية بقطع يده أخطأ في حكمه عمداً إرادياً وبسوء قصد وفقاً لمفهوم المادة 18 من قانون العقوبات سنة 1983 كما أن الاتهام نفسه الموجه ضد المتهم المذكور لا يتعلق بعقوبة القتل وإنما بعقوبة قطع يد ومن ثم فإن المتهم المذكور ليس هنالك ما يبرر مساءلته الجنائية تحت الحالة الأولي من الحالات المنصوص عليها في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983.
    2/ الخطأ غير المتعمد وبحسن نية في حالة استعمال السلطات المخولة قانوناً:
    في هذه الحالة يباشر القاضي أعمالاً قضائياً بصفته محكمة أو كعضو محكمة ويستعمل سلطات خولها إياه القانون ولكن يقع في خطأ بسحن نية-فالقاضي هنا يحكم وفقاً للقانون ولكن حكمه ينطوي على خطأ عادي ومألوف صدر منه بحسن نية وأن ذلك الخطأ يمكن علاجه وتداركه وتلافيه عن طريق الاستئناف والفحص وإعادة النظر والإلغاء والتعديل والتبديل بواسطة المحكمة الأعلى وليس في هذه الحالة ما يبرر تحريك إجراءات جنائية أو مدنية ضد ذاك القاضي فقد قال القاضي هنري رياض قاضي المحكمة العليا في القضية الدستورية (1) أسماء محمود محمد طه عبد اللطيف عمر حسب الله ضد حكومة جمهورية السودان مجلة الأحكام القضائية سنة 1986 ص192 ما يؤيد هذا النظر فيما يلي:
    (يثور التساؤل أشد إلحاحاً وإحراجاً هل يجوز رفع دعوى جنائية ضد القاضي الذي أصدر الحكم وهو يؤدي وظيفته كقاضٍ؟ وفي أي الحالات يجوز تحريك الإجراءات الجنائية ضده؟
    لا شك إن القاضي كبشر ليس معصوماً عن الخطأ فإن أخطأ في الإجراء أن في التقدير الخطأ العادي المألوف فإن القانون يصوبه عن طريق الطعن إلي محكمة استئنافية أو عليا أي إلي محكمة أو محكمتين أعلى درجة وفق ما هو معروف ومألوف ومقرر في كل النظم القانونية الحديثة في العالم)...
    فأرى أن محكمة الاستئناف قد جانبها التوفيق عندما قررت أن هذه الحالة التي يمارسها فيها القاضي سلطات يخولها إياه القانون تجئ حصانته القضائية مطلقة بلا قيود وقد رفضت توافر حسن النية كشرك لتلك الحصانة في حين أن ذلك واضح في النص القانوني الوارد في المادة 45 من قانون العقوبات كالآتي:
    (لا جريمة فيما يقع من الشخص عند مباشرته أعمالاً قضائية بصفته محكمة أن كعضو في محكمة مستعملاً أية سلطة يخوله إياه القانون أو يعتقد بسحن نية أن القانون يخوله إياها)...
    فجملة "بحسن نية" اكتفى المشرع بوضعها هذا بدلاَ من تكرارها لتكون واقعة بين كلمتي (مستعملاً وأية) ولو فعل المشرع ذلك لجاء النص بلغة ركيكة غير سائغة ولذا اكتفي بوضع جملة (بحسن نية) في وضع واحد من النص ولذا عندما يمارس القاضي سلطات قضائية خولها له القانون لا بد أن يمارسها بحسن نية وفي القانون "حسن النية" يعنى بذل العناية والاهتمام والانتباه والاهتمام والحرص والتثبت والتروي والحيطة والحذر فقد نصت المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983م بالآتي:
    (لا يعقب الدفع بحسن النية عند فعل الشيء أو الاعتقاد فيه إذا حصل الفعل أو الاعتقاد بغير ما يجب بذله من عناية وانتباه)...
    وفي قضية حكومة السودان ضد محمد أحمد نور الجليل نشرة الأحكام الشهرية يناير-فبراير-مارس سنة 1979ص209 قضت المحكمة العليا بأن حسن النية يقتضي بذل العناية والانتباه.
    وقد ربط نص المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983م معنى "حسن النية" بالإهمال وجوداً وعدماً بحيث أن الفعل لا يكون بحسن نية إذا ما يعوزه بذل العناية والانتباه والحيطة والحذر والحرص والتثبت فقد جاء في كتاب القانون الجنائي السوداني-النظرية العامة للمسئولية الجنائية للدكتور عبد الله أحمد النعيم الطبعة الأولى 1986 ص93 ما يلي:
    (وتشترط المادة 37 من قانون العقوبات للسلوك بحسن نية أن يكون قد تم بما يجب بذله من عناية وانتباه فليس للمتهم أن يزعم أنه تصرف بحسن نية لمجرد أنه لم ينبعث من قصد أو علم إجرامي أو لان أغراضه كانت برئيه أو نبيلة وإنما يجب أن يتسم سلوكه نفسه بالعناية والانتباه)...
    وجاء في كتاب قانون العقوبات السودان معلقاً عليه المشار إليه آنفاً على ص 49 في شرح المادة 37 عقوبات ما يلي:
    (لا يقال بأن الفعل قد أتاه الشخص بحسن نية ألا إذا كان قد أتاه مع العناية والانتباه اللازمين وعلى ذلك فالإهمال وعدم الاكتراث لا يتوافر معهما حسن النية).
    والقاضي الذي يسبب حكمه على الوجه الأكمل السليم بأن يدعمه بالأسانيد والحجج والمسوغات والبراهين والمراجع الشرعية والقانونية الفقهية وبما جرى وأجمع عليه القضاء في المحاكم العليا-لا شك أن ذلك القاضي يحكم بحكم جاء "بحسن نية" أي بذل القاضي في حكمه العناية والاهتمام والحيطة والانتباه دون إهمال ولكنه يجوز مساءلة القاضي إذا أرتكب خطأ في حكمه ما كان له أن يرتكبه فيما لو أتخذ الحرص الكافي والتثبت التام والعناية الفائقة والاهتمام البالغ.
    ولكن في هذا البلاغ الذي بين أيدينا لا تشمل هذه الحال الثانية من حالات المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م حالة المتهم القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي لأن الاتهام ضده هو انه استعمل سلطات لم يخولها إياه القانون ولم يحكم وفقاً للقانون بل تجاوز سلطاته مما جعله يقضي بعقوبة لم ينص عليها القانون ومن ثم لا أرى حاجة بي لمناقشة تلك الحالة فيما يتعلق بمساءلة المتهم المذكور جنائياً.
    3/ الخطأ غير المتعمد في حالة استعمال السلطات التي خولها القانون مع وجود حسن النية بأن القانون يخولها:
    في هذه الحالة يباشر القاضي أعمالاً قضائية بصفته محكمة أو كعضو في محكمة ويستعمل سلطات لم يخولها إياه القانون ولكن يعتقد بحسن نية أن القانون يخوله تلك السلطات ويقع في خطأ غير متعمد - فالقاضي هنا يأتي بفعل على خلاف ما يقضي به القانون معتقداً بحسن نية أن القانون يخوله تلك السلطات ويقع في خطأ غير متعمد - فالقاضي هنا يأتي بفعل على خلاف ما يقضي به القانون معتقداً بحسن نية أي دون إهمال ومع التثبت والتحري والتحقيق بأنه متسق مع القانون ويشكل ذلك خطأ غير متعمد أو أن يأتي القاضي بفعل غير مخول له قانوناً كأن يحكم بعقوبة ليس خولاً له الحكم بها طبقاً للقانون يشكل بذلك خطأ غير متعمد.
    فالقاضي الذي يبني حكمه على رأي اجتهادي من بين آراء فقهاء الشريعة الإسلامية السمحاء مع وجود القانون الوضعي بعد أن لم يجد نصاً صريحاً وارداً في القرآن الكريم والسنة المطهرة فإنه يمارس سلطات لم يخولها له القانون ولكننا نحسبه أنه اعتقد "بحسن النية" وفقاً لنص القانون المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983 على نحو ما سلف بيانه-أن القانون يخول له ممارسة تلك السلطات لان "الاجتهاد في حد ذاته في معناه الموضوعي هو بذل العناية والاهتمام في التمحيص والتنقيب في الآراء الفقهية الشرعية المختلفة فهو الفهم فيما يختلج في صدر المجتهد مما لم يبلغه في القرآن والسنة ثم يقيس المجتهد المسائل فيعمل إلي أحبها إلي الله تعالى عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقها واستقر إليها وركن لها الضمير الحي والوجدان السليم وأشبهها بالحق والعدل والإنصاف فيما يرى المجتهد وقد جاء في المذكرة التفسيرية لقانون العقوبات سنة 1983 ما ستنفر القضاة إلي تأسيس الأحكام على الآراء الاجتهادية في المسائل التي لم ينص عليها القانون نفسه كالآتي:
    (وجدير بالذكر أنه وبموجب حكم المادة 458(3) يجوز للمحكمة توقيع أي عقوبة إذا تبين لها وقوع مخالفة حد شرعي حتى ولو لم ينص على ذلك صراحة في القانون ذلك أن الشرع قديم وأن القانون هو مجرد عون يستهدي به لاستكشاف أحكام الشريعة الإسلامية فهي الأصل وهذا القانون مجرد دليل عليها)...
    فالقاضي المجتهد الذي الذي قاده اجتهاده إلي الأخذ بأحد الآراء المختلف عليها بين الفقهاء فإن قضاءه مجمع على صحته طبقاً للقاعدة القائلة بأن حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية يرفع الخلاف فهو اجتهد أي بذل العناية اللازمة لإصدار حكمه في تثبت وتروي فقد قال الأستاذ معوض محمد مصطفي سرحان في كتابه المشار إليه آنفاً على ص 237-238 ما يلي:
    (حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية يرفع الخلاف، بمعنى أن القاضي إذا كان مجتهداً فأداه اختاره إلي اختياره إلي اختيار رأى من الآراء لم يكن لغيره من القضاة إذا رفع إليه هذا الحكم أن ينقضه ولو كان مخالفاً لرأيه بل عليه أن ينفذه لكونه قضاء مجمعاً على صحته، لما علم أن الناس على اختلافهم في المسألة اتفقوا على أن القاضي أن يقضي بأي قول مال إليه اجتهاده فكان قضاء مجمعاً على صحته ولأنه ليس على الثاني دليل قطعي بل اجتهادي وصحة قضاء القاضي الأول تثبت بدليل قطعي وهو إجماعهم على جواز القضاء بأي وجه اتضح له ولأن الضرورة تقتضي بلزوم القضاء المبني على الاجتهاد وأنه لا يجوز نقضه إذا لو جاز نقضه برفعه إلي قاضي آخر يروي خلاف رأي القاضي الثاني فينقض وهكذا فيؤدي إلي إلا تندفع الخصومة والمنازعة أبداً والمنازعة سبب الفساد وما أدى إلي الفساد فساد)....
    وكان قضاء سيدنا داؤود وابنه سيدنا سليمان عليهما السلام من طريق الاجتهاد فجاء على ص270 من المجلد الثاني من كتاب صفوة التفسير تأليف محمد على الصابوني في تفسير الآيتين من سورة الأنبياء وداؤود وسليما إذ يحكمان في الحرث إذ تفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلما (79) ما يلي :
    (قال المفسرون: تخاصم إلي داؤود رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته لم يتبق منه شيئاً فقضى بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم فخرج الرجلان على سليمان وهو بالباب فاخبراه بما حكم به أبوه فدخل عليه فقال : يا نبي الله لو حكمت بغير هذا كان أرفق للجميع! قال وما هو قال: يأخذ صاحب الغنم الأرض فيصلحها ويبذرها حتى يعود زرعها كما كان ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها فإذا خرج الزرع ردت الغنم إلي صاحبها والأرض إلي ربها فقال له داؤود: وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك قوله تعالى "ففهمناها سليمان".....
    قال الحسن :
    (لو لا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان لصوابه، وعذر داؤود باجتهاده)...أنظر كتاب تفسير القرآن زاد المسير في علم التفسير " للإمام أبي الفرج عبد الحمن بن الجوزي الجزء الخامس ص372.
    فقال أبو سليمان الدمشقي :
    (كان قضاء داؤود وسليمان جميعاً من طريق الاجتهاد ولم يكن نصاً إذ لو كان نصاً ما اختلفا) أنظر كتاب زاد المسير وعلم التفسير المذكور - الجزء الخامس حتى 372.
    والقاضي المجتهد أي من استنبط حكمه بحسن نية وفقاً لنص المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983م في المسألة المختلف عليها بين الفقهاء فإن أصاب فله أجران باجتهاد وأن أخطأ فله أجر باجتهاده في لب الحق فقال صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين:
    (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وأن أصاب فله أجران).
    وجاء في كتاب تبصرة الحكام المشار إليها سابقاً ص (10) في القاضي المجتهد ما يلي:
    (وأما من اجتهد في الحق على علم فأخطأ فقد قال عليه الصلاة والسلام (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر).

    وبمثل ذلك نطق الكتاب العزيز في قوله تعالى وداؤود وسليمان إذ يحكما في الحرث إذ تفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليما وكلاً آتينا حكماً وعلماً" فأثنى على داؤود باجتهاده وأثنى على سليمان بإصابته وجه الحكم).

    والاجتهاد فيما لم يوجد في القرآن العظيم والسنة الشريفة ينبغي تشجيع القضاة للتوجه إليه وممارسته ومقاييسه وأطره فقد قال عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في كتابه لعامله في الإقليم أبي موسى الأشعري ما يلي:
    (الفهم الفهم فيما يتأجج في صدرك مما لم يبلغك به كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
    اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور على ذلك ثم أعمد إلي أحبها عند الله ورسوله وأشبهها بالحق) أنظر كتاب نماذج التراث الإسلامي حكم وإدارة-قضاء وقضاة-الأديب جعفر حامد البشير ص94.
    وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه أيضاً في حديثه إلي القاضي شريح حينما عينه قاضياً:
    (أنظر ما في كتاب الله وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فاقض به، فإذا أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يقض به النبي فما قضى به أئمة العدل... أنت بالخيار إن شئت أن تجتهد رأيت وإن شئت تؤامرني (تشريني) ولا أرى في مؤامرتك إياي إلا ما هو أسلم لك)....
    أنظر نفي كتاب نماذج من التراث الإسلامي ص(102) فقد كان توجيه سيدنا عمر للقاضي شريح أن يجتهد رأيه وكان عمر مستأنساً في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم إلي معاذ بن جبل الذي بارك فيه اجتهاده رأيه في الحكم في حالة عدم وجود النص في كتاب الله وسنة رسوله وأضاف عمر هنا توجيه القاضي شريح للارتكاز في أحكامه على ما قضى به أئمة العدل قبله أي القضاء والفقهاء قبله.

    وقال الأستاذ العالم دفع الله الحاج يوسف رئيس القضاء الأسبق في الإشادة بالقاضي المجتهد ما يلي:
    (كل قضاء يصدر عن قاضي هو اجتهاد لتطبيق فرض الله وسنة نبيه أما بحكم قطعي أو سنة ثابتة أو قياس صحيح يستنبط القاضي الحكم وفق طرائق الاستنباط التي استقرت وضوابطها الدقيقة وهو في كل ذلك ينهل من تراث فقهي لا مثيل له من حيث الإحاطة والشمول والعمق وتعدد الأحكام في الواقعة الواحدة التي نشئت من اختلاف الظروف الزمنية والمكانية والأعراف أو من فهم المجتهد لما تضمنه النصوص لذلك لا بد أن يمتلك القاضي القدرة على الموازنة والترجيح والفهم الدقيق لكل واقعة من الوقائع)...أنظر كتاب نماذج من التراث الإسلامي المذكور أعلاه ص 85.
    فالقاضي الذي يبنى حكمه القاضي على رأي اجتهادي من بين آراء الفقهاء بصفته محكمة أو كعضو محكمة مع وجود القانون لا شك أنه استعمل سلطة لم يخولها إياه القانون ولكنه اعتقد بحسن نية أن القانون يخوله تلك السلطة لأنه اجتهد الاجتهاد الذي يعني بذلك العناية والبعد عن الإهمال بالبحث عن الرأي المناسب بين الآراء المتباينة وفق الوقائع المطروحة أمامه فالخطأ الوارد في ذلك التصرف بمخالفة القانون الوضعي بالاجتهاد خطأ غير متعمد ومن ثم يستظل القاضي المجتهد بظل الحصانة القضائية بالحالة الثالثة من الحالات الواردة في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م على نحو ما سلف بيانه ومن ثم لا يكون هذا القاضي عرضة للمساءلة الجنائية.
    ففي القضية رقم أ/82/1984 التي كان المتهم فيها الشاكي الفاتح عبد الرحمن في هذا البلاغ الذي بين أيدينا إدانته محكمة الطوارئ رقم (7) أم درمان برئاسة المتهم في هذا البلاغ القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي بجريمة السرقة الحدية وقضت عليه بعقوبة قطع يده اليمنى بعد أن ثبت أمامها بأن الشاكي المذكور حول لمنفعته الخاصة بعض المال العام الذي كان مؤتمناً عليه فكانت الجريمة المناسبة التي يتعين-حسب قانون العقوبات سنة 1983م - أدانته بها هي جريمة خيانة الأمانة بواسطة الموظف العام تحت المادة 351 من قانون العقوبات لسنة 1983م وعقوبتها التعزير وبذلك فقد أخطأ المتهم المكاشفي خطأ غير متعمد عند استعماله سلطات لم يخولها له القانون ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويثور ما إذا كان المتهم المكاشفي معتقدأً بحسن نية وفقاً لنص المادة 37 من قانون العقوبات سنة 1983 م بأن القانون يخول له تلك السلطة؟
    الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب طالما إننا سنبين بأن المتهم المكاشفي طه الكباشي قد أسس حكمه على الرأي الاجتهادي وما قيل بأن ذلك الاجتهاد يجافي القاعدة التي تقضي بأنه لا اجتهاد مع النص فإن الرد عليه بأن النص المقصود هو النص الشرعي في القران الكريم والسنة المطهرة وليس النص الوضعي.
    فقد كيف القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي فعل الشاكي الفاتح عبد الرحمن أحمد عندما حول الشاكي لمنفعته الخاصة بعضاً من المال العام الذي كان مؤتمناً عليه بوصفه محاسباً وصرافاً لمدرسة وادي سيدنا وقتذاك بأن جريمة سرقة حدية من الحكومة مرتكزاً على مذهب المالكية دون جمهور الفقهاء وذلك بعد أنه لم يجد في القرآن الشريف والسنة المطهرة نصاً يشير إلي أن السرقة بصفة خاصة من بيت المال تعتبر جريمة سرقة حدية عقوبتها القطع ولم يكن القاضي السابق المكاشفي مقيداً بقانون أو منشور بالالتزام بمذهب معين دون المذاهب الأخرى وكان أتباع القاضي السابق المكاشفي للمذهب المالكي في حكمه المذكور له ما يبرره لأن ذلك المذهب هو مذهب أهل السودان في جميع عباداتهم وأن ذلك المذهب يعتبر جريمة السرقة من المال العام جريمة حدية ولم ينص قانون العقوبات سنة 1983 على ذلك فعلاً فلا تثريب عليه وفقاً لما ورد في المذكرة التفسيرية لقانون العقوبات سالفة الذكر.
    ولا خلاف بين الفقهاء في أن أخذ المال العام خفية يشكل جريمة السرقة لعمومية النص الوارد في القرآن عن السرقة ولكن الخلاف بينهم وقع فيما إذا كانت تلك جريمة سرقة حدية عقوبتها القطع أم أنها جريمة سرقة غير حدية عقوبتها التعزير.
    فقد قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل والشيعة الزيدية: من سرق من بيت المال-أي المال العام-أي مال الدول أو مال الحكومة بالتعبير الحديث لا قطع عليه لأنه مال العامة والسارق منهم لا بد له حقاً في هذا المال وقيام هذا الحق يعتبر شبهة الحق التي تدرأ عنه الحد لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "أدروا الحدود بالشبهات"
    وخالف الإمام مالك رضى الله عنه في ذلك فأوجب قطع السارق من بيت المال أي المال العام أو من مال المغنم وذلك لضعف الشبهة في بيت مال المسلمين التي تدرأ الحد. ونجد المادة 173 (1) و (2) من مشروع القانون الجنائي سنة 1988 أخذا برأي الإمام مالك تنص على تعريف جريمة السرقة الحدية التي شملت السرقة من المال العام كالآتي:
    1/ يعد مرتكبا جريمة السرقة الحدية من يأخذ بقصد التملك من حيازة شخص دون رضاه مالاً منقولاً مملوكاً للغير شريطة أن يؤخذ المال من حرزه ولا تقل قيمته من النصاب.
    2/ يشمل المال المملوك للغير المال العام وأموال الأوقاف ودور العبادة.
    والمادة 174 (1) من نفس المشروع تنص على عقوبة جريمة السرقة الحدية كالآتي:
    (من يرتكب جريمة السرقة الحدية يعاقب بقطع اليد من كف المفصل).
    وعليه فإن مشروع القانون الجنائي سنة 1988 عملاً بالمذهب المالكي جعل أخذ المال العام بقصد التملك في حدود النصاب الشرعي دون رضا الدولة يشكل جريمة سرقة حدية عقوبتها قطع اليد من كف المفصل وهذا ما ينص عليه قانون العقوبات سنة 1983م صراحة.
    أن القول بأن الشاكي الفاتح عبد الرحمن قد اختلس بعضاً من المال العام وعليه فإن توقيع عقوبة القطع عليه مخالفة واضحة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
    (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع).
    يقودني إلي تبينا عدم صحة هذا النظر عندما أفرق بين معنى "السرقة" ومعنى "الاختلاس".
    المختلس شرعاً هو من يأخذ المال مجاهرة معتمداً على السرعة وغفلة صاحب المال كالخطف من البيت أو من اليد فلا قطع وفقاً للحديث الشريف سالف الذكر وذلك لا مكان التحرز من خطره بالانتباه وأخذ الحذر أو الدفاع والمناهضة.
    أما السارق هو يأخذ مال غيره خفية أي سراً وبدون علم فيصعب الاحتراز منه ولهذا شرع قطع يد السارق... فأخذ مال الغير خفية شرط أساسي في السرقة الحدية الموجبة للحد عند جمهور الفقهاء وقد خالف في ذلك إياس بن معاوية فأوجب القطع في الاختلاس بالمعني الشرعي المذكور.
    ومهما يكن من أمر وحيث أن الشاكي الفاتح عبد الرحمن لم يختلس المال العام لأنه لم يأخذه بالقوة والمجاهرة والمكابرة بل سرقة لأنه أخذه خفية فإن عقوبة قطع يده لرأي المالكية على نحو ما أسلفت لا تجافي ما ورد في الحديث الشريف المذكور.
    لهذه الأسباب جميعها أجد أنس المتهم القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي يستظل بظل الحصانة القضائية بالحالة الثالثة والأخيرة من الحالات الواردة في المادة 45 من قانون العقوبات سنة 1983م على نحو ما سلف بيانه ومن ثم فإنه لا يصبح عرضة للمسائلة الجنائية عما ترتب على حكمه الاجتهادي المؤسس على مذهب مالك من ضرر للشاكي الفاتح عبد الرحمن احمد.
    وعليه أرى شطب محكمة الاستئناف للبلاغ رقم 6/35/1405هـ الذي أمر قاضي جنايات أم درمان وسط بفتحه ضد المتهم القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي جاء في محله ويتعين تأييده.
    القاضي: هاشم محمد أبو القاسم.
    التاريخ 1/11/1989.
    أوافق: لا يسعني إضافة أي شئ على هذه المذكرة الضافية التي جادت بها قريحة موالنا العالم على يوسف الولي ولم يترك أي وارده إلا أحصاها بالحجج والبراهين الدامغة المؤيدة لكافة المراجع الشرعية والقانونية الملزمة بموضوعية تامة لتكون نبراساً يحتذى بالنسبة لمثل ظروف هذه القضية.
    القاضي: الصادق عبد الله.
    التاريخ: 4/11/1989م
    أوافـق: قد بذلت كل من هذه المحكمة ومن قبلها محكمة الاستئناف جهداً واضحاً ومقنعاً في معالجة هذا الطلب والطلبات السابقة له سواء من الوجه الشرعي أو الوضعي ولكيلا يكون هناك أدنى لبس في هذا الشأن فيجب لفت النظر إلي أن حكمي هذه المحكمة ومحكمة الاستئناف لا ولم يقصد بهما الفصل في صحة الحكم أو بطلانه شرعاً أو وضعاً إنما هذه الأحكام قد أمرت فقط بشطب البلاغ استناداً على الحصانة الشرعية والوضعية التي كان يتمتع بها القاضي موضوع الشكوى عندما اصدر أحكامه.
    أرسل يوم الجمعة 26 يناير 2007 بواسطة ehaib

                  

09-10-2007, 01:45 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    *عبدالجبار عبد الله.
    ---------------

    ناقد صحفي ومترجم
    (محاضر سابقا بجامعة الخرطوم
    وجامعة أمدرمان الأهلية 1994-2000 في علوم الترجمة).

    الأسـتاذ عبدالجـبار عـبداللـه المحاضـر السابق بجامعـة الخـرطوم يـحكي عـن مشاهـداته كمـعتقل فـي اجـهـزة أمـن نمـيـري بعـد تطبيـق "قوانيـن سـبتمبـر 1983" ويـصـف الأجـواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد، ويـصـف حـياة الجـحـيـم فـي معـتقلات امـن النظام.


    رحلتي إلى الجحيم!.
    -----------------
    في لفحة نهار يوم صيفي قائظ الحر من عام من عام 1984، اختطفتني إحدى عصابات الأمن إلى مكاتب "القسم العقائدي" بمقر جهاز الأمن العام. وبعد تحقيق متوتر لئيم مقتضب، أحلت إلى زنازين السجن الداخلي –التي عرفت لاحقاً وعلى المستوى العالمي ببيوت الأشباح، سيئة الذكر في بدايات هجمة الإنقاذيين الغاشمة على الحياة والإنسان وحقوق الإنسان- وهناك طال أمد إقامتي، وعرفت كيف للإنسان أن ينام نوم الديك حرفياً، مع هبوط كل طائرة محملة بالسودانيين القادمين من ليبيا يومي الاثنين والخميس إن لم تخني الذاكرة في مطار الخرطوم. كنت حينها أشفق على الزنزانة الصغيرة الضيقة التي لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار تكفي لتمديد القدمين، حين تغص بعدد كبير يستحيل جلوسهم على الأرض ناهيك عن التفكير في الإغفاء أو النوم. عندها تمضي الساعات الطوال ونحن نرفع رجلاً وننزل أخرى مثل طيور الرهو والبجع، ولا يكون ثمة مهرب في نهاية الأمر من نوم الديك، حين تتهادى الساعات السلحفائية الثقيلة، وحين يسري التعب والإنهاك في خلايا ومسام الجسد الجوعان المكدود، بطيئاً وقاتلاً كسريان السم.

    أما معتقلو الطائرات الليبية المجني عليهم، الذين ذاقوا الأمرين كما يقول محمود، وعانوا أشد ألوان التحقير والعذاب على يد جلادي الأمن، فكان معظمهم من أبسط بسطاء السودانيين الذين ضاقت بهم الحياة في بلادهم، فذهبوا إلى ليبيا حيث امتهنوا مهنة الرعي أو عملوا في أشغال البناء وخطوط أنابيب النفط وخفر المباني وغيرها من المهن التي لا تتطلب كثير خبرة ولا تأهيل. وكان معظمهم أمياً حتى لحظة انتقاله إلى سجن كوبر حيث فك منهم من فك الحرف ومحا أميته هناك. وصادقت الكثير منهم من داخل الزنازين وأنشدنا وغنينا ومثلنا معاً في الليالي التي أقمناها داخل السجن لمختلف المناسبات الوطنية لاحقاً، ونشأت بيننا أجمل العلاقات التي يستطيع السودانيون خلقها في عز صحراء العبث والعدم. كان اعتقالهم بالعشرات والمئات جريمة كبيرة بحق مدنيين أبرياء ما عرفوا للسياسة سبيلاً ولا وعياً ولا حماساً.

    وحين رأيت الفوج وراء الفوج يأتي ويمر عبر زنزانتي إلى سجن كوبر، وأنا وحدي الذي كتب عليه أن يحمل "صخرة سيزيف"، يجوع عمداً وينام نوم الديك مرتين في كل أسبوع على الأقل، قررت أن أبدأ إضراباً منفرداً عن الطعام. وبررت رفضي تناول الطعام بطلبين تقدمت بهما إلى مسؤولي الأمن. أولهما استعادة كتبي التي صودرت مني لحظة اعتقالي –كان بينها الأعمال الكاملة لشكسبير ونسخة مترجمة إلى الإنجليزية من القرآن الكريم- وثانيهما تقديمي إلى محاكمة عادلة وإدانتي أو إطلاق سراحي فوراً. فيما يتعلق بمطلب استرداد الكتب، كنت جاداً وعازماً على الموت من أجلها إن دعا الأمر. وبالفعل نجحت في استعادة 8 من جملة 13 كتاباً منها، مرفقة باعتذار مكتوب من ضابط في جهاز الأمن عن بقية الكتب التي لم يعثروا عليها. كان اسم ذلك الضابط "جلال" فيما أذكر. أما المطالبة بالمحاكمة أو إطلاق السراح، فلم تكن سوى مناورة تكتيكية مني، كان هدفها تحقيق حلم "الترقية" السريعة إلى سجن كوبر والتخلص من جحيم زنزانتي اللعينة، وأنا الزاهد في حلم الحرية بعدما رجموني به من شتائم واتهامات عويصة يندى لها الجبين، تؤكد جميعها طول إقامتي في السجن.

    عودة إلى زنزانة الأمن اللعينة تلك، كنت قبل دخولي إليها قد قرأت تعريفاً للكاتب الفرنسي الكبير هونريه دو بلزاك، ورد في معجم أدبي أنيق رصين متخصص في سير الشخصيات الأدبية العالمية جاء فيه كناية عن معاناة بلزاك في حياته الفقيرة المعذبة "كان بلزاك يسكن في بيت لا يوجد فيه إلا بلزاك نفسه"! لا أورد هذا التعريف تنطعاً أو تلميحاً إلى رغبة سرية منى في مضاهاة نفسي ببلزاك، ولكنها لعنة الأمكنة البائسة الشقية، التي صورت لي بيت بلزاك الخاوي من كل متاع الدنيا ومباهجها، إلا من ساكنه، قصراً دافئاً مرفهاًِ ومخملياً حسدته عليه، وأنا حبيس زنزانتي البائسة الخاوية إلا من بلاطها الخشن الذي كنا ننام عليه مباشرة دون فرش أو لحاف حين لا تهبط الطائرات الليبية، أو "تطب"علينا مجموعة جديدة من المعتقلين الداخليين. في مثل تلك الحالات الهادئة كنت برفقة اثنين آخرين مستديمين، أحدهما سوداني مختل العقل يدعى إبراهيم، وآخر مجزوم يدعى محمدو من جمهورية مالي. وحتى لحظة خروجي منهما، كنت قد استأنست من وحشة المكان بحضورهما، ولكني كنت في الوقت ذاته، حزيناً لوجودهما في ذاك المكان الغريب، ومنشغل التفكير دائماً بطبيعة تلك المؤسسة الشريرة التي تطال مخالبها الشرسة حتى أمثال إبراهيم ومحمدو. بالمناسبة كانت المرة الأولى والوحيدة في حياتي التي ألعب فيها أوراق "الكوتشينة" مع ابراهيم، وكان يفوز علي دائما، ويعقبها في كل مرة بضحكة مدوية ومترعة بنشوة الانتصار والفرح وهو يصيح في وجهي وأذني بعبارة "كيشا ... كيشا ... كيشا".

    ولعنة الأمكنة البائسة الشقية نفسها، هي التي أحبطت لاحقاً حلم "ترقيتي" إلى سجن كوبر. وكان تشبثي بذلك الحلم، تشبث الموعود بالانتقال من كوخ تعيس كئيب إلى فندق مهيب فخم من فنادق الخمس نجوم! ولكن هيهات وليس أمام الظمآن سوى سراب الصحراء. فقد طار قلبي من الفرح، حين استعدت كتبي المسروقة، مصحوبة بقرار الانتقال أخيراً إلى "كوبر". وبعد دهليز وراء الآخر، وانحناء وركوع وقيام، عبر الأبواب والمنافذ الضيقة التي شقت عبر الجدران الحجرية السميكة العتيقة، دلفت أخيراً إلى حيث يريدون إنزالي. وكان حظي كالحاً حين ذهبوا بي إلى قسم "الورشة". وهي ورشة بحق كانت تستخدم لهذا الغرض، إلى أن اتسع عدد السجناء والمعتقلين وفاض بهم السجن، فما كان من بد من التوسعة على "عباد الرحمن" فكانت نعم الورشة، وكنا نعم العباد!! هندسياً كانت مثل كل ورش النقل الميكانيكي والسكة الحديد وغيرها، مصممة من عنبرين طويلين ماهلين، شيدا من السيخ والحديد والأسلاك، وسقفا بصفائح الزنك الحارق نهاراً والبارد برودة الثلج في زمهرير الشتاء ليلاً.

    ونظراً لنقص المراتب والأسرة التي تسد حاجة كل "عباد الرحمن" المعتقلين، فقد لفت نظري لحظة دخولي مباشرة، أن عدداً كبيراً من الأسرة كان يسع الواحد منها لسجينين بدل الواحد! كيف؟ أرجو ألا يشتط بكم الخيال إلى أسرة الـ double bed)) في داخليات البركس وغيرها من داخليات جامعة الخرطوم ومعهد الكليات التكنولوجية سابقاً. فالمقصود هنا أن "عباد الرحمن" ينقسمون كيفما اتفق إلى "طبقتين"، بعضهم يتمدد كما البشر العاديين فوق سرير مفروش بملاءة نظيفة على الأقل، وإن كانت مهلهلة ومهترئة وعفا عليها طول "السهك" والانبطاح. أولئك هم المحظوظون من أبناء "الطبقة العليا" الذين أنعمت عليهم الورشة بفيض رزقها وكرمها المعطاء. أما أبناء "الطبقة السفلى" فهؤلاء هم أهل الدرك الأسفل من الجحيم، ولم يكن أمامهم من بد سوى الانبطاح كيفما اتفق تحت السرير، على ملاءة أو بطانية أو بدون. قلت وأنا أدخل القسم واستسلم لقدري الذي لا مفر منه: "إن كان حظك بين أبناء "الطبقة السفلى" فمن الأحرى بك أن تتمرن من الآن على مد اللسان طويلاً من بوابة القسم، حتى تتقن فن لهاث الكلاب التي ترقد تحت الأسرة والعناقريب عادة في البيوت، عندما يشتد بها هجير حر الشمس! تأملوا بالله عليكم لحظة، ما كانت تفعله "شريعة الكيزان" بعباد الرحمن، الذين ورد ذكر إكرام كل واحد منهم وإعزازه ورفع منزلته في كافة نصوص القرآن الكريم! ولكن عفواً .. يا سادتي للخطأ الفادح، إذ كنا في واقع الأمر فئراناً وصراصير وجرذاناً في عيون الكيزان المستبدة الصلفة بحكم التربية والتكوين السياسيين. فأين مزمارك العذب، أين أنت من كل هذا يا محمود؟ لقد كنت رجلاً من غير ذاك الزمان.. كنت فيهم غريب الوجه واليد واللسان... فكيف لا يكفروك ويصلبوك ويقتلوك؟! طوبى لروحك .. طوبى للغرباء كما قال المسيح.

    مشاهدات حية من جوار ساحة العدالة الناجزة:
    __________________________________________

    ولما شرعنا في الولوج الوئيد التدريجي إلى صلب موضوعنا الرئيسي، فقد كانت "الورشة" مجاورة لما كان يعرف باسم "ساحة العدالة الناجزة" سيئة الذكر، التي تعيد للأذهان رعب وذكريات مقصلة سجن الباستيل الرهيب. ففي تلك الساحة كانت تنفذ أحكام الإعدام وتجز الرؤوس وتكسر الأسنان وتفقأ العيون، تقطع الأيادي ويصلب المحكومون بأحكام الحرابة. لم تنفذ أحكام فقأ العيون ولا كسر الأسنان بالطبع، لكنها المكان الذي خصص لهذه الأغراض، وحتى لحظة خروجنا من السجن في السادس من أبريل 1985، كان أحد المحكومين في انتظار تنفيذ حد السن بالسن عليه. من هناك ومن أمام عيوننا مباشرة كانت تمر طوابير الرعب والوحشية والبربرية المريعة كل أسبوع تقريباً. والمثير للسخرية في تلك الطوابير، أن أبسط المحكومين وأدناهم وعياً وتعليماً كان يتقدم الطابور وهو على علم بمدى عبثية ولا معقولية تلك المؤسسات والقوانين التي تحيل المجرم الحقيقي بحق بلد بكامله، إلى قاض ومفت وجلاد، وإلى خصم وحكم في آن، يدعي لنفسه حقاً وتكليفاً إلهياً بتقويم السلوك الاجتماعي. ولا أشك لحظة في أن الشاعر محجوب شريف هو من استعار من أولئك المحكومين في إحدى "حضراته الشعرية" المسكونة بحب الناس ومعرفة خلجات ومكنون نفوسهم، ما كان يردده كل واحد لنفسه سراً وهو أمام الطابور من عزاء شخصي للذات:

    "حليلك بتسرق سفنجة وملاية

    وغيرك بيسرق خروف السماية....

    تصدق في واحد بيسرق ولاية؟!!"

    وفي عيون ووجوه وضحكات وابتسامات أولئك الذين كانوا يقادون إلى ساحة "عدالة الإخوان الناجزة" رأيت سخرية وهزءًَ بتلك المسرحية الهزلية السخيفة، الباعثة على الغثيان والضحك رغم مأساويتها ووحشيتها. وفي وجه كل واحد من المحكومين، رأيت شيئاًَ من سخرية وفلسفة بطل رواية "الغريب" للكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو. فقد كانوا مثله في زهدهم عن الدفاع عن أنفسهم، أمام طائلة عبثية وكوميديا لامعقولية القوانين والمؤسسات الاجتماعية التي جرمتهم وأدانتهم. وعلى رغم الحواجز الشاهقة وتجهم ملامح الطابور الدموي، تبادلنا الضحكات والابتسامات وكلمات الوداع الأخيرة، مع عدد من المحكومين بالقصاص –بمن فيهم المحكومون بعقوبة الإعدام- وهم يقطعون خطواتهم الختامية المفضية بهم إلى الموت. ولم يكن غريباً أن يفلت أحدهم من أمام الطابور ليخطف سيجارته أو "تخميسته" الأخيرة من أحد أصدقائه الواقفين منا وراء سياج الورشة، علماَ بأننا كنا نشكل دائماً جمهور المودعين الأخيرين إلى مسرح العرض الدموى.

    وما هي إلا لحظات تتلى فيها الإدانة والمصادقة القضائية عليها، فيعقبها ذلك الصوت المدوى الذي يصم الآذان، فتسقط على إثره الجثة هامدة في جب بئر المشنقة المظلمة. عندها تتحول السخرية والنكات على عبثية الوجود كله، إلى غصة حنظلية المذاق، يصعب على الحلق ابتلاعها أو احتمال مرارتها. وفي خلايا الجسد المستباح المصعوق، تسرى رعشة وحمى غريبة، لا يعرف مصدرها حين يخلد الواحد منا إلى فراشه. وأنى لك النوم والكوابيس المفزعة، وأنت ترى إنساناً مر من أمامك سليماًَ معافى يهز الجبال قبل لحظات، ولم يخرج من "مسلخ العدالة" إلا وقد تحول إلى رميم أو حطام إنسان مبتور الأوصال، أو خرج منها محمولاً على آلة حدباء بعد أن حولوه إلى جثة هامدة لا حراك فيها! من هناك مر الواثق صباح الخير، وبعده عشرات ... عشرات آخرون، قبل أن يمر منها أخيراً المفكر الشهيد محمود.

    عندما استيقظت على مقام محمود :
    _________________________

    من القراء التمس المعذرة إن أطلت في الوصف والتقديم، ولكن كان من المهم جداًَ أن أرسم صورة الأجواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد... ولكن هيهات. وقبل أن تكون هذه الكتابة شهادة من داخل السجن على ما جرى قبيل الإعدام وفي عشيته وصبيحته، أستشعر من خلالها أولاً وقبل كل شيء، واجباً فكرياً وأخلاقياً معاً، إزاء الكشف عن تلك المؤسسة الظلامية الغاشمة، التي استلهمت عقلية "محاكم التفتيش" من أضابير وتجاويف القرون الوسطى، واستنهضت تقاليد القمع الفكري والسياسي كلها –برصيدها الإسلامي والمسيحي معاً- لتستخدمها أداة وسيفاً مسلطاً على رقاب خصومها السياسيين والفكريين، بل لتشطب بها الإسلام كله بضربة لازب واحدة، فلا تبقى منه سوى حد العقوبة والسيف.

    كان ذاك هو فحوى المحاكمة المهزلة التي شاهدناها وتابعنا تفاصيلها من داخل السجن. وكان ذاك هو مضمون "الاستتابة" التي سخر منها محمود قبل غيره، أيما سخرية ومضى سامقاً فارع القامة والطول إلى أعواد المشنقة، مستعيداً بذلك في لحظة تاريخية غريبة مفارقة، صورة تلك المحاكمة المهزلة التي تعرض لها الحسين بن منصور الحلاج، وما أعقبها من صلب وجلد وحز للرأس وتقطيع للأوصال، بعد أن أدانه قضاة بوزن وفقه "مهلاوي ومكاشفي" ذلك الزمان بتهمتي الزندقة والإلحاد اللتين وجهتا إليه. وللمفارقة فقد كانت تلك أيضاً دولة بوليسية يحكمها العسس وسواري ليل بغداد عام 301 ه. ولم يكن جرم الحلاج إلا أن له عقلاً مفكراً وأنه أبصر ما لا يبصره الآخرون من خلال فلسفته ورؤيته الصوفية الشفيفة القائمة على فكرة الإيمان بوحدة الوجود التي يرقى فيها الإنسان في علاقته بربه إلى مرحلة نورانية روحانية من "الحلول". وما جرم الحلاج إن عجز قصور عقول أعضاء محكمة التفتيش تلك عن تأويل قوله شعراً:

    أنا من أهوى ومن أهوى أنا

    نحن روحان حللنا بدنا

    فإذا أبصرتني أبصرته

    وإذا أبصرته أبصرتنا

    وإلى أعواد المشنقة تقدم محمود واثقاً، ثابت الخطى وباسماً، لا لجرم ارتكبه سوى عقله المفكر وقدرته على رؤية ما لم يره الآخرون –سيما خصومه المتشددون من ذوي البصيرة المسدودة- كما سنرى من خلال دراستنا لجانب واحد فحسب من تراث فكره المتصل برؤيته للثقافة والفنون في سياق ريادته لحركة التجديد الفكري الديني وانتمائه إلى الاستنارة والحداثة من مواقع الفقه الديني نفسها.

    ذاك محمود، ذاك ثوبه البسيط الناصع البياض، ذاك إبريق مائه وتلك فروته.. ذاك زهده وطهره وطهارته ... كيف تقتلوه؟ رأيت كل ذلك حيث كان في لحظاته الأخيرة، من زنزانة مقابلة لزنزانته، كانت قد حشرتنا فيها حشراً سلطات السجن التي أفرغت قسم الورشة بكامله حتى لا نشهده مباشرة وهو يتقدم طابور الإعدام. عندها كنت أهتف مع المحتجين وأشاركهم هز جدران السجن وأركانه بأصواتنا التي عانقت أصوات آلاف المتظاهرين والمحتجين في شوارع وبيوت كوبر المحيطة بالسجن. ولكنني بين نفسي كنت قد أدركت مقام الرجل، صحوت من غفوتي وغفلتي في إمعان النظر إليه مبكراً. لحظتها اجتاحني نهم عارم لكل ما كتب وقال، وندمت ندماً ما بعده على عدم زيارتي لحلقات إنشاده وحواره التي كان يقيمها بانتظام في منزله في بداية مدينة الثورة بأم درمان وأنا الغادي والرائح عبرها كل يوم! تلك هي اللحظة التي يشعر الواحد منا أن ثروة عظيمة قد تبددت وتسربت من بين أصابعه، دون أن يدري قيمتها أو يفيق من غفلة الحياة وتفاصيلها اليومية العابرة ليفتح عينيه على كنوز الذهب.

    عادة قبر الرموز!

    وإن كانت قد نازعتني منذ ذلك الوقت رغبة في قراءة فكر محمود كله والكتابة عنه، فقد تآكلت روحي سنيناً وسنين، حسرة على استهانة بلادنا كلها، دولة وشعباً ومؤسسات، وتفريطها المستفز في تراث ومكانة أعظم مفكريها وعلمائها ومثقفيها ومبدعيها في كافة المجالات. أين بالله تكون مكانة العشرات والعشرات من أذكى وأنبغ بنات وأبناء السودان من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والباحثين النوابغ في مختلف المجالات، لو أنهم كانوا ينتمون إلى جنسيات أخرى، وأنجزوا ربع ما أنجزوه في بلد آخر وواقع آخر.. غير واقعنا نحن وغيربلادنا نحن؟ إلى متى هذه الخيبة المبينة وإلا متى نظل نقبر الرموز وهم أحياء وأموات؟! وبعض التجاهل يصدر عن "طيب خاطر وحسن نية" سودانيين. وبعضه ناشئ وقائم في ضعف أو غياب المؤسسات الثقافية نفسها، وكامن في ظاهرة الانقطاع في ممارستنا الثقافية واعتمادها على الظرفية وعادات المشافهة السيئة. وفي ظل واقع كهذا، كثيراً ما يعتمد الإبداع الفكري والثقافي على المبادرة الذاتية، بكل ما يحيط بها من ظروف حياتية ضاغطة ومكابدات عنيدة مع معركة توفير الحد الأدنى الضروري لحياة المفكر والمبدع، الذي يسعى مثل غيره إلى تحقيق شرط وجوده البيولوجي أولاً قبل أن يشطح إلى سماوات الإنسانية والإبداع!

    كل هذا مفهوم ومن الممكن بل من الواجب معالجته. ولكن بعض الإهمال لئيم ومقصود ومتعمد، ويستمد لؤمه وقبحه من قبح وبدائية تقاليدنا السياسية السيئة، التي تربي الأفراد على بناء حاجز نفسي آيديولوجي سميك، يحجب البصيرة ويسد البصر، ويدفع الفرد في كثير من الأحيان، إلى تقديم الانتماء الحزبي السياسي الضيق، على المصلحة الوطنية العامة. ومن هذا الباب فما أضخم تراث الكيد السياسي البائر في حقل تقييم الفكر والإبداع. ولئن كانت الممارسة السياسية للجبهة الإسلامية "مشاترة" ومفارقة في كل شيء، لدى إصدارها قاموساً للشخصيات السودانية، حذفت منه بجرة قلم واحدة أسماء وقامات لا يستقيم للقاموس نفسه أن يحمل صفته تلك بدونها إلا إن كان قاموساً خاصاً بشخصيات من جزر القمر أو الكناري –شملت القائمة المحذوفة محمود محمد طه، فاطمة أحمد إبراهيم، عبد الخالق محجوب، الأمير عبد الرحمن نقد الله، الشفيع أحمد الشيخ- وغيرهم من الأسماء التي يطعن غيابها في قيمة القاموس، وفي نواياه ومحصلته، إن كانت تلك هي المشاترة العمياء بعينها، فما الذي يفسر سلوك برنامج توثيقي تلفزيوني قومي مخصص هو الآخر للتوثيق لحياة الشخصيات السودانية؟ أشير هنا إلى برنامج عمر الجزلي "أسماء في حياتنا" الذي لفت نظري فيه تلك العين الآيديولوجية الفاحصة في اختيار الشخصيات التي يوثق لها ويقدم. صحيح أن جعفر نميرى مثلاً كان اسما في حياتنا، ولكن أي اسم؟ مقابل ذلك تلاحظ غياب شخصيات كثيرة، هي التي تحمل وتعبر عن اسم البرنامج بمعناه الإيجابي بحق. دون أن أخوض في التفاصيل أسأل عمر الجزلي: ألم يكن مصطفى سيد احمد مثلاً اسماً كبيراً في حياة ملايين السودانيين ووجدانهم حتى بعد رحيله؟ وما هو المعيار الذي يحدد أن فلاناً أو علاناً كان اسماً في حياتنا نحن المفترى علينا؟ قبل ذلك، استضاف عمر الجزلي جعفر نميري فهل تذكر أن يستضيف محمود، أم أن هذا الأخير يندرج تحت قائمة "نكرات في حياتنا" المخبوءة في مكان ما بين أضابير الجزلي؟

    عودة إلى أهمية دراسة تراث محمود وإسهامه الحداثي التنويري، فلا يزال من واجبنا حتى الآن، أن ننهض بهذه الدراسة كمفكرين ومثقفين، وأن نبين حجم الخسارة الفادحة التي ألحقها خصومه وجلادوه بثقافتنا وفكرنا وبحركة التجديد في الفكر الإسلامي كله. وما لم ننهض نحن بهذا الواجب فمن ننتظر أن يقوم به بالوكالة عنا؟ من جانبي كنت ولا أزال أطمح للقيام بهذا الواجب على مستوى أكاديمي مؤسسي، أضطلع فيه بتناول فكر وفلسفة محمود التنويرية، تناولاً مقارناً بفكر التيار الأصولي المتشدد، الذي ترضع اليوم من أثدائه كافة الحركات الإرهابية الناشطة على نطاق العالم، من السودان وحتى أفغانستان. ولتكن هذه الحلقة والحلقات التي تليها، المخصصة لدراسة جانب محدد من فكر وتراث محمود، ترجمة عملية لبعض هذه النوايا.


    جميع حقوق النشر محفوظة "للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية ".
                  

09-10-2007, 02:06 PM

فرح
<aفرح
تاريخ التسجيل: 03-20-2004
مجموع المشاركات: 3033

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    شكرا بكرى
                  

09-10-2007, 02:08 PM

Hussein Mallasi
<aHussein Mallasi
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 26230

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: فرح)

    يا فرح انت حركاتك دي ما داير تسيبها!!
                  

09-10-2007, 02:12 PM

مجاهد عبدالله

تاريخ التسجيل: 11-07-2006
مجموع المشاركات: 3988

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    ملاسي طبعاً البوست ده غير كلام فرح ماقريت فوقو حاجة..
                  

09-10-2007, 03:45 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)


    أخي الكاتب المحقق والموثق بكري الصايغ
    عاطر تحياتي ومعزتي
    شكرا على فتح هذا البوست الهام الذي يرجى منه أن يلقي الضوء على تلك الفترة المظلمة من تاريخ بلادنا التي اعقبت اعلان الرئيس المخلوع نميري لقوانين سبتمبر 1983 سيئة الذكر وقد كانت هي الأرضية التي بنى عليها نظام الجبهة الإسلامية فلسفة حكمه غير الرشيد فلم يجن الشعب السوداني من كليهما سوى الخراب والدمار ..
    ويسرني أن أكون من المشاركين في هذا الخيط بالتوثيق اللازم مما توفر لدي من مادة حتى يعي الشعب ، وبصورة خاصة الطبقة المستنيرة منه ، حقيقة ما كان يجرى حينها وما يجري الآن بعد أن أعلن أرباب التجربة الفاشلة عن فشلهم وشيعوا مشرووعهم الحضاري والسودان الذي نكب به (حيث شالوا على روحه الفاتحة) برغم تمسكهم بما جنوه فيه من مال منهوب وسلطة مغتصبة ..
    عمر
                  

09-10-2007, 09:53 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    الأخـوة الأعـزاءالأجـلال،
    ازهـري نورالدين،
    فـرح،
    مـجاهـدعـبداللـه،
    عـمـرعـبـداللـه.

    تـحيةالود والأعـزاز،
    والشـكـر عـلي مـشاركتكـم الـمقـدرة.

    تقول إلإحـصائيات الـتي ظـهـرت بعـد انتفاضـة 6 ابريل 1985 ان عـدد الذين اعتقلتهـم اجـهـزة الأمـن ورجـال الشـرطة فـي العاصـمة الـمثلثة فـي الفتـرة مـن بدء تطبيق قـوانيـن سبتمـبـر 1983 وحـتـي الاول من مارس 1985 بلغ نـحو 44 ألف مـواطـن ومواطـنة اطلق سراح بعـضـهم لعـدم وجـود اماكن بالسجـون وبسـجـن النساء بامدرمان ولايـدخل فـي هـذا العـدد مـئات النساء اللائـي اعتقلن بتهـم بيـع الـخـمورالبلدية واطـلق سـراحـهـن بعـد مـصادرة
    "الـبضاعـة "ولاالاعـداد الكبيـرة للمـواطنييـن الذين لـم يتمكنوا مـن استخراج البطاقةالشـخـصية اوالـذينا اعتقلوا مـع زوجـاتهـم فـي الطريق العام ولـم يكن معـهما وقتها "قسـيـمة الزواج!!".

    خـلال مسـيـرة تاريخ هـذه الحـقبـة السـودانية السـوداء ( سبـتمبـر 1983 ـ ابريل 1985 ) ظـهـرت عـدة شـخـصيات طـفحـت علي ظـهـر الاحـداث وقتها
    وبرزوا بصـورة جـعلتهـم ويتصدرون الصـفحات الأولـي وتـظهـر صـورهـم وكأنهم حـماة الشـريعة وجـنودها فـي الـخنادق الأمامـية.

    كان الـدكتـور ( طـبيـب بشـري ) زكـي مـصـطـفي الطـبيب الـمشـهـور بعيادتـه فـي شـارع القـصـر وكأستاذ بكـليـة الطـب بـجامعـة الـخـرطوم
    مـحـل مثار حـديث الناس وصـب بعـضـهـم جـام غـضـبـه العارم عـليه ونعـتوه بأسوا اللعنات، فقد كان الـدكتور زكـي هـو الذي يقـوم بعـمليات
    قـطع مـفصـل اليد عـلي الـمحـكومـيـن عـليهـم جـنائيآ "بالقطـع من مـفصـل الرسـغ" لارتـكابهـم جـرائـم السـرقة، وتسـأل الناس كـيف ينفـذ الـدكتور احـكام هـذه الـمحاكم التـي تـفتقـد الـي ابسـط الـمبادئ القانونية ويقوم وعـن عـمد وسـبق اصـرار وارتكاب جـرائـم فـي حـق الـمظلومييـن ويشـوهـهـم ناسـيآ قـسـم "ابوقـراط" وعـلاج الـمصـابيين وحـماية ارواحـهـم?.

    قامـت الـمانيا باحـتضـان اغـلب ضـحايا مـحاكـم "العـدالة الناجـزة" والذين حـكمـت عليـهم الـمحـاكم بالقـطع من خـلاف ومنـحـتهـم الاقامـة الـدائـمة ووفـرت لـهـم الـدولة حـق التاهـيل الـمـهـني فاكـمل بعـضـهـم الـدراسـة فـي عـلم الكـهـرباء والـكمبيـوتـر وحـصـلوا عـلي وظائـف ثابتة ومـضـمونة لهـم طـويـلآ. قامـوا بنشـر كـل قـصصـهـم مـنـذ اعـتقالـهـم تنفيـذ احـكامات القطـع فيـهـم والتشـهـيـر بهـم عـبـر الـصحـف الـمـحلية نهايـة بوصـولهـم لالـمانيا عـبـر المنظمات الأنسانيـة.
                  

09-10-2007, 10:21 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    يوم إستشهاد الأستاذ محمود يوم لحقوق الإنسان العربي .
    ---------------------------------------------------
    نشرت جريدة الأيام هذا الخبر بتاريخ 28/5/1985 ((إنعقدت في القاهرة ما بين 17 و 19 مايو ندوة أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي و التي حضرها لفيف من كبارالمفكرين ورجال القانون و السياسة و الأدب في العالم العربي و قد ذكرت مصادر القاهرة بأن الحشد الذي شهدته الندوة يعد من أكبر التجمعات العربية التي حضرت إلى العاصمة المصرية منذ أوائل السبعينات و قد مثل السودان في هذه الندوة وقد ضم الأستاذين المحاميين طه إبراهيم محمد وكمال الجزولي اللذان شاركا مشاركة فعالة في كل جلسات الندوة ومن أهم التوصيات التي خرجت بها الندوة هي إعتبار يوم إستشهاد المفكر محمود محمد طه ، يوماً لحقوق الإنسان في الوطن العربي)) .
                  

09-10-2007, 10:31 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    الطليعة المصرية:-
    ------------------
    وجاء في مجلة الطليعة: بعنوان كلمة نحو الإعلام ((كنا نستغرب صغاراً وحشية الإيطاليين حيث قاموا بإعدام عمر المختار، وهو في سن متقدم (70 عاماً) لذا لم نكن نجد أي صعوبة في حفظ قصيدة أحمد شوقي: رفعوا لواءك في الرمال لواء .. الخ من الأبيات ، نتيجة للتفاعل بالرغم من صغر سننا. لكن وحشية البعض لا تقل عن فاشست الإيطاليين بإقدامهم علي إعدام هذا الشيخ الكبير والمفكر العربي السوداني محمود محمد طه ذي الستة والسبعين عاماً يصعد منصة الإعدام الحمراء لأنه احتج ... فقط احتج علي أفكار وتطبيقات النظام في السودان .. وبالرغم من إنتهاء العملية الإنسانية الكبيرة التي قام بها بإجلاء يهود إثيوبيا عن طريق بلاده ، إلا أن هذا "الزخم الإنساني" لصالح العدو الصهيوني لم يخصص الجزء القليل منه للشيخ المرحوم محمود محمد طه بالرغم من برقيات الإحتجاج التي أرسلت له عندما اقرت محاكمته خلال يوم واحد من إعدام طه ورفاقه.
    وهكذا لو عاش أحمد شوقي بيننا لما استطاع نطق كلمة واحدة عن هذا الإجرام وتلك الوحشية التي مارسها المستعمرون سابقاً. ))

    الأهالي المصرية:-
    -------------------
    بتاريخ 23/1/1985 أوردت الصحيفة مقالاً بقلم حسين عبد ربه جاء تحت عنوان "بعد إعدام زعيم الأخوان الجمهوريين في السودان ... الإغتيال باسم الشريعة علي طريقة نميري" فقالت:-
    ((الي جانب ردود الفعل الداخلية الحادة فقد أدانت لجنة الحقوقيين الدولية شنق "الشيخ محمود محمد طه" بدعوي خروجه علي الشريعة الإسلامية وأوضحت أن العمل يعد في حد ذاته خرقاً للشريعة الإسلامية. وكان الشيخ محمود يعارض الأسلوب الذي اتبعه جعفر نميري في تطبيق الشريعة. وقد استنكرت وزارة الخارجية الأمريكية ذاتها إعدام الرجل باعتباره إنتهاكاً ساخراً لحقوق الإنسان))

    برقية استنكار:-
    وأوردت الصحيفة أيضاً برقية استنكار لنميري موجهة من السيد سعد حماد الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الإستعمار والدفاع عن السلام. قالت البرقية: ((إن المنظمة تستنكر بشدة إعدام الشيخ محمود محمد طه زعيم الأخوان الجمهوريين بسبب إختلاف الرأي والاجتهاد .." وحذرت من خطورة هذا المنهج في تعميق التعصب والفرقة بين أبناء الشعب ، مما يستفيد منه أعداؤه.
    ومضت قائلة: ((إن المحكمة الإستئنافية استندت في تأييدها بحكم الإعدام ..الي اتهام محمود بالردة، وهي تهمة تختلف تماماً عما وجهته اليه المحكمة الجنائية التي اتهمته بإثارة الكراهية ضد الحكومة" .. وتناولت الصحيفة ما آلت اليه الهيئة القضائية في عهد نميري ، من خضوع تام لتوجيهاته وبالتالي فقدت الهيئة القضائية استقلاليتها .

    أمانة اللجنة المركزية لحزب التجمع تستنكر جريمة نميري:-
    ---------------------------------------------------

    وجاء في جريدة الأهالي ايضاً: ((أعربت أمانة اللجنة المركزية لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي عن استنكارها الشديد والشعور بالإشمئزاز إزاء الجريمة الشنعاء التي ارتكبها نظام نميري بإعدام شيخ كبير من قادة التيار الإسلامي بالسودان هو الشيخ محمود محمد طه وأكدت الأمانة أن جريمة النظام السوداني تعني كل مسلم بصفة عامة وكل مصرى بصفة خاصة، ودعت أمانة اللجنة المركزية كل القوي الوطنية وجموع المواطنيين للإعلان عن استنكارها لهذه الجريمة التي تتناقض مع أبسط حقوق الإنسان وأقدس القيم العربية والحضارية))

    إستقالة نائب من برلمان وادي النيل:-.
    ------------------------------------

    وأوردت صحيفة الأهالي المصرية هذا ا لنبأ:-
    ((قدم د. ميلاد حنا رئيس لجنة الإسكان بمجلس الشعب المصري وعضو برلمان وادي النيل استقالته من برلمان وادي النيل احتجاجاً على قيام نميري بإعدام الشيخ محمود محمد طه زعيم حزب الأخوان الجمهوريين .. وقد تقدم د. ميلاد حنا بإستقالته في مذكرة الي د. رفعت المحجوب رئيس دورة برلمان وادي النيل جاء فيها: إن هذا الإجراء يعد خرقاً لأبسط حقوق الإنسان وهو حقه في حرية الفكر والضمير والعقيدة ... وبناءاً عليه فإنه لا يستطيع أن يضع يده في يد نظام حكم يؤكد كل يوم على مضيه قدماً في خرق حقوق الإنسان.
    وإنني أناشد كل القوي الوطنية والإنسانية والمهتمة بحقوق الإنسان أن تبذل كل الجهد لوقف هذه المذبحة الإنسانية التي يقوم بها نظام نميري والذي لا يفرق بين اليمين أو اليسار في صراعه من أجل بقائه ))
    ونشرت جريدة الإهالي تحت عنوان "ألفاظ ومعان الشيخ الذبيح" بقلم اسماعيل صبري عبد الله: ((سلام عليه شيخاً وهن العظم منه ولم يهن الإيمان، سلام علي إبن الستة والسبعين عاماً يموت ميتة الشجعان ، سلام علي من يلقي ربه شامخاً فوق قتلته الأقزام يلحق بكبار شهداء الإسلام ، ويذكر بقول الشاعر
    "علو في الحياة وهمة في الممات"
    كان الإسلام عند الشيخ محمود محمد طه زعيم الأخوان الجمهوريين بالسودان يعني الجهاد ، في حين اتخذه غيره ذريعة لإنجاح البنوك والشركات. وكان يعي أن أعظم الجهاد قولة حق في مجلس سلطان جائر. وكان الهول حقاً أن يذبح بأيدي من يدعون تطبيق الشريعة السمحاء. إن جريمة الخرطوم تستفز كل مسلم يغار علي دينه . علمنا "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم" وعلينا في مصر واجب مزدوج باستنكار هذه الجريمة . واجب الدفاع عن الإسلام في مواجهة أولئك الذين يشوهون صورته أمام الراي العالمي . وهو واجب يتحمله في المقام الأول قادة التيار الإسلامي الذين يرفعون الدعوة الي تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقدرون أهمية شرح تعاليمها المبنية علي العدل واحترام الإسلام. ثم واجب الأخوة مع شعب السودان الشقيق الذي تربطنا به وشائج أقدم وأكبر من أي حاكم وأي نظام ، ونحن نتساءل كيف يجلس ممثلو مصر مع ممثلي نميري في مجلس للتكامل واعمدة المشانق منصوبة لخيرة أبناء السودان؟ إن الموقف أكبر من أن تواجهه الحكومة بدعوة غير معلنة لضبط النفس. فمصداقية أي تحول ديمقراطي في مصر تتوقف علي موقف الحكومة من الممارسات التعسفية في السودان الذي نتكامل معه . وإذا جاز - في تقديري أنه لا يجوز- أن تغلب الحكومة إعتبارات استراتيجية تراها ملزمة لها بالصمت ، فلماذا لا يتكلم أعضاء مجلس الشعب ؟ وإذا جاز - وفي تقديري لا يجوز- لأعضاء الحزب الحاكم منهم التذرع بانضباط حزبي ، فماذا يمكن أن يصوغ تقاعس نواب المعارضة عن مجرد تقديم طلب إحاطة عن هذه الفعلة الشنعاء ؟ كنت أحسب أن الهول قد بلغ غايته عندما سقط شيخ القومية العربية ، صلاح البيطار برصاص حكام عرب وهأ نذا أشهد بعدها مصرع شيخ كبير يقتل بدعوي تطبيق أكثر الشرائع سماحة ، وأكثرها تكريماً للإنسان - ألا كبرت كلمة تخرج من أفواههم. إن يقولون إلا كذبا.))

    الكويت.
    --------------

    تناولت الصحف الكويتية أخبار المحاكمة بصورة موسعة ناقلة الخبر ، ومضيفة بالتعليقات والتحليلات ، في موجة عامة من الإستنكار والإدانة الشديدة.

    بيان السودانيين بالكويت :-
    أوردت جريدة القبس:
    --------------------------

    ((السودانيون في الكويت إدانة ومناشدة بالتدخل
    أصدر السودانيون المقيمون في الكويت بياناً أمس أدانوا فيه تنفيذ حكم الإعدام في الأستاذ محمود محمد طه وأحكام الإعدام ضد اربعة آخرين. وناشدوا الحكومة الكويتية وجمعيات النفع العام والمنظمات الإقليمية والدولية بالتدخل لوقف عمليات الإعدام في حق الآخرين.
    وفيما يلي نص البيان:-
    نحن السودانيين المقيمين بالكويت ، إنطلاقاً من مبدأ الدفاع عن حرية الفكر وحق المواطن المشروع في التعبير عن آراءه السياسية ودفاعاً عن مبدأ إستغلال القضاء ، وحق المواطن في محاكمة عادلة ندين ونستنكر حكم الإعدام الذي نفذ في المفكر الإسلامي الأستاذ محمود محمد طه رئيس حزب الجمهورين بالسودان ، والبالغ من العمر 76 عاماً "علماً بأن المادة 247 (أ) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لعام 83 تنص علي عدم جواز تنفيذ حكم الإعدام على من تجاوز السبعين عاماً من عمره"
    ونحن نناشد الحكومة الكويتية الموقرة وجمعيات النفع العام الكويتية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الأفريقية والنقابات والإتحادات العربية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية العربية منها والدولية ، التدخل الحاسم والسريع من أجل وقف تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق المواطنين السودانيين المسلمين ، عبد اللطيف عمر ، محمد سالم بعشر ، تاج الدين عبد الرازق ، وخالد بابكر حمزة والذي سينفذ بتأريخ 20/1/1985.
    ومن منطلق المسئولية الوطنية والقومية والإنسانية نبدى قلقنا الشديد من أن الغرض الأساسي من هذه المحاكمات الصورية هو الإرهاب السياسي والفكري ، وهو بذلك يستهدف أمن وسلامة كل معارض ومفكر ، وينذر بالفتنة وعدم الإستقرار ويتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء)).

    مجلة مرآة الأمة:-.
    -----------------

    ونشرت مجلة مرآة الأمة الكويتية بتاريخ 23/1/1985م (2 جمادي الأولي1405هـ) تحت عنوان "من القلب.. حنانيكم بالشريعة الإسلامية !!"
    ((هل عدم تطبيق الشريعة الإسلامية نصاً وروحاً يعني الإلحاد والردة بل الكفر !! لكل دولة لا يشير دستورها صراحة الي ذلك ؟ !!
    هل كل الدول الإسلامية تأخذ بالشريعة كمصدر أساسي لتشريعاتها وقوانينها ومسيرتها ؟ !!
    إطلاقاً لا!!
    إن كثيراً من الدول الإسلامية ، لا تقتـل بالضرورة القاتل حتي ولو إعترف وأدين بجريمة القتـل .. كذلك أن كثيراً من الدول الإسلامية لا تقطع يد السارق حتي لو أقر بارتكابه إثم السرقة وموبقاتها ، العار!!
    هذه الدول برغم ذلك بلا شك إسلامية ودين الدولة فيها الإسلام كما ورد في بنود دساتيرها ولا تلتصق بها من بعيد أو قريب صفة الردة والإلحاد والكفر.. بل الكافر من يصبغ عليها هذه الصفة جزافاً !!
    إن المجاهرة أو التظاهر بسن أحكام الشريعة الإسلامية على الورق لا يعني إنطلاقها من القلوب ، كما لا تعني أنها بعيدة عن الأهواء واستغلالها لمآرب ما أنزل الله بها من سلطان بل هي الي منهج الشيطان اقرب.
    ولو أن كل قاتل يقصد القتل اللامشروع ، يقتل لوجدنا في الساحة الإسلامية رؤوس مسئولين استغلوا الجاه والمركز للإطاحة بخصومهم ، أطاحت بهم نصوص الشريعة الإسلامية السمحاء.
    ولو أن كل سارق ، قطعت يداه ، بحكم الشريعة الإسلامية لراينا ايادي كثيرة لمسئولين علي الساحة الإسلامية تنزف من جراء القطع دماً لكثرة ما نهبت من أموال شعوبها وسرقت من خيرات أبنائها !!
    إن كثيرين من المسؤولين عن الأمة الإسلامية الذين أتت بهم الصدف لإن يكونوا في هذه المناصب ، يظهرون غير ما يبطنون ويعلنون ما لا يطبقون إلا بما يتوافق مع ما يهدفون !! ويا لسوء ما يهدفون
    وإن "بعض" "الذين" "أخذوا" بالشريعة الإسلامية كمصدر لأحكامهم وحكمهم لا ترتبط تصرفاتهم الرعناء مع الشريعة السمحاء من قريب او بعيد !! هذا إن لم يكونوا قد طعنوا الشريعة في الصميم من خلال أعمالهم التي تتنافي وروح الشريعة . إن إمارة المؤمنين انتهت بانتهاء رجالها المستحقين لها قبل عشرات القرون .. ودَعِي من يدعي أنه أمير المؤمنين وخاصة في عصرنا هذا الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.
    لتستغل الإسلام كل نفس أمارة بالسوء تضمر لغيرها حقداً ولخصومها ضغينة بهدف تصفيتهم بإسم الدين والقضاء عليهم فرادى وجماعات!!
    لو أننا أخذنا بالمبررات والتهم التي ألصقت بالمرحوم الشيخ محمود محمد طه زعيم الأخوان الجمهوريين (76 سنة) الذي أقتيد الي حبل المشنقة في السودان مكبلاً بالأصفاد والأغلال والقيود وعلق فيها وهو يبتسم ونزع الحبل روحه وهو يبتسم لأنه لم يأت أذى. لو أخذنا بهذه المبررات لأصبحت شريعة الغابة هي السائدة لا شريعة الإسلام السمحاء.
    قتل الشيخ طه لأنه رفض أن تكون الشريعة الإسلامية إسماً على ورق أو طبلاً أجوف أو أداة إستغلال للمتهمين أرادها إسماً على مسمى ، ولم يردها شعاراً للإستغلال فاتهم بالردة والإلحاد والكفر كما جاء في عرف القاتلين ليكون الشنق ظلماً جزاءه !! يقولون: ايها القانون كم من أبرياء يقتلون باسمك" ويقولون: "كم في السجون من أبرياء"
    أننا الآن نعيش عصر تآمر علي الإسلام من أعداء الإسلام المسخرين ، أدعياء الإسلام لمآربهم الشيطانية حتي يطيحوا بمبادئ الإسلام الحنيفة وحتي لا يقوي وينتشر الإسلام! يقول الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم "انا أعلم منكم بأمور دينكم وأنتم أعلم مني بأمور دنياكم" .. ورحم الله الشيخ طه حيث يرقد الآن في مكان غير معروف !!
    لم يكف الجلادين في السودان قتل الشيخ المسن محمود محمد طه بل احضروا من السجن رفاقه الأربعة مكبلين بالأصفاد والقيود ايضاً ليشهدوا رقبة رئيسهم وهي تنحني لأول مرة بفعل طوق الحبل الذي لو كان يملك حراكاً لما التف حول رقبة المرحوم طه ولما شدد خناقه حتي فاضت روح البري مرتفعة الي بارئها في عليائه لترتاح من رؤية الدين وهو يستغل على هذا النحو.. احضروا هؤلاء الرفاق مهددينهم بنفس المصير.. إن "لم يتوبوا" لا أقول أين إسلام المسؤولين في السودان ؟ بل اقول أين المسلمون في كل مكان ؟! رحم الله الشيخ محمود محمد طه الذي يرقد الآن هاني البال مرتاح الخاطر في مكان جعلته السلطات السودانية مجهولاً حتي لا يكون للسودانيين .. مزاراً!!))

    القبس:-
    -------------

    "شنـق طه وهـو يبـتـسم"
    وجاء في صحيفة القبس بتاريخ19/1/1985 تحت عنوان: "رغم ضغوط مصر على نميري لتخفيف الحكم ، شنق طه وهو يبتسم" مايلي:
    ((نفذت السلطات السودانية حكم الإعدام أمس بزعيم حركة الأخوان الجمهوريين الإسلامية محمود محمد طه ، بتهمة التحريض ضد نظام نميري
    ونقلت الصحيفة عن وكالة الصحافة الفرنسية ، قولها أنه عندما حانت ساعة تنفيذ الإعدام اقتاد حراس السجن طه من زنزانة قريبة حتي وقف أمام المشنقة التي طليت باللون الأحمر واضافت أن يديه كانتا موثوقتين خلف ظهره ، وكانت قدماه ترسفان في الأغلال ، واختفى وجهه وراء قناع أحمر. ))

    إبـتـسـم:
    ومضت الوكالة قائلة ((ومن ثم صعد الي المشنقة بصعوبة ، وكشف الحراس القناع عن وجهه لفترة وجيزة ليراه الموجودون في الساحة واضافت وكالة الصحافة الفرنسية تصف المشهد ، وعندئذ ابتسم طه وقرأ موظف في السجن الإتهامات الموجهه للأخوان الجمهوريين ، ونص الحكم الذي صدق عليه نميري يوم الخميس.))
    وقالت: ((في الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي سحب الحارس قطعتين من الخشب تشبهان باباً كان يقف عليهما المحكوم عليه ، وعندئذ اصبح جسمه معلقاً في الهواء". واستطردت ((وظل الجثمان معلقاً لمدة 10 دقائق ، وبعدها صعد أحد الأطباء وأكد أن المحكوم عليه قد فارق الحياة. وأضافت الوكالة الفرنسية.. ثم حملت طائرة عمودية الجثمان إلي جهة غير معلومة لدفنه وفقاً لما أورده مصدر وثيق الصلة بالسجن!!))
                  

09-16-2007, 01:08 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    16 سـبتمـبـر 1983:
    ______________________

    فـي هـذا اليوم الأسـود الكـئيب انتشـرت قـوات الأمـن لتطبق قـوانيـن "ابوقرون وبدريـة سـليمان " وشـرعـت تراقب الـمارة وتـجـس نبض الشارع ان متقبلآ للقوانيـن الأسـلامية الـجـديـدة ام لا، وكانت الأوامـر مسـبقآ قـد صـدرت لرجال الأمـن والشـرطة الايتسـاهلـوا فـي تنفيـذ القوانيـن بلا رحـمة والايـجـاملوا احـدآ وان يـظهـروا الشـدة الـمبالغ فيـها حـتـي يدخل الرعـب فـي قلوب الـمتـردديـن والرافضـيـن.

    انتشـرت سـيارات الأمـن الـممـتلئة برجال مـدجـجـيـن بالـمسـدسات والعـصـي الـخيـرزانية والثقيلة القـصـيـرة، شـنوا هـجـمات مـفاجـئة واغاروا عـلي الـنوادي التابعـة للـجاليات الأجـنبية فـي الـخـرطوم
    " النادي الإيـطـالي، والأغـريقـي، والألـماني، والكاثوليـكي، اللبنانـي، السـوري، وأبلو " وصـادروا تـمامآ مابهـا مـن أثاثات ومكاتـب ومـعـدات ومـشروبات روحـية وقاموا بعـدهـا
    باغـلاق هـذه النوادي ووضـعـوا حـراسآ عـليها.
    واصـدرت الداخلية قرارآ باغلاق النوادي الـتي بـها انشـطة مـسائية مـثل نادي "الأطـباء، البيـطـرة،
    واعـتقلت الشـرطة النسـوةاللأئـي يـصـنعـن الـكحـول "والعـرقي والـمـريسـة" ، وراحـت تراقـب حـفلات الأعـراس وتبـعـد الرجال عـن النساء
    وتـمنع الرقـص وجـلوس الزوج مـع زوجـته. راحـت الشـرطة ايـضآ وتسـأل المارة عـن بطاقاتهـم الشـخـصيـة والويل لـمـن يكون قـد نسـاهـا او لـم يكـن قد اسـتخـرجـها، عـندها يتـم جـره جـرآ بالارض وتنهـال عـليه الضـربات بالسـياط ويقـودونـه بسـيارة مـغلقة الـي جـهاز الأمـن وعدها الـي المـعتقل بسـجـن " الـمـديـرية " وفـي الصـباح يقدم لـمحاكمـة عـاجـله ويـتم الـحكـم بجـلـده عـلنآ بـمبـني " الـمديرية " بـحـضـور رجـال الأعـلام والصـحـافة!!!.

    16 سـبتمـبـر 1983 كان يـوم بـدايـة الـهـوس الـديـنـي وعـصـر الـظـلام والأفـك. فـي هـذا اليوم راح الناس ويتـندرون عـلي نـمـيـري ويقـولون جـهارآ نهـارآ " نـمـيـري ادروش وسـلم البلـد للنسـوان!!"... " نـميـري اتـلحـس !!"... " وزارة الداخـلية بقـت وزارة الأمـر بالـمعـروف والنـهـي عـن الـمنكـر!!". راح الناس ويتسـألون " كـيف يكون النظام إسـلامـي وفيـه اتـحاد اشـتـراكـي!!?". مافائـدة وزارة العـدل اذا كانت القوانيـن تـصـدر مـن القـصـر، ومافائـدة وجـود وزيـر للعدل اذا كـانت بـدرية هـي الـمسـوؤلة القانونيـة امام النـميـري?.

    16 سـبتمـبـر 1983 يوم أسـود كـنا نـظـن انـه انتـهـي فـي 6 ابـريل 1985 ...ولـكن كل الـحـقائـق تقـول انـه مازال مـسـتمـرآ وان كـان نـمـيـري قـد انـخـلع!!.
                  

09-16-2007, 06:44 AM

maia

تاريخ التسجيل: 03-05-2002
مجموع المشاركات: 2613

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    قوانين سبتمبر التي اعادت السودان الى نقطة الصفر
    والمؤسف انه حتى الحكومات المتعاقبة بعد الانتفاضة لم تحاول ان تزيح هذا البلاء عن الشعب السوداني

    شكرا الاخ بكري الصايغ على هذا البوست حتى تكون قوانين سبتمبر ماثلة امامنا ولا ننساها وما فعلته في الغلابة
                  

09-16-2007, 08:12 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48755

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)
                  

09-16-2007, 11:37 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـة وشـريعة نـميـري ومـحكمة المكاشـفي! (Re: بكري الصايغ)

    الأخ الـحـبيب الـحـبوب،
    د. ياسـرالـمليـح،
    الأخـت الـعـزيـزة،
    مـايا،
    تـحـية طـيبة،
    والشكـر علـي مساهـماتكـما.

    عـنـدمـا بـدأ التطـبيق الفعـلي لقـوانيـن سـبتمـبـر ونزلت الـي حـيـز التنفيـذ كـنت وقتـهـا اعـمـل بوزارة الثقافـة والأعـلام. جـاءت الأوامرمـن القصـر " عـندما نقول القصـر اقـصـد مكتـب ابو قرون!!" لـوزارةالأعـلام بان تكون الوزارة اداة دفـع اعـلامـي للنظام الأسـلامـي الـجـديـد فـي البلاد!!! وان تواظـب الوزارة عـلي تكـثيـف الـمواد الأسـلامية بجـهازي الأذاعـة والتلفـزيون وحـت الصـحـف عـلي الأكثار مـن اخـبار نـجـاحات تطـبيق
    الشـريعة بالبلاد.

    الشـئ المخـجـل فـي الـموضوع ان وزير الأعـلام وقتـها كان قـد خـضـع تـمامآ للأوامـر التـي تصـله مـن (ابوقرون!!!)وهـو شـخـص لايـمت باي صـلة لمجلس الوزراء!!! وهـوشـيئ ينافـي تـمامـآ قـوانيـن "الـخـدمة الـمدنية".

    وقـد اسـتغرب العامـلون بوزارة الأعـلام واسـتنكروا ان يحـكمهـم " ابوقـرون او بدرية سـليمان " خـصوصآ وان لـم يصـدر بشأنهـما اي قـرارات جـمهـورية تعـطيـهما الـحـق فـي اصـدار توجـيهات لوزيـر الأعـلام!!.

    اغـرب قـرار اصـدره وزيـر الأعـلام ومـجـاراة للـهـوس الـديـني الـذي اصـاب كبار رجالات الدولة والوزراء انـه قام وبـحــظـر بث واذاعـة اي اغـاني فـيها كلمات عـن (الـخـمر ) او (القبل!!!). واجـتـمع الوزيـر بـمدراء الأذاعـة والتلفزيون والـمـسرح القـومـي والزمـهـم بالأنتبـاه الشـديـد للـمواد الـمذاعـة والـمبثوثة ونـوعـية الـمسـرحيات الـتي تعـرض عـلي الـمسـرح القـومـي!!!.

    مـنع الوزيـر اذعـة أغـنية الفنان سـيـد خـليفـة " قـم ياطـريـد الشـباب " لانـه وبالاغـنيـة مـقطـع يـقول " وأسـكب لـي الأعـناب!!"،

    ومـنع ايـضآ اغـنية الفنان وردي " القـمـر بووبا " بسـبب الـمـقطع الذي يـقول " نهـدك الـما رضـع جـنـي!!"،

    واغـنية " قبلـتـي السكري!!". اسـتبـدل الوزيـر كل هـذه الاغـاني الـخالـدة والرائـعـة بالـ "الـمـدائـح "...

    ............ الـتـي أدبتـنا أدب " الـمـدائـح !!!!".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de