|
لما الزمن كان زين........
|
لما الزمن كان زين .....
أيام عروس الرمال الخوالي كلها لا تنسى، كانت قمة في الروعة والجمال، في هذه العجالة أعود بالذكرى لأيام الطفولة في ذلك العهد الجميل. طفولة لا تحمل أي هم أو معاناة فكل شيء متوفر والحياة بسيطة وسهلة ومن العادات القديمة والتي اندثرت طقوس ختان الأولاد (الطهور) كانت الاستعدادات لمثل هذا الحدث تقلب (كيان) البيت فوق .. تحت تتم نظافة البيت وتجهيز حناء (ود الطهور) وتذبح الذبائح – حسب الحال – وعند اللحظة المعينة يرفع ود الطهور على الطاولة ويتم القطع (ليس من خلاف) فتزغرد الأم والخالات والحبوبات ويبكي ود الطهور و..... يضحك رفاقه ! كان ود الطهور يعامل كما العريس أو هي بروفة كاملة لعرس المستقبل... يلبس ود الطهور (عراقي) جديد ويعمل له الحريرة والضريرة ويحمل السوط وتغني الفتيات وتضرب الدلوكة ويبشر ود الطهور. كل الحي يشارك في هذا الفرح .. الخالات، الجارات يحضرن الدجاج وجنا الجداد (كان في كل بيت – كر – جداد) ليطبخ لود الطهور وأصحابه.. أقرانه في كل الحي يدخلون معه معسكر تغذية وتجدهم جميعاً حوله طوال اليوم.. (في الغالب تتم عمليات الختان أثناء عطلة المدرسة) الحالة واحدة والبيت واحد. أهلك لا ينزعجون لغيابك فأنت في بيت الطهور، لا ينزعجون لأنهم يعتبرون البيت واحد ومافي فرق. أجمل ما في هذه المناسبة أن رفاق ود الطهور يقومون بعد المغرب بجولة في الحي تتسم بالهدوء وعدم إصدار أي صوت والدخول إلى أي بيت وأخذ أي شيء (مطرف) حلة ملاح . ملابس على حبل الغسيل ... أواني مطبخ ... إلخ وهم يتسللون خارجين يطلقون صيحات عالية: العادة ... العادة ... العادة .. فيصحو من في الدار على أثر الصياح ولا ينزعجون كثيراً فقط يعلمون أن أصحاب ود الطهور قد تمكنوا من السطو على المنزل وغنموا بعض الغنائم.. في اليوم الثاني تذهب صاحبة المنزل (تصبح) على ودالطهور ولإطلاق صراح ما سلب من منزلها وعليها أن تدفع فدية عينية بيض (جنا جداد) أو نقداً تعريفة أو قرش (ما تيسر) ثم تأخذ ما سلبه (جنجويد) ود الطهور. كل ذلك يتم في منتهى الود والعفوية والمرح. الفدية تكون زيادة خير على شلة ود الطهور خاصة إن كان أهل الدار من المروقين حبتين أيضاً كان رفاق ود الطهور يضعون غصن شوك يربط بخيط ويعلق على باب غرفة ود الطهور من الداخل، و عند حضور أي زائر من الرجال ليبارك يطلقون الخيط فينزل الغصن على عمامة الزائر فيشبك بها ويرفعون الخيط ولا يحق للزائر أن يطلق صراح عمامته إلا بعد دفع فدية وتصاحب عملية القناص هذه ضحكات الجميع وأولهم صاحب العمة ! من أطرف (تكيتكات) السطو، عملية السطو على دجاج الحي .. تدخل عصابة ود الطهور للبيت المعين وتتوجه إلى (كر) الدجاج.... الدجاج ينام مبكراً بعد المغيب كعادة أهلنا في ذلك الزمان والذين يستسلمون للنوم بعد تناول وجبة العشاء مباشرة، ولأن الدجاج سوف يصدر صوتاً أثناء محاولة القبض عليه مما يتسبب في صحيان ناس البيت وبالتالي يؤدي إلى فشل عملية الهجوم فقد تفتقت عبقرية هؤلاء العفاريت بأن يرموا الدجاج ومن بعيد بقطعة من (مصران) خروف ويبدأ الدجاج في التقاطها وبلعها فيقومون بإمساك الطرف الثاني من المصران ونفخه بالفم فيندفع الهواء إلى حنجرة الدجاجة أو الديك فيسدها المصران ويعجز الطائر المسكين عن إصدار أي صوت فيتم سحبه على تلك الحال والهروب به. لا أحد يزور ود الطهور وهو خالي الوفاض، بل يحمل معه صناديق الفواكه وخاصة ذلك البرتقال الجميل (أبو صرة) والذي يلف بورق أبيض وناعم. من الطريف في عمليات الهجوم الليلي على منازل الحي أنك تجد إبن البيت المعين ضمن الفرقة بل وفي كثير من الأحيان يكون هو قائد فصيلة الهجوم ويحدد للفريق أفضل المداخل والمخارج. كل ذلك كان يقابل من الأهل بالفرح فالمناسبة سعيدة والحال واحدة والتكافل أصيل. اليوم (خلي أرجل راجل يقدر يدخل بيت زول). كان أهلنا في ريف كردفان الجميل وفي مثل هذه المناسبة يقومون أحياناً بعملية ختان جماعي لكل من وجب عليه ذلك إبن الفقير وإبن الغني مع إقامة فرح واحد تذوب فيه كل الفوارق. هذه كانت مديتنا. تعلم أطفالها أنهم أسرة واحدة، ما أجملها من أيام.
(مجلة الغرة)
|
|
|
|
|
|