|
الزواج في زمن الكارثة
|
الزواج في زمن الكارثة
تحدتث مجالس الخرطوم كثيراً عن الزيجة الجديدة ، ليس الحديث هنا بصدد كراهة تعدد الزوجات لاستحالة تحقق العدل في الفراش والنفقة ، لكن لأن هناك تبايناً واضحاً في خط الزوجين ، كما قال الشاعر العربي : أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان فهذه المعضلة التي صعبت في ذهن ذلك الشاعر وجدنا لها حلاً في السودان ، فالعريس رجل عوان بين ذلك ، فلا هو بالعجوز الهرم الذي لا تنكحه النساء إلا لماله ، وليس هو بالشاب الذي يفتن النساء بوسامته كما فعل الممثل الخجول براد بيت في أوساط المراهقات في الولايات المتحدة ، لكن مهما بدا لنا الأمر فهناك بون شاسع بين العروسين ، فعلى الأقل أحدهم تخطى الخمسين من العمر ، وهو على قاب قوسين أو أدنى من الستين ، والستين كما يقول الدكتور الترابي هي من عمر المنايا ، لأن الإنسان في هذه المرحلة يجب عليه أن يدرك بأن ما مضى من العمر لن يعود ، وعنفوان الشباب هو مرحلة مؤقتة كما يقول الله تعالى : لكل أجل كتاب ، وبهذا الصدد لا أتفق مع الذين يقولون أن الشباب يبقى في القلب طالما بقي هذا القلب ينبض بدم الحياة ، من مسعى آخر ، فإن عمر العروسة يقع في الثلث الأول من عمر العريس المزواج ، والذي تُرجح الروايات بفوزه بأربعة نساء بما فيهن هذه التحفة الجديدة ، وما أستغربه في هذا الزواج أنه جاء في غير توقيته ، خاصةً إذا علمنا أن سعيد الحظ هو رجل له باع كبير ومكانة مرموقة في صفوف حزب المؤتمر الوطني ، وهو أحد قادة الجهاد في الحرب التي شنها هذا الحزب على الحركة الشعبية في جنوب السودان ، ليس هذا فحسب ، يكفي الرجل فخراً بأنه تعهد بمنازلة القوات الأممية في دارفور ، على طريقة قول شاعرهم .: فليعد للدين مجده أو لترق منا كل الدماء وهو أيضاً من القائلين : أن القوات الأممية لن تدخل دارفور إلا على أجسادنا ، وأن دارفور سوف تتحول إلي مقابر جماعية تضم رفات جنود المارينز ، ولكن فارسنا وعريس الغفلة نجده الآن يستقبل القوات الأممية وفي ذمته عروس شابه ربما تذكره بما فاته من لهو الشباب ، لكنها لن تذكره بالوعد الذي قطعه أمام الحشود في الساحة الخضراء ، رحم الله أبو الطيب المتنبيء الذي قتلته الكلمات قبل السهام عندما خاطبه غلامه : ألست أنت القائل : الخيل والليل والبيداء تعرفني والرمح والسيف والقرطاس والقلم فقفل راجعاً وهو يقول : قتلتني يا غلام ، فقاتل حتى مات . في ليلة دخول القوات الأممية إلي دارفور لم ينسى رجال المؤتمر الوطني حظهم من الحياة الدنيا والذي جاء على حساب الآخرين ، هناك من غرق بسبب الفيضان ، ولقد أفجعني منظر ذلك المواطن ( الأصم ) الذي لم تمنعه عقدة اللسان من الشكوى لقناة الجزيرة ، هذا هو الشعب السوداني الذي تحكمه الإنقاذ ، نصفه يسبح في بحيرة الفيضانات ، ونصفه الآخر يعيش في معسكرات النزوح ، بينما يتلذذ القادة الكبار بالأنعم ، يرتدون البدلات الباريسية وهم يخاطبون العالم : إن قراركم في دارفور (Ugly & awful) ، يقتبسون لغة الممثل جون وين في أفلام (wild west) ، لكن سرعان ما بهتنا ..لأن ما كان ( بشعاً وقبيحاً ) أصبح مستحسناً وجميلاً . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
|
|