|
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار (Re: Emad Abdulla)
|
يا أنا .. القديمة يا بهنس ..
: يازول شوف ربك وين .. قالها ( اسماعين ود العاتي ) .. ود العاتي ذلك لقبه ، منذورٌ للعنف كان منذ الخليقة ، صوته أقرب لخوار ثور عظيم منه لكائن بشري .. تزيده غلظة بحة طرأت عليه من أثر ( البنقو ) .. شرهاً كان في تدخينه له ، يمص اللفافة تلو الأخري حتى صارت سبابته و الإبهام داكنتي اللون من أثر ( الحرباشة ) .. ويغلظ في الحلف بالطلاق .. ويشرب ( العرقي ) في لذةٍ نهمة دون أن يتأتيء بعد الزجاجة الثانية .. وحده . وكان عظيم الجسم .. طويلاً و ممشوقا ، كان ساعده أقرب إلى غصنٍ معروقٍ لشجرة لبخ .. أمردٌ من الشعر إلا شاربٌ خفيفٌ على جانبي فمه ، وعلى ذلك كان وسيماً إذا سكنت ملامحه دائمة الغضب تلك .. صغيرتان عيناه .. تلمعان كمن توشك على البكاء . مغرم بارتداء الـ ( فنايل الكط ) .. تبرز تكوينه العضلي أعلى ساعده .. داكنة الألوان ملابسه . مهاباً من رفاقه .. وفيهم من يفوقه جسامة . حتى رجال الشرطة كانوا يعبرون ( خانته ) سائلينه ( إصطباحية ) أو للتحية والقربى .. ولا يجرؤون علي بنت شفة في حضرته سوى : كيفك يا معلم ؟. يا بهنس .. كنت يومها أجالسه ، كان يتعامل معي بشكل مختلف أعتقد .. فلم أكن أزعجه بكثير الكلام .. كنت أكتفي بمتابعة الداخلين والخارجين .. والحوارات الغريبة .. يشدني كل ذلك و يسرق مني زمني محاولاً نحت كل تلك التفاصيل في ذاكرتي ، كانت كل عناصر الحياة تمور في قمة دراما قاع المجتمع هناك ، كان ود العاتي يهتم بأن تُلبىَ راحتي في جلوسي هناك على دكةٍ جرداء من طينٍ لبنٍ .. وضِعت عليها بضع بواقٍ من ( كراتين ) ونُصبتْ أمامها طاولة حديدية عتيقة .. لا لون لها . مضى الوقت لزجاً .. كان في مزاج عاصف هو يومها ، استعذت من الشيطان واقفاً .. رمقني .. وهدر صوته : شنو ياخينا ؟.. متخارج وين ؟.. قلت : ماشي .. عندي حاجات داير أخلصها .. برجع بالليل .. ليه ؟؟. أجابني وصوته تلونه مسحة غضب جلية : يازول جكك .. دايرك أنا في موضوع كده . ابتلعت ريقي جالساً . اعتدل هو : داير أتخارج عُمرة يا أخو .. و الوهم ديل مادايرين يخارجونا .. أنا محضور ( محظور ) .. إنت ناقش .. صاح ؟ .. قلت : صاح .. لكن أنا دايرني أعمل شنو ؟.. إعتدل أكثر : تعمل لي أي نظام في الجواز بتاعي .. إنت رسيم .. صاح ، يعني أي مكنة كده تدقّس بيها الفارات شغالة يا معلم . لم أجد حينها ريقاً ابتلعه .. فابتلعني خوفي . كان الطرق العنيف على الباب مخرجاً لي .. توجست خيفة من إلحاحه المريب المريب ذاك .. ( أتكون الشرطة ؟؟ ) .. تململت في قسوة الدكة تحتي . صاح هوَ هادراً : عبدووو .. شوف المغشم الفي الباب منو . ولم يكن ذاك باباً يا بهنس .. كان درعاً من الحديد فوقه متاريس و أقفال و ترابيس .. كنت أستعيذ أكثر و أرقب عبدو ينظر من ثقب الباب . : شنو يا طارة ؟.. براحه يااا . . قالها عبدو قافلاً إلي ود العاتي ، صرخ الصوت خلف الباب بعدها : شوف لينا حاجة يا معلم .. أي حاجة . كنت أقفز واقفاً حين أخرج ود العاتي صوتاً أشبه بماكينة الديزل القديمة لسيارة عبدالمنعم أب قُرط : يا زول شوف ربك وين .. ما عندنا حاجة ليك .. اتخارج . تلت ذلك أصوات وأحداث و صريخ و عواء .. سبابٌ كثيرٌ و ( كركبة ) ... كان ذلك الباب الحديدي يُفتح في صرير عالٍ .. و ترتفع ذراع ودالعاتي كشجرة عظيمة ثم تهوي بعنف وهي حاملة ( فرار ) .. لترتفع مرة أخرى مغمورٌ نصلها تماما بالدم .. يتناثر في كل تلك ( الراكوبة ) التعسة .. ثم من جديد يهوي جذع الشجرة ذاك .. أعنف من ما يكون . ، لم أدرك أن ذلك حقيقي إلا و أنا أهم بخلع بنطالي .. حين رأيت نهايته السفلى كأن غُمِستْ في الدم .قفزت فوق الجسد المسجي على الأرض المبتلة في فتحة الباب .. إلى هواء الزقاق المتعطن .. تتبعني الأصوات والصراخ .. كان كل شيء يبدو كالطيف أو .. نشوة السُكر . غبت طويلاً عن ود العاتي بعدها .. عرفت أنه ما من شيء حدث له إثر تلك ( الحرب الدموية ) .. سوى أيامٍ في الحراسة ( بيته الثاني ) .. ثم عاد إلى القاع .. هناك . لقيته بعدها في المقابر .. كانت جدته هي المتوفاة .. و الجمع المشيع يتجنب دموعه الطفولية .. و ضعف ما عهدوه في الرجل ، كان يبكي بألم كبير و يجهش بأكبر .. و الصوت - الثور العظيم - يندفع حزينا و نائحاً ، لم أقو علي التصديق أنه ذات الرجل الدموي .. ذات الرجل - الآن - يدعو إعياء روحه لأن تحتضنه كطفلٍ يتيم .. كان داخل ( ود اللحد ) .. يضع ( الطينة الباردة ) تحت رأس جسد جدته وهو ينهنه نحيباً ( يقطع القلب ) .. ثم ينهال بالتراب عليها في رفق .. و تخرج كلماته الدمعية : مع السلامة يُمه .. الله معاك .. الله يرحمك يُمه .. الله يرحمك . حين مددت له يدي مغادرا المقابر .. - مواسياً للمرة الأخيرة لأندس في الجموع المغادرة - دفع بيدي بعيداً .. واحتضنني .. وبكى صامتاً و طويلاً .. : بقيت براي يا أستاذ .. شفت الدنيا دي لئيمة كيف ؟ ..
ود العاتي .. تأخذ الأرض منه طعمها ولونها .. هناك في القاع المنسي .. حيث دورة الحياة الحقيقية .. ورائحتنا التي نخجل منها .. و نستعلي . والعتمة الأبدية القائمة من صنعنا .. ............. أباردةٌ جبال الأورال الآن ؟.. هناك في صقيع الشمال ؟ أخرجها - حواري أم درمان - من تجاويف القلب .. والتحفها .. . ونُمْ ... يا بهنس .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | Emad Abdulla | 02-26-06, 07:50 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 02-26-06, 09:53 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 02-26-06, 09:59 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | أبوذر بابكر | 02-26-06, 10:18 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | أبو ساندرا | 02-26-06, 10:19 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | عصام عبد الحفيظ | 02-26-06, 02:20 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | معتصم الطاهر | 02-26-06, 04:36 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | طيفور | 02-26-06, 05:45 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 02-27-06, 01:42 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | Emad Abdulla | 03-27-06, 07:54 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-27-06, 05:02 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | خالد الأيوبي | 03-27-06, 11:09 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | طيفور | 03-28-06, 00:48 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-28-06, 05:30 PM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد سنى دفع الله | 03-29-06, 02:27 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | ali elhassan | 03-29-06, 02:35 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 04:32 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 04:37 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 05:15 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | ali elhassan | 03-29-06, 05:34 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 05:53 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | Tumadir | 03-29-06, 06:18 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 08:19 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | Emad Abdulla | 03-29-06, 06:43 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | safwan13 | 03-29-06, 06:52 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 08:38 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 08:40 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 08:49 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-29-06, 08:55 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد عبد الله شريف | 03-30-06, 01:51 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | معتز تروتسكى | 03-30-06, 05:07 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-30-06, 08:13 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | محمد بهنس | 03-30-06, 08:31 AM |
Re: ( بهنس ) .. آخر طعمٍ للبهار | معتز تروتسكى | 03-31-06, 05:22 AM |
|
|
|