|
عزة في هواك
|
من النكات الطريفة في عهد المشير نميري، تم القبض على أخد المخبولين وهو يوزع (باكتة) أوراق بيضاء، مما لفت أنظار رجال الأمن، فألقوا عليه القبض بتهمة توزيع منشورات وتمت مصادرة الأوراق وجمعها من المارة.. ولكنهم وجدوها أوراقاً بيضاء ليس عليها حرف واحد.. فسألوا صاحبنا عن الأوراق (الفاضية) فرد عليهم مازحاً (هو الحاصل ده محتاج لي كتابة؟!). بعد إقامة امتدت لخمس سنوات عجاف قضيتها بعيداً عن الوطن وعند عودتي كان لابد أن أتوجه إلى حبيبتي أم درمان مقتفياً أثر أيام زاهيات وأصدقاء كثر من أبناء ام درمان (زهرة المدائن السودانية). هناك لفتت نظري لافتة كبيرة على شارع الأسفلت أمام سجن أم درمان وليس على بوابته كتب عليها بخط واضح .. بارز .. وجميل (سجن النساء) .. تذكرت سيئ الذكر (الساير) سادن سجن الخليفة.. ذلك السجن الذي كانت تضم جدرانه العديد من المعارضين لنظام الخليفة (ود تورشين) وعلى رأسهم الأشراف.. كما ضم ذلك السجن البغيض أعظم قادة المهدي مثل (الزاكي طمل) الذي فاضت روحه بين الجدران و(استضاف) سجن الساير بعض رموز القبائل مثل الحردلو وبعض شيوخ الصوفية من (الصادقاب) ولم ينس الخليفة تزيين محبسه ببعض سجنائه من الخواجات) مثل سلاطين باشا أو (شواطين) كما كان يحلو للخليفة مناداته. انفعل رفيقي الذي استفزته اللافتة وعلق قائلاً: (هو المسألة محتاجة إلى لافتة بهذا الحجم .. ما السودان كلو سجن كبير للنساء). معللاً قوله بحقوق المرأة المهضومة في ظل التوجه الحضاري ومحاكم التفتيش التي نفذت عقوبة الجلد المهينة على طالبات الأحفاد بتهمة ارتداء (الجينز). مررت الأسبوع الماضي بالقرب من القسم الشرقي بالخرطوم فلفتت نظري الجمهرة واكتظاظ المكان بالفضوليين الذين تجمعوا ليشهدوا تنفيذ عقوبة الجلد على بائعات الشاي والفول.. الخ، فاحترمت نفسي ولزت خطاي بعيداً وغادرت المكان مسرعاً وأنا أردد قول صديقي (هل كان السجن محتاجاً إلى لافتة بهذا الحجم.. ماهو البلد كلها سجن كبير للنساء). بعد أن فقدن آدميتهن وعفافهن بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة.. فنعم بهن أصحاب العربات الفارهة المظللة الأبواب من رجال الأعمال الذين ظهروا فجأة مثل النبت الشيطاني بسبب الكوتات والسوق السوداء وتصاديق أهل الثقة وعصابات التنزيل الذين أساءوا للإنسان السوداني في المهاجر العربية.. فجأة تذكرت مقطعاً من قصيدة طويلة بالعامية كتبها أحد الأصدقاء يقول في مقطع منها: بكت الصبية على الفحولة على الرجولة سبوها عن قاضي النظام جلدوها في عز النهار حبست دموعه، إتلفحت هدم المذلة خنقت لهاته العبرة وانبهم الكلام يحدث هذا في ربوع وطن نبيل .. ونحن لاذين جعلنا من أغنية (عزة في هواك) نشيداً مرادفاً للنشيد الوطني اعتداداً بالمرأة السودانية التي غناها الخليل في قصيدته الشهيرة. سأل أحدهم خليل فرح عن معنى (عزة) فرد الخليل قائلاً: (عزة يا فاو هي الوطن) وكلمة فاو تعني الأجوف مستنكراً عدم إدراك حقيقة الوطن الذي تمثله عزة وحقيقة عزة التي تمثل الوطن والأم والأخ، والزوجة، والحبيبة، والصديقة، والزميلة. وكان ذلك اعتداداً عظيماً بالمرأة الوطن ذلك الذي صار سجناً كبيراً لرفيقات عزة بعد أن كان وطن عاتي وشامخ وفسيح يلفه الحب والتسامح وصفاء النفوس والعفة والطهارة.. والوطنية الصادقة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|