|
Re: وجوه وزكريــات مــن مـديــنة نــيالا (Re: اسماعيل عبد الله محمد)
|
عبد الحي الربيع الملح الطافح بالاحزان
لم اقل انني بدأت اعلق جراحي... جرح الفقد... وجرح الفراق ... منذ ان حدثتك طويلا عن اخر وجه لي دفنته خلف ظلال الذاكرة ووطأه رحيلك المفاجئ بلا رأفة. لم اقل انك حدثتيني طويلا عن الفجر يوم كان القلب كله من اقصاه الى اقصاه يغني مع فيروز "رحلت في الغياب مرتين" كان جسري الخشبي يسبح في انهار الانتظار الطويل ... كانت عيوني ترحل فيك تبحث عن وجودي واشارات الطريق الحمراء تسد كل المعابر والمنافذ والدروب. كان نبت الامل ينمو سامقا كالنخيل... لكنك دائما يعسف الموت على رغبات الفرح ويبصق على اقدامي الغبراء بلا رحمة عندما يمد اسنانه اللامعة داخل صالونات ودهاليز قلبي المتعب لتحرير شهادة الموت الفظيع. كلما فتحت بابا لشعاع الرجاء فتح الموت الف باب وباب من الفقد والفراق ليعصف بلهب الترجي الخفيض ويسوقنا كالجرذان الى بوابات الللا لقاء نعم كالجرذان. صادرت ضوء القمم في البيادر... سرقت رحيق الازاهر... ومزق ورق المواعيد الاكيدة للحلم والحب النبيل... ضاع الحلم تبدد كالدخان ذلك المشتهى النبيل وصارت البيوت صامتة الجدران والافواه والقلوب وتسلل وباء وطاعون "عدم شفوفتك يا بروف المضمخ بالملح الطافح بالاحزان" الى جسدي المتعب الراقد على ارصفة الفرح المهاجر والوهم الكبير. وصوت فتاة زين العجيبة المشؤوم يرد لي "عفوا هذا الموبايل مغلق حاليا" حينها فقط ادركت اني اول شخص يتأكد برحيلك المفاجي اذ كنت اخر من تحدث معك ذات يوم رحيلك عند الخامسة صباحا كعادتي دائما في اول ايام العيد اهنيئك ونرسم خارطة زيارات الاهل والاصداء،اذكر جيدا ما قلته لي كانه الان ي دكتور انا الان في المطار ماشي تلودي واول ما ارجع بتصل عليك من المطار بمش معاك البيت اخد راحة واتونس مع درة الحلفاية (هكذا يسمي زوجتي) وبعدها نزور الاهل والعشيرة والاقربون والمحبون.حين فلا واصلت حلمي ولا الموبايل المتخاذل اتاح لي ان ارى شمسك المضيئة. ولا قلبي الضعيف المتعب نال رضاه. اخي عبد الحي فقدك المفاجي اجبرني ان ادخل تابوتي وانصب خيامي فوق مقبرتي... صادرت عروقي... اطفأت بريق عيوني... باعني في بورصة الضياع الكبير قبل ان تكون طائراتنا هي "عكاظ الشر السوداني الجديد" في هذا الزمان الموبوء بالقروح والدمامل وانسدادات الطريق. لماذا؟ لماذا؟ لماذا كل هذا الشره في خطف الجمال والنبل من دنياي وهو اصلآ قليل وشحيح؟ لماذا لم تترك لي حتى برهة نفق او ضوء قمر؟ ... او فرصة اضمد فيها جراح الروح؟ .. لماذا؟ لماذا؟ لماذا دائما حصادك فادح؟... لماذا؟ لماذا؟ ايها الموت لمذا تنتقي ويتخير الانقي والأجمل والأنبل عندي... وعبد الحي كان دائما وابدا يحاول ان يجعل الدنيا أكثر جمالآ وأقل قبحآ، احاول اشاعة العدل والحق وأن تكون الدنيا مكان يليق بالبشر... لماذا؟ لماذا؟ ياعبق الربيع... وانت تعبر أرخبيل الموتِ والحزنِ والعدمْ... وككل مرة تخنقنى الكلمات الخرساء... لا شئ... لا شئ البتة اخي يخفف عنى هذا الفقد والالم الموجع... لا أعزى نفسى... يا عبق الربيع... لأكفكف هذا اللغو الماسخ... ودمعى لا يكفكفُ... ألا تدري بأنكِ الاخ الذي لا بديل لهُ إلا إياك؟... فقد ركعت تحت قدميكِ كل قداسة اللغات... بأيِّ حرفٍ أبكيك ؟ وقد شهقت كل كلماتي ولم تعرف طريقاً للزفير... ما هي هذه الحياة التي تطغينا بعنفوانها؟... امتلئ بها. ثم إذا انا كرسومات صبي على كثيب رمل. تمحوني أول هبة ريح... لم اكن ادري بأني سوف أجرب إحساس الموت... لم اكن أعلم أن في الوجع بقية... اتذوق طعم الموت مرة أخرى بعد فقدي خالنا الاكبر عمر الربيع. ذات الذهول والألم... ذات الجزع... أقلب كفيّ... خاويتان... إلا من الدموع... لماذا تموت الاحلام؟... إن الاحلام موجعة جدا... تفاصيل الاحلام الصغيرة... إنها لعنة الاحلام... من لي بإخراج الاحلام من رأسي؟... ليت الاحلام كانت لها تواريخ صلاحية... كالمعلبات ... تنتهي بعدها... ربما جنبني ذلك عودة الوجع... مرات و مرات... فانا وحدي مع الأخرين... فكيف يكون حالي وحدي بلاك؟... هل سمعت بمقتل انسان في كنف الفجيعة فلك يا صديقتي القدح المعلى وأجنحة المسافة والزمان والخاطر المعطار وأجنحة المسافة والزمان والشوق الحنان... لك القلب المعذب ... لكنني آليت أن أبكي وحيداُ لايرافقني سكات... لك ما سابقى مابقيت منادماً جرح الأناس الطيبين... لك همستي وبشاشتي ونقي الضمير... لك القسمات بالقسم المغلظ واليقين... لك نداوتي وقصائدي... ولك السنين... لتموت في اعماقي بعض من حنين في الحنين .... اخي... بقي علي ان اقول ان على اصحاب الشموع الجديدة ان يحصنوا منها الضياء فإن هذه العواصف لا ترحم اجل انها لا ترحم...
انه ابن خالتي الوحيد الذي استشهد ضمن ركاب طائرة تلودي اول ايام عيد الفطر المبارك اعزي نفسي واياكم في ابن مدينتنا وابن حي الوادي ولا املك الا ان اقول انا لله وانا اليه راجعون
| |
|
|
|
|