مواضيع توثقية متميزة

العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 03:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-11-2005, 01:34 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العلمانية في المشروع القومي الديمقراطي

    جاد الكريم الجباعي



    تقّدم العلمانية، غالباً، على أنها فصل الدين عن الدولة. وهذا ليس بعيداً عن الصحة ولا مجافياً الصواب. لكنه، فضلاً عما يحمله من تبسيط، يثير مشكلتين:

    أولاهما تحويل العلمانية إلى شعار، يمتلئ كغيره من الشعارات بمضامين أيديولوجية، وبشحنة من الاستفزاز والتحدي تخرج الموضوع من ميدان الممارسة الفكرية من أجل الممارسة العملية وبدلالتها، إلى ميدان المماحكات اللفظية.

    والثانية صرف النظر عن حقيقة أن العلمانية عملية تاريخية، سيرورة تقدم في التاريخ وفي المعرفة تنطلق نحو نقطة استهداف مركزية هي فصل الدين عن المؤسسات السياسية والاجتماعية والثفافية بوجه عام، وعن الدولة والمدرسة بوجه خاص. تحرير الدولة، والسياسة، من الدين وتحرير الدين منهما، وإقامة العالم الواقعي للإنسان بنزع القناع عن الأشكال "المقدسة" والأشكال غير المقدسة لاستلابه الذاتي.



    إزاء موقف ديني من السياسة، لابد من تحديد موقف سياسي من الدين. الموقف السياسي من الدين يتقوم باخراج الدين من إطار الممارسة الاجتماعية - السياسية إلى اطار الممارسة الشخصية، وضمان حرية الفكر والاعتقاد، وحرية ممارسة الشعائر والعبادات ولما كانت الممارسة الفردية غير ممكنة إلا في إطار جماعة أو مجتمع، فإن المؤسسة الدينية هي الشكل الجماعي لهذه الممارسة الفردية.



    وفي جميع الأحوال إن فصل الدين عن الدولة والمدرسة لا يعني طرد الدين من مملكة العقل والمعرفة، أو إخراجه من التاريخ، بل على العكس، بسط سلطان العقل على كل ميادين ومجالات العمل والمعرفة، وإظهار تاريخية العقل الذي أنتج التمثيلات أنتج التمثيلات المقدس المتعالي، واغترب، أو أضاع نفسه فيها. وإظهار التوتر والتنابذ بين الأسطوري والعقلاني، بين الأيديولوجي والواقعي في الفكر والثقافة، وآليات انبثاقهما وتداخلهما وتخارجهما في نطاق الصيرورة الاجتماعية. العلمانية، و ذروتها فصل الدين عن الدولة وعن المؤسسة التعليمية، هي تتويج لحركة تقدم عليها أن تنجز قبل تلك الذروة ومن أجلها: تحديث الفكر عموماً والفكر الديني خصوصاً، دحض وتفنيد الأيديولوجيا، التقليدية، تصفية البنى والعلاقات ما قبل القومية واستئصال عوامل التنابذ والشقاق والصراعات العمودية.. وبكلمة، توفير الشروط الضرورية لبناء الدولة القومية الحديثة، الدولة الديمقراطية، وبناء المواطنية الحديثة. وفي مقدمة هذه الشروط تحقيق الاندماج القومي أي حل مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية حلاً علمانياً، وحل مشكلة الأقليات القومية حلاً ديمقراطياً، على اعتبار أن مشكلة الأقليات هذه هي مشكلة الأكثرية.

    المشروع القومي الديمقراطي، ذو الأفق الاشتراكي، يقتضي ضرورةً، إطلاق مشروع معرفي ملازم. والعلمانية عنصر بناء أساسي في المشروع السياسي وفي المشروع المعرفي على السواء. ذلك لأنها مدخل ضروري إلى العقلانية وجذر للديمقراطية، وأساس في بناء الدولة القومية. وتشكل مع الديقراطية مضمون القومية الحديث.



    في الوطن العربي تواجه العلمانية بمواقف مختلفة ومتباينة، يجمعها قاسم مشترك هو رفض العلمانية، مجابهتها أو الإزورار عنها.

    فالفكر الديني يضعها في معارضة الدين، ويرميها بالزندقة والإلحاد. كما ترميها تعبيراته واستطالاته "العصرية" بالتخريب، وترى فيها مظهراً من مظاهر التبعية للغرب،وتعبيراً عن هيمنة "النخبة" المتغربة.

    والفكر القومي بشقيه التقليدي، والتقليدوي الجديد، يحولها، بسبب من ازدواجيته، إلى ثورية سياسية ومحافظة أيديولوجية، يحولها إلى شعار فارغ من أي مضون، ويعزلها عن إطار الممارسة النظرية والعملية، وعن إطار المشروع السياسي النهضوي.

    إن تقليدويته، عفويته وشعبويته، ولا تاريخيته، حولت قوميته إلى دين وجعلت من الدين (وهوهنا الإسلام) مضموناً للقومية يتظاهر في اللغة والتاريخ والثقافة والعادات والأخلاق ووحدة الشعور والمصير.. ووحدة الأرض.



    والفكر الماركسي الدوغمائي ذو الملامح الستالينية أشاح عن العلمانية جملةً وتفصيلاً، في سياق إ شاحته عن القومية والديمقراطية. فالماركسية في نظره تجب ما قبلها، وليس ثمة علاقة بين العلمانية والعقلانية والقومية والديمقراطية والاشتراكية. فكل منها تنتمي إلى عالم خاص مختلف، وعالم الماركسي الدوغمائي هو ملكوت الاشتراكية وحسب. وفي القراءة الستالينية للماركسية - اللينينية تكمن الحقيقة الناجزة، والمطلقة، وفيها علم ما تقدمم وما تأخر.



    كما أن عملية الانتقال، الجارية الآن في الوطن العربي، من الدين- المعتقد إلى الدين - الملجأ او الملاذ، وبروز الدين الإحتجاجي والأيديولوجية الكفاحية بسبب من الهزائم المذلة التي منيت بها الأمة، وتنامي الاستبداد، وتراجع الحركة القومية الديمقراطية والاشتراكية، وإخفاق الأيديولوجيات الليبرالية والقومية والماركسية والستالينية، وتنامي الهيمنة الإمبريالية، واشتداد وطأة التبعية والنهب والاستغلال.. وازدياد حدة التناقضات الاجتماعية ـ السياسية مع غياب الوعي المطابق بهذه التناقضات وبحاجات التغيير.. عملية الانتقال هذه تحاصر التوجهات العلمانية وتقلص أكثر فأكثر حظوظ العقلانية وتحول حركة الاحتجاج السلبي على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حركة ارتداد معادية للتقدم والعلمانية وحرية الفكر والإبداع.



    حركة ارتداد تقودها الجماعات الدينية المتطرفة التي هي الوجه الآخر لعملة النظم القطرية المستبدة لخدمة مصالح وأهداف الفئات والقوى الاجتماعية السائدة والحاكمة، والتي تخدم في نهاية المطاف في الحفاظ على البنى والعلاقات والأوضاع القائمة وخصوصاً الدولة القطرية.

    نقد هذه المواقف، ونقد الحرب الأهلية المتفجرة في لبنان وجنوبي السودان والكامنة في أقطار عربية أخرى، و الكشف عن عواملها وأسبابها الثاوية في بنى وعلاقات المجتمع التقليدي التابع والمستباح، ونقد واقعة نقص الاندماج القومي، وتشظي الوعي العربي وتأخره..



    يستحضر العلمانية ويجعلها ضرورية وراهنة، ضرورة وراهنية المشروع النهضوي نفسه.

    إن التناقض الاجتماعي - السياسي بين قوى المحافظة والتقليد الرجعية من جهة، والقوى الثورية من جهة أخرى، والذي ينعكس، على الصعيد الثقافي، تناقضاً بين القومية التقليدية ذات المضمون الديني والقومية الحديثة والثورية ذات المضون العلماني - الديمقراطي، يؤكد أن ضرورة العلمانية وأهميتها وراهنيتها تتناسب طرداً مع عداء القوى التقليدية المحافظة لها، وذعرها منها.

    الازورار والصد عن العلمانية الذي تبديه الأيديولوجيا العربية التقليدية، والذي يعكس موقفاً محافظاً واستثنائياً، يحرم الفكر العربي من أمكانية استثمار الغنى والتنوع الذي تنطوي عليه التعددية ويسد قنوات التواصل والحوار والتفاعل الخلاق بين القوى والاتجاهات والتيارات والمذاهب السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة والمتباينة ويحول بالتالي دون توحيد الوعي العربي وتحقيق الهوية التي تعني وعي الذات بدلالة الآخر على إعتبار أن الإنسان هو مرآة الإنسان.



    لذلك كان لابد من تقديم العلمانية، والكشف عن منطوياتها السياسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية، والكشف كذلك عن علاقاتها الجدلية بالعقلانية والديمقراطية والقومية، وموقعها في المشروع النهضوي العربي، مشروع الثورة القومية الديمقراطية.



    ـ العلمانية لغوياً مشتقة من العلم ( بفتح العين ) والعالم، العالم الدنيوي، عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وإذ يغيرون أشكال الطبيعة إنما يغيرون أنفسهم أيضاً، البشر المعرفين بالعمل، والإنتاج وصنع الأدوات وبالتالي بالعقل والمعرفة والحرية، البشر الذين أثناء إنتاجهم الاجتماعي لحياتهم " يدخلون في علاقات محددة وضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل مجموع علاقات الانتاج هذه البنيان الإقتصادي للمجتمع،أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وأشكال إجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام ليس وعي الناس بالذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.."(1).



    هذا التحديد اللغوي يلقي ضوءاً على مفهوم العلمانية كنمط من الحياة حيث الدين مقابل الدنيا، وحيث استقلال العقل عن المسبقات الدينية، وحرية الفكر ضد احتكار التقليد الديني للمعرفة، كل ذلك في إطار نظرة إلى الإنسان على أنه مقياس القيم وهدف كل تقدم، ومحور العالم.



    ـ " وحسب الإيتمولوجيا ( علم أصول الكلمات ) فإن كلمة Laicos اليونانية تعني الشعب ككل، ماعدا رجال الدين، أي بعيداً عن تدخلهم في حياته في لاتينية القرن الثالث نجد Laicos تعني الحياة المدنية، أو النظامية كما كانوا يقولون في ذلك الحين.. وهكذا يحصل التمييز مابين الشعب الذي يعيش حياته الخاصة بكل معطياتها، و رجال الدين الذين يتدخلون من أجل ضبطها irijular بطريقة ما " (2)

    المعنى اليوناني، وكذلك اللاتيني للكلمة يحيل على التعارض بين أكثرية الشعب التي لها ثقافتها الشفهية، وأقلية ذات ثقافة "رفيعة" أو عالمة، أقلية تستخدم الكتابة التي كان لها بعد سحري، ديني، ومقدس. إن امتلاك الكتابة كان يتيح لرجال الدين سلطة حقيقة، سلطة الهيمنة،والتدخل في حياة الشعب. هذا التناقض بين الأكثرية والأقلية هو مظهر فرعي من مظاهر التناقض الأساسي الذي يحكم السيرورة الاجتماعية.



    إن المحتوى الأكثري، الشعبي للعلمانية، ورهانها التاريخي، يتكشفان في مواجهة "التضامن الوظيفي" (3) بين الدولة المركزية (السلطة) والكتابة، والثقافة الحضرية العالمة، والأرثوذكسية المؤسسة للسيادة العليا والمشروعية. هذا التضامن الذي يحاول ضبط وتنظيم حياة الشعب (العامة، الرعاع، الدهماء - سواد الناس... ) وفق مصالح وأهداف الأقلية السائدة والحاكمة.



    التناقض بين رجال العلم والمفكرين العقلانييين من جهة وبين التيولوجيين والمدافعين عن التقديس وعن الدين، سدنة الحقيقة المطلقة من جهة ثانية، تعبير عن الصراع الاجتماعي - السياسي الذي يخترق التاريخ البشري. ومن هذا الصراع بالذات تستمد العلمانية مقوماتها ومشروعيتها.



    إن تاريخ الإنسان، إنسان العمل والمعرفة و" الإيمان" هو في أحد وجوهه ومساراته العميقة تاريخ الاتصال والإنفصال، التجاذب والتنابذ، التداخل والتخارج بين السحر والمقدس والدين من جهة و العلم والفلسفة والعقل من جهة أخرى.



    ـ على المستوى الحياتي أو الوجودي للفرد، ثمة تناقض لا يجوز إهماله بين الرغبة والحاجات التي تمليها الدوافع الطبيعية، و " إلحاح الفهم والتعقل " الكامن في أعماق الإنسان والمعبر عن خصائصه النوعية، هذا التناقض لا يفصح عن نفسه إلا من خلال علاقة الفرد بالطبيعة، وعلاقته بالأفراد الآخرين أي من خلال العمل الاجتماعي، من خلال تلك الشبكة المعقدة من الظاهرات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية. إن عمليات التوصيف الأيديولوجي للفرد التي يلعب فيها الدين دوراً أساسياً والتي يعيد المجتمع من خلالها إنتاج نفسه في الأفراد وفي العلاقات الاجتماعية، تحاصر في الفرد خاصية الفهم والتعقل، تحرفها أوتخنقها، وتجعله يرى بعين المجتمع ويفكربعقله.

    "ضمن الخط النضالي من أجل الفهم والتعقل، يندرج تاريخ العلمنة ". (4)



    التوتر الداخلي بين الرغبة والتعقل على مستوى الفرد المحدد بالنوع والمجتمع، والمعرف بالعمل الاجتماعي يشير إلى جدلية تطور الحاجات وجدلية تطور المعرفة بالتلازم، وانتقالها من المعرفة الحسية المستندة إلى التجربة الحسية والملاحظة المباشرة التي مكثت في الذاكرة الجماعية، إلى المعرفة العقلية التي تشمل التصورات الأسطورية والفلسفية التي تنعكس فيها الروابط والعلائق والقوانين العامة للواقع الموضوعي على نحو خاطىء أو صحيح، والتي مكثت كذلك في الذاكرة الجماعية، وفي الممارسة الاجتماعية على صورة حقائق إجتماعية شغالة.. ثم إلى المعرفة العلمية التي تعنى باكتشاف الحقائق الموضوعية ( الحقائق العلمية) وقوانين الطبيعة والفكر والتاريخ، المعرفة العلمية الناجمة عن بسط سلطان العقل على سائر ميادين الحياة ومجالات عمل العقل. لذلك فإن العلمنة كانت دائماً حاضرة في تاريخ الإنسان.

    الرهان الفلسفي والتاريخي للعلمانية هو الانتقال من المعرفة الإسطورية إلى المعرفة العقلانية، من الوعي الأيديولوجي إلى الوعي الواقعي العلمي.



    إن التوتر الدائم والمستمر بين الأيديولوجي والواقعي، يجعل مسألة العلمانية راهنة دائماً في التجربة البشرية إن عدم إمكانية حسم معركة من هذا النوع حسماً تاماً ونهائياً، عدم القدرة على تصفية الخصم دفعة واحدة وإلى الأبد، يفتح مجال التشكك، ويطلق شتى الأوهام من عقالها. لذلك ينبغي التأكيد أن العلمنة هدف يتطلب افتتاحاً باستمرار مادام التتناحر الاجتماعي - السياسي قائماً ومستمراً بين الطبقات،لأن الإنسان لا يبدأ إلا حيث ينتهي القهر والاستغلال.

    إن استمرار شكل معين من الوعي الاجتماعي (الدين مثلاً) على مر العصور يؤكد أن القهر والاستغلال والاستلاب هي القاسم المشترك بين هذه العصور جميعاً حيث الثورات الاجتماعية كانت دائماً، وإلى عهد قريب حداً، في مصلحة الأقلية (5) (الثورة الأشتراكية فقط في مصلحة الأكثرية) وحيث للأيديولوجيا، فضلاً عن وظيفة التبرير والتسويغ، وظيفة تكييف أو توصيف الأفراد وفق هذه المصلحة.

    ـ حصر العلمانية في المجال الثقافي، ومعارضتها بالدين يحول العلمانية إلى الحاد فارغ، وبدون أن ننفي أو نتجاهل وجود تيار علمانوي، الحادي، نؤكد أن العلمانية ليست نقيضاً للدين، ولا حتى نقيض التعصب الديني إنها ضد الوثنية وضد سلطة رجال الدين، وتدخلهم في حياة الإنسان، وضد سلطة النصوص والأرثوذكسيات على اختلافها، دينية وغير دينية، ونقيض دين محدد في لحظة محددة وظروف وملابسات محددة. دين كف عن كونه انسانياً وعقلانياً ومستقبلياً. وهي، أي العلمانية، بالتأكيد ضد المذهبية بوصفها حركة نقض ودينامية تدمير ذاتي للمجتمع والأمة، وللثقافة والاخلاق.



    إن الغاء المذهبية لا يعني الغاء المذاهب، بل على العكس، يعني إلغاء الحواجز التي تحول دون تواصلها وتفاعلها واندماجها، ويعني توحيد وعي الأمة بذاتها واعادة بناء هويتها على أسس أموية وديمقراطية، وذلك من خلال كشف العلاقات والروابط بين "السيادة العليا" (6) والسلطات السياسية في التاريخ العربي - الإسلامي، ومن خلال الكشف عن تاريخية العقل العربي وآليات تكون الأرثوذكسيات والعقول المنافسة في إطار الإسلام وضمن المشروطية الأجتماعية، وإبراز الدور الإيجابي لتلك العقول المنافسة بغية تقييم مفهوم العقل العربي - الإسلامي التعددي والديالكتيكي. (7)



    ـ العلمانية، علىالصعيد المعرفي، تعني تحرير العقل من المسبقات والمطلقات، تحرير الفكر من الأوهام والخرافات وتحرير الإنسان من العبودية التي تمتد جذورها إلى تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة، وتركز الثروة وظهور الطبقات... والدولة والدين وظهور سلطة الدين ودين السلطة، العبودية التي تنفي حرية العقل فتنفي كل حرية سوى حرية الأعمى أن يظل أعمى وحرية البشر المسحوقين في الموت جوعاً وقهراً إن التسليم بأن ثمة مصدراً واحداً وحيداً للمعرفة هو السماء، وأن للظاهرة سبباً واحداً وحيداً، قائماً خارجها، وأن الحقيقة قد انبثقت في التاريخ مرة واحدة وإلى الأبد انبثاقاً كاملاً ونهائياً، وإن هذه الحقيقة الناجزة المطلقة والسرمدية مكنونة في كتاب (نص) صالح لكل زمان ومكان، فيه علم ما تقدم وما تأخر، ويتضمن شؤون الدنيا والدين في الأولى والأخرة... وأن عملية استنباط هذه الحقيقة من النص فوق طاقة الانسان العادي البسيط، وفوق طاقة الأمي ورجل الشارع، ورجل الدنيا، وإن لرجال الدين بامتياز الحق في استنباطها، وفي التفسير والتأويل والافتاء والتشريع... إن كل ذلك يؤسس سلطة رجال الدين، و"الاستبداد الديني) ( ويؤسس بالتالي للاستبداد السياسي واستبعاد واستعباد الشعب. فإن "بين الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك، متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر، أو متى زال زال رفيقه، وإن صلح - أي ضعف - أحدهما صلح الثاني." (9) و "ما من مستبد سياسي إلى الأن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم ألى مذاهب وشيع متداعية تقاوم بعضها بعضاً فتتهتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرخ". (10).



    كل ما يقال عن احتلال الدين موقعاً هاماً، وممتازاً في الوجدان الشعبي، وثقافة الأمة، ووعي الإنسان.. صحيح واقعياً، ومفهوم، ولكن "بدلاً من أن نضيع الوقت في إقامة التضاد والتعارض بين العقل الديني والعقل العلمي خارج المشروطية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فإن من الأفضل أن تجري تقيماً شاملاً للمصير أو (القدر) العام الذي عرفه العقل في المناخ و البيئة الإسلاميين". (11).

    الذين يتحدثون عن التناقض بين الدين (مطلقاً) و العلمانية إنما يقيمون تعارضاً مصطنعاً واشكالية زائفة لا تخدم إلا في تبرير وتسويغ الأوضاع القائمة الدفاع عنها.

    التعارض قائم واقعياً بين العلمانية و السلطة الدينية سلطة النص، والمقدس، بين العلمانية والاستبداد الديني - السياسي وسلطة رجل الدين وتدخله المباشر في حياة الإنسان، بين العلمانية وكل سلطة أو مؤسسة أو رأي يرى أن كافة الأفكار والتصورات الميتافيزيقيية والسياسية والحقوقية والأخلاقية السائدة أو التي كانت سائدة هي محض أفكار وتصورات دينية، وينظر بالتالي إلى الإنسان على أنه إنسان ديني، وإلى جميع العلاقات الإجتماعية والسياسية والحقوقية والأخلاقية على أنها علاقات مكرسة دينياً ولا فرق في ذلك بين رؤية رجال الدين والتيولوجيين أو رؤية أيدولوجيين "علمانيين" يستمدون مناهجهم وأدواتهم المعرفية ورؤاهم من الدين نفسه ويعزلون جانباً أوجوانب منه لمعارضتها مع جوانب أخرى، لأن رجال الدين و هؤلاء الأيديولوجيين يلتقون في نقظة مركزية واحدة هي معارضة الكلام بالكلام وخوض معارك وهمية ضد طواحين الهواء.



    التعارض، بل التناقض، قائم بين العلمانية وسلطة النص، بما في ذلك النص غير الديني، لكن المقدس كالنص الماركسي أو القومي أو الليبرالي، بين العلمانية وسلطة السلف بما ذلك أيضاً السلف غير الديني، بين العلمانية والوثنية، التي ترى أن الدين هو الذي يصنع التارخ وليس التاريخ هو الذي يصنع الدين، وترى أن الدين يجب الواقع والتاريخ، أن التاريخ هو فقط التاريخ الديني التوحيدي. إن التاريخ لا ينحل في الدين، والتناقضات التي شكلت تاريخ الإنسان وحضارته لا تنحل في الصراع المزعوم بين "الدين والعلم" بين "الأصالة والمعاصرة" بين "المجتمع والدولة" أي بين "المجتمع والنخبة" (12).



    ـ ليست العلمانية، ولا ينبغي أن تصبح، مذهباً أو عقيدة أيدولوجية تمارس سلطة الضبط والتدخل والحجر، ومصادرة حرية العقل. بل هي حرية العقل وحقه في ارتياد الفضاءات الفكرية المباحة والمحظورة أوالمحرمة واقتحام سائر ميادين العمل والمعرفة سائر ميادين الحياة العلمانية تعني أيضاً نزع طابع القدسية عن الأفكار وطابع العصمة عن البشر وترى أن مناقب الرفعة والشرف والأخلاق والكرامة.. مرتبطة بما يقدمه الفرد لمجتمعه ووطنه ومواطنيه إن حبلها السري موصول بالعقل والعقلانية التي هي أشمل وأعمق من الوضعية الوضعانية والتجربية والبرغمانية، العقلانية بما هي عقل الواقع وجدله.



    العلمانية والاندماج القومي :

    يعاني المجتمع العربي من نقص فى اندماجة القومي يتجلى في الانقسامات العمودية والتحاجز الاجتماعي الذي تغذية أيديولوجيا تقليدية، تسهم في تكوين سيكولوجية إنثنائية وعدائية تعبر عنها الحرب الاهلية الكامنة و المتفجرة. الانقسامات العمودية والتحاجز المجتمعي، تعيق حركة التقدم إن لم تلجمها لأنها تبدد طاقة المجتمع وتشل قوى الامة وتخرج الصراع الاجتماعي من أطرة السياسة لتحولة إلىصراع ديني او مذهبي وألىشكل من أشكال التدمير الذاتي. فمنذ وضع حديث (الفرقة الناجية ) على لسان النبي العربي محمد بن عبد الله والامة العربية

    تعيش حالة انقسام وتشرذم رسخت في الممارسة العملية والفكرية نفي الأخر وعدم قبول الرأي المعارض، وتكفير المعارضة وتكرس ذلك في نشوء أرثوذكسيات وعقول متنافسة،ومتنافية لاتزال تعيد إنتاج أوهام الخصوصية، والهوية المخفضة إلى انتماء مذهبي. الانقسامات العمودية، والوعي المقابل لها،تسد قنوات التواصل والحوار والتفاعل الخلاق وتحول دون تحقيق الاندماج القومي وتحرم الأمة من امكانية استثمار أفضليات التعددية، وتلجم الصراعا ت الاجتماعية السياسية،وتعيد إنتاج واقعة تشظي الوعي الاجتماعي وتأخره. لذلك فإن العلمنة التي تكشف عن الروابط الجدلية بين السيادة العليا والسلطات السياسة وتفسر ظاهرة الانشقاق ونقص الاندماج القومي بأسبابها الموضوعية، التاريخية، وتؤسس لتاريخية العقل وتاريخية الفكر، وتخرج الدين من دائرة العلاقات الاجتماعية والسياسية، هي المدخل الضروري لتحقيق الاندماج القومي، الشرط اللازم لتحقيق تحررالأمة وتقدمها وبناء وحدتها القومية ودولتها الديمقراطية وتحقيق سيادة الشعب وبناء مواطنيه حديثة.العلمنة في هذا المجال هي الشرط الضروري لإطلاق تناقضات المجتمع وصراعاته الأفقية،الطبقية، التي توحد وتبني وتطور في إطار المشروع القومي الديمقراطي العلمنة هي.مشروع الأكثرية،أكثرية الأمة وهي تتحول من أكثرية دينية أومذهبية أو قومية الى أكثرية سياسية،أكثرية يرقى وعيها إلى درجة تعي معها مسؤليتها المباشرة عن الأقلية أو الأقليات،وتعي قانون جدلية القهر أوجدلية الظلم حيث الظالم هو المظلوم لأن الأكثرية.عندما تضطهد الأقلية أو تتخلى عن مسؤوليتها التاريخية إزاءها، عندما تغمطها حقها وتصادر حريتها، عندما ترفض حقها في الاختلاف والمغايرة والمعارضة إنما... تضعف نفسهاوتعيد إنتاج شروط تأخرها وتحاجزهاو تزرع بذور شقاقها وضعفها وعوامل تدميرها الذاتي. العلمانية مشروع أكثري بقدر ماهي مشروع عقلاني.

    العلمانية والديمقراطية:

    قبل أن نقول إن الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه.. يحسن البدء من الألف - باء وليس من الياء.

    الديمقراطية شكل ممارسة الحرية في المجتمع والدولة، مشكلة الحرية التي يتحدث عنها الفلاسفة تتقوم في ازدواجها وتناقضها الداخلي، فهي مطلقة ونسبية في آن. وهي كذلك لأنها في أصل منشئها مشكلة الإنسان، إنسان العمل والمعرفة والحرية، الإنسان المتناهي واللامتناهي في آن (رغم إمكانية فناء الجنس البشري بكارثة نووية، وعندئذ ينتهي كل شيء بالنسبة للإنسان).

    الإنسان النوع، اللامتناهي والكلي، بوصفه طبيعة واعية ذاتها ومتجاوزة ذاتها باستمرار، كائن معرف بالعمل. ميدان عمله الطبيعة والمجتمع، أي الواقع الموضوعي. والعمل الإنساني - الاجتماعي أبو الفكر، والطبيعة أمة، والحرية بالتالي هي وعي الضرورة.

    من الجذر الواقعي للإنسان نستنتج الجذر الواقعي للحرية. من الجذر المادي للإنسان نستنتج الجذر المادي للحرية على اعتبار المادة مقولة فلسفية تدل على الواقع الموضوعي القائم خارج وعينا وإحساساتنا وفي استقلال عنهما. الإنسان النوع، اللامتناهي، والكلي لا يوجد إلا في الخاص والفردي، ولذلك فهو متناه وكذلك عمله وفكره وحريته بالضرورة حرية الانسان مطلقة وحرية الفرد مقيدة ونسبية تعبر عن ذلك واقعة تموضع الإنسان، تموضع خاصيته النوعية،أي العمل في منتوجاته ومن ثم ضياعها في الملكية الخاصة التي هي أيضاً نزع الملكية. الديمقراطية بوصفها شكل ممارسة الحرية، مقيدة ومحددة بمستوى تطور العمل والوعي، وبمستوى تطرو الملكية وتقسيم العمل والوعي الاجتماعي المقابل لهما وبمستوى تطور التنظيم الاجتماعي، ومشروطة بالتالي بالتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج.

    التداخل والتقاطع بين العلمانية والديمقراطية، والتفاعل الجدلي بينهما يرجع إلى الجذر الدنيوي،الواقعي، المادي للإنسان وللحرية، وإلى اعتبار الإنسان سيد الطبيعة ومحور العالم ومقياس القيم، وإلى اعتباره صانع تاريخه الخاص وسيد مصيره في هذا السياق، العلمنة سيرورة تقدم في التاريخ وفي المعرفة نحو استعادة الإنسان ذاته والقضاء علىاستلابه الذاتي بأشكاله " المقدسة " وغير المقدسة وتحقيق حريته إزاء الطبيعة وإزاء المجتمع والدولة.

    إن القضاء على استلاب الإنسان يعني القضاء على تخارج الإنسان والطبيعة، الواقع والفكر والمادة والروح. والديمقراطية في أحد مستوياتها هي المساواة السياسية والحقوقية والاجتماعية والإقتصادية والأخلاقية، ولهذه جميعاً جذرها العلماني لأنها تنطلق من أصل لايمكن إهماله أو تجاهله وهو المساواة الأنطلوجية (الوجودية). لذلك فإن سائر أشكال عدم المساواة ناجمة عن استلاب الإنسان وانتقاص كيانه الإنساني.

    المساواة الوجودية متجسدة في تساوي العمل الإنساني وتماثله في الماهية. مساواة تنبع من قيمة الإنسان وأهمية الفرد وكون العقل صفة نوعية وقاسماً مشتركاً بين أفراد النوع. مساواة نابعة من آدمية الفرد وحقوقه وحرياته.. وهذه المساواة تضمنها العلمانية. فإن ماهو جذري وذو قيمة حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان ذاته. إنسان العمل والإنتاج والمعرفة، إنسان الخلق والإبداع والحضارة ضد إنسان الإيمان الأعمى والعجز والتواكل والزهد والتصوف والتأمل والحلم والطاعة والامتثال والرضا والتسليم أي العبودية. المساواة هي مساواة في الحرية ضد المساواة في العبودية.



    الديقراطية بجذرها العلماني ونسغها الإنساني ومحتواها الاجتماعي هي مدخل إلى ملكوت الحرية وسيادة الإنسان وسيادة الشعب.

    والديمقراطية تعني الحوار، والاعتراف بالآخر، والاعتراف بنسبية الحقيقة واحتمال خطأ الذات، واحترام الرأي الآخر والاستماع اليه والتفاعل معه وعدم تفكيره وإدانته أو الوشاية به لدى السلطات كأنه خيانة عظمى، وهي الاعتراف بحقيقة مستقلة عن الذهن يحاول الجميع الوصول إليها دون التضحية بالموضوع من أجل الذات. (13) في بحثه الشيق والعميق عن " الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر يرجع الدكتور حنفي أزمة الديمقراطية إلى غياب الحوار بسبب من غياب الحرية وغياب مقدمات الحوار الموضوعية. وهو يحصر جذور أزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر في خمس مجموعات هي:

    - حرفية التفسير أو النصوصية التي تلغي الحرية لصالح الالتزام بحقيقة مطلقة، مسبقة، مكتوبة بصياغة واحدة أبدية، وتوحد عقلية السلطة السياسية مع السلطة الدينية ضد الإنسان، إذ تعتمد كلتاهما على التنزيل: تنزيل الأمر من السلطة إلى الشعب، وتنزيل المعرفة من السماء إلى الأرض، وتلغيان بالتالي حق المراجعة والمناقشة والحوار.

    - والثانية تكفير المعارضة الذي شاع منذ انتشار الأحاديث الموجهة للسلوك والأذهان، وخاصة الأحاديث الموضوعة لغايات سياسية وأيديولوجية واجتماعية كحديث "الملة الناجية"، وأصبحت "كل الفرق الضالة هي كل أنواع المعارضة للسلطة القائمة، كما أصبحت الفرقة الناجية هي حزب الحكومة". (14).

    - والثالثة سلطوية التصور: إن تصور العالم في الفكر العربي - الإسلامي تصور سلطوي، مركزي، إطلاقي، أصبح فيما بعد أساس تصورنا للعالم وأساس نظمنا السياسية: "فالله مركز الكون وخالقه، يسيطر على كل شيء، لـه صفات فعالة في الكون، قادر على ما لا يكون، وعالم بما يستحيل، لا يقف أمامه قانون طبيعي، ولا ترده حرية إنسانية. لا يستطيع الإنسان أن يفعل إلا اذا تدخلت الإرادة الإلهية لحظة فعله وجعلته ممكناً، وإلا استحال الفعل.." في هذا التصور تختفي الإرادة الإنسانية، ويتوارى العمل والعقل ويتحدد الإنسان بالإيمان الذي لا يخالطه أويساوره الشك. ومن هذا التصور تنبع فكرة الزعيم الأوحد المنقذ الأعظم والقائد الملهم.. والحاكم الفرد الذي لا تني الشقة تزداد اتساعاً بينه وبين المحكومين. وبقدر ما يزداد صلفاً وكبراً وغطرسة و عسفاً يزداد المحكومون صغاراً وذلاً وهواناَ. انه تصور يعطي القمة كل شيء ويسلب من القاعدة كل شيء بل يسلب من القاعدة كل شيء.. ويعطيه للقمة.هذا التصور يقسم البشر إلى خاصة، أوعليه القوم، وسادة وسراة واشراف ونقباء... الخ من جهة وإلى عوام ورعاع ودهماء وسواد الناس و... الخ. والعوام في نظر الكواكبي "هم قوةالمستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وان نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة". (15).

    - والرابعة: تبرير المعطيات، لقد كان عمل العقل في تراثنا الفلسفي - يقول الدكتور حنفي - عملاً تبريرياً خالصاً، أي إنه يأخذ المعطيات وينظرها ويحيلها إلى معطيات مفهومة يمكن البرهنة عليها، مفتقراً إلى الحياد والروح العلمية وجرأة النقد والمعارضة. أمام هذه الوظيفة للعقل ذي المصدر الإلهي يستحيل الحوار. لأن المعطيات مقبولة سلفاً ولا توضع موضع الشك والنقد.

    - والخامسة: هدم العقل. منذ كان هجوم الغزالي على العلوم العقلية في القرن الخامس وقضاؤه على الفلسفة وعداؤه لكل اتجاه حضاري عقلاني، وتنكره للعلوم الإسلامية بما فيها علوم الكلام والفقة والحكمة - باستثناء علوم التصرف - وهدمه منهج النظر ودعوته لمنهج الذوق، وتركه الحقيقة وسلوكه الطريقة، ونقده للعلم الإنساني وانتظاره العلم اللدني.. كل ذلك كان بداية هدم العقل واستقالته وهو أداة الحوار. ومنذ ذلك الحين أصبح الله، و السلطة، والجنس مقدسات ومصادر للتحريم "فالله يحرم أكثر مما يحلل، والسلطة تعاقب أكثر مما تثيب، والجنس للحرمان أكثر منه للإشباع".



    أليست هذه المجموعات الخمس التي تشكل جذور أزمة الديمقراطية في وجداننا المعاصر، تعبيراً عن غياب الوعي بضرورة العلمانية وبالتالي غياب العلمانية من الفكر والممارسة؟ ان الديمقراطية التي عبر عنها الدكتور حنفي بالحوار والحرية والاعتراف بالآخر.. ليست ممكنة إذا لم تكن العلمانية مدخلها ونواتها.

    خارج إطار مشروع سياسي، قومي ديمقراطي، وخارج إطار رؤية استراتيجية منفتحة وعقلانية، أعني واقعية ثورية، تبدو مسألة الديمقراطية فاقدة جوهرها وتبريرها، مفقرة وهزيلة تخدم كغطاء أيديولوجي "حديث" لأهداف سياسية محافظة. وكذا العلمانية. وتتحولان معاً (الديمقراطية والعلمانية) إلى خطابين متنافيين متعادمين في حقل السجال الأيديولوجي والمماحكات اللفظية، وإلى شعارين مشحونين بالاستفزاز والتحدي، يثيران مشاعر طائفية وردود فعل أكثر مما يؤسسان لوعي حديث يخدم في نقد وتجاوز الواقع القائم.

    خارج إطار المشروع القومي الديمقراطي وبدون وعي علماني - ديمقراطي، كوني وتاريخي، ثوري وحديث، تتحول مفاهيم العلمانية والديمقراطية والأمة والوحدة القومية... الخ إلى أصنام مصمته صماء خالية من أي توتر وبالتالي من أي حركة وحياة مفاهيم ـ أوثان متخارجة متنافرة لا تقوم بينها روابط من أي نوع وليس لها أي محتوى، ولا يستدعي بعضها بعضاً بالضرورة، سرمدية تلغي فكرة التاريخ ومفهوم التقدم وتتعالى علىالواقع. وأوثان تتطابق ماهيتها مع هويتها، وتطابق الماهية والهوية يعني إلغاء الفروق وإعدام التنوع والتعدد والاختلاف والتباين. التطابق بين الماهية والهوية في ذهن مشيخي - وثني هو أساس عدم الاعتراف بالآخر وأساس عدم قبول التعدد والاختلاف وتكفير المعارضة ولا جدوى الحوار، وهو أساس العنف المدمر المنفلت من عقاله ومن رقابة العقل، العنف المتضمن في الخطاب والسلوك، في الفكر والممارسة.

    المشروع السياسي القومي - الديمقراطي هو الذي يعطي المفاهيم مضمونها ونظام ترابطها، أو نسق علاقاتها. هو الذي يستدعي هذا المفهوم أو ذاك بوصفه ضرورة تاريخية، منطقية، وليس بوصفه "موضة" أو تقليعة أو هوى.

    إن بنية الأفكار والمفاهيم والمقولات، وعلاقاتها المتغيرة، ونظام بناء هذه العلاقات لا يتحدد في ضوء "المسألة الأساسية في الفلسفة" (أولوية المادة أوالوعي) أو في ضوء العلاقة بين الفكر والواقع فقط، ولا على أساس قانون التطور الرئيسي: وحدة وصراع الأضداد وحسب، بل على أساس الممارسة العملية الحية، في الطبيعة والمجتمع. وبذرة العلمانية تكمن في هذه الممارسة.





    العلمانية والعقلانية:

    الرؤية الدينية إلى الكون والعالم، إلى الطبيعة والمجتمع والإنسان، رؤية عمودية، فكل المعاني الصحيحة، والحقائق الخالدة، والمعارف الناجزة نزلت من فوق، من الله الفاعل في كل شيء وفي كل مخلوق، إذن في المجتمع والتاريخ.

    من هذه الرؤية العمودية نجمت رؤية خاصة للتاريخ الذي يبدأ بلحطة تأسيسية أو تدشينية (الوحي) ثم تتتابع أحداثه نزولاً، هبوطاً نحو الانحطاط الذي لا خلاص منه إلا بوحي جديد أو مصلح جديد أو بقيام الساعة. إنه تاريخ خطي وانهياري، ومأساوي يكرس مزاجاً سوداوياً، ونظرة تزدري الحياة الدنيا، يجد تعبيره التعويضي في الحلم - الوهم باستعادة عصر ذهبي مضى وانقضى.

    وهي رؤية مركزية - سلطوية كما سبقت الاشارة تسمح بإضفاء صفات التعالي والتقديس على الحاكم - الفرد الذي كلما أمعن في الغطرسة والاستبداد والعسف قصرت المسافة بينه وبين الله في اذهان العامة، حتى تتوحد صورة الرب بصورة المستبد نتيجة اتساع الفارق بين الحاكم والمحكوم وانعدام التناسب بينهما، فذلك لا متناه في عظمته وهذا لا متناه في وضاعته وصغاره وعجزه.

    الرؤية الدينية إلى الإنسان تكرس العلاقات العبدية أو العبودية (عبد - سيد، أوعبد- سلطان). فالإنسان معرف بالايمان والتقوى والامتثال والتصديق والرضا والتسليم والطاعة والقناعة... وليس بالعمل والعقل والحرية والمعرفة والخلق والإبداع. الإنسان ضعيف عاجز خط قدره في لوح محفوظ وليس قوياً فاعلاً غازياً واقتحامياً بروميثوسياً الإنسان موضوع لفعل الطبيعةوالمجتمع والتاريخ والقوى الخارقة الغيبية، وليس القادر على تغيير أشكال الطبيعة والمجتمع وعلى بناء التاريخ. الإنسان للتأمل والدهشة وتسبيح قدرة الخلاق العظيم وليس للمعرفة والاكتشاف. الإنسان للإثبات والتوكيد والتأييد وليس للرفض والمعارضة والنفي.

    حتى في شؤون الدين الناس على دين ملوكهم. الرؤية الدينية إلى المرأة خاصة ترى إليها على أنها حرمة، عبدة، ناقصة عقل ودين ( قياساً بالرجل المستلب ) سكن للرجل ومتعة، تابعة له وعالة عليه،وأكثر منه بكثير مسلوبة الإرادة والحريةالرؤية الدينية إلى الحقيقة رؤية دوغمائية. فالحقيقة مطلقة وناجزة نزلت على البشر دفعة واحدة وإلى الأبد، لايحدها زمان ولامكان، لاتحول ولاتزول ولاتتغير، لايأتها الباطل من بين يديها ولامن خلفها. مكنونة في كتاب، أو نص، يشكل الخروج عليه خروجاً على المألوف والمتعارف عليه، ونشوزاً نحو الكفر والباطل والضلال.

    حقيقة بلا باطل، تستدعي إيماناً بلا شك، ومؤمناً بلا عقل. الرؤية الدينية إلى المجتمع رؤية سكونية وقطيعية ( الناس رعايا )، المجتمع جمع من البشر غير منسوج، مقسم إلى جماعات تربطها أواصر النسب والدم ( صلة الرحم) وتجمعها قواسم مشتركة هي الإيمان والطاعة، تفرض نوعاُ من الروابط وأنساق القيم كالحلال والحرام والمحظور والمباح والمكروه والمستحب. الغنى والفقر، والعظمة والوضاعة، الخير والشر... كلها توفيق من الله يواجهها البشر بالرضا والتسليم. الانقسام " الحقيقي" الوحيد هو انقسام المجتمع إلى مؤمنين ومشركين وزنادقة ومنافقين.. الرؤية الدينية إلى السلطة رؤية استبدادية. الدولة منظمة على نظام الكون. الحاكم ظل الله على الأرض، له على المحكومين حق الطاعة والامتثال، وليس للمحكومين حقوق، للحاكم كل الحقوق، وعلى المحكومين كل الواجبات. للقمة كل شيء، للقاعدة لا شيء. معارضة الحاكم والخروج على طاعته معصية. والمناصحة أقصى درجات المعارضة، وهذه موقوفة على نخبة من العلماء والوجهاء. وظيفة الحاكم تطبيق قوانين السماء، وتحقيق الشريعة، وضمانة ذلك أخلاقه الشخصية، وحسب ايمانه وتقواه، وإذا رق إيمانه أو فسق،، فذلك ابتلاء للرعية، الصبر عليه يوجب الثواب، اما ضمانه اداء الحقوق من قبل المحكومين فجهاز دولة، وجيش، وشرطة، وعسس وعيون وما شئت من أصناف وأساليب وأدوات العسف والقهر. الرؤية الدينية إلى الحياة رؤية آخروية، تغيب مفهوم العمل والإنتاج والخلق والإبداع، والحقوق والحريات، والوفرة والغزارة، والفرح والسعادة... رؤية تطفئ وهج المشاعر البشرية وتقتل الفرح الإنساني، وتحرم المتع والملذات. الحياة رحلة، والدنيا دار غرور زائلة... رؤية تستبدل الواقع بالوهم والمستقبل بالماضي.

    العلمانية بالتعارض مع هذه الرؤية الدينية انتصار للإنسان وللدنيا والحياة، للعقل والعقلانية، للمعرفة الواعية حدودها والعاملة على تخطيها وتجاوزها باستمرار.

    ليست العلمانية مذهباً أو عقيدة، وإلا تناقضت مع العقلانية التي يشكل التحرر من المطلقات والمسبقات، ومن التمذهب، محورها وأساسها. فالعلمانية إذ تضع العالم بين يدي الإنسان، وتقيم سلطة العقل والمنطق، إنما تعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها، وتغيرها، واحتمال خطأ الذات وصواب الآخر، وتفتح بالتالي إمكانات المعرفة المضوعية والوعي العلمي، المطابق للواقع وحاجات تغييره باستمرار. لقد كان العقل موجودا دائماً لدى الإنسان، ولكن الناس لم يكونوا دائماً عقلانيين. ذلك يظهر الفارق بين الذاتية والموضوعية. فالعقلانية هي انتقال من المعرفة الأيديولوجية إلىالمعرفة الواقعية، هي لحظة تعرف العقل على ذاته في الموضوع. العقلانية اتحاد الذات والموضوع، المادة والروح، الفكر والواقع، العقل وميادين عمله اللامتناهية. وعندما يتعرف العقل على نفسه في الموضوع يكون قد تم القضاء على حالة استلاب الوعي وشقائه، حالة التخارج بين المادة والروح، حالة اغتراب الإنسان عن ذاته وعن عالمه الذي هو من صنعه.

    العلمانية بجذرها العقلاني ونسغها الإنساني بسط لموضوعية المعرفة وواقعية التاريخ وكونية العقل وامتلاء الروح. لذلك لم تكن غريبة عن التجربة البشرية. أليست العلمانية مجذرة في العلوم الوضعية والعقلية؟ ألم تنطلق من تجربة الإنسان العامل والعاقل والعارف؟ ألم تنطلق من صنع الأدوات وتدشين التاريخ والتقدم والحضارة؟

    العلمانية - خلافاً لكل الأوهام والمزاعم - متجذرة في العلوم الوضعية والعلوم العقلية عند العرب - المسلمين، كما عند غيرهم من الأمم والشعوب وإن لم ينظر لها المسلمون. إلا أن ذلك يجب ألا يذهب بنا إلى مماثلة أو مطابقة العلمانية مع العقلانية، وهذه مع الوضعانية. فالوضعانية تنتمي إلى المثالي واللاعقلاني، خارج الموقف الجدلي. العقلانية هي اكتشاف منطق الواقع، منطق التاريخ، وليس تحويل الواقع إلى أقانيم. العلمانية تتضمن فكرة التاريخ وفكرة التقدم. "لأن التقدم، كل تقدم هو توقيع ممكنات على حساب ممكنات أخرى وهي ممكنات من وجهة نظر أكثر تجريداً أوأقل تاريخية" (16) في واقع جدلي وامكاني واحتمالي، متناقض ومتغير. خطران تكافح العلمانية ضدهما: خطر تحويل الواقع إلى كلام، إلى أيديولوجيا، وأوهام وعقائد جامدة ومذاهب متحجرة وقوانين سرمدية. وخطر تحويله إلى أشياء ومواد صلدة باردة. أي خطر تشييء الواقع بحجة المادية، إزهاق روح الواقع ومنطق التاريخ، ورفع رايات الوثنية كما يدعوها الاستاذ الياس موقص الذي أكد "، هذه القضية (قضية وثنية المعرفة) في مستوييها الروحي والمعرفي، قضية كونية شاملة لا يفلت من دائرة مسألتها شيء، ولا يمكن أن يفلت. إنها في عصرنا هذا قضية القضايا. نقول "مادة" ونمسك الطاولة. نقول "ثورة" ونقبض على الكلاشينكوف. نقول "تنمية" ونراكم الآلات. نقول "ثروة" ونعبد الذهب الأصفر والذهب الأسود،هكذا الميركانتيلية، وهكذا الوثنية في الروح والمعرفة". (17).

    هنا نقطة تقاطع العلمانية والعقلانية، ومدخل انتقال إحداهما إلى الأخرى. إنه لم يكن بلا دلالة كون الشاغل الفلسفي في الثقافة العربية - الاسلامية في عصرها الذهبي - كما في العلوم التجريبية - هو شاغل التوفيق بين العقل و النقل. أدعي أنه كان شاغلاً علمانياً، على أن نتحرّز من الخلط بين العلمانية والتوفيقية أو التلفيقية.

    حين نطرح العلمانية حلاً لمسألة الأقليات، ومدخلاً للمواطنية، وبناء الدولة - الأمة، الدولة الحديثة الديمقراطية، دولة الحق والقانون التي يستقل فيها الدين عن الدولة والدولة عن الدين. وكذا السياسة والتعليم، لا نطرحها مقطوعة عن جذرها العقلاني ونسغها الإنساني ومحتواها الاجتماعي. لأن نظرة عقلانية إلى مسألة الأقليات ترى مع الأستاذ الياس مرقص ان "مشكلة أية أقلية كانت، دينية أو مذهبية، قومية أو لغوية.. الخ، هي كخاص ومحض خاص مشكلة ميتة، يميتها المنهج الوضعاني الأصنافي الذي لا يرى أن الخاص هوعام، الذي لا يرى أن مشكلة جماعة من خمسة أفراد أو فرد واحد هي مشكلة الجميع، مشكلة المجتمع والوطن والبشرية.. أي الذي لا يرى في واقعنا كلية القهر وجدلية القهر: الغالب مغلوب، والأكثرية أقلية،لا يستطيع الإنسان أن يكون غالباً ومواطناً في آن، ومن أراد أن يكون غالباً فسيكون تابعاً، رعية وماشية. ركب الجميع على الجميع، عودة إلى الحالة المملوكية في "مجتمع" حديث متقدم استبدادياً وتوتاليتارياً، انتكاس من الإنسان الاجتماعي إلى انسان الاستهلاك. عزلة الأفراد - الذرات في الجمهور الكتلة، في الجماهير.. هذا ما تخدمه دعوات كثيرة متناقضة في الظاهر" (1. حين تطرح العلمانية مدخلاً، هكذا بالتحديد، لتحقيق الاندماج القومي وبناء مواطنية ومجتمع مدني ودولة ديمقراطية.. ووعي مطابق وأيديولوجيا حديثة عقلانية، وحركة تقدم على خط تجاوز الحاضر.. لا تطرح على أنها إكسير أو مبدأ فاعل بذاته، أو معتقد جامد، وحل سحري، أو أيديولوجيا. لذلك ربطناها ربطاً جدلياً وعضوياً بالمشروع القومي الديمقراطي لأنها فرع ونتيجة، لأنها كما يقول ياسين الحافظ: "تظاهرة فرعية لعقلنة المجتمع ونتيجة من نتائج قومنته". الماركسية، الناصرية، القومية والديمقرطية والوحدة العربية.. أكبر وأهم بما لا يقاس. ولكن "لاتحايل على الفرع المرتبط بكل الفروع".

    ماركس، في "المسألة اليهودية"، ومن زاوية المجتمع المدني البورجوازي، "المسيحي" "اليهودي" يقول: "الدولة المسيحية الحقيقية هي الدولة اللادينية. الدولة المسماة مسيحية ليست الدولة المسيحية الحقيقية" (19) عندما يصبح مشروعنا بناء المجتمع المدني لا بد أن نقول كذلك. الدولة الدينية ليست الدولة الإسلامية الحقيقية. الخمينية ليست الدولة الإسلامية، ولا الجمهورية الإسلامية، إنها الفاشية الظلامية، والوثنية على الصعيدين الروحي والمعرفي، والقروسطية على الصعيد الاجتماعي والسياسي. من مظاهر اللاعقلانية في الفكر العربي، والسياسة العربية، " ثقفنة الصراع " أي إخراجه من أطره السياسية والاجتماعية،إلى فضاء الثفافة والأيدولوجيا، في عملية تقليص وقهر للواقع التاريخي، وتحويله إلى كلام وفتح معارك زائفة ومصطنعة: معارك الأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد، العلم والدين، الشرق والغرب.. و "إشكاليات" هي في الواقع حلقات مفرغة، وأزواج متنافرة. ليست متناقضة جدلياً لأن الزوجين التناقضيين لا بد أن يحتوي كل منهما الآخر على نحو ضمني أو صريح.. ذلك هروباً من المعارك الأساسية، والمعركة المصيرية التي في ضوئها سيتحدد وجود ومستقبل الأمة ووجود ومستقبل الإسلام أيضاَ، أعني معركة التقدم والوحدة العربية في مواجهة الإمبرايالية وإسرائيل والتأخر والاستبداد والتجزئة القومية. هذه المعركة المصيرية هي المشروع السياسي الذي يحدد الأدوات والوسائل وأشكال العمل ويستدعي مشروعاً معرفياً كبيراً ومستقبلياً، مشروع تحديث الفكر العربي، وتحديث وعي الانتلجنتسيا العربية ودمجها في المجتمع وبالتالي إعادة صياغة الوعي العربي صياغة علمانية - ديمقراطية. وتحديث الأيديولوجية العربية هو الشرط الضروري لنجاح المشروع السياسي، مشروع الثورة القومية الديمقراطية ذات الأفق الإشتراكي.

    الحركة القومية العربية، حركة الثورة العربية، لم تكن علمانية بل سائرة نحوها أي نحو العلمانية، على جسر التسامح الديني والإخاء. إذا كانت نخبة ما خارج هذه السيرورة فهذا دليل أن هذه النخبة متراجعة في القرن العشرين عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي..على كل حال الإسلام الواقعي ليس محصوراً في دائرة هذه النخبة، إنه ممثل في جميع مسلمي الحركة الوطنية وكوادرها (20) ومفكريها وقادتها.. الإسلام حاضر على طول الخط في صعود الذات - الأمة. التجربة الناصرية شاهد شديد السطوع، قوي الدلالة وشاهد ثـقة. إن ثقفنة الصراع مدخل لمذهبته أو تطييفه وإطلاق وحش العنف والعنف المضاد وحركة التدمير الذاتي.

    إن معارضة العلمانية بالإسلام، والعلم بالدين والحداثة بالأصالة والمستقبل بالماضي، والديمقراطية بالشورى... مظهر من مظاهر ثقفنة الصراع التي تصب في أحسن الأحوال في تبرير الأوضاع والعلاقات القائمة والمحافظة عليها. ولا يغير من هذه الحقيقة نقد جزء من أجزاء الواقع ومعارضته بالأجزاء الأخرى على طريقة برهان غليون. هذه المعارضات جزء من عدة الشغل للإحتفاظ بالجماهير الشعبية خارج السياسية والثقافة ودونهما، وتبرير سلطة الحركات الدينية السلفية والأصولية المتطرفة وإدعائها تمثيل الأغلبية.

    العلمانية والقومية:

    إذا كانت العلمانية إنتماء وجودياً ورمزياً في آن للعلم والعالم الدنيوي، عالم البشر، وللعوامية، والأكثرية، فإن ماهيتها تتحدد تاريخياً ومنطقياً بإنتماء آخر، إنتماء وجودي ورمزي وتاريخي هو الإنتماء القومي الذي يتعلق بالوجدان والشعور والثقافة واللغة والتكوين النفسي و العقلي الذي يشكل محتوى ومضمون العلائق والروابط الثقافية والإجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية... التي تنسج مجموعة من البشر محددة في الزمان والمكان.إذا كان أحد هذين الانتماءين يحدد الأخر ويتحدد به ( يتوسطهما الإنتماء الطبقي الذي يكسبهما وجودهما العياني، الواقعي، الراهن ). فلا معنى ولا محتوى لرابطة قومية بلا جذر علماني، ولا معنى ولا محتوى للعلمانية بلا إطار ومحتوى قومي، إلا الشوفينية و التعصب والفاشية في الحالة الأولى والكوسموبوليتية الهلامية والقطيعية في الحالة الثانية.

    وإذا كان " التوتر ما بين أساليب التصور وطرق تشكيل المعارف والتعبير عنها، ينبغي أن يدرس دائماً من خلال الأطر الاجتماعية - ( الاقتصادية ) التي تنتج هذه المعارف والتصورات، ومن خلال الضغوط التي تقود مختلف الفئات إلى إيجاد أجوبة تناسبها " (21) فإن القومية والعلمانية - في سياق واحد - تعبير عن الصراع الاجتماعي - السياسي، وعن جدلية حركة تشكل وتكون الأمم الحديثة التي هي بتعبير أخر جدلية تكون وتشكل الطبقات الاجتماعية الحديثة والصراع فيما بينها في أطر قومية محددة تطبع هذا الصراع وبالتالي مجمل الحركة بطابع مميز. إن الانتماء القومي يحدد كذلك الانتماء الطبقي و يتحدد به، وإلا فقدا معاً ( القومي و الطبقي ) كل محتوى و مضمون.

    إن تحديد العلاقة الجدلية بين العلمانية و القومية الحديثة ذات المضمون الديمقراطي والإنساني يمر ضرورة في مجاري الصراع الاجتماعي السياسي ويحيل على و جوب التأكيد على عدم التعارض بين القومية و الدين، القومية العربية و الاسلام. فالقومية انتماء الى جماعة معينة تاريخياً، بينما الإسلام عقيدة دينية شمولية. بل يمكن القول إن هذا العنصر الكوني - الشمولي، المبكر في ثقافة الامة العربية، تعبير ساطع عن حيويتها وروحها القابلة للانفتاح على الآخر و التفاعل مع الحضارات.

    ومهما تكن سيطرة العقائد قوية و جبارة على النفوس، فإن من المكن تغييرها، تقليصها، و حذفها نهائياً عن طريق طبقة اجتماعية جديدة عليها لكي تستلم السلطة أن تقترح نظاماً جديداً للقيم مختلفاً عن أنظمة الطبقات المنافسة التي ترسخ العقائد الدينية"(22).

    العلمانية هنا هي المدخل الضروري تاريخياً لارتقاء سديم بشري من مستوى الانتماءات ما قبل القومية: العائلية، العشائرية، المذهبية، الدينية الأقوامية الى مستوى مواطنين متساويين في الحقوق و الواجبات في ظل سيادة الشعب، و سيادة القانون. أعضاء في مجتمع مدني و أعضاء في الدولة القومية أوالدولة - الأمة و اعضاء في طبقات اجتماعية مختلفة و متناقضة تمتلك وعيا بذاتها و بشروطها الاجتماعية - السياسية، رغم أن هذا الوعي - على ضرورته و أهميته - لايحدد فاعلية طبقة اجتماعية ما و لاطابعها التقدمي أو المحافظ و الرجعي، لأن هذين يبقيان دائماً شيئاً موضوعياً.





    الهوامش

    1 ـ كارل ماركس- نقد الاقتصاد السياسي - ترجمة د. راشد البراوي-دار النهضة العربية -القاهرة -ص7 - 8.

    2 ـ محمد أركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي - ترجمة هاشم صالح -مركز الإنماء القومي - بيروت ص 291

    3 ـ راجع فيما يتعلق بهذا المفهوم، ومفاهيم الكتابة والثقافة العالمة والأرثودكسية والمشروعة العليا.. الخ د. محمد اركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ص 19 وما بعدها.

    4 ـ المرجع السابق ص 293.

    5 ـ راجع ماركس وانجلز - حول الدين - ترجمة ياسين الحافظ - دار الطليعة، بيروت، ص 69.

    6 ـ راجع محمد أركون، المصدر السابق، ص 91 وما بعدها.

    7 ـ راجع محمد أركون، المصدر السابق ص 92.

    8 ـ راجع عبد الرحمن الكواكبي - طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد - ص 36 وما بعدها.

    9 ـ المرجع السابق، ص67.

    10 ـ المرجع السابق، ص 36.

    11 ـ محمد أركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ص 27.

    12 ـ من أجل الوقوف على هذه التناقضات المصطنعة والإشكاليات الزائفة راجع كتابات الدكتور برهان غليون وخاصة "اغتيال العقل" و "مجتمع النخبة".

    13 ـ حسن حنفي - مساهمته في " الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي " - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، ص 176 وما بعدها.

    14 ـ عمدت إلى عرض مقالة الدكتور حسن حنفي الآنفة الذكر، بقدرما سمح سياق الموضوع لأنني أدعي أن جذر غياب الحرية والديمقراطية..هو غياب العلمانية من ميدان الفكر والعمل، وأن سياق مقالة الدكتور حنفي يؤكد ذلك. راجع المقالة في كتاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، مصدر سابق، ص 176. وما بعدها.

    15 ـ عبد الرحمن الكواكبي - طبائع الاستبداد - مصدر سابق- ص 50

    16 ـ الياس مرقص، مقال في مجلة الوحدة.

    17 ـ الياس مرقص- القومية العربية والاسلام - ندوة شارك فيها عدد من المفكرين والباحثين - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت.

    18 ـ الياس مرقص - المصدر نفسه، ص331.

    19 ـ ماركس - المسألة اليهودية - دار الطليعة - بيروت.

    20 ـ الياس مرقص -مرجع سابق- ص 336.

    21 ـ د. محمد أركون- تاريخية الفكر العربي الإسلامي - مرجع سابق.

    22 ـ د. محمد أركون، المصدر نفسه، ص 214.
                  

العنوان الكاتب Date
العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 04:26 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 04:43 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 05:48 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 05:14 AM
      Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 05:19 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 05:49 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا yumna guta05-01-05, 08:40 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 08:50 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-01-05, 09:39 PM
  العلمانية حتمية تاريخية هشام المجمر05-02-05, 05:51 AM
    Re: العلمانية حتمية تاريخية معتز تروتسكى05-02-05, 07:09 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-02-05, 07:30 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا أحمد أمين05-02-05, 08:02 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا hala alahmadi05-02-05, 08:11 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Rabab Elkarib05-02-05, 08:51 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sudany Agouz05-02-05, 09:43 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-02-05, 12:28 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-02-05, 01:30 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-02-05, 07:07 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Bashasha05-02-05, 07:48 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-02-05, 09:40 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-03-05, 10:39 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا خالد العبيد05-04-05, 00:53 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-04-05, 06:47 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Omayma Alfargony05-04-05, 10:57 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-04-05, 08:39 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا abuarafa05-05-05, 00:55 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-05-05, 07:27 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 07:40 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 08:01 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 08:05 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 08:15 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sudany Agouz05-06-05, 01:58 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 06:16 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 06:20 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 06:36 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-06-05, 07:15 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-07-05, 03:41 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-08-05, 08:49 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-11-05, 01:13 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-11-05, 01:25 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-11-05, 01:34 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:30 AM
      Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:32 AM
        Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:34 AM
          Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:36 AM
            Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:37 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-12-05, 09:42 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-17-05, 06:25 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا خالد عويس05-17-05, 06:33 AM
      Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا معتز تروتسكى05-17-05, 06:38 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-17-05, 06:46 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-17-05, 02:11 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 04:55 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 04:57 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 04:59 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 05:16 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-18-05, 05:02 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-18-05, 07:01 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-18-05, 09:28 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-18-05, 09:43 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-18-05, 09:51 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-18-05, 10:09 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:08 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:09 AM
      Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:11 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:42 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:44 AM
      Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا محمود الدقم05-19-05, 06:45 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-19-05, 11:10 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-21-05, 04:54 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-24-05, 09:54 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef05-28-05, 03:27 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef06-03-05, 10:37 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-22-05, 11:59 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-25-05, 08:07 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-28-05, 02:35 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Ahmed Al Bashir10-28-05, 04:15 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-28-05, 05:49 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-30-05, 02:35 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا yumna guta10-30-05, 04:55 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef10-30-05, 05:22 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-01-05, 06:23 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-16-05, 09:23 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا WADKASSALA11-16-05, 10:20 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-16-05, 11:09 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:38 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Mohamed Elgadi11-29-05, 03:47 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:40 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:41 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:42 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:44 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-20-05, 09:46 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-26-05, 09:13 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا زياد جعفر عبدالله11-26-05, 05:01 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-28-05, 10:01 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Mohamed E. Seliaman11-29-05, 00:09 AM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-29-05, 06:37 PM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Mohamed E. Seliaman11-29-05, 11:38 PM
  Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Sabri Elshareef11-30-05, 06:38 AM
    Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا Mohamed E. Seliaman11-30-05, 07:07 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de