هنا فداسي

الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرسل إلي الأخ بشير بله بهذه المشاركة.

الأخ /هيثم بابكر
الإنحناءة والتحية
إلتقيتك في حياتي لخمس دقائق فقط لا غير.
الزمان/ صيف عام 2000م.
المكان/ دبي درة الخليج.
كنت أنا قادما من السعودية وأنت من السودان لنيل أحدي شهادات مايكروسوفت على ما أظن، لولا أن يكون الخرف قد تغلغل في مكان لا رجعة منه،. ولو إلتقيتك ثانية لما تبينت تفاصيل وجهك شفت الغربة دى حاجة ظريفة كيف!
وهأنذا ألتقيك ثانية عبر الشبكة العنكبوتية ومالك أثرت الشجون
السيمت، القديح، سيدنا، المٌر، بخيت سلك، أشقر، قسم، الدخان، ود الياس وعمر الكاروري، قسم الله أبو عبيده، التف، محمود العب، النعيم درار، حافظ محمود، صديق ود عبد الرحيم (كتشنير)، أبجحيرات.
فريق المحس/ بحري/ حمد/ الحدبة/ المسيد
خور دفار/ الشريف على/ دكان النيل
دي ما ياها الخلطة السرية التى فاقت خلطات كنتاكي وهارديز والتى أعطت لفداسي نكهتها وألقها
إيه أيام تولت فأرجعيها نترع الكأس مذاقا
الشاعر (الأمين بله)
ودعني أستاذن شقيقي إسحق لأٌدخلك بدلا عنه دكان النيل

دكان النيل
(برجمان سنتر والميغا مول)

في إكتوبر من عام 1964م الشعب هب وثار وأشعلها نار في نار وكانت
الفنانــــــــة أم بلينا السنوسني تصدح (وكان القرشي شهيدنا الأول)، وكان
المهندس خدر حنون يرمم سباكة ديوان والدي بله طيب الله ثراه،وطلب منى 2 كيلو
جبس وكيلو مسامير رأسي ضرب المهم أخذت الفلوس وتخطيت عتبة الديوان لتجدني وجها
لوجه أمام الأخ/ عبد الرحيم السماني. ياود السماني خدر حنون ده ما بالغ! قال
عايز جبس، قال.
قال لي : نمشي دكان النيل والله لو عايز رأس سلندر لوجدته وبالفعل عدنا بالجبس،
ومسامير متعددة المقاسات، ووالله يا هيثم إستخفيت بالنيل، الدوم كان بالكرتونة
وطائرة بلاستيكية منفوخة لونها بمبي بأجنحة صفر كانت معلقة على حلق الباب .
وإذا ما أخذنا فارق التوقيت ما بين عامي 1964 و 2006م فلا أستغرب أبدا أن أزور
دكان النيل في إجازتي القادمة لأشتري لأبنائي Play station 4 وأحدث جوالات
الجيل الثالث من NOKIA و SAMSUNG مع كيس مليء بالقنقليز والسينات وكد الدوم.
وأسمح لي إصطحابك في رحلة من دكان النيل لطاحونة ود الجاك لنلتقي بثلاثة أعلام
من فداسي دفعة واحدة (محمود العب، القديح وخضر حنون)، ولنبدأ بأولهم محمود العب
محمود العب هكذا يعرف بالقرية. ومحمود من الشخصيات الأثيرية بالقرية الى جانب فضيلة، والقديح وعمر الدخان،
، والكردون وود عكر، وعبدالله قاموتي،والسيمت والكديس وآخرون.
كان محمود في العقد الخامس من العمر غير أنه كان رشيقا سريعا كغزال وهيهات أن
يجاريه أي من شباب القرية مشيا أو عدوا.
ويؤكد لنا كبارنا بأن محمود (حجيري) هكذا وجدوه نفس الخلقة وكأنما نموه قد
توقف وفشل الزمن في أن يخط بصماته عليه. وأخونا عوض نور الدين كان بقول ليك:
(والله محمود ده زي الهايلوكس المقرشة).
ومحمود كروكي الشكل لدرجة تَُعجز أي فنان في تجسيد ملامحه، تميزه لحية غريبة لا
تتجاوز العشر مسامير مثل رأس أخونا وصديقنا (سو ود مرحوم) الذي كان يهمس
إلينا بأنه ما مشتهي شيء في هذه الدنيا غير (قٌجه).ويرد عليه الأخ عبد الرحيم السماني "ود إشراقة" والله يا سعيد ده عشم إبليس في الجنة، فيضحك سو مازحا، خلاص يا صلاح مصطفي.
ومحمود كان مهزارا خفيف الظل،وله صوت حاد رخيم يشق سكون الليل

تيه واتاكا مراض وصحاح مقلو الفتاكة ظبي الرام
خريف وشتاك ميس يا بان المصري أتاك النســـــام
البي أفتاكا جاب لى روايحك لي هتاكا عود يا منـــام
ما بغباك شغفي عليك ومتى متى أصباك تزيدني هيام
وترينى صباك وتهدي عتاب وحنان نتباكا على الأيــام

ثم يهذي بين الفينة والأخرى
( ناس كا وما ورا) ( أنا ما قلت ليكم أنا مٌر )
كان محمود يعمل ويقطن في طاحونة ود الجاك بأقصي شمال القرية، وكان الكل متعجب
من سكناه وحيدا في هذا المكان الموحش وهو المشهور بخوفه الشديد. والطاحونة
يفصلها عن القرية خور دفار الذي تتجمع فيه مياه الأمطار وتنتهي إليه مصارف
القرية قبل رحلتها للمصب في النبل الأزرق. ولوفرة المياة في الخور، نمت على
ضفافه غابة من أشجار العشر كانت تشعرنا برهبة شديدة عندما نجتاز هذا الحاجز في
طريقنا من والى الطاحونة لا سيما عندما يتأخر دقيقنا الى ما بعد الغروب.
والطاحونة رغم بعدها وبؤسها الشديدين إذ لم تطالها يد الصيانة منذ أن أنشئت في
الأربعينات غير أن خفة دم محمود كانت تضفي عليها أجواء فرائحية وتغرق روادها
في ضحك متواصل من حركاته البهلوانية وتعليقاته الساخرة. وكان كلما أتي فوج من
الأطفال يتفرس وجودهم بإهتمام بحثا عن صلاح مجذوب أو أحد إخوانه وما أن يرى
أحدهم حتى يصيح،
(( ناس ملح جو أنا بدسو أنا ما كعب)).
وأصل الحكاية أن ود الجاك رئيس مجلس إدارة الطاحونة كان قد أصدر فرمانا
لمديرها العام (خضر حنون) مفاده عدم تقاضي أية رسوم طحين من ود مجذوب غير أن
محمود لم يرقه هذا الإستثناء، وحيث أنه لا يستطيع أن يبوح بسخطه هذا أمام ود
الجاك أو ود مجذوب فلا بأس أن يشفي غليله في أبنائه (أولاد ملح) مستنكرا فعلتهم
الشنيعة هذه وما زال أخونا صلاح مجذوب حانقا على محمود الذي سبب له عقدة من
الطاحونة وحرمه من الإستمتاع بأجوائها.
لم نكن ندري لمحمود وصفا الإ بعد أن طالعنا أديبنا الطيب صالح بشخصية الزين في
رائعته (عرس الزين)، فمحمود هو الزين عينه.
كان يحلو لمحمود أن يجوب شوارع القرية رأسيا وأفقيا في سرعة مذهلة لذا تجده
أني تذهب وفي أي إتجاه تسوقك اليه قدماك، وتسمعه يصيح بأعلي صوته
(( أنا شين انا كعب أنا كاكا ))
(أفتو الأمين ب داير يعرس بت الجا) أنا ما قلت ليكم (أنا مر قايلنى بدسو) أليس
هذا هو الزين بشحمه ولحمه.
ومن بين نوادره الكثيرة أصطحبه مرة ود الجاك معه للبندر وبينما ود الجاك
منشغلا في قضاء بعض حوائجه، إنفلت محمود في السوق يبحلق ببلاهة في المارة
والأشياء ويصيح ( العب جاكم أنا ما كا كا) وتارة يصدح بأغاني الحقيبة ويناجي
نفسه تارة أخري، الأمر الذي دفع برجال الأمن لتوقيفه وإيداعه الحبس. إنتبه ود
الجاك لغياب محمود وبينما هو منهمك في البحث عنه جاءه من يخبره بأن محمود
محبوس في القسم الجنوبي.
وبعد إنهاء الإجراءات اللازمة، إصطحب أحد العسكر ود الجاك للحبس للإفراج عن
محمود، وما أن راءه محمود حتى تهلل وجهه وإنفرجت أساريره وأخذ يصيح بأعلى صوته،
(( الحكومة َخرت ،،، ود الجاك جا )) أما قصته مع مصطفي ود أبسن فنتركها لسانحة
أخري. رحمك الله يا محمود فقد كنت معلما وعلما بقريتنا ولقد رسمت البهجة في
نفوسنا وما زالت ذكراك العطرة محفورة في مخيلة أبناء جيلنا.
ولنا عودة للذكريات والشجون
بشير بله