مواضيع توثقية متميزة

الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 04:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-15-2003, 00:32 AM

الليندي
<aالليندي
تاريخ التسجيل: 05-27-2002
مجموع المشاركات: 1188

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

    يعتقد الكثيرين أن الخلافة نظام ديني لابد من تطبيقه حتى يقام الدين كله وأن الخليفة هو خليفة الله في الأرض و هو الدين والشريعة ما يقوله هو قول الله وما يفعله هو فعل الله وما يحكم به هو حكم الله فلا يعارضه أحد إلا صار خارجاً من ملة المسلمين وبالتالي يصبغ على الخليفة صبغة النبي ( صلعم ) ويجعله مساوياً له رغم أن الرسول يوحى إليه من الله عز وجل في أمور الدين وإبانة الحق مثلما حدث في حادثة الإفك التي براء الله عز وجل السيدة عائشة منها وحتى النبي ( صلعم ) لم ينجا من عتاب خفيف من الخالق عز وجل عندما جاءه عبد الله بن أبي مكتوم ليفسر له أمر ما فاعرض عنه ( صلعم ) فنزلت الآية ( عبس وتولى وإن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يتزكى ) إذن كان هناك رابط بين السماء والأرض ( وحى ) يصحح ويقرر للناس أمورهم ولكن بعد وفاة الرسول ( صلعم ) انقطع الوحي وأصبحت المسألة مسألة اجتهاد قابلة للصواب والخطأ فالخليفة أو الحاكم بشر بخطئي ويصيب وعندما يخطيء لا ينزل وحى ليبين خطئه وبذلك تصبح الدولة دولة مدنية تقيمها الجماعة مستنده إلى قيمها ومرتكزاتها و على إرادتها حتى ولو طبقت أحكاما دينية فالتطبيق هنا تطبيق البشر ليس له قداسه أو عصمه ، والواضح أن الرسول ( صلعم ) لم يستخلف احد بعده وحتى عندما كان يخرج في غزوة أو لأمر ما لم يستخلف أحدا بعينه فتارة كان يستخلف على بن أبي طالب وتارة ابوذر الغفاري وتارة عبدالله بن أبي مكتوم وهو أعمى لا يصلح أن يكون والياً للمسلمين ولكن يستطع تصريف المسائل اليومية الملحة وفي فترة مرض النبي ( صلعم ) تكلم من على المنبر وأشار إلى قرب اجله ورغم ذلك لم يحدد خليفة بعده وكان بامكان النبي ( صلعم ) أن يقول فلان خليفتي والمسلمون من جانبهم لم يسألوه فقد ترك الأمر للمسلمين يتدبرونه فيما بينهم وهذا ما حدث بالفعل في الجدل الذي حدث بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بنى ساعدة فأي من الفريقين لم يلجا إلى آيات من القران أو أحاديث نبوية بشأن الأمر أي ( الحكم )فالصراع كان يدور حول من له الأحقية في الحكم ولم يكن يدور في الدين أو الشريعة فها هو عمر بن الخطاب يصف مبايعة ابوبكر بالفلته فيقول ( أن بيعة أبي بكر كان فلته .. غير أن الله وقى شرها ... فمن بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فإنه لابيعة له ، وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه ( صلعم ) أن على بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلف عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرين إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا الأنصار فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ... وإذ بين أظهرهم رجل مزمل ( ملتف في شيء ) فقلت من هذا فقالو سعد بن عبادة وقام رجل منهم وقال نحن الأنصار وكتيبة الإسلام وانتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفّت أي ( هجمت ) إلينا من قومكم دأفة فقال عمر لما رايتهم أنهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت هيأت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر لمبايعته ولكن أبي بكر كان أسرع فتكلم فما ترك شيئاً وقال : إما بعد يا معشر الأنصار فأنكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا وأنتم أهل له ، وأن العرب لاتعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش فقام رجلاً من الأنصار فقال منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فارتفعت الأصوات وكثر اللغط فقال أبي بكر للأنصار منّا الأمراء ومنكم الوزراء ، فقلت لأبي بكر ابسط يدك أبايعك لقد ارتضاك النبي لديننا فلا نرتضيك لدنيانا فبسط يده فبايعته ومن بعدي ابوعبيدة بن الجراح وبايعه المهاجرون وبايعه من الأنصار بشير بن سعد ( ابن عم سعد بن عبادة ) ثم وثبنا على سعد بن عبادة حتى قال قائلهم قتلتم سعد .... وأنا والله ما وجدنا أمراً هو اصعب من مبايعة أبى بكر )) يتضح من حديث عمر أن الجدل كان في أمور الدنيا وكذلك من الاقتراح المقدم من الأنصار منكم أمير ومنا أمير ثم تعديل الاقتراح من أبى بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء ثم الحادث الذي غير مجرى التاريخ وهو مبايعة بشير بن سعد لأبي بكر فقد كان هناك تنافس بين بشير وابن عمه سعد بن عبادة وقد أدى هذا التنافس بأن يسارع بشير بمبايعة أبى بكر حتى يقطع على سعد سبيل الرجعة في أن يفوز بالأمارة فادى ذلك إلى حسم الصراع لصالح أبي بكر وهذا الحدث أدى أيضاً إلى انشقاق في صفوف الاوس والخزرج وشجع المهاجرين على الالتجاء للعنف والعدوان ونتيجة ذلك انفض الاجتماع بعد أن بايع أبى بكر خمسة فقط وفي اليوم التالي اعتلى أبي بكر المنبر فبايعته جموع من المهاجرين والأنصار وتخلف سعد بن عبادة نتيجة لأصابته عن هذه البيعة ثم امتنع بعد ذلك من مبايعة أبي بكر تماماً كما امتنع عن مبايعة عمر كذلك فلم يكفره احد ولم يعتبره احد خارجاً من ملة المسلمين وعاش سعد حتى مات مقتولاً بسهم بالقرب من جنوب الشام في عهد حكم سيدنا عمر .
    وبعد أن تقلد أبي بكر مقاليد الحكم في الجزيرة العربية حدثت حروب تسمى حروب الردة غير أنها في الحقيقة حربان حرب على القبائل التي ارتدت عن الإسلام وحرب للذين امتنعوا عن دفع الصدقة لأبي بكر وظلوا متمسكين بالإسلام مثل قبائل ( أسد وغطفان وطيء ) وهؤلاء كانوا يروا أنهم كانوا يدفعوا الصدقات للرسول امتثالاً لقوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) ( سورة التوبة ) وبهذا صار أداء الصدقة إلى النبي واجباً دينياً يخول للمتصدق التمتع بصلاة النبي عليه وتزكيته له وبوفاة النبي لم تعد هناك أي صلاة عليهم أو تزكية منه فيكون بذلك سقط عنهم الالتزام وبقى عليهم إخراج الزكاة وقد غضب أبى بكر من موقف هذه القبائل وأبى إلا محاربتهم رغم معارضة عمر بن الخطاب له الذي قال له : أتقاتل رجالاً يقولون لا اله إلا الله والنبي قد عصم دم قائلها فأجاب أبي بكر [انه يجاهد في سبيل الله ثم قال لعمر ( أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام ) وقد امثل عمر لقول أبي بكر ربما ليدفع عن نفسه تهمة الضعف والخور أو ربما لخشيته من انشقاق المسلمين وقد ساء بعض المؤمنين ما فعله أبي بكر ورأوا بأنه يأخذ من حقوق النبي ما ليس له حتى قال الشاعر عبدالله الليثي من قبيلة بني ذبيان

    أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا لهفتا ما بال دين أبي بكر
    أيورثها بكر إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر


    وفي حروب الصدقة تم لأول مرة إشهار سيوف المسلمين على المسلمين وبعد أبي بكر تولى عمر بن الخطاب الحكم وقد كان شديدا حازماً حتى على نفسه قوياً يخشاه الكل فكان عهده مضرب المثل في النزاهة والتعفف ومن بعده تولى الحكم عثمان بن عفان وكان هيناً ليناً مع أهله وقد اخذ المسلمين عليه عدة اخطأ واعتبروا عهده عهد فساد ففي عهده عاد الحكم بن العاص إلى المدينة وقد كان الحكم يسمى طريد الرسول لأن الرسول طرده من المدينة وظل طريداً مدة حكم أبي بكر وعمر رغم توسط عثمان له بالرجوع ولكن بعد أن تولى عثمان مقاليد أعاده عمه الحكم إلى المدينة فأوى بذلك طريد الرسول كما أن عثمان اتخذ أقرباءه عمالاً على أمصار المسلمين ومن هؤلاء العمال الوليد بن عقبه ( ووالد الوليد هذا كان عدو النبي الذي قتله صبرا ولما قيل للنبي ومن لصبية عقبة ومنهم الوليد قال النبي لهم النار ) وقد عينه عثمان والياً على الكوفة فصلى بالناس مخموراً فزاد في عدد الركعات ولما نبهه الناس قال لهم : هلا زدتكم كما ولى عثمان عبدالله بن أبي السرح مصر وهو الذي نزلت فيه الآية (ومن أظلم ممن أفترى على الله كذبا وقال أوحي إلي ولم يوحى إليه شئ ومن قال سأنزل مثلما أنزل الله ...), لأنه ارتد بعد إيمانه فقد كان عبدالله من كتاب الوحي ثم ارتد وألحق بالمشركين, وفحوى ألقصه أن الرسول (ص) استدعاه ليملي عليه آية (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم أنشأناه خلقا آخر ...). ويقال عجب عبد الله من تفضيل خلق الله وقال: تبارك الله أحسن الخالقين , فقال الرسول (صلعم ) هكذا أنزلت إلى , فقال عبدالله : لئن كان محمدا صادقا فقد أوحى إلى كما أوحى إليه , ولئن كان كاذبا , قلت كما قال و عند فتح مكة أمر الرسول (ص) بقتله هو وعبدالله بن خطل ومقيس بن صبابه ولو تعلقوا بأستار الكعبة, ففر عبد الله واحتمى بسيدنا عثمان بن عفان أخيه في الرضاعة فغيبه فتره حتى تهدأ الخواطر ثم أتى به إلى الرسول (ص) طالبا العفو فصمت الرسول طويلا ثم استجاب. وبعد ذهاب عثمان وعبد الله قال الرسول (صلعم ) لمن كان معه من الصحابه : ما صمتت إلا ليقوم أحدكم فيضرب عنقه. فقال أحد الأنصار: فهلا أومأت إلى؟ فقال الرسول (صلعم) إن النبي لا ينبغي إن تكون له خائنة الأعين . وفي عهد عثمان انحرفت قبيلة هذيل عنه لايذاء عبدالله بن مسعود وايضاً قبيلة عمار بن ياسر ( بنو مخزوم ) إضافة لنفيه أبو ذر الغفاري إلى الربذة ومنعه من البقاء في المدينة والذهاب إلى مكة وأدى هذه الفساد إلى ظهور المعارضة بقيادة الهاشميين بزعامة على بن أبي طالب وانضمت إليهم السيدة عائشة زوجة النبي وحرضت الناس على قتل عثمان فكانت تقول اقتلوا نعثلا فقد كفر ( ونعثل هذه نصراني يشبه عثمان بن عفان في الشكل ) وربما هذا القول هو الذي عجل بقتل عثمان من قبل الثوار وكان عثمان قد كتب لعلى بن طالب عند محاصرة الثوار بقيادة ( محمد بن أبي بكر الصديق شقيق السيدة عائشة ) لداره رسالة عبارة عن بيت شعر جاهلي يقول فيها

    فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي وإلا فأدركني ولم أمزق

    ولكن ايدى الثوار كانت اسرع من نجدة على وبقتل عثمان اندلعت الفتنة الكبرى واستنت فكرة اهدار الدم وبويع على بن أبي طالب حاكماً للمسلمين ولكن الأمويين بقيادة معاوية بن أبي سفيان والي الشام طالبو بأخذ ثار عثمان وايضاً طالبت السيدة عائشة بثأر عثمان بعد أن سمعت بمبايعة على حاكماً للمسلمين ولما قالوا لها إنها أول من كفره ودعا لقتله قالت أنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالو وقولي الأخير خير من قولي الأول والواضح أن السيدة عائشة كانت تحمل في نفسها شيئاً تجاه على بن أبي طالب وفحوى القصة أن النبي ( صلعم ) عندما اختلق المنافقين قصة الإفك سأل على بن أبي طالب عن رأيه فقال له على : الم تجد نساء غيرها وكان رأيه بأن يطلقها وبتزوج بغيرها فأضرمت السيدة عائشة ذلك تجاه على وبعد سماعها بتولي على الحكم اجتمعت مع الزبير ( زوج السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق ) وابنه طلحة وكانا الأخريين قد بايعا علياً إلا أنه قالا أنهما بايعاه مكرهين فخرجوا لمحاربة على فهزمهم على في موقعة الجمل وقتل طلحة والزبير وهذه الواقعة تؤكد أن خلاف المسلمين كان على من يحكم لا في نظام الحكم والدين لآن السيدة عائشة هي التي قال عنها النبي ( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ) والإمام على هو الذي لم يسجد لصنم ووعاء الدين .
    وبعد موقعة الجمل حدثت موقعة أخرى بين على ومعاوية ( موقعة صفين ) وكان النصر لعلى الذي كان بامكانه قتل عمرو بن العاص بن الحكم عندما وقع الأخير على الأرض وعندما هم على بن أبي طالب بطعنه كشف عمرو بن العاص عن عورته فأشاح على وجهه عنه وقد قال الشاعر العراقي مظفر النواب في ذلك

    أنبئك عليا ما زلنا نمسح بالخرقة حد السيف
    ومازلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
    ومازالت عورة عمرو بن العاص معاصره تقبح وجه التاريخ


    وعندما أيقن معاوية بأنه مهزوم رفع جيشه المصاحف على الرماح مطالبين بتحكيم كتاب الله فقبل على التحكيم واختار من جانبه أبي موسي الأشعري واختار معاوية عمرو بن العاص الذي خدع أبي موسى وأقنعه بخلع على ومعاوية حتى تنتهي الفتنة وقبل أبو موسى بذلك وقدمه عمرو بن العاص عليه فصعد أبي موسي وخلع علي إلا أن عمرو بن العاص لم يخلع معاوية بل صعد وثبته وهى ما جعل على بن أبي طالب يقول قولته ( عباد الله امضو على حقكم وصدقكم قتال عدوكم فإن معاوية وعمرو بن العاص ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال وشر رجال ويحكم أنهم ما رفعوا المصاحف إلا خديعة ودهنا ومكيدة ) وبقبول على التحكيم انشقت من جيش على فرقة سميت بالخوارج ورفعت شعار ( لا حكم إلا الله ) الذي طوره حسن البنا ليصبح بعد ذلك ( الحاكمية لله ) فظهر المنهج التكفيري فقد كفر الخوراج على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وقرروا قتلهم بعد أن تداولوا في أمر الأمة فوجدوا أزمتها تكمن في زعامتها فأرسلوا ثلاثة منهم لقتل الثلاثة ( على ومعاوية وبن العاص ) في 19 رمضان في وقت صلاة الفجر ولم يحسن المرسل لمعاوية الضربة فلم تقتله أما الذي أرسل لقتل عمرو بن العاص فقد قتل من ناب عنه في الصلاة لان عمرو بن العاص كان مريض ولم يخرج للصلاة وكان اسم النائب ( خارجة ) فقال المرسل قولته الشهيرة ( أردت عمرو وأراد الله خارجة ) إما الذي أرسل لعلى بن أبي طالب ( عبدالرحمن بن أبي ملجم ) فقتله وبذلك دانت السيطرة لبني أمية بقيادة معاوية بن أبي سفيان بعد إن رضي الحسن بن على بتسليمه الخلافة ولكن اشترط أن تعود له الخلافة بعد وفاة معاوية ولكن معاوية كان أدهى فدس السم في العسل للحسن بواسطة زوجته( جعدة بنت الاشعث الكندي ) وقد اشتهر معاوية بدس السم في العسل فقبلها كان قد دس السم لمالك بن الاشتر عامل على بن أبي طالب في مصر وقد قال معاوية بعد مقتله قولته الشهيرة ( ولله جنود من عسل ) يتضح من ما سبق ذكره أن الخلافات والمعارك التي دارت بعد وفاة النبي لم تكن لإقامة الدين والشرع ( دولة دينية ) وإنما كانت خلافات سياسية لتقلد الحكم قال تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) وقد كان الصراع دائماً بين فريقين وفي كل فريق يوجد احد المبشرين بالجنة فالصراع صراعا مدنياً لإقامة دولة مدنية مثل صراع اليوم فالدولة الدينية انتهت بوفاة النبي ( صلعم )
                  

07-15-2003, 03:01 AM

حسن الجزولي
<aحسن الجزولي
تاريخ التسجيل: 12-05-2002
مجموع المشاركات: 1241

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: الليندي)

    اخى / الليندى

    ينصر دينك, وهو ديننا الذى يريد له الذين فى قلوبهم مرض الا اماتته , فقأ الله عيونهم اجمعين وهم الذين يقرأون أياته كما شاء لهم ان يسودوا فى الارض , وهم مادروا ان الله داري بما يفعلون

    اراك كثير الغياب عن البورد , اقدر ظروفك , ولكن غيب وتعال , دون ان تطول كثيرا

    وتحياتى
                  

07-15-2003, 03:46 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: حسن الجزولي)


    الأخ الليندي
    لا أعلم مدي اطلاعك علي القرآن وما مدي فهمك لآياته .. ولكن اوجز لك الحديث في كلمات .. اتقي مهالك الكلم
    هذا هو عنوانك
    Quote: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

    ودعنا نفصل العنوان الي شقين
    الدولة الأسلامية أنتهت بوفاة الرسول
    لا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

    وأحب أن اسألك من وحي عنوانك
    هل كانت علي أيام الرسول هناك دولة اسلاميه قائمة؟؟
    وماهي مرتكزات ونظم هذه الدول ؟؟؟
    ومن اين استمدت هذه الدوله تشريعاتها .. مادامت لاتوجد في القرآن نظم للحكم؟؟؟
    ...
    ولا تذهب في اجاباتك بعيداً وانت تعترف بوجود دوله اسلاميه كانت قائمه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم

    ======
    واليك هذا المقال عسي أن يفي في ايضاح نظام الحكم في الاسلام
    بالرغم عن اختلافنا مع توجهات الكاتب الشيعيه في مسائل اخري
    عرض كتاب في الاجتماع السياسي الاسلامي

    عرض: محمود عبد الكريم

    صدر حديثا عن «المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع في بيروت» كتاب جديد لسماحة العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين يحمل عنوان «في الاجتماع السياسي الاسلامي، المجتمع السياسي الاسلامي ـ محاولة تأصيل فقهي وتاريخي»، ويعتبر كتابه الثاني في ابحاثه عن المسألة السياسية في الاسلام بعد كتابه «نظام الحكم والادارة في الاسلام».

    والكتاب يقع في 372 صفحة من القطع الكبير، ويبحث قضية تكوين المجتمع السياسي الاسلامي ومقوماته، وقضية الدولة الاسلامية، ويتضمن ابحاثا عن الاساس النظري للدولة في الاسلام على مستوى التشريع حيث يكتشف سماحته ان مشروع الدولة في الاسلام على المستوى النظري نتيجة ضرورية لكون الامة مسلمة ملتزمة بالشريعة.

    ويختلف منهج الشيخ شمس الدين في البحث عن المنهج المتبع عند معظم الباحثين الذي يقوم على اعتبار ان مشروع الدولة والحكومة جزء من التشريع الاسلامي وليس نتيجة له.

    ويتضمن الكتاب ابحاثا عن المبادىء ـ الاسس والقيم السياسية ـ الاخلاقية التي شكلت وكونت المجتمع الاسلامي. وهذا ما توقفنا عنده وسلطنا الاضواء عليه نظرا لاهميته الخاصة.

    وهناك ابحاث من التطبيق التاريخي للمجتمع السياسي والدولة، كما يبحث مسألة استمرار الدولة بعد النبي (ص) وهي التي تعتبر اهم واخطر مسائل الخلاف السياسي في المجتمعات الاسلامية في العصر الحديث.

    ويتناول البحث الاخير مسألة «الخصوصية الشيعية في اطار الاسلام» فيما يتعلق بطريقة التعامل مع انظمة التغلب والجور، وفيما يتعلق بمسألة مشروعية اقامة الدولة الاسلامية في عصر الغيبة الكبرى للامام المهدي المنتظر (ع).

    الملامح العامة ـ المبادىء والاسس في شأن المجتمع السياسي والدولة والنظام

    ويقسم البحث في هذا المجال إلى فصلين:

    الاول: قيم المجتمع السياسي الاسلامي التي تقوم عليها فكرة الدولة في الاسلام.

    الثاني: سياسات الدولة في المجتمع الاسلامي.

    الفصل الاول

    يبدأ بحثه بتعداد مكونات مفهوم الدولة الحديثة وهي ثلاثة امور:

    1 ـ مجموعة بشرية (شعب أو امة).

    2 ـ حكم يجسد سلطة على الشعب.

    3 ـ قوانين واحدة لجميع الافراد ومن دون تمييز بينهم.

    ثم اوضح ان الفقهاء المسلمين لم يتعرضوا في ابحاثهم السياسية عن الدولة وانظمتها إلى عنصر (الارض) الذي يجري تداوله في الدراسات السياسية المعاصرة وتعتبره النظريات الحديثة في الدولة عنصرا رابعا لها. ويشير إلى ان بعض المستشرقين توهموا ان الفقه السياسي اهمل هذا العنصر الاساس في تشكيل الدولة، ولعل بعضهم ذهب نتيجة هذا التوهم إلى ابعد من ذلك حين زعموا انّه لا وجود لفكرة الدولة في الاسلام!

    وفي معرض رده على هؤلاء يوضح سماحته ان اهمال الفقهاء المسلمين لبحث هذا العنصر ليس ناشئاً عن عدم اعتباره ضمن مفهوم الدولة فضلاً عن القول بعدم وجود فكرة الدولة في الاسلام. بل هو ناشيء عن ملابسة مفهوم الامة واتحاد المفهومين في الصدق الخارجي والوجود التاريخي عند انشاء الدولة الاسلامية في المدينة في عهد النبي «ص» وبعده طيلة الفترة التاريخية التي كانت دولة الخلافة فيها تمارس سلطة فعلية أو شكلية على جميع «دار الاسلام».

    فقد كانت ارض الدولة الاسلامية تشمل جميع مساحة ما سمي فيما بعد بـ «دار الاسلام» حيث توجد وتعمل الامة الاسلامية. وحين كان الفقهاء يبحثون عن دار الاسلام واحكامها كانوا يبحثون عن ارض الدولة التي هي ارض الامة، ولم يلحظوا في ابحاثهم عندما كانت الامة لا تزال موحدة في دولة واحدة امكان انقسام الامة إلى دول، وانقسام دار الاسلام إلى اراض لهذه الدول.

    ولكن حين بدأت الامة تشكل نفسها في صيغ تنظيمية ـ سياسية متعددة بحث الفقهاء في مشروعية تعدد الامة وأجازه المشهور وفقاً لمعايير، سبق وان اشار اليها الشيخ في كتابه «نظام الحكم والادارة في الاسلام».

    ثم ينتهي العلاّمة شمس الدين بنتجية تقول «ومن دون عنصر الارض لا يمكن تصور وجود الشعب والدولة والحكومة والسلطة وممارسة تطبيق القانون». ويعتبر ان هذه المكونات بما فيها عنصر الارض كانت دائماً موجودة في الاسلام تقتضيها عقيدته وشريعته.

    ويتطرق بعد ذلك إلى المفاهيم والقيم الانسانية والاخلاقية التي قامت عليها وتكونت منها فكرة الدولة في الاسلام، مؤكداً انها نفس القيم التي يتجه اليها طموح البشر في العصر الحديث على مستوى الدولة الوطنية والقومية، وعلى مستوى النظام الدولي المرتجى، وهي قيم العدالة والحرية الواعية وكرامة الانسان وتيسير سبل التكامل الروحي والمادي لبني البشر.

    ***

    الفصل الثاني: سياسة الدولة في المجتمع الاسلامي

    يتناول البحث في الفصل الثاني من القسم الثاني من الكتاب مسألة «سياسات الدولة في المجتمع الاسلامي» على المستويات العسكرية، والقضائية، والاقتصادية، والداخلية، والخارجية، ومسألة المواطنة واللجوء السياسي، ونظام الاسرة ووضع المرأة.

    السياسة العسكرية ـ الحرب في الاسلام

    يعتبر سماحة الشيخ شمس الدين ان الحرب المشرعة في الاسلام هي حرب دفاعية ورادعة ضد عدوان القوى الخارجية والدول ذات الانظمة والفلسسفات المادية والضالة والتي يعتبر العدوان ضد المجتمع الاسلامي طبيعة ثابتة فيها، بما انّه مجتمع متميز عن غيره من المجتمعات يقوم على مبدأ العدالة ويحمل رسالتها.

    ويرى ان القتال المشروع في الاسلام هو الحرب الدفاعية خاصة مستدلاً بالآية الشريفة:

    (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم..).

    وان للمسلمين ان يقاتلوا دفاعاً عن أنفسهم وعن المجتمع الاسلامي ودولته ضد من يعتدي عليهم من القوى المعادية. ويعتبر الخطاب في الآية المذكورة موجها إلى الامة وليس إلى فئة خاصة من المجتمع السياسي أو الامة.

    وبما ان هذه الحرب تحتاج إلى الاستعداد والاعداد على مستوى التعبئة والتجنيد والتسليح والتمويل، فقد خاطب الله المسلمين بوجوب اعداد اسباب القوة المناسبة للحرب، والاستعداد للدفاع بكل الامكانات المتاحة بقوله تعالى:

    (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم..).

    ثم يوضح ان الغاية الاساس من الاعداد والاستعداد هي ايجاد الرهبة الرادعة عن العدوان، فاذا لم يرتدع العدو كان المسلمون على استعداد لمقاومته. وهذا يتناسب مع كون الحرب المشروعة هي الحرب الدفاعية. ويرى ان «اعداد القوة» وحده لا يكفي في خوض الحرب وكسبها، بل على المسلمين بناء قوة دفاعية متفوقة على جميع اعدائهم ليمكن تحقيق الرهبة الرادعة عن العدوان، وتحقيق النصر السريع للمسلمين إذا ما وقعت الحرب.

    الاستجابة لدعوة السلام:

    بما انّ الحرب دفاعية، فان الدعوة إلى السلم على اساس عادل تلقى استجابة فورية.

    (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله).

    ويوضح الشيخ شمس الدين ان الاستعداد لقبول عرض السلام لاقرار حالة السلام بين المسلمين وغيرهم موجود دائماً، فان وجوب قبول الدعوة إليه إذا كان عادلاً مبدأ من مبادىء التشريع الدفاعي العسكري في الاسلام.

    ويستدل بالآيتين الشريفتين في شأن الحرب والسلم.

    (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم..).

    (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة).

    على ان الخطاب في قبول الدعوة إلى السلام موجهة إلى النبي «ص» دون الامة، والخطاب المشروع للحرب والامرة موجه إلى الامة.

    ويرى ايضا ان ابرام معاهدات السلم هو حق خاص للقيادة العليا للدولة الاسلامية وليس لأحد دونها مهما كان شأن السلطة التي يتولاها. وأما الحرب فانها في بعض الحالات من شؤون القيادة ـ إذا كانت هناك دولة اسلامية ـ على مستويات تحريك القوى وادارة العمليات، وفي بعض الحالات تتوقف مشروعية الدخول في الحرب على القيادة، ولكن الحرب الدفاعية في جميع الحالات واجب كفائي على الامة، عام لجميع افرادها.

    السلطة القضائية

    في المجتمع الاسلامي لا سيادة لغير الشرع الاسلامي على الجميع. فالشريعة الاسلامية هي اساس القضاء في الخصومات بين الناس سواء أكانت الدعوى بين مسلمين، ام بين مسلم وغير مسلم، ام بين غير المسلمين إذا ترافعوا إلى القضاء الاسلامي.

    واما في غير المسلمين فيرى سماحته ان القاضي المسلم له الحق ان يمتنع عن الحكم بينهم إذا تحاكموا إليه وكان له ان يحكم بينهم بحكم الاسلام وليس له ان يحكم بغير ذلك. وأما إذا لم يتحاكموا إلى القضاء الاسلامي فلهم ان يفصلوا في خصوماتهم وفقاً لشريعتهم، ذلك ان القضاء يجب ان يرتكز على المضمون والتكون العقيدي والتشريعي للمجتمع وينبثق منه، لان ذلك يجعل حكم القاضي موافقاً لايمان المتقاضيين واعتقادهما بالاسلام وشريعته. ويكون ذلك اساساً لشعورهما بعدالة الحكم وقداسته، وتكون ضمانات تنفيذ الحكم واحترامه اكثر وأوفر.

    ومن هذا المنطلق فان الشيخ شمس الدين يؤكد على ان يرجع القضاء كله في البلاد الاسلامية إلى الشريعة الاسلامية ويقوم عليها، ولا يكفي الاقتصار في الرجوع إلى الشريعة على الاحوال الشخصية فقط.

    وفي ما يتعلق بتعيين القاضي فانه يرى ان ذلك من حق الحاكم الاعلى فهو القاضي الاكبر وهو الذي يعين القضاة ويعزلهم إذا صـدر عنهم ما يوجب ذلك، أو فقدوا الاهلية لسبب غير ذلك.

    وفي هذا الاطار يتطرق سماحته إلى مسألة تعيين القاضي في عصر غيبة الامام المعصوم، حيث يرى ان المعصوم قد بين الشروط والضوابط التي تعتبر في من يتصدى للقضاء، فيما يسمى «النصب العام». وأمّا تعيين الفقيه الفلاني لمنصب القضاء فلابد ان يكون باختيار الامة ومن شؤون الجماعة التي يراد نصب القاضي لها، وليس من سلطات الحاكم، ولي الامر غير المعصوم ذلك، حتى على القول بالولاية العامة للفقيه.

    ونظرا لكون هذه المسألة مهمة فقد اوضح سماحته انّه لابد من مزيد بحث وتأمل فيها، وقال: ذكرناها على سبيل الاحتمال والمذاكرة وليس لنبني عليها.

    السياسة المالية والشأن الاقتصادي

    في مسألة السياسة المالية يعتبر سماحة الشيخ شمس الدين المجتمع الاسلامي مجتمع كفاية ومواساة، ولا يجوز من الناحية النظرية التشريعية ان تكون فيه اسرة أو شخص لايجدان كفايتهما من الحاجات الحياتية بحسب المستوى السائد المتعارف عليه في المجتمع.

    واشار إلى ان الله تعالى شرع اسس هذا النظام المعروف بالتكافل الاجتماعي في القرآن الكريم حيث وضع الكتاب المقدس اساس التشريع الضريبي للضرائب الثابتة، كما وضع اساس ومبادىء السياسة المالية في ضريبتي الزكاة والخمس وبين مصارف هذه الضرائب.

    ثم يوضح المبدأ الاساس في النظام الضريبي والسياسة المالية، بل في النظام الاقتصادي كله وهو قوله تعالى (كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم..).

    إلاّ ان الغاية من النظام الضريبي هي ليس مجرد الحيولة دون تركيز الثروة والقدرة الاقتصادية في ايدي الاغنياء، وانما هي تكوين مجتمع الكفاية والمواساة والتكامل الاجتماعي.

    ويستدعي هذا النظام ـ في رأي سماحته ـ والهدف الذي رسم له قيام وتكوين نظام ودولة وحكومة، اذ لا يمكن تطبيقه إلاّ من خلال سلطة قائمة ومؤسسات سلطوية اذ لم تترك مسألة تنفيذه لافراد المسلمين.

    اما فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي فهناك مبادىء عامة في التشريع وضعها الله تعالى في القرآن الكريم توجب التصرف بالثروة على نحو يحول دون التعامل بالربا، ودون اكل الاموال بالباطل، ودون الادلاء بالاموال إلى الحكام ودون، ان تتركز الثروة العامة في ايد قليلة فتكون دولة بين الاغنياء فقط.

    وهناك صلاحيات تشريعية ـ وفقاً للقواعد العامة في الشريعة ـ للحاكم في مجالات الفراغ التشريعي التي لم يرد فيها نص شرعي، وهي غالباً حالات تنشأ من تطور وسائل الانتاج والاستثمار والوضع التنظيمي للمجتمع وحالات الكوارث الطبيعية أو نتيجة للحروب.

    وفي ختام هذا البحث اشار إلى الدراسات الفقهية العامة التي وضعت في الشأن الاقتصادي والاجتماعي الاسلامي من قبل فقهاء كبار وعلماء فضلاء. وخصّ بالذكر كتابات آية الله العظمى الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر «اقتصادنا» و«البنك اللاربوي في الاسلام» معتبراً اياها اهم واشمل ما وضع في هذا الشأن.

    ***

    السياسة الداخلية

    الوحدة الداخلية:

    يعتبر الشيخ شمس الدين الوحدة الداخلية للمجتمع السياسي الاسلامي وللامة الاسلامية واجباً شرعياً عظيماً مقدساً، فضلا عن كونها واجباً سياساً ايضا. ويستند في ذلك على الآيات الكريمة:

    (.. ولا تنازعوا فتفشلوا).

    (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا).

    كما يعتبر الاخلال بها جريمة كبرى وكبيرة من الكبائر.

    ويرى ان واجب الوحدة يعلو على كل شيء، فهو فوق جميع المصالح الفردية والفئوية، ولا يجوز لاحد انتهاكه إلاّ في حالة واحدة فقط، وهي أن يؤدي السكوت عن الاحتجاج والثورة إلى تهديد الاسلام.

    مشروعية الحلف ومشروعية الاحزاب؟:

    ويثير الشيخ شمس الدين من خلال مسألة الوحدة مسألة جديدة وهي مشروعية التحالف بين الجماعات داخل الامة، فالوحدة تقوم من خلال الانتماء إلى «الجماعة»، وأي تحالف داخلي لانشاء «وحدة صغرى» داخل الامة قد يكون عامل تفتيت للوحدة العامة، ويقول سماحته: لذا ذهب البعض من الفقهاء إلى تحريم التحالف في الاسلام مستندين إلى حديث نهى عن ذلك وادعى البعض تواتره.

    إلاّ ان سماحته يرى ان هذا الامر يثير مسألة مشروعية تكوين الاحزاب وتأليف الجبهات السياسية من عدة احزاب في مقابل الحكومة أو مقابل حزب أو جبهة أحزاب سياسية اخرى. وهذه المسألة هي موضع ابتلاء الاسلاميين الواعين في طول العالم الاسلامي وعرضه.

    ثم يجيب الشيخ شمس الدين على هذه الاثارة داعياً إلى النظر إلى المسألة من زاوية مضمون التحالف وهدفه ويقول: «فان كان ـ اي التحالف ـ يعرض الوحدة المجتمعية للامة للتصدع بحيث يؤدي إلى الانقسام والمواجهة بما يؤدي إلى الحرب بين المتحالفين، ومن تكوّن الحلف ضدهم، فيمكن القول بحرمة التحالف في هذه الحالة التي هي من اظهر مصاديق النهي في الآيتين الآنفتين، إلاّ إذا كان التحالف في مواجهة اتجاه كافر تساق إليه الامة، أو اتجاه متستر بالاسلام ويتضمن هدماً للاسلام.

    وان كان التحالف مبنياً على اجتهاد في مسائل السياسة والادارة داخل التوجه العام للامة.. فالظاهر مشروعيته».

    ثم يشير سماحته إلى مسألة اقرار الاسلام للتكوينات القبلية والى انشاء تكوين «المهاجرين والانصار» باعتبارها تنظيمين سياسيين وليسا مجرد تعبير عن الانتماء الجغرافي فيقول انّه ربما يمكن الاستدلال من خلالهما على مشروعية تكوين الاحزاب السياسية.

    النزاعات الداخلية:

    يعتبر الاسلام النزاعات الداخلية خطراً كبيراً على الامة لانها تؤدي إلى هدر الطاقات وتبديد الامكانات والقوى وتؤدي إلى الفشل والخذلان والى سقوط الهيبة السياسية امام الخصوم والاعداء.

    ولذلك يجب على الامة فضها بالحسنى والمساعي الحميدة لانها ـ اي الامة ـ مكلفة بالمحافظة على وحدتها الداخلية وتلاحمها. وإذا فشلت الاساليب السلمية فلابد للامة من التدخل الحاسم لفض النزاع وانهائه على اساس مقاتلة الباغي.

    السياسة الخارجية

    في معرض بحثه لهذه المسألة يعدد الشيخ شمس الدين أولاً المبادىء التي تقوم عليها السياسة الخارجية والعلاقات الخارجية للمجتمع السياسي الاسلامي وهي:

    أ ـ حرية الدعوة إلى الاسلام.

    ب ـ الاستقلال التام، وعدم اتباع اي محور دولي، وعدم الخضوع والتبعية لأية قوة عظمى.

    ج ـ السلام وعدم الاعتداء على الغير.

    د ـ التعاون على اساس العدالة والتكافؤ.

    هـ ـ الوفاء بالمعاهدات والمواثيق.

    و ـ رد العدوان.

    ثم يصنف العالم الخارجي بالنسبة إلى المجتع السياسي الاسلامي إلى صنفين هما: الخارج غير المسلم والخارج المسلم.

    العلاقات مع الخارج غير المسلم:

    ويقسم سماحته الخارج غير المسلم إلى ثلاقة اقسام ـ تكون العلاقة مع كل قسم على ضوء موقفه وسياسته مع المجتع السياسي الاسلامي.

    أ ـ المحايدون الذين لا تربطهم بالمسلمين معاهدات وعلاقات وليس بينهم وبين المسلمين حالة حرب، فتكون العلاقة معهم على اساس السلام وعدم الاعتداء ماداموا على الحياد.

    ب ـ المعاهدون الذين يرتبطون مع المسلمين بمعاهدات ومواثيق. فهؤلاء لهم الوفاء الكامل والسلام الكامل والتعاون على قاعدة المساواة والتكافؤ. ولكن إذا نقض الكفار عهودهم مع المسلمين، وجب على المسلمين في هذه الحالة ان يعاملوهم بالمثل، وإذا اقتضى الامر قتالهم وجب ذلك إلى ان يخضعوا.

    ج ـ الاعداء الذين هم في حالة حرب مع المسلمين، فليس لهم عند المسلمين إلاّ الحرب.

    العلاقات مع الخارج المسلم:

    يرى سماحة الشيخ شمس الدين بأن العلاقات بين المجتمع الاسلامي «الدولة الاسلامية» وبين المسلمين الذين يعيشون خارجها لا ينتمون اليها هي علاقات «دينية وروحية» فقط، وليست علاقات سياسية دائماً بحيث تقتضي التزامات لهم ولأجلهم من قبل المجتمع السياسي الاسلامي، إلاّ في حالة واحدة، وهي عندما يعتدي غير المسلمين عليهم وطلبوا النصرة من المجتمع السياسي الاسلامي بما هم مسلمون، ويستدل على ذلك بقوله تعالى (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق..).

    إلاّ ان سماحته يستنتج من سياق الآية (إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق) ان هذا الوجوب ليس مطلقاً. وانما هو في حالة ما إذا لم يكن بين هؤلاء الخصوم غير المسلمين وبين المجتمع السياسي الاسلامي ميثاق يقتضي امتناع المسلمين من شن الحرب عليهم. وكان هؤلاء أوفياء وملتزمين بميثاقهم مع المجتمع الاسلامي أن ينصر هؤلاء المسلمين غير المنتمين إليه والعضوية على الكفار المعاهدين.

    الوطن والمواطنة، واللجوء السياسي

    الوطن والمواطنة:

    من خلال الآية الكريمة:

    (.. والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا..).

    يرى سماحة الشيخ شمس الدين ان المسلمين خارج المجتمع السياسي الاسلامي «الدولة الاسلامية» لا يتمتعون بحقوق «المواطنة» في الدولة الاسلامية ولا ينتمون سياسياً وعضوياً اليها، ولكن إذا ما ارادوا ان يحصلوا على تلك الحقوق لابدّ لهم أن يهاجروا إلى «الدولة الاسلامية» ويحملوا جنسيتها. ففي هذه الحالة فقد يدخلون في عضوية المجتمع السياسي الاسلامي ويتمتعون بالحقوق السياسية لهذا الانتماء. ومن دون ذلك فلا ولاية بينهم وبين المسلمين في «الدولة الاسلامية».

    ومن هذا المنطلق فان الهجرة هي تعبير عن الانتماء السياسي والعضوي إلى الدولة الاسلامية، وهذا يتفق مع مذهب القائلين بأن وجوب الهجرة حكم شرعي ثابت لم ينسخ ومنهم الشيعة الامامية الذين يقولون بذلك.

    ثم يناقش سماحته اولئك القائلين بنسخ وجوب الهجرة لان هذا القول يستلزم وجود «اوطان للمسلمين» بلحاظ تعدد المجتمعات السياسية الاسلامية. فلا ينتمي المسلم إلى «وطن» وانما ينتمي إلى امة، وتكون «ارض» امة الاسلام «دار الاسلام» وطناً لكل المسلمين بالمعنى السياسي ـ الجغرافي. وعلى هذا ينبغي ان يتحمل المسلم مسؤوليات بالنسبة إلى جميع «دار الاسلام» والى جميع «امة الاسلام»، كما ينبغي ان يتمتع بحقوق كاملة في جميع انحاء دار الاسلام.

    ويرى سماحته ان هذا الامر يمكن تصوره من الناحية النظرية ولكنه يواجه صعوبات على صعيد التطبيق الفقهي من عدة جهات. ثم بين التعارض القائم بين الاحاديث التي استند عليها هؤلاء في قولهم بنسخ وجوب الهجرة. ويقول انّه لا يمكن الاستناد عليها بوجود هذا التعارض. وبالمقابل يورد مجموعة من الاحاديث ومن مصادر متنوعة لتصرح بعدم انقطاع الهجرة من الاسلام.

    ويعد اثبات ذلك بالادلة المتوفرة يطرح سماحته اشكالاً آخر في هذا المجال وهو انّه هل يقتضي وجود دولة اسلامية مركزية يكون الانتماء اليها هو المعيار في الانتماء وعدمه، أو لا يعتبر ذلك؟ بل يكفي وجود مجتمع اسلامي وان لم يكن محكوماً بنظام حكم اسلامي؟

    في معرض اجابته على هذا الاشكال يقول سماحته ان مورد نزول الآية المباركة الآنفة الذكر هو حالة وجود مجتمع سياسي اسلامي، ودولة اسلامية تحكم هذا المجتمع. ولكنه يشير إلى ان الآية مطلقة لجميع الحالات، ولكل حالة ما يناسبها من اشكال الانتماء الوطني الخاص الذي لا يتنافى مع الانتماء إلى الامة الاسلامية، والى «دار الاسلام» بل يتكامل معه، وبالرغم من ذلك يقول سماحته ان هذه المسألة بحاجة إلى مزيد بحث عن الادلة في السنّة والى مزيد تأمل وتعمق.

    اللجوء السياسي:

    يعتبر اللجوء السياسي من مبادىء السياسة الخارجية للاسلام بدليل قوله تعالى:

    (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون).

    ولكن من الذي يحق له منح اللجوء السياسي؟ هل هو القيادة العليا للدولة؟ أم ذلك من حقوق الامة؟

    يقول سماحته ان الخطاب في الآية موجه إلى النبي «ص» وهو يقتضي ان منح حق اللجوء السياسي مختص بالقيادة العليا. ثم يثير سماحته اشكال وجود تعارض بين ذلك وبين ما دل على ان منح اللجوء السياسي من حقوق الامة، وهو الروايات الواردة في تفسير قول النبي «ص» عن المسلمين: «يسعى بذمتهم ادناهم».

    ويدفع سماحته هذا الاشكال قائلاً بان الجمع العرفي بين الدليلين ممكن بحمل ما دل على ان المسلم منح حق الامان لاحاد الكفار مختص بحالة الحرب بين المسلمين والكفار فقط، وأما في حالة السلم فلا دليل على ان لآحاد المسلمين هذا الحق، والآية مطلقة لجميع الحالات.

    ثم يستدل على مشروعية اللجوء السياسي بقوله تعالى:

    (.. فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً إلاّ الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق).

    فالآية تدل على لجوء الكافر المحارب إلى حماية جماعة سياسية لها علاقات معاهدة وميثاق مع المسلمين، ويمنح هذا العدو اللاجىء حق الأمان من مطاردة المسلمين له. وفي هذه الحالة إذا لجأ الكافر المحارب إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق، لا يجوز للمسلمين ان يطاردوا الكافر «اللاجىء» المستجير، لان ذلك يعتبر نقضاً للميثاق مع هؤلاء القوم.

    وعلى هذا يكون حق اللجوء السياسي هنا متداخلاً مع حق «الجوار» الذي كان سائداً في العلاقات بين القبائل العربية قبل الاسلام واقرته الشريعة الاسلامية ضمن قيود محددة.

    والخلاصة النهائية التي يخرج بها سماحته هي ان منح اللجوء السياسي إلى الدولة الاسلامية من صلاحيات وحقوق رئيس الدولة فقط، وليس لأفراد المسلمين ـ في غير حالات الحرب ـ منح اللجوء السياسي لغير المسلمين.

    ولكنه يطالب في ختام البحث بالمزيد من البحث على مستوى الادلة والتوسع في التفريع.

    نظام الاسرة في المجتمع الاسلامي

    وضع المرأة:

    المرأة المسلمة تتمتع بوضع مساو للرجال تماماً في معظم مجالات الحياة العامة، ولكنه يوجد هناك خلاف فقهي بين المذاهب الاسلامية بالنسبة إلى بعض الحالات كالافتاء والقضاء والحاكمية السياسية.

    ومن زاوية القيمة الانسانية في المجتمع وجزاء العمل الدنيوي والأخروي فان وضع المرأة يعادل وضع الرجل.

    ويعتبر سماحته ايضا ان النساء مساويات للرجال في الوضع السياسي ـ الحقوقي في الحياة العامة في المجتمع السياسي الاسلامي، مستدلاً على ذلك بالآية الكريمة:

    (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..).

    حيث ان الآية تفيد انشاء وضع سياسي تنظيمي يجعل النساء ـ كما للرجال ـ الولاية العامة في نطاق ولاية الامة على نفسها.

    ثم يتطرق سماحته إلى مشاركة النساء للرجال في الولاية العامة للامة على نفسها وهي كونهن ـ كالرجال

    (.. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

    معتبراً هذه الولاية من أعظم ولايات الامة على نفسها، ومن أشمل الولايات لجميع مجالات الحياة العامة والخاصة. وكونهن ايضاً:

    (يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة).

    منهن مماثلات للرجال في العبادة وفي المسؤوليات المالية. وكونهن:

    (يطيعون الله ورسوله).

    وهو الامر الاساس في منح الحقوق والتكليف بالواجبات في الاسلام.

    نظام الاسرة:

    يعتبر الاسلام ان الاسرة هي اساس التكوين الاجتماعي في المجتمع الاسلامي. ومن هنا فقد وضعت الشريعة الاسلامية تشريعات دقيقة لتكوينها بالزواج، وتنظيم السلطة فيها. إلاّ ان هذه السلطة ـ وكما يراها سماحته ـ موزعة بين الزوج والزوجة مع أرجحية للزوج في بعض الحالات. كما وضعت تشريعات لانحلال الاسرة بالطلاق واللعان والموت مع الحرص على مصلحة الاولاد في جميع الحالات والاحوال.

    وفي حالات الخلاف بين الزوجين وفي قضايا الأولاد واليتم واتهام الزوجة بالزنا، والبراءة من الولد، تستدعي شؤون الاسرة تدخل سلطة تفصل في النزاع ومن ذلك مسائل الشقاق واللعان واليتم.

    ثم يأتي سماحته على ذكر قوله تعالى:

    (الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا..).

    ويقول ان الآية الاولى تضمنت انشاء حكم وضعي شرعي بالقوامة للرجل في الاسرة خاصة. إلاّ ان هذا القوامة ـ وكما يراها سماحته ـ ليست مطلقة، خارج الاسرة، وفي الحياة العامة، فان قرينة الانفاق تقتضي الاقتصار على القوامة في الاسرة خاصة.

    وعن اسلوب معالجة الشقاق بين الزوج والزوجة يلاحظ سماحته انّ الآية:

    (.. وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها..).

    تخاطب الامة في اتباع اسلوب التحكيم، وكون الخطاب للامة يكشف ان مسؤولية حفظ تماسك الاسرة واصلاح ما يطرأ عليها من خلل مسؤولية عامة على الامة ان تقوم بها.

    ثم يشير سماحته إلى مسألة وجوب الاحسان إلى الوالدين في علاقات الاسرة الداخلية ووجوب الاحسان إلى اصناف اخرى من الناس في نطاق الاسرة وداخلها في دائرة المجتمع ممن تجمعهم مع المكلف صلات القربى والرحم وملك اليمين والجوار والصحبة وابن السبيل، واليتامى والمساكين.

    ويعتبر ان بيان وجوب الاحسان إلى هؤلاء في سياق واحد مع احكام الاسرة فيه اشعار بالعلاقات المتشابكة والترابط الوثيق بينهم، باعتبار علاقات الاسرة وحدة اساسية في شبكة علاقات المجتمع، كما تشعر بالترابط الوثيق بين أحكام الشريعة باعتبار الاسلام كلاً واحداً.

    اشارة

    الملفت للانتباه في ابحاث سماحة الشيخ شمس الدين انّه لم يطلق رأيه الاخير في عدد من القضايا رغم توفر الادلة المختلفة لديه على ذلك. وانما دعا إلى مزيد بحث عن الادلة فيها والى مزيد تأمل وتعمق قبل اعطاء النتيجة القطعية بشأنها.

    ومن هذه القضايا من يحق له تعيين القاضي في زمن الغيبة، هل هو رئيس الدولة؟ أو عامة المسلمين؟ ومعيار الانتماء إلى المجتمع الاسلامي وهل يقتضي ذلك وجود دولة اسلامية مركزية؟ أو يكفي وجود مجرد مجتمع اسلامي وان لم يكن محكوماً بنظام حكم اسلامي؟ ثم مسألة اللجوء السياسي ومن يملك صلاحيات منحه، رئيس الدولة أو افراد المسلمين؟ وكذلك بعض اوضاع المرأة في الاسلام.

    ان هذا الاسلوب في البحث يعكس بعد النظر لدى سماحته والاُفق الرحب الذي ينظر من خلاله إلى المسائل ذات الاهمية في حياة المسلمين وهي سياسات الدولة في المجتمع الاسلامي.

    وقد لوحظ ان هذا الاسلوب يتضمن دعوة إلى بقية الباحثين المسلمين للبحث والتأمل والتعمق في الادلة التي يستندون اليها، وعدم الاستعجال في اطلاق الرأي والحكم على هكذا قضايا مهمة، وان يعتمدوا على انفسهم وما يرون من ادلة قانعة بعيداً عن التأثر باستنتاجات غيرهم من الكتاب والباحثين. كما ان التعمّق والبحث الدقيق يجعل الرأي الذي يجري التوصل إليه اكثر انطباقاً مع الواقع وقرباً منه.
    ====
    نواصل
                  

07-15-2003, 03:51 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    ملامح النظرية الاسلامية في السياسة الخارجية

    جعفر عبدالرزاق

    تعرف السياسة الخارجية بأنها «الستراتيجية التي يضعها اصحاب القرار لحكومة ما بصدد التعامل مع بقية الدول على الساحة الدولية، بهدف حماية وتوسعة المصالح القومية لتلك الدولة».(1)

    اما العلاقات الدولية فهي «جميع الاتصالات والمعلومات وردود الافعال الناتجة عنها، وتؤثر على الساحة الدولية بصورة مقصودة أو غير مقصودة، والتي تحصل بين الوحدات السياسية الحاكمة المستقلة»(2). ويمكن اعتبار كل مفردة من مفردات العلاقات الدولية ذات اصل يتبع من داخل الحدود ولكن يطلق عليها «سياسة دولية» عندما يبدأ تأثيرها خارج حدود تلك الدولة لتصبح عنصراً متشكلاً داخل النظام السياسي الدولي.

    ان الادراك الصحيح لماهيّة العلاقات الدولية يحتاج إلى فهم اعمق لطبيعة العناصر التي تتألف منها، وكذلك إلى فهم النظام السياسي الدولي وآلية العمل التي يتحرك بها. فالأول يحتاج إلى معرفة سلوك العناصر المؤثرة في العلاقات الدولية وخاصة الحكومات، اضافة إلى عناصر اخرى كثيرة كالايديولوجية، طبيعة التكوين، القرار السياسي..، اما القسم الثاني فبحاجة إلى التمعن العميق لكيفية التحول التاريخي للنظام السياسي الدولي وتكوينه، وكيفية فاعليته وخاصة اثر البيئة الحية على السياسة الخارجية للدول.

    وعلى ذلك فالقول بأن العلاقات الدولية أمر ثابت ولا يتغير غير صحيح، لان العناصر التي تتألف منها والمؤثرة فيها متغيرة من جهة، والعلاقات الدولية نفسها تتغير بمسير التاريخ من جهة اخرى. كما انّه يمكن الافتراض بأنه ليس من الصحيح الادعاء بأن الخروج على العلاقات الدولية الحاكمة اليوم اصبح يوجب فناء الكيان السياسي الذي يخرج عليها.

    وبناء على ما تقدم لا يمكن ان يكون باب العلاقات الدولية مقفلاً امام نمو القوى لدور اكبر وتأثير اوسع، تستطيع دخول الميدان للتأثير على النظام الدولي والوصول إلى موقع متقدم ومؤثر ومستفيد، لان الكيانات السياسة الضعيفة تبقى على الدوام قليلة التأثير على هذا النظام، كما انها لا تجني فوائد كثيرة منه بل هي المتأثر الاول به وان كان على حساب مصالحها ووجودها.

    من هنا نجد الاسلام اليوم يطرح كعنوان سياسي وعقيدة غنية وقادرة على التأثير في الساحة الدولية إذا احسن استثمار الامكانيات والطاقات وادارة السياسة الخارجية بصورة فعالة. فالسياسة الخارجية تبغي تحقيق الاهداف سواء القصيرة أو البعيدة الامد، ولا يمكن ان تكون هناك سياسة خارجية فاعلة دون الالمام الكافي بعناصرها ومقوماتها وعلاقات كل واحد منها بالآخر.

    فالحاجة للمعرفة والادراك الكاملين لوضعية الدولة الاسلامية امر سياسي، بغض النظر عن الاهداف الانسانية التي تؤمن بها الحكومة، فبدون معرفة الواقع السياسي داخل البلال وخارجها لا يمكن وضع ستراتيجية واضحة واتخاذ مواقف صحيحة متكاملة. فالواقعية في التقييم تجعل صانع القرار في منأى عن التردد والتشويش والاضطراب والخطأ.

    ولا يعني ذلك الاغماض عن القيم العليا التي ينادي بها الاسلام، بل يعني الاقتراب منها والتوجه صوبها بصورة واقعية بعيدة عن الانفعالات الزائفة، وتوظيف الامكانات المتاحة للسير قدماً في ذلك الاتجاه، فصانع القرار يجب ان يدرك ماذا لديه وماذا يريد؟
    ===
    يتبع
                  

07-15-2003, 03:55 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)


    تجربة صدر الإسلام

    لعل اول اشارة قرآنية للسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية تتجلى في التحليل السياسي الذي تضمنته سورة «الروم» وهي من السور المكية. فالرسول «ص» كان يعيش في مرحلة التغيير والبناء الفكري لنخبة من المسلمين الاوائل. وكان يطرح المفاهيم الالهية المتعلقة بالتوحيد والمعاد عبر السور المكية التي كانت تولي هذه القضايا اهمية خاصة. وكانت متطلبات الثورة النبوية تستدعي اولاً البناء الداخلي والعقائدي للافراد الذين سيتحملون مسؤولية النهوض بها، والانطلاق بالمبادىء الجديدة بين القبائل والشعوب، ودعوة الناس للدين الحنيف. ولم تكن الظروف التي كان يعيشها الدعاة الاوائل إلاّ ظروف القهر والمواجهة والتعذيب والمطاردة والتي تتطلب استعداداً روحياً عالياً لمواجهتها، وهنا تأتي البشارة من الوحي الالهي ولفت انظار المسلمين ليس إلى مكة أو شعابها وازقتها بل تأخذهم في نظرة بعيدة خارج الحدود وبعيداً عن الصحراء التي تحيط بهم من كل جانب، إلى الشمال حيث تتنافس القوتان العظيمتان آنذاك، الروم وفارس على السيادة والنفوذ. وتقرع الآيات اسماع المسلمين بأن الفرس ـ الذين لا يؤمنون بالوحي الالهي ـ سينتصرون على الروم ـ النصارى ـ ولكن لن يطول ذلك سوى بضع سنين وسيكون النصر للمؤمنين بالله اي الروم مرة اخرى. قال تعالى:

    (الم * غلبت الروم * في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنين * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).

    ان التأمل في ذلك الطرح والتنبأ بمستقبل العلاقات بين الروم وفارس وهما دولتان عظيمتان، وانعكاس ذلك على صفوة مؤمنة قليلة تعيش مرحلة الاضطهاد في مكة، ولم تستطع ان تصبح فئة ذات شوكة بل جماعات متفرقة يلفها الخوف ويهددها الموت بين حين وآخر، لا يعني ذلك سوى اهمية وعمق الارتباط بالخارج أو الالتفات للعلاقات الدولية بأعتبار ان الصراع بين الروم وفارس سيؤثر مستقبلاً على الدعوة الاسلامية، ويعني ذلك ايضاً ان اي حدث أو قضية أو صراع يحدث في الخارج سيؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فانتصار الروم على فارس اضعفها وبقيت تعاني من افتقاد حكومة قوية ونظام مركزي يستطيع السيطرة على تلك البلاد الشاسعة حتى بداية المواجهة مع الزحف الاسلامي بعد سنين عديدة، وادى فيما بعد إلى هزيمة الفرس وفتح العراق ثم ايران وما ورائها. وان انتصار هذه الفئة المسلمة في ديارها سيؤثر على القوى الاخرى مستقبلاً وهو ما حدث فعلاً.

    وهناك مظهر آخر للعلاقات مع الخارج هو الهجرة التي اوصى بها النبي (ص) اصحابه إلى الحبشة واخبرهم بان حاكم الحبشة (النجاشي) سيرحب بهم ويوفر لهم ملجأ بحاجة إليه آنذاك. اذن لما وجد الرسول (ص) ان محيط مكة لا يستوعب رسالته وان رجال قريش مستعدون لابادة الصفوة المسلمة، رمى ببصره بعيداً، عبر البحر الاحمر إلى الحبشة. وكان يعرف عنها الكثير ولولم يكن ملماً باوضاع الحبشة بصورة وافية لما امر اصحابه بالهجرة اليها. اذن ورغم الاوضاع الخانقة في مكة كان الرسول (ص) يستطلع اخبار واوضاع الامم الاخرى. وانّه (ص) وبالرغم من مسؤولياته وانشغاله بمواجهة قريش ومؤامراتها، فقد كان مهتماً يجمع المعلومات عن بقاع اخرى اكثر اممناً لحمل الرسالة. وبالفعل كان مصيباً في ذلك وتكررت الهجرة إلى الحبشة وبقي اولئك المسلمون (الذخير الاحتياطي) هناك حتى بعد تأسيس الدولة الاسلامية في المدينة حيث عاد جعفر بن ابي طالب وهو قائد المهاجرين في السنة السابعة للهجرة وتصادف مع فتح خيبر.

    بعد ان استتبت الامور للرسول (ص) واسس اول دولة اسلامية في المدينة المنورة لم تشغله المشاكل والقضايا التي برزت اثناء التحول الجديد. وكما بذل جهوده للبناء الداخلي والامن والاستقرار وتشييد اركان البناء الجديد وتغيير المفاهيم والعادات لتنسج مع الاطروحة الجديدة، اهتم كذلك بالتحالفات والمواثيق مع الاقليات الدينية كاليهود في المدينة وبقية الجماعات والقبائل التي حوله لبناء جبهة داخلية متينة ولتفادي الدخول في نزاع قرب أو داخل عاصمة الحكم وهو في بدايته. فقد اهتم (ص) بالعلاقات الخارجية التي اخذت مظهر (الدعوة إلى الاسلام)، فبعث الرسول والوفود العديدة إلى الملوك والاباطرة والزعماء، ومنهم حكام الدول الكبرى المحيطة بالجزيرة العربية. فقد اوفد مبعوثين يحملون رسائله الكريمة إلى «هرقليس» قيصر الروم و«كسرى» فارس و«المقوقس» زعيم مصر و«النجاشي» ملك الحبشة و«سرباتك» حاكم الهند والى زعماء عمان واليمامة (اليمن) وملوك (حمير) والى بقية رؤساء القبائل الساكنة في اطراف الجزيرة(1) يخبرهم فيها عن دعوته أو تشكيل حكومة جديدة ترتكز على بناء عقائدي الهي، ودعاهم إلى الايمان بالرسالة التي جاء بها، كما تضمنت بعض رسائله تهديداً ووعيداً أو تنبأ (ص) بزوال حكم المخاطب وانتشار الاسلام في امد قريب.

    ان خطوة الرسول (ص) في انشاء علاقات مع الدول والزعماء الآخرين لجديرة بالدراسة والتدبر، فالوضع السياسي للدولة الحديثة لم يمض عليه سوى بضعة اعوام ولم تتسع سوى إلى ما بعد اطراف المدينة وما حولها. ووضعها الاقتصادي لم يزل معتمداً على الزراعة والتجارة والصناعة البدائية. فعناصر القوة المادية لم تكتمل أو تصل إلى مستوى عال مقارنة لما كانت عليه الدول الاخرى المحيطة به، فقد كانت تمتلك الوسائل والآلات والسفن الحربية وذات مدنيات قائمة ومزدهرة وجيوش عظمية مجهزة بالسلاح والدروع ونظم ادارية وقانونية، ومظاهر حضارية وبناء قصور ومعابد وقلاع واسوار وانشاء سدود وقناطر وجسور وغيرها. بينما كان مجتمع المدنية ما زالت سمات البساطة وملامح البداوة ترمي بظلالها عليه، والمستوى الاقتصادي والمعيشي كان في ادنى مستوياته فبيوتها الطينية إلى جانب بيوت الشعر والخيام ولم يكن هناك نظام اداري بالمعنى المتطور أو مظاهر مدنية تشابه تلك الموجودة عند الامم الاخرى. فالمجتمع المدني دخل تواً في مرحلة التنظيم والتقنين ولم تزل مظاهر وعادات العشائر والقبائل في دورها للانحسار التدريجي لتحل محلها ضوابط ومقررات وعلاقات جديدة تعتمد قوانين الشريعة الاسلامية.

    ولعل هناك تساؤلات قد تثار حول الدوافع التي دعت الرسول الاعظم (ص) للتحرش بالدول العظمى
    ====
    تيبع
                  

07-15-2003, 03:56 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)





    خاصة تلك اللهجة الحادة في نهاية كل رسالة حتى انها استفزت كسرى فمزقها وارسل امراً إلى واليه في اليمن يطلب منه اعتقال محمد (ص) وارساله إليه لمحاكمته على خروجه وجرأته! وهل كان بامكان الرسول تفادي اشعار القوى الكبرى كالروم الذين كانوا يحتلون الشام وهي على اطراف الجزيرة، ولهم علاقات تجارية وثقافية مع العرب وخاصة قريش وان المدينة اقرب إلى الشام من مكة، واحتمال تأثيرها بالقرار السياسي والعسكري الرومي اكبر من غيرها، خاصة إذا شعر الروم بان منافساً جديداً ظهر في الجزيرة العربية التي تسكنها قبائل كثيرة وقوية، يعتمد الروم على بعضها في حروبهم وصراعهم المستمر مع الفرس، والامر يصدق ايضاً على الفرس. وقد يقال ان موقع المدينة في تخوم الصحراء جعلها تحتمي بخط دفاعي واسع لا تستطيع جيوش الروم والفرس قطع فيافيها والمجازفة باجتيازها من اجل محاربة محمد (ص) وتدمير دولته. لقد كان باستطاعتهم الاستعانة ببعش القبائل لشن حرب ضد الدعوة الجديدة، وكان باستطاعة جيوشهم واساطيلهم النزول على الساحل والتوجه إلى المدينة أو حتى قطع الصحراء كما فعل بعض قادتهم في عصور غابرة، فالاسكندر المقدوني اجاز اراض شاسعة تراوحت بن السهول والجبال والهضاب والصحارى، وبالامس القريب استطاع ابراهة ان يصل إلى اطراف مكة مستصحباً الفيلة والتجهيزات العسكرية. لقد كان بامكانهم الوصول لو شعروا بتهديد جدي، ولكن يبدو ان غرور تلك الزعامات جعلها تستهزىء بالرسالة الجديدة، ومقدرة عرب الصحراء على تنفيذ وعودهم لما عرفوا عنهم من قبل من تشتت وتنازع وغزو ونهب وبداوة. فالروم لم يدركوا قوة الدولة الجديدة الا بعد ان دكت جيوش المسلمين اطراف امبراطوريتهم في تبوك ومن قبلها في مؤتة، مما جعلهم ينسحبون إلى قلاعهم المحصنة والاستعداد للدفاع عن حدودهم الجغرافية.

    لقد كان هم الرسول (ص) هو الاجهار بدعوته ووصولها إلى اكبر عدد من الناس والشعوب والامم وكان يطمع أولاً في هداية زعمائهم لما لهم من تأثير على اتباهم. ان التمعن الواعي لسياسة الرسول (ص) مع الشعوب والدول الاخرى، يعطي فكرة عن الاهتمام الواضح بالعلاقات الدولية، فالهجرات المتكررة للحبشة، التي استقبلت اول لاجئين سياسيين، لم يكن الدافع ورائها الهرب من التعذيب، فأغلب المهاجرين كانوا من ذوي النعمة والفضل في قبائلهم التي باستطاعتهم حمايتهم لمجرد الوازع القبلي والتعصب العشائري، من الاضطهاد القرشي، فمثل جعفر ابن ابي طالب يتمتع بحماية اخوته وابيه وبني عمومته ولا يتوقع ان يبخل بنفسه فيهاجر طلباً لعافية ويترك علي (رض) وعمه حمزة (رض) ووالده ابو طالب وغيرهم من الهاشميين يواجهون قريش وجبروتها. فالغاية من الهجرة اسمى من النجاة بالنفس، والدافع لمغادرة مكة واللجوء إلى دولة اخرى ارفع من الهروب من المواجهة.

    ولو كانت الهجرة فراراً من الاذى والتعذيب كما يدعي المؤرخون وكتّاب السير اذن ما هو المسوغ الذى جعلهم يمكثون إلى السنة السابعة للهجرة؟ اي بعد ان هاجر الرسول (ص) واسس دولة مستقلة في المدينة، واحرز انتصارات عظيمة في بدر وخيبر.

    لعل الرسول (ص) ابتغى من وراء ذلك عدة امور منها المحافظة على مجموعة مؤمنة بالدين الجديد خارج الحدود الجغرافية للجزيرة وخارج نفوذ قريش والعرب، ليطمئن بان جذوة الايمان ستبقى متّقدة فيما لو تعرّض هو واصحابه للتصفية، فهناك من يحمل مشعل الايمان ولو كان بصيصاً، وهناك من يحفظ القرآن ولو سور قليلة. ومنها انّه (ص) اراد ان يدعو اهل الحبشة للاسلام لما عرف عنهم من سلامة نفس وفطرة سليمة وايمان بالله سبحانه وتعالى، فاراد ان يستثمر تلك البيئة وبث دعوته في ذلك المحيط المناسب والارضية الملائمة، وهناك روايات تتحدث بأن النجاشي قد آمن بالاسلام وانّه ارسل رسالة جوابية للرسول (ص) يبايعه فيها على الطاعة(1) ومنها انّه (ص) اراد ان يختبر ردود افعال تلك القوى والدول تجاه دعوته وليتأكد من منهم يمكن عقد تحالفات أو معاهدات معه كما استجاب بعض زعماء القبائل، ورده بعض الملوك رداً دبلوماسياً كما فعل هرقل عندما ارسل إليه هدايا.

    اما رسائل الرسول (ص) فهي من النصوص السياسية الهامة التي يمكن استقرائها واستنباط الجوانب الشرعية واساليب التعامل النبوي مع الدول والزعامات، ويمكن بواسطتها فهم طبيعة الاجواء التي كانت تحيط بالدعوة الاسلامية، والمنهج الذي اتخذه الرسول (ص) في كل واحدة منها وبصورة دقيقة، اضافة للمفردات والالفاظ التي استخدمها في مخاطبة كل واحد من الملوك والزعماء. هذه الرسائل من الذخائر القليلة التي توضح السياسة الخارجية التي انتهجها النبي الكريم (ص) في بداية تأسيس الدولة الاسلامية. وبدراستها ومطالعة نصوصها وفقراتها نستطيع ان نتبع ملامح المنهج الذي اختطه الرسول (ص) في علاقاته الخارجية، هذا اضافة إلى دراسة المعاهدات والاتفاقيات التي عقدها (ص) مع القبائل والعشائر المحيطة بالمدينة المنورة وداخل المدينة وخاصة مع اليهود الذي كانوا يشكلون قوة سياسية وعقائدية واقتصادية وعسكرية.

    العلاقات الخارجية ما بعد صدر الاسلام

    إثر الفتوحات العظيمة التي اعقبت وفاة الرسول الاعظم (ص) وانتشار الاسلام بصورة مطردة خلال عقدين من السنين، حتى فقدت الامبراطورية البيزنطينية اراضيها ونفوذها في الشام وخسرت الامبراطورية الساسانية اراضيها في العراق بل وموطنها الاصلي ايران، وسقطت حكومتها وتشتت جندها وانطفأت نار المجوسية. وسارت الجيوش الاسلامية حاملة مشعل الهداية والتوحيد شرقاً حتى بلغت الهند وحدود الصين، وشمالا باتجاه القفقاس وارمينية وآذربيجان، وغرباً نحو مصر وشمال افريقيا، وطهرت الجزيرة العربية كلها من الاصنام حتى اصبحت خالصة للاسلام.

    لقد صاحب ذلك التحول والانتشار، والدخول في معارك وحروب طويلة مع شعوب وامم ودول متنوعة بعضها أثر الدخول في الاسلام، بعضها آمن طوعاً والبعض الآخر قبل بدفع الجزية والانصياع للدولة الاسلامية. ونشأت علاقات ومعاهدات واعراف تمثل مظاهر للعلاقات الخارجية بين الدول الاسلامية والامم المحيطة بها، وقد جرى التعبير عن هذه العلاقات والاحكام بـ(السيّر) التي كتبها المؤرخون الذين واكبوا تلك الاحداث، أو وضعت ضمن كتاب (الجهاد) باعتبار ان الابتلاء بتلك الاحكام انما يتأثر من ممارسة الجهاد والدخول في صراعات ومعارك مع الكفار الحربيين، فكانت احكام الحرب والقتال والصلح والاسرى والاستئمان والجزية والبغاة وما يصاحبها من السيطرة على الاراضي المفتوحة واحكامها الخاصة بها، هذا اضافة إلى المعاهدات وشروط الصلح وغيرها التي كانت تشكل القواعد التشريعية للسياسة الخارجية للدول الاسلامية. وكانت الوفود والسفارات بين الدولة الاسلامية والدول

    ______________________________________

    1- سيرة المصطفى، ص 183.



    الاخرى تتردد على هذه العاصمة وتلك ناقلة رسالة أو مشروع معاهدة أو عقود تجارية وغيرها.

    وبعد القرن الهجري الثاني اخذ مصطلح (السيّر) يطلق على خصوص (سيرة الرسول) اي حياته واحواله وجهاده. واول ما كتب في السير هو زيد بن علي بن الحسين (ع) حينما خصص فصولاً من كتابه (المجموع) لهذا الغرض(1).

    المؤلفات الاسلامية في العلاقات الخارجية

    لعل اغلب ما كتب في قضايا السياسة والحكم والسلطة والادارة ومنها العلاقات الخارجية في وقت مبكر، يعود لعلماء اهل السنة. فمؤلفات الاوزاعي، ابو يوسف، ابو اسحاق الغزاري، محمد بن حسن الشيباني، ابو حنيفة، ابن خلدون، الماوردي، ابن رشد، ابن حزم، ابن تيمية، ابن قدامة وآخرين غيرهم. وهناك عدة امور واعتبارات منها ان الحكومات التي تعاقبت على حكم الدولة الاسلامية كانت تدين بمذهب اهل السنة اعتباراً من الدولة الاموية، العباسية، السلجوقية، المماليك، الايوبية، الاندلس إلى ايام الدولة العثماية التي آفلت في الحرب العالمية الاولى. ولم تتح للدول التي تتبع المذهب الشيعي الا فترات قصيرة مليئة بالمخاطر والاحداث واللاستقرار.

    ولمّا كان السلاطين والملوك بحاجة إلى دعم شرعي مستعد من علماء الدين وفقهائهم، فقد كان من الطبيعي ان يجد علماء السنة الابواب مفتوحة امامهم، وقد شارك الكثيرون منهم في دعم السلطان والحكومات المتعاقبة، وكان لفتاواهم وقضائهم اثر في تدعيم وترسيخ اركان الحكومات التي توالت على حكم المسلمين طوال قرون عديدة. وقد اتيحت لهم فرص كثيرة للكتابة والتأليف والتصنيف في قضايا الحكم والادارة والسياسة بالطبع وفق المذهب الذي يؤمنون به. وقد طرحوا مشاكل ومسائل عديدة كانت تواجههم وليجدوا حلولاً واحكاماً لهاليقضي بها السلطان بين رعيته. اذن لا غرابة ان نجد هذا التراث الهائل من البحوث والمقالات والمؤلفات التي خصصت لبحث قضايا السياسة والحكم والحكومات.

    اما علماء لشيعة وائمتهم (ع) فقد كانوا طوال التأريخ يواجهون خيارين اما الرضوخ والانصياع ومعاشاة الحاكم وحاشيته واما التصفية الجسدية والتشريد والنفي والسجن. وقراءة منصفة للتأريخ الاسلامي بعد مقتل امير المؤمنين علي (ع) نجد ان الشيعة كانوا مطاردين في كل العصور، وكانت عيون السلطان وجواسيسها تلاحقهم وتحصي انفاسهم، لانهم كانوا يمثلون طرف الرفض، وخندق المعارضة لكل دخيل على الاسلام من احكام تعسفية واثراء فاحش ومصادرة الحريات. فكانت تنحية علمائهم وعزلهم عن ممارسة نشاطاتهم أو عدم توليتهم اية مسؤوليات ومناصب مهما كانوا على درجة من العلم والفضل والتقوى. وكان الرفض المسلح المتسم بالثورات الشيعية وانتفاضاتهم المتوالية تثير القلق بين الجماهير المسلمة ضد السلطة التي لا تجد غير القمع والتقتيل والتشريد اسلوباً لمواجهتها.

    هذه الحالة الهامشية التي فرضت على علماء الشيعة، وتلك الاجواء الخانقة، جعلتهم ينكفؤون على انفسهم وطلابهم وحوزاتهم، واصبح من الصعب التحدث أو التطرق لقضايا الحكم والادارة والسياسة. واخذت البحوث والدروس تسير في اتجاه آخر لا يثير حفيظة السلطان، فاقتصرت اهتماماتهم على

    ______________________________________

    1- الحقوق الدولية في الاسلام، ص 60.



    الاغلب، على البحوث الفقهية والاحاديث والروايات التي تتناول العبادات والمعاملات الاقتصادية والحقوقية والشخصية، واتسمت بالطابع الفردي، اي انها نأت بعيداً عن الطابع الاجتماعي والسياسي للاسلام والذي تفرضه طبيعة الاحكام وغاياتها.

    ان ابتعادهم عن الميدان السياسي العلني جعلهم يضطرون للنزول تحت الارض والعمل السري والتقية، كما ان افتقادهم للتجربة الميدانية والقضايا اليومية المتعلقة بالحكم والقضاء ابعدهم عن التطرق لهذه المسائل الا في الخطوط العامة للقضايا الفقهية والحقوقية والجزائية.

    وبالرغم مما ذكرناه آنفاً، فلا يعني ذلك بان ائمة اهل البيت (ع) وعلمائهم كانوا منعزلين عن الحياة العامة أو التعرض لبعض هذه القضايا، وخاصة في فترات الارتخاء عندما تنحسر عنهم شدة الارهاب وتنخفض الممارسات التعسفية، في لحظات ضعف الحكومات أو انشغالها باعداء آخرين غيرهم. بل ان بعضهم تدخل عندما شعر بأن الدولة الاسلامية في خطر على الرغم من ايمانه بعدم شرعية السلطات الحاكمة، فالامام علي بن الحسين السجاد (ع) تدخل عندما شعر بأن التهديد الرومي بمنع تصدير العملة الذهبية الرومية إلى بلاد الاسلام اثر توتر العلاقات بين الطرفين، بان ذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية، وكان الخليفة الاموي حائراً في امره لا يدري ماذا يفعل، فاقترح الامام السجاد (ع) عليه ان يقوم بضرب سكة ذهبية جديدة تحمل شعار الدولة الاسلامية ويستغني بذلك عن الحاجة للتعامل بالعملة البيزنطينية، فضربت اول نقود اسلامية آنذاك.

    وكانت اوضاع الدولة الاسلامية وخاصة علاقاتها مع الامم المجاورة تثير قلق واهتمام الائمة (ع)، فانبرى الامام السجاد (ع) بدعاء خاص لحماة الحدود المرابطين والمستعدين لمواجهة الكفار وحماية حدود الدولة الاسلامية وسمي بدعاء «اهل الثغور» وفيه تحريض للمسلمين وتذكيرهم بوجوب دعم المرابطين بالمال والنفس ورعاية اهلهم وذويهم في غيبتهم.

    ولا تخلو الاحاديث والروايات المنقولة عن الائمة (ع) من التعرض لقضايا الحرب والدعوة للاسلام والجهاد والبغاة والمعاهدات وغيرها مما يدخل في نطاق العلاقات الخارجية، فالشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب «وسائل الشيعة» يورد حوالي ثلاثمائة حديث ورواية عن ائمة اهل البيت (ع) في ابواب جهاد العدو، احكام المرابطة، القتال، الاسرى، الدعوة، البغاة، آداب القتال والجيوش، الاستئمان، الجزية والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يكاد كتاب فقهي أو رسالة تخلو من تخصيص باب للجهاد والدفاع، فكتاب (اصول الكافي) وهو من المصادر الشيعية المعتبرة في الحديث. خصص مؤلفه باباً للجهاد والغنائم والانفال والخراج بعد ما تطرق لقضايا الولاية والامامة التي تشكل حجر الاساس لمنهج الحكم واختيار الحاكم في الفقه الشيعي.

    المنهج الاسلامي في السياسة الخارجية

    ليست المحاولة للتعرف على ملامح المنهج الاسلامي بيسيرة، وسط المناهج السياسية التي تتقاسم العالم اليوم، ومدت جذورها وآثارها على كل النشاط الانساني، واكسبتها التجربة التاريخية والعملية على مواكبة الظروف والتكيف مع التطورات والتغييرات التي تبرز بين حين وآخر. وإذا كانت المناهج السياسية المتبعة اليوم هي تعبير تاريخي واضح عن النشاط الفكري والحضاري للانسان الاوربي، وليس نجاحها في تلك البيئات كأطر للفلسفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الا بسبب تفاعل الشعوب الاوروبية مع تلك المناهج وحركتها في حقول الحياة وفقاً لاتجاه هذه المناهج ومتطلباتها واستعداداتها النفسي المتناهي خلال تاريخ طويل لهذا الاندماج والتفاعل(1).

    فحين نريد ان نختار منهجاً أو اطاراً عاماً للنظام السياسي الاسلامي يجب ان نأخذ هذه الحقيقة اساساً ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تلبية حاجة الدولة الاسلامية الحديثة من جهة، وقادر على تعبئة قوى وطاقات الامة باتجاه الاهداف التي تسير قدماً نحوها. وبقدر ما تكون مكونات وعناصر النظام السياسي الاسلامي منسجمة مع العصر الحديث والواقع الدولي المعاصر، فيجب ان لا تخرج عن الاطر والضوابط التي وضعتها الشريعة الاسلامية للتحرك. فالقواعد الفقهية والآراء الاجتهادية تبقى تتحرك داخل الحدود المباحة والواجبة مع قدرة على التكيف للعنصرين الزماني والمكاني تمتاز بها الشريعة الاسلامية اعتماداً على المرونة المناسبة التي تنطلق من عدة ابواب شرعية كالمصلحة العامة والضرورة والاحكام الثانوية.

    هذا المنهج الذي يحدد ويرسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، ويضع الاستراتيجية الواضحة التي تجعل التحرك وفقها يسيراً، ثم تتفرع القضايا وتوزع الادوار والمراحل، وتشخص الامور الآنية والبعيدة، يحتاج إلى المام جيد وعميق بالنظرة العامة للعلاقات الدولية والسياسية الخارجية وفق المنظور الاسلامي، حتى يصبح خط السير واضح المعالم، عندها تبدأ مرحلة الجزئيات والتفاصيل التي تضع الخطوات واحدة بعد الاخرى لبلوغ الهدف. فلا يمكن التماس معالم نظرية السياسة الخارجية بالاعتماد على الآيات والاحاديث ذات العلاقة أو التي تنسجم مع الموضع بصورة مجزأة أو منفصلة عن المنهج الاسلامي العام ونظرة الاسلام للعلاقات الدولية وسلوك الحكومة الاسلامية تجاه الشعوب والامم الاخرى، فالتجارب القصيرة للرسول (ص) وامير المؤمنين (ع) قد تعين في رسم بعض المفردات وليس كلها، ومع ذلك تبقى ممارسات وسياسات ذلك العصر متأتية من متطلبات ذلك العصر ايضاً. فليس المهم ان نقلد الشكل الظاهري أو البناء الفوقي للسياسة النبوية دون التعرف على حقيقة المنهج الذي كان يسير عليه، والذي تأتي الاحداث والقضايا كمصاديق لذلك المنهج. نعم يمكن الانطلاق من سياسة الرسول (ص) والامام (ع) كأسس تحتية في صيغ التعامل مع المفردات العصرية للسياسة الخارجية واستنباط الضوابط والاهداف على ضوء تلك التجربة الغنية في صدر الاسلام، ومع ذلك فهناك الكثير من المستجدات والنظريات القانونية والمفردات السياسية الدولية بحاجة إلى صيغة تنبع من المنهج الاسلامي الاصيل للتعامل معها، تحافظ على وحدة المنهج من جهة، وتتفاعل وتؤثر في النظام الدولي من الجهة الاخرى.

    فالفقيه مثلاً عندما يريد ان يتناول موضوعاً أو قضية تتعلق بالسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية وفق التصور الاسلامي، يحتاج إلى المام كاف بالمصطلحات والمفاهيم السياسية المتداولة ومدلولاتها، معرفة جيدة بطبيعة النظام الدولي والمؤسسات الدولية والمناهج السياسية، عند ذاك يمكنه التعامل معها، وترجمة تصوراتها إلى اللغة الفقهية التي يعتمدها في استنباط الاحكام وصياغة مفاهيم وتصورات اسلامية قادرة على التفاعل مع الواقع السياسي الموجود. فالفقهاء قد خطوا خطوات واسعة في مجالات التعامل مع القضايا

    ______________________________________

    1- اقتصادنا، الشهيد محمد باقر الصدر، ص 13.



    والمفردات الحضارية كالتكنولوجيا والمواصلات والتطور العلمي والطبي وغزو الفضاء، اضافة إلى المظاهر الحديثة كالبنوك والمصارف والنظام المالي وتحويل العملات والصكوك وغيرها بصورة استوعبوا فيها هذه المفردات ثم اعطوا آرائهم بكل ثقة وحزم وجرأة، وكذلك الحال بالنسبة للسياسة الخارجية التي ابتدأ الخوض فيها بعد تأسيس اول دولة اسلامية في العصرالحديث. والفقه الاسلامي لديه القابلية الواسعة على استيعاب جميع مفردات الشؤون الحضارية المستحدثة وفي جميع المستويات والموضوعات إذا ما بذلت جهود جمة في هذا الاتجاه.

    والسياسي بحاجة ايضاًالى المام مناسب بالاحكام الفقهية واطلاع على النظريات الاسلامية في الحقول المختلفة كي تنسجم خطواته وآراءهُ وتصوراته مع المنهج الاسلامي، وليكون على بينة من امره وهو يسير في ذلك الطريق، فبدون العلم والمعرفة بكل خطوة يخطوها، أو قرار يتخذه، لا يستطيع النجاة من العثرة. فالتخطيط ضروري، وكل حكومة تحتاج إلى وضع برنامج استراتيجي يكفل الاستفادة القصوى من الامكانيات والطاقات المتوفرة في سبيل الوصول للاهداف المحددة.

    وليس السياسي أو صاحب القرار هو المعني الوحيد بالبحث عن معالم المنهج، فالاتجاه التخصصي في العلوم حالياً يفترض وجود خبراء ومختصين في مجالات متنوعة ومترابطة كل واحد منهم يؤدي دوراً محدداً أو يأخذ جانباً من الموضوع اي السياسة الخارجية ويصب فيه خلاصة فكره ورأيه واجتهاده، فالمتخصص بالعلوم السياسية، والخبير بالقانون الدولي، والمستشار في العلاقات الدولية، وغيرهم، لا يمكنهم الوصول إلى الهدف اي التعرف على النظرية الاسلامية للسياسة الخارجية بدون القيام بترجمة وتعريف المصطلحات والاسس التي تبنى عليها السياسية الخارجية إلى اللغة الفقهية المتخصصة، عند ذاك يستطيع الفقيه الاجابة على تساؤلات أو المشاركة في مناقشة المفردات معتمداً على الاصول والمبادىء التي يستنبط منها الاجابة والوصول للغاية المنشودة. وهذا في حد ذاته يخفف من المهمة المناطة بالفقيه، فيتعاون الطرفان، المتخصص والفقيه لبلوغ ذلك الهدف.

    ومع ذلك فليس الامر بتلك البساطة التي تتبادر للاذهان، فهناك عوائق عديدة منها اختلاف الآراء الاجتهادية بين الفقهاء، فاعطاء الرأي بشأن السياسة الخارجية أو مفرداتها لا يختلف عن اية فتوى أو حكم شرعي. ولما كان ميدان العبادات ضيقاً، فان الخلاف فيه لا يكون بسعة وحدة الميدان السياسي الذي تدخل فيه عناصر اخرى مؤثرة، حقيقية أو مصطنعة، اضافة إلى عمق تأثير الاختلاف في القضايا السياسية على الوضع العام للدولة وانجرار الجماهير وراءها بصورة آلية. وإذا كانت احكام السياسة الخارجية تكليفية وعبادية كبقية الاحكام، فكيف يمكن التوفيق بين المسؤولين الذين يمسكون بالقرار السياسي في السلطة في حالة تقليد بعضهم لمرجع والآخر لمرجع آخر، وآرائها مختلفة. وقد يقال ان آراء الفقيه المتصدي أو القائد هي الغالبة ولكن هذه المسألة لم تحل من وجهة نظر فقهية، بل هناك عرف اكتسب صفة التقليد والقانون في الممارسات اليومية حتى اصبح من القواعد غير المكتوبة. أو يقال ان رأي الفقيه في هذه القضايا اي التي تحمل صفة العمومية هو حكم، وليس فتوى، وكل المكلفين ملزمون باتباع الحكم بغض النظر عن المرجع الذي يقلدونه.

    ويجرنا الحديث حول هذه القضية إلى ضرورة وجود فقهاء متخصصين في مختلف شؤون الحياة ونواحي الحكم والادارة، اي ان الطموح لوجود هؤلاء الفقهاء هو هدف استراتيجي لتغطية هذه الامور بصورة علمية دقيقة، ولا تستبعد آنذاك وجود فقهاء متخصصين مثلاً فقيه متخصص بالحقل الطبي والانجازات الطبية والاحكام الشرعية حولها كالانجاب الصناعي ونقل اعضاء الجسم والهندسة الوراثية وتطوير الجينات، وآخر مختص بقضايا الاتصالات والكمبيوتر ليس من الجانب الفني والتقني بل من الجانب الاخلاقي والشرعي مثل حقوق المنتجين وتطوير البرامج، والاتصالات والاقمار الصناعية ومفهوم التجسس والانصات بحيث لا تتعارض تلك النشاطات مع حقوق الافراد وحرياتهم، وفقيه مختص بالشؤون الاقتصادية والمالية وقضايا التضخم والعملات والتحويلات ونسب الفوائد والبنك الاسلامي وقضايا الاستثمار والشركات وغيرها. وهكذا لبقية حقول العلم والمعرفة المستجدة بحيث يكون للاسلام رأي في جميع هذه الحقول وراي له اصالته وعلميته ورصانته مبني على اسس علمية وفقهية معاً.

    ===
    يتبع
                  

07-15-2003, 03:59 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    إثارات وتساؤلات

    هناك العديد من المصطلحات السياسية والدولية التي اعتدنا على التعامل بها نتيجة نفوذ الفكر السياسي الغربي الذي ساد العالم الاسلامي. واصبحت هذه المصطلحات جزء من مكونات البحث والتحليل السياسيين، بالرغم من انها تمثل الاتجاه السياسي والفلسفي المستقاة منه والذي صبغها بطابعه ومنحاه، الا اننا مع ذلك لا نجد مناص من استخدامها خاصة وان بعضها اصبح امراً واقعاً في اي حديث أو بحث سياسي أو دولي. والحاجة ماسة إلى توضيح مدلولات هذه المصطلحات نظرا لاختلافات المدارس السياسية باعتبار انها وضعت اصلاً لمواكبة احتياجات ومتطلبات تلك المناهج، ولا يمكن استخدامها على علاتها في النظرية الاسلامية ولكن ابتداء ستبقى التسميات والمسمّيات حتى نضع غيرها.

    هذه التساؤلات والمصطلحات تبرز كمعالم للمنهج المبتغى:

    هل ينسجم مفهوم (السيادة القومية أو الوطنية) مع الاسلام؟

    هل يعني (الاعتراف الرسمي) بدولة أو حكومة اعترافاً بشرعيتها واحقيتها؟

    ماذا تعني مصطلحات (الامة، الشعب، الدولة، الاستقلال) في المفهوم الاسلامي؟

    هل يعترف الاسلام بـ(الحدود الجغرافية وقيمة الارض والتراب)؟

    هل يؤمن الاسلام بـ(عدم التدخل بالشؤون الداخلية) للمسلمين المظلومين في بلاد اخرى؟ وما هو مفهوم (الرعايا) بنظر الاسلام؟

    هل يعطي الاسلام (الحصانة الدبلوماسية) للسفراء والدبلوماسيين الاجانب في دولة الاسلام؟

    هل تعتبر احكام (المحكمة الدولية) وقرارات (الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي) ملزمة شرعاً؟

    هل يمكن اعتبار (الوصول للسلطة) سبباً لاكتساب الشرعية في الحكم؟

    هل يعتبر (القانون الدولي) أو (العرف الدبلوماسي) امراً لا محالة منه؟

    ما هو رأي الاسلام بصدد: الارهاب، التجسس، نزع السلاح، الردع، القروض الدولية، الاستثمارات الاجنبية، الجمارك، التبادل الثقافي، حقوق الانسان، الحرية الديمقراطية، التمييز العنصري ـ اللغوى ـ الطائفي، مفهوم القوة، الامن القومي، المصالح القومية، الحكم الذاتي، الاتحاد الفيدرالي..

    ولا يخفى ان للاطروحة الاسلامية مصطلحات خاصة بها برزت بوضوح مع تصاعد الصحوة الاسلامية، وهي بحاجة إلى تفسير وتطوير وابتكار مصطلحات اخرى مستعدة من منهج الاسلام، اضافة إلى ايجاد بدائل لمصطلحات وضعتها الحكومات المعادية للاسلام مثل المتطرفين، الاصوليين، تصدير الثورة، المتزمتين. وتركيز التعامل بالتسميات الاسلامية وفق الدلالات الخاصة بها ليكون تداولها شائعاً ومفهوماً في الاوساط السياسية والصحافة والاعلام والجماهير.

    استقراء المنهج الاسلامي العام

    خلال قرون متطاولة، والبعد التاريخي عن التجربة الاسلامية الاصيلة، وبسبب عوامل الهزيمة التي لحقت بالمسلمين، وتشتت دولهم، وتقسمت بلادهم إلى ما يزيد على خمسين بلداً، وتأثير الغزو الاستعماري الذي لم يقتصر على الصعيد العسكري بل امتد واتسع وشمل كل الجوانب الحياتية، الاقتصادية والاقتصادية، ولعل اخطرها هو الهزيمة الثقافية والفكرية امام الحضارة الغربية، حتى عادت مبادئها ونظرياتها متغلغلة في التفكير العام للمسلمين. واصبحت الثوابت التي اوجدتها قوانين في نظر البعض. ولسنا بصدد مناقشة مدى التخريب الثقافي الذي حاق بالمسلمين سواء بالغزو الغربي أو بالابتعاد عن المنابع الاصيلة للفكر الاسلامي الصحيح، واقتصار الايمان بالدين والعقيدة على بعض الطقوس والممارسات العبادية الا ما ندر. هذه المناقشة احتلت مساحة جيدة بعد النهضة الاسلامية وشعور ابناء الاسلام بضرورة العودة إلى تراثهم الغني وتاريخهم المجيد، واستلهام عناصر القوة والمنعة منه، مستظلين بالفكر الاسلامي المتجدد.

    لقد افرزت حركة التفكير الاسلامي في ظل الاوضاع البائسة للبلاد الاسلامية، وفي ظل ظروف القهر والهزيمة النفسية والروحية والفكرية، عدة آراء واجتهادات حول المنهج الاسلامي للتعامل مع العالم الخارجي أو ما نسميه بالاتجاه الاستراتيجي للسياسة الخارجية للدولة الاسلامية. وتراوحت هذه الآراء من حالة الاستسلام إلى الدفاع، إلى الهجوم: وهي:

    الاتجاه الاول: «الاسلام العدواني»

    ويعتقد اصحاب هذا الراي بان طبيعة الاسلام عدوانية، وانّه استطاع ان يوسع رقعته ونفوذه بالعنف والسيف حيث اخضع الشعوب المجاروة له بالقوة. وان الجيوش الاسلامية خاضت حروباً طاحنة ومعارك ضارية من اجل التوسع والاستحواذ على ثروات الامم المجاورة والدول القائمة آنذاك. وان طبيعة تكوين الفرد المسلم ضمن الاطار الحاكم للدولة الاسلامية هي طبيعة ذات نزعات عدوانية تغذيها روح العداء والحقد لغير المسلمين وخاصة المناوئين لهم من اصحاب الافكار والمبادىء التي ترفض ما يحاول المسلمون فرضه بالقوة. وان النظام الحاكم للدولة الاسلامية ذو اتجاه عسكري، حيث كان كل مسلم يحتفظ بسلاحه ودرعه وفرسه في بيته استعداداً للمشاركة في اية عملية عسكرية أو غزو مسلح ضد شعب أو امة أو حدود دولة من اجل الفوز بالغنائم التي كانت تشكل دافعاً اساسياً للمشاركة. وان الاحكام الاسلامية وخاصة ما يتعلق بالمعتقدات الفكرية وقضايا التوحيد والمعاد تتضمن اجراءات قاسية وممارسات صارمة مستمدة من عناصر الاجبار والقهر والشدة والتطرف.

    واصحاب هذا الرأي يتمثل بصورة رئيسية بالمستشرقين والمفكرين المسيحيين ورهبان التبشير المسيحي، حيث انهم قد وجدوا العقيدة الاسلامية تقف سداً كبيراً امام التوسع الاستعماري عندما كانت حملات التبشير تمثل طلائع الغزو العسكري. ويراد بهذا الطرح سلب الاسلام من كل الجوانب الانسانية والاخلاقية، واسباغ صفة العدوان والقسوة والشدة عليه لتنفير المسلمين منه اولاً، وزيادة في سعة الفجوة بين المسلمين وعقيدتهم، ومن ناحية اخرى بذر الشكوك امام الذين يرغبون بدخول الاسلام.

    وهناك شواهد ومصاديق كثيرة تؤيد الهاجس الكبير والقلق العظيم الذي كان وما يزال يملأ نفوسهم ويسيطر على تفكيرهم من عودة الاسلام للحياة. وهذه الافكار المبثوثة في بطون الكتب والدراسات ومغلفة بعناوين جذابة كالدراسات الموضوعية والبحث العلمي، والبحوث الاكاديمية وباقلام كبار المؤرخين واساتذة التاريخ والسياسة والعلوم الاجتماعية والفلسفة وغيرهم. وقد تصدى للرد على تلك الشبهات العديد من الاسلاميين والمفكرين، وشغلت هذه القضية اهتماماً كبيراً لدى المتصدين للعمل الاسلامي والمؤمنين به، الذين آثروا الوقوف بصلابة امام السيل الجارف من التشكيك والمغالطات والاباطيل التي نسجت حول الاسلام(1).

    ولم يقتصر اصحاب هذا الرأي على المستشرقين والمفكرين الغربيين بل انهم نقلوه إلى تلامذتهم وطلابهم الذين تربوا على نهجم، ونهلوا من علومهم وآرائهم وتشبعوا بافكارهم ونظرياتهم ومنها نظرتهم نحو الاسلام. فكتب بعضهم صراحة، وآخرون لمحوا تلميحاً، والكل ينطلق من الارضية التي يقف عليها. ولم يقتصر الامر على فئة معينة بل اشترك في ذلك كل اعداء الاسلام ومن مختلف التيارات السياسية والفلسفية، اضافة إلى جمهرة من العلماء المفكرين الذين انبروا لكتابة التاريخ أو التعليق عليه، محاولين بذلك اسقاط قدسية الاسلام وماضيه المجيد من اذهان الطبقات المثقفة التي اعتقدت بان البحث الموضوعي ومباني العلم الحديث تستدعي اعادة النظر بالتاريخ السياسي للمسلمين وكأن اعادة النظر يعني الايمان بما كتبه المستشرقون واعداء الاسلام دون رؤية وتمحيص والكشف عن تزوير الحقائق وتزييف الاحداث واختلاق دوافع ومبررات لم تخطر على بال احد آنذاك.

    الاتجاه الثاني: «الاسلام المسالم»

    وقد برز هذا الرأي كأفراز عرضي للمنحى الدفاعي الذي اتخذه الاسلاميون الذين انبروا للدفاع عن العقيدة الاسلامية، وتحليل وتفسير التاريخ الاسلامي بنظرة موضوعية عادلة. فكانوا يأتون بالادلة والبراهين لنفي التهم والشبهات التي اثيرت حول الفتوحات الاسلامية في القرن الهجري الاول، وان العمليات العسكرية لم تكن غاية لذاتها بقدر ما كانت وسيلة لازالة العوائق السياسية والسدود السلطوية والقيود الاجتماعية والقانونية التي تكبل العقل البشري وتكبت الفطرة الانسانية نحو التكامل والسمو من خلال التعرف على مبادىء العقيدة الاسلامية واسس التوحيد والمعاد والنبوة، والسجايا الانسانية والقيم الاخلاقية التي يبشر بها الاسلام.

    وضمن السياق العام للحالة الدفاعية التي اتخذها المدافعون عن الاسلام، اتجه بعضهم أو تمادى في هذا الطرح، وحاول ان يعطي لرأيه وموقفه مرتكزات شرعية مستنبطة من الاسلام والقرآن الكريم، فأخذ يعرض الاسلام بانه دين سلمي فقط، لا يحبذ على القتال والثورة، وان السلم والسلام منهج اصيل في

    ______________________________________

    1- تراجع مثلاً كتابات السيد محمد حسين فضل الله، «اسلوب الدعوة في القرآن» و«الاسلام ومنطق القوة».



    استراتيجيه، وانّه غير مهتم بما يجري في العالم ما لم يمس حدود الدولة الاسلامية، وانّه لايقاتل الا الذين يقاتلون اهل دار الاسلام داخل حدود هذه الدار أو الذين يهددونها من الخارج! فاصبحت العهود والمواثيق غاية مطلوبة لتأمين عدم الاعتداء وليست حالة مؤقتة تقتضيها الظروف. واخذ بعضهم يفسر النصوص القرآنية المتعلقة بالجهاد والقتال بصورة مشوهة عقيمة بعيدة عن جو الاسلام والقرآن. واخذوا يحملونها الواقع المهزوم الذي يعيشونه، أو يتمسكون باحداث وقضايا وقتية مارسها الرسول الكريم (ص) واعتبروها حالة عامة ودائمة في الاسلام. وصارت مقولات هذا الدين دين المسلم والسلام سيفاً بوجه كل من ينفض الغبار عن الفرائض المنسية كالجهاد والدعوة إلى الاسلام. فاصبحوا لا ينظرون ابعد من انوفهم، وتلك حالة المهزومين (فالمهزومون الذين يحاولون ان يلووا اعناق النصوص لياً ليخرجوا من الحرج الذي يتوهمونه في انطلاق الاسلام ليحرر البشر في الارض كلها من العبودية لغير الله. ينسون هذه الحقيقة الكبرى... وهي ان هناك منهجاً ربانياً، العبودية فيه لله وحده يواجه مناهج بشرية العبودية فيها للعبيد. ان للجهاد المطلق في هذا الدين مبرراته النابعة من ذات المنهج الالهي، فيراجعها المهزومون الذين يحملون هزيمتهم وضعفهم على هذا الدين) كما رأى سيد قطب(1).

    وإذا كان هذا الاتجاه قد تغلغل في بعض الاوساط من اهل السنة وخاصة اصحاب الاتجاه السلفي أو الاصلاحي، كصاحب المنار الشيخ رشيد رضا واستاذه محمد عبده، كما ذكر سيد قطب، فان هناك اتجاه مشابه لدى بعض الاسلاميين من الشيعة ولكن يتخذ مبررات وذرائع اخرى. فالقسم الاخير يعتقد باستحالة أو عقم المحاولات الرامية لنشر الاسلام لان القوى المتعاظمة للاستكبار العالمي وقدراته العسكرية والسياسية والاقتصادية لا يمكن مواجهتها دون اللجوء للقوة الاعجازية، ولا يوجد من يستطيع ذلك اليوم خاصة على الوضع المتخلف للمسلمين، فلا يبقى سوى امل انتظار ظهور المهدي (عج) والذي بشر به الرسول (ص) وائمة اهل البيت (ع) فهو الذي سيتولى هذه المهمة الشاقة بامكاناته وقدراته الفائقة لقدرات البشر. واصبحت العقيدة المهدوية بذلك الطرح منهجاً سائداً لدى بعض الاوساط الدينية والحوزوية وهو منهج يصب في النهاية امام اي منهج يعتبر الاطروحة الاسلامية قابلة للتحقيق وادارة البلاد وكقوة معترف بها على الصعيد الدولي والحضاري.

    الاتجاه الثالث: «الاسلام الواقعي»

    وقد تبلور هذا الرأي في العقود الاخيرة من القرن العشرين، في المرحلة التي وثبت فيها النهضة الاسلامية الحديثة بكل عمقها واتساعها، وعلى كافة اصعدة الفكر والفلسفة والتاريخ والثقافة. ويتلخص هذا الاتجاه بالنظرة الواقعية للاسلام بكل شموله دون تبعيض أو تجزأة للاحكام أو التصورات المستقاة منها. وباعتماد الاتجاه الموضوعي لتفسير الاحداث والقضايا التاريخية وتطابقها مع الشريعة الاسلامية، واستنباط المنهج العام لتعامل الاسلام مع الشعوب والامم، بشكل يحفظ للتاريخ مجده ورونقه، ويبعث الحافز للتفاعل مع المفردات الحضارية للعصر الحديث، فلا تفريط بالتراث الاسلامي أو النظر إليه بروح العداء أو تحميله فوق ما يستطيع، ولا بالاعتزال السياسي عن المجتمع الانساني والساحة الدولية.

    ______________________________________

    1- في ظلال القرآن، سيد قطب ج10، ص 108، وما بعدها.



    فعناصر القوة في الاسلام وخاصة منها ما يتعلق بعلاقات الدولة الاسلامية مع الخارج يجب ان يتعامل معها وفق ما اراد الاسلام وما فرضته الشريعة، وتبقى الاهداف العامة اسساً لأي منهج يصاغ لوضع استراتيجية للتحرك خارج الحدود مع النظر لمتطلبات الوقت واولويات كل مرحلة، ودفع العناصر المتحركة فيها نحو الابداع والانطلاق دون تقيدها بالاوهام والمخاوف والهواجس الا مع ما حدده الاسلام ورسمته الشريعة.

    ولعل اهم نقاط التقاطع في الاتجاهات الثلاثة هي قضايا الدعوة للاسلام والجهاد في سبيل الله، وهي جزء من مرتكزات السياسة الخارجية التي يتبناها الاسلام في الدولة الاسلامية كاهداف استراتيجية عامة، ولا يعني ذلك عدم الالتفات للاهداف الاخرى التي تفرضها متطلبات الدولة واقتصادها وامنها ووضعها السياسي واعداد البنى التحتية لمسلتزمات الاهداف الاستراتيجية البعيدة المدى.

    ويعتمد اصحاب هذا الاتجاه المنطق القوي في الاستدلالات على صحة هذا المنهج سواء في تحليل وتفسير الاحداث التاريخية أو في استنباط الموقف اللازم لمواجهة قوة أو حدث ما أو في التدليل على الغاية النهائية لنزول الرسالة السماوية الاخيرة وهي الاسلام، في سبيل نشر دين الله بين (الانسانية) وعلى كل (الارض).

    فالواقعية التي يعتمدها اصحاب هذا المنهج مستمدة من واقعية الاسلام وملائمته للفطرة البشرية وحاجات المجتمعات الانسانية في مواجهة الحالات العامة والخاصة، الثابتة والمتغيرة، واعتماداً على قدرة الاحكام والفقه الاسلامي على التكيف مع متطلبات المرحلة الراهنة، والتعامل مع المفردات الحديثة بثقة وحزم. فاذا كان الرسول (ص) قد بعث لانقاذ البشرية من الشرك والكفر والظلم فهل يتم ذلك بالانكفاء والعزلة ام بالانطلاق والتحرك؟

    يقول سيد قطب «ان البعض لا يلتفت إلى طبعية المنهج الحركي في الاسلام ومواجهته للواقع بوسائل متكافئة. فهو يحيل الاحكام النهائية الاخيرة على النصوص المرحلية قبلها، دون التفات إلى ان النصوص السابقة كانت تواجه حالات واقعة غير الحالة التي جاءت النصوص الاخيرة تواجهها. وحقيقة ان هذه الاحكام ليست (منسوخة) بمعنى انّه لا يجوز الاخذ بها مهما تكن الاحوال ـ بعد نزول الاحكام الاخيرة ـ فهي باقية لمواجهة الحالات التي تكون من نوع الحالات التي واجهتها. ولكنها لا تقيد المسلمين إذا واجهتم حالة كالتي واجهتها النصوص الاخيرة وكانوا قادرين على تنفيذها. ان الامر في حاجة إلى سعة ومرونة وادراك لطبيعة هذا الدين وطبيعة منهجه الحركي»(1) ويقصد بذلك اولئك الذين يتمسكون بالاحكام ذات الاتجاه السلمي دون الالتفات للنصوص الاخيرة التي تحمل نفس الطابع لكن ذا اتجاه هجومي ويقصد بها الاحكام التي نزلت في سورة براءة وهي من اواخر السور التي نزلت وتتضمن احكاماً نهائية حسب رأيه.

    ويضيف قائلاً «كانت التجربة تلو التجربة قد كشفت عن القانون الحتمي الذي يحكم العلاقات بين المجتمع المسلم الذي يفرد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والحاكمية والتشريع، والمجتمعات الجاهلية التي تجعل هذا كله لغير الله، أو تجعل فيه شركاء لله.. هذا القانون الحتمي هو قانون الصراع الذي يعبر عنه قول الله سبحانه

    ______________________________________

    1- في ظلال القرآن، ج10، ص 125.



    (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً)(1).

    وللعلامة السيد محمد حسين فضل الله آراء متقدمة واجتهادت عصرية واقعية، فقد الف كتاباً حول «الاسلام ومنطق القوة»، تناول فيه مفهوم القوة في الاسلام وعناصر القوة وجوانبها. ويقول في جانب من تلك الدراسة القيمة في معرض رده على بعض الآراء.. «كما نريد ان نرد على الفكرة المعادية للاسلام التي تحاول ان تصور الاسلام في صورة الدين المحلي الذي انبثق من تفكير بشري محدود بحدود البيئة الخاصة، لان التشريعات الحربية والسلمية تعيش في اطار الاشكال التاريخية التي رافقت عصر الدعوة، ولا تخرج عن هذا الاطار، فلا يمكن ـ والحال هذه ـ ان تمتد إلى عصور تاريخية اخرى، تختلف اوضاعها واشكالها في شؤون الحرب والسلم.. اننا نريد ان نفهم خطأ هذه الفكرة وضلالها من خلال الحديث الذي اثرناه، لنخرج بالنتيجة المشرقة التي تقدر شمول القواعد الاسلامية العامة للتشريع لكل حالات التطور المعقولة في الحياة»(2).

    ومع ان السيد فضل الله يبقى متحفظاً على حدود الجهاد واتساعه وخاصة الجهاد الابتدائي الا انّه يرسم الخط الصحيح للمنهج العام للنظرية الاسلامية حول الاتجاهين الاولين اللذين ذكرناهما آنفاً فيقول «ان كل ما نريده من هذا الحديث، هو ابداء التحفظات حول الفكرة التي يدعو اليها جمهور فقهاء المسلمين، من اعتبار الحرب اصلاً في الشريعة الاسلامية بحيث يحتاج السلم إلى مبرر. فربما كانت الفكرة الاكثر قرباً للاسلام، هي اعتبار السلم اصلاً لتكون الحرب قضية طارئة تخضع لمبرراتها، ولهذا ترجع إليه كلما زالت المبررات، أو ربما كانت قضية السلم والحرب خاضعة لمصلحة الاسلام والمسلمين، فليس احدهما اصلاً، ليكون الآخر امراً طارئاً، بل كل منهما اصل في اطاره وضرورة في موقعه.. اننا لا نستطيع ان نقرر من خلال حديثنا هذا، ان الاسلام لا يختلف عن اية عقيدة اخرى لا تخضع للمقومات الاقليمية والقومية، بل تمتد في مجرى الحياة الانسانية لتشمل العالم كله، من موقع المسؤولية الشاملة التي ترتبط بحياة الانسان بعيداً عن روح الغلبة والسيطرة والقهر والاستعلاء.. فهي تخضع في حربها وسلمها للخطة العامة الشاملة التي تتحرك في مصلحة الانسان..»(3).

    ويذهب السيد كاظم الحائري وهو من الفقهاء المجددين ابعد من ذلك عندما يرفع القيد عن الجهاد الابتدائي والذي يتمثل في وجوب موافقة الامام المعصوم أو نائبه الخاص عليه، وخلافاً لما يعتقده فقهاء الشيعة من ان جهاد الفتح هو من شؤون وصلاحية الامام المعصوم، الا ان السيد الحائري يؤمن بان الجهاد الابتدائي في عصرنا الحالي كالجهاد الدفاعي بالنسبة لوجود المعصوم أو عدمه، ويستدل على مشروعية الجهاد الابتدائي انصباباً مطلقاً دون تقييد لا من حيث الزمان ولا من حيث قيد عصمة القيادة ولا من حيث القوى والكيانات التي نقاتلها ـ سوى قيد الشرك والكفر فيها ـ وسوى وجود امة تحمل راية التوحيد وتدعو لهداية الانسان ونشر الاسلام..(4).

    ______________________________________

    1- في ظلال القرآن، ج10، ص 125.

    2- الاسلام ومنطق القوة، السيد محمد حسين فضل الله، ص 226.

    3- الاسلام ومنطق القوة، 223.

    4- الكفاح المسلح في الاسلام، السيد كاظم الحائري، ص 10.



    ان هذ القفزة العظيمة في الفقه الاسلامي تفتح الآفاق امام المسلمين للانطلاق نحو اداء الرسالة العالمية بكل اطمئنان وثقة وعزم وتمنح الامة والدولة الاسلامية مشروعية استخدام كل وسيلة شريفة ضرورية لنشر الاسلام وحمله للعالم وتحقيق الوعد الآلهي وايصال الهداية لكل انسان على هذه الارض.

    ان اصحاب هذا الاتجاه الواقعي يمتازون بخصائص مشتركة تشمل السعة الثقافية والعمق الفكري والطرح الموضوعي، كما انهم اصحاب تجارب حركية وتنظيمية رائدة، ساهموا في التنظير للحركة الاسلامية الواعية وخدموا الاسلام والنهضة الاسلامية بكل اخلاص. وهناك سمة مميزة هي الانفتاح على العالم وعلى افكاره وتياراته واستيعاب الواقع ومفردات العصر والحضارة والتفاعل والتأثير في هذا الواقع بصورة لا تمسخ الفكر الاسلامي الاصيل ولا تطغى على الاسلوب الموضوعي المتين والنظرة الشاملة للمنهج الاسلامي والعلاقات الدقيقة بين عناصره ومكوناته
    ====
    يتبع
                  

07-15-2003, 04:03 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    مرتكزات النظرية الاسلامية للسياسة الخارجية:

    قبل التعرض لتفاصيل هذه المرتكزات والمقومات التي نعتمدها في البناء الايديولوجي للسياسة الخارجية لابد من الاشارة إلى بعض الملاحظات التي تتعلق بهذا البناء:

    1 ـ تمثل هذه المرتكزات القواعد الاساسية (بنظرنا) للسياسة الخارجية المستنبطة من الاحكام الاسلامية والنصوص القرآنية، والتي تشكل بمجموعها معالم النظرية الاسلامية المقصودة.

    2 ـ ان هذه القواعد تمثل بناء واحداً متكاملاً لا يمكن الفصل بين اجزائه، فهي تدخل في الاطار العام لسياسة الدولة الاسلامية، ولا يجوز فصلها عن بقية النشاطات السياسية الداخلية وان كان الصعيد الخارجي هو الميدان الذي تتعامل به. فالسياسة الخارجية نشاط من الانشطة السياسية للدولة يتناغم مع مسيرتها وتوجهاتها ومبادئها.

    3 ـ تبقى القيادة الاسلامية الشرعية المسؤولة عن تحديد اولويات كل واحدة من هذه المرتكزات أو تقديمها أو تأخيرها، وخاصة عند الاضطرار لتجميد العمل ببعضها واستمراره بالبعض الآخر وفق التصورات التي ترتأيها القيادة ومؤسسات القرار السياسي التي تملك صنعه.

    4 ـ المصلحة العليا للاسلام والدولة الاسلامية عنصر ضابط لكل هذه القواعد، فيمكن تجاوز بعضها أو عدم الاعتناء بها طبقاً للظروف والمتطلبات التي يفرضها الواقع الميداني على الدولة. ولا يعني ذلك ضرب هذه المبادىء عرض الحائط باي شكل من الاشكال بل ان التعامل الواقعي مع الحالة الاستثنائية هو الذي يفرض ذلك. يبقى هذا الامر حالة مؤقتة تزول بزوال العارض أو العامل الذي استوجب التعامل معه على ذلك النحو.

    5 ـ لا يعني التطرق لهذه المرتكزات هو حصرها بل يبقى باب الاجتهاد والاستنباط والاخذ بالتجارب السياسية التي حازتها المجتمعات الانسانية والامم الاخرى، مفتوحاً. وتبقى هذه المعالم بحاجة إلى صياغات جديدة وطرح عصري ينجسم مع الموقع الذي تمثله الدولة في المنظومة الدولية، والتعامل الصحيح والمنطقي مع الشعوب والحكومات. فالانفتاح على التجارب الانسانية يحقق التطور والتقدم إذا احسن التعامل معها بروح منفتحة خلاقة، ويوفر الجهد والمال والوقت على تكرار بعض التجارب الفاشلة. وعلى اية حال تبقى الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين جهداً جاهزاً وخزيناً حضارياًيمكن الانتهال منه واختيار ما يتوافق الاطروحة الاسلامية والمجتمع الاسلامي وبصورة لا يتناقض مع الاحكام الشرعية والمسائل الفقهية المستحدثة. أما اهم هذه المرتكزات فهي:

    المرتكزات الاساسية

    اولاً: سيادة الموازين الاسلامية:

    السياسة الخارجية للدولة الاسلامية جزء من السياسة العامة للدولة. وان كانت بعض المؤسسات تعتبر مسؤولة عن تنفيذ هذه السياسة، الا ان ذلك لا يعني حصرها في هذه المؤسسات والدوائر، وخاصة فيما يتعلق بالاتجاه العام أو القضايا والاهتمامات التي يمكن للمسلمين عموماً ابداء الرأي بشأنها باعتبار انها جزء من الاطروحة الاسلامية التي يؤمنون بها ويدافعون عنها. ولان السياسة الخارجية هي الوجه الخارجي الذي تظهر به الدولة الاسلامية امام الشعوب والامم، فعلى ذلك تبقى السياسة الخارجية كبقية نشاطات الدولة مؤطرة باطار الاحكام والموازين الاسلامية وعلى ادنى المستويات. فلا يمكن لهذه السياسة أو النشاط ان يناقض هذه الاحكام أو تسير باتجاه معاكس للمنحى العام للدولة، أو يتجاوز القائمون عليها المسائل الفقهية والاحكام الشرعية تحت حجج وذرائع لا ترتكز على رأي لمرجع أو فقيه.

    وهذه المقومات يجب ان تكون مستمدة من البناء الفقهي للاسلام بكل خصوصياته مثل:

    1 ـ ان تكون منصوص عليها وليس اجتهادية.

    2 ـ ان لا تكون منسوخة.

    3 ـ ان تعتبر من الاحكام التكليفية.

    4 ـ ان تتطابق مع السنة.

    5 ـ ان تكون عامة ودائمة وليست متجزءة ومؤقتة.(1)

    كما وان التعامل مع القواعد التي سيتم التطرق اليها سيكون وفق الاصول المعروفة في الفقه الاسلامي بكل ابعاده وتفاصيله. فلو حدث (تزاحم) بين قاعدتين تراعى الاصول في الاخذ بأخذها. وتبقى الضوابط الاسلامية سارية على السياسة الخارجية باعتبارها مفردة من مفردات السياسة العامة للدولة، فقواعد (لا ضرر ولا ضرار) و(مقدمة الواجب واجبة) و(الاستصحاب) وغيرها من القواعد الاصولية والفقهية. تراعى في كل خطوة من الخطوات أو في وضع منهج العمل أو خطوط السياسة الخارجية أو اتخاذ المواقف والتصريحات من قبل المسؤولين. ولا يعني ذلك تكبيل التحرك السياسي والدبلوماسي بمجموعة من القيود التي قد تحد من فاعلية التحرك الاسلامي، ففي الفقه الاسلامي لسعة ومرونة كافية وهناك صلاحيات لأولي الامر من تجميد بعض القواعد الفقهية أو الضوابط الاصولية إذا ما كانت المصلحة العليا للاسلام تستدعي ذلك.

    ثانياً: لا سبيل للكافرين:

    وهذا المرتكز مستوحى من الآية الكريمة (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) (النساء 141)

    ______________________________________

    1- مجلة السياسة الخارجية، العدد 2، ص 228.



    والسبيل يعني الطريق، ولكن يعني به ايضاً الشريعة والقانون، وهذا ما تعنيه الآية الكريمة. واما المقصود بـ(لن يجعل) اي النفي الابدي والاستحالة الدائمة التي يفرضها الله سبحانه وتعالى. ويفهم من الآية بان الله سبحانه لم يجعل هناك اي طريق مفتوح لتسلط وتغلغل الكفار على المسلمين. وان الشريعة الاسلامية اغلقت كل الطرق التي يمكن للكافرين ان ينفذوا منها الاستيلاء على المسلمين(1).

    ويمكن تطبيق هذه القاعدة على العلاقات الخارجية بان انشاء اية علاقة أو تعاون أو صداقة أو معاهدة أو حلف بحيث يؤدي في النهاية إلى تسلط الكافرين على المسلمين وبلادهم ومقدراتهم فانها حرام. فهذه القاعدة تقف بالمرصاد لكل اتفاق سياسي أو اقتصادي أو عسكري وحتى ثقافي يستشعر منه بانه سيكون ممهداً وارضية لهيمنة الكافر على المسلمين.

    وقد يعتقد البعض بان قصد الآية هو سد الطرق الفيزياوية أو التكوينية أو تسلط الكفار ولكن ذلك الامر لا يرتبط بالشريعة قدر ارتباطه بالمسلمين انفسهم، ويتبع لمدى وعيهم وادراكهم وفعاليتهم في الذود عن حمى الاسلام، والاستقلال بعيداً عن النفوذ الاجنبي، وسعيهم للاكتفاء الذاتي في احتياجاتهم كي لا يقعوا فريسة للهيمنة الاجنبية. ولكن يقصد أو يفهم منها ان الله سبحانه وتعالى اغلق جميع السبل التي يمكن للكفار ان يتسلطوا على المسلمين عبر الطرق التشريعية أو القانونية. أو بمعنى آخر انّه لا يوجد هناك مجال افسحته الشريعة الاسلامية يمكن للكفار ان ينفذوا خلاله، وإذا حصل ذلك فليس بسبب الشريعة بل لان المسلمين انفسهم لم يراعوا مقررات وضوابط الشريعة بصورة دقيقة فوقعوا تحت التسلط الاجنبي. ويمكن استشعار ذلك من استخدام لفظة (لن) ولم تستخدم (لم) اذ تفيد الاولى في النفي الابدي، سواء على الصعيد الزمني أو من اللحاظ التشريعية.

    وقد اجمع الفقهاء على هذه القاعدة بانه لا يوجد في الاسلام قانون يؤدي إلى تسلط الكفار على المسلمين(2). فالشريعة الاسلامية لن تسمح ابداً بتسلط الكافرين على المسلمين ومهما كانت الحجج والذرائع.

    ولا يعني الالتزام بهذه القاعدة هو الانعزال والانكفاء بل يعني الحذر والحيطة في التعامل مع الدول الاخرى. فأية دولة لا تستغني عن الحاجة إلى الخبرات الاجنبية والشركات والعلوم والتكنولوجيا في مختلف ميادين النشاط الانساني واستخدام المستشارين الاجانب وابرام العقود مع الشركات الاجنبية امر لابد منها في طور النمو والتطور الا ان كل ذلك يجب ان لا يؤدي إلى الهيمنة الاجنبية والنفوذ السياسي والاقتصادي وهناك تجارب معاصرة مثل فتوى السيد محمد حسن الشيرازي عام 1889 عندما اصدر فتواه الشهيرة بتحريم التدخين اثر الاتفاقية الجائرة التي عقدتها شركة بريطانية (ريجي) مع ناصر الدين شاه ايران. وافتتح الامام الخميني (قدس سره) بيانه الشهير عام 1964 بالآية المذكورة مندداً بلائحة (الحصانة القضائية) المعروفة باسم (الكابتولاسيون) التي وافق عليها نظام الشاه محمد رضا بهلوي والتي قضت بعدم وقوف أو استجواب الرعايا الاميركيين المتهمين بارتكاب جرائم في ايران امام المحاكم الايرانية.

    ان العلاقات بين الدول الكبرى والبلدان الاسلامية بقيت طوال القرنين الماضيين محكومة بمعادلة الطرف

    ______________________________________

    1- الفقه السياسي الاسلامي، ابو الفضل شكوري، ص 386.

    2- الفقه السياسي الاسلامي، ج2، ص 391.



    القوي والطرف الضعيف. وبقيت عمليات النهب الاستعماري والغزو والاستلاب الفكري والهيمنة الاقتصادية والسياسية ماضية وان اختلفت اشكاهلا وصيغها. وبعد بروز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى منافسة للقوى الرأسمالية الغربية واشتداد الصراع بين المعسكرين كانت الدول الصغيرة تجد فسحة من التحرك في فجوة التنافس وتصارع المصالح للمعسكرين. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستفراد اميركا بالعالم كقوة عظمى مهيمنة على جميع الشؤون السياسية والدولية والاقتصادية، اصبح التعامل مع الغرب في غاية الصعوبة، فاما الانصياع والرضوخ للهيمنة الغربية واما المواجهة الفاشلة خاصة على الصعيدين العسكري والاقتصادي وتجربة العراق وآثارها دليل واضح على تلك المواجهة وفي نفس الوقت انذار لكل دولة أو حكومة تفكر في الخروج عن الخطوط الحمراء. وليس باستطاعة الدول الاسلامية تحقيق مصالحها كاملة في الاستقلال السياسي والاقتصادي نظراً لتشابك العلاقات والمصالح بين دول العالم وخاصة مع العالم الصناعي، ولم يبق هناك بد سوى الاعتراف بجزء من مصالح الغرب في بلداننا بهدف تحقيق مصالحنا، فمنطق النظام الدولي اليوم هو منطق المصالح والدول الكبرى تريد تحقيق مصالحها في بلادنا شئنا ام ابينا، تعاونا معها ام واجهناها ونعلم ان المواجهة خاسرة ولا سبيل للشعارات واللافتات السياسية. ان موازين القوى اليوم لا تسمح للدول الضعيفة بلعب دور قوي، اقليمي أو دولي، داخلي أو خارجي، فكيف يمكن اذن التوفيق بين مصلحة الدول الضعيفة ومنها بلداننا الاسلامية وبين مصالح القوى الكبرى؟ هناك تبرز الحاجة للوعي والادراك والتخطيط السليم ورسم الاهداف الممكن تحقيقها والمصالح اللازم تأمينها بشكل لا يتقاطع كلياً مع الموازين الدولية ولا يطمح إلى نفي مصالح الآخرين بصورة تامة. بل تهدف السياسة الخارجية إلى تحقيق اقصى مصلحة في ظل ظروف معينة والتكيف المستمر مع الظروف الطارئة والمتغيرة بهدف استمرار تحقيق المصالح الممكنة مع الاعتراف بمصالح الآخرين ومحاولة تخفيض مستواها ودرجتها قدر المستطاع بالاساليب السياسية والدبلوماسية بشكل يحفظ هيبة الدولة، واستمرار علاقاتها ومصالحها خدمة لشعبها ومستقبل اجيالها. فالدخول في اللعبة السياسية يستلزم الحفاظ على مصالح الدولة ومحاولة توسيعها واكتساب سبل وطرق اخرى باتخاذ وسائل سياسية ودبلوماسية متعارف عليها مع كسب الاصدقاء أو جعل مصالحهم من مصالح الدولة تفادياً للمواجهة مع القوى الكبرى. وهناك تجارب عديدة لدول استطاعت ان تسير اشواطاً نحو التقدم الاقتصادي والثبات السياسي بشكل مضطرد (كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة، تايوان، هونغ كونغ).

    ثالثاً: التولّي والتبرّي

    التولي مشتق من الولاية اي النصرة. قال الراغب الاصفهاني في المفردات: الولاء والتوالي ان يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.

    والموالاة تعني الارتباط والاتباع المعنوي والمادي للمتولى.. والولاء يكون على اربعة ابعاد:

    الاول: ولاء المحبة أو ولاء القرابة.

    الثاني: ولاء الامامة بمعناها الديني اي المرجعية.

    الثالث: ولاء الزعامة والقيادة الاجتماعية والسياسية.

    الرابعة: ولاء التصرف أو الولاية المعنوية والتكوينية والتي هي اسمى مراحل الولاية(1). ومنها اشتق الولي اي الحاكم والقائد الذي يتولى الامور. واما التولي فهو من باب «التفعل» اي قبول الولاية. وهناك ترتيب للولاية في العقيدة الاسلامية تبدأ بولاية الله سبحانه وتعالى ثم ولاية الانبياء ثم ولاية الائمة المعصومين، وفي الفقه الشيعي تأتي ولاية الفقهاء الجامعين للشرائط اي مراجع التقليد.

    اما مصطلح التبرّي فهو مشتق من البراءة، وكما يقول صاحب المفردات (اصل البرء والبراء والتبري التقصي مما يُكره مجاورته، ولذلك قيل برأت من المرض وبرأت من فلان). اي الابتعاد والنأي عن امر أو جانب.

    فاذا كان الولاء فعل ايجابي باتجاه الولي، فالتبري فعل سلبي، ولا يمكن ان يجتمعا في امر واحد بل المقصود هو تولي المؤمنين والتبري من الكافرين. وهذا الاصل يرتكز مبدئياً على النصوص القرآنية العديدة التي تؤكد بان مفهوم التولي والتبري هو ركن اساسي في انشاء العلاقات مع الآخرين.

    (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين) (آل عمران، 2.

    (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين) (النساء، 144).

    (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض) (التوبة، 71).

    (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء) (المائدة، 51).

    (لا تتخذوا آباءكم واخوانكم اولياء ان استحبوا الكفر على الايمان) (التوبة، 23).

    (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء) (الممتحنة، 1).

    فهذه المجموعة من الآيات الكريمة تؤكد على اتخاذ المؤمنين اولياء بعضهم البعض. وهي تشخص الاتجاه العام للمؤمنين في ارتباطهم السياسي والعاطفي بحيث تشكل منهم معسكراً موحداً أو جبهة واحدة. وليس العلاقات مع الكفار دون ضوابط أو قيود، صحيح انها تقام من اجل المصلحة الاسلامية فلا يعني ان الانفتاح على الكفار يكون مطلقاً ويصل إلى مستوى المحبة القلبية والصداقة الحقيقية. كما ان الشريعة الاسلامية لا تسمح حتى بحالة اللامبالاة تجاه القوى الاجنبية بل تضع حدوداً واهدافاً تخرج المؤمن من حالة اللابالاة إلى الالتزام واتخاذ المواقف الذي تطلبه منه الشريعة. ويصف القرآن من يتمادى في علاقاته مع الكفار إلى مستوى الارتباط والمحبة والولاء، بالمنافق حيث قال تعالى:

    (بشر المنافقين بان لهم عذاباً اليماً، الذين يتخذون الكافرين اولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعاً) (النساء، 137 ـ 13.

    والسياسة الخارجية للدولة هي التي تحدد اولاً المعايير والموازين التي تصنف بها الدول والكيانات والحكومات كي يمكن تحديد السياسة الخاصة بكل منها حتى تبنى هذه السياسة على اسس واضحة الرؤية ومحددة المعالم. فيتم تصنيف الدول والانظمة إلى دوائر وكتل حسب انتمائها وتبعيتها السياسية ومتبنياتها العقائدية وارتباطاتها الدولية ومواقفها الخارجية وسياستها الداخلية تجاه الاسلام والاسلاميين. فميزان التقارب مع الدول يأخذ بعين الاعتبار مسائل عديدة. فلا يمكن توقع علاقات الدولة الاسلامية مع الدولة الكافرة اقوى من علاقاتها مع الدول المسلمة وان كانت الاخيرة منحرفة، فالمشتركات بين الدولتين

    ______________________________________

    1- الفقه السياسي الاسلامي، ص 519، نقلاً عن «الخلافة والولاية في نظر القرآن والسنّة» للشهيد مطهري، ص 337.



    المسلمتين اوسع من اية عناصر مشتركة مع دولة كافرة. بالطبع لا يكون ذلك على حساب مصلحة الدولة وعلاقاتها الاقتصادية وعلى حساب الانحياز (لنصرة المظلوم ومخاصمة الظالم). فهذا الاخير يفتح آفاق التعاون حتى مع غير المسلمين من اجل الحق ومواجهة القوى الظالمة اينما كانت وفق الموازين الدولية والاعراف السياسية بعيداً عن التطرف والمبالغة والعواطف.

    رابعاً: الجهاد

    اتسم التاريخ الاسلامي بسمة الجهاد باعتباره اهم ركائز الاستراتيجية الاسلامية في العلاقات الخارجية والصفة البارزة في التعامل مع الشعوب غير المسلمة. وساعد التراكم التاريخي لآثار الفتوحات الاسلامية، والتي اتسمت بعنصر الجهاد كمحرك اصلي ودافع رئيسي للجيوش الاسلامية على مستوى الافراد أو القيادة، في ان يصبح الجهاد أو الحرب المقدسة (Holy War) كما يسميه الغربيون هو محور الفكر الاسلامي في التعامل مع الآخرين. ولا يزال الجهاد يمثل المخزون الثوري القادر على تحريك الشعوب المسلمة في حالة الخطر باعتباره يرتكز على اسس عقائدية بحتة لان الجهاد يمثل مرتبة عالية في الحياة الآخرة اضافة إلى الاتصالات الدنيوية المتحققة بسببه.

    استراتيجية الردع

    يعتبر المفكرون السياسيون ان نظرية (الردع) الاستراتيجي قد انفرزت بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد دخول القوتين العظميين في الحرب الباردة في الخمسينيات. وتعتمد اسس هذه النظرية على التلويح بالقوة العسكرية والتطور التكنولوجي للاسلحة لاجبار دولة أو دول لاتخاذ سياسة معينة لا تناقض سياسة الدولة التي تلوح بالقوة. فالتأثير المعنوي على الطرف الآخر وجعله في حالة خوف من مغبة مواجهة الطرف القوي كفيل برضوخه على اتخاذ سياسة أو مواقف تنسجم أو لا تعادي الطرف القوي.

    والاسلام لم يكن ليجعل دولته في مهب العواصف الدلية تتقاذفها القوى الكافرة بل سعى لتحقيق القدرة الدفاعية والهجومية للمسلمين عبر تبنيه لمرتكزات هذه القوة في صياغات ايديولوجية غير قابلة للتأويل أو التفسير بعيداً عن الاغراض التي استهدفتها الشريعة. فالآية الكريمة:

    (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

    واضحة الاهداف في الاعداد وقدر الاستطاعة، اي دون تحديد أو تقييد لهذه القوة ـ اي اقصى قوة ممكنة. كل ذلك يجعل آفاق التحرك والنشاط السياسي والعسكري مفتوحاً امام القيادة الاسلامية. وليست محصلة هذه القوة التي تشمل ايضاً الجوانب الاقتصادية والثقافية الا ان توجه في مسار استراتيجي يعتمد الواقعية في التعامل مع الانظمة والدول. فيكون الاتجاه نحو (الرهبة، الارهاب) اي التخويف أو الردع اي ردع عدو الله وعدو المسلمين.

    والجهاد يمثل مرحلة متقدمة اي انحياز ميداني للاقتدار العسكري الذي اعتمدته استراتيجية الردع. وهو الوجه الآخر اي (الفعل) لـ(القوة).

    والجهاد على نوعين:

    الجهاد الابتدائي: اي الابتداء بالعمل العسكري من جانب المسلمين، والجهاد هنا يمثل المرحلة النهائية من سلسلة خطوات الدعوة للاسلام، تبدأ بالدعوة السلمية والنصح والارشاد والمجادلة والموعظة الحسنة والحوار الفكري الجاد لتنتهي بخيارات توضع امام الطرف الآخر هي:

    1 ـ الايمان بالله والعقيدة الاسلامية.

    2 ـ البقاء على دينه وكتابه السماوي ودفع الجزية ضمن التزامات اخرى.

    3 ـ الدخول في صراع عسكري.

    وهناك تفاصيل وافية حول هذا الامر في المصنفات الفقهية المختصة. والجهاد الابتدائي يستلزم اولاً الاطمئنان للقوة الاسلامية من مختلف الجوانب بحيث يحتمل النص والامل في دخول الآخرين في الاسلام. ولعل اهم الشروط الواجب احرازها قبل اعلان الجهاد الابتدائي هو وجود الامام المعصوم ويستلزم اذنه في ذلك. ويتفق فقهاء الشيعة في ذلك، فلا يعتبر الجهاد الابتدائي شرعياً ما لم يقترن بوجوده أو وجود نائبه الخاص دون النائب العام(1) ويحرم القيام به حال الغيبة اذ لا يجوز للفقيه العادل ان يدعو إليه ولا يحق له ان يعلن الحرب على الكفار ليدعوهم إلى الاسلام.

    ويذهب صاحب (اللمعة) إلى اكثر من ذلك فيقول «ما لم يهدد الكفار المسلمين بخطر ولم يحتلوا اراضيهم ومدنهم وليس في نيتهم احتلالها فلا يجب البدء بحرب معهم»(2).

    الجهاد الدفاعي: وهو اجراء احترازي أو مواجهة مباشرة مع عدو يهدد الدولة وسيادتها وامنها سواء كان داخل حدودها أو خارجها. يقول الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب «الجواهر»: «ان يدهم المسلمين عدو من الكفار، يخشى منه على بيضة الاسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم واسرهم واخذ اموالهم»(3).

    ويقول الامام الخميني (قدس سره) في «تحرير الوسيلة»: «لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدو يخشى منه على بيضة الاسلام ومجتمعهم، يجب عليهم الدفاع باية وسيلة ممكنة من بذل الاموال والنفوس»(4).

    والدفاع عن الدولة وسيادتها وحدودها امر طبيعي وحق شرعي ليس للدولة فحسب بل لكل فرد أو جماعة انسانية، حيث تبقى مسؤولية المحافظة على كيانه ووجوده منوطة بتحركه ونشاطه واستعداده للدفاع عن ذلك الوجود. ولا يحتاج الدخول في تفصيلات هذا الامر باعتباره مفروغ منه سواء في القانون الدولي والنظم السياسية الحديثة والشرائع المساوية والوضعية كما ان العقل والفطرة يقرانّه بل يستوجبانه.

    ولا يشترط الفقهاء الشروط التي يفترض توفرها في الجهاد الابتدائي، فالجميع مكلفون بالدفاع عن الاسلام والدولة الاسلامية ولا فرق بين كبير، صغير، ذكر، انثى، سليم ومريض. ولا يتوقف على حضور الامام أو نائبه واذنه ولا اذن نائبه الخاص أو العام بل لا يحتاج إلى مراجعة المجتهد المقلد أو المرجع فتقدير الدفاع عن بيضة الاسلام يعود إلى المكلف نفسه. ولا يوجد تقييد في الوسيلة أو الاداة أو الطريقة

    ______________________________________

    1- من الفقه السياسي في الاسلام، محمد صالح جعفر الظالمي، ص 35، نقلاً عن كنز العرفان، ج2، ص 6 والرياض وباب الجهاد.

    2- شرح اللمعة، ج1، ص 225.

    3- من الفقه السياسي في الاسلام، ص 99.

    4- تحرير الوسيلة، الامام الخميني، ج1، ص 485.



    المستخدمة في الدفاع ولكن تبقى القيادة مسؤولة في تهيئة كل اسباب ووسائل الدفاع وبالاسلوب الذي يناسب الهجوم ليكون رادعاً له.

    والعالم الاسلامي والمسلمون اليوم يعيشون في حالة دفاع ضد الهيمنة الاستعمارية للمحافظة على عقيدتهم ودينهم وتراثهم وثرواتهم وسيادتهم ومستقبلهم. وإذا كان الغزو العسكري يستوجب النهوض واداء الواجب بالدفاع عن الدولة، افلا يتطلب الغزو الثقافي والاقتصادي والسياسي موقفاً ورد فعل مناسب؟

    ان عقيدة الجهاد الدفاعي لا تقتصر على الجانب العسكري والمعارك في ساحات القتال بل يتسع إلى اكثر من ذلك ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية. يقول الامام الخميني (قدس سره):

    * لو خيف على حوزة الاسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي المنجر إلى اسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الاسلام والمسلمين وضعفهم، يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات السلبية، كترك شراء امتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً.

    * لو كانت العلاقات السياسية بين الدولة الاسلامية والاجانب موجبة لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو اموالهم أو موجبة لاسرهم السياسي يحرم على رؤساء تلك الدول الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين ارشادهم والزاممهم بتركها ولو بالمقاومة المنفية (السلبية)..(1)

    ان الجهاد الدفاعي يبقى واجباً وتكليفاً يقتضي اداؤه في الوقت الحاضر وكل وقت، فالبلادالاسلامية اليوم مستباحة بفعل الهيمنة الغربية. ولا يمكن للدولة الاسلامية ان تقف موقف اللامبالاة والمتفرج امام عناصر التكبيل السياسي والاسر الاقتصادي للوطن الاسلامي. والسياسة الخارجية هي القادرة على استيعاب كل متطلبات الجهاد واداءه من جانب، وما يواجهه المسلمون في ظل حكومات منحرفة وانظمة ظالمة من جانب آخر. فالالتزامات المترتبة على الدولة الاسلامية تستدعي ان تتحرك في ذلك الاتجاه لمساعدة المسلمين لمقارعة تلك الانظمة الجائرة. والالتزام يعني الدعم والرعاية والمساعدة المالية والمعنوية. وهنا يأتي اهمية الحكمة في العمل والموازنة بين الواجبات الشرعية التي تتطلب الوقوف إلى جانب ذلك الشعب المسلم أو تلك الجماعة المسلمة وبين العلاقات والتعامل السياسي المعمول به على الصعيد الدولي وعدم الاصطدام واثارة السلطات الحاكمة. ويبقى التحرك الفاعل المتحفظ هو الاسلوب الامثل لدعم الجهاد الدفاعي. ويبرز هنا دور الدبلوماسية الاسلامية التي تستخدم اساليباً وطرقاً مناسبة للايفاء بمتطلبات التحرك دون التورط في نشاطات ساذجة مكشوفة تصبح دليل ادانة مما يحرج الدولة الاسلامية والطرف الآخر معاً.

    قد يعتقد البعض بأن طرح موضوع الجهاد الابتدائي يبدو مبكراً نظراً لصعوبة المرحلة التي تمر بها البلدان الاسلامية أو المجازفة في الدخول في حروب ضارية مع الدول الكافرة من اجل اقناع ابناءها بالاسلام والافضل حصر التفكير بانقاذ المسلمين اولاً قبل هداية الكفار الذين يملكون جميع وسائل القوة والاقتدار، بل يبدو ان الدخول في صراع معهم يعني الهزيمة والفشل للمسلمين. وكل ذلك يبدو صحيحاً ولكن الخطر يكمن في حصر الفكر السياسي الاسلامي في أطر ضيقة يعني الانكفاء داخلها في احسن

    ______________________________________

    1- تحرير الوسيلة، ج1، ص 486.



    الاحوال. فآفاق التفكير السياسي والنظرة العامة للانسان والكون، والعناصر المتحكمة في نظرية العلاقات الخارجية في الاسلام يجب ان تبقى مفتوحة وواسعة ليتم التفاعل بين الاسس التي وضعها الاسلام والآفاق البعيدة في الستراتيجية العامة للاسلام. فاذا كانت الظروف الحالية التي يمر بها المسلمون عموماً تعرقل ترجمة هذه الاسس والمرتكزات على الواقع فلا يعني ذلك غلق الابواب امام التفكير بها وصياغة مقومات فكرية رصينة تستطيع استيعاب العالم وتثير الحماس في النفوس، وتشعر المسلمين بالدور العظيم الذي عليهم تأديته، وان لا يقنعوا برقعة جغرافية محددة عرفت تاريخياً بأنها وطن اسلامي، بل ان الارض كلها يجب ان تكون وطناً اسلامياً في يوم من الايام. والاسلام لا يفترض القيام بهذه المهمة المقدسة دفعة واحدة، والنهوض لمواجهة العالم في آن واحد، بل تبقى مسؤولية القيادة التي تمتلك كل مرتكزات الشرعية ومقومات الطاعة ان توفق بين الامكانيات المتاحة وبين تحقق هذا الهدف العظمى الذي نزلت الرسالة الاسلامية تبشر به ووصفت الرسول (ص) بانه مبشر ونذير للعالمين وان الدين كله لله. يقول السيد الحائري (ولا يمكن افتراض ان ديناً ما هو دين عالمي مع افتراض انّه يمتنع عن نشر سلطته على وجه الارض بالقوة الا بقدر ما يتطلبه الدفاع فهما افتراضان غير منسجمين، ذلك اننا نعلم ان سلامة الحجة وقوة المنطق لا تكفيان ابداً بالنسبة لكثير من الناس للانضواء تحت سلطة الحق ورايته، كما نعلم ان سيطرة الحق ولو بالقوة على كثير من الناس يؤهلم أو يدفعهم للتفكير فى الامر وتشخيص الحق)..(1)

    خامساً: الاستجارة أو اللجوء السياسي

    اشتقت لفظة (الاستجارة) من (الجوار) و(الجار) و(المجاورة) اي القرب. ولفظة الاستفعال (استجارة) تفيد الطلب اي تعني طلب المجارو أو اللجوء إلى الجوار. واما (الامان) فهو مصدر للأمن اي طمأنينة النفس وزوال الخوف..(2)

    فالمعنى العام اذن يقصد به طلب اللجوء ومنحه، و(الآمن) يعطي للذي لا يملكه اي العدو أو المتهدد في خطر ويسمى عندئذ (المستأمن).

    والاستجارة والامان هو احد مرتكزات السياسة الخارجية في الاطروحة الاسلامية. وقد اخذ اهتماما جيدا في المصنفعات والكتب الفقهية، وتناوله العلماء والفقهاء بالبحث والتمحيص، ومع انهم لم يفردوا له باباً خاصاً حيث جاء ضمن (كتاب الجهاد) في الرسائل العملية لعلاقاته بقضايا الجهاد والقتال والحرب، حيث تبرز اهمية اعطاء الامان وطلبه في تلك الظروف الاستثنائية.

    والطرف المعني بالاستجارة هو العدو أو المشرك انطلاقاً من الآية الكريمة:

    (وان استجارك احد من المشركين فأجره حتى يسمع كلام الله * ثم ابلغه مأمنه * ذلك بانهم قوم لا يعلمون) (سورة التوبة 5).

    فلو رغب احد الكفار أو المشركين وطلب الاستجارة أو اللجوء إلى دار الاسلام ليسمع كلام الله ويتعرف على الاسلام وتعاليمه وشرائعه، فيجب ان يعطي الامان ليتمكن من الوصول إلى الحقيقة التي ينشدها وتتبدد تساؤلاته وشبهاته ويعود إلى بلاده بسلام وطمأنينة. واذ رغب بالاسلام وآمن به وآثر

    ______________________________________

    1- الكفاح المسلح في الاسلام، ص 11.

    2- معجم مفردات الفاظ القرآن، الراغب الاصفهاني، مادة أمن.



    البقاء في حمى الدولة الاسلامية فذلك من حقه. والمتمعن فى هذه الحالة الاستثنائية والشروط التي ليس لها نظير في سائر العقائد يتيقن بعظمة الاسلام، ويستشعر الجانب الانساني في هذه الرسالة الخالدة. فاعطاء الامان يتم للعدو وتوفر له كل الاسباب والامكانيات الفكرية والامنية والمعاشية ليسلك طريق التكامل نحو الحقيقة، والتعرف إلى الاسلام من كثب وقناعة دون ضغط أو تهديد أو خوف، وهو مخير بعد ذلك بين الايمان والبقاء أو العودة أو بقاءه على شركه وهذه الحالة المثالية التي يهيأ الاسلام شرائطها تأتي في اوج الانفعالات النفسية وتصاعد العداء تجاه العدو، الا ان الاسلام يزيح كل هذه العوائق ويتعامل مع الناس عبر المفاهيم الانسانية المشتركة فيتيح الفرصة للعودة لله ونداء الفطرة السليمة حتى في احلك لحظات العداوة والبغضاء، وهو رد لكل الاتهامات التي تتهم الاسلام باكراه الآخرين على الايمان به.

    عقد الاستجارة: يعرف العلامة الحلي «عقد الاستجارة» بانه (عقد الامان ترك القتال اجابة لسؤال الكفار بالامهال)..(1)

    ويذكر العلامة الطباطبائي صاحب «الميزان» ان الغرض من الاستجارة هو «لسماع كلام الله» فيقول «فيتقدر الايمان الذي يعطاه المستجير المستأمن بقدره فاذا سمع من كلام الله ما يتبين به الرشد من الغي ويتميز به الهدى من الضلال انتهت مدة الاستجارة، وحان ان يرد المستجير إلى مأمنه والمكان الخاص به الذي هو في أمن فيه، لا يهدده فيه سيوف المسلمين ليرجع إلى حاله الذي فارقه، ويختار لنفسه ما يشاء على حرية من المشيئة والارادة». ويضيف «انما توجب اجارة المستجير إذا استجار لامر ديني يرجى فيه خير الدين، واما مطلق الاستجارة لا لغرض ديني ولا نفع عائد إليه فلا دلالة عليه اصلاً»(2)، فلا استجارة لاغراض التجارة والسياحة وغيرها بل هناك الامان وعقد الذمة للبقاء بتلك الاغراض المذكورة، وهناك قيود وضوابط منها:

    1ـ لا يجوز الغدر بطالب الاستجارة أو اللاجىء أو تسليمه إلى العدو تحت اي عذر.

    2ـ لا يعطى الامان أو اللجوء للقتلة والمجرمين.

    3ـ لا يشترط في مانح اللجوء ان يكون مسؤولاً أو صاحب منصب بل يستطيع اي مسلم ان يمارس هذا الحق وعلى الدولة احترام عهده. فقد وافق الامام «ع» في احدى حروبه على امان منحه عبد مسلم لسكان قلعة كانت محاصرة فصادق عليه..(3)

    اللجوء السياسي

    اصبح اللجوء السياسي واحداً من المفاهيم الانسانية والسياسية التي تتعامل بها الدول وان اختلفت الاسباب والدوافع. فوضعت المعاهدات والبروتوكولات التي تنظم عمليات طلب اللجوء وقبوله وخاضعة للمفاهيم والاعراف الدولية. والدول التي توقع على تلك المعاهدات تصبح ملزمة باحترام تعهداتها وقبول اللاجئين اليها. واصبح من حق اي فرد يتعرض إلى اضطهاد وتمييز في العنصر، اللون، الدين، المذهب،

    ______________________________________

    1- تذكرة الفقهاء، العلاّمة الحلي، ج1، ص 414.

    2- الميزان في تفسير القرآن، العلاّمة الطباطبائي ج10، ص 158 - 159.

    3- الفقه السياسي الاسلامي، نقلاً عن تذكرة الفقهاء، ج1، ص 414.



    العرق أو تتهدد حياته بالخطر جراء انتمائه إلى جماعة أو اقلية معينة ان يطلب اللجوء السياسي في الدول الموقعة على تلك المعاهدة وهي اغلبها من الدول الاوروبية والصناعية. اما في بلداننا الاسلامية فما زال اللجوء السياسي يقتصر على الجماعات المؤيدة لنظام الدولة المستضيفة سواء في العقيدة أو الفكر السياسي اما اللاجئون الذين قد يعارضون أو لا تنسجم توجهاتهم مع نظام الدول المستضيفة لا مكان لهم فيها أو يقبلون دون كفالة معيشية أو أمنية أو سكنية أو غيرها.

    واللجوء السياسي سمة حضارية تمارسها الدول حيث تمنح الامن والاستقرار للاجئين من مختلف بقاع العالم دون النظر لالوانهم وعقائدهم وانتماءاتهم. والاحرى ان يتم تشريع هذا القانون في بلداننا ورعايته استجابة لمآثر الاسلام والدين والانسانية.

    لمن يمنح اللجوء السياسي؟

    هناك عدة شرائح اجتماعية ودوافع عقائدية تجعل بالامكان منح اللجوء السياسي بعد توفر شروطها، وهم:

    1ـ المهاجرون المسلمون: إذا اسلم الكفار وهو في بلادهم ثم تركوها ولجئوا إلى دار السالام وحمى الدولة الاسلامية، يستطيعون التمتع باللجوء السياسي والعيش بأمان وسلام على ارض الاسلام. ولا تستطيع الحكومة الاسلامية ان تجبرهم على العودة إلى بلادهم أو بلاد الكفر وفي جميع الاحوال والظروف ولا تستطيع كذلك مبادلتهم بالاسرى المسلمين عند العدو.(1)

    والزوجات اللائي يسلمن ثم يهاجرن إلى دار الاسلام يصبحن مطلقات من ازواجهن الكفار بمجرد اسلامهن، وعلى الحكومة الاسلامية دفع مهورهن لازواجهن. ولو ارتدن وعدن إلى بلادهن فمن حق الدولة الاسلامية ان تطالب بما دفعته لهن.(2)

    2ـ الكفار الشاكون الطالبون الحقيقة: وهم الذين يجلهون الحقائق والمعارف الاسلامية وهم في طريقهم للتوصل إلى التوحيد والايمان. فاذا رغبوا في دخول بلاد الاسلام للبحث والتحقيق فيستطيعون التمتع بالامان والحماية من اجل توفير الفرصة لهم لبلوغ ذلك الهدف السامي. فيمنحون اللجوء السياسي المؤقت والذي لا يستمر اكثر من عام واحد(3) كما يرى اغلب فقهاء الشيعة والسنة عدا الشافعي الذي يرى انها لا تزيد على اربعة اشهر(4) أو كما يرى آية الله اسماعيل الصدر بأن مدة الاقامة منوطة برأي الامام فهو يعينها تبعاً لما يراه من المصلحة. وبعد انتهاء الاجل يستطيع اولئك الكفار البقاء في دار الاسلام فيما إذا اسلموا أو رضوا بشروط عقد الذمة، عندها يمكنهم البقاء والعيش بصورة دائمة. وإذا لم يقبلوا بكليهما «اي الاسلام وشرائط الذمة» يمكنهم عندئذ العودة إلى بلادهم وحتى لو انفق من بيت مال المسلمين على تكاليف عودتهم.

    3ـ المسلمون المضطهدون: الذين تتهدد حياتهم الخطر بسبب التزامهم بالاسلام وملاحقتهم من قبل
    ____________________________________
    1- الفقه السياسي الاسلامي، ص 588.
    2- الفقه السياسي الاسلامي، ص 589.
    3- الفقه السياسي الاسلامي، ص 590.
    4- التشريع الجنائي الاسلامي، عبدالقادر عودة، ص 482.

    الحكومات المنحرفة. فالاولى ان يجدوا الاطمئنان والامن في حمى الدولة الاسلامية لانها مسؤولة امام جميع المسلمين ولا يمكن التخلي عن نصرتهم أو مساعدتهم أو تعريض حياتهم للخطر. فان آثروا البقاء بقوا وان صلحت الامور في بلدانهم امكنهم العودة اليها.

    هذا ويمنح الامان للسفراء والمبعوثين من الدول الكافرة والقادمين إلى الدولة الاسلامية لاغراض سياسية ودبلوماسية، طوال فترة تواجدهم، فأرواحهم واعراضهم واموالهم مصونة. والرسول «ص» يقول: «لا يقتل الرسل ولا الرهن» اي حملة الرسائل والامانات.

    والقوانين الدولية والمواثيق تنظم العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات والقنصليات وسلوك وصلاحيات ممثلي البعثات الرسمية والدبلوماسية. وإذا ما ارتضتها الدولة الاسلامية فاللازم ان تحترمها وترعاها.

    كما يمنح الامان للتجار الزوار والسواح الكفار وفق المفردات التي تضعها الدولة بل وباستطاعة حتى اتباع الدولة أو النظام الذي هو في حالة حرب مع الدولة الاسلامية ان يدخلوها ويمارسوا نشاطاتهم التجارية والاقتصادية وغيرها.(1)
    ====
    يتبع
                  

07-15-2003, 04:10 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    سادساً: المؤلفة قلوبهم

    يقول الراغب الاصفهاني في المفردات في مادة «ألّف»:

    الإلْف: اجتماع مع التئام. يقال ألَّفتُ بينهم، ومنه الاُلفة، والمؤلّف ما جمع من اجزاء مختلفة ورتب ترتيباً قُدِّم فيه ما حَقُّهُ ان يقدم واُخر فيه ما حقه ان يؤخر.

    و«المؤلفة قلوبهم» هم الذين يُتحرى فيهم بتفقدهم ان يصيروا من جملة من وصفهم الله. فتأليف القلوب واحدة من السياسات العامة للدولة الاسلامية التي تنظم علاقاتها مع فئة أو فئات من المسلمين أو الكافرين خدمة لمصالح الدولة والاسلام والمسلمين.

    يقول يوسف القرضاوي في «فقه الزكاة»: «المؤلفة قلوبهم الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الاسلام أو التثبيت عليه، أو بكف شرهم عن المسلمين، أو رجاء نفعهم في الدفاع عنهم، أو نصرهم على عدو لهم، أو نحو ذلك».(2)

    والمعنى العام هو توفير الدعم المادي والحماية الاقتصادية لهذه الفئة أو تلك الجماعة لاستمالتهم إلى الجهاد والنصرة والايمان بالاسلام والدفاع عنه. وقد مارس الرسول «ص» هذه السياسة طوال حياته الشريفة استجابة لامر الله سبحانه وتعالى بوجوب تخصيص هذه المساعدة من الزكاة لانفاقهاعلى هذه الشريحة. جاء في قوله تعالى:

    (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم) «التوبة 60»

    ______________________________________

    1- الفقه السياسي الاسلامي، ص 592.

    2- فقه الزكاة يوسف القرضاوي، ص 594.



    من هم المؤلفة قلوبهم؟

    هناك عدة آراء واجتهادات فقهية حول من تشملهم صفة «تأليف القلوب». فالبعض يعتقد انها مخصصة للكفار فقط، وآخر يعتقد انها للمنافقين وآخر يقول بأنها للمسلمين ضعاف الايمان وهناك من يقول بذلك كله. يقول الامام الخميني «قدس سره»: المؤلف قلوبهم، وهم الكفار الذين يراد الفتهم إلى الجهاد أو الاسلام، والمسلمون الذين عقائدهم ضعيفة، فيعطون لتأليف قلوبهم، والظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان..(1)

    ومن الفقهاء القدامى من يعتقد بأنها مخصصة للكفار كما هو رأي الشيخ الطوسي والشيخ المفيد(2). ويقول ابن الجنيد وهو من علماء الشيعة الاوائل بأنها تخص المنافقين(3) كما يرى الاسكافي هذا القول.(4)ويعتقد الشيخ يوسف البحراني صاحب «مجمع البحرين» و«الحدائق الناضرة» بأنها تخص المسلمين ضعيفي الايمان.(5)

    والرأي الارجح انها اصل عام، ويشمل جميع المصاديق المذكورة كالكفار والمنافقين والمسلمين ضعيفي الايمان وأهل الثغور. ويميل إلى هذا الرأي فقهاء الشيعة الكبار كالشهيد الاول والشهيد الثاني. والشيخ الطوسي يصل إلى هذا الرأي في نهاية حديثة عن المؤلفة قلوبهم في كتاب «النهاية» ويقول بذلك ايضا المحقق الحلي.(6)

    ويمكن تصنيف المؤلفة قلوبهم وفقاً للاراء المذكورة إلى:

    1ـ الكفار: وهم الذين يراد الفتهم إلى الجهاد أو الاسلام اي استمالتهم بالاموال للايمان بالله والاسلام أو للجهاد إلى جانب السملمين في حروبهم. فقد اعطى رسول الله «ص» إلى صفوان بن أمية وكان مشركاً ثم اسلم. وروي ان الرسول «ص» لم يكن يُسئل شيئاً على الاسلام إلاّ اعطاه، فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشاء كثيرة، بين جبلين من شاء الصدقة.

    قال فرجع إلى قومه فقال: يا قوم اسلموا فان محمداً يعطي من لا يخشى الفاقة(7) ويعطي للذين يخشى شرهم ويرجى باعطائهم كف شرهم غيرهم معهم.

    ويمكن لهذه الفئة ان تشمل المؤسسات الاعلامية والصحف ووكالات الانباء والتلفزيون ودور النشر والكتاب والصحافيين واصحاب المناصب العليا في هذه المؤسسات بفرض عدم التعرض للاسلام والمسلمين. وهي سياسة طالما مارستها الدول على اختلاف توجهاتها وانظمتها السياسية من أجل الترويج لسياساته العامة وخاصة الخارجية، وليست الدولة الاسلامية بدعاً عنها فلها هي ايضا احتياجاتها ووسائلها لدعم سياستها ونفوذها. وأما من الجانب العسكري فيمكن بواسطتها عقد صفقات تسليحية وشراء اسلحة وذخائر لتقوية البنية العسكرية والدفاعية للدولة عبر الانفاق على استمالة الوسطاء

    ______________________________________

    1- تحرير الوسيلة، ج1، ص336.

    2- الفقه السياسي الاسلامي، ص391 نقلاً عن شرح اللمعة، ج1، ص 170.

    3- الفقه السياسي الاسلامي، ص نقلاً عن شرح اللمغة، ج1، ص 170.

    4- الفقه السياسي الاسلامي، نقلاً عن العروة الوثقى، ج9 ص 246.

    5- الفقه السياسي الاسلامي، نقلاً عن الحدائق الناضرة، ج5، ص37.

    6- الفقه السياسي الاسلامي، نقلاً عن المعتبر في شرح المختصر، ص 279 وشرح اللمعة، ج1، ص 170.

    7- فقه الزكاة، نقلاً عن نيل الاوطار، ج4، ص 166.



    والشركات المنتجة للسلاح. أو حتى دفع رواتب للمستشارين والخبراء والضباط والجنود للمشاركة في الجيش الاسلامي إذا اقتضى الامر، كل ذلك بالطبع من اجل المصلحة الاسلامية العليا.

    2ـ المسلمون وهم على عدة فئات:

    اولاً: ومنهم قوم من سادات المسلمين وزعمائهم لهم نظراء من الكفار، إذا اُعطوا رجي اسلام نظرائهم، فالمال وسيلة فعالة في استمالة القلوب واقناع النفوس إلى الاسلام.

    ثانياً: ومنهم زعماء ضعفاء الايمان من المسلمين، مطاعون في اقوامهم، ويرجى باعطائهم تثبيتهم وقوة ايمانهم ومناصحتهم في الجهاد وغيره، كالذين اعطاهم الرسول «ص» من غنائم هوازن وهم بعض الطلقاء من اهل مكة الذين اسلموا فكان منهم المنافق ومنهم ضعيف الايمان.(1)

    ثالثاً: ومنهم قوم من المسلمين في الثغور وحدود بلاد اعداء، يعطون لما يرجى من دفاعهم عمن ورائهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو.

    رابعاً: ومنهم قوم من المسلمين يحتاج اليهم بجباية الزكاة ممن لا يعطيها إلاّ بنفوذهم وتأثيرهم إلاّ ان يقاتلوا، فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة للحوق اخف الضررين وارجح المصلحتين.(2)

    وقد ادعى البعض بأن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بعد موت رسول الله «ص»، واعتبر بعضهم ان تلك رشوة كانت تعطى في وقت كان الاسلام فيه ضعيفاً، اما وقد قوي الاسلام فلا حاجة لها. ولكن هناك شبه اجماع على بطلان دعوى النسخ وان حكم تأليف القلوب باق على قوته بعد وفاة الرسول «ص» إلى يومنا هذا. ولا يشترط وجود الامام المعصوم اذ ان الحكم جائز التنفيذ في غيبته وان كان بعض علماء الشيعة كالشيخ الطوسي يعتبره ضمن التزامات الجهاد الابتدائي فيشترط حضور أو اذن الامام المعصوم.(3)

    والدولة الاسلامية تستطيع ان تصرف هذا السهم لتدعيم مواقفها ونشر مبادىء الاسلام وتوضيح سياساتها باستمالة الصحف ووسائل الاعلام وتطويعها لخدمة اهداف الاسلام العالية. فالتأثير الاعلامي اليوم اصبح من الاسلحة الفتاكة التي تؤثر على الدول والحكومات والشعوب. وكسب الانصار والمؤيدين لا يتم بالتحاكم إلى الحق والوجدان والضمير، فالشارع المقدس على معرفته بأحقية الرسالة الاسلامية لم يجد بأساً من استخدام المال في هذا السبيل.

    سابعاً: العلاقات السلمية مع الدول غير المحاربة

    الاسلام يبغي السلام دائماً، ففي ظل ظروف السلام والامن يمكن للدعوة الاسلامية ان تشق طريقها بيسر وسهولة، خاصة إذا ازيلت المواقع التي تمنع وصول الحق للنفوس والعقول. والدولة الاسلامية بحاجة للامن والسلام والاستقرار في علاقاتها الخارجية كي تستطيع الايفاء بتعهداتها والتزاماتها تجاه الشعوب المظلومة من جهة وتجاه احتياجاتها واقتصادها وتجارتها واموالها مع الدول الاخرى، ولا يمكنها التحرك

    ______________________________________

    1- فقه الزكاة، ص596.

    2- فقه الزكاة، ص596.

    3- الفقه السياسي الاسلامي، نقلاً عن الحدائق الناضرة، ج5 ص 37.



    بسهولة في اجواء النزاع والعنف والعداء والحقد. والرسالة الاسلامية تنتشر بيسر في الاجواء الهادئة المعتمدة على المجادلة والموعظة الحسنة والنقاش الهادىء، وقد اسلمت شعوب كثيرة بالطرق السلمية والدعوات الهادئة.

    والقرآن الكريم يحث على السلم والصلح واجتناب العداء والضغينة والحروب قدر المستطاع، فاذا كانت الاهداف الاسلامية تتحقق بالاساليب السلمية فلا حاجة للعنف عند ذلك. فالحروب والنزاعات العسكرية حالة استثنائية وليست اصل في الاسلام، وحتى في الحروب الجهادية ـ الجهاد الثاني ـ فهي مرحلة لاحقة بعد اخفاق كل الجهود السابقة من الدعوة السلمية.

    فالاسلام يعتمد مبدأي «التسامح» و«العدل» في بناء العلاقات مع الآخرين، فالتسامح يمثل الاسلوب الوديع المسالم الذي يفتح الآفاق الرحبة والظروف العاطفية الملائمة لاجواء الحرية والقناعة الفكرية بعيداً عن الاكراه والضغط والتشنج. وهناك عدة مفاهيم والفاظ قرآنية تصب في هذا الاتجاه وكلها تدعو إلى «العفو» و«الصفح» و«الاحسان» و«دفع السيئة بالحسنة» و«الاعراض عن الجاهلين» و«لا تسبوا الذين يدعون من دعون الله» وغير ذلك من المعاني التي تلتقي بالتسامح وتنطلق منه. والعدل يمثل القوة التي تكبح جماح الانحراف والتمرد وتهديد النظام بالفوضى والحياة بالدماء، فالعدل هو الاسلوب الوحيد لحماية الحياة.(1)

    والعلاقات مع الذين لم يعادوا الدولة الاسلامية، تبقى طبيعية تنظمها المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والدولية، وتفرضها طبيعة الوضع الدولي والانساني مع الشعوب الاخرى. كما ان حاجة الدولة الاستيفاء بأهدافها واغراضها الاقتصادية، الامنية، السياسية، التكنولوجية، العسكرية والثقافية لا تسمح لها بالانعزال والتقوقع. ويمكن للدولة الاسلامية ان توثق علاقاتها مع الدول التي لا تحمل نزعات استعمارية وهيمنة سياسية واقتصادية، وتبني العلاقات معها على اسس التكافؤ والاحترام المتبادل وتبادل المنفعة والمصالح المشتركة. وطبيعة العلاقات ومثواها وسعتها تعتمد على نوع الحكومة والنظام في تلك الدولة، ومدى اقترابه من مبادىء العدل والانصاف والمساواة ومدى المصلحة الاسلامية المتحققة منها. والفقه الاسلامي يحدد العلاقات مع الدول غير المحاربة اي التي لا تبغي أو لا تدخل في حروب ونزاعات عسكرية وصراعات مسلحة ضد الدولة الاسلامية، والقرآن الكريم يقول في سورة الممتحنة:

    (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم انّ الله يحبّ المقسطين * إنّما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم * فأولئك هم الظالمون).

    وعلى ضوء ذلك يمكن تقسيم الدول إلى اقسام:

    1ـ الدول الاسلامية

    وهي الاقرب سواء في التاريخ والعقيدة المشتركة والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فالتعاون وتوسيع

    ______________________________________

    1- اسلوب الدعوة في القرآن، ص 32.



    العلاقات معها يخدم الاهداف العامة والاستراتيجية الاسلامية. ويمكن تصنيفها إلى:

    أ ـ الدول الصديقة للدولة الاسلامية: وتؤيدها في مواقفها وسياساتها وخاصة على الصعيد الدولي. فيجب تقوية العلاقات معها وعلى كافة الاصعدة وتفادي المشاكل والخلافات الجزئية التي تعكر صفو العلاقات.

    ب ـ الدول المحايدة: ويمكن تقوية العلاقات معها وخاصة الاقتصادية والتجارية وتشجيعها على تفهم مواقف وسياسة الدول الاسلامية وتقليل الضغط الخارجي المسلط عليها عبر التعاون معها ومساعدتها في مشاكلها على امل كسبها إلى جانبها.

    ج ـ الدول العدوة وهي الدول التي تستشعر الخطر من الاسلام باعتباره يهدد نظام الحكم المنحرف القائم فيها، أو انها تتخذ مواقف انسجاماً لقوى كبرى في صراع مع الدول الاسلامية، عندها تجد الدولة الاسلامية نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها ومواجهة هذه الحكومات، وتسعى وتشجع اي تحرك جماهيري للنهوض بوجه ذلك النظام المنحرف
    ====
    يتبع
                  

07-15-2003, 04:12 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    2ـ الدول غير الاسلامية

    ويمكن تصنيفها إلى عدة فئات وهي:

    أ ـ الدول ذات الماضي الاستعماري أو ذات التطلعات التسلطية على الشعوب: وهذه الدول هي التي تمسك بزمام النظام الدولي اليوم. والعلاقات معها بحاجة إلى وعي وحذر وحكمة ومحاولة التفاهم معها للتقليل من حجم الخسائر المتوقعة في المواجهة معها، وتحديد نفوذها بشكل يقتصر على المصالح الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية دون السقوط في دائرة النفوذ السياسي والهيمنة الثقافية. ومحاولة مسايرة الوضع الدولي تفادياً للاصطدام العسكري والسياسي معها مع التأكيد على ان من مصلحتها الاكتفاء بالمنافع الاقتصادية وبما يحقق مصلحة الدولة الاسلامية ايضا.

    ب ـ الدول الصناعية «من غير الفئة المذكورة في أ»: وهي الدول التي لا تتطلع إلى هيمنة سياسية وان كانت تود ذلك يوماً ما، ويهمها بالدرجة الاولى تحقيق مصالحها الاقتصادية عبر الصادرات والواردات. ويمكن الانفتاح على هذه الدول وزيادة وتوسيع العلاقات التجارية والعلمية معها بهدف خدمة مصالح الدولة الاسلامية. وكذلك محاولة كسب صداقتها وخاصة في المواقف السياسية والاقتصادية في المحافل والمنظمات الدولية.

    ج ـ الدول الفقيرة التي تشترك مع الدولة الاسلامية في سياستها العامة: فيمكن التعاون معها وتقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية وتستشعر تحقيق مصالحها في علاقاتها مع الدولة الاسلامية، فتصبح صديقة لها.

    د ـ الدول الفقيرة المحايدة: التي لا تؤيد الدولة الاسلامية ولا تقف منها مواقف عدائية. فالعمل على تحسين العلاقات مع هذه الدول ضروري من اجل تشجيعها على بناء علاقات سياسية واقتصادية والتخفيف عنها قدر المستطاع وسد حاجتها التي غالباً ما تعتمد على مساعدات الدول الكبرى والارتباط بها املاً في اتخاذ مواقف منسجمة مع مواقف الدولة الاسلامية وخاصة في المنظمات الدولية، لان هذه الدول على كثرتها تكون ذات تأثير كونها تملك اصواتاً ومقاعداً في تلك المنظمات ومن شأنها التأثير على القرارات المتخذة فيها.

    هـ ـ الدول المعادية: وهي الدول التي تجد مصالحها مرتبطة بطرف قوي معادي للدولة الاسلامية فتتخذ مواقفه وسياسته انطلاقاً من الارتباط السياسي والاقتصادي بذلك الطرف. أو انها تقوم على سياسات تناقض المبادىء الاسلامية والانسانية كنظام جنوب افريقيا المعتمد على التمييز العنصري، أو الكيان الصهيوني الذي اغتصب الاراضي الاسلامية وشرد الشعب الفلسطيني المسلم ـ أو قد تكون من الدول التي تعادي الدول الاسلامية حقداً على الاسلام والمسلمين.

    ثامناً: الوفاء بالعهود

    من المفاهيم الاخلاقية والانسانية التي يوليها الاسلام اهمية خاصة هو الوفاء بالعهود والالتزامات. وهذا المفهوم والمعنى الاخلاقي التي تعارف عليها البشر وحثت عليه كل الرسالات السماوية والافكار الانسانية والاعراف الاجتماعية. الالتزام بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية تجعل المنظومة الدولية تطمئن في تطبيقها وتنفيذها مما يضفي اجواء الثقة والصدق والامن والسلام العالمي. والرسالة الاسلامية حثت على الوفاء بالعهود في كل الاحوال والظروف ونهت عن النكث بها حتى في الحالات الحرجة، يقول الله سبحانه تعالى:

    * (يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعهود).

    * (والذين لاماناتهم وعهدهم راعون).

    * واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم).

    * (واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولاً).

    وعن الرسول الكريم (ص) انّه قال:

    «المؤمنون عند شروطهم».

    «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد».

    وفي عهد امير المؤمنين (ع) إلى مالك الاشتر ما يوضح هذا المفهوم بكل جلاء وامانة.

    فالالتزام والوفاء بالعهود تكليف شرعي لا يجوز نكثه، فالخيانة مذمومة والغدر محتقر. والاجدر بالمؤمن ان يفي بعهده إذا عاهد. بل ان امير المؤمنين (ع) يوصي بالصبر على العهد حتى عندما تضيق الامور ولا يحبذ فسخه بغير حق.

    والدولة الاسلامية التي تمثل البناء السياسي والاخلاقي للرسالة الاسلامية، وتتجسد فيها معاني وغايات الرسالة العظيمة، تجد في الوفاء بالعهود والاتفاقيات التي توقعها مع اي طرف التزاما شرعيا واخلاقيا وادبيا امام الله والبشرية لا يمكمن التنصل منه. والاحرى بالدولة الاسلامية ان تشيع هذا المفهوم وتعيده إلى الواقع الذي طالما شهد اختراقات فاضحة للعهود إذا ما تعارضت مع مصلحة ذلك الطرف. والنظام الدولي يشهد اليوم التزاما بالعهود طالما كانت تفي بحاجة أو مصلحة الدولة وإذا ما فقدتها تجدها تختلق الذرائع والحجج للخروج عن تعهداتها.

    الدولة الاسلامية والمنظمات الدولية

    انشأت المنظمات الدولية والتي ازدادت بصورة ملحوظة بعد الحرب العالمية الثانية لتكون المكان الملائم للاتصال بين الدول والحكومات، وتنظيم العلاقات فيما بينها، ووضع ضوابط وقواعد للسلوك الدولي، وعقد الاتفاقيات والقوانين والمواثيق التي تنظم الشؤون الدولية وعلى مختلف الاصعدة السياسية، الدبلوماسية، الثقافية، الاقتصادية، الصحية، العلمية، الاجتماعية وغيرها. وبرز دور المنظمات الدولية وخاصة الامم المتحدة ومجلس الامن باعتبارها تمثل هيئة ذات سلطة فوق الحكومات، وبامكانها التدخل في المنازعات والخلافات الاقليمية والدولية وهناك العديد من المنظمات المختصة الملحقة بها والتي تهتم بشؤون تجارية، حقوقية، ثقافية، غذائية وتربوية. وتنقسم المنظمات إلى قسمين.

    الاول: المنظمات الدولية العامة التي يمكن ان تتمتع بعضويتها كل دول العالم كالامم المتحدة والمنظمات التابعة لها، اليونيسكو، الفاو، الجات،..

    الثاني: المنظمات الدولية الخاصة والتي تتشكل بين مجموعة دول لاغراض خاصة، والانضمام اليها غير متيسر ووفق شروط معينة، كالكومنولث، حلف الناتو، مجموعة الدول المستقلة، حلف السيتو (جنوب شرق آسيا)، حلف (السنتو)، السوق الاوربية المشتركة، منظمة الطاقة الدولية، الجامعة العربية، منظمة الوحدة الافريقية، منظمة المؤتمر الاسلامي، منظمة الاوبك وغيرها.

    والدولة الاسلامية بامكانها التمتع بعضوية هذه المنظمات الدولية وغيرها وفق مصالحها واحتياجاتها. والتعامل معها لا يجري على اساس الاعتراف بشرعيتها وانها حق بل لانها تحقق جملة من المزايا والفوائد لا غنى عنها للدولة الاسلامية منها:

    1 ـ دفع الضرر عن الكيان السياسي للمسلمين. فلهذه المنظمات تأثير كبير على اية دولة ومنها بلداننا الاسلامية. وباستطاعتها ان تسبب لها مشاكل جمة وتفرض عليها عقوبات ومقاطعة سياسية واقتصادية وعسكرية. فحضور الدولة الاسلامية فيها باستطاعته ان يدفع الضرر عنها وافشال الخطط أو القرارات المناوئة لها قدر الامكان.

    2 ـ ان هذه المؤسسات يمكن ان تساهم في بعض الاحيان بتقديم خدمات جليلة للانسانية: كالمساعدة في الحروب والكوارث والاسرى وحل النزاعات والخصومات في المجتمع الانساني.

    3 ـ تستطيع الدولة الاسلامية ان تستخدم منصة المنظمات الدولية لابلاغ العالم بموقفها وآرائها تجاه مختلف القضايا والاحداث، والتبشير بالتعاليم والمفاهيم الاسلامية واشاعة المثل والقيم العليا وخدمة الرسالة الاسلامية عبر طرح مشاريع انسانية واخلاقية.

    4 ـ تقوية الاتصال بالدول المستضعفة والمحرومة واستمرار العلاقات معها والتنسيق فيما بينها حول مختلف الشؤون والقضايا الدولية.

    5 ـ الاستفادة من البرامج التنموية والامكانيات التخصصية والمهنية التي توفرها هذه المنظمات وخاصة في مجال الزراعة، التجارة، الصحة، الثقافة، الاطفال، المرأة.

    6 ـ التحرك داخل المنظمات الخاصة بالعالم الاسلامي أو العالم الثالث في اتخاذ مواقف مناسبة لمصالح شعوب تلك البلدان واقناع الدول الاعضاء بالمحافظة على مواقف موحدة ومواجهة التكتلات والاحلاف الاخرى، وان تصبح الدولة الاسلامية ذات قوة وهيبة في المجتمع الدولي إذا احسنت التعامل معها. ولعل اهم هذه المنظمات هي (منظمة المؤتمر الاسلامي) و(منظمة الاوبك) ومنظمة دول عدم الانحياز.

    ان الالمام بجميع تفاصيل هذه المرتكزات يحتاج إلى جهود وخبرات متخصصة وعصرية قادرة على ترجمة الاسس الفكرية والعقائدية الاسلامية إلى واقع ملموس ومواقف وحلول للعديد من القضايا والمشاكل، والدبلوماسية الاسلامية ـ التي هي المصداق الامثل للالتزام بهذه الاسس ـ هي القادرة على تجسيد الاطروحة الاسلامية واعتبارها منهجا ذا مقومات وتوجهات تختلف عما اعتادته الاوساط السياسية والدولية. ويصبح الاسلام امرا واقعا وحاضرا في كل قضية واحادث وشأن دولي أو انساني على امل ان يعم الهدى ارض المعمورة وليس ذلك اليوم ببعيد.
    ====
    هذا وصلي الله علي سيدنا محمد
    عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
                  

07-15-2003, 04:27 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    المعارضة في ظل الدولة الاسلامية


    الدكتور شمران العجلي
    الحكومة ضرورة عقلية وشرعية

    اجمع علماء الاسلام على ضرورة وجود حكومة عادلة تلتزم الاسلام عقيدة ونظاماً وتعمل على اقامة احكام الله تعالى وتسوس المجتمع بأحكام الشريعة المقدسة التي نزل بها القرآن وسنها النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ هذه الحكومة حكم بضرورتها الشرع والعقل دفعاً للهرج والفوضى وحفظاً لمصالح الامة الاجتماعية والسياسية وحراسة لامور الدين، يقول السيد البروجردي «أتفق الخاصة والعامة على انّه يلزم في محيط الاسلام وجود سائس وزعيم يدير امور المسلمين بل هو من ضروريات الاسلام»(1)، اذ ان الدين القويم الذي جاء به النبي الكريم من الله تعالى لم تنحصر احكامه في امور عبادية ضيقة وآداب فردية خاصة، بل هو جامع لكل ما يحتاج إليه الانسان، والمتتبع لفقه الاسلام يرى ان الحكومة وتنفيذ القرارات داخلة في نسج الاسلام ونظامه، فالاسلام العظيم بذاته دين ودولة وعبادة وسياسة واقتصاد وامور عامة..، قال صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام: «فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى ادلة»(2)، وحينما نرجع إلى عصر الرسالة نجد ان النبي الحاكم السياسي قد باشر بتأسيس اول دولة اسلامية عادلة ومهّد لها مقدماتها من اخذ البيعة من القبائل والوفود وعقد ميثاق الاخوة بين المهاجرين والانصار، وعاهد بينهم وبين يهود المدينة، وارسل رسله إلى الملوك والأمراء في العالم يدعوهم إلى الاسلام والدخول تحت ظل حكومته. فلا خلاف في وجوب الحكومة وضرورتها الا ما ورد عن الأصم والنجدات من الخوارج انّه عدم الاحتياج إلى الحكومة إذا تناصفت الامة ولم تتظالم، وما ورد في النظرية الشيوعية من عدم الاحتياج إلى الحكومة بعد تحقق الشيوعية، وهو واضح الفساد.

    فالاسلام لا ينحصر في التقنين والتشريع النظري فقط دون الالتفات إلى القوة المنفذة، بل شرّعت احكامه ومقرراته على اساس الحكومة الصالحة العادلة التي تقدر على اجراء القرارات وتنفيذها، قال الله
    ___________________________________
    1- في انتظار الامام، الدكتور عبدالهادي الفضلي، نقلاً عن البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر.

    2- المصدر السابق، ص 71، نقلاً عن جواهر الكلام.
    تعالى:
    (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفعوا من الارض..)(1).
    هذه الآية التي تتضمن قرارات صارمة بحق المفسدين تحتاج إلى قوة منفذة تملك القدرة التنفيذية والتخويل السلطوي، كما جاء في قوله تعالى:
    (السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما..)(2).
    قال الشيخ الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: «فوجوب الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والافتاء والحكم بين الناس بالحق، واقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات الدينية من ضروريات الدين، وهو القطب الاعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، ولو تركت لعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفتنة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد، نعوذ بالله من ذلك»(3).

    دور الامة في الحياة السياسية

    الاستخلاف:
    جاء في عدد من الآيات القرآنية اشارات إلى ان الباري عز وجل قد اناب بني آدم في الارض وجعلهم خلفاء، فقال سبحانه:

    (ويجعلكم خلفاء الارض..).(4)

    وقال عز وجل:

    (ليستخلفنهم في الارض..).(5)

    وهذا الاستخلاف لا يقتصر على استثمار الارض والحياة فيها بحكم الهوى واتباع الشهوات، بل جاء في آية اخرى:

    (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق).(6)

    اذن فالحكم بين الناس متفرع على جعل الخلافة، فالخلافة البشرية التي تتحمل مسؤوليات الخلافة على الارض انما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله تعالى، ولهذا فهي غير مخولة ان تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله تعالى لان هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف.(7)

    (وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).(
    _____________________________________
    1- المائدة 5 / 33.
    2- المائدة 5/38.
    3- في انتظار الامام، الدكتور عبدالهادي الفضلي، نقلاً عن مفاتيح الشرائع.
    4- النمل 27/62.
    5- النور 24/55.
    6- سورة ص 38/26.
    7- الاسلام يقود الحياة، الامام الشهيد الصدر ص 136.
    8- البقرة 2/213.
    (إنا انزلنا اليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اراك الله)(1).
    فالامة كل الامة مستخلفة من الله تعالى وهي مكلفة برعاية الكون وتدبير امر البشرية والسير بها في الطريق المرسوم للخلافة الالهية في تطبيق تعاليم الشريعة كاملة،
    (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم..).(2)
    (ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..).(3)
    والاحساس بالاستخلاف يؤدي إلى نشوء عملية تفاعل حقيقية بين الفرد وبين النظام وكل حسب مساحة مسؤوليته ووفق نقطة التقائه بالنظام.. مما يدفعه إلى التغيير نحو الافضل والى ضرورة اختيار افراد يتولون عملية تنفيذ الاحكام على كل الجماعة البشرية، اذ لا يمكن للجماعة البشرية ان تمارس بمجموعها تنفيذ الاحكام العامة والمراقبة العامة. نعم الجماعة البشرية ملزمة بتنفيذ الاحكام الخالصة بكل فرد، اذن من اهم واجبات المستخلفين التابعة عن ادراك حقيقي بضرورة التولية هي اقامة السلطة الاسلامية والولاية الاسلامية، فللجماهير المسلمة ان تنشىء السلطات التي تنوب عنها فى ممارسة الاعمال اليومية: «وحق تشكيل السلطة هو حق المستخلفين جميعاً وليس حق الاقلية».

    والسلطة والولاية في الاسلام ليست امتيازاً خاصاً، بل هي تكليف شرعي كفائي، وهي عبادة من العبادات، فحق رئيس الدولة مهما كانت تسميته خليفة أو اماماً في كونه مستخلفاً يساوي حق اي فرد آخر في هذا الاستخلاف من الناحية الشرعية ولا تتم اقامة السلطات وتشكيلها الا إذا تحرك الافراد بصفتهم مستخلفين لاقامتها عليهم. فلا محل لتشكيل السلطة واقامتها بغير رضا جماهير المستخلفين. قال الامام علي (ع): «فان بيعتي.. لا تكون الا عن رضا المسلمين»(4).

    تأهيل الامة للاستخلاف:

    الامة المستخلفة هي الامة التي توفر فيها شروط الاستخلاف من الايمان الكامل بمبادىء الدين والعمل الصالح الذي يتسع ليشمل كل مجالات الحياة،
    (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض..)
    اما الامة التي تنبذ تعاليم دينها وراء ظهرها وتتولى طريقة اخرى وتنشد الهوى والنجاة في غير ما انزل الله تعالى فهي امة غير مؤهلة للاستخلاف
    (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا امثالكم)(6).
    وإذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)(7).
    _____________________________________
    1- النساء 4/105.
    2- المائدة 5/66.
    3- الشورى 42/13.
    4- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/504 عن تاريخ الطبري.
    5- النور 22/55.
    6- سورة محمد «ص» 47/38.
    7- الاسراء 17/16.
    اذن لابد من تأهيل الامة للاستخلاف بتغذيتها بتعاليم دينها وصنع سلوكها وعلاقاتها على هدى دينها حينما يعطي لها الاسلام نقياً ويكشف لها الواقع على حقيقته ويحدد لها الهدف واضحاً ويرسم لها الطريق الموصل إلى الهدف بكل معالمه وعقباته، وتوجه يومياً للسير باتجاه الهدف، ان عملية تأهيل الامة للاستخلاف لا تتم بحركة انقلاب ثوري يطيح برأس السلطة، بل هي معاناة يومية وتغيير مستمر وتأصيل دائب يتناول الحياة بكل مجالاتها والانسان بكل وجوده ابتداء بمحتواه الداخلي إلى اصغر علاقة، وقد تستمر تلك العملية عشرات السنين، بل في بعضها مئات السنين كما كان في خلافة نوح ـ عليه السلام، اذ لبث في قومه الف سنة الا خمسين عاماً، ولم تتأهل الامة للاستخلاف. والامة حينما تكون مؤهلة للاستخلاف تكون قادرة على اختيار الحاكم واختيار الحكومة واختيار النظام. ان اخطر ما يواجه الامة هو حنيما تعطى لها حرية الاختيار وهي لم تتأهل لذلك بعد. اذ لابد للامة ان تفهم وتعي النظام الذي تريد ان يحكمها ثم تختار الحكومة التي تنفذ النظام عليها وتحاسب الحاكم والحكومة على ضوئه، اذ ان سبب الظلم السلطوي ـ كما يقول الشيخ النائيني: «مبني على اساس جهل الامة بوظائف السلطة وحقوقها الشرعية المشتركة، وقوامها: عدم وجود محاسبة السلطان في البين وعدم وضع المسؤولية الكاملة والمراقبة التامة على اهماله وارتكاباته المنافية لمقامه»(1).
    الاختيار:
    اني افضّل مصطلح على مصطلح الانتخاب، لان مفهوم الانتخاب هو عالة في اللغة على مفهوم الاختيار هذا اولاً، ولاختيار مصطلح ورد في القرآن ولم يرد الانتخاب، قال تعالى:
    (وربك يخلق ما يشاء ويختار)(2).
    وقال سبحانه:
    (واختار موسى قومه سبعين رجلاً)(3).
    والاختيار مأخوذ من الخير وهو ضد الشر، وجاء في الحديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» و«خيركم خيركم لأهله».
    كيف ينقل الفرد المسلم من بين المسلمين وينصّب حاكماً؟
    هناك نظريتان في الاختيار:
    النظرية الاولى: ترى ان اختيار الحاكم أو الخليفة أو ولي الامر يتم من قبل الله تعالى، بالتعيين النوعي والشخصي، اذ هو الاعلم بالشخصية المؤهلة لتنفيذ احكامه العامة وتطبيق شريعته، وان الامة ـ بعد وفاة النبي (ص) ـ غير مؤهلة لاختيار الحاكم أو الامام بسبب حداثة عهدها بالجاهلية، وتشترط هذه النظرية ان يكون الشخص المختار معصوماً ـ اذ المقتضي لنصب الامام جواز الخطأ على الامة ـ ليواصل رسم مسيرة
    _____________________________________
    1- تنبيه الامة وتنزيه الملّة، الشيخ النائيني.
    2- القصص 28/68.
    3- الاعراف 7/155.
    الامة على هدى الاسلام بشكل مستقيم، ويمارس الخلفاء المعصومون دور التربية والتأهيل حتى تصل الامة إلى درجة عالية من الاستقامة والفهم تؤهلها لاختيار ولاتها بنفسها وفقاً للتعيين النوعي.
    ولم يغفل الاسلام ـ تحت ظل القيادة المعصومة ـ التأكيد على شخصية الامة واشعارها بخلافتها العامة، فقد اكد على البيعة للرسول محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما في بيعتي العقبة والشجرة..
    (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله..)(1).
    (لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة..).(2)
    فالامة لها دورها في الحياة السياسية حتى مع وجود النبي والمعصوم، بيعة المعصوم في العقبة والشجرة توحي ان الامة وافقت على مشروع سياسي تكون فيه الطرف الرئيس، وبدونها لا يأخذ المشروع السياسي مكانه في التطبيق.
    والنظرية الثانية: ترى ان الامة التي اختارها الله تعالى لتكون شاهدة على الناس، وهي خير امة اخرجت للناس، قادر على اختيار ولاتها
    (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض..).(محمد رسول الله والذين آمنوا معه اشداء على الكفار رحماء بينهم..)(4).
    (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقاً..).(5)
    وهذه النظرية ترى انّه لابد من تأهيل الامة لعملية الاستخلاف واختيار الحكومة بتغذيتها بتعاليم دينها وصنع سلوكها وعلاقاتها على هدي دينها وتوجه يومياً للسير باتجاه الهدف لتفرز خلال حركتها الواعية افراداً ترشحهم مواقفهم البطولية وتضحياتهم الشجاعة وفهمهم العميق والشامل للاسلام لان يكونوا مؤهلين لتولي المصالح العامة وتنفيذ احكام الدين على الامة، قال الامام علي: «ان هذا امركم ليس لاحد فيه حق الا من امرتم»(6).
    ويرى الشهيد الصدر والشيخ المنتظري ان عملية تعيين الامام بالتعيين الشخصي ما هي الا عملية ترشيح للافضل، اي ان السماء تشترك مع الامة في عملية ترشيح الحاكم.. وعلى الامة المرتبطة بالسماء والمعتصمة بالحبل الممدود من السماء ان تختار ما اختارته السماء فتبايعه..(7).
    دور الامة في التولية
    قال الامام علي (ع): «والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعد ما يموت امامهم أو يقتل.. ان لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلا ولا يبدأوا بشيء قبل ان يختاروا
    _____________________________________
    1- الفتح 48/10.
    2- الفتح 48/18.
    3- النور 24/55.
    4- الفتح 48/29.
    5- الانفال 8/74.
    6- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/505 عن الكامل في التاريخ.
    7- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/532، وبحث الولاية، الشهيد الصدر.
    لانفسهم إماماً.. يجمع امرهم ويحكم بينهم ويأخذ المظلوم من الظالم حقه ويحفظ اطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم..»(1). فالامة وفق هذه النظرية هي التي تختار الحكومة الاسلامية. قال الماوردي: «والامامة تنعقد.. باختيار اهل العقد والحل..»(2)، وقال إمام الحرمين الجويني: «اتفق المنتسبون إلى الاسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الامامة، ثم اطبقوا على ان سبيل اثباتها النص والاختيار..»(3)، وقال ابو يعلى الفراء: «وطريق ثبوت الخلافة الاختيار من اهل الحل والعقد..»(4). وقال الشهيد سيد قطب: «ان الراعي لا يصل إلى مكانه الا عن طريق واحد، رغبة الرعية المطلقة واختيارها الحر.. فاذا لم يرض المسلمون لم تقم له ولاية»(5)، وقال الشيخ تقي الدين النبهاني: «الخلافة عقد مراضاة واختيار لانها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الامر فلابد فيها من رضا من يبايع ليتولاها ورضا المبايعين له»(6). فالامة هي صاحبة الكلمة في وضع الاحكام الشرعية والقوانين الاسلامية موضع التنفيذ اذ بدون رضاها لم تقم للحاكم ولاية، قال الامام علي (ع): «انما الشورى للمهاجرين والانصار فان اجتمعوا على رجل وسموه اماماً كان ذلك لله رضاه..»(7)، وقال الامام الحسن (ع): «ولاّني المسلمون الامر بعده..»(. وجاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «ان تولوها علياً تجدوه هادياً مهدياً»(9)، فنسب التولية إلى الامة، وكأن النص الذي يقول به قسم من المسلمين اتباع النظرية الاولى هو الترشيح من قبل النبي وبيان الفرد الاصلح فقط، اذ ما لم يتحقق اختيار الامة وتسليمها وبيعتها لم تتحقق فعلية الامامة وامكان القبض والبسط والتصرفات الولائية، فليس من الاسلام ما حدث في التاريخ من تولية الحاكم بالقهر على الامة ودون مشورتها «من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه»(10)، قال تعالى:
    (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)(11).
    وقال سبحانه:
    (ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..)(12).
    فالاقامة في الايتين توحي ان الامر للامة في اقامة حدود الله تعالى وتطبيق شريعته وتحقيق فعلية الامامة والحكومة، قال الشيخ المنتظري: «فالولاية تنعقد بشورى اهل الخبرة وانتخابهم»(13) وجاء عن
    ______________________________________
    1- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/508. وكتاب سليم بن قيس الهلالي 182.
    2- الاحكام السلطانية للماوردي 6.
    3- وظيفة الحاكم في الدولة الاسلامية، الدكتور عارف خليل ابو عيد ص 50 نقلاً عن غياث الامم للجويني.
    4- المصدر السابق 41.
    5- الاسلام والسلام العالمي، الشهيد سيد قطب 122.
    6- وظيفة الحاكم 52 نقلاً عن الشخصية الاسلامية للنبهاني.
    7- نهج البلاغة 3/48.
    8- مقاتل الطالبيين، 35.
    9- شرح النهج 11/11 ودراسات في ولاية الفقيه 1/506.
    10- دراسات 1/507 عن عيون أخبار الرضا «ع».
    11- المائدة 5/66.
    12- الشورى 42/13.
    13- دراسات في ولاية الفقيه 1/507.
    لنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما ولّت امة قط امرها رجلاً وفيهم اعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»(1)، فاسناد امر التولية للامة واضح في هذا الحديث.
    وبعيداً عن نظرية الجبر في تنفيذ الاحكام فان الله سبحانه اعطى للانسان حرية الاختيار وحرية اخذ الاحكام.
    (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(2).
    فلم يجبر الامة على التنفيذ قبل الايمان والبعية بأي اسلوب، وقد لبث نوح (عليه السلام) في قومه الف سنة الا خمسين عاماً يدعوهم إلى تنفيذ احكام الله وشريعته.
    (فما آمن معه الا قليل).
    (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
    وقد كان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه على الناس وعلى رؤساء القبائل في كل مناسبة طلباً لمبايعة الناس له وتوليته على امورهم حتى وجد في اهل يثرب استجابة فراح يوجه كل اهتمامه وتخطيطه لزرع الفكرة في تلك الثلة وارسل دعاته لتهيئة القاعدة الشعبية نواة الامة حتى إذا ارسى دعائم القواعد الشعبية اطلق الهجرة فنسج وشائج المجتمع الاسلامي هناك، حتى إذا اطمان إلى رغبة الامة المسلمة في يثرب في توليته الحكم. هاجر (صلى الله عليه وآله وسلم) معرّضاً نفسه للقتل وسالكاً طريق الالام والمحن، فخرجت الامة في يثرب مصحرة ببيعته ومكبرة ومهللة بقدومه، تلك هي نظرية الاسلام العظيم في تولية الحاكم حتى لو كان نبياً، اذ ان قوة تنفيذ الاحكام وسلطة الحكومة في الارض وقوة الدولة الاسلامية في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تعود إلى الامة، فبقدر ما تلتزم الامة بهذه الاحكام وبقدر ما تعطي الامة السمع والطاعة والنصرة للحكومة تكون قوة الحكومة وسلطانها

    (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون)(3).

    وبقدر وعي الامة لمسؤوليتها تجاه الشريعة والنظام ووعيها لموقعها في الكون كأمة مستخلفة تتحرك في عملية تفاعل حقيقية بينها وبين النظام وبينها وبين الكون لاقامة وتمكين دولة الاسلام وحكومته العادلة
    كيف تتم عملية الاختيار
    نحن الآن امام اعقد عملية سياسية في التاريخ الانساني، بدأت من سجود الملائكة لآدم وامتناع ابليس عن ذلك بقوله:
    (ارأيتك هذا الذي كرمت عليّ..)(4).
    وجعلته سيداً مطاعاً في الكون تتحرك معه قوانين الكون وتسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الطبيعة لتحركه باتجاه تنفيذ امر الله تعالى في الارض على اهل الارض..، لتأخذ هذه العملية اشكالاً متعددة في التاريخ ترسمها مواقف الناس تجاه الانبياء ورسالاتهم من جانب ومواقف الناس تجاه
    ______________________________________
    1- المصدر السابق.
    2- الكهف 18/29.
    3- الانبياء 21/92.
    4- الاسراء 17/62.
    المستضعفين من جانب آخر.. ذاقت بسببها البشرية الويلات وما زالت بعض نماذجها ماثلة في الواقع السياسي.

    كيف ينقل الفرد السلم المؤهل للحكم من الامة إلى موقع الحكم، كيف يتعامل المسلمون مع هذه العملية؟ هل وضع الاسلام اسساً لذلك؟ هل مارستها الامة المسلمة في تاريخها؟
    ان عملية الاختيار والتولية في الامة المسلمة تعتمد على الارضية الشعبية، الارضية التي تقتضي ان يكون الشعب مسلماً مؤمناً واعياً لدوره في المشاركة بالشؤون العامة ويعتبرها امانة في عنقه يعبر عنها عبر قنوات منتظمة، وكما مر بنا في الحديث ان الله تعالى استخلف هذه الامة وكما يفهم من مفهوم الاستخلاف فانه من مسؤولية الامة وواجبها الشرعي ان تعمل على تشكيل سلطة الولاية في عصر الاختيار وفقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في الشريعة وبدون تحديدات شكلية ليكون بامكان القواعد العامة ملائمة الظروف المستجدة.

    الاختيار والانتخاب يكون حينما تتعدد المصاديق، حينما تتعدد المفردات المهيأة للحكم، فكيف تتحرك الامة لاختيار الحاكم الاكثر ملائمة للشروط المنصوص عليها في الشريعة؟

    الشورى:
    قال الامام الراغب الاصفهاني في المفردات(1):

    التشاور والمشاورة والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، والشورى: الامر الذي يُتشاور فيه.

    وقال ابن منظور في لسان العرب: اشار إليه: اومأ إليه ويكون ذلك بالكف والعين والحاجب، وانشد ثعلب:

    نُسرُّ الهوى الا اشارة حاجب***هناك والا ان تشير الاصابع

    واشار عليه بأمر كذا: امره به(2).

    مفهوم الشورى هذا كان قائماً متداولاً في المجتمع العربي قبل الاسلام وفي عصر نزول القرآن، فكان تشاورهم في بناء الكعبة، وتشاورهم في وضع الحجر الاسود، وتشاورهم في امر الدعوة وكيفية مواجهتها، وتشاورهم في معركة بدر وغير ذلك كثير، ولم يغفل الاسلام هذا المبدأ العظيم في خلق الجماعة المسلمة وشد بنائها ونسج وشائجها فجعلها معلماً من معالم الجماعة المسلمة وجزءاً من حياتها اليومية وخلقاً من اخلاقيتها المتميزة فدرجها في عداد الفرائض والاخلاق المحمودة ورغب فيها وقرنها مع الصلاة، فقال سبحانه:

    (.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم

    ______________________________________

    1- المفردات في غريب القرآن، الامام الراغب الاصفهاني في مادة شور.

    2- لسان العرب لابن منظور مادة شور.
    ينفقون * والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون)(1).
    هذه الآيات مكية نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة. قال سيد قطب: «مما يوحي بان وضع الشورى اعمق في حياة المسلمين من مجرد ان تكون نظاماً سياسياً للدولة فهو طابع اساسي للجماعة كلها يقوم عليه امرها كجماعة ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة بوصفها افرازاً طبيعياً للجماعة. والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الاسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.. ومن ثم كان ابع الشورى في الجماعة مبكراً وكان مدلوله اوسع واعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها. انّه طابع ذاتي للحياة الاسلامية وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية وهي من الزم صفات القيادة»(2).

    وقال الشيخ المنتظري: «وقد بلغت الشورى من الاهمية بحيث امر الله تعالى نبيه العظيم ـ مع عصمته واتصاله بمنبع الوحي ـ ان يشاور اصحابه ويحصل اراءهم. فقال سبحانه:

    (وشاورهم في الامر).

    والامر يعم جميع الشؤون الفردية والاجتماعية في السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع، والمتبادر إلى الذهن والمتيقن هو الحكومة والإمارة بشُعبها»(3).

    فقد ولدت الشورى والتشاور مع ولادة الجماعة المسلمة ونمت وترعرت بنموها حتى اصبحت جزءاً من حياتها ومعلماً من معالم كيانها، فبدأت الشريعة تنسج خيوط هذا المبدأ من اصغر وحدة اجتماعية من العائلة. فقال تعالى:

    (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك * فإن ارادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما..)(4).

    وامتدت خيوط هذا المبدأ إلى كل وحدة اجتماعية وكل امر بين اثنين «من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها»(5)، «افضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير»(6) «مشاورة العاقل الناصح رشد ويُمن وتوفيق من الله»(7). «قيل يا رسول الله ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم»(، «لا يطمعن القليل التجربة المعجب برأيه في رياسة»(9).

    الاسلام العظيم يهدف إلى خلق امة متراصة، «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً».

    (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)(10).
    _____________________________________
    1- الشورى 42/36 - 38.
    2- في ظلال القرآن، الشهيد سيد قطب 5/3160 - 3165.
    3- دراسات 2/32.
    4- البقرة 2/233.
    5- نهج البلاغة 3/192.
    6- المصدر السابق.
    7- وسائل الشيعة للحرّ العاملي 8/426.
    8- المصدر السابق 8/424.
    9- بحار الانوار 72/98.
    10- الصف 61/4.
    ان عملية الشد هذه تعتمد على تبادل الآراء وتلاقحها واتضاح الامر من اجل اتباع الافضل في الامور،
    (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه)(1).
    وعملية خلق الامة المرصوصة البناء تحتاج إلى نبذ المنكر والسيء والرأي الخطأ والخطة غير الناجحة واختيار الشخصية العادلة المخلصة لتتولى بعض الامور اوكل الامور، جاء في مسند احمد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة الا امّروا عليهم احدهم»(2)فكيف يكون تأمير ذلك الامير في اولئك الثلاثة؟ الا يكون بالتشاور فيما بينهم حول الافضل منهم وفقاً لمواصفات الافضل في الشريعة.
    وفي صلاة الجماعة التي اكد على استحبابها الشرع المقدس حتى بين اثنين، هذه الشعيرة جاء فيها لا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال وخلف الفاسق، ولابد من احراز العدالة وان لا يكون من جرى عليه الحد الشرعي، هذه المواصفات السلبية لا يمكن تبيانها الا بالتشاور وابداء الرأي، فالشورى والتشاور يسري في نسج المجتمع المسلم قبل قيام الدولة، وما الحاكم والحكومة الا امر بدأت الامة بممارسته في المسجد ـ صلاة الجماعة، وفي العائلة، وفي السفر وفي الحياة المدنية والحياة العسكرية، جاء في الحديث: «ما رأيت احداً قط كان اكثر مشورة لاصحابه من رسول الله»(3)، انّه تنفيذ لامره تعالى:

    (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر..)(4).

    انها عملية تربية الامة على الشورى في الامر وتبادل الآراء واختيار الاصلح في الاشياء، الشريعة تعتمد السنة المطهرة في مصادرها، والسنة هي قول النبي وفعله وتقريره، وقد راح النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) يرسم معالم هذا المبدأ الذي لا يجاريه مبدأ في اشراك الامة كل الامة في تقرير مصيرها بنفسها وخلق روح الاعتزاز والثقة بالنفس وبالنظام وتقليب الامور وتصفح الآراء. وقد امتلأ عصر الرسالة بالامثلة والمصاديق التي تعرض استشارة الرسول (ص)، لاصحابه في كل امر حتى في امر اهله وزوجه..

    ونسوق لك فيما يأتي بعض الامثلة:

    في معركة بدر: قالوا: ومضى رسول الله (ص) حتى إذا كان دوين بدر آتاه الخبر بمسير قريش، فاخبرهم رسول الله (ص) بمسيرهم واستشار رسول الله (ص) الناس، فقام ابو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول الله، انها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها ابداً، ولتقاتلنك..، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: «يا رسول الله امض لامر الله فنحن معك..، ثم قال رسول الله: اشيروا علي ايها الناس..»(5)، فكان رسول الله (ص) يكرر قوله

    ______________________________________

    1- الزمر 39/18.

    2- مسند أحمد بن حنبل 2/177.

    3- سنن البيهقي 9/218 كتاب الجزية.

    4- آل عمران 3/159.

    5- المغازي 1/48.
    اشيروا علي ايها الناس، طمعاً في استجلاء رأي اكثر المسلمين وتبليغ هذا المبدأ إلى اعماق المجتمع المسلم.
    في معركة الخندق: عندما اشتد الامر على المسلمين في المدينة المنورة، سعى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عقد معاهدة مع قادة غطفان واهل نجد، يتخلون بموجبها عن حلفهم مع قريش ويفكون حصارهم للمدينة لقاء حصولهم على ثلث ثمار المدينة، «أرأيت ان جعلت لكم ثلث ثمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الاعراب؟ قالا: تعطينا نصف ثمر المدينة، فأبى رسول الله (ص) ان يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك.. ودعا رسول الله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما في ذلك ـ وقد احضر رسول الله الصحيفة والدواة ـ فاستشارهما وهو متكىء عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، واخبرهما بما قد اراد من الصلح، فقالا: ان كان امراً من السماء فامض له، وان كان امراً لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى فسمعاً وطاعة، وان كان انما هو الرأي فما لهم عندنا الا السيف واخذ سعد بن معاذ الكتاب. فقال رسول الله (ص): اني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت: أرضيهم ولا اقاتلهم. فقالا: يا رسول الله ان كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا مناقط ان يأخذوا ثمرة الا بشرى أو قرى، فحين اتانا الله تعالى بك واكرمنا بك وهدانا بك نعطي الدنية، لانعطيهم ابداً الا السيف. فقال رسول الله: شُق الكتاب، وقال لقادة غطفان: انصرفوا فليس لكم عندنا إلاّ السيف..»(1).

    وانعكست سيرة الرسول المقدسة على كل افراد الامة وعلى سيرة الخلفاء الراشدين من بعده، قال الامام علي (ع) في نهج البلاغة: «فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له أو العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فاني لست بفوق ان اخطيء ولا آمن ذلك من فعلي الا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني»(2). فطبعت الشورى الامة بطابعها فما هي الا امة الشورى امة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

    (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)(3).

    امة ابرز معالمها اقامة الصلاة والتشاور في الامور

    (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم)(4).

    والشورى مبدأ عام وقاعدة عامة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة عامة تمارسه الامة في واقعها الاجتماعي وفي تعاملها اليومى ـ وكما مر بنا من اصغر وحدة اجتماعية إلى اكبر من ذلك، اما كيف نضع الشورى موضع التطبيق العملي، كيف توجه الشورى توجيهاً سياسياً، كيف نجعل مبدأ الشورى يفرز حكومة، يفرز الحاكم يدير الدولة ويرسم سياستها؟ فهذا امر سنفرد له بحثاً خاصاً نحاول فيه تقنين عملية الشورى، الا اننا سنعرض هنا موجزاً لتصورنا عن ذلك.

    من الامور المؤهلة لاستخلاف الامة ان تعي هذه الامة مواصفات الشخصية الاسلامية النموذج، الشخصية القدوة
    ______________________________________

    1- المغازي والسير 1/477.
    2- نهج البلاغة 3/200.
    3- آل عمران 3/110.
    4- الشورى 42/38.
    (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده..)(1).
    (صراط الذين انعمت عليهم..)(2).
    (افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)(3).
    والامة الواعية تراقب الشخوص المتحركة في المجتمع وتقيم ذلك على ضوء المقاييس التي حددها الاسلام للشخصية الملتزمة، فتتفاعل عوامل ومواصفات في ترشيح افراد من المجتمع ترى فيهم الامة الصلاح لتولي امرها، هذه المراقبة الدقيقة التي تتولاها الامة ناتجة عن التربية التي يمارسها القادة المبدأيون في الامة، يقول معاوية لاهل العراق: «لقد لمظكم عليّ الجرأة على السلطان وبطيء ما تفطمون»(4). هذا الترشيح الواعي الناتج عن تتبع دقيق ومعاناة يومية، حيث ان تلك الشخوص كان تتحرك يومياً داخل الامة بعدالة وتقوى واهتمام، بمواقف رسالية بتضحية بانفاق، لم تجرب الامة عليهم كذباً أو نفاقاً أو حراماً أو ترفعاً أو ظلماً.. لذا وضعتهم الامة على قمة هرمها في كل وحدة اجتماعية من وحدات الامة المتمثلة في مسجد أو المركز الاسلامي أو القرية أو الناحية أو المدينة أو القضاء أو المحافظة أو النقابات والمؤسسات التعليمية والادارية والخدمات العامة. ان هذه الوحدات الاجتماعية والمؤسساتية تحتاج إلى تنظيم وربط وتوجيه اداري فلابد من لجان مراقبة وتقييم وترشيح ولابد من لجنة عليا تنظر فيما اختارته الامة ورشحته اللجان من اهل الحل والعقد لكل بلد وناحية، قال الماوردي: «لا تنعقد الامامة الا بجمهور اهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضا به عاماً والتسليم لامامته اجماعاً»(5).

    اذن فقاعدة الشورى هي الوسيلة العملية لحركة الامة الواعية وهي التي تخلق النضوج السياسي والاداري والعقائدي عند الامة، وبدون ذلك تنحرف الامة عن الشريعة. قال الماوردي: «يجتمع اهل العقد والحل ويتصفحون احوال اهل الامامة الموجودة فيهم شروطها فيقدموا منهم اكثرهم فضلاً واكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته»(6) هذا النص ينبيء عن دراسة شاملة لاحوال المرشحين من قبل الامة، وتدبر قوله «من يسرع الناس إلى طاعته»، وكيف يسرع الناس إلى طاعة من لا يعرفون «لا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال»(7) ومن لم يجدوه معهم في حياتهم اليومية ومعاناتهم الحياتية؟ ان الامة المسلمة لا تكتفي بان يعرض المرشح مشروعه السياسي، انها تريد ان تجده معها في حياتها «ما ولت امة قط امرها رجلاً وفيهم اعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»(. وفي حديث آخر: «أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة انفس علم ان في العشرة خيراً منه فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين»(9)، لاحظ تربية الامة على الدقة في الاختيار والمسؤولية الشرعية في ذلك..
    _____________________________________
    1- الانعام 6/90.
    2- الفاتحة 1/6.
    3- السجدة 32/18.
    4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
    5- الاحكام السلطانية.
    6- المصدر السابق.
    7- منهاج الصالحين للامام الخوئي «قدس سره».
    8- دراسات 1/5017.
    9- المصدر السابق.

    البيعة

    بعد ان تقوم الامة باختيار الحاكم مباشرة أو بطريق اهل الحل والعقد تأتي مرحلة التكليف والقيام بالمسؤولية من قبل الحاكم والامة، قال العلماء: «فإذا تعين لهم من بين الجماعة من ادّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه فان وافق عرضوا ذلك على الامة لأخذ البيعة»(1)، وقال احد العلماء المعاصرين: «اختيار الامة للحاكم وتفويض الامر إليه وقبول الوالي الامر هو معاقدة بين الامة وبين الوالي»(2) على تنفيذ احكام الشريعة المقدسة. والحكومة المختارة تحتاج إلى ما يخولها سلطة مطاعة، تحتاج إلى قوة تستمدها من الامة تنفذ بها اهدافها وتبرر عملها على منع افراد المجتمع من كثير من انماط السلوك المخالفة للنظام الاسلامي واجبارهم على اتخاذ مسير سلوكي معين لم يكن لهم ان يسيروا عليه لولا وجود قوة قاهرة.
    فالامة هي التي تمنح الحكومة تلك القوة وتلك السلطة وبدونها فلا اثراً فعلياً للحكومة حتى لو نص عليها: «فان ولّوك في عافية واجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم»(3).
    الطاعة
    بعد ان بايعت الامة من اجمعت عليه بالرضا وجب على الامة طاعته
    (انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا..)(4).

    قال الماوردي في الاحكام: «وإذا قام الامام بما ذكرناه من حقوق الامة فقد ادى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم ووجب له حقان: الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله»(5). وقال تعالى:

    (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)(6).
    قال الامام الشوكاني: «الائمة في اولي الامر الذين ذكروا في هذه الآية انهم الائمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية»(7).

    (عدل بواسطة HOPELESS on 07-15-2003, 04:28 AM)

                  

07-15-2003, 04:33 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)


    المراقبة

    قال تعالى:

    (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله)(1).

    وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من رأى منكم منكر فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه..»، وروى عن ابي بكر (رض): «ان استقمت فتابعوني وان زغت فقوموني»(2)، وفي خطبة خلافته: «ايها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فأعينوني وان رأيتموني على باطل فسدودني أو فقوموني..». قال الامام الجويني: «الاسلام هو الاصل والعصام..»(3)، الامة التي تحركت بوعي فاختارت حكومتها لتنفذ فيها شرعية الله تعالى، لا تتردد في تتبع تنفيذ الحاكم للنظام، وهذا يستلزم ان تكون الامة على درجة عالية من فهم تعاليم واحكام الاسلام. في الدولة الاسلامية القانون هو الحاكم والاسلام هو الاصل والعصام:

    (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون)(4).

    (وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه..)(5).

    (اهدنا الصراط المستقيم)(6).

    (فاستقم كما امرت)(7).

    (واعتصموا بحبل الله جميعاً)(.

    ويحق لنا ان نسمي دولة الاسلام بدولة الفكرة، اذ على ضوء هذه الفكرة والمبدأ والنظام تحاسب الامة الحاكم، ويحاسب الحاكم الامة، فيرد الامة اليها وترده الامة اليها

    (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

    فالامة بكل افرادها تراقب الحكومة بكل افرادها وشُعبها فتحاسب وتضع حداً لاي مفارقة عن النظام، اذ كما يحق للحاكم محاسبة الافراد واقامة الحدود عليهم كذلك يحق للافراد محاسبة الحكومة واقامة الحدود على افرادها.

    قال ابن حزم الاندلسي: «والواجب ان وقع شيء من الجور وان قل ان يكلم الامام في ذلك ويمنع منه، فان امتنع وراجع الحق واذعن للقود من البشرة أو من الاعضاء ولاقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه..»(9). هذه المراقبة مستمدة من مسؤولية الامة العامة «ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه اوشك الله ان يعمهم بعقاب من عنده».

    ______________________________________

    1- التوبة 9/71.

    2- البداية والنهاية لابن الكثير 5/248.

    3- وظيفة الحاكم 251 نقلاً عن غياث الامم للجويني.

    4- الجاثية 45/18.

    5- الانعام 6/153.

    6- الفاتحة 1/6.

    7- هود 11/112.

    8- آل عمران 3/103.

    9- دراسات 1/589 نقلاً عن الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم.



    المعارضة والخروج

    تتطور المراقبة إلى معارضة في حالة رفض الحاكم الانصياع إلى النظام والى ما تقرره الامة.

    مفهوم المعارضة: قال الامام الراغب الاصفهاني في المفردات: اعترض الشيء في حلقه، وقف فيه بالعرض، واعترض الفرس في مشيه اي اعتراض في مشيه من الصعوبة، وحقيقة المارضة ان يكون كل منهما في عرض صاحبه.

    والمفهوم السياسي للمعارضة: هي اسلوب من اساليب التعبير عن الارادة ومظهر من مظاهر المشاركة معناها الرفض ومعناها الموقف المضاد «كل منهما في عرض صاحبه». ولا تقتصر المعارضة على الجانب السياسي بل تتعداه إلى الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاداري، وقد تشمل كل جوانب الحياة أو تشمل جانباً واحداً ضيقاً، وهذا يعود إلى طبيعة الحكم وطبيعة الفئة المعارضة الرافضة.

    نشوء المعارضة في الدولة الاسلامية

    ولدت المعارضة مع اول شعار رفعه الاسلام على جبل الصفا وبين اندية قريش «لا اله الا الله»، انّه رفض ومعارضة لكل باطل وزيف وظلم وطغيان.

    (لا اعبد ما تعبدون)(1).

    (اف لكم وما تعبدون من دون الله)(2).

    وراح الاسلام العظيم بآيات كتابه الخالد وعلى لسان نبيه العظيم يغذي روح المعارضة في الانسان المسلم وفي الامة المسلمة، حتى اصبحت جزءاً من كيانها وملازمة لتحركها اليومي وتعاملها مع بعضها ومع الحاكم.

    (كنتم خير امة اخرجت للناس تآمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).

    (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).

    قالوا في التفسير: «ركون مودة ونصيحة وطاعة»،

    (ولا تطيعوا امر المسرفين * الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون).

    (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل عل لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعملوه لبئس ما كانوا يفعلون).

    ومن السنة غذى النبي (ص) روح المعارضة في الامة بسلوكه وفعله وقوله، «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو اهلك دونه»(3) هذا الرفض والرسول في موقع ضعف اذ جاءهم القوم، جاءته السلطة الحاكمة تفاوضه، واوكد على قولي جاءته السلطة الحاكمة تفاوضه ولم يذهب اليها ليفاوضها، جاءته لتفاوضه لان رفضه للواقع كان حقيقياً لان معارضته كانت حقيقية كانت لا تقنع بأنصاف الحلول، كان لا يهمها تحقيق الهدف في حياتها بل كان يهمها

    ______________________________________

    1- الكافرون 109/2.

    2- الانبياء 21/67.

    3- سيرة ابن هشام، 2/47.



    انها تسير على الخط المرسوم وانها ماضية في دك الجاهلية وبناء البديل بشكل متقن ومنظم ومستمر..، فرفض عروضها، وعلّم الامة المؤمنة التي كانت معه درساً في الرفض ورسم لها خطاً في الاعتراض.

    «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان»، روح التغيير مظهر من مظاهر روح المعارضة لكل منكر، عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: «امرنا رسول الله ان نضرب بهذا ـ واشار إلى السيف، من عدل عن هذا ـ اشار إلى المصحف»(1).

    «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لم يغيروا الا يوشك ان يصمهم الله منه بعقاب».

    عن الحسين بن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص) «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله ان يدخله مدخله». «افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»(2). لذا ترى ابا بكر حين تولى الخلافة بادر الامة بقوله: «ايها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فان احسنت فاعينوني وان اسأت فقوموني.. اطيعوني ما اطعت الله ورسوله فان عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم».

    وعن الامام محمد بن علي الباقر (ع): «فانكروا بقلوبكم والفظوا بالسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم»(3).

    وعن جابر بن عبد الله الانصاري: قال سمعت رسول الله (ص) يقول: «لا تزال طائفة من امتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة»(4)، في هذا الحديث دعوة إلى المعارضة ودوامها واستمرارها.

    وفي حديث آخر: «ان اول ما دخل النقص على بني اسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك ان يكون اكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: «لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبس ما كانوا يفعلون» إلى قوله فاسقون، ثم قال «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهُنّ عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطُرانّه على الحق اطرا ولتقصرنه على الحق قصراً»(5) وهو تعبير عن الاسلوب والطريقة التي يمنع بها الظالم عن الاستمرار في الظلم، هو تعبير عن الاعتراض والمعارضة الصادقة.

    بتلك المفاهيم والمبادىء نمت وترعرت روح المعارضة في الامة المسلمة، فلم تكن بحاجة إلى استيراد مفاهيم الاعتراض ومصطلحاته ولا استيراد الثورة وفلسفتها.

    مراحل المعارضة

    لم تقتصر مهمة الاسلام بكتابه الخالد وسنته الصحيحة على تغذية الامة يومياً بمفاهيم الاعتراض، بل

    ______________________________________

    1- السياسة الشرعية لابن تيمية، ص 3.

    2- سنن النسائي 4/161 وسنن أبي داود 4/124.

    3- دراسات 1/600 عن الوسائل 11/203.

    4- دراسات 1/602 عن صحيح مسلم 3/1524.



    وجّه الاعتراض ونظّمه، اذ كل طاقة بدون تنظيم تعني التدمير، فحدد مراحل الاعتراض ومتى وكيف يتم الاعتراض، فهناك اساليب للمعارضة وهناك هدف للمعارضة وهناك قيادة وهيئة عليا للمعارضة العامة.

    لقد مر بنا ان الامة هي التي تتولى امر تولية الحاكم ـ اذ حديثنا في المعارضة هذا يقتصر على الحكومة والدولة، لا يتطرق إلى السلوك الفردي والاجتماعي للامة ـ ولذاك الحاكم شروط ومواصفات حددها الاسلام، اذ هو الاحق بتحديدها لكون الحاكم القادم يحكم بأوامره.

    ولكي تستقيم الامة على الطريقة يجب ان يكون الحاكم مستقيماً في الحكم والتطبيق، وان اي انحراف أو اختلال في شخصية الحاكم، وفي تطبيقاته يؤدي إلى انحراف شديد في الامة وفي تشويه الشريعة.

    لذا فان الاسلام لم يسمح بأي اعتراض كأن يكون ناتجاً عن هوىً في النفس، أو رغبة في الاعتراض أو دعوة إلى نفسه، إذا كان الحاكم مستقيماً في حكمه قال الامام علي (ع): «ايا الناس ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه واعلمهم بأمر الله فيه، فان شغب شاغب استعتب فان ابى قوتل». وهو ما عبر عن الاسلام بالباغي وسمى الخارجين بالبغاة.

    «من اتاكم وامركم جميع يريدان يفرق جماعتكم فاقتلوه».

    فتبدأ المعارضة بالنصح والتسديد: «ان الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم»، النظر إلى الرقابة العامة وتشخيص النقطة التي تحتاج إلى نصيحة، والى دفاع أو إلى شرح وتوجيه، اذ ليس المقصود بالنصيحة هنا ان هناك خطأ يجب تغييره بل يشمل كل تلك المفاهيم وكل حسب موقعه. وعن حذيفة بن اليمان ـ رض ـ قال رسول الله (ص) «من لا يهتم بامر المسلمين فليس منهم ومن لا يمسي ولا يصبح ناصحاً لله ورسوله ولكتابه ولامامه ولعامة المسلمين فليس منهم»، الانسان في الدولة الاسلامية في الحكومة الاسلامية هو حكومة قائمة بذاتها ولكن بمقاييس وحدود.

    ثم تتطور المعارضة إلى الموقف السلبي مثل عدم المشاركة في الاعمال الحكومية، كما جاء في الحديث «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل اثمان: اثم العمل به واثم الرضا به»(1). وعن كعب بن عجرة: قال: «دخل علينا رسول الله (ص) المسجد فقال: من ها هنا؟ هل تسمعون انّه يكون من بعدي امراء يعملون بغير طاعة الله فمن شركهم في عملهم واعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ومن لم يشركهم في عملهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه(2). ثم تأتي مطالبة الحاكم بالعزل والتنحي عن الحكم فان ابى تتطور إلى الانتفاضة وتكون المواجهة المسلحة.

    قال الماوردي: «وإذا قام الامام بما ذكرنا من حقوق الامة فقد ادى حق الله تعالى لهم وعليهم ووجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة مالم يتغير حالهُ، والذي يتغير به حاله فيخرج به عن الامامة شيئان: احدهما جرح في عدالته والثاني نقص في بدنه، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الامامة الا بعقد جديد»(3).

    وقال عضد الدين الايجي: وللامة خلع الامام بسبب يوجبه(4)، وقال ابن حزم الاندلسي: «والواجب

    ______________________________________

    1- دراسات 2/236 عن نهج البلاغة.

    2- سنن النسائي 4/160 شرح السيوطي.

    3- الاحكام السلطانية للماوردي 17.

    4- المواقف في علم الكلام لعضد الدين الابجي 400.



    ان وقع شيء من الجور وان قل، ان يكلم الامام في ذلك ويمنع منه، فان امتنع وراجع الحق، واذعن للقود من البشرة أو من الاعضاء ولاقامة حد الزنا والقذف واعز عليه فلا سبيل إلى خلعه وهو ان، كما كان لا يحل خلعه، فان امتنع من انفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه واقامة غيره ممن يقوم بالحق لقوله تعالى:

    (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).

    ولا يجوز تضييع شيء من الواجبات الشرائع(1).

    وقال امام الحرمين الجويني: «الاسلام هو الاصل والعصام.. وفي كتاب آخر له: ان الامام إذا جار وظهر ظلمه وغشه ولم يرعوا لزاجر عن سوء صنيعه فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب».

    مجالات المعارضة

    يشمل اعتراض الامة على الحكومة مجالات متعددة فلا ينحصر الاعتراض على مجال واحد اذ ان مراقبة الامة تتبع تطبيق الحكومة للشريعة الاسلامية على مجالات الحياة، لذا فان مجالات المعارضة تشمل سلوك الحاكم ومدى التزامه باحكام الاسلام الخاصة بالفرد مثال ذلك اعتراض الامة على والي عثمان على الكوفة حين شرب الخمر، وعلى والي عمر على البصرة حين ارتكب الزنا. وتشمل الجانب التطبيقي في السياسة الاسلامية كاعتراض ابي ذر على توزيع الثروة واكتناز الاموال، وتشمل تعيين الولاة والامراء وقُوّاد الجيوش، كاعتراضهم على تأمير اسامة بن زيد، والتاريخ الاسلامي مليء باعتراض الامة في مختلف المجالات.
                  

07-15-2003, 04:34 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    اساليب المعارضة

    استعملت المعارضة في الدولة الاسلامية اساليب متعددة لاعلان معارضتها واعلام الحاكم واعضاء الحكومة بالخطأ والمفارقة الشرعية، أو بالمطاليب الجماهيرية.. فكانت الكلمة في مواجهة الحاكم «افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

    وكما ورد عن الامام محمد الباقر (ع) «فانكروا بقلوبكم والفظوا بالسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم».

    وقد تقدمت الزهراء فاطمة (ع) بطرح معارضتها لحكم الخليفة ابي بكر (رض) في فدك والقت كلمتها في مسجد رسول الله (ص)، وقد ترسل المعارضة وفداً عنها إلى الحكومة لطرح اعتراضها كما حدث لاهل العراق يوم اعترضوا على ولاتهم.

    ويشترك الادب في المعارضة، فانتظم الشعراء والخطباء في خط المعارضة على طول التاريخ الاسلامي.

    والتنظيم هو الاسلوب الامثل لرص صفوف المعارضة وتوحيد قوتها وتنسيق اعمالها، فاستعمله الخوارج والمعتزلة والشيعة ـ التوابون ـ والزيدية ـ والاسماعيلية، والدعوة العباسية، والزنج والقرامطة

    ______________________________________

    1- الفصل لابن حزم 4/170.



    وغيرهم.

    والاغتيال السياسي اسلوب من اساليب المعارضة للقضاء على الخصم، فحينما تعجز الحركة الفكرية عن اخضاع الخصم لمطاليبها تلجأ إلى اغتياله، لانه يشكل عقبة في ستراتيجيتها، فكان اغتيال الامام علي (ع) على يد الخوارج، واغتيال مالك الاشتر على يد معاوية بن ابي سفيان، واغتيال الحسن بن علي (ع) على يد معاوية، واغتيال عمر بن عبد العزيز على يد الحزب الاموي.

    وفي «انساب الاشراف للبلاذري» ان عبيد الله بن زياد اعرب عن حيرته امام الخوارج لانه كلما امر بقتل رجل منهم اغتالوا قاتله. هذا بالاضافة إلى الاساليب الاخرى كالانقلاب والانتفاضة المسلحة.

    اهداف المعارضة

    نحن لا نتحدث في هذا البحث الموجز عن المعارضة الاسلامية في الدولة غير الاسلامية، اذ ان هدف المعارضة الاسلامية في مثل تلك الدولة لا يقتصر على اصلاح جانب من جوانب الواقع، فالمعارضة ترى ان الواقع الذي تعيشه الامة في ظل دولة كافرة لا تتخذ الاسلام اساساً لحكمها وقاعدة لتشريعها هو واقع فاسد جاهلي يجب تغييره تغييراً شاملاً فهي ترفضه جملة وتفصيلاً، ولا ينتهي هدفها باصلاحات جزئية في الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، اما المعارضة الاسلامية في الدولة الاسلامية فان هدفها هو اصلاح الجانب الفاسد أو المنحرف عند الحاكم أو عند اعضاء الحكومة أو في التطبيق.

    اذن اهداف المعارضة هي محاولة حمل الحاكم والحكومة على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله (ص)، فقد طلب الثوار من الخليفة عثمان ان يعلن توبته وان يعزل مروان بن الحكم، وان لا يقتصر حق الدولة في اموال الفرد على الزكاة، وطلب الخوارج من علي (ع) التوبة، حسب اجتهادهم.

    من اهداف المعارضة عزل الحاكم وتولية غيره ولو ادى ذلك إلى قتله، من اهداف المعارضة عزل الولاة وعزل الامراء في الجيوش، وتوزيع الثروة توزيعاً عادلاً، ومن اهداف المعارضة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

    انواع المعارضة

    اولاً: المعارضة المسالمة

    وهي المعارضة التي تسير في طول النظام القائم، تنقده وتوجهه وترشده وتحافظ عليه، تتحرك هي والسلطة القائمة إلى اهداف مشتركة هي مصلحة الدولة ورفاهية الامة وتطبيق النظام. في ظل الحكومة الاسلامية العادلة والتي بايعتها الامة يجب ان تكون المعارضة مسالمة، وما عداها فيطلق على المعارضة بالبغاة، جاء في نهج البلاغة: «ايها الناس ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه واعلمهم بامر الله فيه، فان شغب شاغب استعتب فان ابى قوتل»، اذ بالسماح للمعارضة المشاغبة بالظهور يعني السماح للهرج والفوضى مما يؤدي إلى زوال قدسية وشرعية الحكومة، قال تعالى:

    (ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب)(1).

    ______________________________________

    1- الانفال 8/13.



    وقال تعالى:

    (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى..)(1).

    وقال سبحانه:

    (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا..)(2).

    شكل الامام علي (ع) ومن تابعه في حكومة ابي بكر وعمر وعثمان (رض) معارضة مسالمة مع موقفه من بيعة ابي بكر وبيعة عمر وبيعة عثمان، فكان تسديده للحكومة وتوجيهه لها وقضاؤه في كثير من احكامها وابداء النصح لسياستها الخارجية والعسكرية وتوقفه عن اي نشاط سياسي يسعى إلى تقويض الحكومة، كان ذلك خير مثال للمعارضة المسالمة.

    ثانياً: المعارضة الانتهازية

    هي المعارضة التي تظهر الولاء للنظام القائم والحكومة، ولكنها لا تعمل في طول النظام، بل تخفي تحركها وتخطيطها وتدب في المجتمع دبيب النمل لتنشر الاشاعات والفساد وتنحر المجتمع بهدف القضاء على الحكومة القائمة، فتنتهز اية فرصة ملائمة للانقضاض على النظام أو احداث هزة في الحكومة أو تخريب..، هذه المعارضة كانت قائمة في عصر الرسالة وهي ما عبر عنها القرآن بالمنافقين، وقد وقفت منها الحكومة حينذاك موقفاً خاصاً، فتعاملت معها بالنصح والتوجيه والمداراة «فان شغب استعتب» والتعامل اليومي الحسن، حتى إذا بنوا مرصداً للتخطيط والتآمر ضد الحكومة والدولة، وللانطلاق لتدمير الامة جاء الامر الالهي ينقضه وتدميره وتفريق رواده».

    ثالثاً: المعارضة المصطنعة

    وهي المعارضة التي تصنعها السلطة القائمة بهدف امتصاص وتذويب أو تشويه وتحجيم المعارضة الحقيقية، وذلك حينما تشعر الحكومة انها مهزوزة، أو ان وجودها غير شرعي أو قد فقدت قواعدها بسبب تحرك المعارضة الحقيقية، فتحتج بها الحكومة وتجعلها مبرراً لمنع المعارضة الحقيقية بالظهور بشكل مستقل.

    وكمثال على ذلك، الحركة البدائية البسيطة التي قام بها ابو سفيان بعد مؤتمر السقيفة، اذ جاء معلناً معارضته لنتائج مؤتمر السقيفة ومستهدفاً المعارضة الحقيقية ان هناك تبييتاً لتدمير الاسلام من قبل الحزب الاموي، فعزمت عن اعلان المعارضة بشكل مسلح.

    مثال آخر: موقف عمر بن الخطاب (رض) من الحكومة حينما قَتلَ خالد بن الوليد مالك بن نويرة، كان معارضة مصطنعة لامتصاص النقمة التي صنعها الاسلوب الخاطىء في معالجة الموقف.

    الاحزاب التي صنعتها مدرسة نوري السعيد في العراق كمعارضة في الحكم الملكي.. ومن المحتمل ان يكون الحكم البعثي في العراق قد صنع احزاباً وشخصيات كمعارضة مصنطعة، وقد تفتعل قوى الاستكبار

    ______________________________________

    1- النساء 4/115.

    2- المائدة 5/33.



    كيانات وعملاء يرفعون نفس الشعارات وينادون بنفس الافكار، ولكنهم لا يملكون الاخلاص والاصالة ولا تربطهم بقضية الامة والعقيدة رابطة، بل هم انتهازيون نفعيون كل همهم التسلل إلى مواقع قيادة الامة وحرف مسارها أو الاستزادة من المكاسب والمصالح الشخصية.

    نماذج من المعارضة في الدولة الاسلامية

    كنا قد تحدثنا عن دور النبي (ص) في زرع روح المعارضة في الامة وفي الانسان المسلم وتنحيتها ودفعها للاعتراض على الواقع ورفضه، جاء في التاريخ انّه بعد عودة النبي (ص) إلى المدينة المنورة بعد امضائه كتاباً بينه وبين قريش على وشك الحرب.. وانّه ان جاء المسلمين رجل من قريش وهو على دين الاسلام ردّه المسلمون إلى قريش.. فجاء ابو بصير وهو مسلم إلى المدينة فأرسلت قريش في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلا يأكلان من تمر لهما، قال ابو بصير لاحد الرجلين: واني لارى سيفك هذا جيداً جداً، فاستله وقال: انّه لجيد وجربت به ثم جربت، فقال ابو بصير: ارني انظر إليه فأمكنه منه، فضربه به حتى برد وفرّ الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله (ص) حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي (ص) قال: قتل والله صاحبي واني لمقتول، قال فجاء ابو بصير، فقال: يا رسول الله، قد اوفى الله ذمتك ورددتني اليهم ثم انجاني الله منهم، فقال النبي (ص): «ويل امّه، مسعر حرب لو كان له احد، فلما سمع ذلك عرف انّه سيرده اليهم، فخرج حتى اتى سيف البحر، وانفلت منهم ابو جندل بن سهل، فلحق بأبي بصير فلا يخرج من قريش رجل قد اسلم الا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت عليه عصابة، قال: فوالله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت إلى الشام الا اعترضوا لها فقتلوهم واخذوا اموالهم، فارسلت قريش إلى النبي (ص) تناشده الله والرحم لما ارسل اليهم، فمن اتاه منهم فهو آمن، فارسل النبي (ص) اليهم فأتوه(1). هكذا كان رسول الله (ص) يدفع الانسان للاعتراض والرفض، لذا ومع اعتقاد الامة وايمانها بكون الرسول الحاكم السياسي معصوماً مسدداً من الله تعالى، فاننا وجدنا الامة تتدخل في الامور التي ترى ان لها حق التدخل فيها، وكثيراً ما تسأل رسول الله (ص) «امنك ام من الله؟» ليكون لديها مجال للاعتراض والتغيير.

    في صلح الحديبية قال: «فلما التأم الامر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فاتى ابا بكر، فقال: يا ابا بكر اليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: اولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى; قال: اوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى; قال: بلى; قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال ابو بكر: يا عمر الزم غرزه ـ اي الزم طريقه، فاني اشهد انّه رسول الله، قال عمر: وانا اشهد انّه رسول الله، ثم اتى رسول الله (ص) فقال يا رسول الله: الست برسول الله؟ قال: بلى، قال: اولسنا بالمسلمين؟ فقال: بلى، قال: اوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى؟ قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: انا عبد الله ورسوله، لن اخالف امره ولن يضيعني(2).

    فكان الاعتراض في طول النظام ومن اجل مصلحة الاسلام والمسلمين «فعلام نعطي الدنية في ديننا»، وكان موقف الحكومة يشتمل على التوجيه والتعليم «انا عبد الله ورسوله لن اخالف امره ولن يضيعني».

    ______________________________________

    1- مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي 5/118 - 119.

    2- سيرة ابن هشام 3/203.



    قال الماوردي في الاحكام: «.. فان نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه ـ عن الدين ـ اوضج له الحجة وبين له الصواب..(1) اعترض ذو الخويصرة على قسمة رسول الله (ص) غنائم حنين، وقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ومن ذا الذي يعدل إذا لم اعدل» وابتدر المسلمون ليقتلوه، فقال النبي (ص): دعوه فان لصاحب الحق مقالاً(2)، قال المفسرون فنزلت: «ومنهم من يلمزك في الصدقات»(3).

    وقف النبي (ص) ليصلي على جنازة منافق فيتلقاه عمر بن الخطاب ويمسك بتلابيبه قائلاً الم ينهك ربك من الصلاة عليهم؟

    ويقف عمر بن الخطاب وجمع كبير من المسلمين في صلح الحديبية يشكلون جبهة اعتراض وتتظاهر بالاعتصام وتمتنع عن ذبح الهدي احتجاجاً على كتابة الصلح، فلم يجبرهم النبي (ص) على ترك موقفهم بل يبادر إلى تنفيذ ذبح الهدي والحلق..، فما ان رآه المسلمون يفعل ذلك، حتى راحوا يتسابقون إلى تنفيذ الحكم الشرعي.

    تقف خولة بنت ثعلبة الانصارية تجادل وتحاور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعترض في حكم صدر ضدها، فيفتح لها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الحاكم السياسي باب حرية التعبير عن الرأي ومناقشة الاجراء السياسي وتستمر في جدالها، ويسمع الله تعالى ذلك الجدال وتلك المحاورة ويقرها ولا يصدر فيها نوعاً من التأنيب أو الزجر، واليك القصة كما وردت في التفسير.

    قال تعالى:

    (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير)(4).

    ورد في سبب النزول: ان خولة بنت خويلد أو بنت ثعلبة من الانصار الخزرج كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها، فلما انصرفت ارادها فأبت عليه فغضب عليها.. فقال لها: انت علي كظهر امي ثم ندم على ما قال، وكان الظهار من طلاق اهل الجاهلية فقال لها ما اظنك الا وقد حرمت عليّ، فقالت لا تقل ذلك وأت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسأله، فقال اني اجد اني استحيي منه ان اسأله عن هذا، قالت فدعني اسأله فقال: سليه، فأتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. فقالت يا رسول الله ان زوجي اوس بن الصامت تزوجني وانا شابة غانية ذات مال واهل حتى إذا اكل مالي وافنى شبابي وتفرق اهلي وكبرت سني ظاهر في وقد ندم فهل من شيء يجمعني واياه فتنعشني به، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما اراك الا حرمت عليه، فقالت يا رسول الله والذي انزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً وانّه ابو ولدي واحب الناس اليّ. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما اراك الا حرمت عليه ولم اؤمر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله وإذا قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت اشكو إلى الله فاقتي وحاجتي وشدة حالي.. فقالت انظر في امري جعلني الله فداك يا نبي الله(5).

    ______________________________________

    1- الاحكام السلطانية.

    2- السيرة 4/104 بتصرف.

    3- التوبة 9/58.

    4- المجادلة 58/21.

    5- مجمع البيان 5/246.



    فأنزل الله تعالى اوائل سورة المجادلة حلاً لمطاليب تلك المرأة المؤمنة التي وقفت تعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله، والله ورسوله يسمعان تحاورها وردها وشكواها واعتراضها.

    كثيراً ما يعترض المسلمون على حكم شرعي أو سياسي فيسألون النبي أهذا منك ام من الله؟ ليكون لديهم مجال للاعتراض.

    مرات لا تحصى كان يقف الرسول في المسجد وينادي من كانت له مظلمة ظلمتها اياه أو دين أو ذنب أو قصاص فليأت ليأخذ مظلمته وقصاصه.. فقام له ذات يوم احد الصحابة فقال انا يا رسول الله، قال تعالى فادن مني ما دينُك؟ قال: رفعت سوطك لتضرب به ناقتك فمسّني طرفه في بطني، قال: يا فلان ائتني بسوطي، فجيء بالسوط، فناوله الرسول للرجل وقال خذ واقتص، قال: لقد كانت بطني مكشوفة فاكشف لي عن بطنك، فكشف الرسول عن بطنه امام الناس في المسجد، فانكب الرجل على بطن رسول الله يقبلها وهو يقول اعوذ بموضع القصاص.

    روى ابو هريرة: انّه قال «ما رأيت احد اكثر استشارة لاصحابه من رسول الله»(1). هذا السلوك السياسي للحاكم قضى على المعارضة الحقيقية في عصر الرسالة.

    وهناك عدة امثلة من المعارضة الاسلامية المسالمة في عصر ابي بكر (رض) كمعارضة الامام علي (ع) لتولية ابي بكر الحكم، وموقف فاطمة الزهراء (ع) من حكم ابي بكر في فدك.

    وفي عصر عمر بن الخطاب (رض) اعترض اهل الكوفة على واليهم وطلبوا من عمر بن الخطاب عزله فعزله، واعتراض بعض النساء على حكم عمر في مهر الزواج وغيره.

    وفي عصر عثمان بن عفان (رض) اعترض اهل الكوفة على واليهم وطلبوا من عثمان عزله فعزله. واعترض اهل البصرة على واليهم وطلبوا عزله فعزله. واعترض اهل الكوفة ثانية على واليهم وطلبوا عزله فعزله. واعترض ابو ذر (رض) وعبد الله بن مسعود (رض) وعمار بن ياسر (رض) على امور اقتصادية وادارية.

    وفي عصر علي (ع) اعترضت السيدة عائشة بنت ابي بكر على علي وتابعها طلحة والزبير وشذاذ بني امية. واعترض معاوية واهل الشام، واعترض قسم من جيش علي في صفين على التحكيم وطالبوا علياً بالتوبة والتخلى عن الخلافة.

    ثم راحت الامة تسطر التاريخ مواقف رافضة للحكم المنحرف الشاذ عن خط الاسلام، فكانت حركة الامام الحسين بن علي عليهما السلام الرافضة لحكم يزيد، ثم ثورة المدينة ووقعة الحرة، ثم حركة التوابين فحركة عبد الله بن الزبير في مكة والتي ادت إلى ضرب الكعبة بالمنجنيق ومصرع ابن الزبير، فحركة المختار الثقفي وحركة الاشعث وموقف سعيد بن جبير، وثورة زيد بن علي عليهما السلام، وثورة الحسين بن علي شهيد فخ، ثم ظهور الدعوة إلى الرضا من آل محمد وتطورها إلى الدعوة العباسية، فثورة الحسن ذي النفس الزكية وثورة الزنج والقرامطة
                  

07-15-2003, 04:37 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    من الذي يقرر الخروج على الحاكم وعزله؟

    سبق ان بينا دور الامة الرئيسي في تولية الحاكم وان لها الحق في مسائلة الحاكم ومحاسبته، فهي رقيبة عليه باستمرار ترصد تحركه السياسي وسلوكه الخاص وتطبيقه للشريعة، فان اخل بشيء من ذلك فـ«للامة خلع الامام بسبب يوجبه»(1)، فاذا كان الخروج عن الحاكم وعزله امراً مشروعاً ـ كما تقدم، فمن الذي يباشر ذلك، هل هي كل الامة ام انهم اهل الحل والعقد من الامة؟

    قال الله تعالى:

    (يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين أو الاقربين)(2).

    وقال سبحانه:

    (اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم)(3).

    وقال عز وجل:

    (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)(4).

    فهذه النصوص وكثير غيرها من الآيات القرآنية تدل على ان جماعة المسلمين، الامة المسلمة مسؤولة عن تنفيذ احكام الشرع، وذلك يقتضي ان يكون السلطان من حق الجماعة لتستعين به على تنفيذ ما هي مسؤولة عنه، قال الشيخ عبد الوهاب خلاف: «والامة صاحبة القول الفصل فيمن تختاره اماما، كما انها الحق في الاشراف على سياسته في عهد امامته ولها الحق في عزله إذا لم يقم بما عاهدهم عليه في بيعته»(5)ثم اضاف: «والخليفة يستمد سلطانه من الامة الممثلة في اولي الحل والعقد ويعتمد في بقاء هذا السلطان على ثقتهم به ونظره في مصالحهم، ولهذا قرر علماء المسلمين ان للامة خلع الخليفة لسبب يوجبه..»(6).

    وبناء على ذلك فانه لابد من جماعة تنتخب من الامة تمثلها وتنطق باسمها تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتشرف على الحكام وتراقب اعمالهم. وهو ما يستفاد من قوله تعالى:

    (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..)(7).

    قال الامام الجويني: «وان المتصدي للامامة إذا عظمت جنايته وكثرت عثراته وخيف بسببه ضياع بيضة الاسلام وتبدد دعائم الاسلام فلا نطلق للاحاد.. ان يثوروا لانهم لو فعلوا ذلك لاصطلموا وكان ذلك سبباً في زيادة المحن واثارة الفتن»(. وجاء في صفحة اخرى من كتابه هذا: «فان قيل فمن يخلفه؟ قلنا الخلع إلى من إليه العقد»(9). ويقول احد علماء المالكية: «وكل من كان ظالماً لم يكن.. خليفة ولا حاكماً ولا

    ______________________________________

    1- المواقف للابجي 400.

    2- المائدة 5/8.

    3- الاعراف 7/3.

    4- التوبة 9/71.

    5- السياسة الشرعية، عبدالوهاب خلاف 57.

    6- المصدر السابق 57 - 58.

    7- آل عمران 3/104.

    8- غياث الامم للجويني 115.

    9- وضيفة الحاكم نقلاً عن غياث الامم.



    مفتياً ولا امام صلاة.. غير انّه لا يعزل بنفسه حتى يعزله اهل الحل والعقد»(1).

    من هم اهل الحل والعقد؟

    حدد العلماء الشروط المعتبرة في اهل الحل والعقد، فقال الماوردي في الاحكام: الشروط المعتبرة فيهم ثلاثة احدهما: العدالة، والثاني: العلم، والثالث: الرأي والحكم»(2). وقال الفراء: «اما اهل الاختيار فيعتبر فيهم شروط احدها: العدالة. والثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الامامة، والثالث: ان يكون من اهل الرأي والتدبير»(3). ويخرج امام الحرمين الجويني اهل الذمة من اهل الحل والعقد.

    وقال الامام الشهيد الصدر: «ينبثق من الامة بالانتخاب المباشر مجلس، وهو مجلس اهل الحل والعقد، ويقوم هذا المجلس بالوظائف التالية:

    اولاً: اقرار اعضاء الحكومة التي يشكلها رئيس السلطة التنفيذية لمساعدته في ممارسة السلطة.

    ثانياً: تحديد احد البدائل من الاجتهادات المشروعة.

    ثالثاً: ملء منطقة الفراع بتشريع قوانين مناسبة.

    رابعاً: الاشراف على سير تطبيق الدستور والقوانين ومراقبة السلطة التنفيذية ومناقشتها»(4).

    ومن خلال ذلك نخلص إلى ضرورة وجود جماعة من اهل البصيرة والرأي والقدرة على الاستنباط فى سائر الامور السياسية والاجتماعية والاقتصادية واختيار الحكومة وعزلها ومحاسبتها ومراقبتها. ويرى الشهيد الصدر ان اهل الحل والعقد جماعة تنبثق عن الامة، وهو ما نص عليه ابو يعلى الفراء في الاحكام السلطانية حيث قال: «وهل يجوز للخليفة ان ينص على اهل الاختيار..؟ فقد قيل يجوز لانها من حقوق خلافته، وقياس مذهبنا انّه لا يجوز»(5). وهذا القول الذي قال به الفراء والشهيد الصدر هو الموافق لروح الاسلام كي لا يتحكم الخليفة في اختيار من سيخلفه في الحكم وفي مدة الحكم.. «فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا اجمعوا على امر من مصالح الامة ليس فيه نص عن الشارع، مختارين في ذلك غير مكرهين عليه بقوة احد ولا نفوذه، فطاعتهم واجبة.. لانهم موضع ثقة الامة،.. وان اختلفوا وتنازعوا فقد بين الله تعالى بقوله:

    (فان تنازعتهم في شيء فردوه إلى الله والرسول)»(6).

    ويقول السيد رشيد رضا في المنار: «هكذا يجب ان يكون في الامة رجل اهل بصيرة ورأي في سياستها ومصالحها الاجتماعية وقدرة على الاستنباط يرد اليهم امر الامن والخوف وسائر الامور الاجتماعية والسياسية، وهؤلاء هم الذين يسمّون في عرف الاسلام «اهل الشورى» و«اهل الحل والعقد»، وهم الذين

    ______________________________________

    1- الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 2/19.

    2- الاحكام السلطانية، للماوردي.

    3- الاحكام السلطانية، للفراء 19.

    4- الاسلام يقود الحياة للامام الشهيد الصدر 11 ـ 12.

    5- الاحكام السلطانية للفراء 26.

    6- نظام الحكم في الاسلام الدكتور محمد يوسف موسى 128 ـ 129.



    يسمون عند الامم الاخرى بنواب الامة»(1).

    موقف الحكومة الاسلامية من المعارضة

    الحكومة الاسلامية ليست جهازاً منفصلاً عن الامة وغريباً عليها، بل هي افراز طبيعي للجماعة والامة، والامة تتضمن الحكومة وتنهض واياها بتحقيق المنهج الاسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية، قال تعالى:

    (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)(2).

    قال الشيخ المنتظري: «.. معنى (اولي الامر) الرجال المتصدون لامر الحكومة وادارة الشؤون العامة بشعبها المختلفة وفي رأسهم الامام الاعظم»(3). ونقل الشيخ المنتظري عن الشيخ الانصاري في المكاسب قوله في معنى اولي الامر: «الظاهر من هذا العنوان عرفاً من يجب الرجوع إليه في الامور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص»(4). وفي الدر المنثور: «هم الامراء منكم»(5).

    والحكومة الاسلامية حكومة مقيدة بالشريعة، وقد بايعتها الامة على تطبيق الشريعة والتزام القانون الاسلامي. قال الامام علي (ع): «اما بعد.. فقد جعل الله سبحانه في عليكم حقا بولاية امركم، ولكم علي من الحق مثل الذى لي عليكم.. واعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق: حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي.. فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة الا باستقامة الرعية..»(6)، «فحق الرعية وواجبها في الاشراف على الحكومة ونقد سياستها الادارية والتشريعية، كلما وجدت ان الدولة لا تساس امورها كما ينبغي»(7).

    والحكومة الاسلامية تدفع الامة إلى المعارضة ومحاسبة الحاكم، قال الامام علي (ع): «فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له أو العدل أو يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فاني لست بفوق أو اخطىء ولا آمن ذلك من فعلي الا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني»، لذا استنكر معاوية على علي هذه التربية التي ربى عليها الامة حتى قال لاهل العراق: «لقد لمظلم علي الجرأة على السلطان وبطيء ما تفطمون»(.

    فكلما كان دور الامة في الحياة السياسية فاعلاً مؤثراً بدرجة عالية تكون المعارضة بنفس الدرجة ونفس القوة، فحيثما تكون حرية في التعبير عن الرأي، حرية في النقد والمحاسبة تكون المعارضة بسعة تلك الحرية، ولكن قد يساء استعمال الحرية والتصرف بالمساحة المقررة، فيأتي دور الحكومة في الضبط

    ______________________________________

    1- تفسير المنار، رشيد رضا 3/11.

    2- النساء 4/59.

    3- دراسات 1/65.

    4- دراسات 1/66.

    5- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 2/176.

    6- نهج البلاغة.

    7- منهاج الحكم في الاسلام، محمد أسد 141.

    8- نهج البلاغة 3/200.



    السياسي للامة وحفظها من الهرج والفوضى. وتربيتها على التصرف بحكمة وعلى السلوك المستقيم في النقد والمحاسبة والاعتراض على الحكومة، الحكومة مسؤولة عن احترام النظام واحترام القانون، ومسؤولة عن خلق هذا الاحترام في نفسية الامة، والحكومة مسؤولة عن صيانة الحرية التي يقررها الاسلام للامة فلا يساء استغلال الحرية من قبل العدو في خلق الخلخلة الاجتماعية والتصدع الاجتماعي بحجة الاعتراض.

    والحكومة الاسلامية ـ في التصور الاسلامي ـ ادارة رئيسية في التغيير الاجتماعي وتعبيد الناس لله تعالى، والتغيير يشمل التصور والتفكير وفهم الشريعة والعلم بالاحكام وتطبيقها سواء كان ما يخص الفرد أو ما يخص المجتمع، فهي ليست اداة تسلط أو استعباد «اشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم..»(1).

    فهي رؤوفة بالامة حريصة عليها تطلب خيرها ورشادها وترفع عنها الاصر والاغلال التي كانت عليها

    (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليك الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون)(2).

    ومن معالم رحمة الحكومة الاسلامية ورأفتها بالناس ما فعله النبي الحاكم السياسي في قريش حين استسلمت له مكة وفتحت له ابوابها فقال مخاطباً قريش واهل مكة: «يا معشر قريش، ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا خيرا، اخ كريم وابن اخ كريم، قال: اذهبوا فانتم الطلقاء»(3). وقال تعالى:

    (الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاةو اتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر..)(4).

    ولما بعث رسول الله (ص) معاذ بن جبل إلى اليمن وصاه فقال: «يا معاذ علمهم كتاب الله واحسن ادبهم على الاخلاق الصالحة وانزل الناس منازلهم، خيرهم وشرهم، وانفذ فيهم امر الله.. وعليك بالرفق والعفو في غير ترك الحق..»(5). وحينما بعث رسول الله (ص) عمرو بن حزم والياً.. كتب له كتاباً منه.. «وان يبشر الناس بالخير ويأمرهم به.. ويلين للناس في الحق ويشتد عليهم في الظلم فان الله كره الظلم ونهى عنه.. ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين..». فموقف الحكومة الاسلامية من المعارضة يكون مبنياً على وظيفتها ومتفرعاً منها وملائماً لنوع المعارضة وطبيعتها.
                  

07-15-2003, 04:41 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    1 ـ النصح والارشاد: قال الماوردي فى الاحكام: «.. فان نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه ـ عن الدين ـ اوضح له الحجة وبين له الصواب..»(6).

    هذا إذا كان في اعتراض من اعترض شبهة وسوء فهم للاحكام كما حدث حينما اعترض ذو الخويصرة على قسمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غنائم حنين، وحينما اعترض عمر بن الخطاب على صلاة

    ______________________________________

    1- عهد الامام علي لمالك الاشتر.

    2- الاعراف 7/157.

    3- الكامل في التاريخ 2/252.

    4- الحج 22/41.

    5- تحف العقول 25.

    6- الاحكام للماوردي.



    رسول الله (ص) على احد المنافقين واستغفاره له.

    2 ـ اعادة التأهيل، فتقوم الحكومة بتثقيف المعارضة التي اعترضت عن شبهة وتطلق سراحها داخل المجتمع الاسلامي مع مراقبتها خشية ان تقوم باعمال مخلة بالامن، كما عامل الامام علي (ع) الخوارج «بألا يمنعهم عن مساجد الله ليذكروا فيها اسم الله، ولا يبدؤهم بقتال، ولا يمنعهم الفيء مادامت ايديهم معه»(1).

    جاء في التاريخ للطبري ان الخريت بن راشد الناجي واصحابه فارقوا امير المؤمنين وتفرقوا في البلاد، كتب امير المؤمنين (ع) إلى عماله في البلاد:

    «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي امير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمال، اما بعد، فان رجالاً عندهم بيعة خرجوا هرّاباً فنظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم اهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من ارضك ثم اكتب إليَّ بما ينتهي اليك عنهم والسلام»(2). وفي كتاب الامام علي (ع) إلى حذيفة بن اليمان عامله على المدائن: «وقد وليت اموركم حذيفة بن اليمان، وهو ممن ارضى بهداه وارجو صلاحه، وقد امرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بجميعكم»(3).

    وجاء في كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) قال: «ان يهودياً كان له على رسول الله (ص) دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك، فقال: فاني لا افارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: اذاً اجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان اصحاب رسول الله (ص) يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (ص) اليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك؟ فقال (ص): لم يبعثني ربي (عز وجل) بان اظلم عاهداً ولا غيره، فلما علا النهار قال اليهودي اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، اما والله ما فعلت بك الذي فعلت الا لانظر إلى نعتك في التوراة، فاني قرأت نعتك في التوراة: «محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين بالفحش ولا قول الخناء، وانا اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله..»(4).

    وجاء في السيرة الحلبية انّه في غزوة حنين بعدما ظفر النبي (ص) على هوازن بدأ بقسمة الغنائم فقسها، ثم قدم إليه هوازن مسلمين فردّ عليهم السبي، وسألهم عن رئيسه مالك بن عوف النصري، فقالوا: هو مع ثقيف بالطائف، فقال: اخبروه انّه ان آتاني مسلماً رددت عليه اهله وماله واعطيته مئة من الابل، فلما اخبروا مالكاً بذلك ركب مستخفياً فأدرك النبي (ص) بالجعرانة، وقيل: بمكة، فردّ عليه اهله وماله واعطاه مئة من الابل كما وعده، وحسن اسلامه.(5)

    وروي انّه بينما كان الامام علي على المنبر اذ جاء رجل فقال: لا حكم الا الله، ثم قام آخر فقال: لا حكم الا لله،ثم قاموا من نواحي المسجد يحكّمون الله، فأشار عليهم بيده اجلسوا، نعم لاحكم الاّ لله، كلمة حق

    ______________________________________

    1- المصدر السابق.

    2- تاريخ الطبري 6/3122 وشرح النهج 3/130.

    3- نهج السعادة 4/24.

    4- بحار الانوار 16/216.

    5- السيرة الحلبية 2/306 وسيرة ابن هشام 4/133.



    يبتغى بها باطل، حكم الله ينتظر فيكم، الا ان لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله ان يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا، ثم اخذ في خطبته»(1). قال الله تعالى:

    (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)(2).

    وقال سبحانه:

    (ان الله يأمركم بالعـدل والاحسـان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشـاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)(3).

    ما تقدم بيان عن طبيعة الحكومة الاسلامية التي نظّر لها القرآن الكريم بآياته واحكامه وجسدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسيرته باعتباره رئيس دولة وصانع امة، واهتدى بهديه الخلفاء الراشدون من بعده.

    3 ـ اجابة مطاليب المعارضة: ضغطت المعارضة في خلافة عثمان على الحكومة مطالبة بعزل بعض الولاة، مما ادى إلى استجابة الحكومة إلى مطاليب المعارضة وعزلت ولاتها.

    وضغطت المعارضة في خلافة علي على الحكومة فى معركة صفين مطالبةً بايقاف القتال وقبول التحكيم، فاستجابت الحكومة لمطاليب المعارضة دفعاً للفتنة.

    وتصاعدت الثورة الشعبية الدستورية التي قادها العلماء سنة 1220 هـ/ 1805م في مصر ضد الوالي العثماني خورشيد، فاضرب علماء الازهر وجميع حلقات الدروس، وماجت القاهرة بالمظاهرات التي قصدت منازل العلماء واصدر العلماء قراراً مفاده: «مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وامام ضعف السلطنة العثمانية، واستبداد جندها وفوضى اداراتها وخراب ذمم ولاتها، تكونت للشعب في مصر قيادة من علماء الاسلام، سرعان ما استردت للشعب حقه «الطبيعي ـ الاسلامي» في ان يكون هو المصدر الاصيل في السلطة والسلطان.. ولقد سُميت هذه ـ القيادة الجماعية. «مجلس الشورى».

    وفي يوم الاثنين 13 صفر سنة 1220 هـ الموافق لشهر مايو 1805م اجتمع مجلس الشرع في بيت القاضي ـ دار المحكمة العليا ـ واستناداً إلى حق الشعب ـ الذين يمثلونه ـ في ان تكون له السلطة فى عزل الولاة وتوليتهم، قرروا عزل الوالي احمد خورشيد باشا.. وهو المعّين من قبل الخليفة العثماني.. كما قرروا محاصرته واعوانه فى «القلعة» بل وقتالهم باعتبارهم عصاة لسلطة الامة(4) فخضعت السلطنة العثمانية وخليفتها لسلطة الامة، فاقرت ما ابرمه مجلس الشرع واصدرت به فرماناً». وبهذا استجابت الحكومة الاسلامية إلى مطاليب المعارضة.

    وقد يختلف موقف الحكومة الاسلامية باختلاف نوع المعارضة، فكما مرّ ان لدينا انواعاً من المعارضة منها المسالمة ومنها الانتهازية ومنها المسلحة، وللحكومة الاسلامية موقف مع كل نوع.

    ______________________________________

    1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 15/327.

    2- الحديد 57/25.

    3- النحل 16/90.

    4- الاسلام وحق الانسان، الدكتور محمد عمارة 209 - 211 نقلاً عن تاريخ الجبرتي.



    موقفها من المعارضة المسالمة

    المعارضة المسالمة ـ كما مر في تعريفها ـ تسير في طول النظام، فهي تعمل على تسديد وتوجيه النظام ومحاسبة الحكومة ان قصرت في تطبيق الشريعة، والواجب على الحكومة ان تستمع إلى نقد وتوجيه المعارضة المسالمة، أو توجه وتنصح المعارضة ان وجدت ان اعتراضها غير صحيح، أو تعيد تأهيل المعارضة ـ كما مر ـ أو تستجيب إلى مطاليبها كما مرّ ايضاً.

    (واذ قال موسى لقومه ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة * قالوا اتتخذنا هزوا * قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انّه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قال ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انّه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون * قال انّه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحـرث مسلمة لاشية فيها * قالـوا الان جئت بالحـق فذبحوها وما كادوا يفعلون)(1).

    موقف الحكومة من المعارضة الانتهازية

    قال تعالى:

    (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون الا انفسهم وما يشعرون)(2).

    وقال سبحانه:

    (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون)(3).

    وقال عز وجل في وصف المعارضة الانتهازية:

    (إذا جاء المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله * والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون)(4).

    وقال سبحانه في موضع آخر من القرآن:

    (الم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول * وإذا جاءوك حيوك بما لم يُحيك به الله)(5).

    هذه المعارضة كانت قائمة في المجتمع الاسلامي في عصر الرسالة يوم كانت حكومة الرسول (ص) قائمة، فتعاملت معها الحكومة بالنصح والتوجيه والمداراة، مع مواقفها المضادة لمصلحة الاسلام والمسلمين،

    (ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصبك مصيبة يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون).(6)

    ______________________________________

    1- البقرة 2/67 - 71.

    2- البقرة 2/8،9.

    3- البقرة 2/14.

    4- المنافقون 63/1.

    5- المجادلة 58/8.

    6- التوبة: 9/50.



    ولكن حينما تتطور مواقف المنافقين إلى تحرك سري يستهدف الاطاحة بالنظام الاسلامي واعادة الجاهلية، يأتي توجيه الموقف الاسلامي بقوله تعالى:

    (يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم..)(1).

    (ولا تصل على احد مات منهم ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله..)(2).

    ثم يأمر الله تعالى رسوله ان ينقض مسجداً يجتمع فيه الكفار والمنافقون والذين في قلوبهم مرض،

    (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون *... ام من اسس بنيانه على شفا جُرُف هار فانهار به في نهار جهنم..* لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم..)(3).
                  

07-15-2003, 04:42 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    1 ـ النصح والارشاد: قال الماوردي فى الاحكام: «.. فان نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه ـ عن الدين ـ اوضح له الحجة وبين له الصواب..»(6).

    هذا إذا كان في اعتراض من اعترض شبهة وسوء فهم للاحكام كما حدث حينما اعترض ذو الخويصرة على قسمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غنائم حنين، وحينما اعترض عمر بن الخطاب على صلاة

    ______________________________________

    1- عهد الامام علي لمالك الاشتر.

    2- الاعراف 7/157.

    3- الكامل في التاريخ 2/252.

    4- الحج 22/41.

    5- تحف العقول 25.

    6- الاحكام للماوردي.



    رسول الله (ص) على احد المنافقين واستغفاره له.

    2 ـ اعادة التأهيل، فتقوم الحكومة بتثقيف المعارضة التي اعترضت عن شبهة وتطلق سراحها داخل المجتمع الاسلامي مع مراقبتها خشية ان تقوم باعمال مخلة بالامن، كما عامل الامام علي (ع) الخوارج «بألا يمنعهم عن مساجد الله ليذكروا فيها اسم الله، ولا يبدؤهم بقتال، ولا يمنعهم الفيء مادامت ايديهم معه»(1).

    جاء في التاريخ للطبري ان الخريت بن راشد الناجي واصحابه فارقوا امير المؤمنين وتفرقوا في البلاد، كتب امير المؤمنين (ع) إلى عماله في البلاد:

    «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي امير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمال، اما بعد، فان رجالاً عندهم بيعة خرجوا هرّاباً فنظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم اهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من ارضك ثم اكتب إليَّ بما ينتهي اليك عنهم والسلام»(2). وفي كتاب الامام علي (ع) إلى حذيفة بن اليمان عامله على المدائن: «وقد وليت اموركم حذيفة بن اليمان، وهو ممن ارضى بهداه وارجو صلاحه، وقد امرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بجميعكم»(3).

    وجاء في كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) قال: «ان يهودياً كان له على رسول الله (ص) دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك، فقال: فاني لا افارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: اذاً اجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان اصحاب رسول الله (ص) يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (ص) اليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك؟ فقال (ص): لم يبعثني ربي (عز وجل) بان اظلم عاهداً ولا غيره، فلما علا النهار قال اليهودي اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، اما والله ما فعلت بك الذي فعلت الا لانظر إلى نعتك في التوراة، فاني قرأت نعتك في التوراة: «محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين بالفحش ولا قول الخناء، وانا اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله..»(4).

    وجاء في السيرة الحلبية انّه في غزوة حنين بعدما ظفر النبي (ص) على هوازن بدأ بقسمة الغنائم فقسها، ثم قدم إليه هوازن مسلمين فردّ عليهم السبي، وسألهم عن رئيسه مالك بن عوف النصري، فقالوا: هو مع ثقيف بالطائف، فقال: اخبروه انّه ان آتاني مسلماً رددت عليه اهله وماله واعطيته مئة من الابل، فلما اخبروا مالكاً بذلك ركب مستخفياً فأدرك النبي (ص) بالجعرانة، وقيل: بمكة، فردّ عليه اهله وماله واعطاه مئة من الابل كما وعده، وحسن اسلامه.(5)

    وروي انّه بينما كان الامام علي على المنبر اذ جاء رجل فقال: لا حكم الا الله، ثم قام آخر فقال: لا حكم الا لله،ثم قاموا من نواحي المسجد يحكّمون الله، فأشار عليهم بيده اجلسوا، نعم لاحكم الاّ لله، كلمة حق

    ______________________________________

    1- المصدر السابق.

    2- تاريخ الطبري 6/3122 وشرح النهج 3/130.

    3- نهج السعادة 4/24.

    4- بحار الانوار 16/216.

    5- السيرة الحلبية 2/306 وسيرة ابن هشام 4/133.



    يبتغى بها باطل، حكم الله ينتظر فيكم، الا ان لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله ان يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا، ثم اخذ في خطبته»(1). قال الله تعالى:

    (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)(2).

    وقال سبحانه:

    (ان الله يأمركم بالعـدل والاحسـان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشـاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)(3).

    ما تقدم بيان عن طبيعة الحكومة الاسلامية التي نظّر لها القرآن الكريم بآياته واحكامه وجسدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسيرته باعتباره رئيس دولة وصانع امة، واهتدى بهديه الخلفاء الراشدون من بعده.

    3 ـ اجابة مطاليب المعارضة: ضغطت المعارضة في خلافة عثمان على الحكومة مطالبة بعزل بعض الولاة، مما ادى إلى استجابة الحكومة إلى مطاليب المعارضة وعزلت ولاتها.

    وضغطت المعارضة في خلافة علي على الحكومة فى معركة صفين مطالبةً بايقاف القتال وقبول التحكيم، فاستجابت الحكومة لمطاليب المعارضة دفعاً للفتنة.

    وتصاعدت الثورة الشعبية الدستورية التي قادها العلماء سنة 1220 هـ/ 1805م في مصر ضد الوالي العثماني خورشيد، فاضرب علماء الازهر وجميع حلقات الدروس، وماجت القاهرة بالمظاهرات التي قصدت منازل العلماء واصدر العلماء قراراً مفاده: «مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وامام ضعف السلطنة العثمانية، واستبداد جندها وفوضى اداراتها وخراب ذمم ولاتها، تكونت للشعب في مصر قيادة من علماء الاسلام، سرعان ما استردت للشعب حقه «الطبيعي ـ الاسلامي» في ان يكون هو المصدر الاصيل في السلطة والسلطان.. ولقد سُميت هذه ـ القيادة الجماعية. «مجلس الشورى».

    وفي يوم الاثنين 13 صفر سنة 1220 هـ الموافق لشهر مايو 1805م اجتمع مجلس الشرع في بيت القاضي ـ دار المحكمة العليا ـ واستناداً إلى حق الشعب ـ الذين يمثلونه ـ في ان تكون له السلطة فى عزل الولاة وتوليتهم، قرروا عزل الوالي احمد خورشيد باشا.. وهو المعّين من قبل الخليفة العثماني.. كما قرروا محاصرته واعوانه فى «القلعة» بل وقتالهم باعتبارهم عصاة لسلطة الامة(4) فخضعت السلطنة العثمانية وخليفتها لسلطة الامة، فاقرت ما ابرمه مجلس الشرع واصدرت به فرماناً». وبهذا استجابت الحكومة الاسلامية إلى مطاليب المعارضة.

    وقد يختلف موقف الحكومة الاسلامية باختلاف نوع المعارضة، فكما مرّ ان لدينا انواعاً من المعارضة منها المسالمة ومنها الانتهازية ومنها المسلحة، وللحكومة الاسلامية موقف مع كل نوع.

    ______________________________________

    1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 15/327.

    2- الحديد 57/25.

    3- النحل 16/90.

    4- الاسلام وحق الانسان، الدكتور محمد عمارة 209 - 211 نقلاً عن تاريخ الجبرتي.



    موقفها من المعارضة المسالمة

    المعارضة المسالمة ـ كما مر في تعريفها ـ تسير في طول النظام، فهي تعمل على تسديد وتوجيه النظام ومحاسبة الحكومة ان قصرت في تطبيق الشريعة، والواجب على الحكومة ان تستمع إلى نقد وتوجيه المعارضة المسالمة، أو توجه وتنصح المعارضة ان وجدت ان اعتراضها غير صحيح، أو تعيد تأهيل المعارضة ـ كما مر ـ أو تستجيب إلى مطاليبها كما مرّ ايضاً.

    (واذ قال موسى لقومه ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة * قالوا اتتخذنا هزوا * قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انّه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قال ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انّه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون * قال انّه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحـرث مسلمة لاشية فيها * قالـوا الان جئت بالحـق فذبحوها وما كادوا يفعلون)(1).

    موقف الحكومة من المعارضة الانتهازية

    قال تعالى:

    (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون الا انفسهم وما يشعرون)(2).

    وقال سبحانه:

    (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون)(3).

    وقال عز وجل في وصف المعارضة الانتهازية:

    (إذا جاء المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله * والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون)(4).

    وقال سبحانه في موضع آخر من القرآن:

    (الم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول * وإذا جاءوك حيوك بما لم يُحيك به الله)(5).

    هذه المعارضة كانت قائمة في المجتمع الاسلامي في عصر الرسالة يوم كانت حكومة الرسول (ص) قائمة، فتعاملت معها الحكومة بالنصح والتوجيه والمداراة، مع مواقفها المضادة لمصلحة الاسلام والمسلمين،

    (ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصبك مصيبة يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون).(6)

    ______________________________________

    1- البقرة 2/67 - 71.

    2- البقرة 2/8،9.

    3- البقرة 2/14.

    4- المنافقون 63/1.

    5- المجادلة 58/8.

    6- التوبة: 9/50.



    ولكن حينما تتطور مواقف المنافقين إلى تحرك سري يستهدف الاطاحة بالنظام الاسلامي واعادة الجاهلية، يأتي توجيه الموقف الاسلامي بقوله تعالى:

    (يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم..)(1).

    (ولا تصل على احد مات منهم ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله..)(2).

    ثم يأمر الله تعالى رسوله ان ينقض مسجداً يجتمع فيه الكفار والمنافقون والذين في قلوبهم مرض،

    (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون *... ام من اسس بنيانه على شفا جُرُف هار فانهار به في نهار جهنم..* لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم..)(3).
                  

07-15-2003, 04:43 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    موقف الحكومة من المعارضة المسلحة

    قال تعالى:

    (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما * فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى امر الله)(4).

    وقال سبحانه:

    (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم)(5).

    المعارضة المسلحة تأتي نتيجة عدم استجابة الحكومة لمطالب المعارضة، ومع اصرار الحكومة على موقفها واصرار المعارضة على تحقيق اهدافها يحدث الصدام المسلح،

    (فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي، حتى تفيء إلى امر الله)(6).

    ومن امثلة المعارضة المسلحة، حروب الردة، اذ ان بعضها كان بسبب الخلاف حول سلطة الخليفة الجديد اذ استمرت بعض القبائل تدين بالاسلام ولكنها رفضت الانصياع لما حدث في المدينة من نقل سلطة الرسول (ص) الزمنية إلى ابي بكر، كما حدث لمالك بن نويرة (رض)(7) فكان موقف الحكومة الاسلامية هو مقاتلة تلك المعارضة حتى اخضاعها للامر.

    وفي عهد علي (ع) وبعد ان اعلن منهاجه في الحكم وقراراته لتغيير الاوضاع التي ادت إلى الثورة شبه المسلحة ضد الحكومة الاسلامية فى عهد عثمان (رض) «انتم عباد الله والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لاحد على احد»، «لا يقولن رجال منكم غداً، قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا

    ______________________________________

    1- التوبة 9/73.

    2- التوبة 9/94.

    3- التوبة 9/107، 109، 110.

    4- الحجرات 49/9.

    5- المائدة: 5/33.

    6- الحجرات: 49/9.

    7- الاسلام وفلسفة الحكم، الدكتور محمد عمارة 77.



    الانهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وامرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون حرمنا بن ابي طالب حقوقنا»، «والله لو وجدته ـ المال ـ قد تزوج به النساء ومُلك به الاماء لرددته.. فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق»(1).

    وفي اليوم التالي لاعلانه منهاجه السياسي هذا بدأ خلافه مع طلحة والزبير ومن ناصرهما الاعتراض، وانضمت السيدة عائشة (رض) اليهم، وراحت حركة المعارضة تنمو وتكبر حتى كانت معركة الجمل في البصرة..، فاخمدتها الحكومة الاسلامية.

    وحاربت الحكومة الاسلامية المعارضة المسلحة في الشام. ثم خرجت من جيش الحكومة الاسلامية معارضة بسبب التحكيم فحاورتها الحكومة واقنعت اكثرها واصر اربعة الاف على موقفه المعارض للحكومة ورفعوا السلاح ضدها فحاربتهم الحكومة..

    قال الشيخ الطوسي في الخلاف: «الباغي من خرج على امام عادل وقاتله ومنع تسليم الحق إليه.»، وقال الشيخ الطوسي في النهاية: «كل من خرج على امام عادل ونكث بيعته وخالفه في احكامه فهو باغ، وجاز للامام قتاله ومجاهدته»(2).

    وجاء في الحديث: «من اتاكم وامركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه»(3). وجاء عن علي (ع) «.. فان شغب شاغب استوعتب فان ابى قوتل».

    وقال الفراء والماوردي في الاحكام السلطانية: «.. فان لم يخرجوا به عن المظاهرة بطاعة الامام ولا تحيزوا بدار اعتزلوا فيها، وكانوا افراداً متفرقين تنالهم القدرة، وتمتد اليهم اليد، تركوا ولم يحاربوا..»، وقال علي (ع) للخوارج: «.. لكم علينا ثلاث، لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسم الله ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء ما دامت ايديكم معنا».

    فان تظاهروا باعتقادهم.. اوضح لهم الامام فساد ما اعتقدوه وبطلان ما ابتدعوه. ليرجعوا عنه إلى اعتقاد الحق وموافقة الجماعة. وجاز للامام ان يعزر من تظاهر بالعناد ادباً وتعزيراً ولم يتجاوزه إلى قتل..، وان اعتزلت هذه الطائفة الباغية اهل العدل، وتخيرت بدار تميزت فيها، نظرت فان لم تمتنع عن حق ولم تخرج عن طاعة لم يحاربوا ما داموا مقيمين على الطاعة وتأدية الحقوق. وقد اعتزلت طائفة من الخوارج علياً (رض) بالنهروان، فولى عليهم عاملاً اقاموا على طاعته زماناً، وهو لهم موادع إلى ان قتلوه، ـ وهو عبد الله بن خباب بن الأرث وبقروا بطن زوجته واستخرجوا الحمل الذي كان ببطنها ـ فارسل اليهم: سلموا قاتله فأبوا، وقالوا: كلنا قتله.. فسار اليهم فقتل اكثرهم.

    فان امتنعت هذه الطائفة الباغية من طاعة الامام ومنعوا ما عليهم من الحقوق وتفردوا باحتباء الاحوال وتنفيذ الاحكام.. فان فعلوا ذلك ولم ينصبوا لانفسهم اماما كان ما اجتبوه من الاموال غصباً لاتبرأ منه ذمة وما نفذوه من الاحكام مردوداً ولا يثبت به حق، وان نصبوا اماماً اجتبوا بقوله الاموال، ونفذوا بامره

    ______________________________________

    1- المصدر السابق.

    2- دراسات 1/127 نقلاً عن الخلاف والنهاية.

    3- صحيح مسلم 3/1480 كتاب الاعارة الباب 14.



    الاحكام، لم يتعرض على احكامهم بالرد ولا على ما اجتبوه بالمطالبة وحوربوا حتى يفيئوا إلى الطاعة»(1).

    اذن تكاد تجمع الاراء على ان موقف الحكومة الاسلامية هو مقاتلة المعارضة المسلحة أو البغاة، بعد المرور بالمعالجات السلمية.
                  

07-15-2003, 04:44 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    معارضة المعارضة

    تتسع المعارضة إلى مجالات عدة، فهناك اعتراض على تشريع لا يتفق والتشريع الذي بايعت الامة الحاكم عليه، واعتراض على فن ادارة الحكم وسياسة الناس، واعتراض بسبب ان الحاكم اخذ يوجه الشريعة توجيهاً تؤدي بالامة إلى الانحراف الفكري والسلوكي.. إلى امثال ذلك.

    الحكومة الاسلامية التي ارادها الله تعالى اي وفق التعيين النوعي لا تقف حائلاً دون المعارضة، بل ترى ان المعارضة التي تتحرك في طول النظام من اساسيات الحكم التي يعتمد عليها في التسديد والتوجيه وإقامة الحق، قال الامام علي (ع): «ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي فانه من استثقل الحق ان يقال له أو العدل ان يعرض عليه كان العمل بها اثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل..». ولكن قد تتولى الحكم حكومة لم تأت باختيار الامة أو لم تشترك الامة اشتراكاً حقاً في اختيار الحاكم ولم تأخذ الشورى دورها في الامة لتفرز الامة الحاكم، أو قد يتولى الحكم حاكم لم يستوف الشروط والمواصفات المنصوص عليها في التعيين النوعي للحاكم الامام، فحينذاك تكون المعارضة قوية فاعلة فيقف منها الحاكم موقفاً مضاداً يسعى من خلاله إلى تبرير حكمه وتثبيت دعائمه بشتى السبل، ومن تلك السبل خلق معارضة لتلك المعارضة المضادة تتلون بلون المعارضة الحقيقية وتقابلها فى مختلف المجالات وتصطنع لاجل ذلك محدثين وتختلق وسائلها الاعلامية بمختلف الاساطير المبررة لوضعها، ثم تنشىء أو تساعد المذاهب والافكار الموالية لحكمها أو المخدرة للامة والمثبطة لحركتها. روى مسلم في صحيحه بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: «قلت يا رسول الله، انا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي ائمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس، قال: قلت: كيف اصنع يا رسول الله ان ادركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للامير، وان ضرب ظهرك واخذ مالك، فاسمع وأطع»(2).

    اقول: ان مفهوم طاعة الحاكم في الاسلام ارساها القرآن والسنة على خلاف هذا الحديث اذ لا تجوز طاعة هؤلاء الائمة الذين لا يهتدون بهدي رسول الله ولا يستنون بسنته ولا قلوبهم قلوب المسلمين، انهم طواغيت وقد امرنا الاسلام ان نكفر بالطاغوت. ان هذا الخبر يؤكد على السمع والطاعة مع تضمنه انحراف الحاكم مما يدلل انّه من وضع السلطة الحاكمة المنحرفة.

    وروى مسلم ايضا: ان سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول الله (ص) فقال: يا نبي الله، أرأيت ان قامت

    ______________________________________

    1- الاحكام السلطانية لأبي يعلي الفراء 54 - 55.

    2- صحيح مسلم 3/1476.



    علينا امراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم قال سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الاشعث بن قيس وقال: «اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حملتهم»(1).

    وفي رواية اخرى، جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من امر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لابي عبد الرحن وسادة، فقال: اني لم اتك لاجلس، اتيتك لاحدثك حديثاً سمعت رسول الله (ص) يقوله: «من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(2).

    وفي كتاب الخراج لابي يوسف القاضي عن الحسن البصري قال رسول الله (ص): «ولا تسبوا الولاة، فانهم ان احسنوا كان لهم الاجر وعليكم الشكر وان اساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر..»(3).

    هذه الاحاديث وامثالها غذت الامة بالخنوع والاستكانة للحاكم الظالم والتسليم والطاعة له وان طغى وتجبر فعلى الامة ان تصبر وللحاكم ان يتجبر. فنشأت من ذلك فرقة المرجئة التي شكلت جزءاً رئيسياً وطرفاً فاعلاً من اطراف معارضة المعارضة.

    المرجئة

    مأخذوة من الفعل رجأ اي ارجأ الامر اخرّه، وقرىء

    (وآخرون مرجئون لأمر الله..)(4).

    اي مؤخرون لامر الله حتى ينزل الله فيهم ما يريد.(5)، والمرجئة: فرقة اسلامية، وقد سمّوا مرجئة لانهم اخروا العمل عن الايمان والنية، ويقولون: ان الايمان قول بلا عمل، وانهم لو لم يصلوا ولم يصوموا لنجاهم ايمانهم، ويقولون: لا يضر مع الايمان معصية، كما لا يضر مع الكفر طاعة»(6).

    نشوء المرجئة

    كان الكثير من المسلمين قد عابوا على عثمان (رض) بعض سياسته الاقتصادية والادارية والاجتماعية، وكلما تمسك الخليفة بأرائه كثرت القالة عليه وانتشرت المعارضة له في الولايات الاسلامية، ثم ادى ذلك إلى توجه قسم من المسلمين بصفة ثوار من مصـر والعـراق إلى محاصرة الخليفة حين لم يستجب لمطالبهم، ثم كان مقتله (رض)(7)، وفي ذلك رأي جماعة من الصحابة ان يلتزموا الصمت ويمتنعوا عن الاشتراك في الفتن التي مرج فيها المسلمون مرجاً شديداً وتمسكوا بحديث ابي هريرة: «ستكون فتن القاعد فيها خير من

    ______________________________________

    1- المصدر السابق 3/1474.

    2- المصدر السابق 3/1478.

    3- الخراج لأبي يوسف القاضي 10.

    4- التوبة 9/106.

    5- التوبة 9/106.

    6- التعريفات للجرجاني 184، مقالات الاسلاميين 1/213. والملل والنحل للشهرستاني 1/39.

    7- تاريخ الطبري 4/330 والامامة والسياسة لابن قتيبة 85.



    الماشي والماشي فيها خير من الساعي اليها، الا فاذا نزلت أو وقعت فمن كان له ابل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كان له ارض فليلحق بأرضه، قال فقال رجل: يا رسول الله، ومن لم تكن له ابل ولا غنم ولا ارض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج ان استطاع النجاة»(1). وحديث ابي بكرة: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من اهـل النار، قيل فهذا القـاتل فما بال المقتول؟ قال: انّه اراد قتل صاحبه»(2).

    وامتدت اعقاب هذه الفتن إلى عهد علي (عليه السلام) الذي كان تالياً لعهد عثمان (رض) وقد اخذت الفتن في سعيرها وانتشارها، وكان ذلك مبرراً لان يستمر من اعتزل الفتن من الصحابة في اعتزاله ولم يعنوا بابداء رأيهم فيما وقع بين علي وبين غيره من الصحابة من الحروب. وبالاضافة إلى ذلك فإن بعض المسلمين الذين قدموا من الفتوحات بعد مقتل عثمان راعهم ما وجدوا عليه اخوانهم من الاختلاف وقد تركوهم على امر واحد، روى ابن عساكر في تاريخه انهم قالوا: «تركناكم وامركم واحد ليس بينكم اختلاف وقدمنا عليكم وانتم مختلفون، فبعضكم يقول قتل عثمان مظلوماً.. وبعضكم يقول: كان علي اولى بالحق واصحابه.. فنحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما.. ونرجىء امرهما إلى الله، حتى يكون الله هو الذي يحكم بيننا»(3).

    ان هذه النزعة التي نزع اليها قسم من المسلمين في الامتناع:عن ابداء الرأي واتخاذ موقف سلمي من تلك الاحداث السياسية هي الاساس الذي بنى عليه مذهب الارجاء، وراحت السياسة الحاكمة تغذي هذا المذهب وتوجه تلك الفرقة في وجه المعارضة الحقيقية، وقد مرّ بك موقف عبد الله بن عمر مع عبد الله بن مطيع احد زعماء ثورة المدينة في حكم يزيد، ولا نستطيع ان نفسر كثيراً من امثال تلك المواقف بالورع والاجتهاد اذ يحدث عبد الله بن عمر بحديث مفاده «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(4) إذ انّه بعد حركة الامام الحسين سيد شباب اهل الجنة معارضاً لحكم يزيد واستشهاده على يد عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية لا وجود للاجتهاد في مقابل النص، ومصرع الحسين (ع) نص دام. ويتحرك عبد الله بن عمر محور معارضة المعارضة وقطبها الرئيس فيذهب إلى الحجاج الثقفي عامل بني امية على العراق فيقول له: «ابسط يدك ابايعك فاني سمعت برسول الله يقول: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، فيمد الحجاج قدمه ويقول له خذ قدمي فبايعه ان يدى مشغولة(5).

    فكرة القضاء والقدر

    كان الكلام في القدر يشتد ويتسع كلما اتسع نطاق الفتن فحينما كانت الفتنة على عثمان وكان الثوار الخارجون عليه يطالبون بعزله، كان رضي الله عنه يحتج عليهم بأن ذلك لم يكن راجعاً إليه وانّه بقضاء الله وقدره، فالذي البسه قميص الخلافه هو الذي ينزعه منه، جاء ذلك في تاريخ الطبري قوله للثوار: «لا انزع

    ______________________________________

    1- صحيح البخاري 4/225.

    2- المصدر السابق.

    3- تاريخ ابن عساكر 3/215.

    4- صحيح مسلم 3/1487.

    5- الامامة والسياسة لابن قتيبة.



    قميصاً البسنيه الله عزّ وجل»(1)، وزعم بعض الذين اشتركوا في قتل عثمان «رض» انهم ما قتلوه انما قتله الله، وحين حصبوه قال له بعضهم: الله هو الذي يرميك، فقال عثمان: كذبتم لو رماني الله ما اخطأني(2). ثم انتشر هذا التصور الخاطىء عن مفهوم القضاء والقدر فوجه الحسن البصري رسالة الى قوم من أهل البصرة ادعوا الجبر قال فيها: «ومن لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد كفر، ان الله لا يطاع استكراهاً ولا يعصى لغلبة لانه المليك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه فان عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، وان عملوا بالمعصية فلو شاء لحال بينهم ما فعلوا فاذا لم يفعلوا فليس هو الذي اجبرهم على ذلك فلو اجبر الخلق على الطاعة لا سقط عنهم الثواب ولو اجبرهم على المعاصي لا سقط عنهم العقاب، ولو اهملهم لكان عجزاً في القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم فان عملوا بالطاعات كانت له المنة عليهم»(3). واحتج الامام علي بن الحسين «ع» على عبيد الله بن زياد امير الكوفة حينذاك عند ادعاء ابن زياد ان الله تعالى قتل الحسين وأصحابه فيما رواه الطبري قال: «ان عبيدالله بن زياد سأل علي بن الحسين ما أسمك؟ قال: أنا علي بن الحسين، قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟.. قال: كان لي أخ يقال له ايضا علي قتله الناس، قال: انّ الله قد قتله.. قال: الله يتوفى الأنفس حين موتها..».

    (وما كان لنفس ان تموت إلاّ بإذن الله..)(4).

    وكان معبد الجهني من تلامذة ابي ذر الغفاري الذي أنكر على معاوية والأمويين في الشام ثراءهم وترفهم وتلاعبهم ببيت المال وادعاءهم ان القدر الالهي هو الذي فرض وجودهم على اعناق المسلمين وعلى بيت مالهم. والتقى معبد الجهني هذا مع الحسن البصري وكان من كلامه معه: «يا أبا سعيد هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون اموالهم ويقولون: «انما تجري اعمالنا على قدر الله، فأجاب الحسن البصري: كذب اعداء الله(5) وقد راعه ـ اي معبد ـ ما عليه ملوك زمانه من التلاعب بحقوق المسلمين ودمائهم وارتكاب المعاصي بحجة ان ذلك بقضاء الله وقدره، فراح يصدع برأيه حتى امام اقوى امراء عصره ويظهر ذلك واضحاً من خلال مناقشته مع الحجاج بن يوسف الثقفي حين قبض عليه:

    قال له الحجاج: يا معبد كيف ترى قسم الله لك؟

    قال: يا حجاج حُل بيني وبين قسم الله فان لم يكن لي قسم إلاّ هذا رضيت به.

    فقال له: يا معبد أليس قيدك بقضاء الله؟

    قال: يا حجاج ما رأيت احداً قيدني غيرك فاطلق قيدي فان ادخله قضاء الله رضيت به.(6)

    فساهمت فكرة القضاء والقدرة المشوهة في التصدي إلى المعارضة الحقيقية اذ غذتها السلطة الحاكمة بالمحدثين والعلماء وأفكار الفلاسفة واراء اليهود والنصارى.

    ______________________________________

    1- تاريخ الطبري 4/375.

    2- المصدر السابق 4/380.

    3- طبقات المعتزلة 216.

    4- الزمر 39/242، آل عمران 3/245، الطبري 5/458.

    5- نشأة الفكر الفلسفي للدكتور النشار 1/318.

    6- طبقات المعتزلة 334.



    قدِم عمر بن هبيرة والياً على العراق من قبل يزيد بن عبدالملك فاستدعى الشعبي والحسن البصري للقائه بمدينة واسط وقال لهما: «إنّ يزيد بن عبدالملك عبد أخذ الله ميثاقه وانتخبه لخلافته، وقد أخذ بنواصينا واعطيناه عهودنا ومواثيقنا وصفقة أيدينا، فوجب علينا السمع والطاعة، وانّه بعثني إلى عراقكم غير سائل اياه، إلاّ انّه لا يزال يبعث الينا في القوم نقتلهم وفي الضياع نقبضها، أو في الدور نهدمها، فنوليه من ذلك ما ولاه الله، فما تريان؟

    فقال له الحسن البصري: «يا عمر اني انهاك عن الله ان تتعرض له، فان الله مانعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله، انّه يوشك ان ينزل اليك ملك من السماء فيستنزلك من سريريك ويخرجك ممن سعة قصرك إلى ضيق قبرك، ثم لا يوسعه عليك إلاّ عملك، ان هذا السلطان انما جعل ناصراً لدين الله، فلا تركبوا دين الله وعباد الله بسلطان الله، تذلونهم به فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ـ جل وعزـ ».(1)
                  

07-15-2003, 04:46 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    موقف الحكومة الاسلامية من المعارضة غير الاسلامية

    لا يختلف موقف الحكومة الاسلامية من المعارضة غير الاسلامية عنه من المعارضة الاسلامية، فكما ان موقفها هناك مبني على وظيفتها ومتفرع منها وملائم لنوع المعارضة وطبيعتها، كذلك مع المعارضة غير الاسلامية.

    قال تعالى:

    (انّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).(2)

    وقال سبحانه:

    (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم انّ الله يحبّ المقسطين).(3)

    (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم).(4)

    وجاء في الكتاب الذي كتبه رسول الله «ص» بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، يوم استقرت به يثرب: «وانّ يهود بني عوف أمة من المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم وأثم، فانه لا يوتغ ـ يهلك ـ إلاّ نفسه وأهل بيته، وانّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف..».

    وهكذا بقية اليهود في يثرب.

    فالامة الاسلامية تضم المسلمين وغير المسلمين، والدولة الاسلامية تضم المسلمين وغير المسلمين، اذ ان الاسلام يعتبر الجماعة التي تحكم بموجب هذا النظام وحدة انسانية بغض النظر عن طائفتها وجنسها ولا يشترط فيها إلاّ التابعية ـ وهي الولاء للدولة والنظام ـ ولا توجد فيه الاقليات، بل جميع الناس باعتبار

    ______________________________________

    1- الاسلام وفلسفة الحكم الدكتور محمد عمارة 657 نقلاً عن امالي المرتضى.

    2- البقرة 2/62.

    3- الممتحنة 60/8.

    4- العنكبوت 46.



    انساني فقط هم رعايا في الدولة الاسلامية ما داموا يحملون الولاء للدولة فكل من يحمل الولاء والتابعية للدولة يتمتع بالحقوق التي قررها الشرع له سواءاً كان مسلماً أو غير مسلم، وكل من لا يحمل التابعية والولاء يحرم من هذه الحقوق ولو كان مسلماً..، جاء في العهد الذي كتبه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» مع نصارى نجران: «.. هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لأهل نجران.. ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمّة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.. ولا يطأ ارضهم جيش، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين.. ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر.. وعلى ما في هذا الكتاب جواء الله وذمة محمد النبي رسول الله حتى يأتي الله بأمره، ما نصحوا وأصلحوا ما عليهم غير مثقلين بظلم».(1)

    مما تقدم يتضح ان غير المسلمين لهم حق الاعتراض فيما يخصهم، فكما ان من حق المسلم الاعتراض على الحكومة الاسلامية من خلال مراقبته لعملية التطبيق والسلوك السياسي للحكومة، كذلك من حق غير المسلم ان وجد ظلماً «.. ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين».

    الحكومة الاسلامية تجيز غير المسلمين الاعتراض على سياستها ان وجدوا في ذلك ظلماً، ولكنها لا تجيز الاعتراض على وجودها بعد ان بايعتها الامة كل الامة، جاء في الكتاب الذي كتبه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلّم» بين المسلمين وغيرهم في المدينة ـ كما مرّ ـ «وانّه ما كان من أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فان مرده إلى الله والى محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وان الله على اتقى ما في هذه الصحيفة وابره». فهذا بيان قيام الحكومة الاسلامية ورئاسة الحكومة وانها تضم رعايا من المسلمين وغير المسلمين، وقد بايع اليهود وغيرهم الرسول له ذلك وامضوا الكتاب. وعلى ضوء ذلك فان تطبيق احكام الاسلام تأخذ الناحية القانونية على غير المسلمين، لان النص قد جاء لمعالجة المشكلة، والتشريع حينما يأمر به الحاكم الشرعي الاسلامي يصبح قانوناً يجب تنفيذه على الجميع فالذين يعتقدون الاسلام ـ اي المسلمين ـ يكون اعتناقهم له واعتقادهم به هو الذي يلزمهم بجميع أحكامه.. فهو بالنسبة للمسلمين شريعة منها التشريع، اي ديناً منه القانون، وبالنسبة لغير المسلمين فهو قانون فقط، ينفذ عليهم كما ينفذ على المسلمين، ويتركون وما يعتقدون أو يعبدون ويسيرون في امور الزواج والطلاق حسب أديانهم.. إلى آخر ما هو مدوّن في كتب الفقه..

    روى عن رسول الله «ص»: «ألا من ظلم معاهداً أو انقصه أو كلفه فوق طاقته أو اخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة».(2). وجاء في عهد الامام علي «ع» لمالك الاشتر: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فانهم صنفان: «اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».

    ويروى ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» مرّ به شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين «ع»: «ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني، فقال أمير المؤمنين «ع»: استعملتوه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال؟

    ______________________________________

    1- الوثائق السياسية في عهد الرسول «ص».

    2- دراسات 2/722.



    وجاء عنه «ع»: «.. ولا تمسّنّ مال أحد من الناس: مصلّ ولا معاهد إلاّ ان تجدوا فرساً أو سلاحاً يعدى به على أهل الاسلام، فانه لا ينبغي للمسلم ان يدع ذلك في أيدي أعداء الاسلام فيكون شوكة عليه».

    ومخاصمة اليهودي أمير المؤمنين مشهورة في التاريخ، وفي صحيخ البخاري قال: «مرّ بنا جنازة فقام لها النبي «ص» وقمنا به فقلنا يا رسول الله انها جنازة يهودي، قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا» وفي رواية اخرى فقال: «أليست نفساً»(1). ذلك هو تعامل الحكومة الاسلامية مع غير المسلمين، أما إذا قام غير المسلمين بمعارضة الحكومة فكما مرّ في المعارضة الاسلامية فان الحكومة تنظر إلى نوع المعارضة فان كانت معارضة مسالمة فان الحكومة تعالج الموقف سلمياً، «وإذا تظاهر اهل الذمة أو العهد بقتال المسلمين كانوا حرباً لوقتهم تقتل مقاتلتهم..»(2). إلاّ ان الامام علي بن موسى الرضا «ع» نهى عن شراء سبي أهل الذمة الذين يسترقّون لخروجهم على الخلفاء إذا كان خروجهم رداً على الظلم. ويروي لنا اليعقوبي في تاريخ ان الخليفة المأمون خرج لاخماد تمرّد قام به النصارى القبط في مصر، والتمس المأمون من الحارث بن مسكين فقيه المالكية في مصر تأييداً شرعياً لما ارتكبه بحقهم، فقال له الحارث: «إن كانوا قد خرجوا لظلم نالهم فلا تحلّ دماؤهم وأموالهم».(3)

    من ذلك يتبين أن لغير المسلمين الحقّ في المعارضة السلمية والمسلحة ان نالهم ظلم من الحكومة الاسلامية ولم تنفع السبل السلمية في دفع الظلم عنهم.

    خلاصة البحث

    من خلال ما تقدم من البحث يمكن لنا ان نخلص إلى نتائج اهمها:

    أولاً: ان الحكومة الاسلامية تجيز وجود المعارضة المسالمة التي توجه وتسدد الحاكم وأعضاء حكومته وتطالب بتحسين اوضاعها وتدافع عن المصلحة العامة، ولا فرق في ذلك بين المعارضة الاسلامية وغير الاسلامية، بل قد تتطور المعارضة إلى انتفاضة وثورة مسلحة ضد الحاكم ان اصر على موقفه المخالف للحكم الشرعي الذي بايعته الامة على تنفيذه. وان ذلك يكون عن طريق هيئة تسمى اهل الحل والعقد تقوم بقيادة المعارضة وتوجيهها وتنظيمها حفاظاً على الضبط السياسي داخل الدولة.

    ثانياً: ان الحكومة الاسلامية ليست جهازاً منفصلاً عن الامة وغريباً عليها، بل هي افراز طبيعي للجماعة والامة، فالامة ـ كل الامة ـ تتضمن الحكومة وتنهض واياها بتحقيق المنهج الاسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.

    ثالثاً: ان الاسلام يعتبر الجماعة التي تحكم بموجب هذا النظام وحدة انسانية بغض النظر عن طائفتها وجنسها ودينها ولا يشترط فيها إلاّ التابعية ـ وهي الولاء للدولة والنظام ـ فجميع الناس باعتبار انساني هم رعايا في الدولة الاسلامية ماداموا يحملون الولاء للدولة.

    رابعاً: ان السلطة والولاية في الاسلام ليست امتيازاً خاصاً، بل هي تكليف شرعي كفائي، فحق رئيس

    ______________________________________

    1- دراسات 2/724.

    2- الاحكام السلطانية الفراء 116.

    3- تاريخ اليعقوبي 3/159.



    الدولة مهما كانت تسميته خليفة أو اماماً في كونه مستخلفاً يساوي حقّ اي فرد آخر في هذا الاستخلاف من الناحية الشرعية، ولا تتم اقامة السلطات وتشكيلها إلاّ إذا تحرك الافراد بصفتهم مستخلفين لاقامتها عليهم، فلا محلّ لتشكيل السلطة واقامتها بغير رضا جماهير المستخلفين، اذ ما لم يتحقق اختيار الامة وتسلميها وبيعتها لم تتحقق فعلية الامامة وامكان القبض والبسط والتصرفات الولائية.

    خامساً: ان قاعدة الشورى أمر سياسي في الحكم الاسلامي.

    سادساً: ان حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في الحياة السياسية وما يستلزمه من حزب أو جمعية أو نقابة وصحافة واعلام مكفول ومنضبط ضمن حدود المصلحة الاسلامية العليا ومصلحة الدولة الاسلامية.

    وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت من رسم صورة قريبة من التصور الاسلامي للمعارضة في الدولة الاسلامية.

    (وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه اُنيب)
                  

07-15-2003, 05:54 AM

obay_uk
<aobay_uk
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 639

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: الليندي)


    الأخ الليندي

    ظننت أولا أنك نقلت الموضوع عن جهة ما ، لذا لم أشأ الرد لأنه ما من عادتي مناقشة ما لم يكتبه الكاتب نفسه ، ولكن لاحظت كثرة و كثافة الأخطاء النحوية والاملائية بل حتى في الآيات الكريمة ابتداءا من أول سطر ، فعرفت أنه غير منقول لذا أرد على ما تيسر لي ، وأنا خارج الآن في هذا الصباح للعمل لذا أصوب شيئين فقط حتى نأتي للموضوع نفسه لاحقا

    أولا الآية ليست
    عبس وتولى وإن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يتزكى

    ولكنها
    عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ، ومايدريك لعله يزكى

    ولكن أضيف لك أنه ربما والله أعلم تجد كلمة يزكى هي يتزكى في احدى القراءات الستة المتبقيه ، والله أعلم مرة أخرى ، ولكن في المصحف الذي بين يديك ستجدها يزكى بتشديد الزاي والكاف ، وأيضا لن تجد وان جاءه بكسر الهمزه ، بل أن جاءه بحذف الولو وفتح الهمزه

    الملاحظة الثانية ليس هناك من يدعى بعبدالله بن أبي مكتوم حسب علمي ، ربما تقصد عبدالله بن أم مكتوم

    أرجو ألا تخطئ في نقل الآيات ، وهي أعظم خطرا من اخطائك في لب الموضوع


    الأخ حسن الجزولي

    كيف أحوالك ؟ مازلت في انتظار قصتك عن سبب غيابك ذاك والتي قلت عنها انها أغرب من الخيال

    الأخ hopeless
    من أين آتيك بالله بوقت أقرأ فيه كل هذا دفعة واحده ؟ عايز تضيعنا عديل ، أتمنى من المهتم بالأمر أن يطبع ويقرأ

                  

07-15-2003, 08:57 AM

الليندي
<aالليندي
تاريخ التسجيل: 05-27-2002
مجموع المشاركات: 1188

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: obay_uk)

    الاخ حسن الجزولي
    شكراً ليك كثــــــير المشكلة اني في السعودية يعني ما ملك نفسي في مجتمع عبودي ملك للكفيل لكن اوعدك أني اواصل ولك خالص التحايا والود

    الأخ obay - uk
    شكراً كثيراً للتتصحيح والواو دي دخلت زايدة فشكراً لملاحظتك وقصة عبدالله بن ابي مكتوم دي انا خلطت فيها بينها وبين عبدالله بن ابي سلول زعيم المنافقين وصاح الصحيح عبدالله بن أم مكتوم وفي بعض الكتب عمرو بن ام مكتوم طبعاً ده كلو من الاستعجال حتى في اخطأ تداركتها في اللحظة الاخيرة يعني مرات بكتب سعد بن معاذ لي سعد بن عبادة اما الأخطأ الاملائية والنحوية فحدث ولاحرج اصلو انا محسي دنقلاوي فكويس الما ذكرت ليك المؤنثوانثت المذكر والمرة الجاية يا سيدي حاعمل مراجعة عامة قبل ما انزل البوست وشكراً ليك كثيراً وليك كل ودي

    الاخ هوبليس
    حارد عليك في بوست منفصل بعد ما اقرأ الكتاب النزلتو ده وشكراً لمتابعتك لكن القصد أنو القران ما حدد نظام للحكم وراثي أو ديمقراطي مدني أو عسكري اتمنى انو تكون وصلتك
                  

07-15-2003, 03:03 PM

رقم صفر
<aرقم صفر
تاريخ التسجيل: 05-06-2002
مجموع المشاركات: 3005

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: الليندي)

    اسئله الي هوبلس ومن يعتقد بنفس اعتقاده

    لم تكن حتي في زمن النبي دولة بالمعني المفهوم ، فكل
    ، السلطات - اذا صحت التسميه - مربوطه بالنبي صلي الله عليه وسلم
    وهذا بديهي ، لان الوحي ينزل اليه ، ولكن لننظر الي زمن الخلفاء وطريقة تولية كل منهم للامارة ، فابوبكر كان توليته ،فلته ، بمعني ان الظروف هي التي اختارته فلو وافق ابوعبيده الجراح علي اقتراح ابوبكر الصديق لربما اصبح هو الخليفه او عمر بن الخطاب ، بل حتي لو نظرنا للخلاف حول الخليفه واجتماع الثقيفه لوجدنا ان صراع حول من هو الخليفه هو صراع دنيوي اي صراع سياسي ، فكل ما بهذا الخلاف -الصراع- يتناقض مع الاسلام ، ولكي اكون اكثر وضوحا ، لماذا رفض ابوبكر الصديق وعمر تولية معاذ بن عباده ، لا لشئ سوي انه من الانصار بل وحتي عندما قال الانصار منا ملك ومنكم ملك ، رد عمر بن الخطاب قائلا ، منا الملوك ومنكم الوزراء ،(هل هناك طبقيه في الاسلام) فاذا افترضنا ان الدوله دينيه ، لاصبحت الافضليه في الاسلام بالتقوي هي ايضا شعار اختيار خليفة المؤمنين ، ولكن قولت عمر بن الخطاب تجعل ابي سفيان هو الاولي بالخلافه من سعد بن عباده ، رغم اسهام كل واحد في الرساله المحمديه واضح ، بل حتي اسأل لماذا نصر البعض علي بن ابي طالب ، وطالبوا بان يكون هو الخليفه ، اليس لانه ابن عم الرسول ، هذا مع اتفاقنا التام بأسلام ومساهمة سيدنا علي في الدعوه الاسلاميه .ه

    ورغم هذا اتفق مع ضرورة تولية القريشيين الخلافه ، لان من ينظر الي تاريخ قريش قبل الرساله ، لوجدنا ان حضورهم وسط العرب ، وتأثيرهم قد ازداد ، خاصة بعد معاهدات الايلاف ، اي اعطاء الامان لقبائل قريش التجاريه من الامم التي تحيط بمنطقة قريش ، وفوق هذا هي تلك السلاله التي كانت متحكمه في قريش ولها الكلمة اي جدود الرسول صلي الله عليه وسلم ، بداءا من قصي الي هاشم وعبدالمطلب ، كانت هذه السلاله بها قواد بالفطره ، وهم بالمناسبه من المؤمنين بالله (الحنيفيين)،ه
    ساكمل لاحقا
    [/rright]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de