|
Re: كلما اقتربت الشيوعية من الواقع.. ابتعدت عن الماركســية! (Re: HAYDER GASIM)
|
قراءة نقدية .... فى تيمن د. صدقي بالماركسية ( 7 من 8 )
أشار الأخ صدقي ... ( وعدة مرات ) , إلى أن ما أعرضه من أفكار حول الماركسية , ليس له علاقة بالماركسية , بل هي ماركسية تخصني , وكدت أن أقول له ( خاف الله ) ... لكن إستدركت أن الله عندهم فى مقام الشك وليس اليقين ... فلا جدوى . لقد حدث وأن كنت أتبادل حوارا مع شيوعي فى كندا , وقد دفعت من خلال هذا الحوار ببعض مفاهيمي حول الماركسية , وكما هي بين ظهرانيكم الآن , وفى معرض إستنكار هذا ( الزميل ) لمفاهيمي تلك , فقد أوضح لي أن الماركسية التي أعرضها الآن , لم تعد ماركسيته ولما تركها منذ أكثر من عشرين عاما , بمعنى أنه يعترف أنها ماركسية لكنها بالية , أو أنه ( تطور ) عليها وإكتسب مفاهيما ماركسية جديدة , أو شئ من هذا القبيل , لكنه وللأمانة وإن تبرأ من زعمي , فلم يتهمني بإختلاق ماركسية تخصني كما فعل الأخ صدقي .
طيب ... وتساوقا مع ما أتى صدقي ... فهناك ماركسية , وبالضرورة أن هناك ( نسخة ) واحدة صحيحة ومعتمدة , ما عداها باطل أو محرف أو مختلق ( كما فى حالتي ) , فأين نجد النسخة الأصل المختومة بشهادة البراءة ؟ فى صدور أي الرجال ... وفى كنف أي المراجع ... وفى رفوف أي المكتبات ؟ ألم تترفع الماركسية وبعد كل ما إندلق بإسمها , من حبر ودم إلى مصاف ( الثقافة العامة ) , كيما يتناولها كل راغب أو معني , بأريحية لا تكلفه ذما ولا ندما , أليست هي الماركسية التي بإسمها حكم الشيوعيون ثلث الكرة الأرضية لسبعة عقود ونيف , فإحتلت مكانها فى حيز التجربة بشعابها الكبيرة وتفاصيلها الصغيرة .
ليست لدي ماركسية تخصني , لكن فى تاريخي تعاسة الدخول لدنيا الفكر الإنساني والهم الوطني من بوابة الماركسية , ليست لدي ماركسية تخصني , وإنما تعلمتها جميعها من لديهم , كان أبي وبعض أخوالي وأعمامي ضمن الحضرة الشيوعية , فى قرية نائية متواضعة إسمها طيبة الشيخ عبد الباقي , وإن كان من أشرت إليهم أعلاه ينتمون لأسرة واحدة أو قل ممتدة بحكم التصاهر , فقس مستوى الأثر ( الشيوعي ) فى الرقعة الجغرافية والثقافية حيث تربيت , دخل من أسلفت الإشارة لهم إلى تلك الحلبة الشيوعية من باب إتحاد المزارعين , وعلى خلفية الأحاسيس الوطنية المزدهرة فى حقبة ما بعد الإستقلال , وفى براعة شيوعية آخذة فقد كان المدخل للفرح الوطني وللتقدم وللبسط الفكري , بل وحتى لأبسط المناولات السياسية والقضايا الديمقراطية , كان من خلال الحزب الشيوعي ومنظماته ونشاطهما وسط الجماهير , فقد كانت هذه الحقبة ذات عوائد ثورية عالية , وكانت هي الحقبة التي وجدنا فيها الكتاب الماركسي تحت المخدة , على أرفف العدة وهي تتقاسم مكانها مع الكتب , وبعض بيانات ولفافات ( غير عادية ) , نعثر عليها وما نتجاوز حيزنا العادي داخل البيت . بدأ إعجابي بالصور الثلاثة المتراصة فى مستهل كل كتاب , كارل ماركس ... أنجلز ... لينين , وأظن أن ما كثف هذا الإعجاب قلة ( الصور ) التي إطلعت عليها فى حياتي ذاك الحين , فرسخ القليل الذي رأيته فى الذاكرة . من ذاك الحين كنت مأذونا بالشيوعية وقد كان , ومن ذاك الحين وبثقتي فيمن وفر الكتاب الماركسي فى بيتنا , وبإعجابي بنشاطهم هذا وإهتمامهم ذاك , كنت أرنو للشيوعية وأطلع على أدبياتها فى أجواء عائلية ونفسية قبل أن تكون فكرية أو وطنية , ولما تلاحقت هذه العوامل مجتمعة فى إضطراد تدافعي على الشيوعية , فقد كانت فى تقديري صادقة من أول وهلة , وقد كنت صديقا كذلك , ما زادني تطور تجربتي فى هذا المسار وإرتباطاتي السياسية اللاحقة غير عزم فيما صدقت , فإنضافت لذهني معارف ماركسية وثورية متصلة , من رابطة الطلاب الإشتراكيين بطيبة الشيخ عبد الباقي , إلى ( العناية ) الشيوعية التي توفر لها أساتذتي الشيوعيين فى الخرظوم الأميرية الوسطى , إلى صفوف أصدقاء الجبهة الديمقراطية فى المقرن الثانوية , إلى الجبهة الديمقراطية فى معهد شمبات , إلى الجبهة الديمقراطية ومرشحي الحزب فى جامعة الإسكندرية بمصر , إلى ( ترشيح آخر ) ثم عضوية للحزب بالصحافة ووكالة التخطيط , إلى ( تكليف حزبي فى إتحاد الشباب بالصحافة غرب ) . إن كان فى هذا ملامح من قصة الإلتحاق فالإنفضاض كان أقسى , لأنه كان يعني وببساطة بتر المكون الشيوعي مرة واحدة من فكري ووجداني , مع كل متراكماته التاريخية والنفسية فقد كان إمتحانا عسيرا , لكن الحقيقة لا تحتمل التأخير ولا المجاملة , وفى مسعاي نحو الحقيقة هذا دفعت كذلك المستحقات العاطفية لهذا الإنفضاض ضمن فاتورة الجلاء ( الفكري ) عن الشيوعية .
فعندهم تلقيت الفكرة الشيوعية , والكتاب الشيوعي والمنشور الشيوعي والمحاضرة الشيوعية والونسة الشيوعية وكورس المرشحين لدخول الحزب الشيوعي , الأخير يقف عمادة شاهقة على أهم مختاراتهم من الفكر الشيوعي , فكانت المحاضرات الأساسية هي , لائحة وبرنامج الحزب , المادية التاريخية , المادية الجدلية , الإقتصاد السياسي , وكانت أهم الكتب التي وجب علينا الإطلاع عليها كمكمل فكري لكورس المرشحين , هي ... ما العمل للينين , خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء ... لينين , بؤس الفلسفة لماركس , وإصلاح الخطأ فى العمل الجماهيري ... دراسة حزبية . توفرت من بعد وبطريقتي وعون الحزب والرفاق لما يدعم معارفي الماركسية , فكان الكتاب الماركسي والوثيقة ا لحزبية هما وجبتي الفكرية المفضلة , فيما كنت ( أحلي ) و ( أتقهوج ) بكاتب الشونة وحساسية شيوعية وناظم حكمت وفؤاد نجم ومحمود درويش ومحجوب شريف ... على سبيل المثال . فقد كانت هذه وتلك مصادر معرفة وإلهام ما يزال يعتد يها شيوعيا , وإن لا تكن الإشارة لمصادر المعرفة الماركسية كافية للإستدلال على التسلح بها , فأحيل ( المتشككين ) إلى معرض أدائي الحزبي فى إمتداد الصحافة وفى وكالة التخطيط وفى النقابة العامة للإداريين والإقتصاديين وفى إتحاد المهنيين ( دورة ما قبل الإنقاذ ) , وإن كان هذا لا يكفي فأحيلهم لمن كانوا ( ثقاة ) بينهم , وإن لا أعرف مقدار تراضيهم مع الحزب الآن ولما تصرمت السنون وإنقطع وصلي بهم , لكنهم موضع ثقتي وإن قالوا غير ما أتوقع , منهم مصطفى نصر , الفاتح حجر , حسن محمد عثمان , حسن قسم اللة , حمزة زروق , الشيخ الخضر , محمد بابكر ... وإن تطول القائمة ... لكن هذا يكفي .
فماركسيتي الغابرة هي ماركسيتهم السائرة هي الماركسية كما قيدها التاريخ , لا يساورني شك فى هذا , مع ملاحظة أن أحكام الأخ صدقي حول ماركسيتي بناها حول موضوعات ماركسية كبيرة , وليست على تفاصيل صغيرة تحتمل الإختلاف , عموما سأتوفر لقدر من حيثيات حكمه ( الجائر ) علي , وأحاول أن أبين وجهة نظري فيها مجددا . لقد ( أقالني ) الأخ صدقي بقرار من عنده عن دائرة المعارف الماركسية , لأني سلطت الضوء على علاقة الماركسية بالإلحاد , ولأني أكدت على أن الماركسية ليست للتداول والتقرير النسبي وإنما لتكون بموجب حتميتها التاريخية , ولأني إستنقبت مسعاها ( أي الماركسية ) فى إعادة ترسيم خطى التاريخ البشري , وصياغة مآلاته حتى منتهاه عند المجتمع الشيوعي كخاتمة للمطاف , عبر الصراع الطبقي والعنف الثوري .
أولا ... ليت الأخ صدقي يعي المغزى من إهتمام الماركسية بموضوعة أسبقية المادة للروح , ونعت الماركسية لها ب ( المسألة الأساسية ) فى الفلسفة , ومع أنها قضية فلسفية فى المقام الأول تستقصد الحكمة لا سواها , لكن التدافع الماركسي وضعها فى صدارة قائمة المهمات الفلسفية , ومنحها لقب ( الأساسية ) فى ترقيم غير معهود للمعارف الفلسفية , فإن كان معشر الفلاسفة المتناولين لهذا الموضوع يطمحون فى إستقصاءآت فى حدود الفلسفة , فماركس كان يطمح لتسخير المعارف الفلسفية لخدمة مشروعه الإجتماعي , وإن كان فى هذا وبأي شكل من الأشكال تحميل ( سياسي ) على الفلسفة , فهذا ما يتساوق موضوعيا مع ظاهر التحميل الديني فى السياسة كما يشهد بذلك عالم الأمس و اليوم , مع ملاحظة أن ماركس إستقدم المادة على الروح , لا ليهزم مفهوم إستغلال الدين فى السياسة فحسب , وإنما ليستأصل مورد التفكير الديني من أساسه وإن تكلف ذلك إستئصال الإله , فالشاهد أن كارل ماركس أحال حقل الفلسفة إلى حلبة لصرع الدين ومورده الخفي على السواء , ومع أن ماركس يعترف لهيغل بتوقيع وإرتصاص مفاهيم مادية تؤسس لمنهاجية جدلية , ومع أن هيغل نفسه توقف بمشروعه الفلسفي عند باب الإله أو القوة العظمى الخفية , ونسب إليها فضل التأسيس وضربة البداية , فهيغل لم يقرن إستنتاجه هذا بثمة تفويض إلهي لإدارة الكون , بمعنى أن ( مثالية ) هيغل لا تتطابق بل ولا تعترف بمثالية التفويض الديني لتصريف شئون الحياة , فهذا ما يتقاطع ومنهج هيغل نفسه , ومع أن تفكير هيغل يعتبر محطة لترتيب ( الحيرة ) فى خضم عالم متداخل معقد عصي الفهم , لكن حكم ماركس عليه وضعه فى خانة ( مثالية ) تجمعه مع أباطرة المثالية الدينية , وتطرحه من مصاف الإجتهاد الموضوعي ... وكأنك يا أبزيد ما غزيت .
أسبقية المادة للروح فى الماركسية , تعني منح القوامة للمادة , لتحتل الروح مقاما ثانويا لاحقا وملتحقا بالمادة , والغرض الماركسي هنا بسيط ومباشر , بإعتبار أن ( تقزيم ) دور الروح يعني بالضرورة إقصاء المناخ الروحي والقوى الروحانية فى تفسير أمر الكون , ليعود هذا التفسير ماديا كما تود الماركسية , بمعنى أن دورة حياة المجتمع البشري والطبيعة تبدأ وتنتهي بالمادة , وماركس يعتقد بهذا أنه ( قوم ) منهج هيغل , بتخليص هذا المنهج من الفرضية المثالية التي توقف عندها هيغل , (بتسليمه ) بأن منهاجه لا يمكن أن يسع كل شئ , وإقراره بثمة قوى وراء الطبيعة تتوفر لهذا الدور بإجتراح المبتدأ , وإن تجاوزنا عن تبعات المنظور الماركسي بتقديم المادة على الروح , وما يترتب عليه من أسئلة متعلقة بكيفية ( إنبثاق ) الروح عن المادة , و ( إخراج الحي من الميت ) , وإستقلال المادة ( موضوعيا ) عن الإنسان , رغم أن الإنسان ليس حامل الروح الوحيد بين الأنعام والخلوق , فيظل التفسير الماركسي مستهدفا غرضا أساسيا , هو تبرئة الكون ومجراته والحياة وخصائصها والطبيعة وإنساقها من فكرة الإله , ويصح هنا الملخص المنسوب للماركسية فى هذا الصدد ... أن ( لا إله الحياة مادة ) , وتتساوق فى الإثر المقولات ذات الصلة , الداعية ( ماركسيا ) لتأصيل الفهم المادي للكون , والراجمة للموقف والتفسير الدينيين جملة وتفصيلا , فماركس لا يعتد بالحديث عن الإستغلال السياسي والإجتماعي للدين , وإن كان هذا ظاهرة تستحق العناية , لكنه يتابع الظاهرة حتى أعمق جذر فيها ( الإله ) , ويجتثه بدعاوي فلسفية وليس سياسية أو إجتماعية فحسب . لا أرى أوضح من هذا الموقف ولا أيسر من فهمه وسيلة وغاية , ولا سبيل تحت شمس ماركس الساطعة للإستخباء ولإعادة منتوجه الفكري بما لا يتوافق مع ما إرتأى , وبما لا يتصل بما حزم عليه أمره , كما هناك ملاحظة مهمة ترتبط بالأجواء الفكرية والسياسية والنفسية , التي إستولد فى إطارها كارل ماركس ورفاقه أفكارهم ونظرياتهم المنتهية بالماركسية , فقد كانت أجواء ( ليبرالية ) تخيم عليها أشرعة الحريات العامة والشخصية , على ظلال الثورة الصناعية ومنتوجاتها ( الرأسمالية ) الرافعة للكلفة الفكرية والسياسية , فكان الإلحاد والتعبير عنه في تلك البيئة أمرا مشروعا لا تعقبه فرية ولا جنية , وهذا ما وفر لماركس ولسائر رواد الماركسية الأوائل , أن يدلو فى أية موضوعة بكامل دلوهم , من قعر البئر إلى الحلوق البشرية المستهدفة , أعلم أن ليس كل البيئات الإجتماعية والسياسية والنفسية تتطابق مع ما ذكرت , كما أعلم التعقيدات الناجمة عن ( إحتمال ) الترويج للإلحاد فى مجتمعات متدينة محافظة كما حال مجتمعنا السوداني , مع هذا فلا أقبل التدليس فى قضية فكرية محورية , للماركسية من ناحية إختيارها لما يستوفي قناعتها , وللراني للفكر الماركسي وتبعات إنفضاضه عن قناعاته الدينية , قربانا لإنتمائه الماركسي المزمع , فهنا لا تستوي الإمور ولا تعاير بموازين السياسة والأمر فكري جوهرا وإهابا , كما لا أقبل الإستعطاف السياسي خوفا من ردة الفعل الآبقة لتمرير قضية فكرية مفصلية , كما لا أقبل تخفيض أمر يحدد علاقة المرء بالدنيا والآخرة مقابل توازنات سياسية آفلة , كما لا أقبل تحدير الرقاب لقناعة بفكرة أيا كانت , ما ظل السلم هو ديدن بعثها ووقفها , ولأن أمري هنا يخص الشيوعيين السودانيين , وفى ظل الفرضيات السالفة فأرى أن عليهم , أن يتخلوا فكريا وعمليا عن نهج العنف الثوري والعسكرى , وإن دعا الأمر لمراجعات جذرية فى مرجعيتهم الماركسية , مقابل أن يتحمل المجتمع معهم أكلاف دعواتهم الفكرية والسياسية , طالما الحسنى هي الوسيلة , و أن يعترف الشيوعيون بأن الماركسية تدعو للإلحاد , فالأمر فى قيمته الفكرية وفى تكوينه ضمن الماركسية كما الإشتراكية والصراع الطبقي يعني من أساسيات وثوابت الماركسية , وهنا لا أشتري ما زعم الأخ صدقي فى قوله , بأن من إختار الماركسية لتبرير الإلحاد فهذا شأنه وخياره , أما نحن الشيوعيين السودانيين فقد إخترنا الماركسية لفهم الواقع وتغييره , فهذا عرض بوار لا يحترم الماركسية ولا المجتمع السياسي السوداني كذلك , بل وعلى أقل تقدير فيمكنه التحدث عن نفسه , لكنه لا يمكن أن يدعي أن الشيوعيين السودانيين ( مجتمعين ) يتأففون عن الإلحاد هكذا , فمستقر الإيمان والإلحاد هو القلب , وما صدقي بعلام للقلوب , فهذا تعميم ( إضطراري ) هزيل لا يقيم حجة بقدرما يسامر مسخرة .
ثانيا . .. نعم , الماركسية لعضو الحزب الماركسي ولمن يود أن يعلمها , ليست للتداول والتقرير النسبي , وإنما للتسليم والتأمل والتنفيذ , ربما يرى الناس فى هذا الحكم غلاظة وغربة , لكنه حكم صحيح لا محالة , وإثبات صحته لن أقوم به بمفردي حتى يزدريه صدقي ومن معه , وإنما سأحيلكم جميعا لمسرح التجربة , تجربة الحكم الشيوعي التي عمرت وإنقضت وشهود العيان أحياء يرزقون , ما يزالون يدونون على مفكرة التاريخ حيثيات الحكم الشيوعي , ولعل أصدق دليل على التسليم بالماركسية , ولما كانت هي الحادي النظري والمعنوي للتجربة الشيوعية الغاربة , هي إحتياج الماركسية الموضوعي مقرونا بمقتضيات الواقع للتعديل وإعادة التقييم , ليس لمصلحة هذه القيم فى حد ذاتها الإنسانية وإن كان هذا فى حد ذاته حميد , لكن لمصلحة الماركسية وهي تقود قواها الإجتماعية الواصلة للسطلة على طريق الحكم وتنزيل الأفكار والقيم الشيوعية على الأرض , ولمصلحة الحكم الماركسي ولما كان حري به أن يوفر لنفسه ضمانات وآليات النجاح , لكن ما الذي حدث ؟ ما حدث هو تمسك الشيوعيين بأمهات الأفكار الماركسية خصما على ضغوطات الواقع ونزوعه للمواكبة والتغيير , ف ( كنكش ) الشيوعييون فى السلطة , بإعتبار أنها سلطة الطبقة العاملة وهذه دعوى ماركسية , وفرضوا نظام الحزب ( الشيوعيى) الواحد على مجتمعاتهم , بإعتبار أنه الحزب المؤهل لبناء الإشتراكية على طريق اللا عودة , وهذه دعوى ماركسية كذلك , وأصموا آذانهم عن صخوب إيقاع الديمقراطية وعن إرادة الناس , وأقنعوا أنفسهم ( دون أن يقنعوا الناس ) بأن الديمقراطية بدعة رأسمالية , وهذه دعوى ماركسية كذلك , وأداروا الإقتصاد القومي والقطاعي والإقليمى والمحلى من الألف إلى الياء عن طريق الدولة وأذرعها الإشتراكية , وقفلوا الطريق كليا أمام القطاع الخص والإستثمار الفردي , بإعتبار أن فى هذا قفلا للطريق أمام الملكية الفردية , وهذه دعوى ماركسية كذلك , كما أدغموا القوميات والخصائص القومية قهرا وعسفا فى جسد الدولة الإشتراكية , بإعتبار أن حل المسألة القومية يكمن فى النظام الإشتراكي , وهذه دعوى ماركسية كذلك , كما إحتشدت المنظومة الإشتراكية فى كينونة عالمية ذات آيدولوجيا وترسانة عسكرية , إستعدادا لمعركة ثورية عنيفة حاسمة و لامناص منها مع الرأسمالية , وهذه دعوى ماركسية كذلك . فعلى ضوء ما سلف وإن يقل عن التجربة كما حدثت وكثيرا , فلا شك عندي أن الشيوعيين يأخذون الماركسية أمرا مسلما به , يعلو على الشبهات وعلى الواقع والموضوع .
ثالثا ... , الحتميات الماركسية من صنع الماركسية وليس من إجتراحي , وإن كنت الآن أعاني كل هذا العنت لإثبات رءوس مواضيع ماركسية عالية معلومة وتنتمي لقلب الثقافة الماركسية , فكيف أجرؤ على إتهام الماركسية بما ليس فيها ؟ أسفي المر يستدر من مصدر البهتان , الأخ صدقي والذي أعلم أنه ( يعلم ) حتميات الماركسية وتماما , عبارة سائغة تتخلل كل مقولة وفكرة ماركسية , لكنه الآن لا يعتبرها ولا ( يقتبسها ) بالمثل , فإحتباسه السياسي الراهن يقلل ويشوه من مناولاته الفكرية , بل يقدح فى ذمته الفكرية للأسف , فصدقي كما أخال قد دخل الحزب الشيوعي من بابه العالي , باب الفكر موشوجا بعرى الأمانة ومتحلقا فى عوالم الكبرياء والرصانة , لا يخالجني شك وهو الذي يروم المعرفة الماركسية بوفرة ودقة إقتضاها وضعه التاريخي , ككادر حزبي جماهيري , أنه مر على مفهوم ( الحتمية التاريخية ) مئات المرات فى عمره السياسي , صحيح أن كان ذاك زمان التسليم والإثبات , لكنه اليوم وبدلا من أن ينتقدها فإنه ينكر وجودها أصلا فى الأدب الماركسي , بل يزدريها صنيعة تقصر إلى قامتي , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أعتذر أحبائي القراء .... فسوف أعرض عليكم الحلقة الثامنة والأخيرة من هذه المداخلة ... أربعاءنا هذا , إذ ( أفط ) يوما ... ولما ( تناططتني ) فى أمري بعض عوارض ... وبعد غد بإذنه ألتقيكم .
|
|
|
|
|
|