|
|
 عازف الناى و هزيمة الموت!.....الاستاذ. عدنان زاهر
|
عدنان زاهر
[email protected]
عندما وضع الشانق المتجهم الوجه بمهنية عالية يحسد عليها، الحبل حول عنق " سينا بايمارد " الايرانى الجنسية، البالغ من العمر ثمانية عشر عاما، ذكر لشانقيه بصوت خافض و منقبض " هل يمكن ان طلب شيئا أخيرا؟ " ووفق على طلبه بتضجر، فأمر باحضار الناى الذى كان لا يفارقه وبدأ فى العزف. انداحت الموسيقى كشلال حزن ، فأدهشت الحياة ، المشاهدين الرابضين و المتلهفين لراحة الانتقام. حين تلاشت آخر نغماته و أزاح الناى عن فمه، أمر أهل القتيل بتأجيل اعدامه.
بايمارد عازف مبدع للناى ويقال أن الناى كان يبحث عنه احيانا ليستمتع بدغدغة اصابعه المرهفة وهى تداعبه. عندما ارتكب جريمته باغتيال تاجر المخدرات كان فى السادسة عشر من عمره، قال فى دفاعه و هو يواجه المحكمة انه مدمن على المخدرات و قد داوم التاجر على ابتزازه و استغلاله. بايمارد لا زال ينتظر قرار السلطات القضائية الايرانية بعد ايقاف اعدامه و التى تواجه بضغوط منظمات حقوق الانسان فى العالم الداعية الى الغاء عقوبة الاعدام فى مواجهته.
دون الدخول فى مناقشة الدفاع الذى ساقه بايمارد او حيثيات حكمه، فالقضية تدفع الى الامام و بشكل حاد مشروعية عقوبة الاعدام و مدى ملائمتها و مسايرتها لركب التطور فى مجال حقوق الانسان، ذلك نقاش يهمين بقوة على اجندة المنظمات المهتمة بالقانون الدولى و الانسانى. سبب آخر يدفعنا الى تناول الحدث و ذلك ان يوم 10 اكتوبر القادم وهو اليوم المكرس لمناهضة عقوبة الاعدام فى العالم- الذى يوافق الغاء عقوبة الاعدام فى الولايات المتحدة عام 1786- قد خصص هذه المرة من قبل منظمة العفو الدولية و 54 منظمة اخرى اهلية لمناهضة عقوبة الاعدام فى افريقيا.
- عقوبة الاعدام تتعارض و مبدأ الحق فى الحياة، كما انها من العقوبات المتسمة بالوحشية و القسوة التى لم تواكب تطور البشرية. التقارير الراصدة بدقة و اهتمام من قبل المنظمات الانسانية الشعبية لعقوبة الاعدام ، تؤكد ان عقوبة الاعدام لم تثبت اتها عقوبة رادعة تمنع الجريمة. كما اثبتت تلك الدراسات ايضا ان بعض الدول التى تنص قوانينها على عقوبة الاعدام ترتفع معدلات جرائم القتل لديها اكثر من تلك الدول التى قامت بالغاء عقوبة الاعدام. مثال لذلك كندا فهى قد قامت بالغاء عقوبة الاعدام عام 1976، كانت نسبة معدلات الجريمة قبل الغاءها 3،09 و تراجعت عام 2003 الى 1،73 .
- بعض الاراء تقول ان عقوبة الاعدام ليست اكثر ردعا من العقوبات الاخرى و هم يعتقدون ان عقوبة السجن المؤبد تفى بنفس الغرض، كما ان العقوبة فى الاصل القصد منها الاصلاح و التفويم و ليس الثأر و الانتقام.
- ان عقوبة الاعدام لا يستطيع جبر ضررها بعد تنفيذها، و من الاحصائيات المدهشة انه فى الولايات المتحدة لوحدها و منذ العام 1983 قد تم اطلاق سراح 117 سجينا بعد ظهور أدلة على براءتهم من ارتكاب الجرائم التى حكم عليهم فيها بالاعدام ، بعض منهم كان على قاب قوسين او أدنى من الاعدام و ذلك بعد ان ظلوا لسنوات و هم يلهثون تحت وطأ حبل المشنقة الماثل امام أعينهم .
- الاحترام و التقدير الشديد لأسر الضحايا و اصدقائهم و معارفهم ، كما لهم الحق فى معاقبة من ارتكب الجرم، لكن بالرغم من ذلك فالاعدام لن يخفف طعم الالم و المعاناة.
الانسانية فى سعيها الدائم فى ارساء حقوق الانسان و التطلع المفعم بالامل فى اقامة مجتمع انسانى حقيقى، اقتطعت جزء كبير من وقتها لمناهضة عقوبة الاعدام و تمثل ذلك فى الاتى:
1) تحظر الاتفاقيات الدولية اعدام الاطفال او الاشخاص اللذين لم يبلغوا الثامنة عشر. جاء ذلك المنع فى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، اتفاقية حقوق الطفل والميثاق الافريقى لحقوق الطفل ورفاهه، الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان.
2) البرتكول الاختيارى الثانى الملحق بالعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.
3) البرتكول الملحق بالاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لالغاء عقوبة الاعدام.
4) البرتكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الانسان و الحريات الاساسية.
5) البرتكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الانسان و الحريات الاساسية.
تورد منظمة العفو الدولية الارقام التالية حول وضعية عقوبة الاعدام فى العالم وهى كالاتى:
هنالك 84 دولة و منطقة الغت عقوبة الاعدام بالنسبة لكل الجرائم، و 12 دولة الغت عقوبة الاعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب كما ان هنالك 24 دولة الغت العقوبة عمليا لكنها تحتفظ بعقوبة الاعدام فى القانون لكنها لم تنفذ أى عمليات اعدام طوال السنوات العشر الماضية او اكثر و يعتقد انها تنتهج سياسة او لديها ممارسة تقضى بعدم تنفيذ عمليات الاعدام و ذلك يرفع عدد الدول التى ألغت عقوبة الاعدام فى القانون و الممارسة الى 120 دولة.
تقول الاحصائيات انه خلال العام 2004 أعدم ما لا يقل عن 3796 شخصا فى 25 دولة، و حكم بالاعدام على ما يقل عن 7315 فى 64 دولة. تعتبر هذه الارقام ارقام دنيا لأن الارقام الحقيقية أعلى بكثير. تضيف الاحصائيات التى اوردتها منظمة العفو الدولية ان فى عام 2004 قد تمت عمليات الاعدام المعروفة فى الصين، ايران ، فيتنام و الولايات المتحدة الامريكية.
بالطبع الصورة محزنة و مخيفة، كما ان الدعوة لالغاء عقوبة الاعدام مقنعة فى حيثياتها و متماسكة فى منطقها مما تجعلنا نتضامن مع تلك المنظمات ، كما نتضامن ايضا فى الدعوة لالغاء عقوبة الاعدام على عازف الناى الايرانى " سينا بايمارد" الذى هزم الموت بابداعه .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست