حيث كان القمر يشهد ,,,

حيث كان القمر يشهد ,,,
اذ بالازقة تميل وتلتوي , لا تلوي عن شيء في نفسها ,, تستتر وراء ثنياتها على استحياء , يبتلع بعض منها بعضها الاخر ,, حسنة النوايا , رغم اتربتها , لا تضمر لنا سوى الوصول , حيث دائما نبدأ ,, لم تشأ يوما اعوجاجا , هكذا وجدت , كأنما كتبت البيوت اقدارها , بيوت مائله متراقصه , تشرئب بأعناقها من كل صوب , معكرة على الازقة استوائها ,, تطول وتقصر بلا مبالاه , وتغور الازقة عمقا , لتنحت وجه القريه , شلخا في وجه كهلا مبجل , في سحنته ملاحه ,, تخيط الازقة جرح القرية المفتوق , فلا يسعنا سوى الامتنان , نعلو ونهبط حيث يأمرنا الطريق , نجيب عيون البيوت المتسائله بما لا يعنيها , بالصمت ,, وربما تسترق بعض السمع لحديثنا , حيث نمضي , ولا نلقي لفضولها بالا ,, يتابعنا الفضول حتى منتهاه , ثم يتركنا لشأنه , فربما اهتاجت النيران تحت الاناء المملوء بلبن البقر الطازج , فاحتج اللبن وثار وانتشر , ليملأ ما تبقى منه كؤوسا جوعى تملأ بطون اطفال صغار ينتظرون العشاء ليناموا باكرا ,, عيون كثيره تطل من هذه البيوت عبر كهارب ضوء صفراء محترقه كاللهيب , او بيضاء كئيبه ,, تجعل القريه ليلا ثوبا حالك السواد ترصعه بعض احجار منثوره هنا وهناك ,, تجعل القريه تشبه السماء , سوداء ترصعها نجوما اكثر وضوحا منها في المدينه , فكأنما هي مراه القريه , تحكم بها صاحبة الثوب الاسود وضع جواهر ثوبها , لتزيد حلتها القا ,, تأخذنا الازقه حيث تشاء , نصادف في طريقنا (رقيه الطرشاء) , او هكذا يدعونها , حاملة ماعونها المليء بلبن البقر الطازج عائدة لعيالها بعشاءهم الدسم ,, انها قريه تقدس اللبن الطازج !! ترحب بنا رقيه ايما ترحاب , حتى تكاد تدعونا الى شرب بضع رشفات من انائها ,, تحيينا بالايماءات والاشارات الكثيره , والعن خرسها الذي منعها من قول ما اكاد اسمعها تقول ,, نفهمها وتفهمنا ,, نبتسم وتبتسم , ويمضي كل في طريق ,, يقولون انها ماتت ,, يرحمها الله , لم اعد اذهب الى ذلك المكان منذ زمن بعيد ,, لكني اذكرهم جيدا ,, تمضي بنا الطرقات نحو اطرافها المتسعه , المتراميه على مرأى الافق ,, ملتحمة بلا حدود , يؤازرها انعدام البصر , وكأنما هي نهايات الكون ,, ويبدأ حديث الروح ,, ويأخذ الشهيق والزفير مجراه ,, عندها تناجيك لغة الارض , بحوارها الصامت , وحروفها الرطبه , وندائها المعسول ,, نسارع دون مقاومه للتخلص من احذيتنا , لتبتلع اقدامنا حبات التراب الندي , بذراته المكوره , المتفتته احيانا , بشوق طفولي ,, نظل نتوغل وننغمس اكثر واكثر في تلك الحقول , تحيطنا اعواد خضراء طويله باوراق رفيعه متناثره ,, هي بدايات لم تكتمل لقصص كفاح وعرق تمتد مع بدايات النهار , ولا تصمت الا حين تغدو الشمس وعدا بغد قد يأتي ,, ابطالها مزارعون , وكما قال حميد ,, شغلتم الضراع ,, تختارنا احدى البقاع على ذلك المسرح المفتوح , نتخذ مجلسنا ليختارنا بعدئذ الحديث ,, تبدأ الشجون بفك ازرارها , كأنما عادت الى منازلها بعد عناء يوم طويل وشاق ,, كأنما تريد الاستحمام , شرب كوب من رطوبة التربه , والاستلقاء ,, فمرة تغني احدانا بلا قصد , نصمت الا من صوتها, وبعض مخلوقات الليل التي تعلو تلك الاعواد الخضراء ,, ينزلق بها الغناء , الهدوء , الليل , صمتنا , وذلك الشجن يملؤها , الى مناجاة روحها وحلمها وذكرى الغد , على مسمع منا ومرأى ,, ندرك ان صوتها جميل ,, وتدرك هي بعد برهه , اننا اوقعناها في الفخ , لتصمت فجأه ,, ثم ننفجر جميعنا بالضحك , والضجيج ,, ومرات اخرى , تأخذنا الحكاوي والقصص , لتخبرنا احدانا , كيف تسللت في صغرها من البيت , متنكره , ملتفه بالثوب لا تكشف سوى عينيها , معارضة اوامر (حبوبه) بالمكوث بالبيت خوفا عليهامن العين (لانها سمينه وبيضاء) , يدفع بها الفضول لرؤية تلك المرأه الاسطوره التي حضرت من احدى القرى المجاوره , مسكلة مولوله , من حيث انزلتها العربه وحتى بيت العزاء , راكضين خلفها الاطفال الحفاه , المتعجبين لامرها وعويلها المفتعل ,, وسرعان ما ذاع صيتها في القريه , لتتمركز في الحوش الكبير وتمسك براية البكاء مسلطة عليها الاضواء , وتأخذ في التمايل يمنة ويسرى , وقد انتفش شعرها المصبوغ بدم الحناء , وهي تصف المرحوم الذي وجعها موته ,, وكيف انها استمرت في الحملقه في تلك المرأه الرمز من زاويه بعيده في احد اركان (بيت البكا) , وكيف ان (الحبوبه) بقوة ملاحظتها ورغم ادعائها ضعف البصر , امسكت بها واقتربت منها تخيفها بصوت خافت انها ان لم تغادر ستصيبها العين لتغدو شبيهه بتلك المرأه الاسطوره , وكيف انها ومن سذاجتها ذعرت وخرجت مهروله ,,, ومرات اخرى تتراهن اثنتان منا على ايهما ستتزوج قبلا ,, واحيانا نرسم اقدارنا ,, واحيانا نبكي اخا لاحدانا مات في الجنوب ,, واحيانا قد نصمت ,,, والقمر دائما يشهد ,, لا يمل الانتظار ,, يستمع لحكايانا ويشاركنا الشجون ,, ونسعد لتربصه بنا ,, يضيء طريق عودتنا بعد ارتواء عطش النفس , وافراغ ما بالجوف ,, نسلك الدرب ذاته عند الرجوع , يتناقص عددنا تاركين واحدة امام بيتها كل مره ,, حتى لا يبقى سواها ,, صديقتي التي يلاصق بيتها بيتي ,, نتعشى بعد كل رحله في احد بيتينا , فاللبن الطازج وافر دائما ,, ودائما ينتظرنا ,, (ساره) , صديقتي التي كسبت الرهان , وتزوجت قبلي , وانجبت طفلان , ولم ارها منذ ازمان بعيده ,, ما زال القمر يتربص بها ,, ويسعدني ان اعود , لارقب القمر من هناك ,, وليتربص بي ,,, ...... اهدي هذه الشجون لكل القرى النقيه البعيده على ارض وطني الحنين ,, ولتلك القريه الخضراء التي انجبت امي ,, ويعذبني شوقي لها ,,, نبراس هشام شيخ الدين جبريل ,,,

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]