|
Re: من أجمل ما كتب شوقي بدري عن أم درمان (Re: وجدي الكردي)
|
عن مقاهي أم درمان نحكي يا بت هووي: ورينى النص حقك في الولد دا ياتو؟! شوقي بدري (1) فى العام 1964م، ظهر (فتوة) ودمدنى الأكبر (عويض) الذى ذاعت شهرته كل السودان، وكان مشهد رؤيته وهو يضع على رأسه (الكسكتة) فى الليل، مع جسده الضخم يثير دهشة الناس ورعبهم، رغم مناشدة صديقى الملاكم (كيكس) له بخلع (الكسكتة) فى الليل ومجالس اللهو. وعويض هو ذات الرجل الذى أصاب الرئيس الأسبق نميرى بشج فى رأسه حين كان النميرى طالباً في مدرسة حنتوب الثانوية، لكنهما تصافيا وصارا أصدقاء، إلا ان النميرى إنتقم منه لاحقاً حين صار رئيساً للسودان. (2) فى قهوة (شديد) مات (عم الشيخ)، وكان فى السبعين من عمره بلحيته البيضاء الدائرية، وتم إتهام (ود النوبة) وآخرين بقتله، لكن افرج عنهم بعد ان اتضح ان الوفاة طبيعية.. كنت أجلس يوماً في قهوة شديد ومعي (ود عجيب)، فحضر (عم الشيخ) إلى القهوة وجلس بعد أن سلّم علينا، ومن فرط هيبته وشيبته، (قرص) أحد الشباب سجارته تأدباً.. وعندما طلب (عم الشيخ) الفوطة التى يستعملها (الركّيب) لغطاء التربيزة، ثم أخرج الكوتشينة من جيبه، التقط الشاب سجارته التي (قرصها) بعد ان سب (الشايب) سراً.. فضحكنا لحُسن ظنه في الرجل، وضحك معنا (عم الشيخ) نفسه ..! (3) (الركّيب) كان يدفع ثُلث الربح للمعلم، والركّيب قد يكون عنده (ركّيب ركّيب)، أو ركّيب صغير يدفع له (النُص) وهو يرفع (نُص النص) للمعلم، وكان هنالك اربعة (ركّيبين) فى قهوة (شديد)، أحدهم عزيز الذى نسي الفوطة على الطاولة، وهذا يعنى انه مسؤول عن الخسارة أو الربح، ما جعله يطلب منا الرجوع من (ود نوباوي) بسرعة، ولحسن حظه وجد (الخميرة) ــ وهى رأس مال (الركّيب) ــ قد زادت خمسة وسبعين قرشاً..! هؤلاء الذين يرتادون المقاهى من المنفلتين، كانوا ملتزمين بالولاء والوفاء، يتعاملون مع بعضهم البعض بشرف وأمانة رغم انهم (مجرمون) .. ومجتمعهم لا يخلو من الطرائف والمفارقات اللطيفة، فعندما سافر (شديد) مع (العربي) للحج، تركا القهوتين المتجاورتين للمعلم قدورة، وبعد عيد الاضحى كان العمل متوقفاً في السوق، فقل قدورة قولته الشهيرة: (انا معلم قدوره ما لاقى رزق بين قهوتين)؟! قالها على غرار: الدوده تجد رزقها بين حجرين..! (4) كان يأتى لــ (قدورة) القائم على أمر القهوتين، أحد الشحاتين الملحاحين اللذين لا يقتنعون بأن (الله كريم)، و يقول: ــ آآى.. أنا عارف الله كريم، لكن برضو أدونا حاجه..! فى أحد الأيام تجاهل المعلم قدروة الشحات، فلكز الشحات قدوره قائلاً : ــ عندك حاجه لى الله؟! رد عليه قدورة: ــ آآي.. انت ماشى ليهو متين؟! (5) المعلم قدوره كان شجاعاً، احتد مع قاضي قال له: ــ انت راجل (وسخ)، فقال المعلم قدوره: انا معلم قدوره بستحم مرتين فى اليوم.. انتو فى بلدكم حمامات ما عندكم .. وانتهى الامر بالمعلم قدوره الى السجن. قدورة كان من اكثر الناس اناقة، وعندما شاهد ولده فى الشارع متسخاً اخذه لداخل الدار ووضعه على الطاوله ونادى والدته بعد ان اخرج السكين، قال لزوجته: ــ ورينى النص حقك في الولد دا ياتو، عشان انا نصى عاوز اشطفوا وانضفو.. ما ممكن الولد الوسخان ده يكون ود المعلم قدورة..! (6) (طافى لمبه) ، أحد اللذين كانوا يجلسون فى المقاهى، وهو رجل كريم العين قاسى الملامح (ما يقال عليه صارم).. عندما كان الدكاترة: مختار الشيخ ومختار عبد الله يتخصصان فى براغ، سمعتهم يتحدثون عن قصه شنقه فى سجن كوبر، عندما كان دكتور مختار يعمل فى السجن، وعندما كان (طافى لمبه) يجلس فى احد (الانادى)، كان ثلاثه من الموجودين يشربون الخمر وبدأوا بالتعليق على عينه المفقوءة، والسخريه منه امام صاحبة الانداية، وعندما خرج احدهم للبول في الشارع، لم يرجع.. وعندما لم يرجع الثانى بعد فترة، أحس الثالث ان فى الامر شيئاً مريباً فبدأ فى الصراخ وتجمع الناس وقبضوا على (طافى لمبه). (7) عندما نكون فى طريقنا الى قهوه شديد من أي مقهى آخر، ويسألنا شخص ما: ــ ماشين وين؟! كنا نكتفى في الرد عليه بعبارة: (عرشو سما).. والمقصود به كما اوردت من قبل، ان الغرفه الداخلية فى مقهى (شديد) كانت بلا عرش كمنفذ للهواء، وفى هذه الغرفة كان يجلس المعلمين وكبار (الركّيبين).. أحياناً كنا نقول لمن يسألنا عن وجهتنا: ماشين (لبنو برّة)، لأن (قهوة شديد) كانت الوحيدة فى ام درمان التى بييع الشاى فى كبايتين: كباية مليئه بالشاى الاحمر، وكباية فيها حوالى قيراطين من اللبن حتى يضيف من يرغب اللبن حسب مزاجه. (8) من الاشداء اللذين كانوا يجلسون فى المقاهى، الملاكم (زروق) وصديقه العملاق (فيصل) وعُبد (بضم العين) الذى كان قوياً بشكل لايوصف.. وحدث يوماً ان صادفه شحات ملحاح لم يرد عليه العملاق (عبد)، فدفعه الشحات فى خاصرته فانتبه مزعوراً وقبض الشخاذ من يده التى انكسرت كأنها (قشه كبريت)...! لفترة طويلة شاهدت فيها كان (عبد) يمر علينا وهو يحمل دجاجه كى يطبخها فى المنزل ويأخذها للشحات طريح المستشفى بعد ان كسرت يده, كما كان ياخذ له الترمس ليشفي واعطاه مبلغاً من المال.. (9) من زوار المقاهي أيضاً، إبن حى السروجية حسون الذى كان ضخماً ويبدو كقاطرة بشرية، وفى تمارين الملاكمة وجه ضربة لــ (فيصل) الذى صار فيما بعد صاحب اجمل الاجسام فى حمل الاثقال وكمال الاجسام، وعندما تفادى فيصل الضربة بالرغم من قوته، انكسرت يده..! فيصل أصبح لاحقاً من فناني الحقيبة، وحسون صار فيما بعد (شيالاً) لميرغنى المأمون واحمد حسن جمعة، وانتقل حسون الى السعودية ومات هنالك كما عرفت من اخى عبد لرازق اسحق الشهير بــ (ابو رزقة) ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|