شكرا أبو الريش فأنا عادة ما استمتع جدا لما نجدي، يآخد مسطرينه، ويبدأ يشتغل في مجال ابداعه.
وكتابة سمحة أخرى: فيلم الأسبوع...فيلم ذهب GONE
في العادة أذهب لمشاهدة الأفلام بعد عملية بحث قصيرة أقرر بعدها إن كان الفيلم يستحق المشاهدة أم لا، وللأمانة ذهبت للسينما ذلك اليوم لمشاهدة فيلم الراعي الصالح جود شيبرد للمرة الثانية فالفيلم من بطولة الممثل مات ديمون، وإخراج فرانكو دي نيرو الذي أدي دوراً قصيراً في الفيلم، ويتعرض لموضوع غاية في الأهمية وهو موضوع الولاءات العمياء، ويستحق المشاهدة أكثر من مرة خاصة، وهو يعرض في سينما الرويال بلازا - التي توفر مشاهدة سينمائية غاية في الإمتاع، ولسبب ما وجدت نفسي منجذباً لمشاهدة فيلم ذهب أو رحل ربما يكون لأفيش الفيلم عامل في ذلك، وقررت إن أشاهده وأن لم يعجبني الحال فسأرحل بدوري، وكانت المفاجأة انني أمام فيلم استرالي ينزع إلي التجريب ويفرض عليك أن تعامله باحترام وجدية، ويستحوذ بالكامل علي قلب وعقل ووقت مشاهديه، تحمست لمشاهدة الفيلم لأن حظوظي مع السينما الاسترالية شحيحة جداً، فاستراليا التي تنتج ما بين 10 إلي 15 فيلماً سينمائياً في العام، في الغالب لا تجد هذه الأفلام حظاً من العرض الجماهيري خارج استراليا، وتكتفي بمهرجانات السينما وسوق الفيديو، رغم إن الاستديوهات الاسترالية أصبحت تستهوي صناعة السينما الامريكية التي انتجت فيها مجموعة من الافلام الضخمة في السنوات الأخيرة منه ماتريكس، وحرب النجوم الأول والثاني والثالث، وكانت آخر علاقتي بالسينما الاسترالية مشاهدتي لفيلم الكرتون المذهل هابي فيت الذي شاهدته الدوحة العام الماضي.
فيلم ذهب هو قصة رحله ويصفها أفيش الفيلم .. بأنها رحلة حياة، وقد يفهم مجازاً من المعني إنها رحلة العمر، وهو فهم إيجابي يتناقض مع مجري الأحداث في الفيلم، ولكنها بالفعل رحلة حياة مهدرة، مشهد البداية بمطار سيدني، داخل سير العفش، كلوز أب لحقائب، ويد تستخرج دليلا للسفر خاصا باستراليا، وأغنية في الخلف بموسيقي خفيفة وصفقة تقول كلماتها إن جوقة ورائي.. وثمة شخص في داخلي ينتظر فرصة وتتحدث الأغنية عن الحفاظ علي النفس .. وتدهور الصحة .. والتسكع مع أصدقاء طيبين .. وثمة شخصان عالقان في سيارة .. .
وللأغنية دلالاتها علي مضمون الفيلم وروحه .. إنه فيلم عن لقاء بين بريطانيين اليكس وصديقته الجذابة صوفي والأمريكي تايلور الذي فرض نفسه عليهم بوداعة شديدة لا فكاك منها، قرروا القيام برحلة لزيارة بعض المناطق النائية في استراليا مدفوعين بروح المغامرة وتغيير نمط حياتهم العصري انتهت بهم في أحراش كوينزلاند، الفيلم يروي كيف ذهب هؤلاء الأشخاص في رحلة أصبحت نذير شؤم، ومع الوقت تتكشف شخصية تايلور الأمريكي الذي بدا وادعاً، واثقاً من نفسه، يبالغ في إظهار إحساسه الدافيء بهذه الصداقة، رغم انه في حقيقة الأمر إنسان غير متجانس، مفصول عن مجتمعه يعيش فراغا هائلا في حياته، ونجح السيناريو في فرض إيقاعه علي الفيلم، فرغم ان طبول الحرب لم تقرع بعد ولكنك تحس باقترابها، ويزداد الإيقاع سخونة يصاحبه إحساس بعدم الأمان وفقدان الطمأنينة والشك. إلي أن يختار السيناريو لحظة المواجهة، ويصبح العنف سيد الموقف، حتي يقودنا الفيلم إلي أقصي حالاته التدميرية، وعلينا كمشاهدين أيضاً ان نختار الموقف الأخلاقي من هذا العنف، وهو في اعتقادي ليس أمراً نسبياً أو هيناً ولكنه جزء لا ينفصل عن إرث الفيلم.
فيلم ذهب قد يختلف البعض حول قيمته الفنية أو الفكرية... فمن ناحية تمّ إنتاجه بميزانية محدودة ولم يستغرق تصويره أكثر من سبعة أسابيع، بثلاث شخصيات محورية والباقي مجرد كومبارس، وهي إشارات لتقييم أي فيلم في عالم صناعة السينما.
من الناحية الأخري يكشف الفيلم بلا شك عن مضمون استثنائي، فشيء ما في هذا الفيلم يذكر حتماً بأسلوب وأفكار السينما الحرة التي ظهرت في بريطانيا في منتصف الخمسينيات وانبثقت في الأساس كحركة مضادة لسينما هوليوود، واستمدت قوتها من أعمال الكتاب الشباب أمثال جون اوزبورن في أنظر لخلفك بغضب ، ومسرحيات الفصل الواحد لهارولد بنتر، وهي أعمال قابلة دائماً لأن تعيد نفسها علي نحو متجدد مليء بالغضب والرفض والتمرد وكل تلك المعاني التي أراد منها رواد السينما الحرة أن يوقظوا بها شباب تلك الفترة.
ورغم مرور ما يقارب نصف القرن علي تلك المرحلة المليئة بالمعاني، نجد أنه بين حين وآخر تطل برأسها من جديد، ليس في بريطانيا وحدها وإنما في بلدان أخري من بينها استراليا التي ينعكس تأثير الدراما الانجليزية عليها أكثر من أي بلد آخر.
ويحمد لمخرج الفيلم رينجان ليدوج الذي عرف أكثر في مجال الإعلانات والأفلام الموسيقية محاولته الجادة في أن يعكس فيلمه الكثير من القيم الجمالية، فالفيلم في نظري أكثر من كونه محاولة للتسلل إلي أعماق شخص مريض، فاختياره للصراع بين شاب أمريكي وبريطانيين ليس من قبيل المصادفة، كما أنه استطاع ان ينسج من خلال التفاصيل الصغيرة لوحات رائعة وبالغة الصدق لرحلة قصيرة نسبياً في حياة ثلاثة شبان.
أدي الممثلون أدوارهم بتفهم واضح، وكان التمثيل نقطة هامة تحسب للفيلم الذي أرشحه للمشاهدة هذا الأسبوع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة