حوار مع صديق إسلامي مستنير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-17-2024, 04:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-30-2007, 10:26 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار مع صديق إسلامي مستنير

    تمهـيد

    هذه مناقشة على هامش حوار مع صديق إسلامي مستنير حول مقال له عن مفهوم الدولة الإسلامية ، وما ينطوي عليه من التباس معرفي . تداعت معها أفكار أخرى عن قضايا تمس تحديات الرؤية الآيدلوجية للحركات الإسلامية المعاصرة ، وعجزها عن الاستيعاب النقدي للحداثة كوعي ضروري لمعرفة العالم الحديث . وما يتقاطع مع ذلك من قضايا حول حقيقة وجود فكر إسلامي ، والآيدلوجيا التي تفيض فيه ، وسقف التخلف الذي يغطي جميع الحركات الآيدلوجية في المنطقة العربية .
    هي أيضا مناقشة تحاول أن تهمس بحوار وخطاب إسلامي مختلف ، لنخبة ضئيلة من خارج الخطاب الأيدلوجي الانشقاقي للحركات الإسلامية ، وهم بالفعل أفراد ليس لهم صوت ؛ لكن لهم صدى يقارب التأويل المعرفي للخطاب الإسلامي بعيدا عن الآيدلوجيا . وهم لا يؤمنون بمفهوم الدولة الإسلامية خارج شرطي الحرية والمعرفة ، أي حين تكون انبثاقا طبيعيا للمجتمع ، وخيارا موضوعيا حرا قائما على التراضي بين جميع أطيافه . كما أنهم يرون موضوع الدولة الإسلامية الآن قضية جدلية افتراضية بامتياز ، أي سابقة لأوانها ، ولا يمكن أن تتحقق خارج شروطها الموضوعية والمعرفية ، ما يعني أسبقية الحرية والمعرفة كضرورة للمجتمع . وبعد ذلك فليختار المجتمع ما يشاء . و يعني أيضا أن كل نشاط ينهض لتأسيس " الدولة الإسلامية " عبر التسويق الآيدلوجي والعنف من طرف الحركات الإسلامية ، في واقع وعالم شديد التعقيد والتركيب مثل عالمنا المعاصر ، هو الوجه الآخر لأزمة المعرفة والكينونة في تلك الحركات ، وغني عن القول أن ذلك سيؤدي إلى فتنة ودماء وفوضى ـ والأمثلة كثيرة وبعضها ما يزال قائما كنظام الإنقاذ ـ ورؤية هذه النخبة لموضوعة الدولة الإسلامية لا تضعها كأجندة سياسية لبرنامج حزبي ، بل تفهمها كحالة راقية من حالات المجتمع الحر الذي ينظم علاقاته السياسية العامة في نمط جاذب من أنماط إدراة الشأن العام وفق صيرورة سلمية حرة ... أشبه بالديمقراطيات الغربية ؛ تلك التي يضمن وجودها واستمرارها وحمايتها : وعي الفرد وحريته في العالم الحديث قبل أن يضمنها القانون و الدستور .
    ذلك أن الفرد في الديمقراطيات الغربية يختزن تراكما عميقا من الوعي والحرية عبر صيرورة تاريخية مركبة أنتجت تلك الديمقراطيات . ولا يفوتنا هنا التنويه بالمساهمة الرصينة في كتاب : (الإسلام والدولة الحديثة) للدكتور عبد الوهاب الأفندي الذي طرح آراء جريئة في جدوى الدولة الإسلامية ـ كما تفهمها الحركات الإسلامية ـ في هذا العصر أصلا . وما إذا كانت الدولة الإسلامية جوهرا ً متعاليا يكون السعي إليه غاية في ذاته ولذاته (كما تفهمها الحركات الإسلامية ) ، خارج الشروط المعرفية والموضوعية لتحقيقها ! ... والمناقشة شذرات في مفاهيم كبرى ومتعددة لا تدعي امتلاك المعنى الكامل حيالها لكنها تحاول المقاربة السريعة .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    * إلتباس مفهوم الدولة الإسلامية . وجغرافية المصطلح

    عزيزي .....

    هناك خلط والتباس في الكتابات الإسلامية المعاصرة يماهي بين السلطة والدولة في الفكر الإسلامي ، وهذا الدمج بين مفاهيم مختلفة في سلة واحدة مثل (السلطة) (الحكومة) (الدولة) نابع من الخلط الآيدلوجي الشعبوي بين تلك المفاهيم التي تحتاج إلى فرز معرفي دقيق ومركب .
    لقد تعاطى العقل الإسلامي التاريخي مع موضوع السلطة إجمالا ، في زمن كان يقبل تلك التأويلات ، ففضلا عن الحياة الساكنة بعد عصر الخلافة ؛ لم يكن هناك عقل آخر يمتلك رؤية مغايرة فلم يكن مقابل هذا العقل ما هو أرقى منه . أي أن الآخر الأوربي كان في حال أسوأ بكثير .

    الحديث عن صعوبة نقل الأفكار وفرزها عن سياقها الموضوعي والتاريخي بين بيئة وأخرى ، حديث مهم جدا ؛ فمفهوم مثل مفهوم (التسامح) في الثقافة الغريبة يختلف عن مفهوم التسامح في الفهم الإسلاموي الآيدلوجي . فالتسامح في الثقافة الغربية - بحسب كارل بوبر - يعني (قبول الآخر) وقبول الآخر ( يعني قبولنا الآخر المغاير: السياسي / الديني / المذهبي /الجندري/ الإثني ألخ والتعايش معه كما هو لا كما نفترض أو نرغب) فالمعنى هنا أعمق بكثير من (احترام الآخر) ، فيما مفهوم التسامح في الفهم الإسلامي الآيدلوجي يعني ـ فيما يعني ـ العفو والتساهل الذي يمكن أن يكون شخصيا جدا ، أي ذاتيا وليس موضوعيا . وهو بالنسبة للثقافة الغربية مفهوم حديث أنتجه (التنوير) لأن أوربا في عصورها الوسطى الأولى والثانية ، لم تكن تعرف التسامح أصلا .

    * في مفهوم الدولة ـ الأمة

    الدولة الحديثة في أصل نشأتها قامت على مفهوم الدولة القومية المتعارف عليه في الفكر السياسي الغربي بـ(الدولة - الأمة) التي تقوم على المواطنة والحريات والحقوق المتبادلة في العقد الاجتماعي . وهي أصلا نشأت بعد اتفاقية (وستفاليا) 1646التي أحلت الحدود القومية واللغوية للدول الحديثة محل الحدود الدينية والمذهبية للإمبراطوريات ؛ أي أبدلت مفهوم الإمبراطورية بمفهوم الدولة ، وأبدلت مفهوم المؤمنين ، بالمواطنين ، ومفهوم الطائفية بمفهوم القومية وطبقة الرعايا بالطبقة الوسطى و عصر الإقطاع ، بالعصر الصناعي ، وأبدلت اللاتينية باللغات القومية الأوربية المتعددة وكان كل ذلك مقدمة و نتيجة لثورات الشعوب الأوربية : الثورة الفرنسية ، الثورة الإنجليزية ، الثورة الأمريكية . قد لا يعرف الكثيرون أن الثورات الأولى خصوصا الفرنسية هي التي وضعت اللغة ، فاختارت لغة واحدة من عدة لغات ، وهي التي أبدعت مفهوم الصحافة والمدرسة والعلم والحزب وغير ذلك من مفاهيم الدولة الحديثة . في ذلك الوقت الذي كانت فيه الدول الأوربية تبتدع فكرة الدولة الحديثة ؛ كانت الإمبراطورية العثمانية هي صورة ـ على نحو ما ـ من صور الإمبراطوريات التي ودعتها أوربا منذ وستفاليا ! وبالتالي فإن (الدول) العربية كانت شعوبها رعايا لدى الإمبراطورية العثمانية . وحين جاء الاستعمار أوهم العرب بأن لهم دولا ، وبرلمانات ، وجيوشا ، وأعلاما ، وأحزابا ، ومدارس ، وأناشيد وطنية وما إلى ذلك من (أشكال) الدولة الحديثة ، فيما كان الواقع يفيض بكل ما هو (ما قبل حداثي) بالنسبة (للدول) العربية . والذي أوهم هذه (الدول) بأنها دول مثل الدول الأوربية هو حقبة الاستعمار وبعدها حقبة الحرب الباردة أي من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى تفكك الاتحاد السوفيتي في العام1991 . وبعد ذلك - حين زال الدعم غير المنظور من القطبين لتلك (الدول) العربية من أجل كسب ولاءها في الحرب الباردة ـ بدا لنا هذا التخلع الذي نراه لهذه (الدول) اليوم وهو تخلـُّع نتج بسبب أن تلك الدول لم تكن قد أنجزت شروط قيام الدولة الحديثة (طبقة وسطى ـ ثورات بالمعني الحقيقي ـ وغير ذلك) لأنها أصلا لم تكن دولا حديثة بالمعنى الحقيقي . ولهذا ظهرت كل فاعليات التخلف والتطرف لتحل محل تلك الحقبة الخادعة التي أوهمتنا بأننا فعلا نملك دولا حديثة ّ!؟ (أي حقبة الاستعمار والحرب الباردة) وهذا الذي يفيض اليوم في الدول العربية من استبداد وتخلف وتطرف ومشاريع لحروب أهلية قادمة ، كان كامنا طوال الحقب الماضية ـ أي انتقل من حيز القوة إلى حيز الفعل كما يقول المناطقة ـ فلم يتم القضاء عليه عبر التنوير والمعرفة والثورات التي كان بإمكانها أن تقضي عليه ـ لو حدثت ثورات بالمعنى الحقيقي ـ وبالتالي نحن حتى الآن نعيش تخلفا بعيدا عن ضفاف (الأزمنة الحديثة) وإن كنا نعيش حياتنا المادية في هذه الأزمنة الحديثة . أي نحن في حاجة إلى أزمنة إسلامية حديثة إن صح التعبير.
    وبالتالي لا يخلو وصف الدولة الحديثة بدولة الإدارة من نعت عام ، فدولة الخلافة بشكل ما ، كانت دولة إدارة . كما أن السياسة هي ضرب من إدارة الشأن العام .

    * مفهوم (الحزب)

    بالرغم من أن معناه اللغوي معنى صحيح ، باعتباره جزء من كل (كلمة الحزب في ملازم القرآن) إلا أن مفهومه في الفلسفة السياسية هو الأهم ، ومفهومه الفلسفي يحايث مفهوم الدولة الحديثة ؛ فالحزب في فسلفة الدولة الحديثة هو جزء من قواها السياسية يخضع لمبادئ الدولة القومية وثوابتها الدستورية ، ويطرح برنامجه من داخل مفاهيمها المركزية ؛ ولهذا السبب لا تكاد تجد فوارق كبيرة في برامج الأحزاب في الدول الغربية المتقدمة (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في أمريكا) (المحافظين والعمال في بريطانيا) (الديغوليين والاشتراكيين في فرنسا) بمعنى أن فلسفة مفهوم الحزب تقوم على أنه جزء من الدولة الحديثة لا متعاليا عليها ، كمفاهيم الجماعات الإسلامية خصوصا المتطرفة والإرهابية مثل القاعدة . التي تتعالى على العالم وليس فقط عن الدولة ، وبرؤية إطلاقية مدمرة . أما الجماعات الإسلامية الأخرى فهي تستخدم مفهوم الحزب بصورة لا علاقة لها بنشأته ومفهومه الذي ارتبط بنشأة الدولة الحديثة.

    * فكرة التقدم

    فكرة (التقدم) من الأفكار التي تم ابتذالها بصورة أفقدتها معناها ! صحيح (فلسفيا) لا يمكننا القطع ببقاء حضارة على المدى التاريخي البعيد ؛ لكن فكرة (التقدم) في ذاتها حتى الآن أثبتت جدواها في العالم الحديث ( أوربا وأمريكا كندا أستراليا). بمعنى إذا أخذنا حال أمة مثل الأمة الفرنسية . نجد أنها منذ الثورة الفرنسية تتقدم باستمرار في حياتها السياسية والصناعية والفكرية والثقافية الخ ، وأن يومها بالفعل أجمل من غدها وان تقدمها يطرد على شكل صيرورة لا على شكل قطيعة ، خصوصا في الفكر والفن والأدب والمعرفة ؛ وحتى الآن تتقدم فرنسا باستمرار وكذلك أوربا الغربية وأمريكا وباقي دول الغرب. طبعا هذا لا يعني أن أوربا لم تعاني من انتكاسات فلقد حدثت الانتكاسات (النازية) (الفاشية) لكن العقل الغربي والأوربي كان قد أسس شروطا ً معرفية راسخة وناجزة للنهضة ؛ فاستطاع أن يتجاوز تلك الانتكاسات وأن يحقق حياة أفضل بكثير لأوربا حتى قبل انتكاساتها في القرن العشرين ؛ فيما نحن نرى في حياتنا أن فكرة (التقدم) عندنا ملتبسة وغريبة ؛ بل إن حياتنا كل يوم ترتد إلى الأسوأ ، وهذا لأننا عجزنا عن إنتاج شروط معرفية للنهضة تنبثق من قراءة عميقة لتراثنا وواقعنا وتفاعلنا مع الحضارة الغربية الحديثة، وهذا للأسف مالم يحدث حتى الآن . وهذا التفاعل يعني ـ في الحالة الراهنة ـ التتلمذ على فتوحات الفكر الغربي الذي أنتج قاعدة معرفية راسخة للعلوم والأفكار والفلسفات ، لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ القفز عليها إذا ما أردنا إنتاج شروط معرفية راسخة للنهضة الإسلامية ، وقراءة المفاهيم المركزية للقرآن ودلالاته المفتوحة على إمكانات المعرفة عبر استصحاب تلك العلوم واختبار بنيتها المعرفية الإنسانية الشاملة .

    * الغرب والعدل الإنساني : الشرق والتخلف ، فوكو ، وإدوراد سعيد

    ـ هناك فرق بين أن نقرر: أن الغرب متقدم والشرق الإسلامي متخلف - إذ لا يلزم من كون المرء مسلما أن لا يكون متخلفا - (هذه حقيقة على الأقل في الوقت الحاضر) ، وبين الافتراض القائل : أن بنية العقل العربي والأفريقي غير قابلة للتعاطي مع الوعي المعرفي وغير قادرة على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا ؛ فالقضية الأولى صحيحة راهنا لكنها فلسفيا ليست مطلقة .
    أما القضية الثانية إذا أريد بها العجز الجيني والوراثي في العقل العربي والأفريقي فهذه عنصرية مرفوضة .
    وما قام به الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو) والمفكر الفلسطيني /الأمريكي (إدوراد سعيد) ليس التنكر لتلك الحقيقة أي حقيقة تقدم الغرب وتخلف الشرق الإسلامي (الشرق الأوسط) ـ فهناك شرق متقدم أيضا حتى على بعض بلدان أوربا كاليابان ـ ما قاما به هو إجمالا : نقد الذاتوية المضللة والملتبسة في البنى المعرفية الذاتية للفكر الغربي ـ كإنتاج فكري لمجموعة بشرية ـ ؛ تلك البنى التي ماهت بين القطيعة المعرفية (الإبستمولوجية) التي أنتجها الفكر الغربي في علوم الطبيعة والحياة ، وبين مفاهيم العلوم الإنسانية التي أنتجتها في زمن محلي ومحايث لتلك القطائع . والحال أن الأمر لم يكن كذلك ، ولكن لأن المعرفة الإنسانية إزاء الذات تنحو إلى الشخصانية والتحيز ؛ انعكس ذلك التحيز في قراءة الفكر الغربي للآخر المختلف وأسقط عليه مقولاته الذاتية التي التبست بالمعرفة بطريقة معقدة ؛ أي أن سلطة اللاهوت التي كانت تتحكم بمصادر المعرفة على الأوربيين في القرون الوسطى تم استبدالها بمعرفة اللاهوت الإنساني لعصر التنوير ؛ والكشف عن آليات اشتغال هذه السلطة الخفية في العلوم الإنسانية و أثر تلك العلوم في المعرفة الغربية حيال نفسها وحيال الآخر هو ما اشتغل (فوكو) على نقده وتفكيكه. بينما اشتغل (سعيد) على نظرية سلطة المعرفة التي استعارها من( فوكو) ، في نظرتها الاستعمارية للشرق الإسلامي أي أن (سعيد) كشف زيف التصورات المسبقة والحالمة للشرق وكيفية تحولها إلى بنية معرفية شاملة في الغرب ، استفاد منها الاستعمار في بسط سلطته الإمبريالية المبررة (في نظره) معطوفة على الداروينية السياسية .
    الأهم من ذلك كله : هو أن ما قام به (فوكو) و(سعيد) كان نقدا معرفيا من داخل الثقافة الغربية نفسها . أي أن (فوكو) و(سعيد) يحسبان كرصيد لهذه الثقافة أصلا ، فلولا حرية البحث وحرية مصادر المعرفة ، ومفهوم النسبية الثقافية ، والعقل النقدي للثقافة الغربية لما أمكن أن يصلا إلى مثل تلك النتائج المعرفية الهامة .
    والسؤال هو: ماذا فعل العقل العربي والإسلامي ـ إن جاز هذا التعبير ـ (وسعيد ليس من نتاجه) إزاء إشكالاته المعرفية في النهضة فضلا عن العقل الإسلامي (إن جاز هذا التعبير أيضا) ؟
    ما حاوله ويحاوله مفكرون عرب وإسلاميون قلائل ، لا يكاد يكون شيئا بالنسبة لأمة كانت أمة مركزية في التاريخ الوسيط وذات أصول حضارية إنسانية، وأنتجت أكبر تراث مكتوب من بين كل الأمم في التاريخ البشري وأكبر تراث مترجم قبل العصور الحديثة .
    الخطاب الاستشراقي جزء آيدلوجي من العقل الغربي . والحق أن نقد العقل الغربي عملية مركبة تستوجب الفرز وبين مفهوم العنف الذي سوغته الداروينية السياسية وبعض مقولات (نيتشه) الفلسفية ، واستغلته الإمبريالية الغربية في عصور الاستعمار، و بين مقولات (التنوير) وبعد ذلك ما قامت به (مدرسة فرانكفورت) مثلا في إعادة نقد فلسفة الأنوار ، كل ذلك جزء من العقل الغربي .
    من أهم المفاهيم التي فشل العقل الغربي عن تعميمها بعد أن حقق منها إنجازات جزئية : هو مفهوم (العدل الإنساني الشامل) الذي ساجل من أجله ـ معرفيا ـ كل من (سعيد) و(تشومسكي) و(هابرماس) . لقد حقق الغرب مفهوم العدل بين مواطنيه بصورة عامه ، وبين مواطني كل دولة من دوله (الغرب هنا بمعنى أمريكا وأوربا الغربية وكندا وأستراليا)على حدة ؛ لكنه عجز عن تعميم ذلك العدل بين كل الدول ، أي في العالم بالرغم من أنه هو الذي يمسك بزمام السيطرة على العالم الحديث ، لماذا؟
    لأن هذا وجه من وجوه الضعف الإنساني الأصلي ، من ناحية ، وأثر من الآثار السالبة لمفهوم الدولة القومية أي (الدولة – الأمة) من ناحية ثانية، لأن (الدولة – الأمة) أحلت مفاهيمها الدنيوية القومية الخاصة بها ، محل الدين أي أصبحت تلك المفاهيم العلمانية دينا وحلت محل الإيمان الديني (لا بالمعنى الوثوقي وغير القابل للنقد بل باعتبارها مصدرا فلسفيا) ؛ وتلك المفاهيم بطبيعتها تخص مجموعة من البشر في بداياتها ، فيما الدين العاقل ـ بحسب هابرماس ـ هو في الأصل عدالة إلهية لكل البشر . ولأن تحقيق العدل الإنساني في هذا العالم ـ الذي هو أمر ممكن معرفيا وواقعيا وليس يوتيبيا خارج المكان ـ يحتاج إلى فكرة الجزاء والعقاب الأخروي الدينية ؛ فتلك الفكرة ـ وحدها ـ هي التي تسمح بتأسيس وتحقيق العدل الإنساني بين كل الناس ـ كما فعل المسلمون الأوائل مع أهل البلدان التي فتحوها ـ وهذا يحيلنا إلى تلك المقولة الرائعة التي انتبه لها (محمد قطب) في هدف التربية الإسلامية حين قال أنها تنتج الإنسان الصالح ، فيما التربية الوطنية والقومية بالنسبة لأوربا كانت تنتج المواطن الصالح . طبعا هذا لا يعني تناقضا بين الفكرتين بقدر ما يعني الفرق . ويمكننا على ضوءها إدراك الفرق بين الفتوحات الإسلامية التي هي بحق (معجزة بشرية) كما قال المفكر المغربي الكبير :عبد الله العروي في كتاب المهم (الآيدلوجية العربية المعاصرة) ، وبين غزوات الاستعمار الحديث . إذ ما الذي يغري الصيني المسلم أو الأفريقي بأن يعظم أصحاب رسول الله ويعظم مقام هذا الصحابي الذي مات في هذه البقعة أو تلك من بلاد العالم الإسلامي ؛ الصحابي الذي هو من حيث الحيثيات العامة - إذا نحينا فكرة الدين مؤقتا - تماما مثل الرجل الأوربي في علاقته الظاهرية : فهو غريب عنه ، وهو كان حاكما لهذا الصيني أو الأفريقي ، ومختلفا عنهما في اللغة ؛ لكن مع كل تلك الحيثيات العامة المجردة - الفرق هو أن الصحابي كان صادقا في نيته وعمله وكان يفهم دينه فهما معرفيا ـ وليس آيدلوجيا ـ لسبب بسيط هو إيمانه من ناحية ، ومعرفته الفطرية بلغة القرآن ولذلك كان الصحابة يساوون بينهم وبين من يدخل معهم في الإسلام من سكان تلك البلاد مساواة حقيقية، ولأنهم تربوا على قيم إنسانية عليا. أما الأوربي المستعمر فهو ظالم ومعتدي (المفارقة هنا أنه هو الذي أنتج الحداثة وقيمها الكونية) لأنه تربى أيضا على أن أبناء وطنه هم من يستحقون القيمة الإنسانية ، أو أبناء وطن مساو لوطنه في القوة ومتحالف معه ـ وهنا ندرك الفرق الهائل بين المواطن الصالح والإنسان الصالح
    والدليل التاريخي المعرفي على ذلك : أن سيرة الصحابة بقيت سيرة عطرة ـ مرة وإلى الأبد ـ في تلك البلاد التي فتحوها ، أما سيرة المستعمر الأوربي فكانت (عطرة) على لسان (أزلامه وخادميه) .
    لكن كل ذلك النقد لا يجرد العقل الغربي من المفهوم الإنساني تماما .
    فما الذي مثلا يمنع دول الغرب من طرد مواطنيها والمقيمين فيها من غير أهلها الأصليين ؟ أي طرد العرب والأفارقة والمسلمين الذين يحملون الجنسيات والإقامة ؟
    الذي يمنعها هو التزام تلك الدول بمفهوم الأرض (أي تطبيق قوانين الدولة القومية على من يعيش على أرضها) والذي هو من مفاهيم الدولة الحديثة، يمنعها من طردهم(رغم ما تقوم به بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعيش هناك من رعونات : احتفال المتطرف الإسلامي السوري عمر بكري سنويا في لندن بأحداث كارثة 11 سبتمبر علنا أمام الناس مع أنه لاجيء في الدولة البريطانية ويعيش على نفقتها مثلا ؟) وهو التزام ألزمت تلك الدول به نفسها ولم يلزمها به أحد من ناحية ، وإدراك العقل الغربي الفلسفي لمفهوم الكرامة الإنسانية الأصلية من ناحية ثانية .
    لأن الأوربيين يعرفون أن الإنسان من حيث هو كائن محترم ومبدع . وهذه المعرفة لم تكن هدية بالنسبة لهم ، بل عرفوها بعد مرارات الحروب الدينية والقومية وحروب النازية والفاشية، وبالتالي أن هذا الإنسان المختلف عنهم لسانا ولونا ودينا إذا عاش معهم وارتضى حياتهم ، يمكن أن يقدم لهم الكثير في المعرفة والعلوم .
    ومعروف أن (دريدا) كان (يهوديا) ، (وريكور) (بروتستانتيا) في فرنسا (كاثوليكية) . و(سعيد) و(فوكياما) و(تشومسكي) في أمريكا وغيرهم كثير، لم يكونوا أميركيين أصليين !؟

    * الآنثروبولوجيا وعجز التوصيف

    الأنثروبولجيا أو (الإناسة) بالفعل قدمت قراءات جديدة لأنماط مختلفة وجديرة بالتأمل والاحترام لحياة الشعوب . لكن فتوحات (ستراوس) كانت تصب بطريق آخر في التمهيد لنقد اللسانيات والتفكيك والبنيوية .
    بيد أن الأنثربولوجيا من أهم الحقول التي تعكس تصورات خارجية مسحية وتربطها بتطبيقات نظرية مفترضة ، كثيرا ما تخرج بنتائج بائسة خصوصا في قراءة المجتمعات الإسلامية ، بحسب الدكتور رضوان السيد .
    بمعنى أن اشتغال الآنثروبولوجيا أو الإناسة في الحقل التاريخي للمجتمعات قد يفيد أكثر من الاشتغال على الدراسات المعاصرة بخصوص الجماعات .
    والاعتراف بنظم مختلفة وجديرة بالاحترام فيما خص الجماعات والمجتمعات البشرية ، هذا الاحترام كان ردا على الدراسات الأنثروبولوجية الأوربية القديمة التي كانت تعج بالافتراضات والأفكار المسبقة والتوصيفات المتحيزة طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين عند ظهور ( شتراوس) لكن هذه الفتوحات تظل فقط فتوحات غيرت وجه الأنثروبولوجيا فحسب . فكل نظام من أنظمة تلك الشعوب لا يملك صيرورة البقاء والتطور يظل عاجزا وقابلا للدرس بوصفه حقلا للأنثروبولوجيا .
    ولعل من أهم أسباب عجز الأنثروبولوجيا عن توصيف حالة تشخيصية منضبطة في قراءتها للمجتمعات الإسلامية هو تلك القابلية للبقاء والتجدد في القيم الإسلامية المركزية حين تتطابق تلك القيم في مستوى من التماهي العميق مع حركة المجتمع الإسلامي . إذ تعجز الأنثروبولجيا على فهم مبررات الحراك القوي الذي تندفع به . كعجز المؤرخين الغربيين عن فهم حركة المد الإسلامي الأول (الفتوحات الإسلامية) حتى اليوم . والتي هي معجزة بشرية (بحسب المفكر الكبير عبد الله العروي).
    لأن هناك عناصر ميتافزيقية (إيمان معرفي) كانت تغذي ذلك الحراك من خلال جهد بشري خلاق . وهذه العناصر بالطبع غير خاضعة للدرس الأنثروبولوجي !؟ ولا تزال الأنثروبولوجيا تخرج بنتائج متناقضة حيال دراسة المجتمعات الإسلامية المختلفة .

    * طبيعة النهضة الماليزية ،
    * ودور المرأة المسكوت عنه في تاريخ آسيا الإسلامية

    هناك فرق بين تجربة نهضة الصين وغيرها مثل اليابان وكوريا من ناحية، ونهضة ماليزيا من ناحية أخرى . فيما خص ماليزيا هناك عناصر تاريخية ساهمت - ربما - في تجربة ماليزيا الإسلامية . من هذه العناصر هو أن الإسلام دخل بلاد (الملايو) بطريق الدعوة ، أي عبر التجار ، لا بطريق الفتوحات والمعارك التي صاحب تلك الفتوحات . وهذا السبب له أثر كبير جدا في وجود سلم طبيعي ينفي خاصية (الشقاق) في فهم الإسلام (كالفهم الموجود لدى الحركات الإسلامية في المنطقة العربية والشرق الأوسط الذي يحوي خاصية الانشقاق الفكري في بنيته الآيدلوجية مع عدم الوضوح الدقيق للأفكار المركزية).. ويسمح بتعايش مختلط حتى من غير وجود دولة إسلامية ، وهذا معروف عن ماليزيا (فتكوينها السكاني يضم معظم إثنيات آسيا الكبرى) .
    كذلك هناك دور كبير للمرأة المسلمة تاريخيا في آسيا وهو دور بالفعل (مسكوت عنه) في مدونات التاريخ الإسلامي العامة ، لكنه معروف في الموروثات الشفاهية والآثار والوقائع وهو :أن المرأة في تلك المناطق الآسيوية بعد غزو المغول - الذي أباد الملايين ومئات الآلاف من الرجال - لعبت دورا كبير في حفظ الإسلام وتعليم الأطفال ، وبناء المساجد ، والقيام بواجبات الدعوة ، وللأسف فإن العقلية الذكورية للمجتمعات الإسلامية استنكفت عن تدوين تلك الوقائع ـ تقليدا للعرب في الاستحياء من ذكر النساء ـ وهي عادة جاهلية ـ !!؟ كما ذكرت الباحثة (شهرزاد) الباحثة في جامعة باريس . والذي يفسر هذه الظاهرة التاريخية كتعبير عن تقدير مجتمعات آسيا الإسلامية للمرأة الآن : هو وصول نساء إلى سدة الحكم في كل من باكستان وبنغلادش وغيرها من دول آسيا بالرغم من تخلف هذه الدول .
    بقي الإقرار بمسألة مهمة - في نظري- وهي أن نهضة مثل هذه المجتمعات الآسيوية إسلاميا تظل نهضة (موضعية) إن صح التعبير(مثل البنج الموضعي) . أي لا يمكنها القدرة على طرح مشروع إسلامي عالمي يقوم على دعوة الناس كافة ويحتاج إلى دولة ذات برنامج إنساني . وهذا المشروع تاريخيا ونموذجيا أنجزه العرب (الصحابة خصوصا) .(كان توسع الأتراك في آسيا وأوربا وأفريقيا طوال 5 قرون ذا طابع عسكري (الإنكشارية) آيدلوجي وغير معرفي بفعل حاجز اللغة) ... وربما لا يستطيع إنجازه في المستقبل البعيد البعيد غير العرب ،لا لأن العرب يتميزون بصفات جينية خاصة أو متعالية (فأغلب عرب اليوم لا يتوفرون على نقاء عرقي) بل بالمعنى المعرفي والثقافي ، أي لأنهم أقرب الناس إلى فهم القرآن بسبب نزوله بلغتهم . بالإضافة إلى موقعهم في قلب العالم وما يمتلكونه من ثروات وتعداد بشري كبير . وربما على ضوء هذا المعنى يمكننا فهم مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله (العرب مادة الإسلام)أي من يتكلمون العربية .

    * هل هناك وجود لعقل إسلامي حديث ؟

    لا يمكننا في الحاضر الحديث باطمئنان عن وجود (عقل إسلامي) . هناك (عقل إسلامي تاريخي) بلا شك ، وهناك (عقل غربي معاصر) بلا شك ، لكن وجود عقل إسلامي أي وجود (إنتاج فكري إسلامي معاصر يملك مقولات معرفية إستراتيجية متراكمة ومتماسكة في قضايا العالم الحديث) أعتقد أن ذلك من الصعوبة بمكان في هذا الوقت . وستمر مياه كثيرة تحت الجسر حتى نستطيع إنتاج (عقل إسلامي معاصر) وربما سيكون هذا العقل الإسلامي المفقود هو النبوءة التي أطلقها (هابرماس) مؤخرا ، حين قال : (إن المستقبل للدين العاقل) ... ربما .

    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 11-30-2007, 10:30 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد11-30-07, 10:26 PM
  Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد على طه الملك12-01-07, 01:04 AM
    Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد12-01-07, 10:35 AM
      Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد على طه الملك12-01-07, 08:21 PM
        Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد12-01-07, 11:01 PM
          Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير صلاح شعيب12-02-07, 00:47 AM
          Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير صلاح شعيب12-02-07, 02:58 AM
          Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير صلاح شعيب12-02-07, 02:58 AM
  Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير نصار12-02-07, 03:56 AM
    Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد12-02-07, 12:53 PM
      Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد12-02-07, 12:57 PM
        Re: حوار مع صديق إسلامي مستنير محمد جميل أحمد12-03-07, 09:35 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de