|
التعليم الحكومي حالة يرثى لها ، مدارس سادت ثم بادت
|
يخبرني والدي من جملة ما يفتخر به وهو يحكي ويتحسر عن (ايام زمان) ، يحكي لي عن مدرسة القرية الاولية والتي كان تشييدها أقرب الى المعجزة بعد أن قطعوا هم سبعة كيلو مترات ليتحصلوا على التعليم ، فارادوا أن يرتاح من بعدهم. وما كان ممن أتى بعدهم الا بناء المدرسة الثانوية ليريحوا صغارهم.. التعليم في تلك العقود كان شيئاً آخر ، وكل شخص في الماضي أكمل رحلته الى الجامعة وما بعد الجامعة يملك قصة وكفاح يحكى. ليس الأفندي المحترم الذي يحمل الشهادة الأولية ولكن الى السبعينات والثمانينيات وحتى الى اخر التسعينات. حقبة جديدة: سياسة تعليم الأساس وثورة التعليم العالي التي اعتمدتها الحكومة هي عبارة عن عملية بناء مباني وحشر اكبر عدد ممكن من التلاميذ والطلبة هذه نتيجة أولية نختصر بها الحديث وهناك بالطبع عدة حقائق قادتنا اليها يطول ذكرها ولكن دعنا نبدأ بسؤال أليس هناك هبوط في مستوى التحصيل والتأهيل في صروح التعليم الحكومي؟! دعنا من الجامعات لنركز على التعليم الاساسي ببعض النقاط.. العاصمة: - في العاصمة حيث تربينا كانت تتوزع المدارس الابتدائية داخل الأحياء ثم عدد أقل من المدارس المتوسطة. أما المدارس الثانوية فيمكن لساكن أم درمان مثلاً أن يحصيها كلها بيده ليس لقلتها ولكن لشهرتها أيضاً كتعليم يعد متقدماً لفئات كثيرة. (هذه مقدمة) - تقول سامية وهي استاذة تاريخ وعربي في مدرسة البنات للاساس التي بنتها الحكومة في الحي الطرفي الجديد الذي اسكنه وهي مدرسة جميلة في شكلها مقارنة بتلك المدارس التي درسنا فيها ، تقول سامية أن أول ملاحظة لاحظتها حين تم نقلها الى هذه المدرسة أن طالبات المدرسة اللاتي يسكن نفس الحي تقل نسبتهم الى 10% من جملة الطالبات في المدرسة والباقي يأتين اما من حي عشوائي فقير يلاصق حينا أو أبناء "النازحين" إن صح التعبير الذين يسكنون البيوت نصف مبنية في الحي وهم رغم انتماءهم للحي ولكن يظل سكن مؤقت لا يلبثوا أن يتركوه. لم أسألها بالطبع أين يتعلمون ابناء سكان الحي لأن سيارات الترحيل للمدارس الخاصة تملأ شوارع الحي في الصباح. وللمعلومية فقط أن الحي ليس من الأحياء الراقية أي لا توجد فلل وحدائق وسيارات فارهة الخ ، - حمى المدارس الخاصة.. أذكر في زماننا (وهو عهد قريب) أن المدارس الخاصة (غالباً ما كانت متوسط وأساس) كانت للطلبة المفصولين من المدارس الحكومية لضعف مستواهم والمتقدمين في السن ويريدون أن يتموا تعليمهم ونحو ذلك. وهي مدارس أقل مستوىً من مثيلاتها الحكومية وفي كثير من الأحيان تختصر لفصول تقوية للشهادة المتوسطة والثانوية. أما الآن ومع وجود الهوة الكبيرة وانعدام الثقة بين المواطن والمدارس الحكومية (سنأتي ببعض الاسباب لاحقاً) أصبحت الغلبة في العاصمة للمدارس الخاصة والغريب في الأمر أن معظم هذه المدارس لا تقدم خدمة التعليم الذي يرقى لأن تدفع مقابله المادي بل تقل بعضها عن مدارس حكومية الآن. تختلف طبعاً من حيث المباني والخدمات والرسوم الدراسية ولكن تظل فاتورة كبيرة أمام أولياء الأمور ببساطة لأن أكثر الناس الآن يعلمون أولادهم في المدارس الخاصة (أساس و ثانوي). تبقى بعض المدارس النموذجية الحكومية في المرحلة الثانوية تحتفظ بمستواها وسمعتها ولكن هذا المستوى حتماً لن يستمر لأن الطلبة المتميزين يتم اختيارهم من مدارس الأساس الحكومية. هناك جملة أخطاء وأسباب لا بد أن ينظر اليها المعنيين بقضية التعليم الحكومي منها المناهج الجديدة ، الكوادر الجيدة من المعلمين (ورغم التشديد على شرط الشهادة الجامعية) ، فقر المدارس ، نقص اهتمام الدولة بعملية التعليم كعملية تربوية في الأساس ، مغريات المدارس الخاصة كمناشط تحفيظ القرآن ومناهج الحاسوب واللغات الى آخره ، انعدام المناشط في المدارس ، قلة اهتمام أهالي الأحياء أنفسهم بالمدارس وجعل المدرسة جزء من الحي نفسه كما كان في السابق ، وهناك بالطبع الثقافة الجديدة التي أصبحت عند الجميع وهي ثقافة التعليم الخاص.
نواصل
فدوى
|
|
|
|
|
|
|
|
|