|
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين (Re: حامد بدوي بشير)
|
هل هنالك أي توجه ديمقراطي ليبرالي علماني تعددي في أي من التصورين السياسيين لمستقبل السودان قبيل الغستقلال؟.
نجيب هنا بمزيد من الاسئلة:
- هل الإنضمام لمصر والإتحاد معها يسمح، بأي حال من الأحوال، إذ تحقق، بقيام حزب آخر ينادي بإنفصال السودان عن مصر وإستقلاله من داخل الدولة الإتحادية؟
- هل تسمح عودة السودان لما كان علية قبل الفتح، إذ تحققت، بوجود حزب سياسي ينادي بإلغاء وجود السودان وضمه إلى مصر؟
فأذا كانت الإجابة على كلا السؤالين هي لا، بالضرورة، فأين يمكن إن يوجد التوجه الديمقراطي العلماني هنا؟ وإذا كانت إتفاقية السودان، إتفاقية الحكم الذاتي (1953)، قد نصت بإن يستفتي الشعب السوداني في نهاية الفترة الإنتقالية بين أمرين لا ثالث لهما وهما الإرتباط بمصر أو الإستقلال التام بالمفهوم المهدوى، فإن ذلك كان يعني بإن السودان صائر، لا محالة، لأحد هذين الخيارين الذين ينعدم فيهما وجود الديمقراطية العلمانية. وهذا تحديدا هو ما أصاب البريطإنيين باليأس والشعور بالهزيمة. فقد وافقوا علي خيارين لمستقبل السودان ليس في أي منهما مكان للديمقراطية العلمانية التي كانوا هم رسلها للعالم الثالث. إذن ، لمإذ نشأت الأحزاب أصلا، إذ لم تكن نشأتها تؤدي إلى نظام ديمقراطي؟.
نقول هنا، بإن إنشاء الأحزاب السياسية، أو علي الأقل، الحزبين الكبيرين (الأمة) و(الوطني الإتحادي)، هو أمر أملته الضرورة، إذ لا بد من قيام كيإن سياسي يحمل عبء الدعوة لعودة السودان للمهدية، أو عبء الدعوة لإبعاد السودان عن العودة للمهدية بإنضمامه إلى مصر. وذلك بسبب أن مصر والسودان كانتا تحت الهيمنة البريطإنية. وبريطانيا لم تكن لتسمح بقيام أية وسيلة سياسية سوي الحزب السياسي المكون علي أساس لبرالي.
وإذا شاءت الأحزاب السودانية الكبرى إن ترتبط بأهداف غير ديمقراطية، فإن هذا يعني إن هذه الأحزاب قد شاءت إن يكون النهج الديمقراطي وسيلة مؤقتة تنتهي بإنتهاء وسيلة الإستفتاء. فبعد عملية الإستفتاء لن يبقي غير حزب واحد، فإذ قرر الشعب السوداني الإتحاد مع مصر، فإن المنطق يقول بنفي وإبعاد (حزب الأمة)، أما إذ حدث العكس وقرر الشعب الإستقلال ومن ثم العودة إلى الحكم المهدوى، فلا مكان للإتحاديين في السودان، و(لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب)، كما فسر السيد عبد الرحمن شعاره الغامض (السودان للسودإنيين) بهذا القول الداعي للشمولية الدينية.
وكان لا بد من حدوث معجزة لتنقذ السودان من هذا المصير المظلم الذي تحدد مسبقا في إتفاقية الحكم الذاتي عام 1953. فكيف جاءت هذه المعجزة ومن أين؟
أول الفرج قد جاء علي يد الشعب السوداني عندما قرر أن يهزم حزب الأمة في إنتخابات سلطة الحكم الذاتي عام 1953. ولا شك أن الإتحاديين قد فهموا هذه النتيجة الإنتخابية على أنها تعني هزيمة مشروع السيد عبد الرحمن الذي ظاهره الإستقلال وباطنه إعادة الدولة الدينية المهدية.
تلي ذلك وفي حوالي عام 1954 نمو خطاب سياسي راديكالي في مصر لم تستسغه الإذن الإتحادية التي تربت علي الخطاب العلماني في مصر ما قبل الثورة، كما لم تفهمه القاعدة الإتحادية المكونة أساسا من البرجوازية التجارية السودانية التي يرعبها مثل هذا الخطاب الثوري المليء بمفردات التأميم والمصادرة ونصرة الفلاحين والعمال والكادحين. فهؤلاء الأخيرين هم قاعدة (حزب الأمة)، وفي أحسن الأحول سند اليسار السوداني. وكان لا بد أن يقل حماس الحزب (الوطني الإتحادي) تجاه مبدأ الإتحاد مع مصر، خاصة وإن الخطر الأنصاري حجم ولو مؤقتا.
ولم يتبقى من خطر يهدد السودان سوي إن يلجأ أهل المشروع المهدوى الديني للعصيإن والجهاد. فهذه ورقة لا يفوت علي سياسي بارع مثل السيد عبد الرحمن أن يلوح بها في وجه الإنجليز محذرا من ترك المصريين يستولون علي السودان. ففي مقابلة له مع سلوين لويد وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطإنية عند زيارته للسودإن في مارس عام 1953، ألمح السيد عبد الرحمن المهدي للسياسي البريطإني بهذا التهديد مبطناً بدبلوماسية السيد عبد الرحمن العبقرية حيث قال له:
(إن البريطإنيون يفضلون دون شك إن تتسم المنطقة الواقعة خلفهم بالإستقرار في حال وقوع مزيد من الأضطرابات والإصطدامات في منطقة قناة السويس، مؤكدا إن الموقف كان هادئا في السودان عند وقوع هذه الأضطرابات في مصر من قبل، بفضل تعاون حزب الأمة مع حكومة السودان ) .
وكان الإداريون البريطإنيون في السودان مقتنعين بإن نتائج الإنتخابات لن تثني السيد عبد الرحمن المهدي عن هدفه الكبير، وإن إستخدامه للعنف كان واردا تماما. فقد جاء في مذكرة الحاكم العام إلى وزارة الخارجية البريطإنية الصادرة في 3 أغسطس عام 1954 ما يلي: (إذا كان التحليل السابق صحيحا فإن موقف السيد عبد الرحمن المهدي والأنصار، خلال الفترة الإنتقالية سيتسم بالهلع واليأس، ونحن لا نستطيع إن نأمل في إن يتأقلم مع وضع يعرف إنه شديد التهديد لقوته وسطوته الشخصية ومركزه، ويقوي من خصمه اللدود السيد علي الميرغني. وسيتجه عقله أكثر فأكثر نحو العنف كلما أحكم الحزب الوطني الإتحادي قبضته في القطر، وسيتمزق بين الهجوم قيل فوات الأوان والأمل في إن تتدخل حكومة صاحبة الجلالة لإنقإذه .........
لقد تنأولنا إلى حد ما في مستهل هذه المذكرة خطر حرب أهلية تصدر عن المهدويين كما ورد في الفقرة أعلاه ومهما يكن من أمر فإن الحرب الأهلية ستؤدي إلى كوارث علي السودان والمصالح البريطإنية )
وكان لا بد إن تؤدي هزيمة مبدأ الإتحاد بسبب الثورة المصرية الجديدة، وهزيمة مبدأ العودة للدولة الدينية المهدية في صناديق الاقتراع، إلى إن يتراضى الطرفإن مؤقتا علي إستمرار نظام حكم الفترة الإنتقالية الديمقراطي العلماني ودستور الفترة الإنتقالية العلماني المؤقت والحصول علي إستقلال البلاد عن هذا الطريق حتى إشعار آخر.
هكذا دخلت تاريخ التجربة السياسية السودانية السلطة الديمقراطية العلمانية بصفة مؤقتة، وظل هذا قدر هذا النوع من السلطة في السودان، تلجأ إليه الساحة السياسية السودانية في وقت الأزمات والمنعطفات الخطيرة و تتراضى حوله مؤقتا.
وهذا يعني بإنه ليس هناك علاقة مباشرة بين حقيقة تبلور التيارين السياسيين الرئيسيين في أحزاب، وبين تجلي النظام الديمقراطي التعددى عشية الإستقلال. نعم إن الأحزاب قد تكونت كوسائل للوصول إلى السلطة، غير إن الوصول إلى السلطة، حسب أيديولوجيات هذه الأحزاب نفسها، هو نهاية المطاف، فأما إنضمام إلى مصر ونفي التيار الديني الإستقلالي أو دولة مهدوية دينية، وبالتالي نفي التيار الإتحادي العروبي.
كان هذه الفهم سائدا حتى توقيع إتفاقية السودان (الحكم الذاتي عام 1953) بين مصر وبريطانيا، حيث كان ولا يزال الإتحاديون يتمسكون بمبدأ الإتحاد، وكان حزب الأمة لا يزال يمثل تهديدا ضخما لمستقبل السودان حسب رؤية الإتحاديين والبريطإنيين علي السواء. وكانت المفاجأة هي هزيمة حزب الأمة في إنتخابات أواخر 1953. ثم كان التحول الدراماتيكي في موقف الإتحاديين من الإتحاد مع مصر. وهكذا أجريت الإنتخابات والغي الإستفتاء وحدث الإستقلال دون إن تقع المواجهة بين التيارين الكبيرين.
ولكن ظلت أي محاولة لفرض أي من المشروعين علي مستقبل البلاد، أو منع ذلك، لن يتم إلا بإستخدام القوة العسكرية. وإن كانت هذه المناجزة العسكرية لم تقع بعد الإنتخابات والإستقلال مباشرة، فإنها قد ظلت احتمالا مضمرا قابلا للتجلي في أي لحظة تكتمل شروطه.
وفي واقع الأمر، فإن تاريخ السلطة في السودان ما هو إلا تاريخ الإنقلابات العسكرية المتبادلة بين هذين التيارين. فقد حرك التيار الديني إنقلاب عبود عام 1958، وحرك التيار العروبي إنقلاب نميري عام 1969، وحرك التيار الديني إنقلاب اليشير عام 1989
وإذا كان هذا التحليل يؤدي إلى الإعنقاد بإن الأحزاب هي صانعة الإنقلابات العسكرية، فهذا ما رمينا إليه تحديدا، وما سنحاول إن نناقشه في العنوإن القادم .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-23-07, 02:29 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-23-07, 02:56 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-23-07, 03:06 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-23-07, 03:49 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-23-07, 04:42 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | Elbagir Osman | 11-24-07, 00:04 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 08:29 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 10:03 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | ابراهيم تون | 11-24-07, 10:08 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 10:40 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 12:17 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 01:57 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-24-07, 02:49 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-25-07, 08:26 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-25-07, 11:53 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-25-07, 03:24 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-26-07, 07:53 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-26-07, 11:03 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-26-07, 12:02 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-27-07, 08:44 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-27-07, 01:26 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-28-07, 08:28 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-28-07, 12:35 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-28-07, 03:42 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-30-07, 08:23 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 11-30-07, 12:11 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-01-07, 08:47 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-01-07, 10:37 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-02-07, 08:39 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-02-07, 11:20 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-03-07, 08:57 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-03-07, 12:11 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-04-07, 08:47 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-04-07, 11:06 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-05-07, 08:28 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-05-07, 10:51 AM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-05-07, 03:59 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | حامد بدوي بشير | 12-08-07, 03:57 PM |
Re: ألا قاتل الله العسكر والمدنيين الإنتهازيين | Elbagir Osman | 12-08-07, 05:32 PM |
|
|
|