وزارة الصحة لم تستفيد من أخطائها في التعامل مع المرض
عندما نبهت القوى السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني إلى أهمية ان تؤخذ تحوطات صحية لكارثة بيئية محتملة أو موجات وباء وشيكة تأتي مصاحبة أو بعد السيول والأمطار التي ضربت أجزاء واسعة من البلاد لم تكن ترجم بالغيب أو تقرأ كفا ولكن لمعرفتها اليقينية أو استخلاصا لتجارب سابقة بان أي كارثة من هذا النوع تستصحب معها مخاطر بيئية تهدد صحة الناس. ومع ذلك ظلت الحكومة ومن خلفها المؤتمر الوطني سادرا في غيه لم ينظر للمسألة إلا بمقدار مردودها الانتخابي أو المعالجة الوقتية التي لا تتوخى في أحسن الفروض أكثر من تجاوز الأزمة الماثلة. وما تعيشه البلاد الآن من انتشار لمرض حمى الوادي المتصدع في أكثر من 15 منطقة بولايات النيل الأبيض وسنار والجزيرة نتاج طبيعي لتجاهل تلك النصائح والتنبيهات.
تحقيق: حب الدين / تصوير: مهند محمود
ما أشبه الليلة بالبارحة
في نفس التوقيت من العام الماضي ظهر مرض حمى الوادي المتصدع بمدن هبيلة وكادقلي والدلنج ومناطق أخرى بجبال النوبة وقد ظلت الوزارة الاتحادية تتكتم عليه شهراً كاملاً حتى اضطرت للإعلان عنه بعد ان حصد الوباء أرواح 79 شخصاً وأصاب 229 آخرين.
ولو قدر لوزارة الصحة الاتحادية ان تبلغ عن المرض في حينه لامكن محا صرته قبل ان يتحول إلى وباء داهم، لاستطاعت من خلال الدخل المستقطب من منظمة الصحة العالمية وغيرها من الدول المانحة ومن خلال إشراك مواطن المنطقة في القضاء على المرض لامكن تقليل عدد الوفيات والإصابة ولكن شيئاً من ذلك لم يتم اتخاذه إلا بعد خروج الوباء عن سيطرة الإدارة المحلية بإمكانياتها المادية والبشرية المتواضعة. وبطريقة مشابهة تماماً لما حصل في جبال النوبة لاذت وزارة الصحة الاتحادية بالصمت مره أخرى عند ظهور 13 إصابة بالمرض في منطقة الجبلين بولاية النيل الأبيض في منتصف أكتوبر الماضي وبدلاً من تكثيف الجهود الهادفة إلى تطويق المرض في منطقة اكتشافه قبل ان ينتقل إلى بؤر أخرى تكتمت الوزارة مرة أخرى وفرضت قيوداً مشددة علي الأطباء والخبراء ومنعتهم من الإدلاء بأي معلومات لأجهزة الإعلام ولم تكتف بذلك فحسب بل اخفت هوية المرض ولم تسع للاعتراف الا بعد ان ضربت مناطق أخرى من الولاية واصفة ما حدث بأنه حمى مجهولة ومازالت تصر علي ان الوباء حمى نزفية في محاولة يائسة لإنقاذ موسم تسويق الماشية من الانهيار والحيلولة دون وصول أنباء عن المرض للدول المستوردة خوفاً من إقدامها علي إلغاء صفقة شراء 750 ألف رأس من الضان كان مقرراً لها ان تغطي حاجة أسواق تلك الدول من الطلب.. من الطبيعي ان يقود مثل هذا الإجراء إلى تزايد حالات الإصابة والوفاة من 13 حالة معزولة في نطاق جغرافي محدد إلى 329 حالة منها 96 حالة وفاة بنسبة إماتة بلغت 29% مع اتساع نشاط المرض ليشمل 15 منطقة موزعة علي ثلاث ولايات تشكل الجزء الأكبر من وسط السودان حسب التقارير الواردة من منظمة الصحة العالمية. وبالنظر إلى تصريحات عبد الرحمن سر الختم وإلى الجزيرة التي قال فيها ان نسبة الوفيات انخفضت في ولايته من 50% إلى 10% من عدد الإصابات، في إشارة منه إلى انحسار المرض، فان تلك التصريحات تؤكد بجلاء أن الوضع الصحي في الولاية كان في غاية الخطورة.
وقد دللت سرعة الانتشار هذه علي ان السيطرة علي المرض تعني القضاء علي أسباب انتقاله والإصابة به وليس حجب المعلومات التي من شانها ان تسهم في رفع وعي المواطن وانخراطه في برامج الحملة وبالتالي التقليل من تلك النسبة المرتفعة.
وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة الاضطلاع بأنشطة في مجال التعبئة الاجتماعية بغية توعية السكان المحليين بالمخاطر الصحية التي قد تحدق بهم جراء انتشار هذا المرض في الحيوانات، غير ان من الضروري التعجيل ببذل المزيد من الجهود باستخدام جميع وسائل الإعلام المتاحة محلياً بما في ذلك قنوات التلفزيون والإذاعة وكذلك القادة المجتمعيين والدينيين من اجل ضمان إخطار جميع المجتمعات المعرضة للمخاطر بالتدابير التي يتعين اتخاذها للحد من العدوى البشرية.
وعلي الرغم من تزايد نسبة الإصابة بالمرض إلا ان موجته في حالة انحسار ومع ذلك من المتوقع ان ينتقل المرض إلى ولايات جديدة مثل الخرطوم وكسلا والقضارف في حال تجاهل السلطات الصحية للإجراءات الواجب اتخاذها.
تضليل وتضارب
بكل بساطة يستطيع المواطن ان يفهم دواعي قلق شعبة مصدري الماشية حيال موسم التسويق مما دفعهم إلى التصريح لأجهزة الإعلام بأن مكتب الأوبئة بباريس التابع لمنظمة الصحة العالمية أكد عدم وجود حالات ((وفاة)) للأشخاص المخالطين للحيوان بالإضافة إلى عدم حدوث نفوق أو إجهاضات للماشية في ((جميع)) ولايات البلاد. ولكن ما لا يمكن فهمه ان تشترك وزارة الصحة في الحملة لإعلانها نفى أي وجود لحمى الوادي المتصدع وانما يشاهد من انتشار للحميات بولاية النيل الأبيض يعزى إلى تكاثر الحشرات الطفيلية عقب السيول والأمطار هذا العام في الوقت الذي أعلن فيه جون رينفورد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية قبل يومين من التصريح المنسوب لوزارة الصحة وتحديداً في 11 من الشهر الجاري، ان انتشار وباء حمى الوادي المتصدع أصاب 125 شخصاً أدت 60 منها للوفاة إلا أن الوزارة تحت تأثير(....... ) دولية عادت لتعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع وزارة الثروة الحيوانية عن اكتشاف حالات مشتبهة بحمى الوادي المتصدع في ثلاث بؤر بولاية النيل الأبيض. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع عادت وزارة الثروة الحيوانية لتعلن من جديد خلو السودان من الحمى رغم التأكيدات الرسمية بوجود حالات حمى نزفية بالمستشفيات، فما هي حقيقة المرض وكيف يتعرف عليه وما الطرق التي تساعد في انتقال العدوى؟
النزيف الدموي
يقول بروفيسر منتصر الطيب توجد أمراض فيروسية عديدة تشترك في خاصية التسبب بالنزيف الدموي منها الايبولا وحمى القرم النزفيه والحمى الصفراء وحمى الضنك وحمى الوادي المتصدع، لذا فان تسمية المرض بالحمى النزفية غير انه غير دقيق علمياً، أيضا يتسبب في تشتيت جهود الباحثين والأطباء للقضاء عليه كما لا يساعد في توجيه حملة يشترط مشاركة المواطن فيها بايجابية، ومهما كانت الأسباب والمبررات التي تقف خلف التسمية او تضارب البيانات الرسمية إلا أن البحث العلمي يجب ان يصرف إلي وجهة محددة تتعلق بالاستقصاء ومعرفة المزيد من المعلومات حول المرض المسبب للنزيف وأسباب انتقاله وبيئة تواجده ودورات نشاطه إلى أخر القائمة.
ويضيف منتصر علي الرغم من المحاذير الكثيرة التي تواجه الباحثين إلا انه لا مفر من مواصلة الطريق خدمةً للمواطن والثروة الحيوانية التي تشكل داعماً أساسياً للاقتصاد الوطني.
ويقول بروفيسر حسين عبدالله الحسين من جامعة بحر الغزال تعود تسمية المرض إلى منطقة اكتشافه في منخفض فالي بكينيا، ولكن اعتباراً من عام 1975 أصبح الفيروس يسبب حمى نزفية وقد لوحظ ذلك في جنوب إفريقيا وبناءً عليه صنف هذا المرض وأدرج في القائمة الأولى التي تضم الأمراض المتفق على التبليغ عنها لداء مكتب الأوبئة بباريس الذي تشرف عليه منظمتا الصحة العالمية والفاو.
وتوالي ظهوره بعد ذلك في مناطق مختلفة في شمال وشرق وجنوب إفريقيا خلال الستين سنة الماضية ويعرف بانه من الأمراض الفيروسية التي تنقلها المفصليات إلى الحيوان ومنه ينتقل إلى الإنسان عن طريق الملامسة مع الحيوانات المريضة أو لحومها او ألبانها وأيضا عن طريق استنشاق رزاز الحيوان المصاب. لينتقل بعد ذلك من الحيوان إلى الإنسان عن طريق الحشرات الماصة للدماء، إلا أن الناقل الأساسي حشري من عائلة الباعوض يسمس الايديس ومن أعراضه في الإنسان الحمى والفتور وآلام المفاصل والظهر وآلام خلف قاع العينين وفي حالة المضاعفات تظهر علي المريض الإصابة باليرقان مع قابلية للنزيف بالإضافة لالتهاب الشبكية في العينين.
وتقول وزارة الصحة ان حدوث حالتين متتاليتين في منطقة ما لحمى ويرقان وقابلية للنزيف يجب ان يسترعي الانتباه للتحقق من وجود وباء لحمى الوادي المتصدع من عدمه.
أما عن أعراض المرض في الحيوان يقول طبيب بيطري فضل حجب أسمه تشمل الأعراض الإجهاض وموت المواليد الصغيرة بنسبة 100% بينما النفوق في الحيوانات البالغة يتراوح بين 10 إلى 20% مع نزيف حاد في الأحشاء، ويضيف ان محاصرة المرض تستدعي تحركاً مشتركاً من وزارة الصحة والثروة الحيوانية لإجراء مسوحات سريعة لتحديد بؤر الإصابة ثم من بعد ذلك تأتي إجراءات المكافحة، ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يتم تقييد حركة الحيوانات من وإلى المناطق الموبوءة عن طريق تفعيل القوانين السارية حماية للمناطق الخالية، وهذا ما لم يتم إجرائه بالشكل المطلوب.
القضاء على الناقل
يقول مصدر بالمعمل القومي فضل حجب أسمه علي الرغم من اشتراك أنواع عديدة من الحشرات التي تتغذي علي الدم في عملية النقل الميكانيكي للفيروس إلى الإنسان إلا أن الايديس وحده يعتبر الناقل الأساسي لان الفيروس يكمل دورة تطوره داخل هذا الناقل ويستطيع العيش حياً في بيوض هذا النوع من البعوض الذي يعيش في المنخفضات الجافة إلى حين امتلائها بالماء مرة أخرى وهذا ما يفسر ظهور المرض بشكله الوبائي عقب يول هذا العام ولكن لهذا النوع من الباعوض أماكن تواجد أخرى في المياه المخزونة لأكثر من 7 أيام سواء كانت لأغراض الشرب أو السباحة وفي مياه الأمطار والبرك المحجوزة للزراعة أو المتجمعة في الطرق أو الشوارع أو الراكدة والمتبقي في الصفائح الفارغة، البراميل، الإطارات وعند مكيفات الهواء وحول المسابح، لذلك فان عملية الرش بالطائرات عديمة الجدوى في القضاء علي هذا الناقل إذ أن المطلوب تجفيف أماكن تواجده وملاحقته بالمبيد المناسب يدويا.
ساعات ظهور الناقل:-
يضيف المصدر ان أهم ما يميز هذا النوع من الناقل هو انه يظهر في ساعات محدودة للتغذية، لوحظ انها تكون عادة أول الغروب وبعد شروق الشمس كما يمكن التعرف عليه من خلال الخيوط البيضاء التي تزين قوائم هذا النوع، ومع ذلك ينصح المصدر باستخدام الناموسيات توخياً للحيطة والحذر.
طرق والوقاية
يقول بروفسير حسين ان أهم طرق الوقاية تتمثل في الإجراءات المحجرية بحجز الحيوان المصاب ومنع تحركه خارج منطقة الوباء والقضاء علي المفصليات والحشرات الماصة للدماء عن طريق الرش صباحاً وعند الغروب (وقت نشاط الناقل) وإجراء المسوحات لمعرفة أماكن تواجد البعوض وضبط حركة العربات برشها بالمبيدات قبل مغادرتها وعند موانئ الوصول وتطعيم الحيوانات المعرضة وتكثيف حملات التوعية بين المواطنين عن المرض وكيفية انتقاله وسبل الوقاية منه ولا بد من عزل المرضي والمصابين في غرف أو أماكن خالية من البعوض مع عدم ملامسة أو ذبح الحيوانات المريضة وضبط صحة اللحوم والألبان في المسالخ ومزارع الألبان وتشديد الإجراءات البيطرية في ما يختص باللحوم والمنتجات الحيوانية الأخرى.
من المحرر
في ظل الظروف المناخية التي يعيشها السودان يصبح من الضروري بمكان مراجعة الثوابت والخطط الصحية السابقة آخذين في الحسبان التحولات الناجمة من التغيير المناخي. وما لم يتم إشراك المواطن في أي حملة تستهدف القضاء علي الأوبئة تصبح عبارات مثل (الوضع تحت السيطرة) أحلاماً بعيدة المنال، وعليه لابد من الإعلان الرسمي عن المرض وطلب المشورة والمساعدة من منظمة الصحة العالمية والهيئات ذات الصلة وان عدم وجود حالات إصابة بين مواطني الخرطوم لا ينفي انتقال المرض إليها ما لم توضع ترتيبات حقيقية بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال.
= == = = = = = السودان لكل السودانيين المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة