|
في أيّ اتجاه تسير اتفاقية السلام؟
|
Quote: بقلم: عثمان خضر . صوت الامة
في يوم التاسع من يناير لعام (2004م) تشابكت أيدي رئيس حكومة الإنقاذ ورئيس الحركة الشعبية (لتحرير السودان) جون قرنق دي مبيور احتفالاًً بتوقيع اتفاق السلام بعد حرب دامت لأكثر من عشرين عاماً حرقت الأخضر قبل اليابس في الشمال والجنوب وتسببت في إزهاق الآلاف المؤلفة من الأرواح من الشماليين والجنوبيين وأدّت إلى نزوح الملايين من مدنهم وقراهم إلى مدن وقرى الشمال ، ولجوء آلاف الآلاف إلى دول الجوار وغيرها من الدول الأجنبية. وبعد ذلك التشابك بالأيدي احتفالاً بتوقيع اتفاق السلام (الشامل) والعناق إيذاناً ببدء مرحلة جديدة يسودها التفاهم والثقة وتحفها الصراحة والوضوح والشفافية على مرأي ومسمع العديد من الشخصيات الإقليمية والعالمية، لم يكن أمام الشريكين غير الانهماك في إنفاذ الاتفاق وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله!! اشتمل اتفاق السلام (الشامل) على آليات بتسوية ما يمكن أن يقع من خلافات وحلحلة أيّة مشكلات تواجه الطرفين إذا ما خلصت النوايا وتطايبت النفوس!! ولكن يبدو أنّ حزب المؤتمر الوطني القابض على السلطة و(المكوش) على الثروة كان يعوّل فقط على وقف الحرب وتوفير الأموال التي تصرف عليها، غير عابئ أو آبه بإنفاذ ما انطوت عليه الاتفاقية من بنود ومطلوبات. وقد اتضح ذلك من كثرة المناكفات والمشاكسات التي كانت تدور بين الفينة والأخرى بين طرفي الاتفاق. وقد جرت الكثير من المصادمات الكلامية والتراشقات على أعلى مستوى في السلطة ولم يُبد أيّ من الطرفين المتشاكسين استعداداً وحماساً للعمل على طرح المختلف عليه من مشاكل على طاولة التفاوض أو النقاش. وتبقى عملية السلام (برمتها) معلقة في سماء الأحلام الوردية التي تراود الكثيرين بإحلال سلام عادل وشامل ، إلا أنّ واقع الحال يشير بغير ذلك فها هو الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم يفجر قنبلة داوية في شكل تصريحات بثتها قناة الجزيرة في (6/أكتوبر/2007م) اتّهم فيها المؤتمر الوطني الشريك الأكبر بارتكاب خروقات جوهرية في اتفاقية السلام مما أدّى إلى تدهور العلاقة بين الشريكين وانهيارها بعد أن وصلت إلى طريق مسدود !! وأضاف أنّ (علاقة الطرفين وصلت إلى مرحلة خطيرة بات معها السلام وبقاء السودان موحّداً في خطر). ويتبع تلك التصريحات و(الململة) إعلان الحركة بتجميد مشاركتها في الحكومة المركزية لتحريك البركة الساكنة التي كادت أن تغرق فيها اتفاقية السلام (الشامل). ذكر أحد أقطاب المؤتمر الوطني أنّ اتفاقية السلام (الشامل) قد تم إنفاذها بنسبة (97%) وذكر آخر من الحركة الشعبية أنّ نسبة الإنفاذ لا تتعدّى الثلاثين في المائة!! وواقع الحال ينكر تماماً نسبة الـ (30%) حيث ما زال الكثير من بنود اتفاقية السلام معلقاً في سماء الأحلام الوردية دون أن تنزل إلى أرض الواقع المعاش، فهنالك قضية أبيي وترسيم الحدود وإعادة انتشار قوات الحكومة وهي القضايا التي أثارتها الحركة في مذكرتها لرئيس الجمهورية ولم نتطرق إلى دستور المرحلة الانتقالية الذي ظل قابضاً في مكان (آمن) ومقفول عليه بالضبة والمفتاح دون أن ينزل إلى أرض الواقع المعاش!! وهنالك القوانين المقيدة للحريات التي سمعنا عنها الكثير ، وسمعنا أنّ هنالك ما يربو على الستن قانوناً قيد الدراسة والنظر لإلغائها أو تعديلها وسمعنا أنّ قانون الأمن الوطني المسلط كالسيف على الرقاب هو أيضاًً قيد البحث والنظر. سمعنا الكثير والكثير عن الطحن ولكننا لم نر الطحين!! يدور الكثير من الحديث والجدل عن التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة دون أن نرى أيّة جهود جادة ومخلصة من أيّ من الطرفين المعنيين حيث ما زالت القوانين المقيدة للحريات وغيرها من القوانين سارية المفعول ومعمولاًً بها رغم أنف دستور المرحلة الانتقالية!! إنّ أهل الإنقاذ يرون في اتفاقية السلام (الشامل) غير ما يراه الآخرون وقد عبروا بها إلى وقف القتال وإنهاء نزيف الصرف عليه بعد إن اقتنعوا و(آمنوا) بأنّ نظريتهم لحسم الصراع بالبندقية لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب والدمار وإزهاق الأرواح وضياع الأموال والثمرات ووقّعوا على اتفاقية السلام وهم غير راضين تمام الرضاء عن الكثير من بنودها خاصة تلك التي تتعلق بالسلطة والثروة! وهم الآن في وضع لا يحسدون عليه ؛ فالبحر من أمامهم والعدو من خلفهم!! ولا سبيل للتقهقر أو الإفصاح عن حقيقة المواقف!! وعلى الحركة الشعبية (لتحرير السودان) إن كانت جادة فعلاًً في إنفاذ اتفاقية السلام (الشامل) أن تُعلن موقفها بوضوح من قضية التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة وإلغاء كافة القوانين المفيدة للحريات وكذلك قانون الأمن الوطني!! لقد انقضى من الفترة الانتقالية أكثر من نصفها وما زال إيقاع تنفيذ اتفاقية السلام بطيئاً وفي بعض الأحوال متوقفاً دون إبداء أيّة أسباب للبطء أو التوقف وكأن الشريكين اكتفيا بما حصلا عليه من مكاسب أو مغانم!!
|
|
|
|
|
|
|