|
حسب ونسب توت عنخ آمون: ملحمة امريكية لتحرير التاريخ
|
قرأت هذا المقال في سودانايل فأعجبني و أردت إشراككم في قراءته. أنشره بعد أن أخذت الإذن من الأستاذ مصطفى كاتب المقال:
حسب ونسب توت عنخ آمون: ملحمة امريكية لتحرير التاريخ
مصطفي عبد العزيز البطل
شهد الساحلان الامريكيان الشرقي و الغربي و بعض مدن الوسط الامريكي خلال الاسبوعين الاخيرين مظاهر احتجاج صاخبة استنكارا و تنديدا بتصريحات ادلي بها د. زاهي حوّاس، عالم المصريات المعروف و رئيس المجلس الاعلي للاثار في مصر، ضمن محاضرة قدمها في ١٦ سبتمبر الماضي بمدينة فلادلفيا. و قد انعكست مظاهر الاحتجاج و تداعياتها علي المسارح الاعلامية و الثقافية الامريكية، كما انعكست بصور مختلفة علي مجتمعات المهاجرين الافارقة و العرب. كان العالم المصري يخاطب جمهورا شديد الاهتمام و الاعجاب بالحضارة الفرعونية و ملوكها العظام و ملكاتها الجميلات، و قد جاء – ذلك الجمهور- لحضور افتتاح معرض الملك توت عنخ امون الذي اقيم في عدة مدن امريكية قبل انتقاله مطلع اكتوبر الي اوربا. قال حواس: ( ان توت عنخ امون لم يكن افريقيا اسوداّ، و ان الحضارة المصرية الفرعونية ليست افريقية الاصل و المنشأ)، و لكأن خبير الاثار الدولي قد فتح علي نفسه بهذه الكلمات الباب الذي تأتي منه كل الرياح و الزعابيب! و قد ذهبت بعض التحليلات في هذا الصدد مذاهب قددا، المح بعضها الي ان تصريحات حواس ربما كانت تمثل موقفا مصريا رسميا مدروسا الغرض منه التعبير عن ضيق النخبة الحاكمة في مصر و معارضتها لبرنامج "مصر القديمة نور العالم" الذي تنظمه جهات امريكية ضاربة التأثير و التمويل تتبني نظرية المنشأ الافريقي للحضارة المصرية القديمة، و يشتمل البرنامج علي عروض ضخمة ومظاهر ثقافية و محاضرات علمية في عدد من دول العالم.
ردود الفعل العاصفة الرافضة لتصريحات حوّاس استندت علي تحفظات علمية و توجسات عنصرية. من الوجهة العلمية فأن هناك جهودا و اسهامات متواترة، عبر السنوات الستين المنصرمة، حمل لواءها مؤرخون و علماء اوربيون و امريكيون و افارقة متخصصون في المصريات و الدراسات النوبية، تتبني نظرية المنشأ الافريقي للحضارة المصرية القديمة. و قد تقبلت هيئة اليونسكو طروحات هؤلاء العلماء لحد كبير حيث تبنت الهيئة الدولية عدة مؤتمرات علمية بغرض التداول حولها و تقويمها، و حثت العلماء علي استئناف مجهوداتهم باتجاه مزيد من الاضافات العلمية. و التوجس العنصري، الذي استبطنه في تصريحات حواس، عدد من منظمات الامريكيين السود و المهاجرين الافارقة مصدره بالدرجة الاولي ان العالم المصري لم يقدم بين يدي اعلانه المفاجئ اية ادلة علمية تدحض نظريات الاصل الافريقي المستقرة و تقدم بإزائها طرحا تفسيرياً بديلا، بل و لم يحاول، مجرد محاولة، الاجابة علي الاسئلة المنطقية التي يطرحها اعلانه تلقائيا و ابرز هذه الاسئلة المنطقية: اذا لم تكن الحضارة المصرية القديمة التي قامت في قلب افريقيا و رسخت في صعيد مصر، في مناطق اسوان عاصمة مصر القديمة و امتداداتها في عمق القارة السوداء، حضارةً افريقية و لم يكن توت عنخ امون و رصفائه افارقة، و بما ان الثابت تاريخيا ان العرب لم يدخلوا مصر الا سنة ٦٤١، فمن اذن كان بناة تلك الحضارة و من اين جاءوا؟! و الحال كذلك فقد بدا العالم المصري و كأنه يقول للامريكيين، و من ورائهم الدنيا و العالمين: صحيح انه ليست لدي نظرية تفسيرية مقابلة ادفع بها النظريات القائمة، و صحيح انني لا اعرف ما هي الاصول العرقية للمصريين القدماء، و لكنني اعرف شيئا واحدا و هو انه لا يمكن و لا يُعقل ان يكون سود افريقيا هم سدنة تلك الحضارة و اعمدتها!! الافتقار الشديد للروح العلمية و التثبُّت المنهجي في تصريحات حواس، فضلا عن الملمح العنصري الذي تلَمّسه بين ثناياها الامريكيون سوداً و بيضا، في بلد شديد الحساسية بحكم خلفيته التاريخيه و تكوينه الديمغرافي، اضعف بلا شك من مصداقية العالم المصري الكبير و خصم من ارصدته العلمية و الاخلاقية، و لكنه الي ذلك بعث الي الحياة من جديد قضية كان الجدل حولها قد خفت و انحسر.
|
|
|
|
|
|
|
|
|