|
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... (Re: Ibrahim Algrefwi)
|
الدَّمْبَارِي!
كتابة لعالم عباس ...
قال المعرِّي: "فلا تحقِرَ المُزْدرَى في العُيون/ فكَمْ نَفَعَ الهَيِّنُ المُزْدرَى"! والخريف يأتي أحياناً بمطر ضنين فنتضرع هلعاً نستسقي المولى الغفور الرحيم طالبين الغوث. ويأتي أحياناً عارماُ بالسيل المنهمر، فيجرف ويهدم ويدمر، ومع هذا الخراب، فإننا في دارفور نستبشر بثورته ورعونته في إيمان عجيب، مهما دمَّر، نقول: (المَطَرْ خِيرْ، كان تَلـَّفْ كلـُّو بَعَدِّلْ)! ينتقل المزارع من قلق المطر إلى قلق الآفات، من البذر وحتى الحصاد، من القوارض والهوام والطير، ما بين الجذور والنجم والشجر. لكن جائحة الجراد، حين ينتشر، تظل هي البلاء العظيم! أسراب الجراد، أياً كان نوعه، شاو أو ساري الليل، أم جُرْكـُم أو أم سميندو، تأتي غالباً، مع بدايات الدَّرَت حين "تلبِّن" السنابل، تماماً كما في المثل (بعد ما لبّنت جاها الطير)! حينئذٍ، يأخذ الناس هَمٌّ عظيم لمكافحتها. أذكر بعض مواسم هذا الغزو، وقد غطت أفق الفاشر غمامة سوداء صارت تقترب شيئاً فشيئاً، ثم بدأت بعض طلائع الجراد تتساقط محدثة أصوات كسقوط البَرَد، ثم أظلم الجو، وصارت السماء ملاءة سوداء تضطرب في هسيس، وما لبث أن حط بعضها على الشجر، فإذا به يعرى، وأوراقه تختفي، وتصبح سيقانه جرداء وبعض أشواك، والجراد ملتصق بأغصانه العارية، يأكل في شراهة مخيفة، وإذا البقايا مما أكلت متكدسة تحت الجذوع، وإذا الناس في هلع عظيم. ثم ما لبثت طائرات المكافحة الحمراء الصغيرة أن هدرت ترش السُّم! ساعة من زمان، ثم رويداً رويداً انقشعت تلكم الغمامة، والناس يحوقلون ويسبحون! أما حال المزارع حول المدينة فقد كان يغني عن السؤال: الجراد مر من هنا! في تلك الأطراف، وفي مكان منعزل، كان يقوم كوخ يبدو مهجوراً، عليه سيماء القذارة والإهمال، لا يقربه الناس، ويحذرون أطفالهم من الاقتراب منه، لذا كان خيال الطفولة ينسج حوله حكايات الرعب! وما أن تظهر طلائع الجراد، حتى يبدأ الناس يتهامسون: أين الدَّمْبَاري؟! وكان ثمة دائماً من يعرفون أين يجدونه! هو شخص زري الهيئة، نحيف الجسم، أقرب إلى الطول منه إلى القصر، مع انحناءة قليلة إلى الأمام، رث الثياب، تفوح منه نتانة ظاهرة، وعلى صدره وعنقه قلائد غريبة من عظام ولفائف وأشياء متنافرة وقذرة، وعلى رأسه إما قلنسوة عالية أو عصابة غريبة! كان أهل القرية يجمعون بعض النقود والأشياء العينية كأتاوة يعطونها لهذا الدَّمْبَاري كي يسوق الجراد بعيداً عن مزارعهم! وكان الدَّمْبَاري، متى تسلم هذه الجعالة، عاد إلى كوخه، وغاب فيه ما شاء الله له أن يغيب، ثم خرج حاملاً عصاه، تلك الطويلة المرصعة بقطع من القماش المهترئ وبعض الخرز والتمائم والسيور، وقام بأداء بعض الطقوس، ثم، ويا للغرابة، ما أن يتجمع الجراد في الأفق حتى يرفع عصاه، فإذا بأسراب الجراد تطير! ثم ينزل عصاه فتهبط الأسراب، ثم يلوِّح بعصاه شرقاً فيتجه الجراد نحو الشرق، أو غرباً فيتجه نحو الغرب، حتى إذا استعرض سيطرته عليه رفع عصاه وسار، والجراد غمامة من فوقه تتبعه، فيسوقه من مزارع القرية حتى يلاقي دَمْبَاريَّاً آخر يتسلمه منه ليتجه به إلى حيث يريد! هذا الدَّمْبَاري لا يظهر إلا في مواسم الجراد، أما في غيرها فلن تجد له أثراً! يتنقل من قرية إلى قرية دون أن يُعرف له أصل أو فصل، أو من أين جاء، أو إلى أين يذهب. ليس له أهل ولا ولد، ويظهر، حين يظهر، فقط لأداء هذا الدور! لكن هل يحترمه الناس؟ لا، بل يحتقرونه، وهو يعرف ذلك، كما يعرف أيضاً أن الناس لا يستطيعون الاستغناء عنه، وإن أغضبوه أو امتنعوا عن تلبية طلباته، وهي تافهة في الغالب، فالويل لهم من غضبته، إذ سيسوق الجراد إلى مزارعهم فيصيبهم بالخسران المبين! أهل القرية يتهامسون بأن الدَّمْبَاري يسيطر على الجراد بالسحر، فيبغضونه لذلك! لكنهم، رغم معرفتهم بالدين، لا حيلة لهم في موسم الجراد بدونه! أما في غير هذا الموسم فيظل الكوخ المهجور منزله، تحيط به القذارة والنتانة واحتقار أهل القرية! ويظل هو هائماً في عزلته الغامضة، حتى يذكرهم به الجراد!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 08-29-07, 05:46 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 08-29-07, 06:11 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 08-30-07, 05:29 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-09-07, 12:35 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-09-07, 12:55 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 09-10-07, 00:36 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | أبوذر بابكر | 09-09-07, 02:14 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 09-10-07, 00:27 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Tagelsir Elmelik | 09-10-07, 01:07 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Tumadir | 09-10-07, 01:36 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-10-07, 11:49 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-11-07, 12:26 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | اينانا | 09-11-07, 01:38 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | محمد ابو القاسم | 09-11-07, 01:54 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Maysoon Nigoumi | 09-11-07, 02:07 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 09-11-07, 06:24 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-13-07, 08:57 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | إيمان أحمد | 09-13-07, 09:33 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-14-07, 09:20 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-14-07, 09:23 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-16-07, 07:40 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | نهال كرار | 09-17-07, 06:06 AM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | Ibrahim Algrefwi | 09-19-07, 06:44 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-19-07, 08:08 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-19-07, 08:16 PM |
Re: مزيكة وحكايات أُخري ... | fadlabi | 09-19-07, 08:27 PM |
|
|
|