مشلهت والضياع الكبير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 09:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-29-2007, 05:08 AM

Rayah
<aRayah
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مشلهت والضياع الكبير


    الإخوة الأحباب

    تحياتي

    يسرني أن أنقل لكم الجزء الثاني من روايتي الثلاثية (تغريبة بني شقيش وفارسهم الهمام المشلهت الدياسبوري) الجزء الأول بدأ من البيان الأول لإنقلاب نميري 25 مايو حيث بدأ عهد الإغتراب أول خطواته.

    الجزء الثاني بعد رجوع مشلهت.
    الجزء الثالث يمتد في حقبة زمنية تقوده حتى جوانتانامو.

    وقد رأيت أن أنشر الجزء الثاني كاملاً لأني لم أجد وسيلة أخرى لتوصيله لكم. إلا إنني مضطر لتقسيمه على جزئين وسأنشر الجزء الثاني الإسبوع القادم إن شاء الله. فأرجو أن تصبروا على قراءة النص أنتم وأسركم وأن تغفروا لنا الأخطاء التي لا تخفى على فطنتكم.

    أخوكم محمد عبدالله الريح





    مشلهت والضياع الكبير



    كان إنت عاضيك كلب ، أنا راميني جمل !



    أ.د. محمد عبدالله الريح







    هل هذا الصوت آذأن لصلاة الصبح ؟
    يبدو أنه هو … لابد أن يكون موعد الصلاة قد اقترب إذ أن الآذان كرر مرتين أن الصلاة خير من النوم …. ولهذا نهض مشلهت وتوضأ وارتدى ملابسه وخرج في طريقه الى المسجد … الصف الأول والثاني والثالث … نفس الوجوه التي اعتادت أن تصلي الصبح في المسجد … بزيادة عدد بسيط أو نقصأن شخص أو شخصين من الأمور الروتينية التي اعتاد مشلهت أن يلاحظها … فليس هناك شئ غير عادي ولكن عندما خرج من المسجد فلم يجد حذاءه … كان هذا أمراً غير مألوف … او علي الأقل غير مألوف لديه … فمن وقت لآخر يفتقد أحد المصلين حذاءه ويشارك الجميع في تعزيته وذلك بإظهار استنكار وقتي وأن المساجد أصبحت في الآونة الأخيرة أماكن لسرقة الأحذية من بعض ضعاف النفوس … ولكن من غير المألوف أن يحدث ذلك له … فلم يحدث أن فقد حذاءً من قبل والأمر لا يتعلق بسرقة الحذاء من حيث أنها سرقة وأنه حذاء ولكن للأمر وجهاً آخر . فقد وصله الحذاء من ابنه حيدر المغترب في السعودية مع عدد من الأشياء والمصاريف الشهرية … ولأن إبنه يعرف أن والده مصاب بمرض السكر وأنه يشكو من نقرس يؤدى أحيأنا لتورم في إصبعه الكبير فقد طاف بعدد الصيدليات التي تبيع أحذية طبية واختار الحذاء الذي أرسله مع أحد الأشخاص بواسطة صديقه هاشم وقد بر هذا الشخص بوعده إذ أنه سرعأن ما اتصل بمشلهت هاتفياً بمجرد وصوله الى أهله في الكلاكلة صنقعت وأعطى وصفاً دقيقاً مما سهل على مشلهت الوصول إليه واستلام الكيس الذي يحتوي على الأغراض التي أرسلها إبنه وكذلك الخمسمائة ريال … وهو يدعو لإبنه عقب صلواته أن يوفقه الله ويحفظه ويغطيه من كل شر وبليه .
    في المساء كان مشلهت ينتعل الحذاء فيشعر براحة عميقة وكأن قدميه تتنفسان الصعداء … وكأنهما عادتا شابتين قويتين تستطيعأن حمل ذلك الجسم دون أن تتأوها … شعور مريح أن تشعر أنك تملك قدمين لا تنبعث منهما نارية أو يشكوان من آلام غير محددة .
    ولم يساوره أدني شك أن فرحته لن تدوم طويلاً عندما وضع قدميه داخل ذلك الحذاء الطبي وهو يتجه نحو المسجد … ولكن ضاع كل شئ الآن … وأدخل غمامة من حزن دفين هبط عليه في ساعة الفجر تلك فهو يسمع أصوات المصلين وقد تركت توجيه لعناتها للسارق وأخذت تصب جام إنتقاداتها نحوه .
    • لكن يا حاج مشلهت … إنت ذاتك غلطان … هسع دى جزمة الواحد يجئ بيها الجامع ؟ … كدي شوف كلنا لابسين براطيش بس … ومافى زول يجي لابس جزمة …
    ويتطوع أحدهم ليقص قصة في اختصار تعنى أنه فقد حذائين من قبل ولكنه اتعظ فأنضم الى جماعة البرطوش … وحارس المسجد وبعد أن لعن اللصوص جملة وتفصيلاً اخذ يحكى عن عدد الذين فقدوا أحذيتهم في عقد قرأن ابنة أحد رواد المسجد وذلك بعد صلاة العصر يوم الخميس الماضي … وهو يعتقد أن الخطأ يكمن في دائرة الذين لا يحملون أحذيتهم في أيديهم ويضعونها نصب أعينهم .
    ولأن السارق ويبدو عليه أنه من النوع الذي يقصد السرقة من اجل عائدها فلم يترك خلفه أية سفنجة أو شيئاً تنتعله الضحية ولهذا كان على مشلهت أن يعود حافياً الى منزله في تلك الساعة المبكرة من الصباح .
    منزله يقع في نهاية الأحياء التي تحيط بالمسجد وعليه أن يسير بحذر على أطراف أصابعه حتى لا يتعرض لجرح وهو مريض بالسكري فيؤدى ذلك إلى عواقب وخيمة …… وقبل أن يصل الى نهاية المربوع وبما أنه يعانى من ضعف في النظر بسبب السكري المذكور لم يتبين حجراً مغروساً بالقرب من جدار فكاد أن يصطدم به ولكنه تحاشاه في اللحظة الأخيرة مما جعله يترنح ويفقد بعضاً من توازنه .
    حركته غير المتوازنة في تلك الساعة من الفجر أخافت كلباً كان رابضاً في مكان قريب فكشر عن أنيابه وهجم على رجل مشلهت وتركها والدم يتدفق منها غزيراً… باغتت المفاجأة مشلهت فتراجع الى الخلف وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه وهو يصيح :
    • آخ … آخ … الله يأذيك … يا أخوأنا الكلب عضاني .
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    وسمع صيحته بعض المصلين الذين سبقوه الى نهاية الشارع فعادوا وهم يتساءلون :
    • شنو الحكاية يا مشلهت ؟
    • عضاني كلب .
    • لا حول ولا قوة إلا بالله … الكلب كمان الجابك ليهو شنو ؟
    لم يعجب ذلك السؤال مشلهت فصاح في ضيق :
    • يا أخي الجابنى ليهو أنا شنو ولا الجابو هو لي شنو ؟ أنا ماشى في دربي يا أخي يقوم يهجم علي ويعضيني ؟
    وتساءل أحدهم :
    • هو دا كلب منو؟
    ويجيبه أحدهم
    • يا أخى منو العارفو كلب منو؟ … ماهي كلاب ضالة مالية الشوارع… والمحلية ما شايفة شغلها … ويأخذ أحدهم زمام المبادرة في هذه النقطة :
    • هو المحلية ما شايفة شغلها في حالة الكلاب بس ؟ دى ما عندها شغل غير العوايد والموية … وغيرها … في اقل حاجة يجيك انذار بالقطع وبالمثول أمام المحكمة … وما شايفين حالة الشوارع دى ولا الحفر ولا المواسير المكسرة والموية المدفقة … وصحة البيئة كيف شكلها؟
    ولكن كل ذلك لا يعنى مشلهت في هذه اللحظة . كل الذي يعنيه هو ماذا يفعل وقد عضه كلب وضربه (حجر دغش) وهو الى تلك اللحظة لم يكن يدري ماذا يعنى عندما يتساءل أحدهم (أصلو ضاربو فيها حجر دغش؟).
    وهاهو حجر الدغش وببيانه العملي قد ضربه … فترنح فهجم عليه الكلب وعضه … والقوم الذين تجمعوا حوله تركوا أمر حجر الدغش وتركوا أمر الكلب وعقدوا مؤتمراً سريعاً للحديث عن قصور المحليات .
    • يا أخوأنا … هسع اعمل شنو …
    أحد جيرانه رجل شهم تطوع بإخراج عربته من الجراج ليأخذه للمستشفى .. وفكر مشلهت أن يصل الى منزله ليخبر الجماعة بما حدث له الا إنه صرف تفكيره عن هذه الخطوة حتى لا يزعج الجماعة في البيت واحضر له جاره سفنجة لينتعلها .
    الساعة تشير الى السادسة والنصف صباحاً في زمن البكور هذا ولكنها بالتوقيت الجغرافي هي الخامسة والنصف … وذلك عندما توقفت العربة أمام قسم الحوادث بالمستشفى … واصر مشلهت على جاره بالإنصراف لأنه يعلم أن موعد عمله يبدا في السابعة والنصف … وبما أنه من غير المحدد كم يبقى مشلهت في قسم الحوادث … فلن يكون صائباً أن يبق جاره معه .
    الجرح كان ينزف بغزارة الا أن الدم توقف بعد أن اختلط بالغبار وبشوائب الطريق فبدت قدم مشلهت غبشاء يغطى أجزاء منها الدم المتجمد ذو اللون الداكن …

    ردهة طويلة تقع أمام قسم الحوادث اكتظت ببعض الناس الذين يشكون من أمراض وحوادث هبطت عليهم فجأة في ليلة البارحة وصباح اليوم … فهناك الذي يشكو مغصاً كلوياً والذي جاءوا به بعد أن أوسعه أحدهم ضرباً على الرأس فسالت دماؤه وغطت وجهه ولطخت ملابسه فبدأ منظره وكانه يعاني من إصابة خطيرة وفى الواقع كما تبادر لذهن مشلهت فإن الحوادث تبدو اكبر من حجمها الطبيعي … ضربة صغيرة يسيل لها دم كثير … وتولول النسوة ويتجمع المارة.

    جلس مشلهت بالقرب من رجل عجوز … يبصق من وقت لآخر وهو يضغط على بطنه … وكان الفضول لديه اكبر من الأزمة الصحية التي يمر بها ويبدو عليه أنه سأل جميع الموجودين في العيادة عن أمراضهم ولم يبق الا مشلهت ولأنه جاء لتوه فلم يسأله وهاهو يلتفت نحو مشلهت قائلاً :

    • مالك يا خوى … نعل مافى عوجة؟
    • عاضينى كلب .
    • يا الشيخ الطريفى … خشيم السعر وجاموس الوعر .. والكلب دا يا أخوى الجابك ليهو شنو لحدي ما يعضيك كدي ؟
    الغريب في الأمر أن كل الذين إلتقى بهم سألوه نفس السؤال وكأنه هو الذي جاب نفسه للكلب … فقال للشيخ ؟
    • كنت مارق من الجامع ولاقاني في السكة .
    • ولى شنو ما بتشيل معاك عصاية تضربوا بيها ؟ والله عاد يا ناس المدينة بقيتو لا بتسعوا عصاية ولا بتسعوا سيف ويقبض الرجل على بطنه وهو يصر وجهه من الألم …فيدخل معه مشلهت في سين وجيم :
    • وإنت مالك يا أبوي .. الحاصل ليك شنو ؟
    • أنا ؟
    • أي ..
    • والله باقي شربت لي لبينة غلتت عليّ وهسع بطني دى كلها ماسكاني .. قلت اجى الإسبتالية هني كان ألقى لي علاج .
    • وجيت هنا متين ؟
    • جيت بعد ما صليت العشا .
    • من العشا إنت في الحالة دى ولا في أي زول كشف عليك ولا شافك ؟
    • والله من العشا أنا هني … والناس دى تدخل وتمرق وما فى زول أداني التكتح دي … ولا زول قال لي حاجة وكل ما أقول ليهم يا أخواني عالجوني يقولوا لى أصبر نحنا مشغولين بركاب البص الإنقلب في الخوجلاب .
    ويهب مشلهت واقفاً لينظر داخل إحدى الغرف فيرى عدداً من الناس وكانهم بقايا معركة داحس والغبراء … فيدرك أن إقامته داخل قسم الحوادث ستطول … فيستنجد بأحد أشبال الأطباء فيساله الطبيب :
    • وإنت مالك؟
    • أنا عاضينى كلب ؟
    • هو إيه الحكاية؟ … إنت عاضيك كلب … ودا راميهو جمل الحكاية شنو؟
    وادرك مشلهت أنه لن يصل الى قرار مع ذلك الطبيب فقال له :
    • الحكاية إنو سرقوا جزمتى
    ويصيح الطبيب :
    • والله حكاية … سرقوا جزمتك ؟ نحن فى نقطة بوليس ؟ ما تمشي تفتح بلاغ هناك … شوف المصايب النحنا واقعين فيها ..
    ويقاطعه مشلهت :
    • مافى مصايب إنتو اقعين فيها … المصايب واقعين فيها نحنا .
    • طيب اقدر اعرف آيه علاقة سرقة جزمتك بي أنا أو بجيتك هنا؟
    • لو ما سرقوا جزمتى أنا ما بكون هنا ..!!
    • يا أخي إنت عايز تجنني ؟ كيف يعنى لو ما سرقوا جزمتك إنت ما بتكون هنا ؟
    • لما سرقوا جزمتى من الجامع أنا رجعت البيت حفيان وفى السكة عترت فوق حجر كان تحتو كلب قام عضاني .
    ويهدأ الدكتور قليلاً ويقول :
    • وينا العضة ؟
    • اهى دى .
    ويتفحص الدكتور العضة ثم يقول له
    • طيب تعال معاى ..
    وياخذه الى غرفة غيارات حيث كإنت توجد ممرضة ممتلئة الجسم لا يبدو عليها أي هظار بل صرامة تامة … ولا تتحدث الا بهمهمات تجعل اتخن تخين يسألها مرتين وتلاتة قائلاً :
    • قلتي شنو؟
    فطلب منها الدكتور أن تسعف مشلهت .. ولم ترفع رأسها عن المريض الذي كانت تلف يده بشريط أبيض إلا إنها قالت :
    • امش جـ … ش … شر .. رات … ويستفهم مشلهت
    • قلتي شنو ؟
    وتصرخ الممرضة :
    • إنت ما بتسمع ولا شنو ؟ قلت ليك أمشي جيب شرايط وغيارات .
    • من وين؟
    • أنا عارفة من وين ؟ما تشوف الناس بجيبوهم من وين وتمشي تجيب زي ما الناس بتجيبهم ويخرج مشلهت من غرفة الغيارات ويقابل فى طريقه ذلك الطبيب الذي جاء به لغرفة الغيارات
    • اها عملت شنو ؟
    • قالت لي أمشي جيب غيار وأنا ما عارف الغيار بيجيبوه من وين …
    • يا اخى أمشي قدام الاسبتالية تلقى واحد عنده طبلية عنده الغيارات والحقن وأي حاجة .
    وبعدين طبعاً لازم تمشوا تجيبوا حقن بتاعة سعر … يعنى مصل مضاد للسعر .
    • ودا أجيبوا من وين كمان ؟
    • فى السوق قالوا في مصل فرنساوي أسمو فيرنا بس ما تجيب التايلأندي…
    • ويصاب مشلهت بنوبة سخرية فيقول :
    • وهو ناس تايلاند قاعدين يجحموا ؟ أنا قايل السعر دا عندنا هنا بس .
    • أمشي … أمشي بطل الغلبة … جيب حاجاتك وتعال .
    نسي مشلهت إنه فى زحمة ما حدث له لا يحمل نقوداً فالجلابية التي يلبسها تناولها من الشماعة ليحصل بها صلاة الصبح وقد كإنت جيوبها فارغة ثم إن جاره هو الذي نقله الى المستشفى … فماذا يفعل ؟
    لو حاول أن يتقدم لأى شخص ليقول له إنه لا يحمل نقوداً وإنه جاء إلى المستشفى بعد أن سرق منه حذاءه فتعرض لعضة من كلب كان يجلس خلف حجر تعثر عليه مشلهت لما صدقه أحد ولظنوه محتالاً مثل غيره من المحتالين الذين يتحاومون داخل وأمام المستشفيات ولذلك أخذ يفكر في وسيلة لتأخذه لمنزله … وعلي الأقل يخبرهم بما حدث .
    ومرة أخري لمحه ذلك الطبيب فبادره الطبيب قائلاً :
    • وإنت لسع بتتحاوم بجاي ما مشيت جبت الغيارات ولا المصل ؟ شوف السعر دا مرض فظيع جداً … ولازم تلحقه بسرعة وكلما تتأخر ما بكون في صالحك والفيروس ممكن يصل المخ وبعدين ما بتحلق ….
    • فتقدم نحو بوابة قسم الحوادث عندما شعر بيد تربت على كتفه فالتفت خلفه .
    • وين يا أبوها … كيفنك .. أن شاء الله خير .. ما قاعدين نشوفك .
    يا لها من صدفة … صديقه عبد الرؤوف … له مدة طويلة منذ أن قابله آخر مرة فى عقد قرأن إبنة صديقهم فيصل … وتنفس اكثر من صعداء .
    • يا سلام يا عبد الرؤوف … ازيك .. والله صدفة غريبة … تصور من آخر مرة قابلتك فيها في عرس ناس فيصل … تأني ما أتلاقينا .
    • نتلاقى وين في الزحمة دى؟ … المهم إنت عامل كيف ؟ ومالك بجاي … نعل ما فى عوجة؟ …
    • والله يا أخي العوجات في .. أولا سرقوا جزمتى في الجامع … وعضاني كلب …. ودلوقت مفروض أجيب غيارات ومصل بتاع السعر .
    • لا حول ولا قوة الا بالله … وهسع ماشي وين ؟
    • ماشى البيت .
    • لكين إنت لسة بتنزف … ما عملوا ليك غيار ولا شنو ؟
    • يا اخى أنا قمت بجلابيتي وعندي جارى جابني هنا … وما شايل معاى قروش فقلت أمشي البيت اشيل قروشي وبعدين امشي أفتش لي مصل للعلاج.
    • بيت شنو يا اخى؟ أنا شايل معاى قروش .. دقيقة
    ويتجه عبد الرؤوف نحو عربته …و يصيح مشلهت :
    • اقيف يا عبد الرؤوف … مافى داعي .. ما خلاص أنا حامشي البيت عشان أغير … و
    ولكن عبد الرؤوف لا يلتفت إليه … بل يفتح باب عربته ثم يتناول ربطتين من الأوراق النقدية :
    • هاك دى ميتين ألف … أمسك … وأسعف نفسك السعر دا بطال جداً ولازم تحصلوا بسرعة … ويتناول مشلهت النقود وهو يتمتم بعبارات الشكر نحو صديقه عبد الرؤوف .
    • شكراً جزيلاً … ما كان في داعي أنا اصلو كنت عايز امشي البيت .
    • تمشي البيت شنو يا راجل؟ .. إنت لازم تسعف نفسك الواحد يعضيه كلب في البلد دي يوديه فى داهية … اها … مع السلامة واتصل بي وريني الحاصل شنو ؟
    وأنصرف عبد الرؤوف … وقد نسي مشلهت أن يسأله عن سبب حضوره للمستشفى فشعر ببعض التقصير .. وسيسأله في المرة القادمة أو عندما يتصل به .
    بعض الصيدليات حول المستشفى … تحمل لافتات بعيدة كل البعد عما فى داخلها … رفوف تتناثر عليها مستحضرات التجميل وفرش الأسنأن والمعجون وقد غطاها الغبار ثم هناك فتاة صيدلية … تجلس على مقعد لا ترفع رأسها عن ورقة تكتب عليها او تقرأ فيها شيئاً وشاب يضع يديه على حافة طاولة طويلة بيضاء تمتد على امتداد الصيدلية تجعلك تتساءل كيف يدخل هؤلاء العاملون خلف تلك الطاولة .
    وقف مشلهت أمام البنت ثم سألها قائلاً :
    • عندكم مصل بتاع الكلب ؟
    وأشارت البنت الى الشخص الواقف والذي هز رأسه بالنفي دون أن يتكلم .
    فسأله مشلهت :
    • بتلقي وين المصل دا ؟
    • شوف الصيدليات التانية … نحنا ما قاعدين نجيبو .
    ونحنا ما قاعدين نجيبو … وشوف الصيدليات التانية …
    امتدت لاكثر من عشر صيدليات دون أن يجد من يقول له أين يجده فقط ظل سؤاله هذا بدون إجابة فقرر أن يهاجر من الخرطوم بحري الى الخرطوم فالصيدليات هناك كثيرة ويتوفر فيها الدواء .
    وإنتصف النهار والحركة تزحف والدفارات تزاحم الحافلات والحافلات تزاحمها الميني باص والتي اعتاد الناس أن ينادوها بأمجاد ومخنق صينية كوبر يضيق ويضيق حتى بدأ عنق الزجاجة أرحم منه
    … ولكن فجأة تحركت الحركة ولا أحد يدرى ما الذي كان يحبس الحركة هكذا … الحركة هنا تنحبس وتنفك دون أن يدرك أحد السبب .
    وتكرر نفس المشهد في صيدليات الخرطوم … فأيقن مشلهت أنه هالك لا محالة … كيف لا توجد صيدلية واحدة يوجد فيها ذلك المصل الضروري لحياة أنسأن فعليه إذن الاتجاه لصيدليات أمد رمأن .
    وأمام أول صيدلية وجد رجلاً لا هم له الا سؤال الناس عن الدواء الذي يريدونه وهو لا يدرى هل ذلك الشخص متطوع أم أن تلك الصيدلية تستخدمه لارشاد زبائنها .
    • اها … يا خوي إنت داير شنو ؟
    • داير مصل سعر
    • لا حول ولا قوة الا بالله … يا أخوى إنت كان كدي قاعد تفتش للبن الطير … مصل سعر ؟ .. دا وين بتلقي ؟ أصلك ما تتعب روحك … المصل دا كان قريب في ليبيا ولا السعودية .
    دحين كان عندك زول هناك رسل ليهو يرسل ليك المصل … ولكن ما تتعب ساكت حاصل فاضي …
    ويجيب مشلهت :
    • السعودية عندي فيها ولدى … وممكن أتصل بيهو يرسلو لي … لكن قالوا لي الموضوع دا ما عايز تأخير … ولازم الليلة دى أنطعن …
    ويرد الرجل بتأكيد لا يدع مجالاً للشك :
    • غايتو المصل دا هنا ما بتلقي … الله أعلم يكون وين … لكين أنا بوصف ليك زول في سوق ليبيا إسمو بتاع العناقريب …اصلو بنجر وبجلد العناقريب في بيتو … إنت بتعرف سوق ليبيا ؟
    • يعني … مشيت مرة مع واحد صاحبي ..
    • شوف تركب بجاى البصات الماشة ليبيا بالنص… بعدين بتلقى السوق بتاع الأقمشة والإلكترونيات أسال من واحد أسمو إسماعيل الساعاتي … راجل مشهور وقول ليهو عايز يوصف ليك بيت بتاع العناقريب . الراجل شغال في الأدوية من ليبيا يمكن تلقى عندو المصل دا ؟
    وطيلة الوقت الذي قضاه مشلهت في الحافلة ظل يفكر في بتاع العناقريب . ما هي العلاقة بين العناقريب وبين الأدوية … وطافت بذهنه حكاية : حليل الرجال … الخ .
    فأنطبعت ابتسامة على وجهه ظنها أحد الجالسين موجهة له ، وكان يحدق في وجه مشلهت … إذ أنه كان غريباً فليس من ركاب الحافلة العاديين .
    فابتسم الرجل وألقى بالتحية على مشلهت حتى إذا وقفت الحافلة ونزل منها مشلهت نزل معه ذلك الرجل ووقد تقدم نحو مشلهت وهو يقول :
    • كيفك ؟ …. ما أظنك قاعد تجى هنا ؟
    • لا أبداً ..
    • تصور … أنا عرفتك ما من هنا … ناس الحتة دى ظاهرين ولا يمكن عشان أنا ساكن هنا يبدو لي ظاهرين ؟
    • طبعاً … لأنك ساكن معاهم .
    • ومالك بجاي ؟
    • وصفوا لي واحد في السوق هنا إسمو إسماعيل الساعاتي .. عايز أصلو…
    ويصيح الرجل :
    • أنا ذاتي ماشى قريب هناك … إسماعيل الساعاتي دا … هو بالنهار شغال ساعاتي لكين بالليل عندو سفلي … والناس بعرفوه عشان كدا … غايتو أمة عجيبة .
    نعم عجيبة جداً … ف بتاع العناقريب يتاجر في الأدوية وكانه هيئة إمدادات طبية وإسماعيل الساعاتي عنده سفلي ممكن يساعده في ضبط الساعات . وهذا مشلهت لايص بينهما يبحث عن مصل للسعر . ويتساءل مشلهت :
    • ودا بعمل شنو بالسفلي بتاعو دا؟
    • آووه … بعمل حاجات كتيرة …. بس إنت لما تحتاج ليهو تعال ليهو طوالى
    إسماعيل الساعاتي كان كريماً جداً على غير ما توقع مشلهت إذ أنه أرسل معه أحد أولاده ليوصله ل بتاع العناقريب . ومشلهت لا يستطيع أن يجزم بأن ذلك الولد ولد حقيقي أم أنه من الخدام … خدام ولا شياطين المهم أن يعود لأولاده ومعه المصل … وتذكر مشلهت أن مصل السعر يأتي عادة في ترامس بداخلها ثلج لأنه يعيش في درجة حرارة منخفضة … فكيف يضمن أن ذلك المصل لم تنته صلاحيته أو لم يصبح فاسداً بفعل الحر … ؟
    داخل حوش كإنت تتناثر بعض العناقريب التي إنتهى من تجليدها … و نفسه يجلس على حافة العناقريب وقد مسك بحبل بين أصابع رجله اليمنى بينما جزء من الحبل يعض عليه بأسنأنه وهو يتحدث مع الذين من حوله ببراعة فائقة … وتحت ذلك العنقريب صندوق عليه زجاجات الحبوب والكبسولات وصناديق الأدوية … ولكن مشلهت لم يلمح أي ترمسة بداخلها مصل فأحس بأنقباض شديد.
    أفكار عديدة طافت بذهن مشلهت وهو يسترجع حوادث هذا اليوم التي إبتدأت بسرقة حذائه من المسجد عندما جاء لصلاة الصبح وعندما عضه كلب وهو فى طريقه حافياً لمنزله وعندما حمله جاره فى عربته الى قسم الحوادث بالمستشفى عندما طلبت منه الممرضة أن يحضر غيارات ومصل مضاد لمرض السعر … ولكنه لم يجد المصل فى جميع الصيدليات في الخرطوم أو . ولكن احد الاشخاص أشار عليه أن يذهب لسوق ليبيا ويسأل عن بتاع العناقريب فالمصل موجود عنده . والطريق الى بتاع العناقريب يمر باسماعيل الساعاتى الذى عنده سفلي .
    في حوش كان هناك عدد من الاشخاص … بعضهم يدخل ويخرج وكانه إبن البيت .. و جالس على طرف العنقريب وهو يجمع الحبال بين أصابعه ويعض عليها باسنأنه وفى نفس الوقت يتكلم ويضحك ويطلق النكات في براعة يحسد عليها .. ولاحظ مشلهت أن هناك بعض الكراتين المتناثرة تحت العناقريب ومن وقت لآخر يدخل بعض الاشخاص ويحملون بعض الكراتين بايماءة من …
    ومن الخواطر التى كإنت تطوف بذهن مشلهت هو أن ذلك المكان أبعد من أن يعمل فى تجارة الادوية وخصوصاً الامصال التى يتطلب حفظهات مبردات او ترامس بداخلها ثلج الا أنه لا يلاحظ وجود أية ترامس .. ولاحظ حيرته احد الاشخاص وهو لابد أن يكون من الاود البيت … فاقبل نحوه وجلس بالقرب منه ثم قال :
    • الاخ مش من هنا؟
    • مضبوط
    • ومن وين؟
    • من بحري
    • والجابك من بحري شنو؟
    • عندى غرض جابنى هنا … اصلو بعيد عنك عاضيني كلب …
    • عاضيك كلب ؟ والكلب دا لقيتو وين ؟
    • يا اخى ما هو الكلاب موجودة فى أى محل .. وهو اللقانى مش أنا اللقيتو..
    • طيب معليش … وهسع عايز مصل طبعاً ؟
    • ايوا
    • وقالوا ليك عند أبكر؟
    • ايوا
    • طيب كدى نسالو ليك
    وقام الرجل من مقعده واتجه نحو أبكر وسأله قائلاً :
    • أسمع الحبل البلاوي كيف؟
    • الحبل البلاوي ؟
    • في … ومعطون كمان …
    وعاد الرجل ليقول لمشلهت :
    • قال عندو … وكمان محفوظ فى تلج فى ترمسة
    • هسع الكلام القالوا ليك دا معناه كدا ؟
    • وتلفت الرجل يمنة ويسرى ثم حنى رأسه قليلاً وهو ينظر لمشلهت بطرف عينيه …
    • اصلو الحاجات دى ببيعوها هنا بالدس … زى ما شايف كل الادوية عندها رموز خاصة … وما فى زول يقول الدواء بإسمه ..
    • طيب أسالو قول ليهو حيدينا ليهو بكم ؟
    • معروف تمن المصل 500 الف لكين إنت ما بتدفع ليهو هنا … إنت بتمشى لواحد اسمو اسماعيل الساعاتى وبتديهو القروش وهو بديك ورقة بعدين بكلم واحد يسلمك الترمسة وفيها 14 حقنة كل سبعة فى صندوق..
    • اسماعيل دا مش الراجل القالوا عنده سفلي ؟
    • فاجاب الرجل بنرفزة :
    • يا اخى عنده سفلي … عنده جن إنت مالك ؟ إنت مش عايز المصل ؟
    • ايوا
    • بس امشى اديهو القروش وهو بعمل ليك النظام مع أبكر … مالك ومال سفلى… ولا كلكى ؟
    كل المبلغ الذي يحمله مشلهت لا يتجاوز 200 الف إلا قليلا أعطاها له صديقه عبد الرؤوف عندما قابله صدفة امام بوابة قسم الحوادث … وشعر بأنقباض وتوتر … فالساعة قد تجاوزت الواحدة ظهراً وهو لم يتصل بزوجته ليخبرهم اين هو فلابد أن يكونوا في غاية من القلق …
    فقرر أن يبحث عن مكان اتصالات ليهاتف منه أهله .. وقبل أن يقوم من مكانه سمع ضجيجاً وهرجاً وأصوات تقول :
    ثابت في محلك … أوع واحد يتحرك …
    كإنت هناك جماعة من الشرطة تداهم الحوش فتسمر الجميع فى أماكنهم والدهشة تغطي وجوهم واول هؤلاء كان مشلهت وقد استولت المفاجأة على كل حواسه… حتي الجوع الذى كان يشعر به وهو الذى يعانى من مرص السكر اختفي فما الذي يجرى ؟
    جاءت مجموعة أخرى من الشرطة وأخذت تجمع الكراتين والأواني الموجودة فى المنزل وأوقف أبكر حيث اقتيد بواسطة شرطيين وأمر الجميع أن يخرجوا من المنزل وأن يصعدوا على ظهر عربات كإنت تقف فى الخارج .. وبدون أية مقاومة وجد مشلهت نفسه داخل عربة بوليس مع مجموعة من الناس وبعضهم يتساءل :
    • موديننا وين يا جنابو ؟ ونحنا عملنا شنو ؟
    وشرطى صارم القسمات ينتهره قائلاً :
    • خليك في محلك … بعدين تعرف مودينك وين ؟
    فى ذلك النهار الحار تحركت العربات تشق شوارع مزدحمة بالخلق الذين اصطفهم الفضول على جانبي الشوارع وهم يشاهدون ما يحدث ..
    بعضهم يقول أنهم جماعة مخدرات وبعضهم يقول أنهم هاربون من الخدمة الإلزامية وبعضهم يقول أنها كشة فى اماكن الخمور البلدية … ولكن الواضح أن ما حدث حرك تلك الجموع البشرية والتى ما كإنت تفعل أى شئ إلا الحركة بلا هدف .. فأشعل فيها شيئاً من الحماس المؤقت مثل ما تثيره المشاجرات التي تحدث من وقت لآخر او ما يثيره حادث مروري من مشاعر متضارية … المفاجأة جمدت ردود افعال مشلهت وسلبته القدرة على التفكير مفسحة المجال لاسئلة كثيرة مرت كحلم طويل مخيف على ذهنه … ترى ما الذى أتى به الى هنا ؟ وماهى جريمته التي ارتكبها حتى يجد نفسه مع هولاء الناس ؟ بل ماذا فعل هولاء الناس ؟ .. وباختصار شديد :الحكاية شنو ؟
    لم يكن أحد يملك اجابة لسؤال مثل هذا : الحكاية شنو ؟ فالجميع استسلموا لقدرهم الذى وضعهم داخل تلك المركبات الأمنية تحت حراسة مشددة … ولكن مشلهت لاحظ امراً غريباً فبالرغم من أن المداهمة تمت لمنزل أبكر بتاع العناقريب الا أن الوحيد الذى لم يكن يبدى اهتماماً هو نفسه … وكأن الامر لا يعنيه .
    لقد وصلت اخبار الى المباحث أن أبكر بتاع العناقريب يتاجر فى الادوية المهربة وله مروجون هم الذين يستلمون تلك الكراتين ليوزعوا محتوياتها وسط الاحياء كما أن شبكته تمتد الى الاقاليم … فاعدت الشرطة كميناً داهم منزله ولكن لسوء حظ مشلهت أنه كان موجوداً ساعة المداهمة ولذلك اقتيد مع الذين كانوا داخل المنزل او الحوش .
    إجراءات الاستجواب استمرت فترة طويلة وقد لاحظ مشلهت أن معظم الذين تم استجوابهم كانوا يقولون أن سبب وجودهم داخل منزل أنهم جاءوا لشراء عناقريب او بنابر ولم يذكر احد شيئاً عن الدواء ولكن عندما نودي على مشلهت سأله المتحرى الاسئلة الروتينية اسمك ، عمرك . مهنتك ، عنوأنك . سأله قائلاً:
    • ممكن تقول لينا إنت كنت فى بيت أبكر بتعمل شنو؟
    • اصلوا أنا سرقوا جزمتى فى الجامع ..
    • يا سلام … أن شاء الله تكون جاي تشترى جزمة ؟ يعنى مش عنقريب
    • عنقريب بتاع شنو ؟
    • ما كل الجماعة السألناهم قالوا جايين يشتروا عناقريب :
    • أنا ما قلت ليك جاي اشترى عنقريب …
    • طيب جاى تشتري شنو؟
    • جاى اشتري مصل سعر … يا جنابو بعد ما سرقوا جزمتى عضانى كلب ….بعدين ما لقيت المصل فى الاسبتالية … قاموا وصفوا لى الزول دا قالوا لى بتلقى عنده المصل …
    • الزول منو ؟
    • أبكر
    • إنت كنت بتعرفوا قبل كدا ؟
    • لا ابداً .. دى اول مرة اشوفو فيها …
    • وليه اول مرة ؟
    • دى اول مرة يعضينى فيها كلب .
    • والدلاك على هنا منو؟
    • واحد لقيتو واقف قدام صيدلية فى …
    • هسع الزول دا لو شفتو بتعرفو
    • والله ما عارف … يمكن اعرفو ويمكن ما اعرفوا … زول قابلتو صدفة
    • وجيت هنا طوالى ؟
    • لا … هو قال لى تمشى لواحد اسمو اسماعيل الساعاتى جنب سوق الالكترونيات فى سوق ليبيا وهو يوصلك لأبكر …
    • وإنت مشيت لإسماعيل الساعاتى ؟
    • مضبوط …
    • واسماعيل وصلك لأبكر
    • لا اسماعيل أدانى واحد من الاولاد الشغالين معاهو وهو وصلنى لأبكر .
    • ويبدو أن المتحرى وجد الشاهد الذى يبحث عنه … فجميع الذين سألهم أنكروا أنهم جاءوا لشراء أدوية حتى أبكر نفسه قال :
    • يا جنابو أنا مالى ومال الدوا… أنا شغال فى العناقريب من عمري عشرة سنين … جيت مع أبوي وأنا وليد صغير وأبوي خدمته ذاتها العناقريب … وكنت بفتل الحبال …
    وعندما سأله المتحرى عن كراتين الدواء التي ضبطت فى منزله أجاب :
    • ديل ناس بجيبوا دوا لأهلهم من ليبيا وبخلوه عندى هنا لحدى ما اهلو بجوا بشيلوه … نحنا ما نعرف حاجة عن الدواء ولا شكلو ذاتو … هسه ما نعرف الا البندول ولا الاسبرو
    ولكن إجابة مشلهت كإنت تحتوي على معلومات مفيدة للشرطة فى حربها ضد مهربى الأدوية وتجارها … وهم لا يحملون رخصاً . كما يبدو أن مشلهت كان الوحيد الذى لم يتفق معه أحد ليقول أنه جاء لشراء عناقريب هذا ما كان من أمر مشلهت وهو فى مركز الشرطة أما ما كان أمر أولاده وزوجته فهذا شأن اخر . فقط طار النوم من عيونهم كما طار (جنا الوزين) وهم لم يجدوا والدهم معهم ولا يعرفون أين ذهب …فليس من عادته الا يعود بعد صلاة الصبح وحاولت زوجته أن تطرد هاجساً قاتماً وهى تسترجع ما اعتادت أن تقرأوه فى الصحف من حالات اختطاف لأشخاص لم يعثر لهم على أثر … هل يمكن أن يكون مشلهت قد اختطف ؟ ومن الذى اختطفه ؟ لقد خرج للصلاة وهو لا يحمل مالاً …. فأين ذهب ؟
    القلق والتوتر الذى إنتاب زوجة مشلهت إنتقل الى بقية افراد الاسرة حيث قرر الاطفال عدم الذهاب للمدرسة حتى يقفوا على حقيقة ما جرى لوالدهم … وعندما بلغت الساعة العاشرة صباحاً ومشلهت لم يتصل باتت شكوك الجميع اقرب الى الصدق من أن مكروهاً قد حاق بمشلهت .
    صفية زوجة مشلهت لم تدر ماذا تفعل ولكن هداها تفكيرها أن ترسل ابنها علاء الطالب بالمرحلة الثإنوية الى عمه شمس الدين فى المايقوما الحاج يوسف عله يستطيع أن يتصرف … وبين الحين والآخر ترفع سماعة التلفون ولكنها تجدها بلا حرارة … وعند الساعة الثانية عشرة ظهراً ارتفعت درجة التوتر والقلق النفسى الى معدلات عالية … وطيلة هذا الوقت مشلهت لم يحاول أن يتصل بمنزله هاتفياً فيأتيه صوت التسجيل :
    • هذا الرقم موقوف عن الخدمة موقتاً .
    فى هذا الأثناء كإنت زوجة مشلهت قد استطاعت أن ترسل إبنها لعمه شمس الدين فى المايقوما الحاج يوسف فجاء هو وزوجته وصهره زوج إبنته المقيم معهم فى المنزل وهم يسألون الله أن يكذب " الشينة" وتلقتهم زوجة مشلهت يسبقها قلق عظيم وهم كجبل المرخيات … فما الذى سيحدث لهم لا قدر الله إن حدث مكروه لمشلهت ..
    • شفت ياشمس الدين حكاية أخوك … دى طلعة من الصباح الدغش … من صلاة الصبح هو ما جا راجع … وما لابس الا جلابيتو وطاقيتو وجزمتو …. يعنى نقول هسع مشلهت دا نصيح؟.
    • يا زولة … اصبري وخلي الامر لله ؟؟؟ مشلهت أن شاء الله نصيح وهسع يجيكي ماشي بكرعينو .
    • يسمع منك ربنا … والله ما شفت الحكاية دى عملت فينا كيف .
    • وهو ما قال ليكى ناوي يمشي اي حتة ؟
    • يقول لى شنو ؟ دا خلانى نايمة ونحنا كلنا نايمين لما مشى الصلاة … وياها عادتو ….دايما بمشي وبجي راجع
    ويستعجب شمس الدين :
    • والله حكاية غريبة .. غايتو أنا عندى إحساس إنو مافى حاجة حصلت ليهو … لكين كمان ما نقدر نقول حاجة الا هو يجى .
    وتقول زوجته بتضرع
    • الله يجيبو طيب لوليداتو وأهلو …
    ولكن الامر لا يمكن أن يستمر هكذا فلابد من عمل شئ وكان لابد من الطواف على المستشفيات وأقسام البوليس .
    بالنسبة لزوجة مشلهت وأولاده وأخيه شمس الدين فإن اختفاء مشلهت يشكل لغزا غريباً صحيح أن مشلهت مشلهت على حد إسمه ولكن لم يتوقع احد أن تصل الشلهتة بمشلهت الى هذا الحد الذى يؤدى الى اختفائه . ولذلك كإنت زوجته تردد :
    • هسع يا ربى … نقول الحصل ليهو شنو ؟
    وكان شمس الدين يرد :
    • يا ولية … اصبري … إن شاء الله ما تكون حصلت ليهو أي حاجة …
    وبما أن التلفون يرقد جثة هامدة بعد أن أنقطعت عنه الحرارة لم يتوقع أحد أن تصل اية معلومات عن طريقه … إن صمت التلفون في مثل هذه الظروف يجعل دائرة المعلومات تضيق حتى تصبح مثل خرم الإبرة … فإذا الفراغ العريض الذي يغلف المنزل مثل السبورة الفارغة لم تجد من يكتب عليها حتى تاريخ اليوم … ولكن من أين يبدأ البحث ..؟ في مثل ظروف اختفاء مشلهت يبدأ الناس في البحث في المستشفيات ثم نقاط الشرطة ومراكزها المختلفة ويبدأون عادة من أقسام الحوادث .. ولهذا كان أول شئ فعله شمس الدين وإبن أخيه علاء وزوج إبنته أن ذهبوا لقسم الحوادث .
    القسم كان مكتظاً بعدد كبير من الناس … إلا أن كل شي كان روتينياً … الذي يتأوه والذي تسيل منه الدماء والذي يقبض على بطنه … كل هؤلاء في نظر العاملين بقسم الحوادث هم إحصائيات يدونها موظف جالس خلف طربيزة كإنت في يوم من الأيام ذات لون لبنى … تقشر وتبرقع واصبحت أجزاؤها المكشوفة تحمل بصمات الذين كانوا ينحنون على الموظف ليوضحوا له ما بهم .
    تقدم شمس الدين نحو الموظف وسأله :
    • يا خوى … عندنا زول مفقود … طلع من صلاة الصبح وما عارفين مشى وين … قلنا يمكن يكون عندكم هنا … في حادث ولا كدا …
    • اسمو شنو؟
    • اسمو مشلهت .
    • ما أظن في واحد جانا هنا بالاسم دا … إنت قلت من صلاة الصبح ؟
    • ايوا .
    • دا لو جا يكون مر على ناس الوردية القبلنا … نحنا استلمنا منهم الساعة سبعة … على العموم فى حادث بتاع حافلة في طريق الخوجلاب … بعض الناس لسع هنا والماتوا ودوهم المشرحة .
    ويستعيذ شمس الدين بالله من شرور الحوداث وكوارثها ويستدرك قائلاً :
    • بس هو البوديهو للخوجلاب شنو … مافى شي بوديهو هناك … لا … ما أظن يكون مع ناس الخوجلاب ولكن بدافع الفضول يتحرك الركب الى داخل غرف الحوادث حيث يرقد بعض المصابين وهم لا زالوا بدمائهم جفت على ملابسهم فتغير لونها الى بنى غامق … لا … لا يمكن أن يكون مشلهت معهم … ولكي يطمئن قلب شمس الدين سأل أحد الذين يشكون من إصابة طفيفة في ساقه .
    • كفارة … يا أخ … أن شاء الله تكون ما اتعوقت ؟
    • كفر الله سيئاتك … اتعوقت في ساقي وإنت عارف ضربة عضم الساق دى حارة … والله طرشت مرتين وغبيت تب … لكين هسع الحمد الله كويس .
    • وإنتو البص دا كان ماشي ولا جاي ..؟
    • البص كان جاي ولما بقينا قصاد الخوجلاب … حصل الحادث … اصلو … كان …
    ولم يترك شمس الدين الشخص يكمل قصته … فطالما أن البص كان في طريقه للخرطوم بحري وحدثت الحادثة قصاد الخوجلاب قطع الشك باليقين أن مشلهت لم يكن معهم .
    ووقف الثلاثة على شارع المعونة – الاسم الذي ظل الناس يطلقونه على ذلك الشارع الرئيسي في مدينة الخرطوم بحري بالرغم من أن إسمه قد تغير عدة مرات .. وقفوا ليركبوا حافلة في طريقهم الى الخرطوم .. وستكون وجهتهم المشرحة .

    شرحوا لموظف الاستقبال مهمتهم فقال :
    • من بحري … في بس زولين قالوا ديل كانوا في بص … وعلى أي حال إنتظروا المسؤول يجى بعد شوية …
    يقول علاء مخاطباً عمه شمس الدين :
    • طيب ما نمشي يا عم … طالما إنو ديل بتاعين بص الخوجلاب .
    • اصبر إنت بس خلي المسؤول يجي وبعدين نحنا نمشي … مش جايز الزول دا ما عارف حاجة .
    مشاعر متضاربة تنتاب الناس في مثل هذه الحالة … فبالرغم من أنه لا أحد يتمنى أن يجد مفقوده داخل المشرحة … إلا أن هناك شعوراً بالخيبة ينتاب الشخص إذا لم يجد مفقودة في المشرحة … شئ غريب … مثل الانصات إلى نشرة الوفيات من الإذاعة … فعندما نستمع لأسماء الذين إنتقلوا الى جوار ربهم ولا تجد إسماً تعرفه … ( وحقو كان تفرح ) … تجيب على زوجتك عندما تسألك :
    • النشرة فيها شنو ؟
    تجيب وظلال من الخيبة تغلف كلماتك :
    • ما فيها حاجة
    ولذلك عندما جاء المسؤول وقام بجميع الإجراءات وسمح لهم برؤية محتويات المشرحة وحصيلة ليلة البارحة … شعر شمس الدين بأمر غريب يسيطر عليه .
    • هل يمكن أن يكون هذا الجسد المسجي لأخيه مشلهت ؟
    أن معالم الجثث تختفي بعد أن تكتسي بمعالم الموت .
    ويصبح كل الأشخاص متشابهين … ويصبح من الصعب التعرف عليهم وهم في استلقاءاتهم الأبدية … فنحن قد تعودناً على ملامحهم وهم جالسون أو سائرون ولكننا لا نعرف ملامحهم وهم مستلقون على ظهورهم وفاقدوا الحياة .
    واختلط الأمر على شمس الدين … ولذلك نادى على إبن أخيه :
    • تعال يا علاء … شوف الزول دا … بشبه أبوك ؟
    وأخذت ضربات قلب علاء تتسارع … كيف يميز أباه وقد تهشمت جمجمته وتورم وجهه بهذا الشكل … ولكن الخوف والرهبة ولأول مرة في حياته يرى شخصاً فاقداً للحياة .. جعلته يرتجف … ويصاب بدوار …. فيستند على كتف عمه .. وهو يقول :
    • لا … لا يا عمي … دا ما أبوي … مش عارف دا منو .
    والشخص الواقف على باب المشرحة وكانه يقف على مستودع لكراتين الصابون والشاي … يقول :
    • يلا يا أخوانا … شوفوا زولكم … إذا ياهو خلونا نعمل الإجراءات .
    ووقف الجميع خارج المشرحة وهم لا يستطيعون الإجابة القاطعة الحاسمة على سؤال واحد :
    • هل ذلك الشخص صاحب الجمجمة المهشمة هو مشلهت ؟
    واستقر رأيهم أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتعرف على مشلهت وهو مستلق على ظهره هي زوجته …. فهي التي تراه نائماً وتعرف ملامحه عندما يكون نائماً … فقرروا أن يعودوا ليصطحبوا معهم زوجة مشلهت لتقطع لهم عما إذا كانت تلك الجثة لمشلهت .

    كإنت زوجة مشلهت وابنتها تقفان إمام الباب عندما أنزل التاكسي الجماعة فسألتهم بلهفة :
    • أها … ما لقيتوه ؟ … عاد سجمي الليلة … ويا مصيبتك يا مشلهت … الحصل عليك شنو ؟
    ويرد عليها شمس الدين :
    • يا ولية كدي … اصبري وحلينا نفكر نعمل شنو ؟
    • تعملوا شنو … ما ياهو خلاص … لحدي هسع يكون مشلهت نصيح وما نعرف ليهو محل؟
    علاء كان غائر العينين … ويمر شريط طويل لتلك الاحداث على مخيلته من الصباح الباكر عندما صحا من نومه وكان يجهز نفسه للذهاب لمدرسته … و وقد بلغت الساعة السادسة والنصف مساء ولا أحد يعرف أين يوجد أباه … كيف تتقبل أمه فكرة أن تذهب معهم لتتأكد من أن ذلك الرجل صاحب الجمجمة المهشمة هو والده مشلهت …
    ويخاطبها شمس الدين قائلاً :
    • كدي يا صفية أسمعي كلامي دا كويس … مافى زول عارف أجلو وقدرو يكون كيف ودي كلها أمور بيد الله … والله إذا أراد الزول يموت تاني ما في قوة بتجيبو .. وهنا تتأكد صفية أن مكروهاً قد حدث لزوجها فتصيح :
    خلاص ؟ يعني مات؟
    ويدرجها شمس الدين الى داخل البيت وهو يؤكد لها :
    • يا صفية ما تكوني مجنونة … أسمعي كلامي … أنا بقول ليكي نحنا مشينا المشرحة ولقينا واحد هناك ومتأكدين إنو ما مشلهت لكين عايزنك إنتي تمشي معانا وتشوفي وتتأكدي بعينك وتصيح صفية وهى غير مقتنعة .
    • ما دام إنتو لقيتهو في المشرحة … ما خلاص تاني شنو ؟ مالكم ما جبيتوه بالإسعاف عشان تكفنوهو وتدفنوهو... بتخلوا مشلهت راقد في المشرحة لشنو؟ .
    • هسع منو القال ليكى دا مشلهت ؟
    • وطيب عايزني أمشي معاكم ليه ؟
    • عايزنك تمشي عشان تتأكدي بنفسك …
    • يعنى إنتو ما اتاكدتوا مش كدا ؟
    • غايتو … الله مخير في حكمو …كدي شوفوا لينا محل اتصالات نكلم أختك سعاد ونكلم ناس ونكلم حيدر في السعودية .
    ويرد شمس الدين :
    • يا ولية … هسع دا كلو لزومو شنو … ليه نقلق الناس … ما يمكن الراجل دا هسع يجى راجع ؟
    • أولا : إنت ما تقنعني إنو مشلهت يطلع من البيت طلعة الصباح وما يتصل وما يجى راجع وما يتعرف ليهو محل ويكون كويس .
    وتأنياً : لازم الناس ديل كلهم يعرفوا إذا ما عرفوا هسع بعدين بكون كويس؟ .
    ويوافق شمس الدين على مضض … وتخرج معهم صفية ويتوجهون صوب التاكسي الذي كان صاحبه في إنتظارهم ثم ينطلق بهم نحو المشرحة .

    صرخت صفية وأنهارت عندما كشف لها المسؤول عن المشرحة الوجه المهشم لذلك الرجل والذي جاءوا به بعد أن توفي فى حادث مروري بالقرب من الخوجلاب .
    • الليلة يا سواد ليلك يا مشلهت … الليلة ووب .. حي ووب … الليلة حي…حي
    وأخذت تولول وتصرخ في هستريا وشمس الدين يحاول تهدئتها :
    • يعنى إنتي خلاص إتاكدتي إنو دا مشلهت ؟
    ياهو ذاتو … مشلهت ما بغباني … ياهو ذاتو … مخير الله عاد الليلة حي ووب … يا أبو حيدر وعلاء …
    وعلاء فقد إحساسه بالمكان وبالزمان فأن تسارع الأحداث قد داهمه بصورة لم تقو تجاربه القصيرة على امتصاصها …. فقد كان على موعد مع والده مشلهت أن يعطيه رسوم الجلوس لامتحان الشهادة السودأنية ولم يبق على الإمتحان إلا أسابيع قليلة … وهاهو والده يموت ويمضي بسرعة لم يتوقعها أحد … مشلهت الذي كان ملء السمع والبصر في البيت … يرقد في المشرحة كآخر محطة له يغادر بعدها الى مقابر حلة حمد حيث تدفن الأسرة أفرادها .
    ويوجه شمس الدين حديثه لابن أخيه :
    • شوف يا ولد … شد حيلك وخليك راجل … أبوك بقى في حق الله دلوقت إنت تأخذ أمك وتمشوا وكلموا جيرانكم واعملوا نظام الصيوان … وأنا بقعد هنا لحدي ما اكمل الإجراءات وبجيب معاي االجثمان عشان ندفن وشوف واحد رسلو للإذاعة عشان ناس البلد يعرفوا … المهم كل حاجة بقت عليك .. فخليك راجل … وسد محلة أبوك …
    علاء يستمع لإرشادات عمه وتتضارب وتتقاطع في ذهنه خطوط متشابكة …. أيهما والده االجثمان الذي يرقد مهشم الرأس داخل المشرحة ام والده مشلهت الذي هو على موعد معه ليعطيه رسوم الإمتحان ؟ … وخيل إليه أن والده لا يمكن أن يكون قد تحول الى جثمأن …واصبح يشار اليه بلا اسم فقط جثمان .
    صحيح إنه اخذ والدته وتعرفت والدته على جثمان والده والذهول يخيم عليه اكثر من الحزن لفقد والده … فهذه تجربة ربما تمر عليه بعد أيام فيبكى أما الآن فمشاعره عبارة عن ذهول مستمر ممتد كصداع طويل يرفض أن يبارحه وحتى الصيوان لم يشعر أنه يمت لوالده بصلة مثله مثل أي صيوان عزاء … يتجمع الناس تحته للحديث وتبادل النكات والقفشات ولا أحد يفكر في الميت … وحتى سورة الفاتحة والتي يتظاهر الناس بقراءتها قلة هي التي تقرأها الى آخرها .. لأن الزمن الذي يرفع فيه الشخص يديه وهو يقول الفاتحة ثم يقول البركة فيكم لا يكفي لقراءة سورة الكوثر . اختفت السورة وبقي المظهر … ولذلك لم يكن يشعر أن الصيوان له علاقة بفقده لوالده … على أن الشيء الذي خلق واقعاً يصعب تصديقه هو أن جيرانه كانوا يؤكدون :
    • يا أخوانا الراجل دا صلى معانا نصيح … وما عنده أي عوجة وبعدين لما ما لقى جزمتو .. كل الحصل إنو عضاه كلب … طيب دى حاجة بتكتل ؟
    • يا أخ … أنا وديتو بعربيتي وكان كويس جداً حتى هو أصر علىّ إنو أنا أمشي وقال لي : يا أخ إنت شغال الساعة سبعة ونص وأنا بس باخد الحقنة وبرجع البيت … يا سبحان الله … هسع معقول تكون عضة الكلب كانت سبب وفاته ؟
    ويجيب أحد العالمين ببواطن الأمور :
    • يا أخي مش جايز تكون العضة عملت ليهو صدمة سكري … وبعدين يا أخي هو الموت عايز ليهو سبب … ما ياهو كل يوم نحنا دافنين زول … غايتو قول الله يحسن العمل .
    ويتدخل آخر بسرعة حتى لا يخطف منه أحد هذا التعليق المناسب .
    • المهم حسن الخاتمة ايوا … الزول يسأل الله إنو يديهو حسن الخاتمة .
    ويجلس بالقرب منهم أحد الأشخاص الذين يمتون لمشلهت بصلة القرابة فيقول :
    • كلب شنو ؟ وسكري شنو ؟ الزول قالوا مات في حادث حركة في طريق الخوجلاب …
    ويصيح جاره :
    • دا كلام شنو ؟ حادث في طريق الخوجلاب؟
    • ايوا ..
    • يعنى مشلهت ما مات بالعضة ولا بالسكري ؟
    • ايوا
    • وطيب هو الوداهو الخوجلاب شنو ؟
    • والله مش عارف …
    • يا أخ أنا بقول ليك وديتو بعربيتي دى لقسم الحوادث … كيف يعني حكاية الخوجلاب دى ؟
    ويرد أحدهم :
    • طيب مش جايز يكون ما لقى مصل السعر في الحوادث ووصفوه ليهو قالوا ليهو في الخوجلاب وفى السكة حصل ليهو ما حصل .
    • جايز .. بس أنا شايف الحكاية دى ما راكبة عدلها
    • كيف ما راكبة عدلها … يعنى القبيل دفناهو دا منو ؟
    • والله مش عارف … وإنتو يعنى مشيتوا وشفتوا االجثمان وتأكدتوا إنو دا جثمان مشلهت ؟
    • مشى أخوه شمس الدين وولدو ومرتو … وكلهم جوا قالوا دا مشلهت :
    • ما دام كدا .. لازم يكون ياهو ..نحنا بنعرف اكتر منهم؟ على أي حال ربنا يرحمه ويغفر ليهو … كان راجل بحر …. تاكل في طرفو … ونوعو قليل في الزمن دا …
    • أي والله مشلهت كان ود ناس … وراجل خدوم … اصلو ما جيناهو في حاجة … ردانا خايبين .

    في هذا الأثناء كان مشلهت يواجه المتحري وهو لا يدري لماذا سارت أمور هذا اليوم من بدايته على هذه الطريقة :
    • طيب يا مشلهت … إنت قلت إنو إنت جيت عشان تشترى مصل للسعر … منو الدلاك علي بتاع العناقريب ؟ …
    • واحد لاقيتو واقف قصاد الأجزخانة الكبيرة في أم درمان …
    • وهو طوالى قال ليك أمشي لأبكر بتاع العناقريب ؟ ..
    • لا … هو قال لي تمشي لواحد إسمو إسماعيل الساعاتي … وهو بوصلك لأبكر بتاع العناقريب .
    ويكتب المتحرى اسم إسماعيل الساعاتي :
    • إسماعيل الساعاتي ... ودا محلو وين ؟
    • في سوق ليبيا جنب سوق الإليكترونيات
    • وبعدين بعد ما وصلت لبيت أبكر بتاع العناقريب هو طوالى اداك المصل بتاع السعر ؟
    • لا … ما أدني المصل ؟
    • وليه ما اداك المصل ؟
    • أنا ما قلت ليهو ؟
    • وكنت منتظر شنو ؟ ليه ما قلت ليهو إنك عايز مصل ؟
    • كنت محتار … المصل بكون دايما فى ترمسة ومعاهو تلج .. وما كنت متصور إنو عنده الحكاية دى …
    • وفى الآخر عرفت ؟
    • ايوا …
    • الكلمك منو ؟ ..
    • في واحد قاعد جنبي لما شاف إنو أنا كنت متحير … قام سألني بعدين قال لي : ما تخاف … أبكر عارف الحكاية دى وعنده المصل في ترمسة ومعاهو تلج …
    • طيب لو واجهناك مع أبكر بتقدر تقول الكلام دا .. ؟
    • جداً … اقولو…طيب ممكن أسال سؤال ؟ .
    • ايوا ..
    • هو اصلو جريمتو شنو ؟
    • يعنى إنت من قبيل بتجاوب وما عارف جريمتو شنو ؟ جريمتو إنو بتاجر في الأدوية بدون ترخيص … وكمان بعض الأدوية فاقدة الصلاحية .

    والآن فقط عرف مشلهت أنه كان يحوم في واد والجماعة أصحاب أبكر في واد آخر … والآن فقط عرف لماذا أنكر كل شخص أنه جاء ليشترى دواء … وقد أطلق سراح الجميع الا هو فقد بقي في الحراسة ومعه أبكر وارسل المتحرى شرطياً ليحضر إسماعيل الساعاتي … ولكن ما ذنبه هو ؟ يبدو أن ذنبه أنه أقر بأنه جاء ليشترى مصلاً … وكان الأحرى به أن ينكر مثل الآخرين … ولكنه لم يكن يعلم أن في ذلك جريمة طالما أن المصل غير متوفر في الصيدليات فمن أين يحصل عليه ؟… وهو لا يعلم أيضا أن السلطات يهمها في المقام الأول أن تقبض على أبكر وشبكته الذين يقومون بترويج أدويته وتوزيعها … اكثر من اهتمامها بتوفير المصل له … فهذا ليس من شأنهم .. وربما يكون مشلهت أحد الذين يروجون … أو ربما يكون أحد أفراد الشبكة .

    المتحرى في قرارة نفسه يدرك أن مشلهت رجل ( داقس) حسب التعبير السائد .. وربما حكم عليه القاضي بحسن سير وسلوك وتعهد بألا يشتري دواء من شخص غير مرخص له … ولكنه كشاهد مفيد جداً في الإيقاع بشبكة أبكر … وهذه هي المرة الثالثة التي تداهم فيها الشركة منزل أبكر إلا أنه يخرج بريئاً حيث أنه لا أحد يتطوع للشهادة ضده … فالرجل يبسط سطوة جبارة على اتباعه الذين يروجون لأدويته ولأشياء أخرى يتاجر فيها .. ربما … لا أحد يدري وهذه أول مرة يواجه بشخص يقول أنه جاء لشراء دواء من بتاع العناقريب .
    إسماعيل الساعاتي جاء بصحبة شرطي وحدج مشلهت بنظرة قاسية فقد وصلته الأخبار أن أحد الأشخاص اعترف على نفسه وعلى أبكر … وهو لا يدري دوره في القضية الا أنه خمن أن يكون ذلك الشخص قد ذكر إسمه … وعندما رأى مشلهت تأكد أن إسمه قد ورد .. فلابد أن يكون مشلهت قد ذكر إسمه واخذ المتحرى يسأل :
    • اسمك؟
    • إسماعيل الساعاتي
    • عمرك ؟
    • 47 سنة .
    • سكنك؟
    • في امبدة
    • مهنتك ؟
    • ساعاتي … طبعا..
    • وليه طبعاً … ما جايز تكون بتاجر في حاجة كدا ولا كدا ؟ …
    • بتاجر في شنو يعني ؟
    • يعنى زي أدوية كدا ..
    • أدوية ؟ … أدوية بتاعة شنو يا جنابك ؟
    أنا بصلح الساعات ومن الصباح للمسا ما قاعد أقوم من محلي … أتاجر في الأدوية كيف ؟
    • علي العموم …في واحد قال إنو جاك عشان تدلو على بتاع العناقريب .
    • مش الزول القاعد بره دا ؟
    • يعنى إنت بتعرفو؟
    • ايوا شفتو جاني وسأل من أبكر … لكين أنا قلت ليهو ما بعرف زول بالإسم دا …هنا اسم أبكر دا كتير … فإنت خصص … قام قال لي بتاع العناقريب … وفى الحقيقة أنا ما بعرف زول بالاسم دا … فقلت ليهو … أنا متأسف … أنا ما بعرف زول بالاسم دا …
    • ولما إنت قلت ليهو الكلام دا عمل شنو ؟
    • طوالى اخد بعضو وفات .. وتانى ما شفتو الا هسع هنا …. عندكم هنا أيوا وكمان إتذكرت هو قال عندو قروش ماشي يوديهم لأبكر وعشان أنا ما بعرف أبكر قلت ليهو ما بعرفو
    • طيب هو ما قال ليك القروش دي بتاعة شنو؟
    • لا ما قال لي لكن أنا في نفسي قلت يمكن شغال معاهو ولا طالبو قروش…

    اليوم طويل وكأنه ذلك اليوم المقداره سبعون الف سنة .. او قل سبعون الف ساعة … تدافعت فيه الأحداث ولم يستطع مشلهت أن يتصل بأهله وظل في مخفر البوليس . كل الذي تحصل عليه سأندوتش جاءت به صاحبة الشاي بعد أن أرسلت إبنها لإحضاره من بوفيه على الناصية الثانية من الشارع . وكان بإمكانه أن يستلف أي موبايل من أحد الذين يحملونه ليهاتف أسرته إلا إن تلفونه في المنزل مقطوع . ولا يدرى ماذا تفعل أسرته وهو متغيب عنهم منذ صلاة الصبح ؟ لابد أن القلق قد فتك بهم . وعليه فقد قرر أن يعطي أي شخص يتوسم فيه الخير مبلغاً من المال ليستأجر تاكسياً من مخفر البوليس ويصف له المنزل حتى يخبر أسرته بمكانه … ولكن الليل قد أنقضى منه جزء كبير ولا أحد يستطيع أن يتحرك وعليه أن ينتظر للصبح .

    المخفر يعمل كخلية النحل ليلاً .. ولا يتوقف دخول وخروج الناس .. لصوص ومخمورون ومتشاجرون ومتشردون جميع صنوف البشر الذين لا يصلحون الا ديكوراً بشرياً لكل مخفر بوليس .
    جلس بالقرب منه أحد الأشخاص وقد القى نظرة سريعة على مشلهت فعلم أن هذا الشخص لا يمت لهذه الملة وإن الظروف قد قذفت به هنا ثم إنه مصاب بجرح في رجله تيبس الدم قشوراً حوله … فقال له :
    • يا خوى … إنت متعور مالك .؟
    • والله يا أخي تقول شنو ؟ عضاني كلب قبيل في صلاة الصبح .
    • وعملت شنو ؟
    • ماهو دى المصيبة الأنا فيها دلوقت .. جيت افتش للمصل قاموا كشونا كلنا .
    • ايوا … إنت مع ناس أبكر بتاع العناقريب ..
    • ايوا …
    • يا خوى دا شديد … اصلو دايما يمرق منها وطبعاً إذا مرق منها فإنت طبعاً ما حيلقوا عليك حاجة .. وبعدين بفكوك .
    • يمرق منها كيف ؟ مش هو متهم بإنو بتاجر بأدوية بدون ترخيص ؟
    • ايوا … لكن مافى إثبات عليهو … لأن أي زول بقبضوه معاهو بقول أنا جيت اشترى عناقريب ومافى زول ليوم الليلة جاء وقال إنو جاي يشتري أدوية من أبكر .
    ويصمت مشلهت برهة يستعيد فيها أقواله التي أدلي بها للمتحري … ثم يقول :
    • ما أظن المرة دى بمرق منها … أنا لما سألوني قلت ليهم أنا جيت عشان اشترى مصل .
    • يا زول أوع تكون قلت ليهم كدا ؟
    • ايوا
    • ودونوا أقوالك ؟
    • ايوا
    • لا حول ولا قوة الا بالله … الموديك تقول كدا شنو؟ … يا أخي دى ورطة كبيرة ..
    • ورطة لي أنا ولا لأبكر؟
    • ورطة ليك إنت طبعاً … أبكر عنده ستين حيلة وحيلة عشان يمرق منها لكنه ما بخليك … وخاصة عنده واحد أسمو إسماعيل الساعاتي دا عنده سفلي كافر … والله يجننك .. إنت قايل الحكاية شنو ؟
    واسقط في يد مشلهت … هذا بعد جديد يضاف الى مأساته … حذاء وكلب وسفلي .. وهل يخاف هو من مثل هذه الخزعبلات ولكن يبدو أن ثمة خوف ما اخذ يساوره … هل صحيح هناك سفلي كافر يستطيع أن يضره؟ ولماذا لا يكتفي بما ادخله فيه ؟ … لماذا يسلط عليه إسماعيل ومعه ذلك السفلي الكافر؟ .. ويبدو أن الموضوع قد اتخذ منعطفاً جديداً .
    ظل مشلهت في مخفر الشرطة ذلك الذي يعج بحركة دائمة لا تنقطع … أصحاب المشاجرات ولصوص المنازل والمتشردين بالمستشفيات ….فالذين يخرجون من هذا المخفر ومعهم شرطي يحمل اورنيك 8 يتجه بهم نحو قسم الحوادث .
    اتجه مشلهت الى دورة المياه ليتوضأ ويصلى الصبح في فناء المخفر بعد أن إستأذن الشرطي الذي يقف خلف الكاونتر.

    الدخان يتصاعد من الورق الذي حشرته ست الشاي لتشعل النار في الفحم وهى تستعد لاستقبال يوم جديد حافل بشرب الشاي والقهوة من رواد المخفر. ووضعت برطمانيات المربة بداخلها متطلبات صنع الشاي والقهوة ورصت الأكواب بعناية … وتلتفت من حين لآخر لتزجر ابنها حتى لا يعبث بمحتويات كرتونة صغيرة داخلها أواني وخرق بالية وأكياس صغيرة تحتوى على سكر وشاي و" أدوية" للقهوة مثل الزنجبيل وغيرها ..
    كان مشلهت يجلس ساهماً وهو لا يعرف كيف يخرج من ورطته هذه … ولكن منظر بائعة الشاي شد إنتباهه.. إمرأة ذات إطراف نحيلة ممصوصة من لوازم العافية ورفاهية نساء المدن تجلس على " بنبر" تتحرك منه يميناً ويساراً في نصف دائرة هى كل عالمها فى هذه المنطقة .
    قال لها :
    • الشاي جهز ؟
    • أجابت :
    • إي خلاص جهز … نديك ؟
    • ايوه … بس السكر خفيف جداً
    • نسوى ليك معلقة ونصف
    • لا … خليها ملعقة واحدة …
    وتعلق المرأة :
    ناس هني … كن اديتو معلقتين بقول شوية … هسع أنحنا قاعدين نكب تلاتة معالق .
    وتحرك الملعقة ثم تناوله كوب الشاي .
    ويشعر مشلهت أن هناك خيطاً رفيعاً يربطه بهذه المرأة فهو يشرب منها الشاي كما اعتاد أن يشربه في منزله كل صباح … ولو لم تكن موجودة لا يدري ما الذي يمكن أن يحدث له … بالأمس أرسلت إبنها الأكبر ليحضر له سندوتشاً وشرب منها كوباً أنعشه كثيراً ..
    سألها قائلاً :
    • إنتي ساكنة وين ؟
    • في كرتون مايو في الخرتوم
    وصاح بدهشة:
    • لا حول ولا قوة الا بالله … من كرتون مايو من الخرطوم تقومي كل يوم تجي سوق ليبيا هنا ؟ … وبعدين كمان ترجعي؟
    • أي والله نقوم بدري من كرتون مايو .. عشان نحصل هني
    • وليه ما تعملي الشاي قبلك في كرتون مايو؟
    • عشان أنحنا في الأول جينا هني في سوق ليبيا وخلاص عرفنا الناس والناس عرفونا … كرتون مايو ملان ستات شاي …
    • ومعاكى منو في كرتون مايو
    • معاى أختي ووليداتها هي وأنا أمنا واحد واخوى كمان أمو براهو …
    • وأبو عيالك وين ؟
    • أبو عيالي في حواتة
    • وبعمل شنو في حواتة
    • بشتغل في مشاريع …
    • وإنتو اصلو جيتو من وين ؟
    • جينا من جنقدة … بعيد … ما قريب من هنا …
    وبالطبع إذا كإنت جاءت هي وعائلتها من "جنقدة " والتي هي بعيدة وليست قريبة من هنا فلن يصعب عليها أن تأتي كل يوم من كرتون مايو لسوق ليبيا .. إذ أن هذه المسألة لا تساوى شيئاً بالنسبة لجنقدة … ترى كيف يحمل الناس الإحساس بالمسافة في داخلهم ؟ … وكيف يعيشون الزمن ؟ امر نسبي … ولكن المعايش جبارة .. تنحني قامة الرجال وهم يبحثون عن أرزاقهم في فجاج الأرض .. وتلتصق هذه المرأة ببنبرها ولا تغادره …في صراع عنيد مع كل الاحتمالات … والأقدار التي تستعصي على التوقيت .
    بعد قليل ستأتي الوردية الجديدة ولا يعرف مشلهت ماذا تخبئ الأقدار في هذا اليوم سيكون همه الأكبر أن يجد شخصاً يصف له منزله ليذهب ويخبر أولاده أنه موجود بالمخفر هنا وأن يحضروا له ملابسه وأن يخبروا أخاه شمس الدين ليخرجه بالكفالة إذا تطلب الأمر ذلك .
    باب المخفر يفتح على ميدأن فسيح تناثرت محتويات كوشة عتيقة على أحد أركانه … هنا يثور العراك بين الكلاب … فالعظام شحيحة … ولابد أن المحلية تعمل بجد لتجفيف تلك الكوشة … فلم تبق فيها الا أكياس النايلون واغنام تدخل رؤوسها في تلك الأكياس بحثاً عن شئ تأكله .
    امتد بصر مشلهت عبر بوابة المخفر الى تلك الكوشة فلمح الكلاب المتعاركة فشعر بشيء من الغيظ فلولا تلك الاكلاب لما كان هنا … أن العضة التي تعرض لها والمصل الذي يبحث عنه قاداه الى حيث يجلس .
    فلماذا لا تبيد السلطات تلك الكلاب الضالة حتى لا يجد أمثال بتاع العناقريب شيئاً يتاجرون فيه ؟ ..
    ومن بعيد لمح رجلاً يحمل " بقجة " منتفخة وعراريق ادخل فيها عيدأناً جعلتها "مفرورة" تسر الناظرين … أشار الى إبن بائعة الشاي وطلب منه أن ينادي على ذلك الرجل … جاء الرجل وعرض بضاعته على مشلهت …
    فاختار منها " عراقياً يغير به جلابيته التي خرج بها لصلاة الصبح والتي تلطخ جزء منها بالدم .." عراقي" يصلح لامتصاص كل العرق في نهار الحر … وتفوح منه رائحة القماش المخلوط بزيت ماكينة الخياطة .. ولو كإنت الامور عادية لبعثه للغسل والكوي قبل أن يرتديه .. ومرة أخرى توجه مشلهت الى دورات المياه فغاب فيها لحظة وغير جلابيته ووضعها في كيس بلاستيك ثم ارتدى العراقي بعد أن صب شيئاً من الماء على رأسه فشعر بالهواء الرطب ينعشه ويبعث فيه شيئاً من الحياة .
    الرجل صاحب " البقجة" بقي في المخفر عله يجد زبوناً آخر … فليس هناك مكان محدد يتحرك فيه … وخطر لمشلهت خاطر … نادى على الرجل البائع وسأله قائلاً :
    • إنت غير هدومك الشايلها دى عندك شغلة تانية ؟
    • شغلة تانية زي شنو ؟
    • أنا بسألك … يعنى إنت بس بتحوم بي هدومك دى محل ما تكون ؟
    • أي … أنا بس ببيع هني وهني …
    • طيب يا أخي أنا عايز أكلفك بخدمة . اصلو أنا جيت هنا وحاجزننا في حاجة أنا ذاتي ما عارفها شنو … وأولادي ما قادر اتصل بيهم التلفون مقطوع … بس أنا عايز اديك قروش تركب من هنا تكس او اى حاجة وأوصف ليك البيت في بحري … تمشى تقول ليهم مشلهت في مركز البوليس وتخليهم يتصلوا بأخوي شمس الدين عشان يجي يضمني … وإنت تخلى حاجاتك دى هنا معاي أنا بحرسها ليك لحدي ما تمشى وتجي ودي تلاتين الف تركب منها وخل الباقي معاك ..
    واخذ مشلهت يصف للرجل منزله في الخرطوم بحري ويكرر الوصف :
    • ولو ما عرفت الوصف أسال صاحب البقالة الفى الركن دا أسمو عبد الحميد … قول ليهو بيت مشلهت وين وهو بوصف ليك البيت … ما بعيد منو …
    ويضع الرجل " بقجته" بالقرب من مشلهت بعد أن يلف " العراريق" برباط ويأخذ القروش وينصرف …
    اخذ مشلهت نفساً عميقاً وهو يشعر بأنه علي الأقل قد كسر حاجز العزلة الذي يفصله عن أولاده … كلها ساعة أو ساعتان ويصلهم الخبر ليطمئنهم وساعة أخرى تكفى لوصول أخيه شمس الدين وعمل الإجراءات التي تضمن عودته الى منزله بعد يوم وليل طويل كأنه كابوس مخيف .
    ويشعر بتورم في رجله . ويحاول أن يطرد هاجساً مزعجاً بأن تورم رجله سيكون له آثار مفزعة … خاصة وهو مصاب بمرض السكري … وقد نسي موضوع المصل تماماً . وحانت منه التفاتة فلمح شرطياً يعرفه
    ملامحه معهودة الا أن ذاكرته لم تدون اسمه … فقام من المصطبة التي كان يجلس عليها وتقدم نحو ذلك الشرطي والذي يبدو أن ذاكرته أقوى من ذاكرة مشلهت إذ أنه بادره قائلاً :
    • اهلاً يا مشلهت … ازيك … مالك بجاي ؟
    • والله يا أخي تقول شنو يا أبوها .. دى حكاية عجيبة جداً .
    وحكى مشلهت للشرطي ما حدث له من ساعة قيامه لصلاة الصبح الى ساعة رؤيته له فقال له:
    • شوف … إنت دلوقت أهم حاجة أنك تأخذ اورنيك طبي ونودي معاك عسكري للمستشفى عشان رجلك دي …بعدين بعد ما تجي نشوف بقية الإجراءات . أنا ما عارف منو الماسك التحري في القضية دى لكين كدي إنت تعال معاى .
    فحمل مشلهت البقجة وذهب مع الشرطي لأحد المكاتب وهناك قابل الشرطي الرقيب حسين :
    • اسمع عندكم هنا اورنيك طبي … عايزين نودى دا الإسبتالية .
    • مالو …
    • عاضيه كلب ..
    • عمل بلاغ بالعضة دى …
    • لا .. هو اصلو عنده قضية تانية ..
    • طيب لازم يعمل بلاغ ضد صاحب الكلب … إنت يا زول بتعرف صاحب الكلب ؟
    • لا ما بعرفو …
    • بس لو كنت بتعرفو كان تفتح بلاغ ضد صاحب الكلب... الإهمال في رعاية حيوان .. وهو عضاك وين ؟
    • في بحري ..
    • لا …دا لازم تفتحو في بحري … على أي حال ممكن تأخذ الاورنيك من هنا وتمشي تفتح بلاغ في بحري
    ويشرح الشرطي للرقيب حسين :
    • نحنا دلوقت همنا إنو يتعالج لأنو هو رهن التحقيق في قضية بتاع العناقريب .
    • ها ..دى عند … أسمو شنو يا أخ .. قول معاي ..
    • حسبو ؟
    • لا .. ما حسبو .. الزول بتاع العليفون دا ..
    • مضوى ..
    • ايوا مضوى ..ديل جابوهم أمس ..وكلهم فكوهم الا الزول دا … هو الوحيد القال جا عشان يشترى مصل .
    • أبكر دا دا جابوه كتير هنا ..مش كدا؟
    • جابوه كتير وكل مرة بمرق منها.. لكين المرة دى ما اظنو بمرق منها. على أي حال إنت اخد الاورنيك …عندكم عربية ؟
    • بمشي أشوف عربية الأحوال …
    • ويخرج الشرطي ومعه مشلهت … ويقوم الشرطي بكل الإجراءات ثم يرسل مشلهت ومعه شرطي آخر للمستشفى بأورنيك طبي … ويتساءل الشرطي :
    • اها … وبعدين حكاية القضية دى …
    ويجيب الشرطي :
    • لا … دى خليها علينا …أنا حأكلم المتحري …وبعدين بعد ما تجي من الإسبتالية حيواصل معاك التحري …ولو شاف يعرضك علي وكيل النيابة يعرضك عليهو ..
    ويحمل مشلهت معه بقجة الملابس ويصعد الى ظهر العربة التي تقله للمستشفى.

    وصل البائع المتجول الذي أرسله مشلهت إلى أولاده إلى عبد الحميد صاحب البقالة في بحري … وكان هناك عدد من الناس في البقالة … يطلبون شراء بعض الأشياء فإنتظر البائع فترة … حتى قال له عبد الحميد :
    • أيوا يا خوي..؟
    • يا اخوى بسأل من بيت واحد إسمو مشلهت قال جنبكم هنا …
    وخرج الرجل من بقالته ووقف على ناحية الشارع وهو يشير بيده :
    • شايف الصيوان داك؟ .. اهو هم فارشين هناك .
    ويتساءل البائع :
    • دا بيت مشلهت ؟
    • ايوا دا ذاتو فراشو .. مش إنت جاي عشان العزا ..
    • لا يا خوي … أنا ماجاي عشان العزا ولا عارف فى عزا هنا ..
    • إنت ما سمعت ولا شنو ؟ مشلهت الله يرحمه مات …
    ويستغرب البائع :
    • والله دى مسعلة عجيبة … الوصف يا هو الوصف … دحين إنت ما اسمك عبد الحميد ؟
    • ايوا …
    • طيب كيفين يعنى يكون مشلهت مات ؟
    • مات زى ما كل الناس بموتو … ودى فيها شنو يعني ؟
    • مات ودفنوه كدي … يعنى إنتو مشيتو فى جنازتو
    • بسم الله الرحمن الرحيم … يا راجل بقول ليك مات ونحنا مشينا فى جنازتو …فى ايه ؟ في حاجة ؟ .
    • يا اخوى أنا هسع جاي من سوق ليبيا .. ولقيت في نقطة البوليس واحد اسمو مشلهت وهو الاداني الوصف دا .. وقال لى تمشي لأهلي في بحري وتكلمهم وتقول لهم إنو مشلهت فى النقطة ويجى أخوه شمس الدين يضمنو … باقى هو عاضيهو كلب … وأنا ما عارف جريمتهم شنو الماسكنهم بيها فى النقطة … وقال يجيبوا ليهو معاهم هدوم حتى اشترى منى عراقي … وأدانى القروش ديل وقال لي التلفون بتاعنا مقطوع .
    وتنعقد غمامة من الدهشة حول بقالة عبد الحميد والذين كانوا فيها وسمعوا حديث العزاء فيهب شمس الدين لملاقاتهم الا أن عبد الحميد يناديه على جنب ويقول له .
    • شفت يا شمس الدين … عندكم حاجة غريبة حاصلة الراجل دا جا هسع من سوق ليبيا قال رسلو مشلهت …قال لقى مشلهت فى الحراسة وعاضيه كلب … وقال ليهو أنا حاولت اتصل بأهلي في بحري لكين التلفون بتاعهم مقطوع … ويكلموا أخوي شمس الدين يجي يضمني .
    ولم يصدق شمس الدين أذنيه … فجذب كرسياً جلس عليه وهو يوجه سؤاله للرجل :
    • اسمع إنت متأكد من كلامك دا ؟
    • استغفر الله العظيم … أنا قلت ليك الزول دا اشترى منى عراقي واداني تلاتين الف وقال لى اجر تاكسى ووصف لى البيت حتى اسم عبد الحميد سيد البقالة دا هو الورأني ليهو …
    ويتساءل شمس الدين :
    • شكلو كيف ؟
    • زول اخدر … مربوع .. لابس جلابية وسفنجة ودمو زى دمك وبشبهك .
    ويغمغم شمس الدين :
    • جايز … جايز … طيب ما في داعي نكلم الجماعة ديل … نمشي لحدي ما نتأكد وبعدين لو لقيناهو نسوقوا نجيبوا حتى نكلمهم ..
    ولكن ذلك لم يحدث إذ أن الذين كانوا بالبقالة وسمعوا حديث الرجل مع عبد الحميد إنتشروا في جميع أركان صيوان العزاء وهم يرددون :
    • مشلهت ما مات … مشلهت في سوق ليبيا … ماسكينوا في الحراسة

    تحركت العربة النوبتجية من امام مركز الشرطة وعليها مشلهت وشخصان احدهما وضعت يداه فى قيد حديدى مرتبط بجنزير يتفرع الى قيدين لكل رجل .. الشخص الآخر كان من ابناء الجنوب … وجلس على ظهر العربة جنديان يحملان بندقتين … الطريق يمر بشارع العرضة ؟؟؟ بعضه مغطى بالتراب وبعضه تنام في داخله حفر مستعرضة ومستديرة ومستطيلة ، ومستحيلة … تصطف الحافلات والركشات والامجاد والدفارات وكأن الامة السوادنية قد تعلبت فى هذا النهار … وترتفع ضوضاء الشارع وتتجاوز الاذنين مختلطة بالغبار فى جو يجعلك تفكر بصورة جادة فى خنق اى مخلوق بالقرب منك .
    موظف الاستقبال في المستشفى الذى استلم الأرانيك المرضية أشار إلى الشرطيين المرافقين أن ياخذا مساجينهما إلى حيث يجلس طابور طويل من البشر… جلس مشلهت بالقرب من الشخص الذى يحمل القيد على يديه ورجليه. منظره يدل على أنه أنسان مغلوب على أمره …… يضع طاقية على رأسه…… مستسلم كنواة تمر …… يحاول أن يخفي القيد الذى على رجليه تحت جلبابه … نظرات غريبة تهبط عليه من الذين اكتظت بهم ردهة المستشفى … بعضها شامت وبعضها مشفق … وبعضهم مزهو بأنهم احسن حالاً من ذلك الرجل .. تعثرت امرأة على رجل المسجون … فقالت :
    • معليش يا ولدى … ما شفتك …
    ثم إنتبهت الى القيد علي يديه بعد أن حاول هو أن يساعدها على النهوض من كبوتها فقالت :
    • الله يفك كربتك يا ولدى …
    فاجابها :
    * يفك كربتنا كلنا يا حاجة …
    وكانما اشعلت هذه الكلمات فى الجميع موجة الطاقة الخفية فسرت همهمات تؤمن على ما قاله … يا حلال الكرب … يا فراج يا سريع النهمة من الضيق والزحمة .
    مشلهت الذى كان يحاور المسجون منذ أن نقل معه الى المستشفى من مركز الشرطة شعر أنه ينتمى الى كربة ذلك الرجل فقال له :
    • كلنا معاك يا اخوى كربتنا واحدة … الله يحلها …
    استغرب الرجل فقال متسائلاً :
    • إنت كمأن كتلت زول ؟
    • لا … ابداً
    • طيب كربتك بسيطة … أنا كتلت زول …… وهسع فى رقبتي روح زول…
    • مالك؟ الحكاية شنو ؟
    • تقول شنو … أنا ذاتى ما عارف اتصرفت كدا ليه … غايتو نقول قدر مكتوب … الله يلعنك يا شيطأن…
    • الله يلعنك يا شيطأن دى كان تقولها قبال ما تكتل الزول …
    لكين بعد ما كتلتو تجي تلعن الشيطأن … والشيطأن اصلوا ملعون … ويصمت الرجل ثم يتأوه
    • اووف حاجة كدا زى الحلم .. زول لا بعرفو لا بعرفني لا بيني لا بينو … لاقانى نازل من البص … عترت فيهو ساكت زى عترة المرة دى هسع فيني…… وقبال ما اقول ليهو " سورى" ومعليش .. قال لي :
    • إنت عميأن ؟ العمى اليقلع عينيك … ناس حمير
    الحقيقة الكلام دا خلاني اعمى واطرش … ما شعرت ليك الا وأنا بطلع سكيني من ضراعي وبدى ليك طعنة واحدة فى رقبتو أصلو ما تنيتها …فد سجة والزول وقع وفرفر وفرفر زى الجدادة .. ما تقول داك الزول المنفوخ زى القربة … وأنا اهو رحت فى الحديد …أنا ذاتي ما عارف الركبني البص الشوم داك شنو ؟ اولاً من البص ما اتحرك … ستين شكلة ونبذ وشتايم … وناس روحها محرقاها ..
    ويسأله مشلهت بعد أن شعر بأن مشكلته مشابهة لمشكلة الرجل … فكلاهما قد وجد نفسه تحركه احداث هو لم يخطط لها …
    • وإنتو أهلكم من وين ؟
    • من الجزيرة … حتة ما بعيدة من المحيريبة … وحالتو أنا جاي نازل من البص بفتش لعليش ود عمي عشان اديهو قروش يوديها للجماعة هناك فى الحلة … لكين تقول شنو … حصل الحصل وبعد دا قالوا مرحليننا لكوبر عشان جرايم الكتل هناك..
    • وهسع هنا مالك ؟ شاعر بشنو ؟
    • شاعر بحمى وعندي رجفة وصداع شديد …
    • دى اعراض ملاريا ..
    • زمان جاتني الحكاية دى مشيت فحصت قالوا لى ما عندك ملاريا …
    تمر الساعات ببطء وبين الحين والآخر يتحدث احد الشرطيين مع موظف الاستقبال الذى ينظر في ساعة يده ثم يقول :
    • بس شوية كدا والدكتور يجي …
    " يجي الدكتور … وهو لسه ما جا " … يدور هذا بذهن مشلهت فما الذى يجعل الناس ينتظرون دكتوراً لسه ما جا .. وكانه الامام الغائب ؟ ولكن الواقع يقول أن الامة السودأنية قد ادمنت الإنتظار وأنها تفعل ذلك ببراعة تحسد عليها … ففي سبيل الإنتظار يهون كل شئ …لا احد يتململ فى قعدته ولا احد يتبرم … بل الجميع فى حالة إنتظار دائم .. والوحيد الذى يبدى شيئاً من عدم الصبر يتأوه :
    • اللهم طولك يا روح …
    واخيراً جاء الدكتور ولم يره احد …ولكنه جاء … ألا تشعر احياناً أن الأطباء فى العيادات فجاة يظهرون وفجأة يختفون … الامر الذى يجعلك تتساءل … اين هى تلك الابواب السرية او الخفية التى يظهر او يختفى خلفها الاطباء ؟
    جاء دور مشلهت الذى شرح للدكتور حالته … فقال له :
    • قلت العضة دى حصلت متين ؟
    • امس الصباح
    • ومن امس الصباح ما لقيت زول يغير ليك ولا يديك المصل ؟
    • ما لقيت
    • وقلت عندك سكر؟
    • ايوا
    • اخر مرة كشفت كان السكر كم
    • تلاتة صلايب فى البول
    • وكنت بتاخذ شنو ؟
    • دوانيل …
    • طيب امشى ارقد ورا الستارة ..
    ويستلقى مشلهت وراء الستارة … بينما يبقى الدكتور يكتب شيئاً على الاوراق .. فى هذا الاثناء تستلقى افكار مشلهت بشكل مسطح .. حتى إنه يتمنى لو أنه لم يغادر ذلك المكان … يا له من شعور رائع عندما تشعر همومك كلها ترقد بجانبك … ربما تنهض وتتركها نائمة … اجرى الدكتور فحصه بالطريقة المعهودة … ثم طلب من مشلهت أن ينهض ويأخذ ورقة لفحص الدم للسكر ..
    حجرة الفحص ترقد فى نهاية المستشفى وبالقرب من دورات المياه …ولا يعرف احد هل وجودها هناك بالصدفة او أمر مقصود … على سقفها مروحة أعيد طلاؤها اغلب الظن فى يوم من ايام الخدمة الا أن خيوط العنكبوت التى إنتظمت بين ريشها ظلت موجودة بالرغم من الحركة الدائرية للمروحة .. ترى كيف لا تشعر العنكبوت بتلك الحركة؟… تماماً مثلما لا نشعر نحن بحركة دوران الارض؟
    تربيزة عليها بعض الفتايل والقطن ورف رصت عليه زجاجات وفتايل ودولاب اعيد طلاؤه ايضاً .. الممرض الذى استلم الورقة من مشلهت اعطاه قارورة قائلاً:
    • جيب شوية بول هنا ؟
    ترك مشلهت بقجة الملابس التى كان يحملها مع الشرطي الذي كان مرافقاً له ثم ذهب لدورة المياه وعاد وهو يحمل القارورة .
    اخذ الممرض القارورة …
    ثم قال لمشلهت
    • شوف أنا ممكن اخذ منك دم من الوريد وبعدين أقوم أحلله واشوف نسبة السكر فيهو كم لكن الحكاية دى بتأخذ وقت … وأنا شايف معاك بوليس وكدا…
    ويصيح البوليس :
    • ايوا … نحنا من الصباح هنا … اتاخرنا خلاص وورديتنا قربت تنتهي.
    ويواصل الممرض حديثه قائلاً :
    • لو إنت عايز كشف سريع وبسيط ومضبوط أنا عندي ولدى في السعودية رسل لي الجهاز دا وممكن في دقيقة اديك نتيجة الكشف لكين تدفع عشرة الف…
    ووافق مشلهت دون تردد …اخذ الممرض إصبع مشلهت وشكه بإبرة ثم وضع نقطة من الدم على شريط صغير مثبت داخل جهاز رفيع وإنتظر لحظة حتى ظهرت قراءة على شاشة الجهاز 472 ..
    • يا سلام … إنت سكريك مرتفع جداً .. ما في داعي حتى نكشف على البول … خذ النتيجة دى طوالى للدكتور … وطبعاً إنت مفروض تجينا بكره صايم وبعدين نعمل ليك كشف كامل .. على أي حال لازم تقابل الدكتور …
    اخذ مشلهت النتيجة وإنتظر فترة خارج عيادة الدكتور حت يخرج مريض كان مع الدكتور. نظر الدكتور للنتيجة وقال
    • إنت السكري عندك مرتفع وكمان رجلك فيها جرح وعايز غيار وعايز مصل لازم نحجزك عندنا هنا … خذ الورقة دى لعنبر الباطنية خليهم يشوفوا ليك سرير ويعملوا ليك الإسعافات المطلوبة دى … وأنا حاكتب ليك هنا في الاورنيك تسلمه يا عسكري لناسكم هناك .
    ويصاب الشرطي بفزع :
    • يعنى هو ما برجع معانا ؟
    • يرجع وين ؟ دا لازم يبقى هنا في المستشفى لحدي ما يتعالج دا حالته خطرة جداً … يمكن هسع يدخل فى غيبوبة سكر يروح فيها …
    واسقط في يد الشرطي … فمعنى هذا أن يبقى مع مشلهت فى المستشفى يحرسه حسب التعليمات ولا يبارحه حتى يأتي من يسد خانته … وسيعود الشرطي الآخر بالأوراق ومعه بقية المحجوزين او المساجين كما اعتاد الناس أن يطلقوا على كل من يكون في حراسة البوليس .
    أخذت إجراءات مشلهت وقتاً طويلاً لأن إيجاد سرير له في قسم الباطنية أمر عسير وعندما وجد السرير كان بالقرب من النافذة ويطل على ميدأن جاف به بقايا أعشاب متيبسة وتدل هيئته على أن الماء لم يمر بناحيته منذ سنين … الأشجار التي تنمو على حوافه تناثرت تحتها الفرشات وترامس الشاي والقهوة ومجموعات من الرجال والنساء وزجاجات البلاستيك والجركانات التي تحتوي على الماء …. ومن بعيد بالقرب من السور تلوح بعض الملابس التي غسلها أصحابها من مرافقي المرضى وعلقوها لتنشف … مثل هذه الأشياء أصبحت من الأمور العادية التي لا تسترعى إنتباه أحد … فمثلاً عدم وجود قطط بالقرب من حاويات القمامة يمكن أن يسترعى الإتباه ولكن وجود القطط نفسه لا يثير أي إنتباه .
    كل تلك الخواطر جالت بفكر مشلهت وهو يرسل بصره من خلال النافذة … قطعت عليه سيل أفكاره ممرضة تحمل ميزان حرارة وضعته في فمه وكانت تخاطب فراشة تحمل جردلاً .
    • عليكى الله يا أم الحسين أمشي عنبر القاينا كلمى الطيب يجيب لي قروش الختة عشان قاعدة اجمع فيهم … قولي ليهو التومة قالت ليك جيب ليها القروش عشان أسيادهم راجينهم .
    تنزع الممرضة ميزان الحرارة من فم مشلهت ثم تقرأه وتهزه لترجعه في مكانه وتدون الرقم في ورقة تحملها ثم تخاطب مشلهت قائلة :
    • وين الجرح العايز غيار ؟
    • يبرز لها مشلهت رجله … فترى آثار دماء متيبسة ذات لون بنى غامق…
    • وإنت اصلوا الجرح بتاعك دا ما عملوا ليهو غيار ..
    • لا …
    لكين بالطريقة دى ما بتتسمم .. طيب خليك أنا هسع أجى أغير ليك لكن عايزين شاش وقطن ..
    ويتساءل مشلهت :
    • شاش وقطن من وين …
    • إذا عندك قروش أنا برسل ليك أم الحسين الفراشة تمشى تجيبهم ليك … ولا … خلاص جيب القروش … أنا بمشي بجيبهم …
    • كم ؟
    • جيب 5 الف ..
    ويناولها مشلهت القروش فتأخذها وتنصرف …
    تحسس مشلهت بقجة الملابس التي تخص البائع المتجول … وشعر بأنقباض … فالرجل تكرم مشكوراً بالذهاب لأهل مشلهت في بحري حتى يوصل لهم رسالة مشلهت وطلب منهم الحضور معه … فماذا لو جاءوا ولم يجدوه ..
    ماذا يظن الرجل ؟ هل يظن أنه قد احتال عليه ليأخذ ملابسه ؟ وماذا ستقول زوجته وماذا يقول أخوه شمس الدين ؟ والإحباط الذي سيتعرضون له …. من الذي سيخبرهم أن مشلهت في المستشفى … ومعه شرطي على رأسه لا يسمح له بمغادرة سريره ……الفراغ الممتد بين سريره والأسرة الآخرى في عنبر الباطنية تملاه تلك النظرات الغائرة عند المرضى ومرافقي المرضى والباعة المتجولين الذين يعرضون بضائعهم على المرضى ابتداء من الأمشاط وحلاوة اللبأن وأمواس الحلاقة وأباريق " قطع الجمار" والبطاريات ، وغيرها … ورواية طويلة تراجيدية اسمها الحياة …
    آفاق مشلهت على صوت الممرضة وهى تحضر الشاش وتبدأ في تنظيف الجرح … شعر مشلهت لاول مرة بألم فى موضع الجرح … فقد نسى في الأوقات السابقة وهو في قمة أنشغاله بألم الجرح … الألم يشعرنا أنه لا زالت هناك حياة تسرى في أوصالنا … طيلة الوقت كإنت الممرضة صامتة وهى تقوم بعملها ووجها يخلو من أي تعبير وفجأة سألته :
    • وبعدين حتعمل شنو مع موضوع المصل … المصل دا مهم جداً …
    وإنت هسع ليك يومين كان حقو تكون أخذت حقنتين ..
    شرح لها مشلهت مشكلته وأنه عاجز عن الحصول على المصل وهو تحت حراسة البوليس وفى المستشفى … يا لسخرية القدر … الأمل الوحيد في حصوله على المصل هو أن يخرج من المستشفى ليذهب للبحث عنه … بعيداً عن المستشفى ….الكهرباء يبحث الناس عنها بعيداً عن مرفق الكهرباء في المولدات المتناثرة وسط الأحياء وأماكن العمل …… الماء يبحث الناس عنه عند أصحاب الكارو وبعيداً عن النيل … الراحة الحقيقية يبحث الناس عنها في المقابر …وكذلك المصل الذي ذهب يبحث عنه عند بتاع العناقريب وها هو ينتهي به البحث هنا في المستشفى تحت الحراسة ……اخذ مشلهت يردد فى سره بيتاً من قصيدة للشاعر اليمني عبدالله البردوني:
    عجيب أمر ما يجري واعجب منه أن تدري …


    زوجة مشلهت وإبنه علاء واخوه شمس الدين وزوج ابنته والبائع المتجول كلهم حشروا أجسادهم داخل عربة تاكسي واتجهوا صوب مركز الشرطة.. شمس الدين لم يستوعب كل الذي حدث يتساءل ويوجه سؤاله للبائع المتجول …
    • إنت اصلوا لقيتو وين ؟
    • قت لك " قلت لك " لقيتو في المركز هناك …
    وناداني حتى اخد مني عراقي غير بيهو جلابيتو ..
    • وقال ليك إنو عضاهو كلب ؟
    • أيا … هو قال كدي … وأنا شايف رجلو فيها دم ..
    • نان البوديهو سوق ليبيا شنو ؟ دى حكاية تمخول … وكمان في مركز البوليس … ومشلهت اصلو ما بتاع مشاكل ولا مراكز بوليس ولا حاجة .. وتعلق زوجته :
    • يا أخوي دى حكاية اصلها ما عارفين ليها تفسير … دحين إنت يا شمس الدين ما بردتو وغسلتو ..
    • بالحيل …
    • شفت أي عضة في رجله ..
    • ابداً ما في عضة في رجله …
    ويتدخل علاء إبن مشلهت :
    • يا يمة الزول الدفناهو هو دا جايز يكون زول تاني ..يمكن الزول العاضي الكلب دا ما أبوي ..
    • وأبوك الكلب لقاهو وين ؟
    • ما يمكن في صلاة الصبح عضاهو الكلب …
    • ونان ما يجي راجع ؟ إنت يا زول قلت هو قال ليك شنو بالضبط كدا …
    ويكرر البائع المتجول ما أوصاه به مشلهت …
    • أولا بالتبادي هو وصف لي البيت وأنا جيت حسب الوصف وقال لي لو تهت أسال عبد الحميد سيد البقالة " مو اسمو كدي "
    • ايوا … تمام …
    • وقال لي تمشي تكلم مرتي تقول ليها مشلهت في مركز البوليس وعاضيهو كلب وخليها تكلم اخوي شمس الدين يجى يضمني ويجيبوا لي معاهم غيارات عشان أغير هدومي دى ..
    ويعلق زوج إبنة شمس الدين وهو الذي ظل طيلة هذا الوقت صامتاً …
    • يا أخوانا الكلام دا عديل … مافى زول تانى بقول كدا الا مشلهت …
    ويتساءل شمس الدين :
    • وطيب الزول الدفناهو دا منو ؟ أنا من بدري قلبي كان ماكلني إنو الزول داك ما مشلهت لكن إنتي يا صفية أول ما شفتي الزول داك ضربتي الثكلى…
    وتبرر صفية موقفها قائلة :
    • هي لكين نعمل شنو؟ … مشلهت ما أتعرف ليهو محل … الوش أنا صحي ما اتاكدت منو …. عاد كيفن دايريني كمان أتفرج في وش زول رأسه مكسر زي داك ..
    • ونحنا سقناكي معانا ليه ؟ مش عشان تتأكدي ؟
    ويتدخل سائق التاكسي إذ أن مثل ذلك الحوار لا يحدث كل يوم في عربته فيقول:
    • اصلو اليومين دى البطلع ما بجي راجع … وحوادث الحركة كثيرة … غايتو ربك يستر .
    واخذ يحكى عن عدد الذين نقلهم بعربته الى قسم الحوادث في مستشفيات العاصمة … مؤكداً أن فرصة الذي يخرج من بيته في رجوعه الى منزله ضعيفة وكان كل مرة يختم حديثه قائلاً :
    قول يا لطيف والأمل ضعيف …
    هذه مقولة غير مطمئنة بالمرة … هل صحيح أن الأمل ضعيف في الحصول على مشلهت على قيد الحياة ؟ إذن من هو ذلك الرجل الذي أوصى البائع المتجول بإحضار أهله ؟
    هل يمكن أن يكون شخصاً آخر غير مشلهت .
    وقف التاكسي أمام المركز …. فقام شمس الدين بحسابه واتجه الجميع نحو الباب يتقدمهم البائع المتجول وهو يقول :
    • خلاص وصلنا … تعالوا بجاي … زولكم قاعد في البرندة البهناك دى…
    وهرع الجميع … ووقفوا أمام البرندة …. والبائع المتجول يتجول بين مساطبها متسائلاً :
    • هوى يا ناس .. الراجل البقولوا لو مشلهت الهسع كان قاعد هني مشى وين ؟
    لم يجد جواباً شافيا .. إذا أن الوجوه التي تركها …لم يجدها.. هذه وجوه جديدة فرواد المخفر يتغيرون ويتبدلون كل ساعة … ويجئ البائع المتجول للمجموعة قائلاً :
    • الزول دا أنا هسع خليتو كان قاعد هنا …
    • مشى وين ما عارف … كدي خليكم واقفين هنا وأنا بمشي اسأل العساكر ديك .
    ويتقدم البائع المتجول من شرطي يجلس في مكتب وهو يكتب شيئاً :
    • يا أخوي … بدور اسعلك .. دحين كان في واحد اسمو مشلهت …أنا خليتو قاعد بجاي … مشى وين ويرفع الشرطي رأسه ثم يقول :
    • الناس كتار هنا …. زولك دا أنا ماشفتو …
    • كيف ما شفتو يا جنابو … دا حتى أنا خليت معاهو بقجتي بتاعة الهدوم…
    • قلت ليك ما شفتو … أمشي أتحرى عنه هناك في مكتب التحري ويخرج البائع المتجول والاف الاحتمالات تدور برأسه ….
    قبل مدة مشلهت … وبيت بكا وهسع مشلهت مافي … والجماعة الذين أتوا معه … هل يظنون أنه جاء بهم ليحتال عليهم ؟ وماذا عن بقجته هل غدر به ذلك الرجل ؟ …. لا … لا يمكن أن يغدر به لأنه أعطاه 30 الف جنيه … اكثر مما يستحق في ذلك المشوار … ولكن أين يكون طار ؟ هل ابتلعته الأرض ؟
    وشعر الرجل بحرج شديد فماذا يقول ؟
    • والله دى حكاية عجيبة … الزول كان هني وأدانى القروش دى وقال لي تمشى تجيب الجماعة … هسع نجي ما نلقاهو ولا في زول يكون عارف محلتو؟ .
    وداخل مكتب التحري وقف البائع المتجول موجهاً حديثه لرجل شرطة :
    • يا أخوي بالله ما بتعرف ليك زول اسمو مشلهت عاضيهو كلب … كان معاكم بجاي …
    ويرد عليه أحد رجال الشرطة مستفسراً ..
    • عاضيهو كلب البجيبو لينا هنا شنو ؟ ما تمشي تشوفو في الإسبتالية …
    • والله أنا ذاتي ما عارف بس هو قال لي خلي الهدوم حقتك دى معاي هنا وامشى كلم أهلي في بحري …
    • وإنت هسع ما لقيتو ولا لقيت هدومك ؟
    • أيا … ما لقيتو ولا لميت في هدومي …
    • خلاص أمشي افتح بلاغ …دا زول محتال غشاك وشال هدومك وفر …
    • الا يكون كدي ….
    وعاد البائع المتجول لآل مشلهت قائلاً :
    • والله يا أخوانا مانى عارف أقول ليكم شنو ؟ جنابو قال لي دا زول محتال غشاك وشال هدومك امشي افتح بلاغ …… والله الزول شكلو ود ناس أبدا ما عليه شكل الاحتيال وبعدين أداني 30 الف قال لي تمشي بيهم وادانى الوصف …
    • ويسأله شمس الدين :
    • وإنت هدومك بكم ؟
    • عندي خمسة عراريق و10 سراويل و6 ملايات كإنون…
    • يعني اكتر من التلاتين الف الأداك ليهم الزول القلت لاقيتو هنا ؟.
    • أيا …
    • كان كدي ليك حق تتهمو بأنو غشاك …
    وتفتح زوجة مشلهت عينيها واسعتين وهى تقول :
    • سجمي … يعني الزول طلع غشاش … يعني مش مشلهت ؟
    ويصمت الجميع وكل منهم يشيح بنظره بعيداً فتقول :
    • أنا ما قلت ليكم ياهو داك مشلهت الدفناهو وبكيناهو … ساكت قعدتوا تغالطوني وتشكوكنى …
    شمس الدين وزوجة مشلهت وابنه وزوج ابنة شمس الدين حشروا أنفسهم مرة اخرى فى عربة تاكسي عائدين الى الخرطوم بحري وهم لا يجدون تفسيراً لما حدث … يختفي مشلهت ويعثرون على شخص في المشرحة توفي في حادث مروري في طريق الخوجلاب ويعتقدون أنه مشلهت … فيدفنونه ويقيمون العزاء … ولكن يأتيهم هذا البائع المتجول وهو ينقل لهم وصية من مشلهت وعندما يذهبون الى مركز البوليس لا يجدونه … ما معنى هذا ؟ هل هناك من يريد أن يستغل حزنهم على مشلهت فيزيد من وقع المأساة عليهم بمثل هذه التصرفات ؟ يقول شمس الدين :
    • والله دا كلام ما مفهوم … يعنى الزول دا قصدو شنو ؟
    وتتساءل زوجة مشلهت :
    • الزول منو ؟
    • الزول الجانا قال مشلهت رسلو لينا …
    وترد زوجة مشلهت :
    • ودا قصدوا شنو ؟ … ما أظن عنده قصد دا زول هو ذاتو طلع ضحية … يمكن الزول القابلو دا زول محتال …
    • وطيب عرف من وين اسم مشلهت …ووصف البيت … وعبد الحميد صاحب البقالة ؟
    • غايتو دى حكاية تسغرب المخ …
    ويتواصل الحوار بتلك النبرة المتسائلة الى أن تقف عربة التاكسي أمام صيوان العزاء …. فيأتى الابن الأصغر لمشلهت :
    • ماما .. ماما … حيدر وصل ..
    وترفع الام يديها ثم تصرخ :
    • حى ووب … حى ووب … الليلة يا أبو حيدر … مخير الله عليك …
    وتندفع داخل المنزل وتشتبك مع إبنها في عناق طويل باك تعدد فيه مناقب والده … وحيدر يجهش بالبكاء … ثم يندفع نحو عمه شمس الدين يقول له وهو يغالب الدموع :
    • لا اله الا الله … شد حيلك يا أبني … استغفر … هكذا حال الدنيا … ما تعمل في روحك كدا … أنا لله وإنا اليه راجعون رويداً رويداً تخفت الأصوات …. ويستغفر الجميع ويمسحون دموعهم بثيابهم … ويرفعون أياديهم بالفاتحة ..
    الفاتحة ..
    وبصوت متهدج يسأل شمس الدين ابن أخيه :
    • وصلت متين يا حيدر ؟
    • قبل ربع ساعة
    • ووصلك الخبر متين ؟
    • امبارح بالليل … وكنت اصلو جاي وصادف أنا كنت حاجز في السفرية دى …
    • دا كله عشان ربنا قاسم ليك تصل طوالي … وما تتأخر …
    ويتساءل حيدر :
    • لكين يا عمي شمس الدين …. قالوا إنتو مشيتوا محلة كدا قالوا ليكم أبوي منتظركم ؟
    ويجيب شمس الدين وهو يلتقط الكلمات :
    • تقول شنو يا ولدي … جانا واحد هنا وقال أبوك موصيهو وإنو موجود في مركز البوليس في سوق ليبيا ومشينا هناك وما لقيناهو ولا لقينا حتى زول يدلنا عليهو … وكل واحد نسألو يقول ما عارف عنو حاجة … وفى الآخر ما لقينا أكيدة جينا راجعين .
    • وإنتو يا عمي شمس الدين ما اتاكدتوا إنو ابوى مات قبال ما تفرشوا ؟
    • أنا غايتو كنت شاكي … لكين أمك أكدت لينا إنو الزول الكان في المشرحة داك كان أبوك
    • وطيب حكاية الزول الجاكم وقال أبوي موصيهو ؟
    • ما ياها دى المشكلة هنا …
    • وأبوي ليه يرسل زول ؟ ما يضرب تلفون من اي محل بتاع اتصالات …
    • تلفونكم فى البيت مقطوع …
    ويصمت حيدر فترة من الزمن وهو يركز بصره على كوب شاي ملقى وقد سالت محتوياته على الأرض … وتجمع أفراد النمل يعملون بهمة ونشاط حول الكوب … هكذا خرج الناس يبحثون عن رزقهم في فجاج الأرض وخرج معهم حيدر وقد بقي عاماً كاملاً وهو يبحث عن عمل في بلاد الاغتراب واخيراً وجد عملاً وكان عليه أن يعود ليتم التعاقد معه في بلده …. وهاهو يعود ويجد والده قد توفي في ظروف غامضة …
    سمع الجيرأن بحضور حيدر فجاءوا مرة اخرى للتعزية وامتلأ الصيوان بجمهرة من المعزين وأنحصر حديثهم كله في الشخص الذي جاء يحمل خبراً من مشلهت والذي تبخر في هواء مركز البوليس فلم يعثر عليه أحد ……
    وتقدم جار مشلهت الذي أخذه للمستشفى صبيحة ذلك اليوم من شمس الدين وجلس بجانبه ثم قال :
    • الحكاية شنو يا شمس الدين ؟ قالوا جاكم واحد هنا وقال شنو مش عارف ……. غايتو كلام عجيب كدا …..
    • جا واحد يا سيدي قال لقى مشلهت في مركز البوليس في سوق ليبيا ورسلو عشان يكلمنا …. وبعدين مشينا معاهو ما لقينا مشلهت ولا لقينا زول بيعرفو ولا شافو ويتعجب الجار ويقول :
    • دى حكاية عجيبة جداً … أنا غايتو قلبي كان ماكلني …… الطريقة المات بيها مشلهت دى غريبة جداً ويوافقه شمس الدين ……
    • إنت براك قلبك ماكلك ؟ …. أنا ذاتي قلبي ماكلني وما كنت عايز صفية تتسرع وتتعرف على الزول بتاع المشرحة دا وتقول إنو مشلهت …
    ويقرب الجار وجهه من شمس الدين قائلاً :
    • إنت بردت الميت ؟
    • ايوا
    • طيب لاحظت في رجله جرح ؟
    • أبدا ما لاحظت أي جرح في رجله …
    • كلام شنو دا يا أخي أنا وديتو المستشفى … ودمو سايل بعد ما عضاهو الكلب … هسع كلامك دا بخلينا نشك إنو الزول الدفنتوه دا يكون مشلهت .
    • والله أنا ذاتي الأمور ملخبطة في رأسي … غايتو الحمد لله حيدر وصل ونقدر نرفع الفراش الليلة …


    (ستجد تكملة الرواية في نهاية هذه الصفحة - بعد الردود)




    ****

    (عدل بواسطة Rayah on 08-31-2007, 07:18 PM)
    (عدل بواسطة Rayah on 09-03-2007, 06:53 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
مشلهت والضياع الكبير Rayah08-29-07, 05:08 AM
  Re: مشلهت والضياع الكبير munswor almophtah08-29-07, 05:11 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير jini08-29-07, 05:25 PM
      Re: مشلهت والضياع الكبير عبدالله علي عجبنا09-04-07, 05:36 PM
  Re: مشلهت والضياع الكبير Dr. Ahmed Amin08-29-07, 08:07 PM
  Re: مشلهت والضياع الكبير Dr. Ahmed Amin08-29-07, 08:08 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير المسافر08-30-07, 06:24 AM
      Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah08-30-07, 06:38 AM
  Re: مشلهت والضياع الكبير maia08-30-07, 08:15 AM
    Re: مشلهت والضياع الكبير Rama08-30-07, 03:00 PM
      Re: مشلهت والضياع الكبير Siham Elmugammar08-30-07, 05:29 PM
  Re: مشلهت والضياع الكبير jini08-30-07, 09:16 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah08-31-07, 07:28 PM
      Re: مشلهت والضياع الكبير jini08-31-07, 11:44 PM
  Re: مشلهت والضياع الكبير haider osman09-01-07, 02:56 AM
    Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah09-01-07, 03:47 AM
  Re: مشلهت والضياع الكبير Nasr09-01-07, 07:52 AM
  Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah09-01-07, 04:18 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير Manal Mohamed Ali09-03-07, 04:49 PM
      Re: مشلهت والضياع الكبير خالد سند09-03-07, 06:10 PM
        Re: مشلهت والضياع الكبير المسافر09-04-07, 06:02 AM
          Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah09-06-07, 09:40 AM
            Re: مشلهت والضياع الكبير مجدي مسعد حنفي09-06-07, 01:34 PM
              Re: مشلهت والضياع الكبير Rayah09-07-07, 03:35 PM
  Re: مشلهت والضياع الكبير الناظر09-06-07, 01:43 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير معتز تروتسكى09-15-07, 11:11 AM
  Re: مشلهت والضياع الكبير Nasr09-16-07, 08:10 PM
    Re: مشلهت والضياع الكبير جمال السنوسي09-17-07, 12:20 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de