جبال النوبة...ضمير السودان الغائب..

Quote: العزيزة نور، اعتقد اننا يجب ان ننقد انفسنا قبل ان ننقد الغير. هذه لا أعتراض عليها.. وليس النوبة ممن يدفنون رؤوسهم فى الرمال.. فالنقدالذاتى ملازم لهذه المسيرة النضالية المتعثرة بسبب كثرة الضربات الخارجية.. نبدأ اولا بتحليل بسيط، فمنذ سقوط اخر دولة نوبية فى العام 1504م لم يجد النوبة فرصة لكى يشاركوا فى حكومة البلاد بقدر معلوم الا بعد ان وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاق السلام مع حكومة الجبهة او المؤتمر الوطنى. لو أن توقيع الحركة مع الانقاذ أعاد للنوبة جزءا من حقوقهم التى حاربوا من أجلها لما حدث كل التذمر والشكوى والبحث عن الحلول البديلة.. وبالمنطق البسيط.. لا يمكن لمن دافع عن جسم حتى الموت مثل موقف النوبة مع الحركة ولمدى الربع قرن تقريبا.. أن يعلنوا عن سخطهم بنتائج هذا التوقيع.. الخلل الواقع فى نيفاشا هو سبب كل هذه الحوارارت.. النوبة بعد الاستقلال جاهدوا كثيرا و حاولوا المشاركة مع الوطنينيين فى قيادة دفة البلاد الا انهم دفعوا دفعا للاتجاه المعاكس للتقوقع فى تنظيماتهم الخاصة التى لم يكن لها دور يذكر فى تغيير وجه الحياة فى جبال النوبة تغييرا جزريا. تم التآمر على النوبة قبل التوقيع على مذكرة استقلاق البلاد رغم دورنا الاساسى فى أستقلال السودان.. وقع التآمر من الاحزاب الشمالية آنذاك حينما وشت بالنوبة لدى المستعمر البريطانى... وأتهمتنا بالعنصرية.. تماما كما حدث فى ثورة 1924.. الامر الذى عطل مشاركتنا فى الحكومة الوطنية الاولى.. وتعذر حتى تاريخه.. وعدم مشاركة النوبة فى بداية الحكومة الوطنية لم يكن تقصيرا بقدر ما هو نتيجة تآمر الاحزاب الشمالية.. لقد اهتمت تنظيمات النوبة السياسية، و خاصة اتحاد عام جبال النوبة فى ذلك الوقت بالقضايا السياسية اكثر من اهتمامه بالقضايا الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية و التى كان يجب ان يبدأ بها ان كان يريد مستقبلا، لذا لم يقوى اتحاد عام جبال النوبة على احداث نقلة نوعية فى مجتمع جبال النوبة و ذلك لعزوف الصفوة المتعلمة من ابناء النوبة الخريجين فى ذلك الوقت من الانخراط فى الاتحاد و وضع اسس للنهضة بالمجتمع النوبى لذا لم نعثر على ادبيات لاتحاد جبال النوبة تضع فلسفة واطر للنهوض وسط المجتمع النوبى و اصبح النوبة اكثر تواضعا من اى وقت مضى و اصيبوا بهذيان مبالغ فيه و اسبحوا يعملون من وراء احجبة. اتحاد عام جبال النوبة نادى بالاصلاح الاجتماعى والاقتصادى.. ولكن وقف برنامج التهميش أمامه بقوة.. و أنت تعرف عن هذا الاتحاد أكثر مما نعرف.. لقد كان النوبة اكثر عداوة للنوبة من غيرهم من العدو بعد ان اعيد انتاج شريحة كبيرة خاصة من المتعلمين من ابناء النوبة، و اخطر هذه الشرائح على الاطلاق هم النوبة فى القوات المسلحة السودانية و فى القوات النظامية الاخرى، اذاصبح هؤلاء اداة طيعة فى يدى الحكومات المتعاقبة و تم استخدامهم كجلادين ليس للنوبة وحدهم و لكن لكل الشعب السودانى، و قد اعتمدت و تعتمد حكومة الجبهة الاسلامية الان عليهم فى اداء مهامها. فهم قد قاتلوا فى الجنوب و فى جبال النوبة و فى الشرق فى السابق و الان يقاتلون فى دارفور و تتم تعبئتهم بواسطة الحومات الولائية و خاصة فى ولاية الخرطوم و الجزيرة لتدمير منازل اهلهم و قتلهم بل ربما تدمير منازلهم بايديهم لان معظمهم يسكن فى تلك المساكن الشعبية. مرة أخرى نعود الى هذه النقطة التى تم النقاش حولها فى بداية البوست.. النوبة الذين حصلوا على مراكز عليا فى الجيش السودانى.. هم من سمحوا لانفسهم بتنفيذ مخططات الشمال.. أما الجندى السودانى العادى.. فهو فى موقف المنفذ لاوامر المؤسسة العسكرية.. وليس شريكا فى صنع القرار.. ويهم الفصل بين هاتين النقطتين.. وحتى فى ظل الانقاذ.. نجد من قيادات النوبة فى الجيش السودانى من أيدوا وشاركوا فى تنفيذ التصفيات على أهلهم.. و الان البشير يتبجح بقتال القوات الاممية لانه يملا يده بهم و قد تم نقلهم من الجنوب و اعيد انتشارهم فى دارفور. شعب هذا حاله، هل تعتقدين بان له مسقبل؟ يوجد دائما مستقبل.. طالما ان الامل فى الله سبحانه وتعالى.. وارادة الشعب موجودين.. ان هذه الادوار المخزية التى قام و ما زال يقوم بها بعض ابناء النوبة منذ الاستقلال وحتى الان هى من الاسباب الاساسية فى تدهور النوبة ورجوعهم الى الخلف بسرعة مخيفة ان لم نتدارك الامر. حينما نتحدث عن الادوار المخزية.. يجب ذكر الاسماء ومايدل على الخزى.. ولا يجب أن يوضع الكلام بشكل عام.. لان فى هذا المنهج.. تجريم لشعب بالكامل. خاصة المواطن البسيط الذى لا صوت له.. وليست لديه القدرة فى احداث التغيير.. وشعب النوبة هو المظلوم وليس الظالم.. نعود مرة اخرى و نقول ان النوبة شعب منقسم على نفسه و شعب اصبح يحصر نفسه فى اطاره القبلى الضيق بالرغم من ما يتراءى لنا بان النوبة كتلة واحدة لذا استطاعت الجبهة الاصطياد فى هذا الجو العكر. كما ان عنصر الدين يريد ان يلعب بالعقول بالرغم من ان الدين فى مدارس الحركة يدرس خارج المدرسة الا انه فى مناطق الحكومة مازال مهددا قويا لوحدة النوبة. مسألة الاديان فى جبال النوبة مهدد خطير.. والتصفيات التى تمت فى جبال النوبة تمت باسم الدين الاسلامى.. ونحن ممن ينادى بفصل الدين عن الدولة.. وتكمن خطورة الامر الحقيقية فى النبرة التى برزت فى السنوات القليلة الماضية وسط النوبة.. ومازالت تتصاعد مثل النار فى الهشيم.. وهى تناول قضية جبال النوبة على اساس مسملمين ومسييحين.. وهذا ما يروج له بعض النوبة الان.. فقبل الاستقلال كان النوبة قد انتظموا فى حزب الكتلة السوداء و لكن بعدما رفض الانجليز التصريج بانشاء هذا الحزب باعتبار انه حزب عنصرى تحول الحزب الى جمعية اجتماعية كان النوبة جزءا من تلك الجمعية و لكن بعد الاستقلال تحول النوبة و انقسموا الى الاحزاب السياسية الموجودة انذاك و هما الامة و الاتحادى ربما بدون ان يدركوا توجهات تلك الاحزاب الاسلامية العروبية لذا لم يجدوا انفسهم فى تلك الاحزاب لانها اصبحت لا تخاطب ضمائرهم و وجدانهم، فاهتدوا الى تكوين اتحاد عام جبال النوبة و الذى لم يهتدى الى شى ملموس يذكر خاصة فى الجوانب التى زكرناها بعاليه. لهذا السبب أؤيد المدرسة الفكرية.. التى تضمن تحرك النوبة باتجاه القضية على اسس مرسومة.. وقد كتبت فى هذا البوست فى الصفحات الاخيرة.. ما ايدته أنت.. وهو أن العمل فى الكيانات السودانية المختلفة. يجب أن ينصب فى صالح المنطقة.. وليس العكس.. و قد واتت النوبة فرصة طيبة للخروج من القوقعة بعد الانتفاضة فى العام 1986م، الا انهم كالعادة فشلوا من جعل الحزب القومى السودانى حزبا قوميا بمعنى الكلمة و تحويله الى حزب للمهمشين فى السودان، بل تعاملوا مع الحزب كانه حزب للنوبة، مع ان اطروحات الحزب اطروحات قومية، و لكن القيادة لما لها من ضيق فى الافق و عدم استقراء المستقبل و الاستعداد للتحول للجديد لم تستطع ان تواكب التحولات التى تحدث فى السودان بالرعم من ان الخطاب السياسى فى مجمل الاوقات كان يوحى بان للحزب توجه قومى و لكن الواقع كان يكذب ذلك. الصراعات الداخلية للحزب القومى السوداى كثيرة ومعقدة.. وهذه أمورا يعرفها القائمين على أمر هذا الحزب.. ولا أعتقد أن هذه الصراعات مردها القبلية والتشرزم.. واراك تتهم النوبة بما تتهمه به حكومات الشمال..وهو العنصرية.. كما وأن فشل النوبة(كالعادة).. مرة أخرى أوضح ضرورة الفصل بين التجريم العام لشعب النوبة وبين مشاكل الحزب القومى السودانى.. لانها حينئذ أخفاقات قيادات وليست الشعب.. لان الشعب هو المتضرر الاول والاخير.. قيادات النوبة هى سبب نكباتنا كما قلت هذا مرار وتكرار.. فالانقسامات الحادة للحزب التى حدثت فى العام 1987م و الاعوام التالية فى البرلمان و خارج البرلمان جزءت الحزب الى كيانات قبلية للنوبة و نسى القوم ان الحزب كان يفترض ان يكون حزبا قوميا و ان يتم ضخ دماء الحزب بعناصر تؤمن باطرحات الحزب من خارج النوبة و وضعها فى مناصب قيادية و اعطائهم الثقة الكاملة فى المساهمة فى تطوير الحزب لجعله حزبا قوميا فعلا و لكن كل ذلك قد فشل. الجيل الحالى من النوبة.. والخارج حديثا من حرب أهلية طاحنة.. هو الامل فى احداث هذا التغيير. وهو قادر على ذلك.. فقط مع اعادى ترتيب الامور.. الياس مع القضايا العامة لا يساعد فى التقدم خطوة واحدة الى الامام.. مهما كان أحساسنا بالفشل مريرا ومؤلما.. كما اننا يجب الا ننسى ان الشعب النوبى مثله مثل بيقية الشعب السودانى، حيث ان الواقع والمنطق يحتمان ان تكون لهم مفاهيم ايدلوجية مختلفة لعدم وجود المدرسة الفكرية الموحدة لهم، لذا كان هذا الاختلاف الحاد فى التوجه بالاخص وسط الصفوة المتعلمة من ابناء النوبة. هذه نتفق عليها.. و بالقراءة الصحيحة للمستقبل السياسى للسودان، فان السودان منقسم على نفسه فى اتجاهين لا ثالث لهما، و هما الاتجاه العروبى الاسلامى و الذى تقوده الجبهة الاسلامية او ما تسمى مجازا حزب المؤتمر الوطنى و ما يدور فى فلكه من احزاب و الاتجاه الافريقى العلمانى الديمقراطى الذى تقوده الحركة الشعبية و ما يدور فى فلكها من احزاب. مستقبل السودان لا يأتى من رحم الحركة والانقاذ على السواء.. الحكومة السودانية الحالية المزدوجة.. لا تستطيع احداث هذا التغيير.. ولكن الامر فى يد الهوامش التى أكتسبت من التجربة والمرارات ما يؤهلا لاحداث هذا التغيير.. الحركة كايديلوجية لا اعتراض عليها.. قلناها من قبل.. كما ذكرت مرارا وتكرارا.. ولكن القيادات الجنوبية داخل الحركة هى من ضربت هذا الجسم.. فاى حديث خارج هذا الاطار فهو مضيعة للوقت و زر للرماد على العيون و عليه لا بد من ان نصنف انفسنا كنوبة اولا الى اى من التوجهين ننتمى و الانخراط فيه حتى يسهل لنا التعامل مع هذا الواقع و الا سنظل بعيدين كل البعد عن القضيا الاساسية للنوبة و التى لا تنفصل عن القضايا القومية السودانية. من حقك أن توضح ماهية وكيفية مضيعة الوقت والبعد عن قضايا النوبة.. ومن حقنا كذلك.. الظاهر للعيان الان ان مجتمع النوبة فى جبال النوبة قد اختار التوجه الافريقى العلمانى بقناعة تامة بعد المقارنة فى مشاركات النوبة ان كان فى الاحزاب السودانية الاخرى او الحكومات المركزية ممثلين لتلك الاحزاب منذ الاستقلال و حتى الان. لم نختلف حول الاختيار العلمانى وهو فصل الدين عن الدولة.. أذا كنت قد فهمتك جيدا. ولكن فى المقابل يصبح شعب النوبة هو من يحدد كيفية المسار.. ونوعية الاطر والايديولوجيات.. وليس نقل (منفستو الحركة) وتطبيقه على النوبة دون أعتبار لنقاط الاختلاف بيننا وبين شعب الجنوب.. فالنوبة فى الحركة من حيث ادارة الاقليم لا يشاركهم احد من الحركة خارج النوبة فى ادارة الاقليم حيث كانت لهم الارادة فى اختيار من ارادوا فى ان يمثلوهم. كما انه على المستوى المركزى من عشر وزراء للحركة كان للنوبة وزير مركزى كما ان لهم وزير دولة. من يمثلون النوبة فى الحركة يعرفهم النوبة فى الداخل أكثر منك ومنى.. وفشلهم فى أحداث التغيير الذى مات من أجله عشرات الالاف من النوبة هو سبب السخط على الحركة.. وعليهم أختيار من يرونه مناسبا بعد الان.. لان قيادات النوبة فى الحركة.. قد اثبتت فشلها الذريع فى مهامها ولا مجال للجدال هنا.. كما ان للنوبة تمثيل معتبر فى برلمان ولاية الخرطوم، و هذه فى تقديرنا مشاركات لم تتوفر للنوبة منذ سقوط دولتهم كما زكرنا فى العام 1504م. كما لا ننسى ان للنوبة تمثيل فى المكتب السياسى للحركة الشعبية حيث ان هنالك اثنين من النوبة فيه كما ان هنالك تمثيل للنوبة فى المكتب التنفيذى و بقية المكاتب السياسية للحركة ان كان على مستوى الاقليم او المستوى المركزى. برلمان الخرطوم لا أعترف به.. وأى برلمان تشارك فيه الانقاذ ليس برلمانا.. لان النظام العسكرى مهما زين وجهه.. فهو دكتاتورى دموى.. والبرلمان الذى تتحدث عنه الان.. جاء بالتعيينات وليس بالانتخابات.. وهو ليس برلمانا فى نظرى.. كما اننا ان تناولنا وضعية النوبة فى جيش الحركة الشعبية و مقارنتهم بوضيعية اقرانهم فى الجيش السودانى، فنجد ان المقارنة معدومة تماما، حيث ان النوبة فى الحركة قد وصلوا الى قيادة افرع و القيادة العليا للحركة الشعبية بينما فشل اقرانهم فى الجيش السودانى للوصول الى تلك المناصب منذ الاستقلال و حتى وقتنا هذا. وضع النوبة فى جيش الحركة الشعبية لا يمكن مقارنته بأى وضع فى البلاد.. تاريخه وحديثه.. وسوء استخدام النوبة فى جيش الحركة.. اسواء بكثير من سوء استخدام النوبة فى المؤسسة العسكرية فى الشمال... النتيجة واحدة.. هذه البديهيات التى يحسها ويلمسها النوبة البسطاء فى الاقليم جعلتهم يتمسكون بالحركة الشعبية و يعتقدون جازمين ان الحركة الشعبية تمثل مستقبلا لهم لذا فهم كالماسك على هذه الجمر. حتى لا يضيع الوقت فى أن النوبة متمسكين بالحركة أم لا .. فأن هذه النقطة تحسم عن طريق الاستفتاء.. لان النوبة الملتفين حول الحركة والذين تتحدث عنهم هنا.. ليسوا بذات وجود.. و نحن اذ ننقل ذلك لا ننقله من واقع ما يحدث فى جبال النوبة فقط بل ننقله لانه حقائق ماثلة للعيان، كما نتوقع للاثنيات القبلية الاخرى فى جبأل النوبة حذو حذو النوبة و الالتحاق بالحركة الشعبية لانها اصبحت ترى نفسها فى مراة الحركة الشعبية و المسالة مسالة وقت و الثقة المتبادلة فقط. هذا النقطة أنشاء ممعن فى الحلم والتمنى من جانبكم.. ولا اساس لها من الصحة.. والاسئلة المطروحة الان هى: -اين نحن ابناء النوبة الصفوة المتعلمة من كل هذا الذى يدور امامنا؟ -ماذا نريد للنوبة ان يكونوا وكيف ذلك؟ -هل يمكن ان يعزل النوبة انفسهم و يعملوا لوحدهم ام يتحالفوا مع من هم اقرب اليهم فى التوجه لتحقيق اهدافهم؟ -و اخيرا ماذا استفدنا من التنظيمات النوبية التى قامت من قبل و القائمة الان فى تحقيق اهداف النوبة و ماهى امكانياتها المادية و البشرية فى تحقيق ذلك؟ الاجابة على هذه الاسئلة فى باب منفصل.. للحديث بقية ان وجدنا متسعا من الوقت. مع تحياتى، طالب