بلد آيل للسقوط ... وشعب فاقد السيطرة على الامور...

Quote: السياسة الإعلامية بقلم : عثمان عبدالقادر (أبوحمد) الأخت /نور والأخوة الأعزاء السياسة الإعلامية المضللة جاءت نتيجة وعارضا" وهي طريق حتمي لا عاصم منه لمن يضع نفسه في موضع مماثل( إغتصاب السلطة بالقوة) وإقامة نظام أحادي يتمتع بالسلطة المطلقة وهو ظرف من أسوأ الظروف في التأثير على الأخلاق، ومن البديهيات المعرفية عندنا الآن أن الأخلاق تشكلها الظروف المحيطة وإن إدعى أحد غيرذلك وصدقناه ،يقع اللوم علينا لا عليه،وأخص بهذا اللوم كثير من خريجي الجامعات الذين ظلوا يناكفون بجهل وغرور وإدعاء للمعرفة والعلو الذي لا تسنده الأفعال والواقع، وقد قال فولتير(أمة من الخراف توجد حكاما من الذئاب)، لأن أخلاق الخراف ظرف ملائم لظهور أخلاق الذئاب. كذبوا علي الناس بأعداء الدين والقوى التي تريد بالسودان شرا مع أنهم هم الذين رفضوا كوكادام 1986 ذلك الإتفاق البسيط في ثلاثة بنودرئيسية ،وقف إطلاق النار ،تجميد قوانين سبتمبر،وإقامة مؤتمر دستوري .ثم جاءوا مرة أخرى ورفضوا إتفاق الميرغني قرنق 1988 وكان بمثل بساطة كوكادام ليس فيه بترول ولاتقرير مصير، ثم أنقضوا على السلطة في 1989 ووعدوا، وهللوا، وكبروا، ورفعوا شعار ولاية القوى الأمين، وأتوا بإتفاق نيفاشا بعد أن رموا كل إدعاءات الدين والجهاد وراء ظهورهم للبقاء في السلطة عندما شعروا بأنهم في وضع خطير سيذهب بكل ما سطو عليه بليل،ثم تأتي المساءلة والعقاب، فانطبق عليهم رأي البصيرة أم حمد التي إنتظرها القوم لتقول كلمتها النهائية في موضوع العجل الذي أدخل رأسه في الزير وهم لا يريدون فقدان الزير أو العجل ،فما كان منها إلا أن أشارت عليهم بقطع رأس العجل ثم كسر الزير لإخراج الرأس وفقدوا الإثنين معا وهذا هو وضع المنبت فلا أرضا قطع ولاظهرا أبقى فما أقاموا دينا ولا حفظوا للشعب أرواحهم وتسامحهم الذي ألفوه وأموالهم التي أهدرت، وظلوا متشبثين بالسلطة ،والسودان وأهله يتآكلون ، فدعونا نرى هل سيصمد هذا القوي الأمين الذي خدعوا به بسطاء الخريجين ومعهم عامة الناس، أمام هذه المعارف البسيطة والبديهية و التي كتبتها في مقال سابق (كيف يحكم السودان)؟ نحن بشر والبشر يسعون لتحقيق مصالحهم ورغباتهم وفي سبيل ذلك يكذبون ويتوسلون بشتى الوسائل، وليس بالضرورة أن يكون سبيل تحقيق المصالح الكذب فقط ،فهناك الآف التنازلات التي نقدمها يوميا في سبيل ذلك فأعضاء الجبهة الإسلامية أنفسهم قد خدعوا بانفسهم وظنوا أنهم سيحسنون صنعا وذلك لجهلهم بأساليب الحكم الرشيد وجهلهم بتعاليم الإسلام وتجارب الأمم .إن الخطأ مسألة قد حسم أمرها بالنسبة لنا نحن أبناء آدم وحواء في علم الأنثروبولوجيا والدين وأقر كل فلاسفة الإجتماع بمبدأ اللاعصمة فمن المعطيات العلمية أن الإنسان يتعلم عن طريق الخبرة كما قال جون ديوي والخبرة لاتكتسب إلا من التجربة وهي قابلة لأن تكون صوابا أوخطأ فنتعلم منها الصواب لذلك قال الرسول (ص) (من عمل بما علم أورثه الله علم مالم يعلم) والعلم الذي لم تكن تعلمه هو إدراك الصواب قبل التجربة وقال (أن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأتي الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم ) أي إذا لم تمارسوا المعرفة عمليا لن تدركوا الصواب وقد أتى الله بالغربيين الذين عرفوا أن الخبرة هي مصدر المعرفة ، وقال أيضا (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) والتوابون هم الذين يدركون الصواب من التجربة الخطأ ويعملون به . وقال عيسي عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) . وأختمها بالقرآن في قول الله سبحانه وتعالى ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي إن ربي غفور رحيم ) ،إذن الخطأ مسألة حتمية عند الإنسان ولا مفر منها ،فمن البداهة للإستفادة من هذا المعطى أن أسعى لنظام يقلل من هذه الأخطاء ولا يفترض وجود القوي الأمين. ومما يدهشني أن الأستاذ محمود محمد طه كان دائما يسمي الرسول (ص) المعصوم في إشارة منه للناس بأن ولاية المعصوم تختلف عن ولاية غيره . السؤال الموضوعي هو:كيف نمنع هذه النفس من الأمر بالسوء الذي بدأت به رحلتها من أسفل سافلين؟و كيف نفعل الصواب بعد معرفتنا له ؟والسؤال يشملنا مع رجال الجبهة الإسلامية ،وفي زعمي أن الجواب أيضا واضح في الدين وفي تجارب الأمم .ففي القرآن جاء التوضيح الذي لا لبس فيه حين قال تعالى ( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ،إن الله لقوي عزيز) والآية تلخص نظرية توازن القوى والفساد الذي يمكن أن يحدث لولا هذا الدفع، فلا أحد يفعل الصواب تفضلا منه وحسن خلق وإنما بدفع الله له بصورة أو أخرى وهي جزأ من رحمة الله الواردة في الآية السابقة ،كيما ينقلنا بإتجاه أحسن تقويم وهذا بالفضل منه وقد قال أحد العارفين بالفضل لا بالجهد نلت) وقد شرح هيغل هذا الوضع في حديثه عن التيموس( وهو الرغبة في الإعتراف) ولم يحدث التنازل من الأرستقراطي والأعتراف بالعبد إلا بعد أن بارزه وتم توازن القوى بينهما ،وقد إستمدت فلسفات الحكم الغربية من هذا الفهم نظرية فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحرية النقابات والصحافة لتقيم هذا التوازن المطلوب ولتدفع كل مؤسسة الأخرى إلى فعل الصواب بما لديها من قوة منحها لها القانون الذي توافقوا عليه بهذا التوازن أيضا وليست تكرما من أحد على أحد، كما إستمدت من معرفتها بالطبع البشري المجبول في حب التملك والميل إلى هوى النفس السماح له قدر المستطاع بتلبية رغباته التي تقف عند حدود التوازن (وهو الدفع بقوة أخرى) لأنه لو ترك علي هواه فسيفسد كما جاء في الآية السابقة وكما جاء في المقولة الثابتة ( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة) وقال تعالي : (كلا إن الإنسان ليطغى *أن رآه استغنى)فإذا قل مايقرع الإنسان زاد طغيانه وقولنا المأثور(ده ماعنده والي) أي قارع . وملاحظتي أن كل الإخوة المتداخلين في البوست موافقون على النظام الديمقراطي ،والغالبية منهم متفقون على فساد النظام ،إذن فالندع الكلام عنه جانبا ونبحث فيما نحن فاعلون لإزاحتهم عن الحكم وأظن فيما سبق أن أوردته شئ من وضوح الصورة فرجال الجبهة لن يتكرموا علينا بالعطايا مالم نوجد القوة اللازمة لذلك وليس بالضرورة أن تكون هذه القوة السلاح الناري فهناك الكثير من مصادر القوة وكل من لديه إقتراح عملي في هذا المجال فأنا أول شخص ينضم إليه لمحاربة هذا النظام البغيض حتى وإن كان هذا الإقتراح دعم التجمع الوطني على عيوبه فأقله هنالك قواسم بيننا وهي الديمقراطية ،و ذهاب النظام سلما أو حربا على قول السيد الميرغني . بقيت نقطة في غاية الأهمية أرجأتها عمدا لآخر المداخلة ،وهي مسألة العنصرية في السودان والتي كثر فيها الحديث هذه الأيام وكلما قرأت مداخلة من هذا القبيل أصابني حزن عميق لأن الكثير مما قيل ليس فيه شئ من الموضوعية والعقلانية فليس عندنا بصات خاصة لأبناء الشمال ولا مدارس خاصة ولا مطاعم يمنع فيها أبناء الجنوب والجبال من الدخول ولادستور السودان يحرم على أحد حقوق أوواجبات ممنوحة بعنصرية وإنما بحسابات أخرى ليس لها علاقة بالعنصرية التي تتحدثون عنها ويشترك في محاسنها أو مساوئها كل أهل السودان، أما من يتصور أن العنصرية في قضايا الزواج فهذا متخلف ولا يجب الرد عليه لأننا لا نعلم دولة أوقانونا سماويا يفرض على شخص الزواج بآخر كما أنها لها حسابات أخرى قد يكون الإعتداد بالقبيلة أحدها ومن حق كل شخص أن يعتد بنفسه طالما أنه لا يمنع أحدا حقا وهذه تذكرني بذلك البدوي الذي دخل علي عمر بن الخطاب وهو قاتل أخيه فقال له سيدنا عمر والله لاتحبك نفسي حتى تحب الأرض الدم المسفوح ،فقال البدوي :أومانعي هذا حقا ياأمير المؤمنين؟ .قال عمر:لا .فقال له البدوي إنما تخشى من عدم الحب النساء .وقضى له عمر حاجته. أقول لأخوتي الذين يشعرون بمرارة التعنصر أن يهونوا على أنفسهم فليس عندنا عنصرية في السودان وإنما لدينا تهميش يتساوى في هذا إبن الشمال مع إبن جبال النوبة ولو نظرنا بدقة وموضوعية إلى هذا التهميش لوجدناه من المتعلمين المشتغلين بالسياسة منذ فجر الإستقلال وليس له علاقة بلون المنطقة وعندما نربط معرفتنا بالطبع البشري بما يحصل ندرك أن المسالة ليست مسألة عنصرية بقدر ما هي بحث عن المصالح والمحافظة على المكتسبات التي يستغل فيها الساسة كافة الوسائل المتاحة لهم لتحقيق مصالحهم ومن ضمنها إستغلال الطبع البشري في التحيز لأبناء العرق، وهؤلاء قال عليهم الدكتور منصور خالد الذين يقودون الأمة من الخلف فما أسهل على كل مريض بالسلطة والجاه أن يستنفر إثنية أو عرقا أو عقيدة ويحفزها للعداء ضد الآخرين ولا أعتقد أن الذين قتلوا الأستاذ محمود محمد طه دون أن تطرف لهم عين كانوا يظنون أنه من جنوب النيل الأزرق ولا من أعدموا الثمانية والعشرين ضابطا من القوات المسلحة ظنوهم من جبال النوبة فالقضية قضية مصالح تستخدم فيها كل الإمكانيات المتاحة بميكيافيللية لاتمت إلى الإنسانية بصلة وحتى الذين يصرخون الآن بأنهم منبوذون يحاولون في رأيي أن يستفزوا أبناء قبائلهم ضد الآخرين بزعم أن هناك عنصرية ضدهم وهي قيادة من الخلف أيضا وإستسهال لهذه الوسيلة السريعة العائد وأذكر مقولة لعيسى عليه السلام : ( الخشبة في عينك وترى القذى في عين أخيك ) .إن الموضوعية تفرض علينا ألا نحاسب الكل بالفرد أو مجموعة صغيرة من نخبة السياسة التي يشاركها كثير من المتعلمين شماليين كانوا أم جنوبيين نفس الطباع البشرية العامة وأخلاق المرحلة التاريخية التي نحن فيها فلا يخفى على أحد التهميش الذي يمارسه المتعلمون ضد غير المتعلمين فلو ذهبت إلي أي مصلحة حكومية لقضاء حاجة تجد المتعلمين وبخاصة أصحاب النفوذ والمهن الرفيعة في المجتمع تكون أمورهم أسرع وأسهل، فالمسئول العام يتصور أن المتعلم أدرى بحقوقه من غير المتعلم أوأن يكون له زميل دراسة في منصب كبير يقوم بإيذائه ، فيتأدب أمامه في حدود الخوف من ردة فعله وهذا هو توازن القوى الذي تحدثت عنه مضافا إليها المحسوبية والمحاباة التي هي من أخلاق المرحلة في العالم الثالث فكل منا بشكل أو بآخر يراعي مصالح زملائه في الدراسة وأهله وعشيرته لأننا إلى الآن لم نستطع إقامة دولة المؤسسات وسيادة القانون فلا يمكن أن تنظر إلى الآخرين يمارسون المحسوبية وتعطل مصالحك لأنك صاحب مبادئ وقيم وهذه من ضمن الظروف التي تشكل الأخلاق ، وتحضرني قصة ظريفة بطلها لواء في المباحث السعودية طلب من أحد الإخوة المترجمين السودانين أن يطلب له فيزا لخادمتهم الفلبينية لتلحق بإبنته في أمريكا لتخدمها، فرفض طلبه ،فحاول أن يستخدم احد الجنرالات الأمريكان لتمرير طلبه فقال له ذلك الجنرال الذي عاش في دولة القانون ،أن السيد بوش (وكنا في عهد الأب )لايستطيع أن يقدم لك خدمة في هذا المجال.ولا أعتقد أن هذا الجنرال قد تمكنت منه التقوى ولكن وجد في ظرف مختلف فيه شئ من الصلاح ساعده على أن يكون صالحا وقد قال الأستاذ محمود محمد طه ( المجتمع الصالح أفضل وسيلة لإنتاج الفرد الصالح) فهل لو كان أحدنا المسئول في مثل الأوضاع التي يعيش فيها شعبنا وجاءه صديق أوقريب سيرفض طلبه لأنه يحترم القانون وحق الآخرين ؟ وقد قال الرسول (ص) (كيفما تكونوا يولى عليكم )فالحكام لا يأتون من الفضاء وإنما هم أبناء زمانهم ومكانهم تربية وتعليما فهم يحملون نفس الأخلاق السائدة في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها ، ولنكن صادقين مع أنفسنا فهو الطريق الى الفلاح وكيلا نتجاهل الخشبة التي في عيوننا ونري القذى في عيون الآخرين . وأذكر الإخوة الذين يحملون في نفوسهم إصرا وغبنا أذكرهم بموقع الخرطوم العاصمة ودوره في هذا التهميش بناء على المعطيات السابقة ومنها الأخلاق المرحلية السائدة والطبع البشري ولا أظن أن أبناء الشمال قد إختاروا لها هذا الموقع وأنتم تعرفون من قام بذلك فمن السهل على فهلوية السياسة والساعين لتحقيق مصالحهم الذاتية ( وهذه يشترك فيها كل البشر) أن يحابوا أبناء الشمال لأنهم في موقع عصبتهم الجغرافي ويستطيعون نفعهم أو إيذائهم ولا يمكن أن أعتمد على أبناء الجنوب وهم قلة في الموقع الجغرافي لينفعوني في شئ مع ملاحظة أن السودان من تسعة وأربعين عاما إستقلال حكم عسكريا ثمانية وثلاثون عاما ولو كان هناك حكم ديمقراطي مستقر لذهب الساسة الى الجبال والجنوب ليساوموا على أصوات الناخبين ولتوازنت القوى وأختفى التهميش ،فالإنقلابات العسكرية تحتاج إلى دعم القريبين جغرافيا خاصة أن سبعين في المائة من الوحدات العسكرية للجيش السوداني تتركز في العاصمة مع ضعف الحركة وسوء المواصلات. ولو كانت العاصمة موجودة في الجبال أوالجنوب لمورست نفس الأخلاق التي ذكرتها ضد الآخرين ولوجدت قواد الإنقلابات كلهم من أبناء الموقع الجغرافي ولما تجاسر أحد من أبناء الشمال على القيام بإنقلاب لأنه يخشى الفشل وعدم التأييد من الذين حوله . إذن دعونا نفكر ثم نعمل على إزالة هذا التهميش ونقيم دولة القانون والمجتمع الصالح لنجعل الظرف صالحا لتتغير الأخلاق إلى الأصلح وحتى لا يضطر الناس إلى البحث عن الواسطة والمحسوبية والتأييد على الباطل، وكفانا إثارة للفتن التي لن تجلب إلا الخراب والدمار على الجميع ولكم في تجارب الآخرين موعظة وعبرة فمن يبحث عن سند في العنصرية سيتصدى له آخرون بنفس المنهج ثم يأخذ هذا الأمر إلى نهاياته المنطقية ويقول لنا إلي أين سيوصله ؟ وفي الختام أقول لمن كانت له الرغبة في إقامة دولة إثنية لك الحق بالوسائل السلمية والآليات التي توفرها دولة القانون والحرية وحتى نقيم تلك الدولة إمسك عليك غبنك دون أن تثير العداوة والبغضاء بين الجيران المأمولين ودون أن نفقد المودة والسلام الذي نتمناه للجميع دون تمييز وتذكر أن هناك رجالا من أبناء الشمال والجنوب ضحوا بحياتهم من أجل المهمشين وهناك آخرون يفعلون الشئ نفسه الآن في مختلف المواقع فلا نعمم ونخسر الجميع