|
|
 بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة"
|
أبكر ادم واحد من الأصوات الرافدة لمشهدنا الروائي وقد قدم الى هذا الـمشهد بخلفية لا يمكن مطلقا وصفها بالبراءة ، فالرجل له اسهاماته المقدرة في محاولة تأسيس فضاء لأسئلة الهوية ، السياسة ، والفكر..تلك الأسئلة التي تراود اذهان الكثيرين من ابناء جيله الى حد الاعياء،هذا الجيل الذي يمكن وصفه ببساطة بأنه جيل أولاد الزمن المر.فلقد شكلت المعاناة ،الهزيمة ، الخيبة والمرارة مداميك بناء الوعي فيه.ولازلنا نحن ابناء هذا الجيل نحمل اسئلتنا اللحوحة عن تفسخ نظامنا الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ..وهي اسئلة لا تود الأجيال السابقة سماعها ، ناهيك عن محاولة اجابتها..
وهذه الخلفية ، هي التي تجعل قراءة ابكر في مستوى الاشكالية، بالتالي تكون مهمة عسيرة الى حد ما..ولكن لابد ان نفعل مساهمتنا ، لأن كتابته بقدر ماهية ابداعية ،تظل ذات محمول هام ورسالة تعبر عن هواجس هذا الجيل..والأمر في هذه العجالة يقتصر على المنجز الأول "الطريق الى المدن المستحيلة" والذي تكرم اخونا سموأل ابوسن بالمبادرة بالاشارة اليه ،نعم هنالك بعض الاصوات على المستوى العربي (الغيطاني ، صنع الله ونبيل سليمان )لكن آن الاوان لنسمع الصوت السوداني الذي توجهت له كتابة ابكر في منجزاتها الثلاثة "الطريق الى المدن المستحيلة" و "احلام في بلاد الشمس" و"الضفة الأخرى"..
أهمية "الطريق الى المدن المستحيلة" يمكن اكتشافها في بنية السرد الـمبتكرة..فلقد اعتمد ابكر اداتين لانجاز سرده وهما اللعب والسيرة..فيلاحظ ان الرواية قسمت الى اربعة اقسام ،اللعبة الصغيرة/سيرة اولاد قرف ، اللعبة الخطرة/سيرة المدينة ، اللعبة الكبيرة/سيرة السراب، لعبة الزمن/سيرة الحلم..مع ملاحظة الايضاحات التفسيرية الملازمة لمستوايات اللعب الذي يتدرج من المعلوم المدرك "سيرة اولاد قرف" الى الوجودي المجهول "سيرة الحلم"..والتي تتخللها فضاءات تشع بالقول الحارق ، الذي ينجز تفاصيل الوصف لواقع ينهك بالأسئلة المتشابكة الى حد العصيان.. واعتمدت هذه التقنية، بوعي تام من قبل ابكر، على هدم التقييم المطلق لتوصيف ادوات بنائها..فاللعب اجتماعيا يعني عدم الجدية ، بالرغم من كونه مساحة سيكولوجية ضرورية في بناء مرحلة مهمة من مراحل الشخصية الانسانية..وعلى هذا الاساس ، اعتمدها ابكر لتوصيل سؤالات مهمة ..اما وصف هذه المرحلة بالصغر "اللعبة الصغيرة" فهو الاخر لا يخلو من دلالة ومهمة كمان..
ثـم ارتقى مستوى السرد بادواته الى المرحلة الثانيةوهي مرحلة المدينة..وتتبدى الاسقاطات واضحة في مسألة الانتقال من اللعبة الصغيرة ، التي نسجت تفاصيلها حول الواقع العادي الذي لا يهتم له الكثير منا..هذا الواقع البسيط ..حيث لا يمكن ان يقتل الناس عبطا او يذهبون الى السجون بلا مبرر..وايضا حيث النقاء والبراءة ورؤية الاشياء من منظور رومانسي..واقصى ما يتمناه المرء في هذه المرحلة الحياتية ، اكتساب المعرفة واختبار الاشياء..انتقل السرد الى مستواه التالي الذي تكمن خطورته في مبدأ التلوث ، تلويث اللاعب الصغير النقي بكمية من الانشطارات والانكسارات المجانية..تلك المدينة التي تعلمت النفاق وتعددية الأوجه ، من قذارتها اليومية ، الى نظافتها الموسمية المرتبطة بقدوم المحافظ ، ونترك للقارئ فرصة استيلاد الدلالات الغير متناهية من هذا التوصيف..
ثـم انتقل مستوى السرد الى المرحلة الثالثة والتى وسمها ابكر باللعبة الخطرة/سيرة السراب ..ومعلوم ان السراب هو اللاحقيقة ، التي يفضي الركض من خلفها الى متاهات الجنون وبالتالي الموت عطشا..وهو مصير ابناء هذا الجيل الذي ينحدر منه ابكر، ذلك ان الأسئلة الصعبة دائما ما يكون البحث فيها أشبه بالركض من خلف السراب..
في مستوى السرد الرابع والأخير، الموسوم بلعبة الزمن/سيرة الحلم..انتقل ابكر الى مرحلة التساؤل الوجودي الكبير..معتمدا مفارقة اللعب نفسها..حيث تلاشت حدود الواقع/المدرك مع الحلم/اللامدرك..ويمتد الفضاء عريضا لسرد المساغب والانكسارات والاحزان الكبيرة ..و في بهاء تلك اللحظات الحارقة..تبدأ الحوارات مع الذين غابوا عن الحياة الدنيا..وتتسلسل القائمة حتى تصل كارل ماركس..ويكون اخر الذين يلتقيهم النور عثمان "جـو" هي نازك زين العابدين "نـون" ، حبيبته التي رحلت بصورة مأساوية..ولخص ابكر تساؤلاته عن الزمن والوجود في قوله "في السجن استعاد جـو ذاكرة المدينة واللـه والنهر والناس" صفحة 245..
في انجازه لأدوات سرده وتوصيفها لم يعتمد ابكر وصف الحكي او القصة ، وانما اللعب والسيرة..وقد وصفنا اللعب باقتضاب اعلاه.. أما السيرة فتكمن خطورتها في شيئين ، قد يكونا متضادين لأول وهلة وهما: محاولة أسطرة العادي ليكون موضع قراءة ومساءلة واحتفال..وثانيهما محاولة هتك غلالات الرسمية
"formality"
حول مفهوم السيرة ، تلك التي ارتبطت في مخيلتنا ومخيلة ابكر ادم ووعيه الباطن بمسألة السيرة الكبرى سيرة الرسول "صلعم" ..نعم قد يقول احدنا بأن المفردة لغوية لا علاقة لها بالايحاءات الجانحة في الخيال ، ولكن لن يستطيع ان يقنعنا بأنها ذات مكون دلالي اجتماعي وديني وسياسي وتأريخي..وفي اعتماده لهذه الاداة ، السيرة وليس الحكي ، أسس ابكر تساؤلاته حول مشروعيةالعادي في اقتحام اللاعادي..
اشارة اخيرة ، في تماهيها مع الواقع استحضرت الرواية وتناصت مع بعض الحوادث التى اتخذت حيزا فعليا في ارض الواقع ، منها الواقعة الشهيرة في مدينة الدلنج حيث تم تحويل مسرح المدينة الى سوق للمحاصيل ، والتي استفزت كثيرا من شعراء المدينة وكتابها ودونوها شعرا وكتابة..وايضا هناك واقعة اغتيال الأستاذ محمود محمد طه ، ثم احتراق الباخرة "العاشر من رمضان" والتي كانت تحمل طالبات في سن نازك زين العابدين بطلة الرواية..
ودمتم
كـبر
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-18-03, 09:07 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | الجندرية | 02-18-03, 11:04 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-18-03, 11:17 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Tumadir | 02-18-03, 11:32 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-18-03, 11:57 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | منوت | 02-18-03, 04:07 PM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-18-03, 05:34 PM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Abdel Aati | 02-20-03, 01:47 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-21-03, 10:21 AM |
| Re: بنية السرد في رواية "الطريق الى المدن المستحيلة" | Kabar | 02-23-03, 05:27 AM |
|
| |
Kabar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست