حـكاية البنت التي ســكاها القـمر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 09:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد النور كبر(Kabar)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2004, 02:09 PM

أمير بابكر

تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 117

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر (Re: Kabar)

    الأستاذ كبر
    أسمح لي بأن اهديك بعض من هلوساتي

    القطار المرََّ .. محطات في الذاكرة

    أمير بابكر عبدالله

    إهداء
    إلى روح جدي المرحوم أبوالقاسم عبدالرحمن الطيب "الوسيم"


    (1)

    كانت أمي حامل بي عندما قررت مصلحة سكك حديد السودان نقل أبي من محطة وادي حلفا إلى الخرطوم مرة أخرى. شيء عجيب كان يحدث أثناء أول رحلة لي بالقطار، خاصة وأن صرير عجلاته مع القضبان الحديدية يخترق شرايين أمي ويقتحم على موطني، داخل رحمها، ذلك الهدوء المخيم. وما بين المشيمة والحبل السري يبدأ إيقاع رحلتي المتلازم مع ذلك الإيقاع المثير لعجلات القطار وكأنه يقول لي " أخرج .. أخرج .. أخرج .. أخر ......". وفي مرات يتواتر إلي أمره "أضربها .. أضربها .. أضرب ......."، ليذهب الأمر إلى مفاصل قدمي الواهنتين التي تبدأ في محاولة التخلص من ذلك الوضع المتكور لترتطم قدمي اليسرى (لا أدري لم اخترت اليسرى) برحم أمي. أحس بأني أكثر ارتياحاً ويعود دمي في رحلة العودة إلى قلبها وينعم بالأوكسجين ليجده أكثر انتفاضاً، شيء أشبه بالابتسام يرتسم على تقاطيع وجهي غير المتماسكة "ربما راودها إحساس بأنني أفكر في الخروج الآن" معها حق أن يصيبها الرعب إن حدث ذلك، فأنا أول عناقيدها وفي القطار كمان، وربما رمت أبي بنظرة فيها كثير من اللوم لأنه لم يرسلها إلى أهلها في وقت مبكر. أضربها مرة أخرى بقدمي اليسرى وأقرقر في خبث. "هل وقفت؟؟" فوضعي صار أكثر تمدداً لحظتها.
    ينتاب التوتر بعض من أجزائي الآن ويسبح خيالي مع دمي "لابد أن أبي يقرأ مسرحية لآرثر ميلر، هل هي (كلهم أبنائي)؟" تنتفض خلاياي عندما يقرأ أبي بجوار أمي. أعلم أنه يقرأ لكاتب ما ولكن ذلك الصدر النافر عندما يتقافز أمام قدراتي الاستيعابية ألمح فوراً مارلين مونرو فلابد أنه يقرأ لآرثر ميلر. رغم أن مسكني الحالي معتم إلاَّ أن فضائي مبيض يحاول أن يتقاطع مع الظلمة ربما لأن القطار يستمد طاقته من الفحم الحجري ولكنه يفرز دخاناً أبيضاً يمتد كتلة أسطوانية إلى الخلف حتى يتلاشى أخره مع نهاية عربات القطار (هل لا زالت في ذاكرتنا أغنية من بف نفسك يا القطار!!)، أو لأن وقتها لم تكن مارلين بنت مونرو تصور أفلامها بالألوان. أما عندما كان أبي يقرأ رواية "كيف سقينا الفولاذ"، وكنت خارجاً وقتها من طور العلقة رأيت بافل يتجول بجانبي فأصابتني نوبة هيجان حتى كدت أن أندلق خارجاً وجزء كبير مني مجرد كتلة لحم. وخاطر أبي وقتها يجول فيه أن القادم مع الأيام سيكون ذكراً ويرجو أن يكون بجسارة بافل، أرى خواطر أبي بوضوح تام خاصة فيما يتعلق بي.
    طول الرحلة بين وادي حلفا والخرطوم، وأمي لم يأتها المخاض بعد، جعلت الهواجس تراودني من جدوى أن أخرج إلى عالم مجهول معلوم. وأول ما انتبهت إليه هو الرتابة، وما نبهني إليها هو الفواصل التي لا تتعدى السنتمترات بين القضبان الحديدية والتي تحدث ذلك الإيقاع عندما تمر عليها عجلات القطار.
    نعم، الرتابة ستجعلني أمانع في الخروج. تقاطعت رؤى هلامية غير واضحة الملامح واستغرقتني لدرجة أنني استسلمت قافزاً إلى أعلى رحم أمي حتى أن صوتاً قوياً صدر من داخلها كاد أن يخترق المشيمة، والتصقت هناك متشبثاً بتلك المادة اللزجة. تصاعدت انفعالاتي وكيمياء لا علاقة لها بكتلة اللحم التي بدأت في التشكل لتصير في خاتمة المطاف أنا، واستقر في تلك التجاويف، التي تراءت لي وكأنها أنابيب حلزونية غائرة العمق وبعيدة الطول، استقر فيها أن البقاء في رحم أمي أفضل بكثير من الخروج.
    عند بلوغي تلك المرحلة من الانفعالات "شفطت" كمية من الدم أكثر من اللازم وهمدت أطرافي التي بدات في التماسك بعد زمن من الحركة الأميبية، وصارت تهدهدني نغمات الإيقاع وهي ترتفع "ده دمدم .. ده دمدم .. ده دمدم ......."
    شعرت بالارتياح يسري في عروقي، فأمي قد إطمأنت بعد وصول القطار لمحطة الخرطوم وأنا ما زلت متشبثاً بداخلها ودواخلها. وقضينا – هي وأنا - ردحاً من الزمن، أرفسها مرة وأعض على جوانبها مرات وهي تصرخ في خيوط حبلي السري وتلعن "أبو خاشي" فما زال تأثير محطة وادي حلفا ملازم لها.
    أصابني في يوم غرور بقوتي بعد أن أدركت أن في مقدوري أن أزيد من آلامها، وقررت ذلك اليوم أن ازيد من مناوشاتي لها وتناسيت رغبتي في عدم الخروج. تأوهت بشدة وجاءها المخاض.
    بعد أن رفضت عضلات رحم أمي أن تتركني وشأني وبمساعدة قابلة لعينة، قررت في دخيلتها أن تخرجني مهما كان الثمن، خرجت ببطء لتقلبني القابلة رأساً على عقب وتضربني بشدة على عجيزتي. تزامنت اول صرخة لي مع انطلاقة صافرة حادة معلنة قيام قطار من محطة الخرطوم ليستقبل حي المرطبات أول مولود لأبي وامي وسط حضور جيد من الأهل. يقولون إن الطفل عند ولادته يصرخ نتيجة دخول أول هواء إلى صدره ولكني أشك في هذا الأمر، فربما كانت هناك أسباب أخرى وللمواليد عالمهم الغير قابل للإختراق.
    فأنا مثلاً كان يمكنني أن اواصل تمنعي بعد إخراجي قسراً لكن ضربة القابلة كانت مؤلمة وكانها كانت تقرأ أفكاري. هي تعلم أن أبي رجل سخي وسيجزل لها العطاء بعد ولادتي، ولا تريد أن تضيع مثل هذه الفرصة لذلك لن تسمح لي بتنفيذ أي أفكار شيطانية، وهي كذلك لن تترك لي مجالاً لمفارقة الحياة قبل "السبوع".

    أمير بابكر عبدالله
                  

العنوان الكاتب Date
حـكاية البنت التي ســكاها القـمر Kabar01-17-04, 09:38 PM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر aymen01-17-04, 11:45 PM
    Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر HOPEFUL01-18-04, 06:09 AM
      Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر shiry01-18-04, 08:22 AM
        Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر tmbis01-18-04, 12:55 PM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر ابراهيم حموده01-18-04, 02:03 PM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر ملكة سبأ01-18-04, 10:29 PM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر yasiko01-19-04, 04:50 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر Kabar01-20-04, 07:12 AM
    Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر أمير بابكر01-21-04, 02:09 PM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر بت قضيم01-20-04, 08:07 AM
    Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر Kabar01-21-04, 07:38 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر yasiko01-20-04, 08:12 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر AlRa7mabi01-20-04, 10:59 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر THE RAIN01-21-04, 08:11 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر بت قضيم01-21-04, 08:28 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر ملكة سبأ01-21-04, 11:53 AM
  Re: حـكاية البنت التي ســكاها القـمر Kabar02-14-04, 08:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de