كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: الشــاعر عتيق/حقوق البيئة: منفســتو الجمال و الســلام (Re: Kabar)
|
في مشروعية خطاب عتيق البيئ:
حينما كتب الشاعر محمد بشير عتيق قصيدته التي يقول في صدرها : حبيبي عـرّج بي و ميل نتأمل الأفـق الجميل شــكل الغزالة مع الصباح كان يؤسس خيط لخطاب ثقافة الجمال و السلام ، محليا و عالميا ، و بالتالي كان يلتمس اٍمكانية تصالح الإنسان مع البيئة ( و يسميها عتيق الطبيعة) ، و هو عين التصالح الذي تقول به ، فيما بعد ، كافاة منظمات حمياية البيئة في العالم ، و الذي تبلور في الدعوة و التبشير بنشر قيم ثقافة التعايش مع البيئة في علاقة تحكمها مبادئ و قيم السلام ، و عدم الغلو أو الجنوح ، لأن في مثل ذلك الغلو تدمير للمنظومة البيئية بمجلها ، و بالتالي تشكيل خطر على حياة الإنسان بأنعدام أسباب الحياة في هذا الكوكب . بيد أن هنالك مشكلة في تعريف مفهوم الخطاب بصورة عامة ، تتعلق بضرورة تميّزه (الخطاب) بالجدلية و النقاشية ، و في طريقة طرحه و عرضه و المحاججة بشأنه .و لكي يتم الإعتراف به ، يجب أن يلتمس طرق معينة . مثل تلك الطرق تتقاطع مع وسائل أخرى ، كسلطة اللغه ، و هويّة من يقول بالخطاب ، و هي أمور يمكن معاينتها و تناولها من خلال علاقات السلطة (بمفهومها الواسع ) بناءا على فكرة الهيمنة . نقول بذلك ، لأن عتيق هذا لم يجئ من رحم المؤسسات التقليدية (الرسمية) المنوط بها تنظيم اٍنتاج و اٍعادة اٍنتاج خطابات المعرفة و سدانتها . و هي نفسها ، تلك المؤسسات ، هي التي تقوم بوضع القواعد و القوانين التي تزعم الى تهذيب و تشذيب الخطاب كمنجز انساني . و في فعل ذلك ، تلتمس لذاتها نوع من التعالي الزائف و النرجسية تجاه كل خطاب تم اٍنتاجه/اٍعادة اٍنتاجه خارج أسوارها المنيعة . و نفس تلك الخصلة ( خصلة التعالي الزائف و النرجسية ) قد شكّلتْ بوؤرة اٍهتمام لمجاهدات بورديو ، و دعواه الى ضرورة تجاوز المحرّمات المعرفية ( Knowledge taboos ) و ضرورة ربط الناتج و المّنتِـج للمعرفة أو الخطاب بشروط وجزدهما الإجتماعية (1). و نحن حينما نقول بمثل هذه الفرضيات ، نضع في اٍعتبارنا أن البعض قد يسخر من محاولتنا البائسة هنا لجر خطاب الشعر/ الغناء الى حلبة التنظير و بالتالي محاولة علائق ربط بين منظومات خطاب تتسـم بالتوازي في شكلها . و لكن ! نعم قد تكون الظروف المحيطة باٍنتاج نص عتيق هذا في زمانه (نرجو الإنتباه لمسألة سُـلطة اللغة و سـّلطة المعرفة ) لم تكن تسمح بقراءة هذا النص ، كخيط أولي في بنية الخطاب ، خارج حدود التطريب و المتعة الروحية . ففي ذلك الزمان لم تكن البيئة قد اٍعتراها جرح الخراب بعد .. و كانت نقيّة و طيبة ، مما يدعو الى الكسل تجاهها كقضيّة ذات شأن خطير في حياة الإنسان. و اٍذا كان الشعر ( و هو بالمناسبة خطاب ) ، باٍعتباره قضيّة و قيمة جمالية ، في جوهره مُنجز للذات الإنسانية في شوقها الدائم للجمال و السلام ، فاٍن نص عتيق ، كخيط أولي في بنية خطاب ما ، يتميز بتلك الخصل . و مشروعيته ، في رأينا ، تجئ ، تجئ من كونه خطاب أنجزته ذات اٍنسانة تسعى الى التبشير بقيم الجمال و السلام . أما كونه ، خطاب جاء من خارج المؤسسات ( بما فيها صفوة المثقفين السودانية ) و هيمنتها ، و كسر سلطان لغة الصفوة عبر وسيلة الغناء ، فلا يؤثر ذلك كثيرا في مشروعيته.
مــلامح خطاب عتيـق البيـئي:
في الراهن ، أصبحتْ البيئة و ضرورة حمايتها ، قضية اٍنسانية و ثقافية و حقوقية .و أفهتمام بذلك ، أصبح جزء من النشاط الإنساني في هذا الكوكب. اٍستصحابا لتلك الفرضية ، يُلاحظ أنه ، و في الممارسة اليومية العادية ، يلتمسُ نشطاء حماية البيئة وسائل بعينها في تسليك و توصيل دعواهم للإنتباه الى خطر التدهور البيئي. و في فعل ذلك يركنون الى اٍستخدام وسائل شــتى ، تعتمد على الكلمة ، و بالتالي تأسيس السلوك البشري من عبر توجيهاتها . و مثلهم ، و مثل كافة خلق الله ، يستخدمون الموسيقى ، تحديدا الأغنية ، كبنيُة خطاب ، لتوصيل رسالتهم ، وذلك لفعاليّة الموسيقى في جذب اٍنتباه المتلقي. اٍذا قبلنا بذلك ، يـُلاحظ أن خطاب عتيق ، في هذه الأغنية بالتحديد ، يتميـّز بالجاهزية ، خصوصا اٍذا ما أستصحبنا الجهد المقدر للفنان خضر بشير في التلحين و الأداء ، و بالتالي خلق فضـاء تأمـُلي يتناسب و روح النص الشعري . عتيق ، سلك لهجة الإلتماس و الدعوة الى التأمل ( و في ذلك جمال و مسالمة) ، و منها يغوص في تحديد المـُتأمـــلات و تصوير الإنفعالات الناتجة عن ذلك التأمل . غض النظر عن التنظير حول التأمــُل كممارسة روحية و فلسفية خالصة ، يـُلاحظ أن خطاب حقوق البيئة عالميا ، يستصحب كثير من مقولات فلسفات و ديانات الشرق ، و يبني معظم مقولاته على تلك المنجزات (الشرقية) كاٍرث اٍنساني. كل ذلك ، ببساطة ، اٍنتباها الى أن اٍنسان الشرق ، في مقابل اٍنسان الغرب ، يتميز بروح الصداقة تجاه البيئة . فهو اٍنسان مشهود له ، خلافا لإنسان الغرب ، بعدم اللهث وراء الربح و بالتالي تاسيس شبكة الإستهلاك الشيطانية . نقول بذلك ، لأننا نلاحظ ، كالكثيرين غيرنا ، أن الربح و اٍكتناز المال ، هو الدافع الى اٍستنزاف المصادر الطبيعية في هذا الكوكب ، و الركض من خلفه ( الربح ) يؤسس ملامح المشكلة البيئية التي نعيش تأثيراتها اليوم . و الكل هنا يعلم ، أن من أكبر مشكاكل البيئة هي مشكلة التلوث ، و ما ترتب ، و يترب عليها، من ظواهر مثل ظارة اٍرتفاع درجة حرارة كوكبنا ، نتيجة لما حدث ، و يحدث ، في غطـاء الأوزون . و لنا أن نتأمل الفرق بين لحظتنا ، و لحظة عتيق حينما قال : هنا . .هنا يا طريف ، الظـل وريف ، و الجــو لطيف ..
و في ذلك كثير من التداعيات و الإسقاطات المتلاحقة .. مثلا ورافة الظل ، تأتي من كونه ظل حيّ ( ظل شجرة مثلا ) .. و لطافة الجو ، تجئُ من النقاء و الخلو من التلوث كصنيعة اٍنسانية .. و قطع الشجرة ، و هو اٍعدام للظل الزريف ، و يستبعه احداث التلوث و الأذى الجسيم في جسد البيئة .. و هكذا ..
ما هدفنا قوله هنا ، أن فلسفة حماية البيئة تقوم على مبدأ بسيط ، و هو أن كافة مكونات النظام البيئي Ecosystem تلعب أدوار مختلفة في اٍستمرارة هذا النظام . و بالتالي نقصان أو تغيّب أي جزء / مكون ، يؤدي الى خلل في وظيفة ذلك الجزء ، و منها خلل في وظيفة النظام البيئي في كامل هيئته ( كالجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ). تلك الأجزاء أو المكونات في النظام البيئي ، تتسم بالتساوي في الوجود و أهمية الوظائف (على درجة اٍختلافها ) ..وردة ، زهرة ، غزالة ، طير ، اٍنسان ، نهر ، شجرة ، نهر ، الجو اللطيف ، الماء النقي .. الخ بالتالي تكون فلسفة السلام ، هي ما يجب أن يمكم نظام العلاقات بين تلك المكونات ، اٍحداثا لما تعارف عليه بالتوازن البيئي . تكمن اٍنسانية خطاب عتيق و حميمته تجاه الطبيعة (صداقة البيئة ) في الإعتراف الصريح بالموجودات الأخرى ، بجانب الإنسان ، و التصالح معها في تناغم و اٍنسجام ـ نسما للحفاظ على التوازن . و هل هنالك فرق بين هذا ، و الوعي بحقوق البيئة ؟
يتبع..
|
|
|
|
|
|
|
|
|