|
هزيمة الإسلام السياسي في فلسطين
|
هزيمة الإسلام السياسي في فلسطين
ناقشت في المقال السابق الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في غزة ، وربطت هذه الخطوة بتجربة الإنقاذ في السودان ، فكل النموذجين قد فشل في أرض الواقع ، فقد قسمت الإنقاذ السودان إلي أربعة دويلات ، وفتحت الطريق من أوسع أبوابه للتدخل الدولي ، وفي المقابل عاش الشعب السوداني تحت الحصار ، ورزح لفترة من الزمن تحت جناح العقوبات ، وها هي حركة حماس تفعلها اليوم للمرة الثانية ، فقد قسّمت الشعب الفلسطيني إلي ( غزيين ) و ( ضفيين ) ، ولم يعد تحرير القدس هو الشغل الشاغل لأبناء الشعب الفلسطيني ، فيكفي أبناء حماس تحرير بيت أبو مازن من الخونة والعملاء ، وعوضاً عن يافا وصمد والجليل والناصرة ، أصبح الصراع يحتدم حول خان يونس ورفح ، بدأت القضية الفلسطينية في أواخر عنفوانها ، ولم تجد ذلك الاستحسان الذي كانت تلقاه في السابق عندما رأي الجمهور العربي ( حزم وحسم ) هنية ، ليس عليهم إقامة المحاكم وتثبيت الدعوى بحق الذين جرى عليهم القصاص أمام الملأ ، فهم لا يقتلون الأسير برصاصة واحدة ، بل يزخون عليه 46 رصاصة حتى يتأكدوا من مفارقته للحياة ، أنهم يتهمون رجال فتح بالتعاون مع إسرائيل ، وربما لا يعلمون أن ثمرة هذا التعاون هي الغاز والكهرباء والمياه والتي من دونها لن يتحمل الشعب الفلسطيني نشوة الانتصار ، واستمرار هذه النعم في التدفق على القطاع يعني أن هذا التعاون – وإن كانت حماس تسميه خيانة – قائمُ على قدم وساق وضرورةُ تقضي على كل سبب يمنع ذلك . ضحكت حماس على الجمهور العربي المأخوذ بتجربة الصمود والمقاومة ، هذا الجمهور المخدوع بأوهام التحرير والجهاد ، وأخشى أن يأتي يوم بسبب ظلم حماس وبطشها أن يحن أهالي القطاع إلي أيام الإدارة المدنية التي كانت تعني بشئون القطاع قبل اتفاق أوسلو ، فعلى الأقل كانت هناك وحدة وطنية ، والفلسطينيون لم يكونوا يقتلون بعضهم بعضاً كما نرى اليوم ، ولم يتأذوا وهم تحت نير الاحتلال بمشاهد السطو والنهب والسرقة ، صُعق الإسرائيليون وهم يرون مقصلة حماس تقطع أوصال كل من خالفوها في الرأي والمذهب ، حتى الدور المسيحية التي رفض سيدنا عمر بن الخطاب أن يصلي فيها مخافة أن يقتدي الناس به ، تعرّضت في عهد هنية إلي السرقة والتخريب ، زعماء حماس المشاركين في الانقلاب يعتقدون أن ما قاموا به هو فتح إسلامي كفتح مكة ، وقد نسوا وهم في وهج الثورة أن الرسول ( ص) قد خاطب أهل مكة : ماذا ترون أني فاعلٌ بكم ؟؟ فردوا عليه : أخٌ كريم وابن أخ كريم فقال لهم : أذهبوا فأنتم الطلقاء فلنقارن بين النقيضين ، بين نبي عُذب وهُجر من أرضه ، وتعرّض الذين أوه للغزو مرتين في ديارهم من قبل أهل مكة والذين حاربوه حتى في أرض المهجر ، فقد أعرض الرسول ( ص ) عن كل المظالم التي اقترفتها قريش بما فيها الخيانة والتآمر لقتله وحصار بني هاشم ، أعرض عن كل ذلك فأمن أهل مكة على أنفسهم وأموالهم بما فيهم السيدة هند بنت ربيعة التي استأجرت من يقتل عمه حمزة ويأتيها بكبدته لتمضغها إيغالاً في الحقد والتشفي ، امنّ على حياة الجميع ، من بينهم الذي يدخل بيته ويغلق على نفسه الباب بالمفتاح ، ولنعد إلي ما فعلته حماس بأبناء فتح بعد أن تمكنت بهم ، قتلهم كالعير في الميادين العامة ، وحرمتهم من حق التكريم بعد الموت مثل إقامة الصلاة والدعوى لحضور العزاء ، فقد أقامت حركة حماس يوم ( الدين ) قبل أن يحين أجله ، وتوسعت في العقوبة إلي أبعد الحدود ، ولا أدرى من أين تستقي حركات الإسلام السياسي قيمها ومبادئها وهي تتعامل مع مجتمع المحكومين . ويُعتبر على هذا الأساس أن السودان في عهد الإنقاذ كان يُشكل النموذج رقم ( 1 ) من تجربة حماس في فلسطين ، عشنا هذه التجربة قبل سبعة عشر عاماً ودفعنا ثمنها بالأقساط المميتة طوال كل هذه السنوات ، فتهم جزافية مثل عملاء وخونة ومعاول استعمار وطابور خامس كانت جاهزة ضد كل الذين وقفوا في وجه الإنقاذ ، حتى غير المحاربين تعرّضت أملاكهم للمصادرة ، وأذكر في هذا الخصوص كيف قامت أجهزة الأمن وقتذاك بطرد أسرة المرحوم الدكتور عمر نورالدايم من مسكنها بسبب موقفه السياسي ، وقد حوّلته إلي وكر يُمارس فيه التعذيب والتنكيل ، ليس علينا رؤية المذابح والجرائم التي ترتكبها حماس في فلسطين لأن الإعلام المفتوح في زمننا الحال قد فضح جرائمها التي لن ينساها الناس ، بل علينا قراءة تاريخ الإنقاذ في القتل وسفك الدماء ، هم – وأعني الحماسيين والإنقاذيين يريدون أن يكونوا في كوكب لا يسع الاختلاف في العرق والمذهب ، ففي حرب حماس الأخيرة بدت إسرائيل وهي أكثر رحمةً بالفلسطينيين من حماس ، فتحت المستشفيات لاستيعاب الجرحى ، وقد حرصت منذ أول يوم على تدفق الغاز والكهرباء والمياه ، وهي قد حرصت أيضاً على تدفق السلاح لحركة حماس ، وهم تعلم يقيناً أن رصاصه سوف ينهمر يوماً على الصدور الفلسطينية ، وقد صدقت التوقعات الإسرائيلية ، وقد أستغل الإسرائيليون هذه الحرب أفضل استغلال ، فكاتب ( مدونات ) في منتدى إسرائيلي يرى أن غضب الرب هو الذي حاق بالفلسطينيين ، فلأنهم قتلوا أبناء يهوذا فها هو الرب ينتقم منهم اليوم ، فقد عاقبهم فيما بينهم ، يقتلون بعضهم بروح فيها الكثير من التشفي والحقد ، حقدٌ أكثر من الذي كانوا يكنونه للإسرائيليين ، ومعظم الذين ماتوا في حرب هنية الأخيرة هم من المطلوبين أمنياً لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية ، وحتى سميح المدهون قائد شهداء الأقصى في حماس والذي أعدمته حركة حماس أمام الملأ فشلت إسرائيل أربعة مرات في اغتياله . لكن في المقابل قد خسرت حماس كثيراً بسبب هذه التجربة ، هي تقول أن الأمن مستتب في غزة بعد هذه المحاولة ، لكنني أرى أن الشعب الفلسطيني قد رضخ لحماس بسبب الخوف والإرهاب ، فمن الذي سوف يجازف بحياته فيقف ضد هنية ليجد الناس جثته في اليوم التالي وهي ملقاة في مكب النفايات ، شرعية حماس الآن ليست من الناخب الفلسطيني ، لكنها من البندقية كما قال أهل الإنقاذ : قد وصلنا إلي السلطة بقوة السلاح ومن يريد انتزاعها منا عليه اللجوء للسلاح ...فما أشبه اليوم بالبارحة . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
|
|