|
يا حليل صحافة السودان
|
مأخوذ عن صحيفة السوداني
العدد رقم: 544 2007-05-24 المادة (130) سيفاً مصلتاً على الصحف
للمرة الثانية تم إيقاف صحيفة (السوداني) بموجب المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991 . فقد كانت المرة الأولى التي تم فيها إيقاف (السوداني) بموجب تلك المادة في يوم الخميس الأول من فبراير لعام 2007 . وقصة تداعيات الإيقاف تلك باتت معروفة لدى الكافة إلا أن إيجازها باختصار شديد هنا قد يفيد . فقد تم الإيقاف بناء على خلفية نشر خبر بـ(السوداني) يتعلق بقضية الشهيد محمد طه . ويومها قال كمال عمر أمين الدائرة العدلية بالمؤتمر الشعبي (من المؤسف حقاً استغلال نص هذه المادة في إيقاف الصحف ، وكان ذلك إبان نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة وهي التي وضعت هذه السابقة وكانت نتيجة ظرف استثنائي وهو ظرف الطوارئ الذي يتحكم في تطبيق القانون وهي سابقة تعد مخالفة لسيادة القانون ونصوص الدستور الانتقالي لعام 2005 .
تقرير : الفاتح عباس
*المادة 130 إجراءات جنائية قصد بها المشرع حماية البيئة والسلامة العامة .. فكيف يمكن توظيفها لكبت الحريات ؟!
*استخدام هذه المادة المتكرر يعني ضعف وهشاشة البنية القانونية السودانية
*استخدمت المادة مرتين بحق السوداني الأولى في قضية الشهيد محمد طه .. والثانية ضد عمود حديث المدينة.
حكاية المادة 130 إجراءات جنائية
من أكثر المواد القانونية إثارة للجدل الفقهي والسياسي وسط عامة الشعب بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية (المادة 130) من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991 ، لا سيما فقد استخدمت هذه المادة في عدة حالات بإيقاف الصحف وتقرأ المادة :
1. إذا بلغ وكيل النيابة أن أي أفعال تشكل جريمة من الجرائم المتعلقة بالسلامة والصحة العامة ترتكب يجوز له أن يصدر أمراً يطلب فيه من الشخص المعني في ميعاد محدد أن يوقف ارتكاب تلك الأفعال أو أن يصلح آثارها أو يزيلها بالطريقة المبينة في الأمر .
2. يتم إعلان الأمر المذكور إلى الشخص الذي صدر ضده بطرق الإعلان المنصوص عليها في هذا القانون .
3. إذا لم ينفذ الشخص المعني الأمر في الحال أو لم يتيسر إعلانه الفوري فيجوز لوكيل النيابة الأعلى في حالة الخطر الداهم أو الضرر على الجمهور أن يأمر باتخاذ الوسائل التي يراها ملائمة لإزالة الضرر على أن يكون الشخص المعني ملزماً بسداد أي مصروفات لازمة .
التطور التاريخي للمادة 130
استخدم المشرع نص هذه المادة بتعابير ومعايير مختلفة في كل القوانين الخاصة بالإجراءات الجنائية في ما يختص (بالسلامة والصحة العامة) ويقول د. شيخ الدين شدو أستاذ القانون الجنائي بالجامعات السودانية والمحامي ، هذه المادة جاءت في قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991 تحت باب (منع الإزعاج العام) وبها ثلاث فقرات وتاريخياً فهذه المادة تقابل المادة 99 من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1974 وتقابل المادة 107 في قانون الإجراءات الجنائية الذي سبق قانون 1991 وكذلك تقابل المادة 133 من قانون الإجراءات الجنائية الهندي .
تعريف الإزعاج العام قانوناً
يتناول د. شدو في حديثه لـ(السوداني) تعريف الإزعاج العام ويقول : كلمة إزعاج وبالإنجليزية Nuisance وهي تعني الإزعاج بمعنى مضايقة أي الشخص بالتمتع بماله أو في ممارسة حقوقه العامة وينقسم (الإزعاج) إلى نوعين 1) إزعاج عام ، 2) إزعاج خاص والإزعاج العام أن يرتكب شخص ما فعلاً ما تتضايق منه فئة من الناس أو الجميع والإزعاج الخاص أن تقوم طائفة من الناس بارتكاب فعل يتضايق منه فرد أو مجموعة أفراد محدودة .
الإيقاف الثاني .. لـ(السوداني) بموجب المادة 130
أصدرت نيابة الصحافة والمطبوعات مساء الأربعاء 16/5 الحالي قراراً بإيقاف (السوداني) عن الصدور استناداً إلى (نص المادة 130 إجراءات جنائية) .. والأسباب التي حدت بوكيل نيابة الصحافة والمطبوعات لاتخاذ قرار الإيقاف ترجع إلى ما كتبه عثمان ميرغني في عموده حديث المدينة في ذات اليوم – الأربعاء – متناولاً فيه تداعيات قضية غسيل الأموال الشهيرة وجاءت صحيفة الإيقاف متضمنة المواد 159 ، 160 ، 66 من القانون الجنائي مقروءة مع المواد 27 ، 29 ، 37 من قانون الصحافة والمطبوعات . وما كتبه عثمان ميرغني في عموده بات في حكم المعلوم لدى الكافة المتابعين للأمر ..
(المادة) الممتازة للسلامة .. السيئة للصحافة !!
كمال محمد الأمين – مسؤول وحدة البحوث القانونية والاجتماعية بالحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال ، لم يستنكر وجود النص القانوني المعني بالمادة 130 ولكنه يرفض استخدام هذا النص في التعامل مع الحريات العامة ويقول لـ(السوداني) المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية هي مادة تتعلق بالصحة والسلامة العامة واستخدامها في مواجهة الصحف يتعارض مع الدستور الانتقالي لعام 2005 واستخدامها يعد عقوبة ولا يملك حق إصدار العقوبة إلا القاضي المختص .
استخدام خاطئ لروح المادة 130
لا يختلف اثنان بأن المادة 130 إجراءات جنائية قد انحرفت عن مسارها القانوني الذي قصده المشرع والهادف إلى حماية السلامة والصحة العامة ويقول كمال عمر أمين الدائرة العدلية بالمؤتمر الشعبي (هذه المادة التي استخدمت في إيقاف السوداني) ترجع حقيقة إلى ضعف البنية القانونية وهشاشتها بعد إجازة الدستور الانتقالي لعام 2005 حيث أن الهيئة التشريعية – المجلس الوطني – لم تستطع إصلاح هذا الوضع القانوني الشاذ الذي تتحكم فيه النيابات الخاصة وبقوانين مخالفة للدستور ، مما دفع إلى مصادرة الحريات الأساسية بشتى الوسائل . أما صالح حامد رئيس لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان بحزب الأمة القومي فيقول (هذه المادة تتناقض كلياً مع الدستور الانتقالي لعام 2005 ، وكذلك تتناقض مع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وهذه المواثيق تلزم الدولة السودانية بحماية الحريات وفي مقدمة هذه الحريات ، حرية التعبير والنشر .
الخصم والحكم في الإيقاف !
على خلفية ما كتبه عثمان ميرغني في عموده المشار إليه فقد قامت نيابة الصحافة والمطبوعات بفتح البلاغات الجنائية ضد رئيس تحرير (السوداني) وكاتب العمود وتتلخص تلك المواد في الكذب الضار وإشانة السمعة !! ولكن د. شدو يقول (لقد تم استخدام المادة 130 إجراءات جنائية في إيقاف (السوداني) أو بمعنى آخر تغولت النيابة على عمل القضاء ، ولكن قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991 حول هذه السلطة للنيابة باعتبارها سلطة منع وسلطة وقائية ، وهذا الأمر كان يجب أن يرجع إلى مجلس الصحافة والمطبوعات أو القضاء بعد إنذار الصحيفة. ويتفق صالح حامد كثيراً مع د. شدو إذ يقول (نرفض بحزب الأمة توظيف نص المادة 130 إجراءات لقمع الحريات الصحفية) .
المادة 130 إجراءات جنائية هي إحدى المواد العديدة التي ظلت تشغل الساسة والعامة ، فيرى المراقبون بأن الدستور الانتقالي لعام 2005 المرتكز على روح اتفاقية نيفاشا للسلام ، هو الدستور الأمثل لبناء جسر قوي ومنيع ضد الشمولية وتحقيق التحول الديموقراطي وتداول السلطة سلمياً ! .. ولكن يتوقف المراقبون دهشة حين تكون كل القوانين المعنية بالحقوق والحريات باقية كما كانت عليه قبل عام 2005 .. مع الوعود المتكررة من عضوية المجلس الوطني – الهيئة التشريعية – بأنهم بصدد مراجعة كل القوانين حتى تتماشى مع الدستور الانتقالي لعام 2005 .. وتظل المادة 130 إجراءات جنائية سيفاً مصلتاً على رقاب الصحف السودانية !!.
تقرير : الفاتح عباس
|
|
|
|
|
|