|
العلمانيون الجدد !!
|
العلمانيون الجدد !! على الأوضاع الحالية إلى أن نعرف شكل السودان بعد الاستفتاء فإذا تبين أن الجنوب سيكون »لا قدر الله« جزءاً من السودان فحينها يمكن أن نفكر في مراجعة المناهج والإعلام وقسمة السلطة والثروة والترتيبات الأمنية وفقاً للشكل النهائي للسودان بدلاً من أن نكرر خطأ تغيير العملة الذي أهدرنا فيه ما يقرب من المائة وخمسين مليون دولار ونحن لا ندري ما سيكون عليه الحال بعد أربع سنوات!. إني لأتساءل كيف نوّحد المناهج في دولتين »الشمال والجنوب« تحتكمان الآن إلى نظامين مختلفين أحدهما اسلامي والآخر علماني وهل يمكن أن نصدق أن يقبل الجنوبيون أن تكون المرجعية العليا للمناهج هي الاسلام أو أن يُعتبر الإمام المهدي بطلاً تاريخياً في جنوب السودان؟! هل يمكن أن نصدق أن ذلك سيحدث في بلاد تشن الحرب على الإسلام وتلغي تدريس اللغة العربية؟! دكتور عبد اللطيف البوني كتب كلاماً خطيراً في معرض تعقيبه على مقالي حول تصريحات الأستاذ علي عثمان محمد طه الذي، حسب البوني، »طالب بمراجعة المناهج ليكون هدفها الأول بلورة وإعلاء الوجدان الوطني« وقال البوني »إن إعلاء شأن الوطن وغرسه في وجدان الناشئة يجب أن يقدّم على ما سواه« وقال إن دعوة النائب تجد منه كل تقدير وكل اهتمام ووصفني البوني بأني أرفض الوطنية بحجة تمسكي بالإسلامية العالمية ! لا أظن أن الأخ البوني كان جاداً أو دقيقاً حين قال »أما أخونا الذي رفض الوطنية بحجة تمسكه بالاسلامية العالمية« ذلك أنه لا يمكن لإنسان من لحم ودم ومشاعر أن يتجرد من الحنين إلى مراتع الصبا ومحضن الذكريات ولذلك لا غرو أن يقول الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم مخاطباً موطنه مكة المكرمة »والله إنك لأحب البلاد إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت« ثم إن القرآن الكريم قد أكد حنين الرسول الكريم الرؤوف الرحيم وتقلّب وجهه في السماء تشوقاً لأن يُولِي وجهه شطر المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد أن أُمر بأن يصلي في بداية الدعوة نحو المسجد الأقصى في فلسطين وكان النص القرآني معبراً وهو يعلن عن تحوّل القبلة نحو المسجد الحرام والذي أفرح الرسول »ص« وأرضاه »فلنولينك قبلة ترضاها«ولذلك فإن من قاتل دون أرضه فهو شهيد. على أن البوني يرتكب خطأً فادحاً حين يقدم الوطن على ما سواه بما في ذلك الدين ذلك أن الرسول الكريم »ص« لم يتخل عن الوطن »مكة« ويهاجر منها مضحياً بها رغم حبه لها إلا إعلاءً لشأن الدين وكذلك الحال بالنسبة لابراهيم الخليل وموسى الكليم والمسلمين الذين تفرقوا في ديار الاسلام جهاداً أو طلباً للرزق »ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُراغَماً كثيراً وسعة« فالمرء يترك وطنه بل يضحي بروحه في سبيل دينه ولذلك يهاجر الناس من أوطانهم ويتخذون جنسيات أخرى في بلاد المهجر لكنهم لا يغيرون أديانهم ولقد شنّ الله تعالى حملة على جميع الولاءات والعصبيات التي تحد من الولاء له وحده وللرسول المبلغ عنه ويأتي قرار القبلة نحو الأقصى في هذا الاتجاه اختباراً للمؤمنين وكسراً لعصبية الوطن وإعلاء الدين وتوحيد الأمر كله لله »وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه«. لعل المدخل إلى كلام البوني الذي نرد عليه بنفس لغته ومنطقه ونقول إنه »يرفض الاسلامية بحجة تمسكه بالوطنية« هو قوله »فإذا أردنا سوداناً موحداً يجب أن تكون المناهج موحدة في نمولي وفي الدمازين وغارسيلا وأم دافوق ومحمد قول وسد كجبار« وهو ما يتسق مع مقولته الخطيرة »إن إعلاء شأن الوطن يجب أن يقدم على ما سواه« فإذا كان فهم الأستاذ علي عثمان يتطابق مع رؤية د. البوني فلماذا كان الاصرار على الشريعة في الشمال ولماذا لم تُوّحد القوانين في نمولي والخرطوم وجوبا وسد كجبار؟! لماذا لم يتفق طرفا نيفاشا على أن يكون ثمن الوحدة التخلي عن القوانين الاسلامية وتبني النظام العلماني الذي يُعلي من شأن الوطن ويحط من قدر الدين؟! عندما انتقدت كلام الأستاذ علي عثمان بشأن تعديل المناهج كنت اتساءل عما إذا كان توجيهه لإدارة المناهج ببخت الرضا بأن »يكون الولاء للوطن« توجهاً جديداً تجاوز به اتفاق نيفاشا الذي لم يتخل عن الولاء لله وتطبيق الشريعة التي كان الإصرار عليها إعلاءً للإسلامية على الوطنية أو قل على الوحدة التي لم تعتبر شيئاً مقدساً يعلو على الدين وإلا لما جُعل أمرها اختيارياً بموجب حق تقرير المصيرالمتاح بموجب اتفاقية نيفاشا. أما قول البوني بأن »الدولة القطرية أصبحت قدراً لا بد منه« فهو ما لم يعترض عليه أحد، على الأقل في الوقت الحاضر حيث المسلمون يعانون من الضعف بالرغم من أن أشواقنا تتجاوز واقعنا الذي نرزح تحت وطأته الآن ولا أدري من أين جاء بقصة تمسكي بالاسلامية العالمية وأنا أدعو إلى واقعية تنتقص حتى من مساحات السودان الحالي الذي يعتبر تكوينه على هذا النحو خطأ تاريخياً ارتكبه في حقنا أعداؤنا ومستعمرونا وإنه هو الذي تسبب في كل المآسي التي ظللنا نتجرع مراراتها منذ فجر الاستقلال؟. قول البوني »فإذا أردنا سوداناً موحداً يجب أن تكون المناهج موحدة« عبارة عن كلام نظري تعوزه الحجة ذلك أنه لن يحقق الوحدة ولا يخرج عن منطق دفن الرؤوس في الرمال ذلك أنه لن يحقق الوحدة المستحيلة بين الشحمة والنار التي يصبو إليها هذا فضلاً عن أننا في مرحلة انتقالية ونعمل بموجب دستور انتقالي ولعل الواقعية والحكمة تقتضيان أن نبقي الطيب مصطفى
|
|
|
|
|
|