|
|
 المهرجلون الصامتون
|
في الثانوي العام كان عندنا أستاذ غريب الأطوار، كل شيء يصدر منه
مخالف للطبيعة، يزعل عندما يضحك الناس ويضحك عندما يزعل الناس.
كان قصيراً وسميناً ويلبس ملابس نعتبرها ضيقة لكنها لم تكن ضيقة بل
كان هو واسعاً عليها، شديد الغضب لأتفه الأسباب، إذا رآك مبتسماً فإنك
بلا شك ستجد أشد العقاب حتى لو كنت مبتسم مع الملائكة، ما في ليك أي
عذر فلازم إنت تجي وتعتذر وتقول ليهو معليش يا أستاذ أنا كنت بضحك
مع فلان الفلاني حتى إذا كان فلاني الفلاني ده مصاب بملاريا وما جاء
للمدرسة في اليوم داك، المهم إنت لازم تقول ليهو أنا غلطان وسافي
التراب وما حأعمل الغلط ده مرة تانية، وإنت في نفس الوكت بتكون
ما عارف إنو إنت غلطت في شنو.
وكان أستاذ نجيب الواثق (وهذا للمفارقة اسمه) أشتر في كل شيء، في
ضحكته وفي مشيته وفي لبسه وفي كرشته، وكان على العكس من اسمه غبياً
وشكاكاً ومتردداً، ولم يكن مبرزاً في مادته وكان لا يستطيع توصيل المادة
بصورة مقنعة للطلاب، لذلك كانت مادته أكتر مادة يرسب فيها الطلاب،
وكان يخشى من حضور المشرفين التربويين ويتمارض عندما يعلم بحضورهم
لكي يتهرب من التدريس وبالتالي لا ينكشف أمره بأنه أستاذ غير كفء.
لكن أكثر ما كان يضايقنا فيه أنه كان يجلدنا في الفسحة التانية إذا
لم نذهب لصلاة الظهر وينهرنا بصوته القبيح (يا ولاد إنتو كفار؟ ليه
ما مشيتو للصلاة ؟ أمشي صلي .. تمشّيك بطنك إن شاء الله) مع إنو هو نفسو
ما بصلي لا في المدرسة ولا في بيت المعلمين ونحن إتأكدنا من المعلومة
دي من أستاذ خالد بتاع الرياضيات لأنو كان في حساسية بينو وبين هذا
الأستاذ الذي كان لا يتردد في أن يقول لأستاذ خالد (إنت شيوعي كافر)
إذا حدث بينهم أدنى خلاف حتى ولو كان صغيراً.
لكن أغرب موقف مرينا بيهو في الفصل إنو الألفة بتاعنا رسل قائمة
بالمهرجلين، وجاء أستاذ نجيب إلى الفصل ونادى على المهرجلين المسجلين
في الورقة وقام إتلفت على زميلنا عماد يوسف وقال ليهو: إنت القاعد هناك
جنب الشباك قوم تعال ليْ هنا بسرعة.
عماد المسكين طلع للأستاذ الذي كان موجوداً بالقرب من السبورة، فنادى
الأستاذ اتنين من عتاولة الفصل وقال لهم (إمسكوا الولد قليل الأدب ده
عشان أوريهو النجوم نص النهار)
عماد قال للأستاذ: أنا عملت شنو يا أستاذ عشان تجلدني؟
الأستاذ قال ليهو: إنت اسمك ما مكتوب مع المهرجلين
فقال عماد: طيّب يا أستاذ وكت اسمي ما موجود حاتجلدني ليه؟
الأستاذ قال ليهو: بجلدك عشان ما هرجلت، لأنك إنت حاقد عليْ عشان كده
كنت ساكت، وما تفتكر أنا ما عارفك إنك إنت قاصد شنو بصمتك ده.
وقام الأستاذ بعد داك إتلفت على الألفة وقال ليهو: من يوم الليلة تعمل
لي قائمتين قائمة بالمهرجلين وقائمة بالما مهرجلين، لأن القائمة الأخيرة
دي هي الأخطر والمهرجلين ديل من يوم الليلة ده ما حأجلدهم لأنهم ناس على
نياتهم وما بشكلوا أي تهديد للأمن العام.
رفض زميلنا عماد أن يعاقب بالجلد لجريمة لا تعد جريمة في الأصل لأن الصمت
هو من شيم العلماء والنبلاء والفقهاء، ودخل في جدل طويل مع أستاذ الواثق
الذي يصر أن يجلده ويعاقبه مهما كانت النتيجة، وتعالى صياح وضجيج الطلاب
ولم يقطعه إلا دخول مدير المدرسة الذي استدعى أستاذ الواثق وزميلنا عماد
إلى مكتبه.
عاد عماد بعد نصف ساعة وهو واثق الخطى ويملؤه الارتياح وكأنه تخلص من حملٍ
ثقيل. أما أستاذ الواثق فلم نعرف عنه شيئاً بعد ذلك حيث تم نقله إلى جهةٍ
غير معلومة، ولا أعتقد أن أحداً حزن لنقله بل أكاد أجزم أن كل طالب وأستاذ
وعامل بالمدرسة قال في نفسه بعد ذهاب أستاذ الواثق (الحمد لله الذي أذهب
عنا الأذى وعافانا).
|
|
 
|
|
|
|
Nasruddin Al Basheer
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست