توثيق حي للتاريخ الحركة الإسلامية في السودان....ماذا سيقول أمين حسن عمر الآن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 03:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-05-2002, 02:13 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
توثيق حي للتاريخ الحركة الإسلامية في السودان....ماذا سيقول أمين حسن عمر الآن

    توثيق حي للتاريخ الحركة الإسلامية في السودان

    مجموعة مقالات كتبها الأستاذ أمين حسن عمر وآخرون بصحيفة الأنباء السودانية قبل أحداث الرابع من رمضان

    قصة رجلين.. !!

    (الرجلين حسن الترابي وجعفر شيخ إدريس)



    كلما جاءت العطلة السنوية للدكتور جعفر شيخ إدريس إلي السودان ملأ المنابر بذكر الدكتور حسن الترابي بأسوأ ما يذكر به المسلم أخاه المسلم وما جلس أناس إلي مجلس لجعفر شيخ إدريس فغاب عنه اسم الدكتور الترابي مقرونا بالسوء من القول والافتراء والبهتان ، وما تحدث الدكتور جعفر شيخ إدريس لصحيفة من الصحف إلا وكال للدكتور الترابي التهم جزافا بلا مكيال ولا معيار وأما الآخر فساكت صامت لا يجاريه ولا يرد عليه ويمد له حبالا من الصبر الجميل لو تعلقت فيه كل أغربه بور تسودان لوسعتها . لذلك فأن من المشروع ان يتساءل المرء ما قصة هذا الرجل وهذا الرجل وكيف تتقاطع سيرة الحياة بينهما وهذا ما سنفصله في هذا الكتاب : (قصة رجلين) ومصادر هذه القصة مكتوبات ومرويات ومشهودات. فأما المكتوبات فكل ما كتب حتى اليوم وحُفظ من تاريخ الحركة الإسلامية بالسودان وأما المرويات فلقاءات وروايات لعشرات من الإسلاميين من المؤسسين للحركة الإسلامية الذين التقيناهم وسجلنا لهم علي فترات متباعدة من الزمان . منهم من التقيناه ونحن نعين الأخ حسن مكي محمد أحمد لإنجاز بحثه عن حركة الأخوان المسلمين بالسودان وكان ذلك في أواخر السبعينات وكنا ثلاثة (العبد المذنب) والأخ التجاني عبد القادر والأخ عبد المحمود الكرونكي واذكر من أولئك الأستاذ محمد يوسف محمد والأخ موسى ضرار وعبد الباقي عمر عطية ويس عمر الأمام وتوفيق طه وآخرين ثم جاءت الثمانينات مطالعها وكلفنا ببحث توثيقي لتاريخ الحركة الإسلامية فسجلنا ما يربو عن العشرين شريطا لأعضاء الحركة الإسلامية منفردين ومجتمعين وكان ممن إِلتقينا بهم جماعة منهم مدثر عبد الرحيم وأحمد عوض الكريم وميرغني النصري وبابكر كرار وعثمان خالد مضوي وإبراهيم السنوسي وعباس حسن التوم ويوسف حسن سعيد وصلاح أبو النجا ومبارك قسم الله والتجاني أبو جديري (كان منظما .. لهذا الجهد ) وآخرين .

    وأما المشهودات من مادة هذه الرواية فهي معايشات ومشهودات شخصية عبر اكثر من ربع قرن قضيته بين أيدي وبين ظهراني الحركة الإسلامية بالسودان كنت أبان ذلك لصيقاً بمؤسساتها القيادية وقيادتها التنظيمية والفكرية وكانت لي علاقة خاصة بالدكتور الترابي تأتت من عملي مديرا لمكتبه بالنائب العام وسكرتيرا خاصا له سائر اليوم لعامين علي الأقل فمصادر القصة إذا ما كُتب فقراته واستشهدت به وبنيت عليه ما سمعته من أهل الثقة الذين لا يتهمون بقلة العناية أو الضبط ومن معايشتي الشخصية للأحداث والوقائع .

    والقصة مدارها رجل استثنائي الحضور منذ كان طالبا في حنتوب الثانوية كان حافظاً للقرآن فقيها ضليعا بالعربية وهو لم يعد أن يكون حدثاً يافعاً وكان بارزاً مبرزاً باللغة الإنجليزية يتحدثها بطلاقة تدهش أقرانه وأخدانه وكان نابها في دروسه إلي درجة انه قفز للامتحان النهائي من الصف الثالث عندما كانت الصفوف الثانوية أربعة فكان مع ذلك من أوائل السودان كان هكذا قوي الحضور في الجامعة حدثني عنه المرحوم بابكر كرار في لقاء فقال : (كان الترابي أذكاهم عقلاً وأصفاهم نفساً) وكان هكذا قوي الحضور في بريطانيا مبعثا وفي فرنسا الفرانكفونية وهو الحديث القدوم من عالم الانجلوفونية وكان هكذا قوي الحضور عندما جاء عميداً لكلية القانون وقائداً لانتفاضة اكتوبر ومنسقاً للتفاوض مع العسكر ومع الأحزاب وكان هكذا قوي الحضور وهو يعود لتلتف حوله القيادة الجماعية للحركة الإسلامية ليكون أمينا للجماعة وسكرتيراُ للجبهة ومؤسسا لكتلة برلمانية ناهضة وحائزاً علي أعلي الأصوات في قطاع المثقفين ولهذا القول المجمل تفصيله في مكانه من القصة .

    وأما الرجل الآخر فلابد لك أن تذكر عشرة أو تزيد من مؤسسي الحركة السلامية أو قادتها حتى يرد اسمه ولكنه علي الرغم من تأخره في الصف فقد كان وعلي مدار الأيام هو الرجل الآخر ولكنه كان دائما الرجل خلف رجل آخر يحارب حرباً لا يكون المقدم فيها وأن كان دائماً المحرك والمحرض وهي حرب لا يُطفا أوارها ولا يذهب غبارها ، لها في كل مرة عنوان فمرة هي حرب علي تركز القيادة وحرص علي الجماعية ومرة هي حرص علي الأصالة الاخوانية ومرة هي حرص علي أولوية التربية وأخيرا هي حرص علي الإسلام من التجديد النصراني الكنسي .

    والقصة محاولة للإجابة عن سر نار المجوس التي تشتعل في صدر ذلك الرجل .

    وليس المقصود من القصة مجرد الإثارة الصحفية أو إمتاع القراء بل هي عبرة لاناس يتفكرون تحكي قصة الصراع الداخلي في الحركة الإسلامية من أيام تأسيسها الأولى ولا عجب أن تشهد الحركة الإسلامية اصطرعا داخلياً مرده إلي اختلاف التقديرات والأحكام أو مرده وهو الأغلب (في كل حركة) إلي النزاع حول حظوظ الأنفس في القيادة والظهور . وليس المقصود من رواية القصة التركيز علي السجال بين رجلين أحدهما قاد الحركة الإسلامية باستمرار منذ العام 1964م (علي الأقل) وكان دائماً مؤثراً ونافذاً علي جميع الأصعدة فكرية وسياسية وتنظيمية وكان الآخر هو المحرك للمعارضة الداخلية للقيادة علي مر السنين استظهر بكل مخالف وكل ساخط وحانق ليعبئ حرباً علي الحركة الإسلامية من داخلها. ومثل هذه القصة يمكن ان تنتفع بها الحركات الإسلامية في فهم انساق الصراع الداخلي فقصة الصراع بين الأصوليين والوصوليين يمكن أن تتكرر في كل حركة تغيير اجتماعي ولذلك نكتب هذه القصة وهي في مجملها مخلص لتاريخ الحركة الإسلامية في السودان رؤية من الداخل . وربما كره بعض الإسلاميين ذلك اعتبروه نشراً لغسل علي الشرفات وربما كان ذلك كذلك لكن فلنسأل عن ذلك من بدأه مزيفاً وظالما كما ان الأمر لا يخلو من فائدة كما قدمنا ولكي لا تكون القصة خالية من التكامل بسبب التركيز علي حيثية العلاقة الثنائية بين رجلين فحسب سنقوم بروايتها بجميع شخوصها الرئيسيين مع تركيز خاص علي ملابسات العلاقة بين الرجلين ولذلك فسترد عبرها بعض الأحداث والوقائع الجسام في تاريخ الحركة الإسلامية وبعض الشخوص الكبار من أمثال بابكر كرار والرشيد الطاهر ومحمد يوسف محمد ويس عمر الأمام وصادق عبد الله عبد الماجد ومحمد صالح عمر وآخرون ولعل ذلك يثير حواراً جديداً حول توثيق تاريخ الحركة الإسلامية في السودان وهي قمينة بما حركت من تغييرا اجتماعي وأسع أن يدون تاريخها وأن توثق أحداثه يحدث ذلك كله بعون الله والله غالب علي أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ..

    الحرب والحرية
    صمتت مدافع الحرب العالمية الثانية بعد أن شارك فيها أهل السودان مشاركة فاعلة ودفعوا فيها تضحيات جمة في الحرب ضد الطليان في إريتريا والحرب في شمال أفريقيا ضد روميل وكان انتصار الحلفاء دافعاً لكثير من الأمم التي دفع بها في آتون الحرب للمطالبة بنصيب من النصر يتمثل في إعطائها حق تقرير مصيرها .. وكانت هذه هي الأجواء التي سادت في السودان في أوساط المتعلمين والمثقفين في خواتيم الأربعينات فمؤتمر الخريجين قد حرك أشواق الشباب للحرية كما أن مشاركة العسكريين السودانيين في صنع نصر الحلفاء كان دافعاً ومحركاً للمشاعر الوطنية في أوساط العسكرية . وفي هذه الأجواء تأسست الحركة الإسلامية السودانية في جامعة الخرطوم وفي المدارس الثانوية لا سيما حنتوب وخورطقت تأسست الحركة الإسلامية عملاً معارضاً للاستعمار وترياقاً مضاداً للشيوعية التي استشرت بين الطلاب وتمثلت في نبرة معادية للاستعمار ودعوة للتحديث والتحرر الاجتماعي من التقاليد البالية والقيم الدينية العتيقة .. وكانت الحركة الشيوعية تعبر عن نهجها السياسي عبر الحركة المعادية للاستعمار وفي أوساط الطلاب عبر ما عرف آنذاك بمؤتمر الطلاب كما كانت تعبر عن نفسها اجتماعياً عبر سلوك مخالف للقيم السائدة وذلك بالسكر والعربدات الطليقة أو الفوضى الجنسية . ولئن كانت بعض تيارات الإسلاميين لا تخالف الشيوعيين في كراهية الاستعمار فان السلوك الإباحي للطالب الشيوعي كان يستفز تلك العناصر فلا تجد إجابة فكرية لدحض ما كان يعرف حينها بالتحرر الاجتماعي ولذلك نشأت الحركة الإسلامية أول ما نشأت جمعيات دينية تدعو للانضباط السلوكي ولكنها سرعان ما تطورت عندما برز في أوساط هؤلاء قيادي تنظيمي من الطراز الأول ومفكر جدير بالاحترام وكان هذا الشاب النابه هو الأستاذ بابكر كرار المؤسس الذي يتفق السواد الأعظم من قدامي المحاربين أنه مؤسس حركة التحرير الإسلامي حيث كانت هي النواة الحقيقية للحركة الإسلامية السودانية ..

    العقل الكبير
    كانت الحركة الإسلامية بحاجة إلي عقل كبير .. إلي محرض جرئ وكان المرحوم الأستاذ بابكر كرار هو ذلك العقل الكبير والمحرض الجريء , وكنت قد سمعت عنه مراراً وتكراراً عبر عشرات اللقاءات ونحن ندون بعضاً من تاريخ الحركة الإسلامية وعلي الرغم من اختلاف الرأي حوله إلا ان الجميع يقرون له بروح المبادرة والمبادة والمقدرة علي تحرير الأفكار والآراء ثم أنى التقيت بالرجل في حوار طويل فعرفت أن مثله قمين بتأسيس حركة تغيير اجتماعي كبري مثل الحركة الإسلامية السودانية فقد كان الرجل يتمتع بعقل كبير وبحيوية مدهشة وحماسة لآرائه وأفكاره علي الرغم مما لاقي من نكسات في جهوده لتأسيس حركة إسلامية قومية المنطلق إسلامية المحتوي اشتراكية السياسة ومن خلال تعرفنا بالأستاذ بابكر كرار تعرفنا عن مصدرية بعض الملامح والقسمات التي ميزت الحركة الإسلامية السودانية علي الرغم من ابتعاد بابكر كرار عنها مبكراً فهذا الشعور القومي الفياض عن الإسلاميين السودانيين وعدم شعورهم بأن القومية تقف في الصف المقابل للإسلام كان سببه إن المؤسسين الأوائل وعلي رأسهم المرحوم بابكر كرار كانت تزدحم نفوسهم بالمشاعر القومية القوية وهنا يفسر موقف الحركة الإسلامي القومي البارز من ثورة الجزائر ومن ثورة فلسطين بل وموقفها غير العدائي في اكمله للثورة الناصرية وكذلك القائد الثاني الرشيد الطاهر والذي كان أول إسلامي بارز يحل في ضيافة عبد الناصر علي الرغم من أجواء المجابهة بين عبد الناصر والأخوان المسلمين مما زاد عليه من غضب بعض إخوانه في السودان وأدت علاقاته مع مصر الناصرية مع ترسبات أخري إلي ابتعاده هو أيضا عن الحركة الإسلامية بعيد ثورة اكتوبر .

    بابكر كرار والترابي
    سبق بابكر كرار ومحمد يوسف محمد وآخرون إلي تأسيس حركة التحرير الإسلامي ثم جاء الدكتور الترابي إلي الجامعة بعد ما صقلته مشاعره الإسلامية بالجمعيات الدينية في حنتوب .. وكان حسن الترابي متميزاً بين أقرانه بثقافته الدينية العميقة ولحفظه لا جزاء كثيرة من القرآن الكريم وذلك بفضل تتلمذه علي والده الشيخ عبد الله الترابي أول قاض شرعي سوداني والذي لم يكتف بإرسال ابنه للتعليم الأميري بل أراد ان يقوم بنفسه علي تعليمه القرآن وعلوم الدين وعلوم اللغة العربية . وكانت الحركة الناشئة في الجامعة تحتاج لمثل الترابي فقد كانت لا تزال آنذاك تتلمس فكرها الإسلامي في كتابات محمد حسين هيكل والعقاد بل وطه حسين في اسلامياته كان بابكر كرار يبحث عن شخص ينهض الجانب التربوي والأيدلوجي للحركة وكان مهتما للغاية بهذا الجانب ولذلك فقد نشأت علاقة خاصة بينه وبين حسن الترابي وقد سألته عن رفقائه القدامى فقال انه كان يشعر إن الترابي كان أذكاهم عقلاً واصفاهم نفساً وكان يري ان الترابي علي الرغم مما يبدو عليه من سمت المشيخية بسبب ثقافته الدينية ألا انه متحرر الفكر . وقد سالت الدكتور الترابي فيما بعد عن هذه العلاقة الخاصة مع بابكر كرار فاثبتها وحفظ حق الأستاذية للأستاذ بابكر كرار وحدثني انه بالفعل كان محسوباً في التربويين لا في السياسيين ولقد رفض الترابي أن يترأس الاتحاد في العام 1953م وكانت المرة الأولى التي يكتسح فيها الإسلاميون الانتخابات ففرض بابكر كرار علي الرشيد الطاهر الذي كان صديقاً للحركة آنذاك أن يترأس الاتحاد فكان أول اتحاد للإسلاميين جاء علي رأسه الرشيد الطاهر الذي بحكم ظهوره في المنبر العام قد صار الاسم الألمع في أوساط الإسلاميين ثم صار الأمين العام للحركة (المراقب العام) .

    أما جعفر شيخ إدريس فلم يبرز إلا في النصف الثاني من العقد الخمسين والأخ الدكتور حسن مكي ذكره ضمن أولئك الذين حضروا مؤتمر العيد والذي تقرر علي أثره أن تحمل الحركة الإسلامية اسم الأخوان المسلمين . هذا المؤتمر الذي شهد انشقاق الأستاذ بابكر كرار وطائفة من مؤسسي حركة التحرير الإسلامي عن الجماعة وتكوينهم لما عرف آنذاك بالجماعة الإسلامية . وعلي الرغم من ان الشكوك تحيط واقعة جعفر شيخ إدريس لمؤتمر العيد إلا أنه علي وجه القطع لم يكن إلا واحدا من صغار السن أولئك الذين اعترض بابكر كرار علي إشراكهم في المؤتمر لتغليب وجهة النظر التي تدعو إلي وصل حركة السودان بالإخوان المسلمين في مصر . وأما رأي الدكتور جعفر شيخ إدريس في الأستاذ بابكر كرار فتوضحه هذه القصة التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1982م عندما جاء الدكتور جعفر شيخ إدريس زائرا في إحدى زياراته التي كانت لا تنقطع لأمريكا وجاء زائر للإخوان بلدة كولومبيا في ولاية مزوري واتصل بالأخ الدكتور بشير آدم رحمة (والي ولاية غرب كردفان حاليا) لينزل عنده وكان الدكتور بشير مشغولا بامتحانات الفصل الدراسي فعرضت عليه ان اذهب أنا لا ستقبال د. جعفر شيخ إدريس وأن أستضيفه نيابة عن الجالية الاخوانية في منزلي وذهبت بالفعل إلى مطار المدينة وفوجئ الدكتور جعفر بغياب بشير آدم رحمة وحضوري نيابة عنه ذلك أن اسمي المقرون باسم الدكتور الترابي (كنت سكرتيراً خاصاً بالترابي قبل حضوري لأمريكا) لم يكن محبوبا لديه وكنت في العام 1980م قد كتبت مقالة نارية في جريدة الأيام حملت فيها علي مؤتمر الدعوة والدعاة الذي انعقد بالخرطوم بمناسبة القرن الهجري الجديد وقلت ان هذا النمط من الدعاة ذوي العقلية السلفية المحافظة والذين رفضوا حضور أية امرأة للمؤتمر هؤلاء لا يمثلون المستقبل بل يمثلون الماضي الذي نحاول الفكاك منه إلي مستقبل ناهض للإسلام وقد حملت المقالة عبارات نارية وقد خطب جعفر شيخ إدريس في مسجد فيصل وهاجم كاتب المقالة (العبد المذنب) وزعم إن هذه المقالة لم يكتبها هذا الشاب اليافع (يقصد الترابي) ثم انه صور هذه المقالة وأشاعها في أوساط المؤتمرين وسعي بها في محافل السلفيين زاعماً أن هذا هو رأي الترابي في الدعوة والدعاة . ولا اكتم سراً أن قلت أنى كنت حانقاً علي د. جعفر بغياب بشير آدم رحمة وحضوري نيابة عنه ثم بحلوله (علي الرغم منه) ضيفاً علي داري التي تتحلى القاعة الرئيسية فيها بصورة مكبرة للدكتور الترابي ..

                  

06-05-2002, 02:37 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزء الثاني (Re: nadus2000)

    توثيق حي للتاريخ الحركة الإسلامية في السودان

    مجموعة مقالات كتبها الأستاذ أمين حسن عمر وآخرون بصحيفة الأنباء السودانية قبل أحداث الرابع من رمضان

    قصة رجلين.. !!

    (الرجلين حسن الترابي وجعفر شيخ ادريس)



    الحلقة الثانية

    مؤتمر الدعوة والدعاة
    نزل الدكتور عزيزاً مكرماً في داري في مدينة كولومبيا مزوري بالولايات المتحدة الأمريكية ، كان ذلك في العام 1983م وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث المستعصي كان أول ما ابتدر به الحديث إن القاديانية قد اثروا علي فكر الحركات الإسلامية بأكثر مما نتوقع واخبرني انه يعد بحثا حول ذلك وطلب مني أن أساعده في تجميع المواد من كتب القاديانيه واشتغلنا فعلا بذلك الأمر فكنا نقترض الكتب من المكتبة لتصوير الصفحات التي يطلبها الدكتور ثم انه وعلي الرغم من اطلاعه علي خصوصية العلاقة بيني وبين الدكتور الترابي لم يطق أن يصبر علي ذم الرجل الذي كانت صورته المكبرة تطل علينا في الصالة الكبرى في منزلي الصغير ..

    بدأ الكلام بالقول ان ترجمة يوسف علي للقرآن ترجمة جيدة من حيث اللغة وسبك التعبيرات ولكنها مليئة بالتفسيرات الخاطئة والاعتقادات الباطلة ذلك ان يوسف علي (في زعمه) قادياني ثم انه قال لي ان بابكر كرار والذي كان من أهم مؤسسي الحركة الإسلامية بالسودان كان قارئاً نهما وقد تأثر كثيرا بأفكار يوسف علي ثم ما لبث ان قال ان حسن الترابي كان يتتلمذ علي بابكر كرار وقد تأثر كثيراُ ببابكر كرار ولم اكن غبيا ولذلك لم أتأخر في استحضار المعادلة المطلوبة

    يوسف علي = الفكر القادياني

    بابكر كرار اخذ عن يوسف علي

    إذا بابكر كرار = يوسف علي = الفكر القادياني

    الترابي اخذ عن بابكر كرار

    إذا الترابي = بابكر كرار= يوسف علي = الفكر القادياني ..

    ابتسمت وأنا احدث نفسي ( ان هذا الرجل لا يستطيع ان يصبر علي ذم الترابي طرفة عين) قلت له أنا تحاورت كثيراً مع بابكر كرار فلم المس نزعة بدعية في أفكاره واحسبني اطلعت شيئاً ما علي أفكار القاديانية ولا أجد أفكار بابكر كرار تلتقي معها في أي جانب من الجوانب ، قال لي بثقة المعلم المجرب للتلميذ البليد : عليك ان تقرأ المزيد في أفكار القاديانيه. أسوق هذه الذكريات التي قد ينكرها الرجل علي الرغم من وجود الشهود الأحياء المقيمين في الخرطوم الآن لا لشيء إلا للتدليل علي استعداد الرجل للخوض في كل ماء آسن للوصول إلي ذم الدكتور الترابي ، فبابكر الذي يتهمه الدكتور جعفر بأنه آثر بفكره القادياني علي الترابي فأورثه هذه النزعة القاديانية المتصالحة مع الفكر الكنسي التنصيري بابكر كرار هذا فوق كونه المؤسس للحركة الإسلامية كان صديقاً لجعفر شيخ إدريس بل بابكر كرار هو الذي أوصل جعفر شيخ إدريس لفاروق حمد الله ثم النميري (الذي يزعم جعفر انه قد طلب منه ان يفارق الشيوعيين) علي الرغم من أن جهوده في المصالحة لم تكن تستثني لقاء مع عبد الخالق محجوب بترتيب من بابكر كرار ولعل صلة بابكر هذه التي جعلت جعفر خارج قائمة الأخوان الذين كانوا أول من شرف زنزانات سجن كوبر علي عهد مايو الأول ولما كنت اعرف كل ذلك من خلال توثيقنا لتاريخ الحركة من مقابلات مع قيادات الأخوان ومع الأستاذ بابكر كرار فقد عجبت ان يتطرق جعفر شيخ إدريس لذكري بابكر كرار بسيئ التهمة لينال من الترابي نيلا يخمد به بعض اللهيب المتأجج .

    ما جلس د. جعفر شيخ إدريس مجلسا إلا كان الترابي مذكوراً بلسان الذم في ذلك المجلس وهو يردد دائماً انه لا يحمل للرجل ضغنا ولا كراهية ولكنها الغيرة علي الحق والموجدة علي الباطل ، ولكن القارئ العادي ، لن يفوته ما في العبارات من مختزن الغل القديم وما من شاهد من شهود تاريخ الحركة الإسلامية إلا ويشهد بأنه ما استجر صراع ولا اشتعل خلاف داخل الحركة الإسلامية يستهدف قيادة الدكتور الترابي إلا كان الدكتور جعفر شيخ إدريس هو النافخ لكيره وكانت معركته الأولى بعد مجيء الدكتور الترابي فأرسل برقية يعترض علي زعامة الترابي للجبهة الوليدة (جبهة الميثاق) ولكن الترابي انتخب بالإجماع لرئاسة الجبهة في نوفمبر ولم يكن يوجد له منافس آنذاك وكان اقرب الناس للمنافسة الشهيد محمد صالح عمر والذي شارك د. الترابي في إشعال نار ثورة اكتوبر إلا ان محمد صالح عمر لم يكن رجل سياسة وكان يؤثر المنهج التربوي علي العمل السياسي العام .

    الشهيد محمد صالح عمر وثنائية القيادة

    جاء جعفر شيخ إدريس من لندن ولم يقبل الانضمام للمكتب التنفيذي الذي يقوده الترابي تحججا (العهدة علي الشيخ يس عمر الأمام) بعدم توفر السيارة والمكتب ولكنه رغما عن ذلك ظل يثير المشاكل للجبهة الوليدة من خلال تصريحاته في الكافتيريا ومن خلال لقاءاته بالإخوان زاعماً بأن جبهة الميثاق قد نقضت نسيح الحركة الإسلامية وان عملها السياسي يتقدم خصماً علي البناء التربوي وكانت هذه الحجة ذات تأثير لا سيما وان رجلا بوزن الشهيد محمد صالح عمر كان يقول بها .. وقد كان الشهيد محمد صالح عمر من أروع الناس وازهدهم في كل منصب علي الرغم من قبوله المنصب الوزاري في حكومة اكتوبر بعد عزم وتصميم الحركة علي ان يمثلها محمد صالح ، كان محمد صالح عمر أستاذا للشريعة بكلية القانون عابدا زاهداً جلداً صبوراً مقيماً علي ما استبان له من وجوه الحق وعلي الرغم من خلافه مع الدكتور الترابي في مسالة منهج الحركة هل الأولوية للحركة السياسية أم للتكوين التربوي فقد ظل كريماً في فعله عفيفاً في قوله وعندما اعتقلت قيادة الحركة عقب اندلاع مايو أرسل مؤكداً ولاءه لقيادة الحركة المعتقلة علي الرغم من وجوده في الأردن وهو يخوض الجهاد لتحرير فلسطين . كتب (أبو معاذ) وهو اسمه الحركي في الجهاد طالباً التعليمات وعندما وردت التعليمات لم يتوان لحظة واحدة في قيادة حركة جهادية انتهت باستشهاده مع الأمام الهادي في الجزيرة أبا 1970م ولم يذكر أحد من الناس محمد صالح عمر إلا بالخير لذلك فقد شهدت له في نفسي بالإيمان وقلت تأسيا بالرسول المصطفي e (وجبت) عندما اثني المؤمنون علي جنازة مارة بالخير الكثير أي (وجبت له الجنة) بأذن الله .

    كان وقوف محمد صالح عمر علي رأس المنادين بمنهج التكوين التربوي في مقابلة التعجيل بالعمل السياسي سببا في انقسام الرأي داخل الحركة بين هذا التيار وذلك التيار ولذلك لم يجد جعفر شيخ إدريس مشكلة في السباحة مع التيار الآخر علي الرغم من أن أحدا من الناس لا يذكر انه من دعاة المدرسية التربوية قبل تزعم الترابي لجبهة الميثاق بل ان المشهود المعلوم أن د. الدكتور الترابي هو الذي كان أمره من دعاة النهج التربوي اخبرني بذلك الأستاذ بابكر كرار وأكده لي الدكتور الترابي بنفسه ولعل خروج الترابي إلى بريطانيا ثم فرنسا قد فتح عيونه علي حجم التحدي المطروح أمام الإسلام والذي لا يصلح معه المنهج الصوفي التربوي الصبور بل يحتاج إلى منهج التصدي والتفاعل السياسي .

    ركب جعفر شيخ إدريس موجة الخلاف التي انتهت بالاتفاق علي ثنائية القيادة بحيث يتولى الترابي شان جبهة الميثاق الإسلامي ويتولي الشهيد محمد صالح عمر شأن جماعة الأخوان من حيث التكوين الفكري والتربوي ومضي الأمر علي وفاق لم يسعد به الرجل الآخر ذلك انه يري أن جبهة الميثاق كانت تتقدم من نجاح إلى نجاح اكبر وكان يري أن مشروعات التكوين التربوي تصادف نجاحاً مذكراً وان نجم الترابي ما خبأ ولا انطفأت وقدته ولذلك فقد تحرك بنشاط كبير لا سيما بعد سفر الشهيد محمد صالح عمر في فبراير 1969م للجهاد في فلسطين فتحرك تحت مظلة التنظيم للدعوة إلي مؤتمر لإنقاذ الحركة وبذل جهود محمومة لإثارة حنق الأخوان علي الترابي الذي أضاع الحركة بالتحالف مع قوي مشبوهة (كما يزعم) وبإهماله للمسألة التربوية (كما يزعم) ولأبعاده قيادات الأخوان التاريخية (استغلت مسألة تغيير قيادة صحيفة الميثاق من صادق عبد الله إلي يس عمر الأمام وعبد الرحيم حمدي) وتم لجعفر شيخ إدريس ما أراد وانعقد المؤتمر ودخان الفتنة ينعقد فوق الرؤوس ..

    تحركت جبهة الميثاق الإسلامي بحركية واسعة تفوق حجم تمثيلها البرلماني وانفتحت الفرص أمامها بعد طرد الحزب الشيوعي من البرلمان وبعد انقسام حزب الأمة وخروج الصادق المهدي لمعارضة حكومة الائتلاف بين جناح الهادي والحزب الاتحادي والتي يقودها المحجوب ونشأ اثر ذلك تحالف القوي الجديدة الذي ضم جبهة الميثاق وحزب الأمة جناح الصادق وحزب سانو (وليم دينق) وكانت الجبهة اقدر الشركاء الثلاثة علي التخطيط والحركة مما أضفى عليها ضوءاً إعلاميا كبيراً . بيد أنه وعلي الرغم من النجاحات المضطردة وعلي رأسها سعي الجبهة لتوحيد حزب الأمة علي ضؤ ميثاق لتحكيم الشريعة وما عقب ذلك من بيان لحزب الأمة جناح الهادي من ضرورة استكمال إصدار الدستور الإسلامي قبل نهاية العام (1969م) وقيام الانتخابات الرئاسية في العام (1970م) وقد كان لجبهة الميثاق الدور الأكبر في حث حزب الأمة علي التوحد في ظل البرنامج الإسلامي بيد أن هذا النجاح نفسه هو الذي أوعز بعض الصدور علي الجبهة ، المجموعات اليسارية صنفت الجبهة في خانة اخطر الأعداء ومجموعات المعارضة الداخلية وعلي رأسها جعفر شيخ إدريس اعتبرت ان هذه الجهود تصب في بناء حزب الأمة علي حساب بناء الحركة الإسلامية وتحركت الجبهتان في آن واحد فاليسار كون تحالفاً لمقاومة إصدار الدستور الإسلامي ورفض التوجه الرئاسي في الحكم وإعادة الشرعية للحزب الشيوعي وكان الشهيد محمد صالح عمر اكثر المحذرين من أن اليسار يدبراً أمرا لتعويق التحرك المتسارع نحو الإسلام ولذلك فقد دعا ثلة من الأخوان للانطلاق للجهاد معه في فلسطين لاعداد نواة للحركة الجهادية في السودان والتي كان يتوقع أن يأتي أوانها إذا ما إنقض اليسار علي الديمقراطية بمساندة عبد الناصر (وقد حدث ذلك باسرع من التوقعات جميعاً) ..

    أما جبهة المعارضة الداخلية فقد تحركت بحماسة متزايدة وبقائمة كبيرة من التهم التي تكال لأمين عام جبهة الميثاق .

    1/ أولها تدمير حركة الأخوان المسلمين واستبدالها بإطار سياسي لا ينهض بالتكوين الثقافي ولا البناء التربوي وتمثل ذلك في موات التنظيم الداخلي وتقلص الأسر وإهمال النشاط التربوي للحركة .

    2/ ثانيا تسخير د. الترابي الحركة لمصلحة أصهاره في حزب الأمة ربما توطئة لالحاق الحركة بالحزب في مرحلة متقدمة .

    3/ أفكار الترابي الشاذة لا سيما في قضية تحرير المرأة وتبنيه لاطروحات في هذا المجال لا يوافق عليها غالب الأخوان .

    كان د. جعفر شيخ إدريس علي رأي هذا التحرك الذي انتهي بدعوة تبناها بعض أعضاء مجلس الشورى من المعارضين للترابي وذلك لانعقاد المؤتمر العام وقد بذلت جهود محمومة من قبل مجموعة المعارضين لتعبئة الأخوان ضد قيادة د. الترابي وكان الاقتراح ان تتقدم الجبهة بقيادة جديدة تولي الجانب التربوي والتنظيمي الداخلي جل عنايتها ولكن هذه المجموعة كما حدث (الشيخ إبراهيم السنوسي ) كانت تعلم ما يكنه الأخوان من تقدير كبير للترابي ولذلك بنيت الخطة علي نسق خطة عمرو بن العاص لنزع علي بن أبى طالب وذلك بإثارة أجواء خلاف شديد داخل المؤتمر ثم الدعوة إلى تلافي الفتنة بإسناد الأمر إلي شخصية مرضية بين الطرفين وكان الاقتراح ان يسند الأمر إلي الأستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد وذلك لأكثر من سبب .

    صادق عبد الله الزعيم البديل

    كان الأستاذ صادق معروفاً ومقبولاً من غالب الأخوان وذلك لأسباب عديدة فالأخ صادق كان اجتماعيا من الطراز الأول وكانت تربطه صلة مباشرة بجل الأخوان وكانت داره مجمعاً للقاءات الأخوان واسمارهم ، ومن جهة أخرى كانت المجموعة التي تدعو إلي علاقة أوثق بحركة الأخوان في مصر تري فيه الرجل الذي بإمكانه تحقيق ذلك بسبب انه واسع الصلات بإخوان مصر فقد درس الثانوية والجامعة في مصر ثم أنه اخذ البيعة عن حسن البنا وهو يمثل الشرعية من هذا المنطلق (لمن يقولون بأن الشرعية في وجود المرشد في مصر والمراقب في السودان) ثم أن الصادق عبد الله كان من أهم الأسماء في أوساط مجموعة القيادة الجماعية قبل حضور دكتور الترابي للسودان وإلغاء نظام القيادة بالتناوب بعد حضوره ثم ان الصادق عبد الله كان زعيم المعارضة الإسلامية في البرلمان وذلك بعد إخفاق الترابي في دائرة المسيد وذلك عندما وقع التآمر الأول لإسقاطه" وقع تحريض عبد الرحمن النور حتى لا ينسحب للترابي علي الرغم من اتفاق التنسيق بين الجبهة وجناح الصادق وساندت كافة الأحزاب الأخرى شيخ مضوي محمد أحمد والذي لم تتقاعس عند استخدامه مواهبه الاتحادية للفوز علي (الدكتور) بكل طريقة ممكنة " ..

    كان صادق عبد الله عبد الماجد زعيم المعارضة البرلمانية من الإسلاميين ولذلك قالت تلك المجموعة فمن الطبيعي أن يلي منصب الأمين العام للجبهة ذلك لكونه كما يقولون الناطق باسم الجبهة في البرلمان فلذلك لينطق باسمها خارج البرلمان لا سيما وانه ليس شخصية خلافية مثل الترابي . ثم ان طائفة من الأخوان مقدرة كانت تري ان أبعاد الصادق عن رئاسة تحرير جريدة الميثاق الإسلامي وإسنادها إلي يس عمر الأمام فيه ظلم لصادق الذي أسس الصحافة الإسلامية في كل مراحلها ..

    وهكذا كانت الخطة جيدة الحبكة وكان الزعيم البديل شخصاً مقبولا وكانوا يعلمون كراهية الإسلاميين عامة لأجواء الخلاف واستعداداتهم للعبور فوق هذه الأجواء من خلال شخص محايد بين أطراف الخلاف وكان جعفر شيخ إدريس الذي تولي كبر ذلك يعلم تماماً انه سيكون الرجل الآخر خلف صادق عبد الله عبد الماجد وأنه لن يعجزه بعد أبعاد الترابي إذا بعد عن القيادة سوف يتصرف كما يتصرف الرشيد الطاهر الذي كان أمينا عاماً مفوضاً للحركة وخرج بعد اكتوبر ليكون الرجل الثاني بعد الترابي وعلي الرغم من الترضيات التي بذلت له ليرضي بهذا المقام (جعل زعيماً للمعارضة الإسلامية في البرلمان علي الرغم من وجود الترابي بالجمعية آنذاك وقبلها جعل وزيراً في حكومة الانتقال) كان جعفر يظن أن الترابي إذا أبعد سوف يذهب لحزب الأمة كما ذهب الرشيد للحزب الاتحادي متناسياً أن الترابي قد آثر الانتماء للإسلاميين عندما كان بوسعه أن يكون رئيسا لوزراء حكومة اكتوبر .

    وانتظم المؤتمر العام للإخوان المسلمين في نادي أمد رمان الثقافي في أبريل 1969 وكما خطط له ودبر فقد انعقد الاجتماع في أجواء من الخلاف الشديد وتضاؤل الثقة بين الفريقين وسط اتهامات متبادلة بالتآمر والتصَّيد في المياه العكرة وكان جعفر شيخ إدريس واثقاُ من الانتصار ولكن كان ما كان مما لم يكن في الحسبان .

    إلتام شمل المؤتمر ليكتشف غالب الأعضاء ان المؤتمر إنما اعد أعداد لإحداث تغيير جذري في إستراتيجية الحركة وفي قيادتها فالجهات التي تولت الدعوة للمؤتمر هي المجموعة التي كانت تدير شأن التنظيم الداخلي منذ أن غادر الشهيد محمد صالح عمر إلي الأرض المحتلة مجاهداً وكان يدعو إلي الحيطة والحذر وأعداد العدة الجهادية لأن هنالك قوي محلية (الشيوعيون) وقوة إقليمية لا تقبل بما يجري في السودان سوف تعمل علي إبطال السعي نحو الدستور الإسلامي ولذلك فقد دعا محمد صالح عمر علي إرسال كتائب الأخوان للجهاد في فلسطين لتنال قسطها من الجهاد في القضية الأولى للمسلمين ولتكون علي أهبة للدفاع عن السودان ضد الهجمة الشيوعية اليسارية المتوقعة وكان داخل المؤتمر مجموعة تري بذلك الرأي وتدعو إلي إعطاء الجهاد الأولوية القصوى في الاعتبار.. كانت المجموعة الثانية والتي نشط في أوساطها جعفر شيخ إدريس واستنفر شباباً من جامعة الخرطوم كانوا قد ابتدروا منهجا يرتكز أساسا علي حفظ القرآن وتزكية النفس ودراسة كتب السلفيين (أبن تيميه وأبن القيم الجوزية) وكان علي رأس هؤلاء جعفر ميرغني ولمع في أوساطهم احمد محجوب حاج نور . و مجموعة الجامعة ثم المجموعة (المصرية ) التي تدعو إلي مزيد ارتباط بالتنظيم المصري ثم مجموعة التربويين (دعاة منهج التربية أولا ولتؤجل السياسة الآن).

    وجد هؤلاء الفرصة .وكان جعفر شيخ إدريس هو الناطق باسم هؤلاء جميعاً وحدثني أحد الحضور إن جعفرا قد رسم دائرة تنبثق عنها دائرة أخرى وتنبثق عن الدائرة دائرة ثم إن جعفر قال أن دائرة الأصل هي التربية ثم الفكر والثقافة ثم السياسة ولكن أحد الأخوان قاطعه وأنت يا جعفر أين أنت ؟؟ وهكذا كان يبدو لعدد غير قليل نوعية الدوافع التي تحرك جعفرا لتزعم مدرسة التربية علي كونه لم يكن في يوم من الأيام مؤهلاً لذلك ولا مهتما به . وقد اقترحت مجموعة المعارضة علي الصادق عبد الله عبد الماجد ان يتولى الأمر جميعاً (قيادة الجبهة والتنظيم والاخواني) ولكن الصادق اعتذر واعلن ان الترابي اكثر أهلية لذلك وطلب جعفر شيخ إدريس من جعفر ميرغني ان يبسط يده ويبايعه (كان جعفر ميرغني طالباً بالجامعة آنذاك) ولكن الأخير لم يبسط يده للبيعة الجعفرية . وانفجر عبد الرحيم حمدي غاضباً معلنا عن المؤامرة المهيأة وأن ثمانية عشر عضوا في المؤتمر قد بيتوا أمرا هنالك انفرط عقد النظام في المؤتمر الذي كان يقوده مولانا دفع الله الحاج يوسف واختلط الحابل بالنابل وفجأة انطلق صوت جهوري يصدع بآيات من سورة (ق) كان ذلك يس عمر الأمام صمت الجميع واستمعوا إلي (قاف) كأنهم لم يسمعوها من قبل وانهمرت دموع كثيرة وعانق بعضهم البعض الآخر وانفضت الجلسة المائجة ..

    انعقدت الجلسة وقد هدأ الخلاف وتقرر أن تتوحد قيادة الحركة تحت رجل واحداً أيا كان ذلك الرجل . فجرت الانتخابات وحصل د. الترابي علي كل الأصوات عدا أربعة أصوات ذهبت لجعفر شيخ إدريس (لعل صوته واحد منها) وانفض ائتمار الأخوان بذهاب ريح المؤامرة التي أريد لها ان تطيح بالترابي فإذا به تجمع له الرئاستان في سدة واحدة . الدكتور حسن مكي في كتابه حركة الأخوان المسلمين في السودان 1944 –1969 (في تتبع لمسار الخلاف ونتائجه اتضح ان الخلاف ما كان حول مبادئ بعينها وإنما كان الصراع يدور أساسا حول قيادة التنظيم ، أي ذات فكرة (الغنائم) التي قسمت المسلمين في أحد وأدت إلي تنازعهم وفشلهم . لذا فما أن فازت الحركة –حركة الأخوان السودانية – بنصيب من السلطات حتى اطل الصراع ولعل التيار الذي كان علي قيادته جعفر شيخ إدريس ، مالك بدري ، عبد الرحمن رحمة ومحمد مدني سبال رأي أنه مهمش في التنظيم بعيد عن مكان صنع القرار وأن وضعه في التنظيم لا يتناسب وقدره وبلاءه لذلك فقد اختار أن يدخل في معركة ويغلفها بأنماط من المبادئ الفضفاضة بدلا من المواجهة ببرنامج تغيير سياسي اجتماعي إسلامي .. وقد حاول هذا التيار في مؤتمر 1969 تقديم صادق عبد الله عبد الماجد كبديل يتفق عليه الأخوان بدلا من قيادة حسن الترابي ولكن صادق حسم الأمر برفض المبدأ ولذلك كان من الطبيعي أن يحسم المؤتمر الصراع لصالح عناصر المستقبل ذات القدرة علي التحليل والرؤية) انتهي كلام د. حسن مكي .

    انفض المؤتمر وسادت شائعة قوية ان جعفر شيح إدريس قد استقال وأنه بصدد الانضمام للحزب الاتحادي وقد اضطر جعفر لإصدار بيان يؤكد فيه أنه لا ينوي التخلي عن الحركة الإسلامية ولكن في حقيقة الأمر فقد انتهي الأمر إلي تجميد طوعي لعضويته في الحركة الإسلامية والتي دخلت في أجواء معارك عاصفة بدأتها بحملة مكثفة علي النشاط الماسوني بالبلاد والذي بدأ يحرك حملة مضادة ضد التوجهات الإسلامية بالسودان هذه التوجهات التي تبلورت في بيان الأحزاب الشهير في مايو 1969 والذي وقعت عليها الأحزاب السياسية بالبلاد داعية لاجازة دستور جديد إسلامي المعالم وأن يكون الحكم فيه رئاسياً .. وكانت رئاسية الحكم موضع إجماع من الأحزاب الكبرى التي تهيأت لانتخابات جديدة وفق الدستور الجديد في العام 1970 وكان حزب الأمة يهيئ نفسه للدخول للمعترك الانتخابي موحداً بعد مؤتمر أبريل 1969 الذي جعل رعاية الحزب من نصيب الأمام الهادي وأعطي الرئاسة للصادق المهدي وحلت المشاكل المعلقة بين الجناحين وكانت جبهة الميثاق اسعد الجبهات بهذا الوفاق داخل حزب الأمة لأنه أعطى دفعة قوية لمشروع الدستور الإسلامي إلا أن الأمر الذي اسعد رجال الجبهة قد اغضب رجال اليسار خارج وداخل القوات المسلحة وكان هنالك شعور قوي يكتنف الجميع بأن البلاد مقبلة علي تغيير كبير سوف يستبق إجازة الدستور ففي تلك الفترة نشطت الدعوات الجهوية (حركة سوني – حركة جبال النوبة –حركة مؤتمر البجا ، مؤتمر دار فور الخ) ولم يعد يخفي علي أحد ان هذه الأحزاب الجهوية بدأت التحرك في الجبهة العسكرية بعد ان كان عملها مقتصراً علي المجال السياسي .

    من الناحية الأخرى كانت أحزاب اليسار شيوعية وقومية تتجرع المرارات فهزيمة العرب في الشرق الأوسط كانت تقتضي لملمة القوي الثورية من جديد وإجراء مراجعات كبيرة في الجغرافيا السياسية والوضع السياسي في المنطقة أما الحزب الشيوعي فقد خسر الحرب السياسية واصبح علي شفا خسران القضية الأيديولوجية بانتصار خيار الدستور الرئاسي الإسلامي والذي يمهد لسلطان حزب الأمة الموحد المتحالف مع الجبهة الإسلامية التي تمددت في مجالات الطلاب والنقابات ونافست الحزب الشيوعي في الميادين التي لم يكن يجد فيها متحديا ولا منافساً . وكان مايو 1969 شهراً ملتهبا بالحرارة ، حرارة الطقس اللاهب وحرارة المناخ السياسي الذي حفل بأحداث كبيرة جمة ولكن اكبر تلك الأحداث كلها اخذ زمانه أمسية الخامس والعشرين من الشهر اللاهب ليبدأ حقبة جديدة في التاريخ السياسي في السودان وفصلا جديداً من فصول العمل الإسلامي تبدأ أول أحداثه بقدوم د. الترابي ليكون أول سجين يضمه سجن كوبر بعد ان صكت الموسيقي العسكرية آذان أهل السودان مؤذنة بعهد جديد ..



    الحركة الإسلامية 00 ونظام مايو
    جاءت مايو تكتلاً كاملاً لقوي اليسار في السودان وكان الحزب الشيوعي السوداني أبرز هذه القوي وذلك لتمتعه بسند عدد من النقابات القوية وعلي رأسها نقابة السكة الحديد وتمتعه أيضا بأقوى تجمع عسكري موال داخل القوات المسلحة السودانية ، بيد أن هذه الميزات لم تنتقص كثيراً من أهمية الدور الذي اضطلعت به القوي العروبية في النظام الجديد فالقائد السياسي للنظام الجديد كان الأستاذ بابكر عوض الله الذي جاء رئيساً للوزراء وكان يشغل من قبل ذلك منصب رئيس القضاء حتى استقال منه بسبب المسألة الدستورية المتعلقة (باحترام البرلمان للسلطة القضائية) وذلك في أعقاب رفض الجمعية التأسيسية تنفيذ الحكم القضائي الذي أصدره القاضي صلاح حسن لصالح النواب الشيوعيين بالجمعية التاسيسية . شغل بابكر عوض السوداني الأوحد الذي شغل الرئاسة للسلطات الثالث القضائية والتشريعية التنفيذية وبهذه الخبرات وبالمساندة الدولية الآتية من كونه الرجل الأول الذي كان يحظى بمساندة القاهرة علي عهد عبد الناصر وبالتالي مساند النظم الثورية بالمنطقة علي الرغم مما يبدو من نفوذ ظاهر للحزب الشيوعي وما يبدو من ثقل ظاهرة للمؤسسة العسكرية الحاكمة ومما أعطى هذا الموقف قوة إضافية أن غالبية أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا ثوريين عروبيين اكثر منهم ماركسيين وقد اتضح فيما بعد في أزمة نوفمبر 1970 أن الأعضاء الملتزمين بالحزب الشيوعي في المجلس هم الأقلية بينما توزع بقية أعضاء المجلس إلى تيارات قومية ذات هوي قاهري أو بغدادي أو دمشقي وكان اشهر القاهريين بالمجلس خالد حسن عباس وكان حمد الله بغدادي الهوى ومامون دمشقي الهوى أو هكذا راج في أوساط السياسيين آنذاك أما رئيس المجلس جعفر نميري فقد كان ثوريا يسارياً ولم تكن له صلة خاصة بأية جهة ما بيد أنه كان يتمتع بوضع قيادي داخل القوات المسلحة وفي أوساط ما عرف آنذاك بتكتل الضباط الأحرار(تكتل ضباط اليسار)..

    الحركة الإسلامية لم تكن غائبة عن القوات المسلحة تماما ففي أوساط هذه المجموعات من الضباط كان هنالك عدد من المنعطفين تلقاء التيار الإسلامي ولكنهم كانوا أقلية لا يعينها المناخ السياسي والاجتماعي علي الظهور والحركة بيد أن الضباط الإسلاميين كانوا يرقبون ما يجري من تحرك نشط لتجمع قوي اليسار باتجاه الإطاحة بنظام الأحزاب القائم ..

    وقد نشر الأستاذ يس عمر الأمام مقالا نوه فيه إلي الحركة الدائبة في القوات المسلحة لتجميع قوي اليسار باتجاه الإطاحة بالنظام الديمقراطي وذكر أن هذه الجهود ينسقها عقيد اسمه جعفر محمد نميري . وبعد نشر المقال تقدم جعفر محمد نميري بشكوى ضد صحيفة الميثاق الإسلامي وضد يس عمر الأمام وكان محامي جعفر نميري هو الأستاذ بابكر كرار المحامي . ولأعجب فالأستاذ بابكر كرار المحامي هو زميل الصف الدراسي لجعفر نميري في حنتوب الثانوية وقبول بابكر كرار للترافع عن جعفر نميري في مواجهة يس عمر الأمام كان يعكس المعسكرات السياسية في ذلك الوقت حيث كان بابكر كرار يصنف حزبه الاشتراكي الإسلامي داخل إطار القوي الثورية التقدمية في العالم العربي وكان يتمتع بعلاقات واسعة مع المثقفين العروبيين بينما كان يعتب علي إخوانه بالأمس في (حركة التحرر الإسلامي)موقفهم الموالي للقوي الرجعية (الأحزاب الطائفية) وموقفه المعادي لجمال عبد الناصر وصلاتهم الودودة مع الملك فيصل الذي كان يحتضن القوي الإسلامية في المنطقة بل وانشأ لها منظمات دولية هي منظمة التضامن الإسلامي ثم الندوة العالمية للشباب الإسلامي وقد انعقدت المحكمة لأكثر من مرة لمحاكمة يس عمر الأمام الذي ادعي علي نميري العمل علي إسقاط النظام الديمقراطي وشهدت المحاكمة ملاسنات بين يس عمر الأمام وبابكر كرار بيد أن القضية ماتت تدريجياً مع انشغال نميري وضباطه الأحرار بتحقيق نبوءة يس عمر الأمام علي ارض الواقع . لذلك لم يكن عجيباً أن أول من وطئت رجله سجن كوبر ليجد رفيق كفاحه الإسلامي يدلف معه في ذات الوقت للسجن كان يس عمر الأمام ..

    ما بين يس عمر الأمام ومحمد صالح عمر
    كان هناك اكثر من سيماء شبه بين يس عمر الأمام ومحمد صالح عمر بل وبابكر كرار فقد كان يس عمر الأمام ثورياً حامي الأنفاس ولا يزال وكذلك كان محمد صالح عمر وبابكر كرار ولكن كل واحد من الرجال الثالثة كان ذا نكهة خاصة فبابكر كرار كان ميالاً للأيدلوجيا وكان عروبيا متطرفاً وكان اشتراكياً اكثر من دهاقنة الاشتراكية الماركسيين وكان بابكر كرار مترهباً في محراب العروبة والاشتراكية ولكنه كان يريد ذلك في قالب إسلامي ولعله أول من نادي بالدمج بين الدعوة للبعث العربي والبعث الإسلامي لأنهما وجهان لعملة واحدة هي نهضة الحوض العربي الإسلامي ..

    أما محمد صالح عمر فقد كان ثورياً إسلاميا آثرت ثقافته الشرعية العميقة علي رؤاه الفكرية فكانت فكرة الجهاد الإسلامي هي الفكرة المسيطرة علي سائر التوجهات لديه ولكنه كان يؤمن بدور عربي خاص في مشروع البعث الإسلامي وكان يري أن الجهاد الإسلامي سوف ينبثق من قضية فلسطين وكان رأيه في هذا مطابقاً لرأي الأمام حسن البنا رحمه الله والذي كان يري إن الجهاد في فلسطين هو مفتاح البعث الإسلامي في كل مكان بيد أن محمد صالح عمر كان من دعاة التكوين التربوي الذي يركز علي بناء صف مخصوص ولم يكن من دعاة الحركة السياسية الواسعة التي لا ترتكز علي البناء التربوي المعمق للكوادر . أما يس عمر الأمام والذي بدأ ماركسيا ثورياً بإحساس قوي تجاه نصرة الفقراء المستضعفين وكان مدخله للحزب الشيوعي من هذا الباب فقد تحول بسبب نفوره من السلوك الاجتماعي غير المنضبط للشيوعيين وهو ابن أسرة دينة معروفة تحول للاتجاه الإسلامي ولكن بذات الأيدلوجية الاجتماعية ربما بذات المنهج الحركي الشيوعي ولذلك فلم يكن عجيباً أن يكون يس عمر الأمام أول متفرغ للعمل التنظيمي فقد استقال من عمله أستاذا للرياضيات ليتفرغ لبناء الكادر الإسلامي في أم درمان ثم في مدينة عطبرة في أوساط عمال السكة الحديد وقد عاني بسبب ذلك الآمرين فلم يكن المجتمع السوداني بل المجتمع الحركي متفهما لمسألة التفرغ التنظيمي إلا أن يس صبر علي ذلك حتى صار هو وزميله توفيق طه من أعرق وأعتق المفرغين للعمل التنظيمي ونهضاً في ذلك السبيل بجهود هائلة وقاماً بإنجازات كبري لا يعلمها إلا القليل .. كان يس ثورياً اجتماعياً وكان عروبياً وكان هو الوجه الذي كان ولا يزال يمثل الحركة الإسلامية في الأوساط العربية ولذلك كان الرقم الأول في العلاقة مع ثورة الجزائر والرقم الأول في العلاقة مع الثورة الإريترية والرقم الأول في العلاقة مع الحركات الثورية الفلسطينية .. وكان يس هو الساعد الأيمن للدكتور الترابي سياسياً وإعلامياً وعلي الرغم من أنه كان دائماً أقل صبراً علي مماحكات العمل السياسي وكان ميالا للتغيير الثوري علي حساب التغيير التراكمي وكان كافراً دائماً بمقدرة الأحزاب علي تطوير أنفسها ديمقراطيا ولكنه علي الرغم من كل ذلك فقد شكل السند الأقوى لاطروحات د,. الترابي السياسية بل والفكرية علي الرغم من كثرة تصريحاته بأنه لا يحسب نفسه في قبيلة أهل المثاقفة والفكر ولكن وقفة يس عمر الأمام إلي جانب الترابي في المحكات الكبرى مثل قضية المرأة مثل قضية المصالحة مع نظام النميري بما يمتلك من رصيد هائل من ثقة الأخوان به .. كان ذلك السند دعما لاطروحات الترابي قد لا يقدره الكثيرون حق قدره .. وقد ظل يس يأتي دائماً في المقام الثاني في كل انتخابات الأمين العام حيث كان الأخوان يصممون أن تجري الانتخابات ولا يكتفي بالإجماع السكوتي وعندما قدمت الجبهة الإسلامية القومية علي عثمان نائباً للامين العام كان ذلك بدعم ومساندة من يس عمر الأمام وكان الجميع يرتكنون إلي حماسته في تقديم جيل جديد من القيادة ولولا تراجعه النبيل هذا عن مقعده بجوار الدكتور الترابي لما تقدم عليه أحد ولا قدم الأخوان علي أحد أبدا ..

    في المعتقل
    كان ذلك مساء الاثنين 25 مايو عندما تحركت السيارات تحمل مجموعات من الإسلاميين إلي معتقل كوبر وكان علي رأس هؤلاء حسن الترابي ويس عمر الأمام وصادق عبد الله عبد الماجد ، عبد الرحيم حمدي وكل الكوادر السرية من أمثال توفيق طه ، عثمان عبد الوهاب وآخرين وفي اليوم التالي طالت القائمة الصف الثاني والثالث من الحركة حتى قيادات الطلاب بالجامعة ولكن اسماً واحداً من القيادات لم يعتقل وكان ذلك جعفر شيخ إدريس والذي اختفي ليوم أو يومين ولكنه استطاع بمساعدة الأستاذ بابكر كرار ان يلتقي بجعفر نميري في خواتيم الأسبوع الأول من الثورة ثم التقي من بعد ذلك بفاروق حمد الله وزير الداخلية والذي كان يتردد في الأوساط السياسية أنه ماركسي ملتزم ولكن الأحداث أبانت فيما بعد أنه اشتراكي عروبي علي الرغم من مساهمته في انقلاب 19 يوليو الذي قاده الشيوعيون بعد عاميين فقط من الثورة والذي أسموه ثورة تصحيحية لتأسيس سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية .

    جعفر شيخ إدريس زعم انه عندما التقي بالنميري طلب إليه أن ينقض تحالفه مع الشيوعيين وهذا زعم غير مستغرب من رجل منسوب إلي قيادات الحركة الإسلامية ولكن كل الظروف السائدة آنذاك ثم مقابلة جعفر لفاروق حمد الله (وزير الداخلية آنذاك) لا تؤيد هذا الزعم ..فأولا بابكر كرار الذي قاد جعفر لمقابلة جعفر لم يكن يستبعد الحزب الشيوعي من الجبهة التقدمية التي ينتسب إليها حزبه الاشتراكي الإسلامي ولم يكن رأيه السياسي مطابقاً لرأي جبهة الميثاق حول أسلوب التعامل مع الحزب الشيوعي السوداني وكان بابكر كرار يري ان الحزب الشيوعي السوداني قوة سياسية وفكرية مقدرة في أوساط المثقفين السودانيين وليس من الواقعية السياسية التعامل معه بأسلوب الأبعاد والإقصاء ثم ان الحزب الشيوعي السوداني تتبناه قوة عظمي هي القوة الراعية للتحالف التقدمي العربي وليس من العقل ان تغضب قوة سياسية ذات نظر إستراتيجي الاتحاد السوفيتي الذي كان لا يذكر اسمه آنذاك في العالم العربي إلا وتضاف إليه كلمة (العظيم) ، الاتحاد السوفيتي العظيم . وأكاد اقطع جازماً أن الأستاذ بابكر كرار ما كان ليصحب جعفر شيخ إدريس لمقابلة نميري ليحدثه هذا الأخير عن ضرورة استبعاد الحزب الشيوعي بل ما اذكره ان الأستاذ بابكر كرار كان يسعى إلي فتح حوار بين عبد الخالق محجوب وجبهة الميثاق التي كان الشيوعيون قد بداوا يضعون لها اعتبارا ويستشعرون خطرها بعد تحركها التكتيكي الخطير في إنشاء جبهة الأحزاب وتفتيت جبهة الهيئات بتكوين جبهة نقابات مضادة ثم بإشعالها للرأي العام المناوئ للشيوعية مما أدي إلي إجماع الأحزاب علي طرد النواب الشيوعيين من البرلمان وتحريم الشيوعية في السودان

    إذا لم يكن جعفر قد طلب فك الارتباط مع الحزب الشيوعي فما الذي قاله جعفر لجعفر . أذن ارجح الاحتمالات أن يكون قد حدثه عن علاقته بالحركة الإسلامية (التي لم تكن علي ما يرام) ربما اخبره أنه لم يعد عضوا فيها وربما يكون قد أدان التحالف الرجعي بين الترابي والصادق المهدي وربما يكون قد اثني علي نموذج الإسلام الاشتراكي الذي يتبناه بابكر كرار، تبقي كل هذه مجرد احتمالات ولكن الحقيقة الماثلة تبقي ان جعفر شيخ إدريس الذي التقي نميري في أيام الثورة الأولى قد استبعد تماما من قائمة الاعتقالات ولم يعتقل ( إلا بعد اكثر من عامين ولذلك حديث آخر) ثم ان جعفر التقي بفاروق حمد الله الذي لم يكن كادراً فكرياً عسكرياً وكان وزيراً للداخلية ولماذا ياتري التقي جعفر شيخ إدريس بوزير داخلية انقلاب مايو؟ يمكن لجعفر أن يجيب علي هذا السؤال وسنحمل إجابته علي محمل الجد ولكننا علي أية حال لن نقبلها إلا بعد التمحيص والاختبار ( فالرجل ليس من رواة البخاري علي أية حال) ..

    كانت الحركة الإسلامية تلتقي في السجن كهولا في أول سني الكهولة وشبابا في أول سني الشباب وكان جعفر شيخ إدريس ، الذي كان فيما سبق حريصاً علي أن يكون درة كل محفل للإخوان ، كان جعفر غائبا عن هذا الملتقي الاخواني وكان الأخوان في السجن إذا اجتمعوا تحدثوا في السياسة وإذا افترقوا انفردوا لتلاوة القرآن أو لمذاكرته ثنائياً ..

    وفي السجن كان حسن الترابي يعي الصورة جيداً وأول ملامح هذه الصورة ان مصر التي ظلت تضطلع بدور خفي وهام في السياسة السودانية عبر نفوذها علي بعض الأحزاب وعلاقاتها المرسومة مع بعض الأفراد والمؤسسات . مصر قد قررت أن تعيد ترتيب تحالفاتها في السودان فالتحالف السياسي الرئيسي لمصر في السودان كان مع طائفة الختمية وحزبها (حزب الشعب الديمقراطي) أو عناصر هذه الطائفة وهذا الحزب إذا اندمج هذا الحزب فيما يسمي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يجمع إلى اتباع الطائفة الوسطي لكن كان من الواضح أن مصر قد أثرت أن تستغني في تلك المرحلة عن تحالفها مع هؤلاء لتتعامل مباشرة مع القوي العروبية التقدمية التي يمثلها الناصريون والقوميون العرب بمختلف اتجاهاتهم القطرية وكان التحالف مع الحزب الشيوعي أيضا تمثله خصوصية العلاقة مع الاتحاد السوفيتي بين مصر بعد النكسة والاتحاد السوفيتي الذي بلغ من نفوذه إلي درجة أنه اصبح قوة استعمارية غير منظورة مما آثار حنق الوطنيين المصريين ودفع بالسادات إلي طرد الخبراء السوفيت بعد ثورته التصحيحية في مايو 1971 وتوجه نحو الغرب بعد أن استيئس تماماً من نصرة سوفيتية تؤدي إلي استرجاع سيناء والكرامة المصرية ..

    كان حسن الترابي يعلم أن التحالف السياسي الذي يحكم السودان هو انعكاس للتحالف السياسي الأقوى في المنطقة العربية وأن السودان بضعف بنيته السياسية وضعف الوعي عند الطبقة السياسية بين حكامه قد اغري عبد الناصر بالسعي إلي تحويله إلي محمية مصرية مباشرة وكان عبد الناصر في أشد الحاجة إلي هذه المحمية المصرية ذلك أن السودان كان ولا يزال في أجنده الإستراتيجية المصرية هو عمق مصر (ربما مصر لست عمقاً لا حد) .. كان عبد الناصر في اشد الحاجة إلي سودان مرتبط ارتباطاً التحامياً بمصر ذلك أن مقتضيات الأمن القومي المصري العسكري والتي تقتضي وجوداً عسكريا مصرياً مباشراً في السودان كل ذلك يقتضي تقوية القبضة السياسية المصرية في السودان وكانت حكومة مايو الأولى هي التمثيل الصادق لما تريده مصر في السودان واثر الثورة تحول مطار وادي سيدنا لأهم مطار مصري وانتقلت قوات مصرية مقدرة إلي منطقة جبل الأولياء وفتحت نقاط مراقبة جوية وبريه في نقاط متفرقة من الحدود مع السودان لحماية العمق المصري والسد العالي والذي كانت تهدده حرب الاستنزاف ..

    كان الترابي يعلم تماما أن الأحزاب المتفرقة لا تمثل قوة يعتد بها في مواجهة هذا التحالف المحلي الإقليمي الدولي في السودان وقد تكون نفسه قد حدثته أن بعض المجموعات الموالية تماماً لمصر في الأحزاب قد تحدث نفسها بالاندماج في النظام الجديد بل أن عدم اعتقال الصادق المهدي وإجراء الأخير لحوارات مع النظام الجديد كان مؤشراً علي أن الصادق المهدي نفسه لم يكن يستبعد الاندماج في النظام الجديد أو ليس هو داعية (الاشتراكية السندكالية)؟ ولكن كان هنالك رجل قوي يمكن الاعتماد علي التحالف معه وكان ذلك – إسماعيل الأزهري ..

    الزعيم إسماعيل الأزهري
    بعض الأقلام بدأت مؤخراً التطاول علي الأزهري بزعم أنه قد خان قضية الوحدة مع مصر وأنه قد آثر طموحاته السياسية علي حلم الوحدة الكبير ولكن ذلك في جلية الأمر لم يكن كذلك فالأزهري كان يعلم أن هنالك فرقاً كبيراً بين أن تضم مصر للسودان وأن يتوحد السودان مع مصر وقد ظل إسماعيل الأزهري يرعي شعار الوحدة العربية والوحدة مع مصر أولا حتى آخر أيامه رغم المرارات التي استشعرها في آخر تلك الأيام .. وقد كانت قرارات الأزهري الحازمة الحاسمة هي أقوي العوامل التي عجلت بالتحول الجديد في السودان فالأزهري كان عراب بيان الأحزاب الشهير في مايو والذي أوضح رأي الأحزاب الموقعة علي البيان حول الدستور في مايو والذي سعي لأن يكون إسلاميا وأن ينجز خلال ستة أشهر وحول نظام الحكم أن يكون رئاسياً وأن يكون هنالك نظام للحكم الإقليمي في السودان . هذا البيان الهام والذي رسم خطة الخطوات القادمة في السودان كان قاصمة الظهر للديمقراطية الثانية ولعل كثيراً من المراقبين استغربوا اعتقال رئيس الوزراء المحجوب في منزله واعتقال الصادق المهدي في منزله ولكن الأزهري اقتيد إلي السجن ذلك أن الرجل كان زعيماً كبيراً قمينا بتحريك القوي المضادة للثورة ولم يكن موقفه من التحول السياسي الجديد سلبياً كما كان موقف المحجوب الذي يئس من حزبه حزب الأمة الذي توحد في أبريل وكان متهيئاً لقسمة السلطة بين الصادق المهدي والأمام الهادي كذلك لم يكن موقف الأزهري موقف المساوم الذي ظهر به الصادق المهدي .

    كان الأزهري رافضاً للتغيير الجديد . وكانت الحركة الإسلامية تري في الأزهري ومجموعته الاتحادية حليفا منتظراً إلي جانب الأمام الهادي الذي استعصم بالجزيرة أبا ورفض في بيان شهير مشاركة الشيوعيين في حكم السودان .

    كان الترابي يري أن علي الحركة الإسلامية أن تسعي لبناء جبهة مقاومة داخلية وخارجية وأن تشتمل هذه الجبهة علي جميع عناصر المقاومة سياسية وفكرية وجهادية وأن يعد لذلك عبر إنشاء جبهة وطنية بدأت نواتها في المملكة العربية السعودية بوجود الشريف الهندي وعثمان خالد وعدد من قادة الإسلاميين بالمملكة وكان محمد صالح عمر ينتقل بين لبنان والأردن والخليج بعد أن ظل وقلة من الأخوان يشاركون في جهاد فلسطين وهكذا كان الأزهري بالداخل ومعه الترابي وكان الأمام الهادي بالجزيرة أبا وكان الهندي والإسلاميون بالمملكة وكانت عناصر المقاومة موجودة علي الرغم من عظم التحدي المطروح أمام مثل هذه المقاومة التي تريد أن تواجه تكتلا إقليميا دوليا لا يستهان به .

    الحركة الإسلامية والمصادمة 00
    كانت جبهة المعارضة للنظام المايوي في عامه الأول جبهة قويه . فلئن كان الميرغني قد أرسل مهنئاً ومباركاً كعادته وكان الصادق المهدي لا يزال يحاور ويساوم باحثا لنفسه عن مكان في النظام الجديد ووسيلته في ذلك الأمير نقد الله الذي كان وثيق الصلة بالحزب الشيوعي إلى درجة أن عبد الخالق محجوب قد رشحه لرئاسة وزارة حركة الحزب الشيوعي التصحيحية في يوليو 1971م لئن كانت تلك المواقف للميرغني والصادق كذلك فقد كانت الجبهة الشعبية قوية وذلك بسبب الموقف القوي الصامد للأمام الهادي في الجزيرة أبا والتي تحولت وحتى غزوها وضربها بالطيران إلي قاعدة متقدمة للمعارضة خارج نفوذ الدولة المايوية الجديدة ، كذلك كان وجود الأزهري بما يمثل من قيادة لتيار شعبي حضري كبير ضمانة أخرى ودليلا علي أن أرصدة المقاومة ليست قليلة وكذلك كان وجود الترابي وتصميمه علي المقاومة بما يمثل من ثقل في أوساط كافة المثقفين غير اليساريين تنويعاً لقاعدة المعارضة الشعبية التي مثل الأمام الهادي قاعدتها الريفية ومثل الأزهري قاعدتها الحضرية ومثل الترابي قاعدتها الصفوية المثقفة .وكان للمعارضة وجودها الخارجي القوي الممثل بالشريف حسين الهندي وعدد من زعماء الأخوان والذين انشاوا علاقة بناءة مع المملكة العربية السعودية وضمنوا مساندتها القوية ذلك ان السعودية كانت تتخوف كثيراً من وجود نظام يساري يوالي مصر الناصرية والشيوعية العالمية . من ناحية أخرى فان وجود النظام الذي يرود خطاه الشيوعيون لم يزعج المملكة فحسب بل أزعج هيلاسلاسي والذي لم يتردد في إجراء تنسيق وثيق مع قوي المعارضة وبدأت بعض طلائع المعارضين تتجمع في معسكر للتدريب علي السلاح في أثيوبيا .

    كان النظام المايوي قوياً ومسنودا بحلف إقليمي ودولي لا يستهان بأمره ولكن المعارضة كانت قادرة علي أن تشكل تحدياً حقيقياً وقد وقع اتفاق غير مكتوب بين رموزها في الأمة والاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي علي أن تكون المعارضة سياسية لا تستبعد المواجهة العسكرية بل تعد لاحتمالات المواجهة مبكراً .. كان محمد صالح عمر ابرز رموز جبهة الميثاق خارج السودان عندما اندلع الانقلاب المايوي وقد كان محمد صالح عمر يتوقع تآمراً يسارياً علي مشروع الدستور وقد كتب وخطب محذراً مراراً من خطر الركون تماماً إلي اللعبة السياسية دون إعداد العدة لجولة جهادية مع الباطل الشيوعي ولم تكن دعوة محمد صالح عمر تجد معارضة في أوساط الأخوان ولكنها أيضا لم تحظى بالاهتمام الكافي فلم يستطع أن يقنع إلا ثلة قليلة من شباب الأخوان بالانطلاق إلي المعسكرات الفلسطينية في لبنان والأردن جهاداً في سبيل القدس واستعدادا للجهاد في جولة قادمة في السودان ..

    الترابي والموازنة بين الدعوة والقوة :

    لم تكن الفكرة التي نادي بها محمد صالح عمر بغريبة علي المرجعية الفكرية الإسلامية فالإسلاميون جميعاً يعلمون أن من واجبهم دعوة الناس إلي الله وإلي سبل الخير بالحسنى فان أبى الناس صبروا عليهم وصابروا ورابطوا في موقف الدعوة فان قاومهم الناس بالسلاح فقد أذن لهم بالقتال وان شعروا بريح المؤامرة ونذرها تتجمع في الأفق فعليهم إعداد العدة للجهاد مع عدم المباداة به ، ولكن الأخوان اختلفوا في تقدير الموقف هل هنالك في الأفق نذر مؤامرة حتى يصرفوا جزءا من جهدهم وشبابهم للاستعداد العسكري لها أن سفينة الديمقراطية تمخر طريقها في أمواج غير هادئة ولكنها غير خطيرة . كان هنالك متشائمون يحثون علي التعجيل بالاستعداد وكان هنالك متفائلون يرون ان تصرف الجبهة جهدها في تصعيد عملها السياسي . وكان الترابي ولا يزال مع نظرية أولوية العمل السياسي مع الجاهزية التامة لأية طوارئ قد تطرأ ولذلك فقد وافق الترابي علي تفويج مجموعات من الأخوان للجهاد والتدريب في معسكر الزرقاء وفي المعسكرات اللبنانية وكان محمد صالح عمر صلة الوصل في هذا بالتنسيق مع مجموعة من مجاهدي حركة الأخوان المسلمين وعلي رأسهم الشهيد صلاح حسن والذي استشهد في عملية اختراق لشمال إسرائيل من لبنان بعد أن قام بالتغطية لانسحاب المجموعة علي الرغم من كونه قائد المجموعة وقائد المعسكر . وكانت هذه الأفواج التي بدأت قبل الانقلاب المايوي بأشهر واستمرت بعد ضرب الجزيرة لتأخذ وجهة أخري إلي أثيوبيا ثم ليبيا وكان جل هؤلاء الشباب من خريجي وطلاب الجامعات وقد شارك العشرات منهم في غزو الخرطوم في 2 يوليو 1976م واستشهدت منهم مجموعة تقارب العشرين شهيداً في تلك الأحداث منهم حسن سليمان مسعود وعبد الإله خوجلي وعبد الله ميرغني وحسن عوض الله وعبد الفضيل إبراهيم وآخرون ، وكان من قيادتهم مهدي إبراهيم والذي شارك في الجهاد منذ بداياته الأولى في المعسكرات الفلسطينية ثم في الجزيرة أبا وحكم عليه بالإعدام غيابياً ،وكان من قيادات الشباب أيضا الدكتور غازي صلاح الدين والذي قاد عملية دار الهاتف وخرج لإجراء بعض الاتصالات مع المواقع الأخرى قبل أن تحاصر قوات الجيش الموقع وتشتبك مع المجموعة في معركة فاصلة .ولقد ظلت فكرة الموازنة بين الدعوة بالحسنى والردع بالقوة هي الفكرة التي حكمت مسار تطور الحركة الإسلامية في السودان بازاء أفكار غامضة كان يطرحها جعفر شيخ إدريس الذي عارض تفويج الأخوان للجهاد وقام بحملات تخذيل واسعة للمغادرين عبر المملكة حتى يلتحقوا بإخوانهم الذين سبقوهم إلي معسكرات (الكفرة) في ليبيا .

    جعفر شيخ إدريس يؤسس حزباً

    بعد خروجه من السودان والأجواء كانت كما تقدم الوصف كان هم جعفر الأساسي هو تجاوز القيادة المعتقلة وتأسيس حزب جديد يرث قاعدة جبهة الميثاق ولعله ظن أن المقام سيطول جداً بالترابي وصحبه داخل السجون ولذلك فقد اجتهد بالتحالف مع المجموعة التي ظلت دائماً تشكك في مشروعية قيادة مستقلة للحركة في السودان وتنادي بأن تكون الحركة فرعاً لأصل الحركة في مصر . ذلك أن حركة الأخوان كما يقولون ليست حركة وطنية تأسس لها قيادة في كل قطر بل هي حركة إسلامية أممية تقودها قيادة ملهمة باسم المرشد في مصر ومكتب الإرشاد المصري والمرشد هو وحده الحفيظ علي الحركة وهو الذي يختار مراقباً للإخوان المسلمين في كل قطر من أقطار المسلمين بعد ان يأخذ عليه البيعة بالطاعة للمرشد في المنشط والمكره وقد رفضت الحركة الإسلامية في السودان هذه الفكرة ودعت إلي خيار التنسيق بين الحركات الإسلامية في أمور الدعوة والثقافة وأن تترك أمور القيادة والسياسة لأهل كل قطر يديرونها وفق الظروف والأحوال المتفاوته بين بلد وبلد فذلك اقرب للواقعية السياسية ولئلا تتحول الحركة الإسلامية إلي حركة مقاومة سرية عبر العالم تاثراً بتجربة الأخوان في مصر علي الرغم من كون الأولى في حقها أن تكون حركة دعوة علنية مفتوحة الصف لمن يلتحق بها ولو كان من أعدائها بالأمس ..

    كانت هذه نقطة خلاف جوهرية بين الحركة في السودان وقيادة الأخوان في مصر ولعلها لا تزال ولذلك فقد وجدت جهود جعفر شيخ إدريس لبناء تنظيم أخواني يرث جبهة الميثاق الإسلامي تعاطفاً من حركة الأخوان والتي كانت آنذاك تتحرك من المنفي خارج مصر. وكان لا بد لجعفر شيخ إدريس لكي ينجح في مسعاه لتأسيس حركة جديدة من كسب تأييد محمد صالح عمر فأتصل بمحمد صالح عمر عارضاً عليه أن يقوماً سوياً بإعادة تأسيس الأخوان في السودان علي القاعدة الصحيحة ولكن محمد صالح كان له موقف آخر ..



    يريدون لظله أن يزول 00!



    مجموعة مقالات كتبها الأستاذ أمين حسن عمر في صحيفة الأنباء ( أبريل 9 رداً علي ما كتبه الصحفي محمد عبده محي الدين في دعوته إلى فصل الأجيال



    كتب الزميل محمد عبده محي الدين بصحيفة الأنباء مقالة تحت عنوان (دعوة إلى فصل الاجيال علي أبواب القرن الجديد) ولعلي لا أختلف معه كثيراً في معظم المفاهيم التي أوردها لكنه فشل في رؤية الحقيقة كاملة في معظم الأحيان .

    فسودان اليوم لا يعاني من صراع الاجيال بل إنه يشهد تكاملاً فريداً بين أجياله وكلها علي حواف الشباب من فوقه كهول، ومن تحته أيفاع ، والناظر إلي بنية السلطة والباحث الدارس المحلل للأرقام يمكن له أن يكتشف بسهولة أن متوسط عمر هذه الحكومة (بما في ذلك الولايات والخدمة العامة والعسكرية) لا يكاد يبلغ الأربعين عاماً ومن أراد أن يجري هذا التمرين فنحن علي استعداد أن ندعم هذه الدراسة بما ييسر إكمالها ، فقد بطل إذا القول بأن هذه السلطة سلطة أبويه تكرس سلطان الكبار وحكمتها " التي قد تكون موضع استفهام أو استنكار من الصغار" علي الدولة والمجتمع وجميعاً وأهمس في أذن الزميل محمد عبده تأمل جيداً لأنه لا يوجد مجتمع بطريكي ولا دولة بطريكية في السودان .

    مسألة ثانية لو نظر المراقب لمجلس الوزراء فلن يجد الترابي اكبر عمراً من بعض أعضائه (علي الأقل اثنين ، والترابي لم يرأس جلسة المجلس الوطني الأولى لأنه لم يكن اكبر الأعضاء سنا . ثم تأمل أخي في أعمار السياسيين في الوطن العربي وصفهم صفاً واحداً وستكتشف عندئذ من يقف في أول الصف ومن يقف في آخره . إذا لماذا هذه الدعوى لإزاحة الرجل وإحالته للاستيداع ؟ ربما كانت دعوة الأخ محمد عبده بريئة (وأنا ارجح ذلك) ولكن الدعوة التي باتت تتردد في كثير من صحف الغرب والصحف التابعة لها في عالمنا العربي لا يمكنها ان تدعي براءة ذئب ابن يعقوب، انهم يا أخي يريدونه أن يذهب سلما أو حرباً فالرجل إسلامي وأصولي ومعتدل وذكي وسياسي بارع وداهية وهم لا يريدون علي قمة الدولة الأصولية شخصاً بهذه المواهب .

    لقد كانت مشكلة الترابي دائماً مع خصومه إنه بارع ولامع وإن وهج شخصيته يسلب الأنظار عن كل متطلع لأن يكون محطاً للأنظار ، كانت هذه مشكلة الترابي مع بعض أترابه ولا زال بعضهم في الصف الإسلامي داخل السودان وخارجه ممن كدرت نفوسهم أهواء الدنيا يرمونه بنصال العداوة والمواجدة ولا احتاج إلي الإشارة إليهم فاحن نفوسهم قد فاضت على الكتب والصحائف والاشرطه المسجلة يرمونه عن قوس واحدة ويرد الله كيدهم في نحرهم في كل مرة 0

    وما قد صدق عن أترابه من الصف الإسلامي يصدق على أترابه في العمل السياسي فقد سطع نجم الترابي في عالم السياسة فجأة كأنه شهاب شق عنان السماء ، فلم يكد يمضي العام علي وصوله للخرطوم من باريس يحمل شهادة الدكتوراه التي نالها في زمن قياسي حتى كانت أراءه القوية الصادعة سبباً في تفجر ثورة اكتوبر ، والتي كان الترابي نجمها الأول بلا منازع ومفاوضها الرئيس وقد سعت إليه الأحزاب جميعا لتضمه إلى صفوفها ولكنه استعصم، فغضبوا عليه غضبة عقيلة العزيز، وكان أشدهم غضبا أترابه، ولا عجب أخي محمد عبده أن يشن منصور خالد حملة شعواء منذ ذلك الوقت وحتى سلسلة مقالاته المشهورة في الشرق الأوسط كان منصور ومنذ أيام باريس ينفث سما وينفس علي الترابي أن قد فاقة علما واسعا وفصاحة بغالب اللغات الرئيسية وإعزازا له في نفوس الخيرين من الناس. بينما لم يكن منصور إلا ببغاء رخيم الصوت دربه الدهاقنه في الغرب ان يحكي بحكيهم وأن يحذو حذوهم حذو القذة بالقذة ووعدوه ان ذلك سيدخله التاريخ من بابه المفتوح "الباب الغربي" آما الباب الشرقي فقد قفله أهلوه "الذين قفلوا باب الاجتهاد والنظر الثاقب والإبداع " لم يزل منصور خالد ينفث سما ولئن كان قد حدثك أخي محمد بان الترابي (مثل الخمير الحمر) فإنه لم يستح أن يسود صفحات الشرق الأوسط بعشر مقالا تزدحم بالأكاذيب السوداء كما تزدحم العقارب السوداء في صندوق مغلق ومن أمثال أكاذيبه انه قال " إن الترابي يخاطب الطلاب من المجاهدين بأنه يعقد"عقد الزواج" لهم علي الحور العين في الجنة" ولا عجب فمنصور خالد قد نضبت في عروقه انداء الإبداع وجفت بنات الأفكار فوجد علي يمينه الميرغني وعلي يساره الصادق ففتح عليه شيطانه بقول هو خليق بهما وليس بالدكتور الترابي وأما أفكار الترابي وأقوال الترابي فليست تخفي علي أصدقائه ولا خصومه ولكنها موجدة قديمه واحن متأسنة منذ أيام باريس وما أدراك ما أيام باريس!!

    جاء دكتور الترابي من باريس بعد سنوات لم تكد تبلغ الأربع بينما مكث سواه سبع سنوات للحصول علي دكتوراه دولة من السربون. وفي وقت كان كل محام يعد نفسه ليكون رقما سياسيا هاما في البلاد ، عاد الترابي ليكون عميدا للكلية التي تخرج القانونيين "أهل السياسة والوزارة" ثم ما لبث شهورا حتى أثارت محاضرته الشهيرة سلسلة من الأحداث الحامية انتهت بتفجير ثورة اكتوبر التي لا يستطيع أحد أن ينكر أن الدور الأساس فيها قد اضطلع به دكتور الترابي من قيادته لموكب الأساتذة إلى ترتيب تشييع الشهيد القرشي وأصابع الترابي هي التي دفعت صهره الصادق المهدي ليؤم الصلاة ثم كان الترابي هو المحرك الرئيسي للمفاوضات مع حكومة عبود وهو الذي أقنعهم بالتنازل سلميا عن السلطة لحكومة انتقالية تحت رئاسة الفريق عبود ولكن الشيوعيين الذين أدعو لأول وهلة أن الدكتور الترابي من فصيلتهم ما لبثوا أن جمعوا أطرافهم عبر النقابات التي كانوا يسيطرون عليها وعملوا علي إزاحة الدكتور من جبهة الهيئات بل انهم سحبوا منه تفويض نقابة الأساتذة ولكن الجميع اجمعوا أن الترابي ينبغي أن يبقي بالهيئة لان دوره في تفجر الثور وقيادتها لا يخفي علي أحد ولذلك فقد بقي الترابي عضوا بالجبهة ولكنه إذ رأي سيطرة الشيوعيين علي الجبهة ومحاولتهم سرقة الثورة في يوم المتاريس تحرك تحركا سريعا مستعينا بصهره الشاب الصادق المهدي لإنشاء جبهة للأحزاب لتقود اتجاها مقاوما لاتجاه الشيوعيين للسيطرة التامة علي الحكم وتصفية خصومهم تحت شعار (التطهير واجب وطني) ومحاولتهم لإطالة أمد الفترة الانتقالية وسعيهم لمحاكمة عبود ورفاقه رغم العهود المغلظة التي بذلت لهم وبلغ ذلك أقصاه في يوم المتاريس عندما تحركت بعض فصائلهم العسكرية بدعوى الحفاظ علي الثورة ولكن ذلك المسعى احبط تماما وبدأ العد التنازلي للسيطرة الشيوعية .

    داخل الفناء الإسلامي فناء حركة الأخوان المسلمين والتي كان مراقبها العام (الرشيد الطاهر) سجينا لدوره في انقلاب 1959م ذلك الانقلاب الذي لم يستشر فيه جماعته علي الرغم من قيامه بالتنسيق حتى مع كوادر شيوعية لتولي السلطة ، كانت الحركة تمر بمحنة قيادة وكانت قيادتها آنذاك جماعية ورئاستها بالتناوب وكان بعض هؤلاء الرؤساء المتناوبين يعدون أنفسهم لدور رئيسي في الحركة الإسلامية وجاء دكتور الترابي بتعليمه المتميز ولغاته المتعددة وثقافته الأصولية وبريق شخصيته اللامعة وجاءت اكتوبر فسطع نجم الترابي في سماء السودان وأصبح الناطق باسم الثورة ولم يكن بالإمكان ألا يكون الناطق باسم حركته الجديدة التي كان هو المهندس المصمم لفكرتها وتنظيمها فنشأت جبهة الميثاق الإسلامي حول ميثاق فكري سياسي معلن وكان أول حزب سياسي يتأسس علي فكرة وميثاق معلن ثم إنها لم تكن حزباً وإنما جاءت تحالفا للقوي الإسلامية تحالف فيها مشايخ من الطريقة السمانية والطريقة التجانية وغيرها من الطرق مع سفليين من حركة أنصار السنة مع شباب الحركة الإسلامية الجديدة التي تسمت في العام 54 باسم الأخوان المسلمين .. وهكذا استطاع دكتور الترابي أن يوحد شمل دعاة الشريعة في تنظيم تحالفي فريد ولم يكتف بذلك بل سعي بنشاط جم إلى تأسيس تحالف سياسي للقوي الجديدة والذي ضم فيما بعد حزب الأمة جناح الصادق المهدي وحزب سانو جناح وليم دينق وكانت شعارات تحالف القوي الجديدة ضد سيطرة الطائفية علي مقدرات البلاد وضد تأسيس السياسة علي النعرات القبلية والجهوية .. ومثلما كان دكتور الترابي نجما أيام اكتوبر كان النجم الصاعد في مفاوضات المائدة المستديرة وكان المحرك الظاهر والخفي لفعاليات ذلك المؤتمر الذي انعقد لمعالجة مشكلة جنوب السودان ثم كان نجم لجنة الاثني عشر عضوا ونجم لجنة الدستور الساطع ولئن الترابي قرر آنذاك انه ينتمي إلى أي من الأحزاب الكبرى لأصبح الوزير الأول بغير منازع ولكنه اثر الانتماء إلى رهطه من الإسلاميين والذين تحولوا من مجموعة ضغط صغيرة عندما عملوا تحت واجهة جبهة الدستور إلى جماعة فاعله ومؤثرة وتحالف مرشح للصعود السريع أيام جبهة الميثاق .

    داخل فناء الجماعة كانت القيادة لكن قامات الجميع كانت متسامته حتى جاء دكتور الترابي واصبح بالأمر الواقع ناطقا باسم الإسلاميين جميعا ثم أمينا عاما للجبهة التي صممها علي نقيض الفكرة الصفوية التربوية لحركة الأخوان المسلمين وكان بعض الأعضاء في الحركة يخافون عليها من أفكار الترابي الانفتاحية والاحتوائية التحالفية ويخشون علي الحركة من أفكار الترابي التقدمية في السياسة وفي المجتمع وبخاصة في قضية مشاركة المرأة في الحياة العامة وفي السياسة علي وجه الخصوص وكان بعضهم يغار ويخشى من بريق وسحر شخصية الدكتور ولذلك فانهم بعد ان فشل تدبيرهم في أبعاده عن فكرة ثم فشل تدبيرهم في أبعاده عن قيادة الجبهة أبعدوه عن قيادة الحركة بدعوى انشغاله بالشأن العام عن الشأن الخاص لحركة الأخوان المسلمين واختاروا رجلا مرضيا من الجميع رغم توجهاته المحافظة وكان ذلك الرجل هو الشهيد محمد صالح عمر ومضت أمواج السياسة المتلاطمة بعد اكتوبر ونسي الأخوان تنظيمهم الداخلي تماماً وانخرطوا في نشاط جبهة الميثاق الإسلامي .. في ذلك الوقت كان الصادق المهدي قريب الصلة بالترابي معجبا بأصالته الإسلامية وتفتحه الغربي وكان المهدي يحاول مثل ذلك أن يعقد صلة بين الأصالة الأنصارية والمعاصرة التي حاول أن يستقي عصارتها السياسية من أفكار حزب العمال البريطاني الناشئ والذي جاء مفكروه العظام بأفكار الاشتراكية الغابية واشتراكية النقابات (السندكالية) كان الصادق آنذاك متحمسا كثير الحركة كثير الكلام وكان متعجلاً لكي يتسلم دوراً كبيراً في قيادة السودان نحو مثال جديد وقيادة شابه جديدة ناهضة .. وكان الترابي يري في الصادق المهدي حماسته وعجلته توجهاً جديداً في حزب الأمة لا يريد أن يعقد ولاء السياسة علي ولا الطائفة وكان يري في قيادته لحزبه فرصه لإقامة تحالف جديد لقيادة السودان ينتهض علي أصالة ويتطلع نحو (الحداثة) والتقدم ..

    وكان المحجوب عليه رحمة الله يري في الترابي نصيراً خطيراً لمنافسه السياسي في الحزب القارئ يستطيع أن يتملى ذلك في كتاب المحجوب الديمقراطية في الميزان وكان يحسب أن الترابي يتعمد إغاظته والمكر له ولكن دافع ذلك كان شعوره بأن الترابي بإمكاناته الفكرية وبدفع حركة المثقفين التي يقودها يمكن أن يشكل دعماً فاعلاً لمنافسة السياسي الصادق المهدي وأما الصادق المهدي فلم يري في الترابي في ذلك الوقت إلا صديقاً وحليفاً لا يمكن أن يشكل تحدياً لموقعه الذي اكتسبه تراثاً ليناً سائغاً وإعانة علي تكريسه تقريب السيد عبد الرحمن له دون سائر الأبناء والأحفاد . ولم تتطور العلاقة بين الصهرين الترابي والصادق تطوراً سلبياً إلا عندما اقترب فرس الترابي "المصلي" إلى جانب فرس الصادق "المجلي" ثم ما لبث الفرسان أن تجاوراً ثم ما لبث فرس الرجل الذي راهن علي المستقبل أن أدرك وفات فرس الرجل الذي ارتكز وارتكن إلى الماضي فاختلفت المشاعر واختلفت المواقف والمواقع .

    داخل الفناء الإسلامي كانت مشاعر الغيرة تنتاب بعض الذين كانوا مرشحين لقيادة العمل الإسلامي أو مشاركين في القيادة الجماعية ولذلك تحركوا لإقصاء الترابي عن قيادة جبهة الميثاق بدواعي توحيد القيادة (علي الرغم من مخالفة هذا المنطق للمنطق السابق الذي كان يري الفصل بين الولايتين) ولكن د.الترابي خرج من المؤتمر في أبريل 1969 زعيماً مؤيدا للجبهة وأمينا عاما للتنظيم في آن واحد منذ ذلك اليوم وحتى الآن حلت الغصة في حلوق بعض أترابه منهم من ترك الجماعة إلى معاقرة الأكاديمية الباردة ومنهم من تركها إلى جماعة لا تكاد تعد شيئا وظل أستاذ الفلسفة وحدة يخترق جوفه بموجدته الأليمة وأدائه القديم وما انفك كلما جاءته العطلات إلى السودان يعقد مجالسه ويفضها في ذم الترابي ويعلن في منابره تكفيره والرجل عنه ساكت وعليه صابر ولو شاء أن يرد لفتح صندوق (بانادورا) ولو فتحه لسالت عقاربه فملأت كل الطرقات ….

    عندما جاءت مايو كان الترابي أول السياسيين دخولا إلى السجن وأخرهم خروجا منه علي الرغم من انه لم يكن رئيسا للوزراء ولا رئيسا للدولة ولا وزيرا من وزرائها ولكن الشيوعيين المتنفذين في النظام آنذاك كانوا يعلمون قدرات الرجل الفائقة في التعبئة والتنظيم . وعلي الرغم من السنوات السبع التي قضاها الترابي في سجون مايو لم ينقطع أثره عن تنظيم وتعبئة جماعته والتي استطاعت وبعد خروج الترابي من السجن في مطلع 72 أن تعود إلى واجهة الأحداث والتأثير من جديد لا سيما في مجال القيادة الطلابية والنقابية حيث تأسست جبهة سياسية جديدة معارضة علي مستوي الطلاب والنقابات ما لبثت أن فجرت ثورة شعبان والتي كانت اكبر تحد شعبي يواجهه نظام نميري مما أجبره علي إعلان حالة الطوارئ وإعادة اعتقال الآلاف من السياسيين كان معظمهم من الإسلاميين ولم تكسر موجة المقاومة للنظام علي الرغم من عودة الترابي للسجن ومعهم عدد كبير من قيادات الحركة الإسلامية وقد أخذت المقاومة توجها جديداً تمثل في الإعداد لمواجهة النظام مواجهة عسكرية بالتنسيق مع قوي الجبهة الوطنية وبلغ ذلك أوجاً عالياً في مواجهة 2 يوليو العسكرية والتي شارك فيها الإسلاميون بفاعلية وقدموا عدداً كبيراً من الشهداء ومنذ ذلك الوقت اعد الجميع أنفسهم للجهاد عسكرياً ومدنياً للنظام .. وكان النظام يدرك خطورة تعبئة كوادر الإسلاميين جهاديا بل إن شركاء الحركة الإسلامية أدركوا خطورة ذلك لأن طاقات الحركة علي تعبئة الآلاف من أفرادها كانت منظورة للجميع، لكن الترابي وعلي خلاف العديدين من قيادات العمل الإسلامي في المنطقة كان يدرك خطورة تحويل الصراع مع النظام إلى صراع عسكري محض وكان يدرك الأبعاد الدولية للصراع السياسي والعسكري في السودان ، وكان يدرك أهمية أن تجد حركته الإسلامية الفرصة للخطاب السياسي للجمهور السوداني لاسيما الاجيال الجديدة منه هذه الاجيال التي كانت نتاجا للحراك الاجتماعي الكبير الذي نتج عن توسع التعليم وعن ازدياد حركة الهجرة والانفتاح علي العالم .. لذلك كله كان المعني في المواجهة العسكريه هو الخيار المؤخر بالنسبة للدكتور الترابي وقد ناقشنا هذه الأفكار ونحن محابيس سجن النميري في كوبر ثم معتقل دبك … لذلك كان الجنوح لمسالمة النظام علي الرغم من سوء الظن به خيار الحركة الإسلامي المقدم بيد أن الصادق المهدي هرع إلى المصالحة حتى دون استشاره حلفائه ذلك انه رأي أن المساعي إلى المصالحة هي القمينة بإعطائه الوضع الأفضل داخل النظام لاسيما وقد غربت شمس اليسار وبدأ بروز العناصر اليمينية في النظام وأصبح اقرب مدة إلى الغرب ثم إن الوسطاء قد أسرفوا في وعودهم للصادق المهدي بالتقريب حتى أن الشائعة التي ملأت آذاننا ونحن نخرج من المعتقل في 17 يوليو 1977 هي أن الصادق المهدي سيولي رئاسة الوزراء لكن الحركة الإسلامية لم تكن تعبأ بشيء سوي حرية الحركة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وقد شهدت فترة المصالحة نمواً عظيماً للحركة الإسلامية علي جميع هذه الأصعدة فالحضور السياسي للحركة الإسلامية لم يكن يضاهيه إلا حركة النظام السياسية واستطاعت الحركة الإسلامية أن تسيطر من جديد علي قيادة 80% من النقابات واكثر من ذلك من اتحادات الطلاب وتحركت علي الصعيد الاجتماعي لتنشيط المساجد وتحوليها إلى مراكز عمل ثقافي سياسي نشط وانشأت في كل مسجد عيادة لأحد الأطباء الإسلاميين وأنشأت منظمة الدعوة الإسلامي ثم منظمة الأغاثه الإسلامي اللتين انتشرتا عبر أصقاع السودان ثم أفريقيا ثم العالم الإسلامي ..

    وأنشأت عبرهما العديد من المشروعات الاجتماعية بحيث إن حضور الإسلاميين لم يكن ليخفي في أي حي من أحياء مدن السودان وإلي جانب ذلك دخلت إلي سائر مناحي العمل الاجتماعي في مجالات الشباب (شباب البناء والمرأة) (رائدات النهضة – دور المؤمنات) وتحركة الحركة الثقافية فأنشأت الجمعيات (جمعية الفكر والثقافة الإسلامية ) واعلاميا فأنشأت الصحف الجديدة (ألون – الأصالة) ونفذت إلي صحافة النظام واستغلت منابره الإعلامية والثقافية للدعوة الإسلامية حتى لم يعد النميري يري سبيلاً للكسب السياسي الشعبي إلا عبر الشعار الإسلامي . بيد أن النميري لم يكن يريد أن يرد الفضل في (النهج الإسلامي) للحركة الإسلامية فأراد أن ينشئ حركته الإسلامية وقيادته الإسلامية الخاصة وأدبياته الإسلامية الخاصة ولكن علي وجه الخصوص حريصاً إلا يطل دكتور الترابي من هذه الشرفة الإسلامية التي يريد أن يكون له وحده الحق والفضل فيها وكان أن ابعد الترابي عن منصبه في النائب العام وأوقف عمل لجنة مراجعة القوانين التي كان للترابي القدح المعلي فيها ثم كانت مفاجأته للجميع بإعلان بعض قوانين الشريعة في سبتمبر 1983 ، وكان الاتجاه الأغلب للإسلاميين التحفظ عليها بيد أن الترابي رأي أن إيقاع حركة التاريخ أقوي من مرادات النميري وتحيزاته الصغيرة وأنه يجب علي الحركة أن تؤيد مبدأ إعلان الشريعة وأن تتحفظ بتحفظاتها لتبليغها دون إعلان للنظام وقد كان النميري يتوقع معارضة الحركة الإسلامية لتوجهه الإسلامي الذي استبعدها منه ولكن الترابي كان اذكي وادهي وجاءت المسيرة المليونية في سبتمبر 1984م لتحول رصيد التوجه الإسلامي للنظام إلي حساب الحركة الإسلامية وحولت الحركة الإسلامية (تحكيم الشريعة) إلي انتصار إسلامي ولم يهتف أحد باسم النميري ولم تجامله الحركة بحرف واحد في تلك المسيرة مما احفظه وأغضبه غضباً استبان في خطاب المسيرة نفسها وبدأ العد التنازلي في علاقة الحركة بالنظام ووردت خطة تصفية الحركة الإسلامية وتصفية زعيمها علي وجه الخصوص في اجندة النظام وقام عمر محمد الطيب بتسويق هذه الخطة للأمريكيين بحسبانها أفضل طريقة لإعادة النظام المايوي إلي جادة النهج الأمريكي وكان وما كان من احتكاكات ثم من صدام في 18 مارس 1985م وكانت الانتفاضة التي شاركت فيها القوي الإسلامية والنقابات إلى سيطر عليها الإسلاميون "نقابة الكهرباء نقابة عمال الاتصالات " بيد أن سيناريو استبعاد الحركة الإسلامية وتصفيتها كان ماضياً . بدأ ذلك باستبعاد الإسلاميين عن التجمع علي الرغم من اتصالات عديدة أجريت معهم قبل 6 أبريل لأنه كان معلوماً أن ضمان مشاركة النقابات التي سيطر عليها الإسلاميون كانت هامة للغاية لنجاح الإضراب العام .

    وكان ما كان من محاولة تصفية الحركة الإسلامية مع النظام المايوي وتركز الجهد علي إلغاء دور الترابي السياسي وكانت شعارات "(مستشار الفلاشا) والتعدي بالحجارة علي اللقاءات الشعبية التي تعقدها الحركة الإسلامية ولكن الحركة ثم الجبهة من بعد ذلك خاضت صراعاً انتهي بانتصارها شعبياً وسياسياً علي خصومها وعاد الترابي زعيماً لواحد من ثلاثة أحزاب كبري في البلاد بل لأقوي هذه الأحزاب من حيث التنظيم والقدرة علي التأثير علي قطاعات المثقفين وعلي سكان المدن (80% من دوائر الخرجين 45% من دوائر العاصمة الخرطوم) وأهم من ذلك كله هو بروز الجبهة بوصفها الخصم الرئيسي لحركة تقسيم السودان التي يقودها العقيد جون قرنق وبرز ذلك باجلي الوجوه في الموكب المليوني لامان السودان ومنذ ذلك اليوم وقفت القيادات الوطنية في القوات المسلحة مع الحركة الإسلامية في مربع واحد ووقف اليسار مع جون قرنق في مربع واحد ووقفت أحزاب الطائفية في منزلة بين المنزلتين وجهل زعماء الطوائف أن تلك المرحلة التي كان يعيشها السودان لم تكن لتحتمل موقف (المتذبذبين لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء) وجهلوا أيضاً أن التحالف السياسي بين جيش السودان الوطني وبين الحركة الإسلامية ولد يوم (موكب أمان السودان) وعجزوا أيضا أن يقرءوا بذكاء نتائج الانتخابات في الدوائر التي يتركز فيها وجود معسكرات القوات المسلحة " دائرة وسط الخرطوم دائرة الفتيحاب ، دائرة شمال ام درمان" ولو أنهم كانوا يقرءون أو يفهمون لما راهنوا علي قيادة الجيش التي وضعوها بأنفسهم علي رأسه وهم يعلمون أنها لم تكن لتتبوأ ذلك المكان لولا انهم وضعوها فيه . وكانت قيادة الجيش مغضوباً عليها من قواعده الوسيطة والدنيا – ووضعت هذه القيادة نفسها خصماً للحركة الإسلامية بمذكرة فبراير 1989 " مذكرة الجيش الشهيرة" وبذلك تمايزت الصفوف تماماً – فالإسلاميون وحدهم يدافعون عن أمان السودان ووحدته وقد نشطوا في التعبير عن ذلك إعلاميا وسياسياً عبر التظاهرات وميدانيا عبر الزيارات الميدانية وعبر التطوع في قوات الدفاع الشعبي التي انشأوها وجاءوا علي قيادتها بالرجل الذي ظلت ولا زالت القوات المسلحة تبذل له الإكرام والاحترام وظل الشعب يرمقه بعين التبجيل والإعزاز (المشير سوار الذهب) وهكذا تمايزت الصفوف لم يبق إلا أن يحل الميعاد وكانت الجمعة لليلة واحدة بقيت من شهر يونيو 1989م.

    الترابي وثورة الإنقاذ
    عندما جاءت ثورة الإنقاذ الوطني كانت علاقة دكتور الترابي بهذه الثورة هي العقدة الرئيسية التي حاولت جهات سياسية واستخباراتية عديدة أن تفكها . فالترابي كان معتقلا في السجن لمدة ستة أشهر مع الصادق والميرغني وآخرين من حزبه وأحزاب الآخرين ، ولم تكن له أي صلة بأي شئ يدور بالخارج . كان الرجل في تلك الأثناء لا شاغل له إلا التأمل في آيات القرآن الكريم هذا التأمل الذي أهله الآن لا نجاز تفسير ثلث القرآن الكريم .

    وكانت عيون زعماء الأحزاب تراقب كل حركة وسكنه للرجل لعلها تكتشف صلته بما يجري في الخارج ، ولكنهم لم يروا إلا الرجل والمصحف وعندما كان النقاش يدور حول التحول السياسي الذي شهدته البلاد كان الترابي لا يخفي تعاطفه مع الذي جري ، ذلك أن البلاد لولا تدخل الجيش كانت مقبلة علي فوضي دموية لم يكن يعلم ما وراءها إلا الله . وكان حديثه لزعماء الأحزاب يتلخص في الآتي : أن ينتهز الزعماء الثلاثة هذه الفرصة ليعقدوا ميثاقا للإصلاح السياسي للسودان وليكن هذا الميثاق دليلهم للتفاوض السياسي مع النظام الجديد. ولكن الميرغني والصادق كانا في حسرة وفي غفلة ، ولو أنهما التقطا ذلك القفاز لكانت المبادرة السياسية بيد الزعماء الثلاثة من جديد ، بيد أنهما تغافلا عن (مبادرة الترابي) بالحديث عن انقلاب الجيل الجديد علي الترابي بقيادة علي عثمان وبالأمل الكاذب أن هذه السلطة الجديدة سرعان ما تتهاوى لتعود الأمور كما كانت مغزلاً للسيدين وحدهما ينسجان عليه ما تشاء نفوسهما العليا .

    أما الترابي فلم يكن يعنيه في شئ من أين جاء البشير ورفقاؤه ولكنه كان معنيا اكثر بما جاءوا به من برنامج يقطع الطريق علي المتآمرين علي هوية السودان ووحدته واستقراره وكان اقتراحه آنذاك أن يفسح الطريق لجيل جديد ليكتب فصلاً جديداً من تاريخ السودان . وعندما خرج الترابي من المعتقل آلي علي نفسه أن يشتغل بالدعوة محلياً وعالمياً فالمسلمون يحتاجون لمن يخاطبهم بما آل إليه حال الإسلام والمسلمين والعالم غير المسلم يحتاج إلي من يخاطبه بلسان الإسلام والمسلمين . وأنصرف الرجل تماماً لهذه المهمة من خلال المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي والذي جاء تجسيداً لفكرة الدكتور الترابي من ضرورة الوصل بين إستراتيجية الإسلاميين في تحقيق الوحدة الإسلامية واستراتيجية القوميين في تحقيق الوحدة العربية ، وكان الرجل مؤمناً بأنه لا تناقض بين هذا المشروع وذاك وإن الإسلاميين والقوميين جميعاً محتاجون للحوار والتفاعل والتعاون لمواجهة التحدي الذي يواجه الجميع .

    فتحدي المرحلة ليس أن يسد الطريق علي الوحدة العربية أو الإسلامية بل تحدي المرحلة المنصوب من قبل القوي الاستعمارية هو تفتيت الكيانات العربية والإسلامية وإعادة تشكيل الهوية علي الأساس الجغرافي لا الثقافي " الشرق الأوسط الجديد لا العالم العربي القديم" .. بيد أن رجال السياسية ورجال في حي الخرطوم الشرقي إنما هي (مركز التحكم) الذي يدير شبكات ومحولات النظام والذي يخطط لا لتغيير السودان فحسب بل لتغيير المنطقة العربية والعالم الإسلامي . وفجأة تحولت صورة السودان في العالم فالبلد الذي كان رمزاً للضعف والمهانة والمجاعة اصبح فجأة في الأعلام العالمي (بعبعاً إقليمياً) وربما دولياً خطيراً ووكرا للإرهاب وأصبح الترابي مرة " النبي الجديد في البزة الرمادية" وتارة " الرجل الغامض ذو الابتسامة الساحرة" .

    وهكذا ألقي الأعلام الدولي الذي لم يجد شيئاً مثيراً بعد الحرب الباردة إلا (الخطر الإسلامي) الكثير من الأضواء علي السودان وعلي الزعيم الإسلامي الذي استطاع أن يجمع في الخرطوم علي عزت بيكوفتش وجوهر دوداييف وحكمتيار وعبد القادر الصوفي مع جورج حبش والحزب الاشتراكي اليمني وجبهة التحرير الجزائرية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة القوميين العرب . كانت ملتقيات المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ، ملتقيات حوار وكان يمكن أن تشكل منبراً للحوار المتصل مع الغرب لو أن الأخير كان مستعداً للحوار ، ولكن الغرب بعد حرب الخليج كان مثل (القط الذي نفش شعره) بفعل " الاسلاموفوبيا" التي تنضح بها الصحافة والأجهزة الأعلام وتصريحات السياسيين ، بل كتب الروايات وأفلام السينما والمسلسلات الدرامية .

    كان المناخ في العالم يحتاج إلي (خطر جديد) ليتوجه إليه الغرب برصيده من العداء ومن مخازن الذخيرة والسلاح ، ومن عجب أن آثر الكثيرون من رجال الأعلام والسياسة بل والروايات أن يروا في الخرطوم ذلك (الوكر الغامض) الذي تدار منه المؤامرات ضد العالم ، وكثيرون من رجال السياسة والأعلام جاءوا فالتقوا مع الرجل الذي سمعوا باسمه مقترنا بكارلوس وبادر ماينهوف والجيش الأحمر الياباني فلم يجدوا إلا مثقفاً عصرياً مثل نكروما ونايريري في زمنهما علي العهد الاشتراكي .

    وهذا مثقف عصري عالمي علي عهد الصحوة الإسلامية القومية يتحدث بلسان قومه وبلسان المستضعفين من الناس يؤيده منطق قوي ولسان مبين وقد خرج غالب هؤلاء من مكتب الدكتور الترابي بغير الوجه الذي دخلوا به ولكن من يستطيع منهم أن يغير صورة الرجل في أعلام الغرب ولعل اليأس من تغيير صورة الرجل وهو يغيب داخل مكتبه المتواضع في مقر المؤتمر الشعبي هو الذي قاد إلي ضغوط مكثفة ليكون للرجل موقع سياسي عام يحقق الشفافية المطلوبة لنشاطه لئلا يقال انه مشغول بحياكة المؤامرات هنا وهناك من أنحاء العالم الإسلامي . هل انتهي القول عند هذا الحد أم لا يزال بعض الناس يسهرون الليل ويختصمون جراء ما يقول الترابي وما يفعل .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de