|
Re: أمير تاج السر ..... يحفر إسمه في عالم الرواية العربية (Re: أبنوسة)
|
النوع الأدبي/ هوية النص ومرايا ساحلية اعتاد النقد ان يبدأ بعد التصنيف، أي تحديد النوع الأدبي الذي يندرج فيه النص على اعتبار ان تحديد الهوية النوعية للنص يمكّن الناقد من معالجته نقديّا في ضوء معايير وقواعد النوع الذي ينتمي اليه.اذ ان تحليل النصوص الأدبية لم يعد ممارسة فوضوية وانطباعية لاتهتدي بشروط تنظّم العملية النقدية، انما على العكس فمنذ فترة طويلة اشتق النقد له جملة من المعايير يقترب في ضوئها الى النصوص ليقوم بفحص النظم الأسلوبية والبنائية والدلالية لها،وذلك جزء من التنظيم الداخلي الذي يقتضيه كل نقد يطرح نفسه بوصفه حوارا مع النص، واشتباكا معه، ووسيلة لإستكشاف المستويات المضمره فيه،ودلالاته المخبأة في تضاعيفه.ولكن هل التصنيف النوعي والإجناسي للنصوص أمر يسير أم انه بمواجهة نصوص تهجّن نفسها من انواع كثيرة قد اصبح مهمة عسيرة ؟ أضع هذا السؤال أمامي وأمام القرّاء وانا أحاول ان اقدّم مناقشة نقدية- نظرية لنص غامض الهوية للروائي السوداني أمير تاج السر،وهو نص جديد وسمه مؤلفه بالعنوان الآتي: (مرايا ساحلية:سيرة مبكرة ). وكما هو ظاهر من دلالة العنوانين الرئيس والشارح فإن أمير تاج السر يضع نصّه في قلب الإشكالية التي أشرنا اليها،فهو من جهة أولى يعتبر نصّه مرايا تنعكس فيها تجربة الطفولة المبكرة في احدى مدن الساحل الشرقي للسودان، وبهذا فهو يكتب منطلقا من الرؤية القائلة بأن الأدب مرآة عاكسة للتجارب البشرية، وهذا موضوع خلافي عالجته نظرية الأدب،وشغلت به منذ أرسطو الى الآن. وهو من جهة ثانية يصرّح بأن النص ( سيرة مبكرة ) أراد به ان يصف التكّون المبكر له، وهذا يقتضي ان يكون هو المحور المركزي فيه، بمعنى أن التسمية تشترط ان يكون المؤلف هو البؤرة التي تصدر عنها وتتجه اليها كل مكونات النص، واقصد بمكونات النص هنا أمرين: عناصر البناء الفني من حدث وشخصية وخلفيات زمانية ومكانية،والمكونات السردية العامة من راو وأساليب سرد ومنظور ورؤية وموقف وطريقة تشكيل للعالم المتخيّل في النص.والواقع فإن التدقيق في قضية مرآوية النص كما يريدها المؤلف،وقضية الهدف التوثيقي له باعتباره سيرة مبكرة سينتهي بنا الى نهاية مغايرة تماما لكل الإيحاءات التي يثيرها العنوان . ذلك ان القول بالوظيفة المرآوية للنصوص الأدبية نُقض منذ اكثر من قرن، حينما اكتشف النقد عمق التباين بين العالمين: العالم الواقعي المعيش والعالم الخطابي المتخيل، مع انهما يوحيان بالتماثل الى درجة يبدوان فيها متماهيين ببعضهما لدى المتلقّي العادي، الاّانهما شديدا الأختلاف فيما بينهما من ناحية المكونات والعناصر، فالعالم الخطابي محض تشكيل لغوي يتكوّن في مخيلة المتلقّي بالقراءة ولاوجود له قبلها، بل انه عالم خامد داخل الكتاب تقوم القراءة بتنشيطه وبعث الحياة فيه، فكيف يمكن اعتباره مناظرا للعالم الواقعي !؟. أما القول بأن النص سيرة مبكرة فيصطدم بعقبات اكثر، وفي مقدمتها المكون الحاسم وهو غياب شخصية المؤلف-الطفل إذ يعدنا النص بانه سيرسم لنا سيرتها كما هو مدون على غلاف الكتاب،وحضور رؤيته فقط وهي تستكشف ملامح منتقاة من الماضي. كيف لنا اذن ان نتخطّى كل هذه المشكلات النظرية الخاصة بهوية هذا النص دون ان نلحق به ضررا يخفض من قيمته الأبداعية؟ وقبل ذلك هل تحتاج القراءة النقدية الى إثارة كل هذه الأسئلة قبل ان تصل الى هدفها ؟ أما السؤال الأول فجوابه في رأينا انه لابد من تجاوز ماقرره المؤلف من ان كتابه سيرة ذاتية مبكرة، وهنا ينبغي علينا ان نطرح تصورنا النقدي حول هوية النص كما نراه في ضوء جملة من المحددات والمعايير لنتمكن من خلالها استكناه أهميته وقيمته الأدبية. أما جواب السؤال الثاني فمؤداه ان القراءة النقدية تحتاج فعلا الى اثارة الأسئلة، لأنها تراها جزءا من استراتيجيتها في التعامل مع النصوص السردية. إذ لم يعد من المقبول ابدا تقديم قراءة ساذجة وسطحية لنصوص تقوم بتشكيل تصوراتنا عن انفسنا وعن العالم بوساطة التمثيل السردي الذي تقوم به، وليس عكسه كما يظن الكثيرون. في الحقيقة ليس ثمة مجال لقراءة بريئة ومحايدة ووصفية، فالقراءة التي نحتاجها ونحن نقترب الى النصوص الأدبية يلزمها ان تكون تحليلية وكشفية واستنطاقية تهدف الى ابراز القيم الجمالية، وتأويل المستويات الدلالية،واضفاء معنى على الأشارات التي توحي بها النصوص ولاتقررها.
د. عبدالله إبراهيم
|
|
|
|
|
|
|
|
|