|
قضايا أساسية للتجمع الوطنى الوطنى الديمقراطى 1-3
|
ظلت قضية إيقاف الحرب وإحلال السلام في السودان قضية التجمع المركزية، إذ وضعها في قمة أهدافه وأولوياته في مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا وفي مؤتمر التجمع الثاني بمصوع ومنحها جل إهتمامه، وبذل أقصى جهده من أجلها وفق خياراته النضالية المتعددة. بيد أن خيار الحل السياسي المتفاوض عليه الذي تجسد في مبادرات عديدة إهمها إتفاق مشاكوس الإطاري بين النظام والحركة الشعبية والإتفاق الأخير بين النظام والتجمع في جدة، أكد بما لا يترك مجالاً للشك بأنه سيقود إلى نتائج مغايرة لبرامج وتوقعات التجمع الوطني أو أهدافه المعلنة في مقررات أسمرا 1995م (تفكيك النظام).
إن المفاوضات الجارية بين الحكومة والحركة في نيفاشا وحركة تحرير السودان في أبوجا وتلك المرتقبة بين التجمع والحكومة في القاهرة كلها تمت بإرادة وضغوط المجتمع الدولي والإقليمي. لكن الحكومة قبلت بها مرغمة هادفة من ذلك تجزئة الحل السياسي الشامل للإحتفاظ بالسلطة، لا بسبب رغبة حقيقية في ايقاف الحرب وإحلال السلام في السودان والذي يحمل طياته مخاطر تفكيك دولتهم من خلال عملية التحوّل الديمقراطي.
بما أن المفاوضات الجارية على كافة المسارات(نيفاشا، أبوجا، القاهرة) جاءت نتيجة لعوامل عدة أهمها "توازن الضعف المتبادل" وعدم قدرة أي من الأطراف في الحسم والإنتصار، فإن السلم المتفاوض عليه سيكون هشاً، ضعيفاً، تسنده الضمانات الدولية والإقليمية، أكثر من التصالح الوطني الحقيقي. وهذا قد لا يتيح مستقبلاً خلق نظام سياسي مستقر يحقق السلام الدائم ويحافظ على وحدة السودان ويحقيق التنمية ويرفع المظالم التاريخية؛ بل سيكون سلاماً ينقل المعركة إلى مرحلة قادمة وبأدوات جديدة يحسمها الطرف الأكثر تنظيماً وإقتداراً.
تؤكد قرائن الأحوال بأن نظام الخرطوم لم ولن يتخلى عن أجندته السياسية ورسالته الآيديولوجية، فقط أجبره الواقع الدولي والإقليمي على التراجع المستمر تحت ضغط التهديد والعقوبات. وقد ظل منذ وصوله لسدة الحكم ـ ولا زال ـ يهدده خطر وقف الحرب وإحلال السلام ويعمل جاهداً للحفاظاً على بقائه وسلطته ومصالحه، لذلك فقد ظل يتعامل ـ وسيظل ـ مع كل المفاوضات وفق إستراتيجية تضمن له تجنب تفكيكه أو إجراء تغيير جوهري في طبيعته وتركيبته وسلوكه داخليا وخارجياً. وإنطلاقاُ من هذه الإسترتيجية يسعى نظام الخرطوم إلى تحقيق ترتيبات تحافظ على نظامه، مع تقديم بعض التنازلات التي يستطيع معالجتها وتجاوزها مستقبلاً وبأثر رجعي. أو الوصول إلى طريق مسدود يحمل مسئوليته للحركة والتجمع أو مسئولية مشتركة تجنبه العقوبات الدولية وغضب الشعب السوداني. وفي حالة عدم تحقيق أهدافه من خلال هذه الإستراتيجية فخياره هو العودة لمواصلة ضغوطاته العسكرية على التجمع والحركة. وكل المعلومات تؤكد جهده المتواصل في هذه المضمار ومؤشر على ذلك صفقات السلاح الأخيرة مع كلٍ من الصين ودول الإتحاد السوفيتي السابق وتجار السلاح في بريطانيا.
ظل نظام الخرطوم يعمل ومنذ فترة طويلة وفق إستراتيجية تفرغ مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية من مضونها بشتى الخطط والبرامج السياسية، أهمها إتباع سياسة القبول بتعدد المبادرات/المسارات في المفاوضات والإيقاع بين الحركة وحلفائها في التجمع الوطني الديمقراطي وذلك بما يمكنه من استيعابهم كلٍ على حدة، والإنفراد بهم ثم شقهم وإضعافهم وفي النهاية إخراجهم من المسرح السياسي. تدل الشواهد من التفاوض ومنذ أديس أبابا مروراً بأبوجا بأسلوب وضع اليد التفاوضي؛ بمعني "ما أملكه فهو لي وما يملكه الطرف الآخر خاضع للتفاوض".
وقد حقق نظام الخرطوم رصيداً لا يستهان به في هذا الصدد وبالرغم من إيجابيات الإتفاق الإطاري بين التجمع والنظام فإن حكومة الخرطوم تعتقد بأن هذا الإتفاق يأتي كنجاح للإستراتيجيته هذه وإلا فلماذا لايتم ذلك من خلال منبر الإيقاد (مشاكوس/نيفاشا) خاصة وأن نظام الخرطوم هو الذي تمسك برفض دخول التجمع للعملية التفاوضية من أجل السلام.
ربما ما كان لهذا التساؤل أن يطرح نفسه لولا دخول عامل التطورات على صعيد دارفور، والتي حدثت في الشمال المسلم وفي عقر دار السلم لا في دار الحرب، وقد جذبت إنتباه العالم بشكل غير مسبوق في تاريخ النزاعات في العالم وفرضت على النظام إنتباه ووصاية دولية أكثر مما فعلت مشاكوس/نيفاشا. وبسبب ذلك يعتقد عديد من المراقبين أنه لولا دارفور لما سعى النظام للتفاوض في القاهرة. أهمية هذه الملاحظة تكمن في أنه وبدلاً من أن تدفع دارفور النظام نحو العقلانية والجدية في التفاوض، يبدوا أنها دفعته اكثر نحو المزيد من المناورات المعقدة وإستغلال الظروف الموضوعية الكامنة داخل التجمع والمحيطة به لتحقيق إختراق في سياج العزلة الداخلية للنظام، وبالتالي ليس من الغريب يرى بعض المراقبين أن النظام يسعى عبر مفاوضات القاهرة لخلق تحالف شمالي ـ شمالي.
إن نظام الخرطوم وبسبب فشل برنامجه السياسي والآيديولوجي، وإستفحال تنقاضاته وصراعاته الداخلية وعزلته عن الشعب السوداني إضافة إلى الضغوط الدولية والأقليمية الغير مسبوقة، يسعى جاهداً لخلق تحالفات جديدة يواجه تداعيات ما يحدث على صعيد جبهة دارفور وتحديات المرحلة الإنتقالية المحتملة، ليحمي بها كيانه وينقذ بها وضعه المتردي ويعزز بها سلطته مستخدماً في ذلك موقعه الحالي في السلطة وإغراءات لا حصر لها من ثروات البلاد العديدة التي يسيطر عليها.
لكل ما سبق التجمع مطالب الآن بتقييم وترتيب أوضاعه الداخلية، ووضع إستراتيجيات وبرامج تتلائم وتحديات مرحلة المفاوضات وحالة الفشل التي تعتري النظام والمرحلة الإنتقالية وما بعدها، وتطوير هيكلية تستطيع التعامل بفعالية مع مهام المرحلة المعقدة الراهنة و القادمة. يتواصل الموضوع... هشام عبيد
|
|
|
|
|
|
|
|
|