الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-13-2024, 02:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2004, 05:22 PM

طيفور
<aطيفور
تاريخ التسجيل: 08-17-2002
مجموع المشاركات: 1666

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم


    معذره ايها الأحباب لإحياء هذا البوست دون مداخلاتكم القيمة.. فقد طلبت من العزيز بكري
    اعادته من الأرشيف ولم يفعل.. وها انا اعيدة وحالي كقائل بيدي لا بيد عمر.. وانتهزت الفرصة
    لاعادة القراءة والتنقيح.. واضاقة بعض الشوارد هنا وهناك


    ملحوظة هامة جداً ولا بد منها: جميع الأسماء الواردة هنا هي محض
    ..إختلاق وإقدم إعتذاري الصادق سلفاً إن صادف وتطابقت لأي سبب كان

    وبسم الله نبدأ ...

    وصلت إلي محطة السكة حديد متاخراً قليلاً... كان صباحا بارداً من صباحات فبراير الكتاحة والعجاج
    أنزلت أمتعتي من (البرينسة) أمام معمل إستاك.. كان الصباح ما زال ندياً.. وعدد قليل من السيارات
    يتهادى قاصداً القصر الجمهوري، أو متجهاً نحو شارع الطابية شرقاً.. علقت حقيبة القماش المتين التي
    صنعتها بيدي خصيصاً لهذه الرحلة على كتفي.. حملت ما تبقى من أشياء أهمها.. عصا مضببة بذيل
    ثور لزوم الحماية وإتقاء، أو إفتعال المشاكل.. عبرت الطريق.. نحو النصب التذكاري للجندي المجهول
    ثم عبر البوابة الحديدية القصيرة إلى فناء المحطة المكتظ بكل انواع البشر.. شققت طريقي بين جموع
    الأكتاف المتلاحمة.. أخيراً، وبعد لأي وصلت حيث استلقي القطار كحيوان خرافي.. ومددت بصري
    بحثاً عن العربة المخصصة لنا

    كان القطار محشواً بالخلق من كل نوع وصنف حد الإندلاق.. بعضهم آثر السلامة وقنع باحتلال السطح
    مكاناً حراً منفتحاً و.. مجاوراً السماء.. أرسل القطار صفيراً متقطعاً كنحيب الطفل نهنهة الموادع إيذاناً
    بالرحيل.. ارتفعت حمى المدافرة.. والضجيج.. حاولت عبثاً.. أن أستدل على موقع.. أو علامة هادية
    تدلني على مكان زملائي وسط هذه الاكوام من اللحم البشري المتلاطم.. ولكن هيهات

    بدأ القطار إنتفاضات وإهتزازات الفِراق فمددت يدي وتعلقت بأقرب مدخل صادفني، ثم وجدت لقدمي
    مكاناً على سلم المدخل، ورفعت بقية جسدي عن الرصيف.. أفسحت لنفسي مكاناً ضيقاً بين جوالات
    البصل وأكوام الكراتين المتراصة التي تسد المدخل و.. جلست على طرف صفيحة تفوح منها رائحة
    الجاز.. ووضعت أشيائي بجانبي.. أصغيت للإهتزازات والطرقعات الرتيبة وصريخ العجلات وهي تنزلق
    معولة على القضبان... بأمل أن يحالفني الحظ في الإهتداء للمجموعة في المحطات القادمة

    أفقت فجأة.. بإهتزاز عنيف و.. رجّة أنبأتني بقرب وقوف القاطرة.. مددت عنقي استطلاعاً فطالعتني
    القباب الحجرية المدببة وبيوت الطوب الحكومية.. التي تميز مباني عمال وموظفي محطات السكك
    الحديدية.. هذه محطة كبيرة كما يبدو.. الآن يمكنني أن ابحث عن زملائي بروية فكرت.. حسناً..
    كنت أظن أنني نمت فترة طويلة

    بالخارج.. كانت هناك بعض اكوم من الحديد الخردة.. وبعض عربات القطار المهملة تتناثر علي جانبي
    الطريق.. رحت أصغي لصريخ العجلات الحديدية وتكتكة الإنتقال بين وصلات القضبان.. وجاءني
    صوت صافرة القاطرة كحلم بعيد.. صافرة، ثم صافرة طويلة أخرى.. مددت عنقي أكثر.. فرأيت بعيداً
    لوحة (السيمافور) وهي مشرعة.. أبطأنا.. حتى ظننت أن القاطرة تتوقف.. صافرتان أخريان قصيرتان
    وثالثة طويلة.. بدت أكثر إلحاحاً وقوّةً و.. سقطت لوحة (السيمافور) فقفزت القاطرة إلىالأمام محدثة
    جلبة عظيمة وجاذبة معها بقية المقطورات.. التي أصدرت بدورها زعيقاً هائلاً وهي تنزلق بين القضبان
    المتشابكة، ثم أبطأت مرة أخري.. وهي تتهادى نحو الرصيف.. مرت مباني المحطة أمامي بتؤدة..
    قرآت على لوحة هرمة (المسيد) كتبت بخط الثلث الجميل على خلفية سوداء.. رغم عوامل الزمن ما
    زالت صامدة هذه اللوحة

    فكرت.. أن الفرصة حانت للبحث عن بقية الرفاق.. جل ما أخشاه.. هو إحساسي الغامض بأنني ركبت
    القاطرة الخطأ، توقفت القاطرة تماماً.. وارتفعت أصوات باعة الشاي واللقيمات.. نزلت وتمشيت أمام
    المدخل محاذراً الإبتعاد حتى لا أتيح لأحد فرصة إحتلال مكاني.. ولعلمي من رحلات سابقة أن توقف
    القطار لن يدوم أكثر من ربع ساعة على ابعد تقدير.. قررت الإنتظار حتي وصولي لمحطة (الكاملين) فيما
    أرسل القطار صافرة طويلة وقفز إلى الأمام بحركة عنيفة.. تبعتها حركات أقل عنفاً.. جاذباً خلفه
    مجموعة المقطورات.. تعلقت بمقبض الباب وانا أقف على السلم... أخذت أرقب القاطرة وهي تنثني
    كعروس مع المنحني.. ساحبة معها إثني عشر مقطورة ركاب، ثلاث فناطيس.. وعربة الفرملة... أي ما
    مجموعه ستة عشر عربة بالتمام والكمال..تمركزت مقطورتي.. التي أمتطيها.. بين مقطورات الركاب
    والفناطيس الثلاث.. هدرت القاطرة بصخب جزل عندما إستقامت على الطريق.. وتصاعدت سرعتها..
    ولفحتني الريح ببرودتها اللاسعة.. وأجبرتني على الإحتماء بين الجوالات والكراتين.. حمدت الله على
    نعمة هذا الموقع الدفئ.. ورحت أرقب ظلال المقطورة.. والذين يلتحفون السماء فوقها... وهي تتثنى
    وتتلوى تبعاً لتضاريس الأرض... وأفكر كيف يحتملون الصمود بوجه هذه الريح الباردة التي تعصف
    خارجاً..؟؟

    مرت الحقول والدقائق بطيئة.. إلا من هرير القاطرة وهدهدتها الرتيبة.. ثم ثقلت رأسي وبدأت الأصوات
    في الخفوت.. فجأة أحسست بحركة عنيفة بجواري.. فتحت عيني، كان أحدهم يحاول دفع الباب بين
    المقطورتين.. خاطبته محذراً من وجود ركام الأشياء وعبثية المحاولة.. فتخلى عن محاولتة.. وانا أكيل
    له اللعنات في سري ذلك الذي أفسد عليّ متعة النوم الهنيئ.. عدت لمراقبة الظلال والحقول الجرداء
    كانت القاطرة تهدئ سرعتها إيذاناً بالوقوف.. عندما تنبهت.. إلى أن الشمس قد أصبحت بمواجهتي
    جزئياً.. فعلمت حينها.. أن منامى قد جاوز الساعتين بكثير

    أخرجت رأسي مستطلعاً.. فرأيت قرية كبيرة تلوح على البعد.. ورأيت الطريق المسفلت يجري ملاحقاً
    القطار وفكرت إن كان تقديري للوقت والعلامات الأرضية صحيحاً.. فإن هذه هي محطة (الحصاحيصا)
    ترامى إلى أذنيَّ أصوات غناء.. حملها الريح من قِبل المقطورات البعيدة.. مع إنثناء القطار.. وهو يدخل
    أطراف البلدة.. تمكنت من تحديد موقع بقية الزملاء.. في العربة الثالثة من الأمام... حيث كانت أقل
    المقطورات ازدحاماً ويتدلى من جانبها الأيمن ما يشبه لوحة قماشية.. إن لم يخطئني ظني.. توقف
    القطار تماماً.. وسط زحام من المستقبلين.. والمودعين.. وباعة الشاي والبيض والطعمية.. ولفحتني
    رائحة التوابل والأمباز.. وروائح أخرى.. قادمة من ذلك الحي القريب الذي كنا نأتيه مهاجرين.. طمعاً
    في حظوة إحدى فتياته الحسان

    حملت أمتعتي و.. نزلت متوجهاً نحو مقدم القطار.. صدق ظني في تحديد العربة أيضاً.. فها هو وجه
    نجاة.. زميلتي يطالعني عبر النافذة.. وهي تصرخ بفرح خالطه شئ من العتاب المضمر.. أين كنت؟؟؟
    لقد يئسنا من حضورك... وظننا أنك لن تأتي..؟؟

    تمتمت.. ببعض الكلمات المبهمة فيما يشبه صيغة الإعتذار و.. ناولتها أشيائي عبر النافذة.. كانت
    تتلقفها مني.. وهي تلاحقني بالأسئلة في لهفة.. أدهشتني.. فقبيل أيام مضت.. لو أخبرني أحد أنها
    تكترث لمعرفة إسمي.. لرميته بالعته والخبل

    كانت أنيقة في غير إفراط، تلك الأناقة التي تخالها ولدت مع صاحبها.. رقيقة.. ذات وجه ملائكي ناعم
    التقاسيم.. وعينين خضراوين.. بركتان من الزمرد الأخضر.. لم تكن متعالية.. ولكن لها ذاك الجلال
    .. الذي يجعلك تفكر ألف مرة.. قبل أن تقتحم وحدتها.. زاملتها سنة كاملة.. كثيرا ما كنت أتأملها
    خلسة.. وأفكر.. كيف أن البثور الدقيقة الحمراء التي تنتشرعلى خديها.. تزيدها جمالاً دون خلق الله
    وعندما تفاجئني عيناها.. غارقاً في تأملي.. أحس برعدة تخترق مفاصلي.. وأهرب بعيني بعيداً عن
    خضرتها القاتلة.. لم أجرؤ مخاطبتها يوماً سوى بالتحية المفروضة.. أو الرد عليها.. أفقت من تأملاتي
    على صوتها.. ألن تصعد؟؟؟

    لقد حجزت لك مكاناً بجانبي.. قالت

    تمتمت بما يعني الشكر و.. تحججت برغبتي في شراء بعض الأشياء.. ثم أنطلقت هارباً
    وتعمدت تأجيل عودتي لئلا ألتقي بها.. حتى بدأ القطار في الحركة.. مع أول نسمات المساء الندي
    تعلقت بالسلم سراً.. وبقيت هناك أسامر أحد الزملاء حتى وصلنا ودمدني مع وداع المغرب.. إنطلقت
    من فوري مع صديقيّ وزميليّ علي شيكش وعبدالرحمن أزرق إلى السوق.. إذ كنا مسؤلين عن تأمين
    الإعاشة للجميع.. إبتعنا جل ما نحتاج للعشاء، ما عدا الخبز الذي لم نسطع تأمينه.. وأخبرونا عن فرن
    يعمل في ذلك الوقت.. إلا أنه يبعد قليلاً عن السوق.. ناحية الإدارة المركزية.. تركنا الأزرق يعود بما
    ابتعناه... ورحنا نتجول في أحياء ود مدني بحثاً عن الخبز الثمين.. وأشياء أخرى.. وعدنا آخر المطاف
    و.. معنا قليل من ذلك الذي يقيم الأود.. وبعض قوارير فرح بهيج أخفيناها بحرص... ضحك الأزرق
    عندما رأها و.. علق بخبث قائلاً.. الآن حصحص الحق.. جئتما بغذاء الجسم والروح

    تأخر القطار... فإقترح شيكش أن نذهب في جولة أخرى.. حول المحطة.. خرجنا.. بعد أن تأكدنا من
    ناظر المحطة أن أمامنا ساعتين على الأقل من الزمن الحر.. خرجنا باتجاة عمارة الشامي مروراً.. بإستديو
    الرشيد.. وعرجنا على نادي الكوكب.. حيث إحتسينا بضع كؤوس الشاي بالحليب المقنن.. وإلتقينا
    بعض الأصدقاء من أبناء ود مدني

    بدا الجو دافئاً جميلاً.. شجعنا على التمادي في تجوالنا نزولاً بفريق سيكو.. والمدنيين.. التي دهمنا
    العشاء بأطرافها.. فأصر الأزرق أن نصلي العشاء بمسجدها.. ورغم احتجاجي بضيق الوقت.. وإحتجاج
    شيكش بعدم طهارته.. التي لم تجد بخردلة أمام إلحاح الأزرق العنيد.. كنا نعجب حقيقة لإمكانيات
    الأزرق الهائلة في الجمع بين النقائض

    كان درويشاً (فلاتيّ) النزعة في أداء الفروض و.. الأوراد لوقتها.. زنديقاً ماجناً حد التهتك ما تبقى.. لا
    يستنكف.. ترتيل القرآن بصوته القوي الجميل وهو يكاد يسقط أرضاً من أثر السُكر... أخيراً استسلمنا
    وأدينا الفرض تزمراً ومرآة.. ثم اتخذنا شارع النيل في سبيلنا.. عوداً.. وخوفاً ألا ندرك القطار.. ثم إلى
    الدرجة.. فسينما الخواجة.. التي وصلناها مع سماعنا للصافرة الأخيرة.. ركضنا.. بأقصى ما نستطيع
    ونحن نلاحق الأزرق بالسباب واللعنات التي إن أصابته إحداها لانكفأ ساعته في الجحيم.. وأدركنا آخر
    مقطورات الركاب

    تعلقنا بأذيال الباب و.. نحن نلملم شارد أنفاسنا.. وشيكش.. ما زال يسب اليوم الأزرق الذي جمعه
    بالأزرق و(يبرطم) تزمراً لإجباره على أداء الصلاة بغير طهارة.. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة
    مساءاً تقريباً.. وهدأت الأصوات.. بقينا معلقين على باب المقطورة حتي سندة مارنجان.. ثم تسللنا
    بهدوء لمقطورتنا.. حيث تجندل معظم الزملاء تحت سطوة سلطان النوم و.. هدهدة القاطرة إلا بعض
    النشاز الصامدين.. وذوي المآرب المشبوهه أمثالنا.. متحلقين.. يتهامسون في خفوت

    زحفت.. بحرص بين الأجساد النائمة المبعثرة كيفما اتفق.. وأخرجت أدوات الفرح الليلي من مخبئها
    قارورة سمراء.. من سائل رصيف الماء لا لون له.. له فعل السحر في جلاء النفوس و.. كأس من البلور
    النقي تكاد تضئ بهاءاً وصفاء.... عدت محاذراً لفت الأنظار لحملي الثمين... حيث وجدت شيكش
    قد تمنطق بمزهرٍ بهي.. إمعاناً في جلب المسرة

    إتخذنا مكاناً قصياً.. بقرب الباب ونسيم الليل يداعب وجوهنا.. فنثمل لهمسه قبل أن نمس الشراب
    ومضى القطار يشق عباب الليل.. يدوزن هديره على تواقيع أوتار شيكش البهيجة.. مضى ثلث الليل..
    ونصفه و.. ثلثه الثاني.. ونحن في سمر وشيكش يطربنا بدندنة خفيضة.. حتى هزمتنا جحافل الظلام
    فسقطنا واحداً تلو الآخر.. غادرنا شيكش... متكئاً على مزهره.. باكراً.. كعادته.. كان يفيق لماماً..
    ويوصل الدندنة قليلاً.. ثم يغرق في غيابات المنام.. مرة بعد مرة.. حتى ألقى السلاح أخيراًً.. فإرتفع
    هدير أنفه.. وانتظم صوت تنفسه

    أما العبد لله.. فقد بلغت ذروة السنام.. إنطفأت إحدي عيني.. حاولت جاهداً.. إبقاء جفنها.. مفتوحاً
    ثم تركتها لشأنها عندما بدأ الدوار.. تمددت على الأرض.. في محاولة أخيرة لإبقاء رأسي.. طافية فوق
    جسدي الذي غادرني باكراً.. كشيكش.. أخيراً.. وبعد محاولات يائسة.. جنحت.. للذي لا بد منه
    زحفت بضع خطوات.. ألقمت رأسي للريح.. أسندتها على حافة السلم.. وأفرغت جعبتي.. آخر ما
    إلتصق بذاكرتي.. أن رأيت الأزرق يواري القارورة والكأس.. بين طيات ملابسه.. يستقيم على قدمية
    ينزل بعض الأمتعة عن الرّف المعلق.. ثم يختفي في مكان ما.. فوق رأسي

    أفقت وبي جوع وبردٌ خرافيّ.. وجدتني مُلقى بجوار الباب كخرقة بالية.. تطلعت حولي.. كان الجميع
    نيام مايزالون.. والليل ملقٍ أستاره على الدنيا.. شيكش ما زال على حاله متوسداً عُوده.. تحركت قليلاً
    فطنَّت أذنيّ وآلمني رأسي، تماماً بين العينين.. كان الألم مترجرجاً كرجرجة اللّبن في (السِعِن) حمدت
    الله أن احداً لم يطّلِع على حالي المزري.. وجنح تفكيري لنجاة.. كيف لو رأتني هكذا.. رغم الألم..
    هززت رأسي انفض عنه الفكرة بعنف

    كانت برودة الفجر القارسة تتخلل أنسجة ملابسي وتستقر في العظم.. أحسست بحاجة لغسل وجهي
    تلمست (المزيرة) فوق رأسي.. كانت (الأزيار) جافة كجلد ورل صحراوي.. لحظي كان أحدهم.. قد
    خبأ حاوية (جركانة) صغيرة خلف أحد الأزيار.. تشممتها.. خوفاً ان تحوي شيئاً آخر.. بدت صالحة
    للإستعمال، جلست على حافة السلم.. إغتسلت، ورحت أرقب الحقول النائمة.. كنت أحاول تخمين
    موقعنا.. وقدرت أننا على وشك دخول سنار.. فجأة تذكرت جوعي.. وأني لم اصب منذ صباح الأمس
    سوى رغيف خبز.. اقتنصتة ونحن في الفرن بود مدني

    فتحت صندوق الإعاشة.. لم أجد سوى كيس كبير من الخبز اليابس و عدد من علب الصفيح المستديرة
    تناولت إحداها.. كانت زلقة بفعل الزيوت.. فتحتها بصعوبة... طالعتني وريقة صغيرة عائمة في الزيت
    قرأت.. مصنع حلويات سعد.. حلاوة طحينية ممتازة.. صنعت.. إلخ

    عدت إلى مجلسي.. أزلت الوريقة وتحسست بطرف لساني طعم الزيت.. زيت سمسم صافي أخذت
    منه قليلاً.. مسحت يدي إلى المرفقين، ثم وجهي.. وقضمت قطعة كبيرة ملأت فمي والتصقت بسقف
    حلقي.. أكلت بنهم وأنا أرقب الدنيا تستفيق مع انبلاج الفجر خارجاً.. القيت بالعلبة الفارغة في إهمال
    ورحت أرقبها وهي تتدحرج وتختفي في مكان ما.. أسفل القطار الذي كان ينهب الأرض باقصى سرعته
    وصوت التكتكات الرتيبة التي تحدثها الوصلات لا يقطعه سوي الضجة والجلبة المفاجئة.. عند مرورنا
    على المعابر الصغيرة فوق مجارِ السيول... كانت الحياة تدب في الحقول المزروعة حديثاً

    رأيت فيما رأيت في ضوء الفجر المنبلج.. جراراً يسوي أرض أحد الحقول... وهناك في البعيد أحدهم
    يمتطي حماراً أبيضاً.. يحث الخطي نحو أكمة من شجيرات كثيفة.. وطيور اللقلق البيضاء تنتشر في
    الارجاء.. رأيت أبقاراً ترعي ورعاة يقودون قطعاناً من الماعز والضأن والزرازير الصغيرة.. تنطلق أسراباً
    محلقة في اتجاه دائري.. بعيداً عن القطار باتجاه عقارب الساعة.. وفجأة تعكس الإتجاه.. فيبرق ريشها
    في الضوء الوليد.. ثم تحط فجأة.. فينطلق سرب آخر.. أدهشتني قدرتها الهائلة على التنسيق والمناورة
    سبحان الله الخلاق العظيم.. آلاف من الزرازير تنطلق سوية في انسجامٍ تام لا يعتريه خلل.. قطع إرتجاج
    مفاجئ وصافرة طويلة ملحاحة تفكيري.. فمددت رأسي مستطلعاً.. لم أر.. سوى السماء والحقول و..
    وشريطاً متراكباً من تلالٍ زرق تلوح بعيداً عند حافة الأفق

    خفف من القطار سرعته.. حتى خلت أني إن تمشيت بجواره لسبقته بلا شك.. شعرت بحركة خلفي
    ظننته أحد الزملاء... فأشرت بنزق إلى سرب من طيور الكراكي الضخمة (أبومركوب).. كان أحدها
    يركض جاهداً ويرف بجناحيه الهائلين تأهباً للطيران

    علّقت.. دون أن ألتفت.. ألا يشبه البوينغ؟؟

    أحسست بالذي خلفي ينحني متأملاً.. فرفعت بصري.. بوغِتُ بعينين.. إنعسكت عليهما زرقة الفجر
    فبدتا أشدُّ إخضراراً وعمقاً.. قفزت كالملدوغ وكدت أسقط خارجاً.. فتمسكت بالمقبض وإرتدت هي
    بضع خطوات.. وقفنا نحدق أحدنا بالآخر.. كان قلبي يقفز إلى حلقي فيسد عليّ مجال النفس.. أفرخ
    روعي أخيراً.. على صوتها الهادي وهي تقول بشبه إبتسامة.. تبدو كمن رأى شبحاً
    ثم أردفت في تساؤل.. هل أنا مخيفة لهذه الدرجة؟؟؟

    تمتمت بصعوبة.. لا.. لا ولكني فوجئت ولم أتوقع وجودك

    قالت بهدوء.. حسناً.. تفضل أن أنسحب وأتركك...؟؟؟

    صرخت بنزق أرعن.. لا.. لا...
    كان صوتي رفيعاً مترجرجاً.. يفضح لهفتي... وسرعة القطار تتصاعد

    قالت وابتسامتها تتسع.. حسناً.. عد إلى مجلسك وتجاهل وجودي
    أطعت بتردد وأنا أتطلع فوق كتفي

    قالت.. أنظر أمامك و.. دعك مني...
    ثم ضحكت بجزل وقالت.. تخاف أن أدفعك خارجاً...؟؟؟

    هززت رأسي أن لا...
    وعدت أنظر خارجاً فيما إرتجت المقطورة.. وسمعت صافرة بعيدة كالحلم أحسستها تنحني مستطلعة
    فتحركت إلى اليمين قليلاً، مفسحاً المجال.. لامسني طرف ثوبها فسرت فيّ رعدة رجرجتني.. أبعدت
    رأسي قليلاً.. فرأيت الزغب الأشقر الناعم الذي يكسو جانب وجهها وجيدها الأنيق.. والصليب الرقيق
    الذي ينام على صدرها.. أشحت ببصري بعيداً وقلبي يقفز إلى حلقي

    انتهزت فرصة توقف القطار فقزت بعيدا عن حصار عطرها، وقرات على لوحة خشبية رثّة (جبل موية)ـ
    كانت الشمس تذر قرنها.. وترسل اشعة رقيقة.. لا تقوى على تبديد برودة الصباح... نزلت في جلال
    الواثق.. ووقفتُ.. غير بعيد.. أرقبها وهي تصلح ثوبها.. فحاصرني (الشانيل91) مرة اخرى.. كانت
    الريح تعصف قليلا.. فتثير دوامات صغيرة من التراب.. رغم ذلك كان شذى عطرها يخترقني

    سالتها بصوت مختنق... جائعة؟؟

    هزت رأسها إيجاباً

    وكنت ألمح بطرف عيني شيكش.. ينهض متثاقلاً.. يخبئ العود خلف الازيار ويتقدم نحو المدخل وهو
    يقول بغير حذر.. أفقت باكراً يا.. جوك..؟؟
    اين نحن...؟؟

    عندما رأها.. إرتد حتى كاد يسقط على ظهره

    ضحكت بمرح وهي تقول.. ما بال الجميع يفزعون من رؤيتي..؟؟

    أعطيتهما ظهري متجها نحو إحدى البائعات.. متجنبا الرد عل ما خلته سؤالاً.. ابتعت كمية من طعمية
    الفول و.. ثلاث أرغفة متربة و.. لكنها طازجة وساخنة.. وعندما عدت.. كان شيكش يجلس على حافة السلم
    ويقهقه بصوت عال.. وضعت الأرغفة والطعام بجانبه وسألتهما إن كانا يرغبان في بعض الشاي
    هزت رأسها ايجاباً.. فيما بادرني علي ضاحكا... هل تصدق..؟؟ أن نجاة صورت فيلم الأمس برمتة.. منذ
    لحظة إحضارك للقذيفة الفرح وحتى السمفونية التي عزفتها منفردا آخر الليل..؟؟

    ضاقت بي الدنيا وما رحبت.. فابتسمت مجاملاً في همود.. وآثرت الهروب متعللاً باحضار الشاي
    رحت أقلب الأمر على وجوهه و.. كيف أخرج من هذا المأزق الذي وضعني فيه علي.. عجيب هو أمر
    الإنسان.. يخفي أشياءه ويخبئها ويتصرف بعفوية طالما ظن أن الآخرين لا يعلمون.. وإن علموا وهو لا
    يعلم أنهم يعلمون فلا بأس أيضاً.. ولكنة يتلجلج ويفقد اتزانه إن علم بمعرفتهم لخفاياه.. أخيرا قررت
    ان ادع الامور كما هي.. رجعت حاملا كأسات الشاي بعد تردد طويل.. فوجدت نجاة قد تبخرت سألت
    عليّ.. عنها بلهفة فضحتني فضحك في خبث وقال
    لقد ذهبت إلى (قمرة) البنات.. ثم أردف.. لقد وبختني لأنني أخبرتك أنها تابعت سهرة الأمس.. فقد
    أحست أنك غضبت وتوترت.. ماذا يدور بينك وبينها...؟؟؟ دهمني بالسؤال

    تلجلجت.. أبداً.. لا شيئ

    ضحك وقال.. لا عليك يا جوك.. سحبت السؤال

    ثم غمزني وتمتم بخبث.. عالم ورق.. ها قد سقط حائط آخر

    إغتظت.. وقذفته ببقية الشاي.. راغ ببراعة و.. اختفى داخل المقطورة

    مرت الساعات بطيئة كئيبة..ظللت أبحث عنها بعيني بقية النهار.. لم يبد لها اثر.. قطعنا أرض الجزيرة من
    مهاوي النيل الازرق الفوارة شرقاً الى.. وداعة النيل الابيض الساهمة غربا.. وما اكتحلت عيناي برؤيتها
    أخير لم اتمالك.. ركضت منتهزاً ابطاء القطار قبل دخولة محطة (ربك) قافزاً ككرة (البنغ بونغ) فوق
    الخطوط المتشابكة.. لم يتوقف القطار كما كنت أتوقع و.. تصاعدت سرعته.. ركضت كما لم أركض
    من قبل.. طرت فوق القضبان و.. تعلقت بالعربة معرضا نفسي للسقوط تحت عجلات القطار.. تريثت
    قليلا.. حتى استجمعت شتات شجاعتي.. ثم تقدمت داخلاًً.. قرأت البطاقات الصغيرة المعلقة على
    ابواب المقاصير.. هذه مقصورة الأساتذة والمشرفين.. تليها مقصورة لبعض الزميلات.. ثم مقصورتان
    اخريان.. آه.. نجاة ميخائيل حنا.. هذا إسمها

    وقفت قبالة الباب.. أرتجف كورقة.. استجمعت لهاثي بعد جهد و.. هممت بالنقر.. فتح الباب ويدي
    مازالت معلقة في الهواء.. تسمرت.. كانت تبدو كمن صحا لتوه.. تلتحف ملاءة ثقيلة.. وتضع منشفة
    على كتفيها.. تراجعت خطوة في اندهاش.. ثم اشرق وجهها و.. سحبتني بسرعة بعيدا عن الباب

    جئت تبحث عنى؟؟ قالت بفرح غامر
    لمدة طويلة ظننت انك لا تهتم
    بدأت اعتقد انك بارد المشاعر وليس كما يشاع عنك

    دهشت وتلجمت لهذا الهجوم المفاجئ.. ثم تنبهت لنفسي فانزلت يدي المعلقة
    أخذت بذراعي وسحبتني بعيداً عن المقصورة وهي تقول
    أووه انا اسفة.. تعال هنا الى المدخل.. الهواء افضل
    كنت اود ان ادعوك لمقصورتنا.. ولكن بعض الزميلات مازلن نائمات
    كانت تتكلم بسرعة وثقة سرت اليّ.. فوجدتني اكثر ثباتا
    قالت بهدوء.. انتظرني هنا.. خمس دقائق واكون معك

    كان القطار يتهادى وقتها.. مقتحما افواج المسافرين والمستقبلين في محطة.. ربك

    أخذت أتأملها وهي تمضي عبر الممر في خطوات واثقة.. حتى توارت خلف باب ما.. في مؤخرة
    المقطورة.. ووقفت ..منفصلاً تماماً.. عن محور الأحداث .. أرقب من موقفي من حركة الناس .. بدا
    القطار كمركز للكون.. تلك اللحظة.. فتلك تعرض بضاعتها من المناديل والطواقي.. وأخرى.. تفترش
    الارض وبين يديها.. أكوام من (الجراد) المقلي.. واخريات يعرضن طعاماً ما.. وتلك المليحة.. تفرش
    بضاعتها من (الهالوك) وأقرص العسل.. يدور حوار صامت.. بينها وبين فتى وسيم أسمر.. بلون البن
    المحروق.. يقف غير بعيد.. منتشياً كطاؤوس بفتوته.. أرخي طاقيته الحمراء الزاهية على عينه اليمنى
    وغمزها عندما تقدمت نحوه بعض النساء.. يعاين البضاعة.. ضحكت هي في دلال.. فأفتر ثغره عن
    أسنان بيضاء قوية .. كانت بضاعته من دبابيس الشعر و.. الأشرطة الملونة.. تجتذب النساء والفتيات
    فيرسل نظرات ذات معنى .. لصاحبة الهالوك

    وهناك.. عند الطرف القصي للرصيف.. توقفت بضع شاحنات .. أمام مقطورة شحن ملحقة بالقطار
    لم ألحظها سابقاً .. كانت حركة الحمالين من القطار الى.. الشاحنات لا تتوقف .. وغير بعيد.. وقف
    عدد من الرجال.. يتصايحون أعلاهم صوتاً.. ذلك المكتنز ذي الجلباب الرمادي .. يشير نحو الحمالين
    ويرمي بيمين الطلاق بين كلمة وأخرى.. سكت الجميع.. عندما توقفت (الفولجا) الزرقاء بجوارهم
    كان الذي يجلس فى الخلف.. يتحدث معهم بهدوء ويشير للشاحنات بيد يلمع فيها خاتم فضي ضخم
    ثم أشار لصاحب الجلباب الرمادي وهمس فى أذنه شيئاً.. فمضى.. وهو يضرب كفاً بكف و.. يشوح
    بيديه تذمراً.. أحسست بمن ربت على كتفى .. فابتعدت عن النافذة قليلاً

    قالت.. أين كنت ..؟؟

    كانت ترتدي بلوجينز داكن الزرقة و.. بلوزة قطنية بيضاء.. بياقة بحرية.. وأساور زرقاء فاتحة بها نقاط
    بالأبيض.. وصندلاً خفيفاً ذي سيور دقيقة لؤلؤية.. وتعقد شعرها الكستنائي الداكن بشريط رقيق لؤلؤي
    خلف رأسها.. كررت فى الحاح.. اين انت ؟؟؟
    أنا هنا من نصف ساعة وأنت غارق في البعيد.. بم تفكر..؟؟

    أشرت إلى (الفولجا) الزرقاء وهي تغادر الجمع.. الذي تفرق بعدها.. ثم تساءلت فى تردد .. وأنا أتحاشى
    أن تلتقي عيناي بعينيها.. أين الثوب..؟؟

    قالت ببراءة لطيفة.. أحببت أن أكون حرة طليقة و.. لكن إن شئت...!؟

    قاطعتها بنزق.. لا أحب أملي عليك شيئاً.. ولكن.. بإعتقادي أن الثوب أكثر ملائمة.. لظروف المكان
    هو مجرد رأي.. غير ملزم.. و

    قالت وهي تبتسم.. هذا مثالي..!! وانطلقت قبل أن أجيب.. ثم إلتفتت إليّ.. وقالت.. لحظة واكون معك
    ومضت بخطى متسقة.. راقصة.. كان صندلها يصدر حفيفاً ناعماً على الأرض الخشبية
    رحت أفكر.. ماذا عنت بقولها هذا مثالي؟؟.. وهل كان تعليقي حقيقة.. بسبب الظرف المكاني..؟؟
    أم هو مجرد رغبة.. فى ممارسة فوقية ذكورية؟؟.. أم هناك.. أسباب أخرى.. خفية..؟؟
    ثم أخذت اؤنب نفسي وألومها على تصرفي الأخرق.. فيما ظهرت هي مرتدية ثوباً برتقاليا فاتحاً بنقوش
    دقيقة.. بيضاء وبُنيّة.. بدت رائعة البهاء.. لحظت.. انها أبدلت الصندل بحذاء قماش.. أبيض بنقوش
    برتقالية أيضاً

    قالت وهي تسحبني من يدي.. هيا بنا.. لقد أضعنا الكثير من الوقت
    نظرت إليها مستفهماً.. فابتسمت بشقاوة ومكر محبب وقالت.. لا عليك.. تعال فقط

    تبعتها في حيرة وتردد.. وقضينا نحو ساعة أو نيف ونحن نجول في أنحاء المحطة والأحياء القريبة، وقد
    فقدت حيطتي وحذري القديمين واستسلمت لقيادتها تماماً.. كنت مسحوراً بخفتها الرصينة وبساطتها
    المدهشة.. كانت تتحدث.. تنفعل.. تناقش الباعة وتضاحكهم.. تنتقل من مكان إلى آخر كفراشة مزهوة
    بجناحيها.. أسطورية متفاخرة بأنوثتها كراقصة الفلامنكو.. وكنت أتبعها كظلها محتفياً بها.. ومتباهياً
    كديك بلديّ في أوج عنفوانه.. كانت تحدثني عن طفولتها.. عن أهلها.. أفكارها.. إنكساراتها وأحلامها
    بطزاجة وشغف.. للحظة غاب عني كل شئ.. فقدت إحساسي بالزمن.. الناس.. والمكان ولم يبق سواها
    عند زاوية المحطة.. ونحن عائدون من جولتنا تلك.. فجأتني وأنا مستغرق في تأملها.. إحمر وجهها
    وتمتمت.. ماذا بك..؟؟

    قلت وكأني أحادث نفسي.. غريب أمر بني البشر.. مجرد لحظات تفصل بين المعرفة والجهل.. كنت
    قبل سويعات قليلة غريبة عني.. أشتهي أن أنظر إليك دون أن تفاجئني عيناك متلبساً بالتلصص

    قالت بمرح.. والآن..؟؟
    قلت.. كأني أعرفك منذ ألف عام
    .....
    ..
    إنطلق القطار نحو الجسر الحديدي العتيق (1908 م) الضيق الذي يعبر (بحر كيوات) النيل الابيض
    غرباً نحو كوستي التوأم الأنيق لمدينة ربك.. الشعبية النزعة حيث معاصر الزيوت وتجارة الحبوب.. لا
    أدري لم شممت فيها رائحة القضارف والأبيض ومارنجان.. ربما لارتباطها بالعمال والتجارة أو.. كونها
    الحديقة الخلفية لمشروع كنانة الناشئ حديثا.. كما كانت الرافد الشعبي لميناء كوستي من قبل.. رغم
    أنها أقدم منها تاريخياً.. اما كوستي... فتلك حديث آخر.. عندما صافحتها عيناي أول مرة.. بغتتني
    مدينةٌ مغسولٌ قلبها بالمطر.. مرتبة.. أنيقة.. حكومية المظهر.. برجوازية حتى القاع.. رغم أنها تعتبر
    المعقل الثاني لليسار.. بعد عروس الحديد والنار.. عطبرة.. مدينة ملونة بالف وجهه ووجه.. تنام بين
    عينيها جمهورية محمود محمد طه.. وصرامة الأخوان المبتذلة.. وترفل في ربوعها شيوعية عبدالخالق
    بجوار جحافل الأنصار في وداعة وأريحية لا تجدها في أية مدينة أخرى.. ورغماً عن ذلك.. يلازمك
    شعور غامض.. أن الانجليز ما بارحوها قط.. مدينة لها طعم مدني في زمان غير الزمان.. عشقتها تلك
    المدينة.. الرايقة.. مذ وقعت عيناي عليها.. وما فارقني عشقها قط.. كان لربك في فمي لذعة القرنفل
    الأولى.. ولكوستي كل ما تبقى من الحلاوة والارتعاش.. مدينتان شاهقتان.. لكل منهما خصوصيتها
    السريّة المتفردة.. رغم تجاورهما وتموضعهما بذات البقعة وعلى ضفتين متقابلين

    دلف القطار إلى المحطة برفق العاشق.. يقبل ثغر محبوبته و.. يخشى عليها من الخدش


    وإلى لقاء
                  

العنوان الكاتب Date
الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور06-29-04, 05:22 PM
  Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم اسوتريبا06-29-04, 06:04 PM
    Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم humida06-30-04, 05:29 AM
      Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور06-30-04, 10:03 AM
    Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور06-30-04, 09:48 AM
      Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم مأمون06-30-04, 12:46 PM
        Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور06-30-04, 04:37 PM
          Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور07-01-04, 09:24 AM
  Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور06-30-04, 05:10 PM
    Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور07-06-04, 03:54 AM
  Re: الطــــريق إلــــــى جبـــــــل الدايــــــر العظيــــــم طيفور07-07-04, 08:24 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de