مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 10:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2004, 04:08 PM

أمير تاج السر

تاريخ التسجيل: 04-04-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا )

    إضاءة
    هذا النص مستوحى من التاريخ القديم لسلطنات كانت سائدة في السودان ردحا من الزمان، وإن تصادف وتشابهت بعض أحداثه وشخصياته ، وأسمائه مع أحداث أو شخصيات أو أسماء حاضرة الآن .. فهذا محض صدفة ولا أساس له من الصحة.وأود في هذا الصدد أن أشكر الكاتبة المجددة بثينة خضر مكي ، التي أهدتني كتابا ألّفه رحالة عربي قام برحلة إلى بلاد السودان في القرن السابع عشر ، ومنه استوحيت أحداث هذه الرواية ، كما أود أن أشرح معنى ( الكوراك ) الذي تنبني عليه الرواية ، وهو الصياح أو المناداة بالصوت العالي.































    يذهب الراوي إلى عزلته ..
    لنحصد عذاب الكلمات .
    سنان المسلماني من مجموعة ( مزن )






















    -1-
    كان ( آدم نظر ) في الخامسة عشرة من عمره حين أخذه أبوه لأول مرة إلى مجلس ( الكوراك ) الذي كان يعقده السلطان ( رغد الرشيد ) سلطان ( أنسابة ) عصر كل جمعة للنظر في شكاوى رعاياه ، واقتراحاتهم ، وأمنياتهم الحالمة أيضاً ..لم يكن ذلك المجلس من اختراع السلطان الرشيد ، لكنه كان تقليداً متوارثاً في سلاطين ( أنسابة ) ، والركيزة الأهم في ركائز الحكم.وقيل أنه من وضع السلطان ( يوسف ضو ) الذي لم يؤسس سلطنة ( أنسابة ) فقط ، لكنه أوقفها على قدميها ، زيّنها بجهد وعرق غزيرين وربط أوردتها بشرايين التجارة التي كانت تأتيها من كل صوب.من صعيد مصر .. من أفريقيا السوداء ..من الحجاز واليمن ،وبلاد فارس ، وحتى من العالم البعيد والغامض .
    كان مجلس ( الكوراك ) يعقد في قصر السلطان المغروس في وسط العاصمة ( جوا جوا ) ، بناء من طين أحمر داكن على مساحة شاسعة من الأرض تتخللها الحدائق والنوافير،يتوسطه باب عريض من خشب ( المهوقني) الفخم،وتتوزع على طول نسيجه ، نوافذ صغيرة الجسم تمتص الشمس أو ترضع الهواء، أو تحمل نظرات معذبة من حريم القصر إلي فضول الطريق .كان واحداً من قصوره المتعددة والمنتشرة في (جوا جوا ) وضواحيها ، لكنه كان المفضل والأفخم والثري في المعمار، والمسمى قصر ( المسك ) كناية إلى ( مسك النساء ) إحدى حريم السلطان المفخخات ، والتي كانت تقيم بداخله وتعد بمساعدة خصيانها،وجواريها المدربات وليمة الجمعة الاستثنائية.
    كان يؤم ذلك المجلس الأسبوعي خلق كثير ، يأتون من جحور ( جوا جوا )، من فقرها وغناها ،ومن سترها وانكشافها ، والتياع مصارينها ، ومن حوافها الغاصة بالبدو والرحل، ومهمشي القبائل وأيضاً من تلك الجبال والأقاليم البعيدة والحدود.يملأون العاصمة بالفوضى والدواب ،والعادات المتناقضة ويساهمون بشكل كبير في نفاد السلع وغلاء المرطبات وعلف المواشي .كانت النزاعات بجميع مستوياتها تعرض..الحاجات الملحة وغير الملحة تعرض.. الأمراض المستعصية والخبيثة تعرض ..عذابات البيوت ..وروائح البول والروث وتشقق الأظافر والثارات ،وأمنيات الحج والعمرة وأيضاً عقوق الأبناء تعرض …وتتحول ساعات انعقاد المجلس التي قد تطول وقد تقصر ، إلى سوق همجي يعج بالمتناقضات ويشد السياح ، وتجار القوافل ، وكثيراً من السحرة الجائلين ، عارضين لمهاراتهم.وأيضاً رسامي المناسبات التذكارية الذين يسجلون الكثير بألوانهم.لم يكن السلطان يظهر للناس دما ولحما أبداً . كان يجلس في قاعة الحكم الكبيرة المزينة بزخارف الحرب وطبول النحاس والسيوف المصقولة والخناجر ، ووجوه الجاريات التي خططها فنانون أوربيون مروا بالسلطنة في أيام مضت ..كان يجلس عن يمينه الأب الشيخ ( يوسف كرا ) وزيره الكبير ونائبه في السلطنة في حالة الحرب أو السفر أو وعكات المرض، وعن يساره مستشارون في شتى شؤون الحياة في ( أنسابة ) .. منهم ابنه الأمير ( مساعد ) مؤسس كتيبة ( الرعاع ) القوية والمكلفة بأعمال جليلة، والحكيم ( دوباجي ) كبير ممارسي الطب في ( أنسابة ) ، و( لاليا البرناوي ) معلم الخط والقرآن ومفتي الديار الأنسابية، و ( كردم كردمان ) الذي كان وزيراً مبجَّلاً في بلاد الأكراد البعيدة، ودخل ( أنسابة ) في إحدى السنوات راكباً إحدى القوافل التجارية .. كان فارَّاً من خطب ما وقال لاشيء يخيف .. إنه مجرد ثأر ، فاحتواه ( رغد الرشيد ) عينه مصمِّما لأزياء السلم والحرب السلطانية وسخر له جيشاً من النسوة والعبيد والخصيان ، ينفذون تصاميمه حرفياً..وكان وجوده في مجلس ( الكوراك ) ، نابعاً من رغبة شخصية ، فقد كان يستوحي من الصياحات ومطلقي الصياحات ، أزياء ودروعاً يقدمها للسلطان عند الطلب .أيضاً كان ( أحمد برم) عم السلطان ذو العينين الناريتين واللسان الركيك الراطن يحضر صامتا وكاتما لضغينة يكنها للسلطان بسبب نفي ابنه إلى الجبال البعيدة.. وصبابي كبير التجار وموزع ثمار القوافل يحضر ، وأحياناً يأتي ملوك الأرياف وحكامها وزعماء قبائلها ليظلوا قريبين من شكاوى قد ترفع في حقهم من قبل مواطني مناطقهم.وكان يقف خلف السلطان مباشرة خمسة عشر من الرجال الأشداء والمدربين على قنص الخيانة،والسلاح الأبيض .. كانوا هم فصيل ( الظهوريين ) المكلفين بحماية السلطان في كل أوقاته التي يحيا فيها ،في المواكب.. في ذكرى الأعياد ، وعند السفر إلى القرى البعيدة . وكان وجودهم في مجلس ( الكوراك ) للزركشة أكثر مما هو للحماية ، حيث أن السلطان كان يجلس بعيداً ومحميا داخل مجلسه وبين مستشارين لن يغمد أحدهم خنجرا في قلبه .وكانت الصياحات الشكاوى أو الحاجات ترفع إلي السلطان عبر سبعة ناقلين منتقين من دم السلطان وأواصره المقربة،وحالفين لقسم غليظ بأمانة النقل لا يحيدون عنه أبداً ،كانوا ينتظمون في سلسلة رأسها عند السلطان في مجلسه ، وذيلها خارج القصر عند المواطنين ، وتعود الأحكام السلطانية عبر تلك السلسلة السباعية أيضاً لتصب في آذان الصائحين، والتي تتراوح بين عفو السلطان أو جوره ، ورأفته أو احتداد مزاجه ..وفي بعض الأحيان كانت السلسلة تمتلئ لتصب في أذني السلطان وتأتي فارغة ، وفي أحيان أخرى كانت تحمل قهقهة أوحُكماً مؤجلاً حيث تطلب من صاحب الشكوى أن يصرخ بعد جمعة أو جمعتين أوحتى مائة جمعة .وعن طريق سلسلة ( الكوراك ) تلك ، أتيح لسلاطين ( أنسابة) أن يتنفسوا روائح رعاياهم ، يشمون الفتن والدسائس ، وعطور الثورات الرخيصة ، يقيمون حكام أقاليمهم، وموظفي جبي الضرائب ،وأسعار السلع ، يتنزهون بين المتسوقين في السوق والمقاتلين في الحرب ، والدارسين في مدارس الخط والقرآن ، وربما نفذوا إلى الغيد الحسان في مخادعهن.وحين أصيب أحد سلاطينهم مرة بالغطرسة وألغى ذلك المجلس الإحتكاكي، تهدمت هيبته ، وخانه حكام أريافه ، وفرَّت ضرائب مهولة من تحت رأسه ، ولم يمكث في السلطنة سوى أشهر معدودة بعد ذلك.
    سار ( آدم نظر ) ووالده على أقدامهما خائضين في رمل (جوا جوا ) ، مرا على شوارع خامدة ، وشوارع مشتعلة بالصخب ، وصادفا غرباء جاءوا من أماكن بعيدة حاملين لصياحاتهم الملونة .. كان الفصل صيفاً في أواخر عمره ، ثمة لسعة من حر ، ومداعبات من نسيم أحياني وسحاب مسافر لا يستقر ..كان( آدم نظر ) مغتبطا بشدة.. وطوال ذلك السير المتعرج ، داعبته خيالات عطر الرجولة الذي أحس به في ثوبه وعمامته ، وشعيرات شاربه الهزيل..وفي حذائه المصنوع من جلد الغزال ، والذي كان يرتديه لأول مرة احتفاءً بهذه المناسبة..وكانت الخطوات التي كبر من شأنها وحاول إيصالها إلى خطوات والده الناضجة والقوية ، قد خضبته أيضاً بإحساس رائع ووفير ..كان يتعجل التجربة ، ويكاد يرتعش حين يفكر في ذلك الزخم الذي سمع عنه مراراً ، ولم تتح له فرصة التقاطه بعد .
    كان طالباً في مدرسة ( عباد عبد الرب)..المهاجر اليمني الذي دخل ( أنسابة ) عن عمد وإصرار في إحدى السنوات البعيدة راكباً في قوافل الحج العائدة ..ليستقر هناك ويؤسس تلك المدرسة ..كان عنيفاً وصلداً، ويحمل في رأسه المعمم ثروة من علوم الدنيا والآخرة.. تحفيظ القرآن ..تلاوة القرآن ، خط الرقعة .. خط تهامة .. خط الياقوت والفارسي ونظريات متشعبة في فلسفة الجهاد والطهارة ،وتحفة العروس ، وغسل الموتى ، وكانت دروسه في النحو والصرف هي أكثر ما كان يباغت التلاميذ ، كان يحشوهم بها فلا يهضم منها إلا القليل ، فيعيد ويكرر دون أن يكل..كان قد تزوج في ( أنسابة ) من إحدى قبائل الأشراف ،وأنجب في ( أنسابة ) أيضاً ،و اقترب من السلطان رغد كثيراً ، اقترب لدرجة أن سبعة من علماء السلطنة كانوا فيما مضى هم عقد اللآلئ الذي يرتديه السلطان،وهو في مجلسه ، و في جولاته ، وحربه ، قد همِّشوا .. طرد بعضهم من خدمة العلم ، وعين بعضهم جباة للضرائب ، وأرسل واحد منهم إلى مهمة في بلاد ( البرقد ) لم يعد منها أبداً .لم ينس المهمشون عبد الرب أبداً .. وضعوه في ذاكرة الغل الواسعة وابتدأوا يخيطون ثوب الفضيحة الذي سيرتديه يوماً،وصفوه بالمجنون ، وحامل الجرب والوسواسي،ومروج الإفك، وسلطوا عليه امرأة اسمها ( النعيمة ) كانت معروفة بالتسلل إلى عواطف المراهقين في ( أنسابة )، أغنوها بعدد من الدنانير والسلع الكمالية والسيناريو الملفّق ،فجاءت إلى مجلس ( الكوراك ) في إحدى الجمع ، وقفت ممزقة وباكية ، وسردت أمام الحشود كلها ، وقائع شديدة السخاء عن مهاجر خمسيني اسمه عبد الرب ، ظل يتحرش بعواطفها وجسدها لأيام طويلة إلى أن قرصها مرة في سوق ( الفخاريات ) الكبير في وسط ( جوا جوا ) .وصفت أصابع يديه وما تحتويه من وسخ بين الأظافر ، واحمرار شفتيه ، والشعيرات البيض في لحيته الجهمة ، وقلدت حتى نغمته اليمانية حين يقطع على مشيها الطريق هامساً .. يا ريمة .. يا مها ..يا أنس القلب .كان المهاجر حاضراً في تلك الجلسة ، فخماً وأخضرا بفعل جبة الحرير التي يلبسها .. وكانت من عطايا ( رغد الرشيد ) لجلسائه المتميزين حيث لم تهد إلا لثلاثة فقط في ( أنسابة ) .كان في لسانه حديث مدهش لم يكتمل، وفي آذان الحاضرين سماع مندهش لم يكتمل أيضاً .وقف شعر المهاجر حين استمع إلى الحكاية التي دلقها رأس السلسلة في أذني السلطان..لسعه السلطان بنظرة مرة.. ناداه بعباد اليماني ملغيا ألقاب العالم والشيخ والفقيه ،والنحوي ، ووالد الصبيان وعدداً آخر من الألقاب التي جاءت معه أو اكتسبها أثناء وجوده في أنسابة..قال...
    - هكذا يا يماني .
    - لم أفعل شيئاً يا مولاي ... ولا سمعت بهذه النعيمة أبداً ..صدقني يا مولاي ..
    - احكم على نفسك يا يماني .
    - نفسي المذنبة أم البريئة ؟
    - ما تريد .
    - إذن حكمت على نفسي البريئة بالبراءة .
    - وأنا حكمت على نفوسك كلها بالجلد ثلاثين جلدة .
    رماها ( رغد الرشيد ) ليس أمام خاصته فقط ، بل في أذن رأس السلسلة الذي دلقها عبر بقية السلسلة لتصب في الخارج أمام كل الصائحين .
    وكان أن سلّم المهاجر إلى كتيبة الرعاع ، وجلد بالفعل في ساحة ( جوا جوا ) الكبيرة وسط عيون شمتت وعيون بكت وعيون توسلت بلا فائدة.. أبعد عن عناية السلطان وعطاياه وموائده، ومجلس ( كوراكه ) الأسبوعي ، لكن مدرسته لم تُمس أبداً .. ظلت تلك المنارة المضيئة في ظلام ( أنسابة ) التعليمي ، تجتذب التلاميذ وترضعهم..وحتى بعد أن أدخل أحد الأمراء الصعاليك إلي منهجها مادة علوم ( الهبرات ) المختصة بالصيد والغزل ، ونظم النكات و تقوية الخيال الجسدي، وجاء يدرِّسها بنفسه .ظل المهاجر يردد بلا توقف: دسيسة والله العظيم ... دسيسة والله العظيم ..
    تلك الأيام توقع الكثيرون أن يشرع ( عبد الرب ) في هجرة جديدة إلى بلاد تقدس العلم، أو تناصب ( أنسابة ) العداء كسلطنة ( كردمال ) ، لكنه لم يفعل ذلك أبداً .
    في تلك المدرسة الفقيرة المشيّدة من عدة أكواخ من الطين والصفيح وسعف الدوم، والقائمة على جهد معلم تخلت دنانير السلاطين عن نصرته،وتلوث منهجه الرصين بجراثيم علم ( الهبرات ) والخيال الجسدي ، تعلم ( آدم نظر ) الكثير ..تعلم أن يرفع رأسه ، وينصب عينيه، ويجر عشرات الأسئلة والاستفسارات معه إلى البيت .
    في أحد الأيام سأل أمه فجأة ..
    - هل غازلك والدي نظر حبايب قبل أن تتزوجيه ؟
    انكسر طرف الأم ، وتصاعد إلى خديها الدم النابض ولم تستطع أن ترد .
    وفي يوم آخر باغت قيلولة أبيه التي كانت مقدسة ولا ينبغي مباغتتها.. صب في أذنيه عدداً مهولاً من النكات ومقاطع غزيرة من عيون شعر الغزل في ( أنسابة ) ..قال أعضاء جسمك كلها قاحلة واستهلاكية ما عدا السفلية منها ، فهي التي تنتج . وحين ابتدأ يخطو إلى بيوت الجوار العامرة بذوات الخدور ، متذرعا بمراسيل وهمية ، واستلاف لكماليات لم يطلبها أحد ، عرف أبوه ، وعرفت أمه ، وأخته ( الرزينة)التي تكبره بعدة أعوام ، أن ثمار علم الهبرات الطالحة قد بدأت تنضج في عقول مرتادي مدرسة ( عباد عبد الرب ) .وقد حاول أبوه وآباء آخرون زيارة المدرسة مراراً للاطلاع على أحوال أبنائهم وإبداء اعتراضات على نظم التعليم، فأوقفتهم كتيبة الأمير ( الهبراتي ) التي كانت تحرس مقرره ، أيضاً حين أوقفوا أبناءهم عن الذهاب إلى تلك المدرسة وأقعدوهم في البيوت، جاءت سواعد ذات الكتيبة واقتلعتهم من أسرَّتهم ومسكنة آبائهم، وكانت محاولة الصياح في هذا الشأن في مجلس ( الكوراك ) الأسبوعي ، ومطالبة السلطان بالتدخل لإلغاء تلك المادة أمراً عسيراً .. فقد كانوا يعرفون ، وتعرف ( أنسابة ) كلها أن أحد أعضاء السلسلة السباعية المكلفة بنقل الصياح إلى أذني السلطان ، كان هو الأمير ( الهبراتي ) نفسه وكان ابن أخت له معزة.
    سأله أبوه فجأة وهما يسيران متجهين إلى ساحة الصياحات :
    - بماذا تفكر يا أدوم ؟
    - في الذي سأشاهده في مجلس ( الكوراك ) .
    - وماذا تظن أنك ستشاهد ؟
    - لا أدري .
    - إذن أسرع .
    استلمته يد صانع الطبول القوية ، والمدربة على نشر الخشب ونحت النحاس ،و دبغ الجلود وحكها ، وتثبيتها في تلك الآلات المرعبة ، وسارت به وبتلك الخطوات الكبيرة والناضجة.كان الطريق الآن مزدحما بالفعل .. ثمة إبل وحمير ،وأحصنة مغبرة وبادية التعب وغرباء بحلوق منتفخة ولاهثة..ثمة عواء ونباح وشهيق وزفير ،وضحكات ، وصراخات أطفال . وكانت أشجار ( الهجليج ) الموزعة أمام قصر السلطان في ذلك النسق الجمالي الفقير الآن مكتظة بالظلال والخضرة ، وتأوي تحت فروعها آلاف البشر .كذلك أزيار السقاية كانت ممتلئة ويغشاها العطاشى ليرتوون . تعرف ( آدم نظر ) على جارهم ( أبكّر ) الذي كان أعور منذ أن ولد وصاح عدة مرات في مجلس السلطان مطالباً بعين زجاجية لكن العين لم تصله أبداً.. وإلى تلميذ آخر كان يزامله في مدرسة المهاجر وجاء برفقة امرأة كان حلقها منتفخاً وفي إحدى عينيها جروح..فوجئ برمال في عينه ،واتساخ في حذائه الجديد ،ويد خشنة لسارق تندس في جيب قميصه وتخرج فارغة ، وحين اتخذ مجلسه إلى جانب والده تحت إحدى أشجار ( الهجليج )..كانت غرابة الرؤيا قد بدأت تسافر ، وحلت محلها رغبة الصبا في اكتشاف أفق جديد .
    فجأة شق التجمع جسد مهيب لامع يرتدي جبة من حرير أزرق، ويضع على رأسه عمامة الكبار الفخمة ذات الملمس الحريري ، ولون الضباب.. كان قد ترجل عن فرس رمادية مخططة وسط عبيد خارقي الأجساد وضعوه على الأرض بنعومة ، وخطا بحذاء جلد النمر المغاربي، منفلتاً إلى داخل القصر.. وقف الآلاف المتجمعون إجلالاً،زغردت امرأة وامرأة وامرأة ، وهتف هتاف وهتاف وهتاف ، وصرخ الحاجب الذي عند الباب :
    -الأب الشيخ يوسف كرا .
    سأل الصبي والده لاهثاً :
    - هل هو سلطان آخر يا أبي ؟
    ردد الأب :
    - لا .. لكنه وزير السلطان ونائبه في الحكم ..
    - وهل له مجلس كوراك أيضاً ؟
    - لا .. لكنه يقوم بدور كبير في مجلس السلطان ويحكم السلطنة في غيابه.
    تقبل ( آدم نظر ) تلك المعلومات الطازجة راضياً .. أدخلها في بيوت ذاكرته الصبية و التي بدأت تتسع ، وأغلق عليها بقفل الترقب الذي كان الآن في تمام متانته ..أبصر ظلال ( الهجليج ) تنتفض ،والمتجمعين يمدون أعناقهم ،والمسجلين في قائمة الصياح ، يصلحون هندامهم ، وشاهد سلسلة النقل السباعية تنتظم ، وسمع الحاجب الذي يقف تماماً بمحاذاة ذيلها يصرخ :
    - السلطان في مجلسه ويتلقى ( الكوراك ) .
    كانت بداية الصياحات من امرأة من قبيلة ( المساليط ) التي كانت تستوطن في إحدى الحواف على مسافة أربعة عشر يوماً من ( جوا جوا ) وفي جوار لاصق مع إحدى الدول السوداء ، كان اسمها ( حرّة ) ، وكانت ممزقة الثياب ،وحافية ، ومنتوفة شعر الحاجبين ، تحمل على ظهرها رضيعا أجرب ، وتصيح بمغص ..
    -( زوجي قلب الأسد يا مولاي .. يضربني في اليوم عشر مرات ..يسب أهلي وعشيرتي ، يدلق طبيخي على الأرض.. لا تعجبه فئران ( الصلمبوي ) الصغيرة التي أطبخها..ويريد فئران( الكدكاي ) الضخمة التي لا يملك ثمنها .. كان يسرقها من الناس .. نعم يسرقها..أنصفوني.. مولاي الرشيد.. أنصفوني ..شكوته مئات المرات إلى قضاة العشيرة ولم ينصفني أحد ) ..
    ولم تكن أكثر من عشر دقائق مترقبات ،حتى جاءها الرد من ذيل السلسلة راكضا:
    - السيدة ( حّرة المسلاطية ) زوجة ( قلب الأسد المسلاطي ) ، لقد أمر مولانا السلطان بتعيين زوجك فرداً في كتيبة ( الرعاع ) تحت قيادة الأمير ( مساعد ) تأديبا له وتقويما لسلوكه ،عودي إلى الصياح بعد عامين إذا أردت عودته إلى بيتك .
    زغردت( المسلاطية ) جنونا ، ألقت برضيعها الأجرب على الأرض ورقصت رقصة ( حلال العقد) العريقة التي كانت تنتشر في تلك الأصقاع وتعتمد على طي الجسد وتفكيكه بحركات متناغمة.لم يكن الزوج ( قلب الأسد ) موجوداً ليصيح مدافعا عن نفسه ، وحتى لو وجد ما كان ذلك يجدي نفعاً ، فقد كانت أحكام مجلس ( الكوراك) قاطعة وبلا أمل في تعديلها .
    كان التالي عجوز من قبائل ( البراقيد ) التي لم يكن موطنها يبعد كثيراً عن ( جوا جوا) و التي كانت أم السلطان ( رغد ) من أحد بيوتها الفقيرة ، وأهديت إلى أبيه جارية راطنة فتزوجها وأنجب منها السلطان وأخوة آخرين.. كان يتحدث عن غرر الصلاة التي تنتشر على جباه الأبناء والأحفاد وكل من هبّ ودبّ في ( أنسابة ) دون أن تظهر على وجهه برغم سنوات عمره التي جاوزت الثمانين، وقد أخبره أحد معارفه بأن تلك الغرر من هدايا السلطان يوزعها على من يريد من أهل ( أنسابة ) .. صرخ :
    ( خالك يريد غرة للصلاة يا مولاي .. غرة واحدة فقط مولاي .. رأيتها عند ( جبريل ولد عجب ) وعند ( الحاج كجكّي ) وحتى عند الولد ( سردابي ) الذي أكلت من لحم ( سمايته ) .. غرة واحدة فقط .
    وجاءه الرد عبر السلسلة ضحكة مدوية ... فانصرف مطرقا دون أن يفهم شيئاً .
    وجاءت ( تمائم ) المغنية التي كانت فيما مضى صوتا طويل القامة ، وواسع النبرات ، يجر خلفه قوافل البله والشفاه الفاغرة ،ويرجم كل صوت آخر يجرؤ على البزوغ في أنسابه ، وكانت حفلاتها التي تقام في الساحات والبيوت الكبيرة وفي مناسبات جليلة كيوم تأسيس ( أنسابة ) ، ويوم غزو ( الكردماليين ) الذي حدث في عهد السلطان ( نفر المقدّم ) أو ذكرى التتويج والجلوس على العرش ، تشد حتى السلاطين ،والملوك، وقادة الحرب ، ورؤساء القبائل ..وحين باغتها العمر فجأة ، وتغلغل إلى حبالها الصوتية ،ومفردات جسدها الطري ،لم تعد تظهر أو تغني ، كانت تعيش في ركود الحسرة في أحد الأحياء البعيدة متغذية من عصائد الهبات ودنانير قليلة كانت تصلها من عند معجبين مسنين لم ينسوها أبداً.. كان صياح المغنية مختلفاً.. رددته بصوت جاهدت أن تعيده عشرين عاماً إلى الوراء :
    ( السلطان للعشيرة ..
    قائد جيشها وكبيرا .
    السلطان في المسائل ..
    الرويان ودّ القبائل .
    السلطان لو يبرّك ..
    يديك بي إيدا تسرّك ) .
    استغرق الأمر اثنتي عشرة دقيقة مفخخة وسط ترقب المتجمعين وانتظارهم لذيل السلسلة في رده على ذلك الصياح الفخم .. لم تكن المرة الأولى التي يمدح فيها ( الرشيد ) على هذا النحو ، لكنها كانت المرة الأولى المغناة وذات الإيقاع الشجي وبذلك الصوت الأنسابي العريق . ثم جاء الرد أخيراً .. فقد تم تعيين السيدة ( تمائم شريف )بنت ( شريف غاني ) المنحدرة من قبيلة ( الغانيين ) والمقيمة في حي ( ورى)الشعبي، عضواً في مجلس الجدات الذي كان واحداً من أهم المجالس في ( أنسابة) ، كان يضم جدات من صفوة المجتمع ،وبيوته العريقة.. ترأسه ( السحابة ) جدة السلطان شخصياً ، ، وكان مكلفاً بإجراء مراسم تتويج السلطان ومراسم دفنه،ومراسم تحميسه بالطبول والحناجر في وقت الحرب، إضافة إلى مراقبة علامات البلوغ ونمو الغرائز لدى بنات القصر .. وكانت ثمة تدقيقات صارمة تجرى عن كفاءة الجدة وسلامة سيرتها من خدوش الشائعات وقدرتها على شل الفوران لدى البنات عند ظهوره ، وكان تعيين المغنية بهذه الصورة المتعجلة ، استثناء صارخاً ،لم يحدث قط في ( أنسابة ) وكان راتب الجدة العضو في ذلك المجلس ، مجزياً ، لدرجة أن تمائم المغنية لم تستطع التماسك..اتكأت على كتف ذيل السلسلة ، واندلقت في بكاء رهيب.
    وإلى ذلك المجلس أيضاً جاء (حنفي الساحوري )..تاجر القوافل الكبير ، كان صعيدياً من جنوب مصر ، تعرف على طريق ( أنسابة ) منذ سنوات بعيدة ، وأنشأ تجارته التي كانت دورة هائلة من دماء السلع ، تتغذى من البلاد وتغذيها ، كان يتاجر في الذهب والفضة والعقيق ، والدخن ،والموالح ، وحتى في الجواري والعبيد ، والخصيان ..يأتي بقافلة كل عام تكفي مؤونتها لإشباع جوع التجارة إلى أن يعود ،وتربطه بالسلطان علاقة الوجاهة والثراء لكن مشاغله الكثيرة كانت تمنعه من حضور مجالس ( الكوراك) ضيفا , وكان قد تعهد برعاية جميع مجالس ( الكوراك ) التي انعقدت في أثناء وجوده في ( جوا جوا ) .. قدم أتباعه شراب القضيم المرطب لحلوق الصائحين، أهدوا الصغار رزما من حلوى ( الدرادم ) اللزجة والملونة ، وأبروا النساء بأقراط السكسك والقصدير، وبعطور ( الكافن كافن ) و ( المسرّة ) و ( مخدع الحب ) المهيجة والتي أضفت على الأنوثة طعمها المطلوب ..كان صياحه بلهجة لا يعرفها ( آدم نظر ) ،ولم يسمع بها أبداً من قبل ..انسابت إلى سمعه وخرجت كما هي .. التفت إلى والده متسائلاً .. فرد الأب ..
    - إنه على سفر ويطلب الإذن بالرحيل من السلطان رغد.
    كان ( آدم نظر ) قد سمع ب(حلحلوك) المجنون الذي ظل يصيح في مجالس السلاطين لخمسة وخمسين عاماً لم يتغيب فيها جمعة واحدة. كان يطالب بجارية بلا ثديين ، وبيت بلا أرض ، وعربة من فضة تجرها خيول رمادية . في البداية كانت نداءاته تتخذ مسارها الطبيعي في السلسلة السباعية حتى تصب في آذان السلاطين ، وبمرور الوقت شاخت تلك النداءات ، أصابها الإعياء وصارت تسقط عند ذيل السلسلة لا تتعداه . وكان أغرب ما في الأمر أن أحد السلاطين ألهبته تلك النداءات ..استجاب لها وأهدى إلى ( حلحلوك) جارية ضامرة وبلا ثديين بالفعل.. لكنه أخفق في توفير ذلك المنزل المعلق ، وتلك العربة الفضية التي تجرها خيول الرماد. وعندما لمع نجم ( ولد أعرج ) المنحدر من قبيلة ( العراجين) كواحد من الأباطرة السفليين ، وأصبح مقصداً للكثيرين الذين حكوا عن معجزاته في مناداة المطر،وحل المربوط ، وتوزيع حناء الزواج على العازبات، حدثوه عن ( حلحلوك ) ونداءاته الغريبة ، فتتبعه في أحد مجالس ( الكوراك) ،علقه في الهواء ثلاثة أشهر كاملة.. ترجه الريح ، ويغسله المطر ، وتتحاوم طيور الرخم حول هيكله، فأقلع عن طلب ذلك المنزل الذي بلا أرض لكن نداءاته الباقية ظلت مكثفة ، وتتكرر في كل مجلس .وبعد عدة جمع عادت النداءات كاملة إلى الظهور . كان المجنون موجوداً في عصر تلك الجمعة أيضاً ، طويلاً ومغبراً ، وضامراً ومنحنياً ،كأنه كان يحمل ( أنسابة ) على ظهره وأنزلها .في عينيه بريق ولمعان ، وفي أنفه احمرار طفيف وفي سرواله رائحة حامض ما . كان مستظلاً تحت إحدى أشجار ( الهجليج ) الكبيرة، تتزاحم حوله الناس ويحكي عن جن في هيئة ثعلب إفرنجي صادفه في البراري منذ يومين :
    ( قال لي جود إيفننج حلحلوك.. قلت له جود صليبك .. لفخني برجله فلفخته بقرني الاستشعار ..شخر في وجهي فأخرجت له ثلاثة ألسنة ) .
    كان الجميع يضحكون ، وكان المجنون يتمعن في الضحك ثم يمسك بهذيان آخر :
    أهداني السلطان ( نفر المقدم ) جارية حمارة ..كنت أكويها بالنار فتصرخ : اتركني يا مجنون.. اتركني يا مجنون .. هل أنا مجنون ؟ وهل يوجع الكي بذمتكم ؟
    كافح ( آدم نظر ) في الزحام حتى وصل إلى مكان المجنون .. صرخ يا حلحلوك ، يا حلحلوك ..فلم يلتفت، كافح في الزحام أكثر حتى أمسك بيده ، وجدها رقيقة ، وطيعة وخالية من مستعمرات النحل التي وصفها له زملاؤه في مدرسة ( عبد الرب ) وأقسموا أنهم شاهدوها بأعينهم وحين غاص في عينيه ذاتي البريق واللمعان أحس بدوار خفيف ، وفي اللحظة التي هم أن يسأله شيئاً ، لعلع ذلك النداء الحاجبي الذي يعلن وجود السلطان في مجلسه ، انفلت المجنون من يد الصبي وضحك المتزاحمين ، واتخذ مكانه في صف الصائحين لتلك الجمعة ...
    ( أريد جارية طرية بلا ثديين وبيتاً من الطوب الأحمر ، ليس في الأرض ، وعربة من فضة تجرها خيول رمادية .. أرروك .. أرروك ) .
    وسقطت نداءاته عند ذيل السلسلة .
    أخيراً نودي على صانع الطبول ليعرض حاجته .. صرخ الحاجب :
    راعي الأغنام نظر حبايب .. راعي الأغنام نظر حبايب ..
    كان الحاجب جاراً لصانع الطبول ، يسكنان ( حي الرديم ) المهمل في أحد أطراف ( جوا جوا ) ،ويتقاسمان فقر الجوار ، وحلكة الزمن ..وأشياء أخرى عديدة من مفردات البيئة .. يعرفه منذ أيام صياحاته الأولى، وكم من مرة اشترى الحاجب من عنده طبلاً رخيصاً لإيقاظ زوجته كثيرة النوم أو طبلا أغلى قليلاً لإهدائه إلى إحدى المغنيات ..أو طبلاً غالياً بالفعل لسبب لا يعرفه أحد .صانع الطبول يا إبراهيم .. صانع الطبول يا إبراهيم.. راعي الأغنام نظر حبايب .. راعي الأغنام نظر حبايب ..
    لا يهم .. انتظم أمام ذيل السلسلة مغتمَّاً ، ومظلم العينين . كانت الفرصة الأخيرة التي تمنح له من قبل السلطان الرشيد في شأن حاجته بعد أن تعددت صياحاته في السنوات الأخيرة..وضج منها السلطان شخصياً ..وكادت أن تصبح مثل نداءات ( حلحلوك)، شيخة تسقط عند ذيل السلسلة ..صاح :
    - أريد أن أذهب إلى الحج في بعثة مولانا السلطان لهذا العام .. أريد أن أطوف وأن أسعى وأن أرمي الجمار ..أريد أن أقبل الحجر الأسود .. أرروك... حجّاً مبروراً .. أرروك .. ذنباً مغفوراً .. أرروك ..عودا حميدا .. أرروك .
    كانت المرة الأولى التي يرى فيها ( آدم نظر ) والده يصيح بتلك الرعونة ، وذلك التهيج الجبار .. شاهده في البيت صائحاً عاديّاً ..مثل كل المربيين وأولياء الأمور ، قد لا يعجبه الغداء أو مذاق البن أو سلوك طائش من ولد..شاهده في السوق صائحاً متذمرا من ارتفاع الأسعار وانعدام السلع الضرورية .. وشاهده في حضرة أقرباء ملاعين صائحاً في نقاش عن الزواج والطلاق وتعدد الزوجات .. لكن تلك العضلة الكبيرة التي غطت عنقه بالكامل، كانت مفاجأة للصبي .. استغرب منها لدقائق معدودة ثم هدأ ، وكانت الدقائق التالية كثيفة القلق ، أنفقها مع والده في انتظار نتيجة الصياح الذي لابد يعربد الآن في أذني السلطان . خمسة عشر عاماً وصياحات صانع الطبول عن الحج لم تنقطع.. يودع الحجاج ويصيح ، يستقبلهم ويصيح ، يشارك في دهن البيوت ، ونحر الذبائح ، ولبيك اللهم لبيك ، ويأتي إلى مجلس ( الكوراك)..بصياحات متشنجة ، وصوت فارع الطول يرج الآذان كلها .وفي إحدى السنوات كاد صياحه أن يأتي بالنتيجة ..سار في السلسلة السباعية كجزء من روتينها العادي لكن الرد كان مختلفاً..أمر السلطان بإلحاقه ببعثة السفر المتوجهة إلى الأراضي المقدسة لذلك العام ، فطار فرحاً ، جهز إحرامه ، شد إلى وسطه جراب الجلد المألوف والمحتوي على نقود سفره القليلة ، وأبقى في بيته خروفاً ودهاناً أبيض ، ولقباً فخماً سيرتديه حين يعود ، وكان يوم ذهابه إلى مقر انطلاق القافلة من أمام ( بيت ) مال ( أنسابة ) ، يوماً مشهوداً، تبعته الزغاريد وأمنيات الحج المبرور والسعي المشكور والعود الحميد ..كان على ظهر ناقته حين جاء رئيس البعثة شده من رجله وأنزله في صلف.. قال :
    - انزل يا صانع الطبول .. انزل .
    صرخ في وجهه: لماذا ؟
    - معنا أمر سلطاني بإبعادك عن البعثة... انزل .
    بكى : لماذا ؟ .. لماذا ؟
    - لا ندري ..
    عاد إلى بيته مغتما ..خلع إحرامه وجراب الجلد من وسطه وألقى بهما في أحد الأركان ،هبط بمعنوياته إلى الأرض، رفض تذوق الأكل والشرب ، وكاد ينبح ككلب حين جاءه الشامتون يمدون أيديهم ويرددون : عوداً حميداً .. عوداً حميداً..وفي أول جمعة صائحة كان أول من افتتحها ، عرف أن ثمة وشاية قد حدثت ، وأن فتاقه السري الذي ظل يخفيه بإتقان لسنوات طويلة قد انكشف ، وكان محظوراً على ( المفتوقين ) والعور والطرشان ، وذوي السوابق وحاملي ميكروب ( الطاعون اللساني ) ركوب القوافل السلطانية حتى لو كانت تقوم برحلات داخلية في تخوم ( أنسابة ).
    لم ييأس صانع الطبول أبداً .. اغتم لعدة أيام فقط ثم تبعثر في كل حيل الطب التي كانت متوفرة في البلاد في ذلك الوقت .. جرب أوراق ( الهجليج ) يابسة وخضراء.. جرب بصاق العشر ، ومركبات الليمون المخلوط بدم الغزال .. ألصق لزقة القرض ، وغمر جسده لعدة أيام في ماء خور ( الفراديس ) الذي كان يركد خارج ( جوا جوا) و يعتقد الأنسابيون بقداسة مائه .لجأ إلى موهبة ( ولد أعرج ) إمبراطور السفليين فما أفادت في شأنه ، وإلى مواهب آخرين لم تجد أيضاً .. كان فتاقه إبليسياً.. شرده من قوافل الحج ،وأقعده هكذا .
    تلك الأيام ظهرت في ( جوا جوا ) خمس فتيات شقراوات .. جئن في قافلة كبيرة كانت قادمة من صعيد مصر ، كجزء من دم التجارة الذي كان متدفقا بين البلدين .. قال رئيس القافلة أنهن متخصصات في طب الإفرنج وقادمات لمعاينة علل الأنسابيين بلا مقابل .. استقبلهن المواطنون بفضول أخرق ، واستقبلهن السلطان استقبالا حاشدا كان يخص به كبار الزائرين ..فرش لهن الأبسطة ، وموائد الطعام ..قلدهن الحرير والذهب والعاج ..والعقيق واقترح عليهن أن ينشئ مجلساً اسمه مجلس ( المداواة ) على غرار مجلس ( الجدات ) ،تخصص له حصة من موارد السلطنة ، وترأسه كبيرتهن إيزابيل التي دخلت إلى قلبه ، فأبين بترفع وقالت له إحداهن : ( ثانكس ) .. نحن موظفات عند الرب وسننال أجرنا .
    انغرست الشقراوات في ( جوا جوا ) .. أنشأن مشفى هزيلاً أسمينه ( مشفى العناية الإلهية) كان مبناه تبرعاً من التاجر ( صبابي )وتأثيثه الفقير من خيرات قوافل ( الساحوري)وقوافل أخرى تأتي من الحجاز واليمن ،وابتدأن في استقبال المرضى .. وكان مرضاهن في أغلبهم شيوخاً فضوليين أو نساء غيورات أو مراهقين جاءوا سعيا وراء عورات أجنبية.. وكان ( دوباجي ) كبير ممارسي الطب في ( أنسابة ) قد زارهن أيضاً .. لم يأت كطبيب ولكن كقرد عجوز يبحث عن دواء لإبقاء الجسد واقفاً.وفوجئن أكثر من مرة بدخول السلطان نفسه إلى مخادعهن متبوعا بحراسه ( الظهوريين ) . لم تكن في جسده علة ولا جاء لهدف محدد .. كان سلطاناً لا يمكن مساءلته أبداً .
    وصل نظر حبايب بآفته المهلكة إلى مشفى العناية الإلهية..سرد صياحاته عن سيرة الحج وذلك الإبليس الذي يعربد في جسده و يمنعه من السفر.. عاينته الشقراوات بتأن ومنذ الوهلة الأولى وضحن برصانة .. لا يوجد علاج هنا يا صانع الطبول.. لكن يمكن أن نصحبك معنا في العطلة الصيفية حيث يقوم متخصصون بعلاجك. فرح صانع الطبول فرحاً مخيفاً ..غنى ورقص ، وهيّج الفتاق في سرته ..لن يمنعه أحد من ركوب قافلة الشقراوات التي هي قطعاً لا تمت للحكومة بصلة ، لكنه سيعود يوماً ما.. يركب قافلة السلطان ..يحج ويعتمر..ويدهن بيته بالأبيض ويمد إلى الشامتين يداً عادت بالفعل بعد أن لمست الحجر .وفي أحد الأيام الطويلة المنتظرة من عمره ،جاءت تلك الفتوى المدمرة التي أصدرها ( لاليا البرناوي) مفتي ديار ( أنسابة ) .. والتي تبين أن أولئك الشقراوات صاحبات مشفى العناية الإلهية كافرات قدمن من بلاد الأنجاس لتنجيس شعبه برغم براءة وظيفتهن ..وأنهن محللات الدم يؤجر من يقتلهن.فررن بليلهن تاركات مشفى العناية خابياً تئن به امرأة ويسعل به رجل ، وينزف في فراغه ختان لطفل لم يكتمل، وتاركات فتاق صانع الطبول إبليسياً يعذبه في كل لحظة .وبعد عدة أشهر وصلت أخبارهن من سلطنة ( كردمال ) المجاورة والعدو التقليدي لسلطنة ( أنسابة ) .. وصلت عبر النازحين ومشردي الحدود وعرب ( المجانين ) المترحلين بين الدولتين ..الشقراوات يقمن في سلطنة ( كردمال ) في مشفى إلهي آخر مؤسس بأناقة، وبفتوى رسمية من مفتي الديار الكردمالية وموقع عليها من السلطان، تبين أنهن ممارسات طاهرات للطب لا علاقة لهن بالكفر والنجاسة . تلك الأيام فكر صانع الطبول في النزوح بآفته إلى ( كردمال ) لكن قيود الوطن الكثيرة والمتشابكة أقعدته .
    راعي الأغنام نظر حبايب .. راعي الأغنام نظر حبايب ..
    صانع الطبول يا إبراهيم .. صانع الطبول يا إبراهيم
    راعي الأغنام نظر حبايب .. طلبك مرفوض .. عالج سرتك يا مواطن .
    - عالجتها يا مولاي ..
    اندفع الحاج المؤجل إلى ذيل السلسلة .. متحدياً لواحدة من أرفع القيم في ( أنسابة)..وهي القبول بالحكم السلطاني ، وعدم الصياح أكثر من مرة في مجلس واحد.. وعبر تاريخ ( الكوراك ) الطويل لم يخرج عن ذلك السياق سوى نفر قليل..كان أهمهم ( حلحلوك ) الذي صنف معتوهاً وانتهى أمره ، والفقيه ( القرَشي ) الذي لم تعجبه فقرة في الدستور عدَّلها السلطان ( رغد الرشيد ) وكانت تختص بمساواة خصيان السلطنة بالرجال ..واستدعائهم للشهادة إن لزم الأمر وتزويجهم لو أرادوا.اندفع في عصر إحدى الجمع صائحاً بعشرين صوت مختلف .. وكان أن سحبت هيبته وأرسل مجنَّداً في كتيبة ( الرعاع ) التي أسسها الأمير مساعد.
    لحظات من ترقب وانفتح الباب السلطاني عن آخره .. كان الحكيم ( دوباجي) كبير ممارسي الطب في ( أنسابة ) .. القرد العجوز كما يسميه السلطان..وطابخ الوصفات الخبيثة كما يهمس أعداؤه .. لم يكن دوباجي طبيباً متمرساً ولا شوهد يجس نبضا أو يحضّر مركَّباً أو يضع أذناً على صدر يئن في ( جوا جوا ) أبداً.. وكان تعيينه الذي تم في عهد السلطان ( رغد الرشيد ) غريباً وملغيا لمهارات عدد من الأطباء الآخرين وقيل أنه تم بالسحر الذي تجيده بعض القبائل..وكان وجوده في مجلس ( الكوراك ) وفي غير مجلس ( الكوراك ) بتلك العقاقير التي يطلبها السلطان أحياناً للنشاط أو الفوران ، حتميا ولا مناص منه .. خطا الحكيم إلى خارج القصر خطوا ناعما..وبحذاء هو أيضاً من جلد نمر مغاربي .. شق جموع المتطلعين وتوقف عند صانع الطبول الذي كان الآن في رعشة كبيرة .. وبسرعة رفع قميص المحتج حتى إبطيه .. في تلك اللحظة بالذات .. كان الفتاق الإبليسي مستيقظاً ، وفي كامل بهائه ، وخاطب المتطلعين كلهم بتلك التموجات العنيفة المعروفة في الفتاقات السرية .
    غادر ( آدم نظر ) ووالده ساحة ( الكوراك ) بصعوبة ، كانت ( المسلاطية ) ما زالت ترقص ، وتحل عقد الجسد بجنون، المغنية ما تزال تتعثر متكئة على جذوع (الهجليج) اليابسة ،ووجد الصبي نفسه يجر الجسد الجبار والمفضوح والغزير العرق لوالده .اليد الصغيرة تجر الكبيرة ، والهم الصغير .. يجر الكبير .. ماذا حدث يا أبي .. ماذا حدث ؟ .. ولا رد..لا رد أبداً .
    تلك الجمعة وفي الساعة التي تقرض فيها الأجساد بأسنان التعب أو تسعل الرياح الهضمية هنا وهناك ، أو تختلي أوجاع الظهر بسلسلة فقارية ، مات صانع الطبول ( نظر حبايب ) .وجدوه عند نقطة تجمع القوافل المسافرة أمام بيت مال ( أنسابة ) ، نفس النقطة التي شهدت تلبيته وركوبه وانزلاقه عن ظهور الإبل من قبل..كان يحتضر بمشقة ..يشهق ويزفر ، وأحياناً يغني أو يضحك أو يقهقه ..
    صانع الطبول يا إبراهيم ..صانع الطبول يا إبراهيم ..
    عالجت الفتاق يا مولاي ..
    عالجته يا مولاي..
    رميت جمرة خبيثة ..
    رجمت ( دوباجي ) ولاليا البرناوي ..
    قبلت حجر الجبل ..
    طفت نائماً ..
    سعيت بين الصفا وبيوت أولاد عنبر ..
    حملوه إلى الجزء الأكثر رحابة والأوسع صدرا لاستقبال الفضوليين وعابري السبل في بيته الفقير، جاءه رعاة الطب الحقيقيون ، ورعاة الشعوذة المنتشرون بغزارة في ( أنسابة) حضّرت ( الأكاسير ) المختلفة ، واتقد البخور ،وتعالت دعاءات وبسملات، والتمت النائحات من حيث لا يعلم أحد وجاء الحكيم ( دوباجي ) إلى حي ( الرديم) لأول مرة منذ أن أصبح الحي رديما ، وأصبح كبير ممارسي الطب ( دوباجي ) .. كان محاطا بالعبيد والخصيان ،وكان في مهمة سلطانية عنيفة ، فيها وعود وأمنيات بلا حصر، وربما يلغى بعدها حظر السفر للمفتوقين والعمي والطرشان وحاملي ركاكة اللسان إلى الأبد .فتح صانع الطبول عينيه بمشقة ليرى إحرامه نظيفا و مرتبا، وحزام الوسط محشوا بمال الحج، ونموذجا منحوتا من خشب الزان ، يمثل الكعبة مشرقة وذات بعد روحاني أحضروه من أحد تجار منحوتات الخشب على عجل .. سأل عن جرعة ماء ، وعن الطريق إلى مقام إبراهيم ..أغلق عينيه ببطء لا ليطوف أو يسعى أو يرمي الجمار أو يقبل الحجر ، ولكن ليموت بسلام .
    ولأول مرة أيضاً جاء إلى الحي ، المهاجر اليمني ( عباد عبد الرب ) ..لم تكن مهمته عنيفة كمهمة الحكيم بقدر ما كانت استرداداً متأخراً لواحد من الألقاب المتعددة التي فقدها بعد أن انقلب ( رغد الرشيد ) على حظه ... لقب الشيخ عبد الرب ... حيث تعالت الأصوات عند رؤيته :
    - الشيخ عباد عبد الرب يتلو ما تيسر من الذكر الحكيم .
    وللمرة الثانية وفي أقل من عامين ، أقسم الكثيرون أنهم شاهدوا السلطان ( رغد الرشيد ) بشحمه ولحمه ، وعمامته المذهبة ، ممتطياً حصانه ( المهراجا ) الذي أهدي إليه من بلاد الهند ، يتجول في مناخات حي الرديم الحزين والغاضب .
    وربما للمرة الخمسين أو المائة شوهد ( حلحلوك ) المجنون .. لم يكن زائراً ولا معزياً ، ولا حتى عابراً عاديّاً للطريق . كان مجرد مجنون يشاهد للمرة الخمسين أو المائة في حي الرديم البعيد .
    وكجزء روتيني من مهامه الأمنية ،وحفظ النظام في تلك الوفاة غير العادية ، كان لابد أن يشاهد الأمير ( مساعد ) ونفر من كتيبته ..مبثوثين في بؤس تلك الليلة .
    دفنوه في مقابر ( أولاد غرب ) المخصصة لدفن المعوزين وذوي الحاجات وفتات القبائل ، وسار في موكبه قرابة الألفي شخص يتقدمهم الحكيم دوباجي ، الذي امتدت مهمته العنيفة إلى الفجر ،والمهاجر ( عبد الرب ) الذي كان سخيا في تلاوته لآيات الاستشهاد كلها، وسخيا في مواساته لتلميذه ( آدم نظر ) .. كان الأخير متجمدا ،وبمطارق الضرورة التي زورته في ذلك اليوم ، أضافت إلى أعوامه الخمسة عشر أعواما أخرى ، كان لابد أن يصبر وأن يصمت وأن يخطو إلى داخل البيت بين حين وآخر ليضرب فتاة أو يهدئ غلاما أو يطعن امرأة نائحة بصوته ..لم يكن في مخططه أبداً أن يصنع طبولا ، لا للحرب ولا للسلم ولا لصعاليك المغنين الذين تمزقها حناجرهم ..ولا كان قادراً على الصياح لخمسة عشر عاماً في مجالس الخرس السلطانية .لكن أفكارا أخرى قد تجيء في حينها، وذلك الجسد المهيب والفنتازي للأب الشيخ ( يوسف كرا ) بغرة صلاته الداكنة ، وعبيده الخوارق ، وحصانه المخطط ، وعمامته الضبابية قد يزوره في حلم ما .. لقد امتصه في العصر ، وأغلق عليه في خزائن الذاكرة ولولا موت والده الفجائي الذي يخلخل ثباته الآن ، لاستعاده كاملاً. اليوم يدفنون صانعاً معدماً للطبول، وغداً قد يتوجون أباً شيخاً جديداً ربما ينبع لأول مرة من حي مهترئ كالرديم ، ليمنح تلك الأبوة الشيخة معنى مرهفا ونبيلا.أفاق على صوت جسد يوضع ، وتراب يردم،وواحد من أقربائه يصيح ... ادفن أباك يا ( آدم نظر )..
                  

العنوان الكاتب Date
مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-08-04, 04:08 PM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) emadblake06-11-04, 02:58 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-11-04, 05:15 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) عدلان أحمد عبدالعزيز06-11-04, 03:40 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-11-04, 05:18 AM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أسامة معاوية الطيب06-11-04, 06:23 AM
        Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-11-04, 07:12 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Imad El amin06-11-04, 12:14 PM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-11-04, 03:34 PM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) عدلان أحمد عبدالعزيز06-11-04, 01:38 PM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-11-04, 03:39 PM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) merfi06-12-04, 00:02 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 06:30 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) omar_ragab06-12-04, 00:26 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 06:34 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) zumrawi06-12-04, 00:59 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Kostawi06-12-04, 02:58 AM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 06:43 AM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Mamoun Zain06-12-04, 06:44 AM
        Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 07:02 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 06:38 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) esam gabralla06-12-04, 07:58 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-12-04, 12:29 PM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Mamoun Zain06-14-04, 03:55 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) omar_ragab06-12-04, 02:10 PM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Walid Safwat06-13-04, 03:02 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-13-04, 05:09 AM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Mamoun Zain06-13-04, 05:06 PM
        Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم06-14-04, 04:16 AM
          Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم06-14-04, 12:03 PM
          Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-14-04, 01:31 PM
            Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم06-14-04, 06:37 PM
              Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-15-04, 05:23 AM
                Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Kostawi06-15-04, 07:19 AM
                  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-15-04, 05:16 PM
                    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم06-15-04, 06:23 PM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) رانيا مامون06-16-04, 02:41 PM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-16-04, 07:05 PM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) الحسن بكري06-27-04, 07:13 PM
        Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر06-28-04, 07:07 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) عدلان أحمد عبدالعزيز07-21-04, 09:01 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر07-26-04, 02:50 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) عدلان أحمد عبدالعزيز07-25-04, 07:14 AM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم07-26-04, 00:51 AM
      Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) نجلاء التوم07-26-04, 11:25 PM
        Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر07-28-04, 01:59 AM
  Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) Nagat Mohamed Ali07-27-04, 05:06 PM
    Re: مهر الصياح ( فصل من رواية تصدر الشهر القادم عن دار ورد - سوريا ) أمير تاج السر07-28-04, 02:06 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de