حديقةٌ في الأرض اليباب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 11:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2004, 00:28 AM

Sidig Rahama Elnour
<aSidig Rahama Elnour
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3420

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حديقةٌ في الأرض اليباب

    لم تكن تلك الأرض التي تتراءى خلف النخيل كبستان باسق سوى ثمرة من ثمرات إجتهاد لصاحبها ، تلك الحديقة التي توقظ في خاطرك كل ملامح الذاكرة للترف المكاني المحبب ، تلفت اليها في عنوةٍ وجبروت نظرات المارة في تلك الأرض الجرداء التي لا يوجد بها سوى شريط اخضر ضيق يساير النيل على إمتداد ضفتيه - في منطقة الرباطاب اليابسة - يتواري خجلاً خلف نخيلات كثيفة وبويتات كاكية حتى تكاد لا تحس وجوده وأنت على مسقط حجرٍ منه ، لكن تلك الحديقة المعنية تحررت من وطأة الفقر المديد والجدب المحدق بالطرقات ، لم تكن وليدة صدفةٍ عبثية ، وإنفلات من يد القدر على نحوٍ عابر ، بل أمتطت من أجل ذلك جسد الهواجس وعرق الكد والإجتهاد فلبست الأخضر في كل فصولها عكسها جاراتها ، نبتت من ريحانة القلق وانسكاب العرق ، والصبر المرير من خلف جدران الوجع والإنتظار والتضحيات من حاج أسماعين الذي كانت كل قناعاته تنطلق نحو أفاق جديدة من تلامس التحدي في ضرورة تلميع هذه الأرض الثرية لدرجة تتناغم وتتماهي في اسطر الذات والمحيط المحدق به ، كأن يدفع كل وقته وماله لها في سخاء وبدون أي شعور بالتانيب لأولويات سابقة... وكان الحاج أسماعين ما أن يصرع الفجر أخر خيطٍ من خيوط الغسق في تلك السماء الحالكة وتتفشي بصيص رؤية تفرفر على إثارها ديوك الحلة لتصدر ندائها المعهود في غير تغيير أو ملل ، حتى نسمع همهمات الحاج إسماعين ( فتاح يا عليم ، رزاق يا كريم ) يصحبها صوت نفضة الفردة البيضاء ذات الخيوط الثلاثة الزرقاء وهو ينثرها في الهواء ليطبقها فينطلق الى حقله منذ هدب الدغش هادراً كل وقته في معافرته ولا يعود الا في غسق الدجي ،،،
    في الصبح وما ان يشرع الحاج إسماعين في الاستيقاظ حتى يشرع معه البيت بكل محتوياته وكائناته الحية في ذلك ، الحاجة أم الفضل تغادر في هدوء الى إشعال نارها بسعف النخيل اليابس ، وكدوك الدوم ، وشي من حطب السلم ، وتحمل إنائها الفضي في يدها اليمني الملفوفة بحبات السبحة البيضاء ، قادلة باتجاه المراح لحلب الغنم التي ما أن تسمع همهات الحاج إسماعين وشروعه في الاستيقاظ حتى تصدر أصواتها وترد تحية الصباح لصاحبها الذي يحفظ معها علاقة حميمة خاصة عند عودته مغرباً وهو يتأبط لفائف اللوبة وكليقات القش ويوزعها بالتساوي أمامها في إحترامٍ وإخلاص ، ثم يمسح على روؤسها في تأدبٍ بالغ ،،، وفي الناحية الأخرى من المراح ما ان يسمع الحمار همهات صاحبه حتى يرد بنهاقه الكريه ، ثم تتبعه تلك الحمائم والدجاجات والنعاج في خشخشات تناغم أحيانا وتتناشز في أحيان كثيرة ،،،
    في ذلك الوقت كأن نصف القرية مستيقظاً ، أما النصف الأخر المكابر مثلنا فكأن على أهبة الاستعداد لممارسة ذلك الاستيقاظ ، فتلك الأصوات لاتجعلك تهنأ وتغمض جفنك في هدوء ، ولكننا ندعي ذلك متعمدين ومطارشين ومستفسرين عن سبب كل ذلك ولكن سرعان ماننسى أمر هذا التفسيرعلى نبرات صوت العم سيد أحمد الضارب في الوضوح وكأنه في وسط النهار ، يدفر الباب برجله حتى يرتطم ويلوذ منه بالفرار على الحائط ، يدخل ويحمل في يديه صينية يتمركز في وسطها براد الشاي وهو يراقص الكبابي وكأنه البرتقالة في أغنيتها التي تحيط بها فتيات العشيرة العراقية. يصرخ العم سيد أحمد فينا ( كيف أصبحتوا ، لعلكم بخير ، الأولاد ديل لسع نائمين ، والله ما في حاجة جابت الفًقُر في البلد دي الإ نوم الأولاد ديل للضحى ) كان يردد هذه المقولة كل يوم ويصر عليها ويتمادى في تطويلها ، وكنت أنا وبقية اخواني نوسوس في سرائرنا ( أي ضحى هذا ياعم سيداحمد ، الضلمة وحاتك الإبرة ما تقدها ، والصبح لسه بعيد أكاد أجزم أن سكان المدن الأخرى ما زالوا مستيقظين لم يناموا ليلتهم بعد ، وها نحن نشرع في يومنا الأخر ، كنت أمني نفسي ببدائل أخرى تريحني من أزعاج جدي ومراحه والعم سيد احمد وتلك الأصوات النائحة الصادرة من أزيز السواقي وطقطقات البوابير ، ولكن عبثاً يضيع حلمي حين نلملم اشلاؤنا عابسين ثم ندلف للمزيرة نغسل وجوهنا ونتوضأ تحت إلحاح ومراقبة جدي الحاج إسماعين الذي يتعلل بأن الشمس شرقت والوقت فأت ، وأنا يساورني الشك بأن باقي المدن السودانية لم توذن بعد لهذا الفجر الضائع في نظر جدي بينما نكون نحن قد أدينا تلك الصلاة خلف جدي الذي يوديها في صوتٍ متهدج يستدعي فيه ملكاته الترتيلية والتجويدية دون تأني متعمد ، وما ان نتنهي من صلاة الفجر حتى نسمع رنات كبابي الحاجة أم الفضل في الخارج تقارع بعضها وتصدر تلك الأصوات المحببة ( كلن كلن كلن ) وتعلن بأننا امام وجبة دسمة من بقايا طرقات الكسرة والفطير البايتة المعجونة بالشاي التخين لنفك بها ريق الصباح كما توصي دائماً جدتي ولعل ذلك هو العزاء الوحيد لتلك السهرة والقومة البدري ،،،
    يتناول جدي الشاي وهو حار من الجمر بأكواب متتالية في سرعة تذهل لها وهو غاطسٌ في بحرٍ من الكيف والاستمتاع ، يخرج أنفاساً حارة مصحوبة بهمهمات كيف عجيبة ، ثم يقف على رجلية في خفة بالغة عقب ذلك وكأنه أبن عشرين ليتجه نحو الباب ويجد الحمار ملبساً بالبردعة والسرج من إحدى بناته وفي أحدى (عكوف سرجه) (مخلاية) بها اشياء ، يقفز جدي على ظهر الحمار في خفة متناهية وهو يستند على عكازته المضببة ، وينادي فينا ( يلا يا أولاد قبل الشمس تشرق تلحقوني هناك ) ثم يطلق لحلقه حق الدندنة ببعض أبياتٍ من دوبيت وشعر من أشعار الفخر والإعزاز
    ( الليل اليل ، تمساح الكرد البحَجّز الفجات
    أياكا الصمد وأياك عشا البايتات ، اههههه
    أياكا جبل الصمد الديما راسي ثبات
    وأيكا جمل الشيل ، البيهو الأمور قايمات )) ( أهههههههههههههههههوه)
                  

العنوان الكاتب Date
حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-09-04, 00:28 AM
  Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-09-04, 00:29 AM
    Re: حديقةٌ في الأرض اليباب ابو جهينة10-09-04, 00:52 AM
      Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-09-04, 01:13 AM
  Re: حديقةٌ في الأرض اليباب samwal ebrahiem10-09-04, 00:36 AM
    Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-09-04, 01:09 AM
      Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-11-04, 01:32 AM
      Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Omayma Alfargony10-11-04, 07:36 AM
        Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Osman M Salih10-11-04, 09:56 AM
          Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-11-04, 10:48 PM
        Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-11-04, 10:38 PM
  Re: حديقةٌ في الأرض اليباب عبدالماجد فرح يوسف10-11-04, 01:03 PM
    Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Ali Alhalawi10-11-04, 10:58 PM
    Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-11-04, 11:02 PM
      Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-12-04, 06:47 AM
  Re: حديقةٌ في الأرض اليباب بلدى يا حبوب10-12-04, 07:52 AM
    Re: حديقةٌ في الأرض اليباب Sidig Rahama Elnour10-12-04, 11:48 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de