|
Re: الرأسمالية الطفيلية وباء يدمر حضارة عصرنا «1-2» :د. محمد سعيد القدال (Re: merfi)
|
2004
الرأسمالية الطفيلية وباء يدمر حضارة عصرنا ــ«2-3»
د.محمد سعيد القدال
ما هي الطفيلية، وكيف تسربت الى خلايا المجتمع؟ يعيش النشاط الطفيلي على الفائض الاقتصادي دون ان يسهم في انتاجه وتجديده او تعميره. ودون أن يسهم في الخدمات الضرورية التي تساعد على اكتمال دورة الانتاج والتوزيع. وتسعى الطفيلية الى الربح السريع باية وسيلة، فتعمل في المضاربة بالعملة وافتعال الندرة لرفع الأسعار. وتعمل بهمة في شراء وبيع الأراضي بطرق مشروعة وغير مشروعة. وتستغل المصارف للحصول على تسهيلات ولو بأساليب ملتوية. «راجع خطاب المعارضة الديمقراطية في البرلمان عام 1986». وتستورد الاطعمة الفاسدة التي تضر بصحة الناس، ما دامت تأتي بربح وفير، مثل استيراد البيض الفاسد، فالطفيلية جزء من النشاط الاقتصادي وليست جزءا منه. فالنشاط الاقتصادي يربح وفي نفس الوقت يبنى ويشيد، أما الطفيلية فتنهب ولا تشيد بل تخرب وكثيراً ما تدمر.
والطفيلية تمتص دمنا وجهدنا وتراكم به ثروتها في لهفة وبجهد لا يساوي ما جمعته من ثروات. وهي في لهفتها تلك تدمر. فهي كالجراد يهبط على الزرع ويلتهم المحصول ولا يخلف وراءه سوى اليباب وفضلاته الرثة. لا شيء يهم لديها سوى تراكم الأرباح التي تصعد عالية فتحجب الضياء واشراقة الأمل.
والرأسمالية الطفيلية لها آثار سلبية ضارة، فلها عدوى سريعة الانتشار في مجتمع ما زالت قاعدته الانتاجية ضعيفة، فهي تخلق مناخاً من الأحلام والأوهام التي تدغدغ خيال مختلف الفئات الاجتماعية، حتى الطبقات الدنيا التي تعيش على فتاتها، فينتشر التهريب والسوق الأسود والتهرب من الضرائب والرشوة. ولان ثروتها جمعت بالنهب السريع، فهي تصرف اموالها في الصرف البذخي والتباهي الزائف، فالأموال التي جمعت بجهد قليل، يتم صرفها بنفس الاسلوب، فمجتمع الطفيلية مجتمع زائف بلا عمق اجتماعي. ولكن هذا الزيف يؤثر على فئات اخرى لا تمتلك القوة المعنوية الكافية لمقاومته.
وتضعف الطفيلية القيم الخيرة التي ظل يجاهد من أجلها الأنبياء والرسل والفلاسفة وكوكبة من المفكرين. فلا يصبح للأمانة والصدق والوفاء بالوعد مكاناً امام الغش والاحتيال والسرقة. ولا تهز ضمير الطفيليين والمتحلقين حولهم. فيصبح الثراء السريع الشيء الوحيد الذي له قيمة.
وتقوم الرأسمالية الطفيلية بتهريب أموالها الى الخارج لانها لا تضمن سلامتها داخل الوطن. وفي الخارج تودع اموالها في اماكن تضمن لها ربحاً عالياً، حتى ولو كان ذلك المكان جزر البهاما، حيث تستثمر مؤسسات المال في كل مجالات الربح السريع، بداية بالمخدرات والدعارة حتى الصفقات المريبة في اعالي البحار. وهي بهذا الاسلوب تهدم بنياننا الاقتصادي على هشاشته، فتحيل حياة السواد الأعظم من اهل البلاد الى شقاء وكد وجري لاهث صباح مساء بحثاً عن ضروريات حياتهم.
ولا تطيق الطفيلية العمل التنموي الصبور البناء، فهي تدرك أن دورة حياتها محدودة، لذلك تعمل في مجالات النهب السريع الذي لا يحتاج لجهد وصبر. ولا يمكنها ان تمارس اسلوبها في النهب العجول في ظل الأوضاع الديمقراطية المنفتحة، فهي تحتاج دوماً الى أداة تقمع بها الناس كلما حاولوا نقدها او خرجوا ساخطين تحت وطأة الظروف المعيشية الضاغطة.
ولعل اكبر جوانب الدمار التي احدثتها الطفيلية كان في حقل التعليم، او ربما ان صلتي بهذا الحقل مكنتني من الوقوف على بعض ما حدث فيه. ولكن ايضاً لان التعليم يؤثر على مستقبل الأجيال الناشئة، التي تعتمد عليه ليكون مفتاحاً لمستقبلها. كما أن تدهور التعليم ينعكس سلباً على الجوانب الفنية والمهنية. لقد اصبح الكسب السريع في اي مجال في معمعان السوق اجدى من الجلوس لساعات للتحضير والدرس.
وعندما ينحط التعليم يدمر قدرات الاجيال الناشئة التي يعتمد عليها مستقبل الوطن. وقد نشر الدكتور محمد العوض جلال الدين كتاباً بعنوان «الارتباط بين التعليم العالي وعالم العمل والانتاج» وقال فيه: ان التعليم ما زال يركز على المستويات المعرفية الدنيا. وهي التعرف والفهم دون المستويات العليا. وهي التحليل والتفكير المنتظم والتطبيق، كما أن الجوانب الوجدانية تركز على قضايا الأخلاق والدين، أكثر مما تركز على صقل ملكة الخيال والتفكير المستقل وحب المعرفة والبحث عنها. كما يتم التركيز على المواد الأدبية والدينية على حساب علوم العصر، بما فيها الرياضيات والعلوم الأساسية واللغات الحية. ولا يبدو ان الطلاب يلمون بصورة مناسبة بالتحديات المحلية والاقليمية والعالمية التي تحيط بهم. ومنها قضايا الحرب والسلام ومفاهيم التسامح وثقافة السلام وقضايا البيئة والفقر والتنمية «ص 23».
فأصبح التعليم في ظل الطفيلية يقوم على غسيل المخ. ومثل هذا التعليم هو أخصب تربة لنمو الطفيلية وملحقاتها من هوس ديني وضعف معرفي. وتدهور التعليم الجامعي وبلغ دركاً سحيقاً في ما يسمى القبول الخاص، وهو الطفيلية في احط ممارساتها. وقد مارست مهنة التعليم قرابة النصف قرن، ولم يدر بخلدي ان يأتي اليوم الذي يصبح فيه التعليم سلعة تباع وتشترى. وقد تناولته بعض الصحف بالنقد المركز، كما ان إعطاء ابناء الشهداء درجات اضافية بدعة اخرى.
ولكن الدمار الاكبر في التعليم العالي، كان افتتاح الجامعات بلا ضوابط اكاديمية، فالجامعات لا تنشأ من يومها الأول كاملة النمو وكأنها طفل يولد باسنانه. تبدأ الجامعات اولاً في شكل معاهد ثم كليات ثم كليات جامعية. وتكون خلال فترة نموها تحت رعاية جامعة لها وزنها. وهي التي تتولى رعايتها خلال فترة تطورها حتى يشتد ساعدها وتصبح قادرة على تولي مهمتها الجامعية. ولكن الطفيلية في تلهفها العجول لا تحفل بذلك النمو الوئيد، فتفتح الجامعات مثلما تفتتح دكاناً للبقالة، فتدهور اداؤها حتى ان بعض الدول العربية اصبحت لا تعترف بشهاداتها.
كما أن الجامعات تضم مختلف التخصصات، لذلك تسمى جامعة. ومن خلال تداخل تلك التخصصات وتشابكها ينضج الطلاب اكاديمياً. ولا يشترط أن يجلس الطلاب في قاعات المحاضرات لكل المواد. ولكن وجود التخصصات المختلفة هو الذي يعطي الجامعة أفقها الاكاديمي العريض. وقد وصلت الطفيلية الملتحفة بالهوس الديني دركاً في احدى البلاد العربية، فأنشأت ما يسمى جامعة الايمان. لقد عاش الناس طوال قرون ينعمون بايمانهم دون الحاجة لجامعة تغرس برد اليقين في نفوسهم. ولم تهتز جدران يقينهم. وتعتقد الطفيلية أنها عندما ترفع رايات دينية، فهي كافية لحمايتها. ولكن تلك الشعارات لن تنفعها حتى ولو احتمت بالجودي. http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147490277 _________________
|
|
|
|
|
|