كنت شاباً... وفيما بعد... كنت أنتظر !

كنت شاباً... وفيما بعد... كنت أنتظر !


12-06-2005, 00:27 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1133825267&rn=1


Post: #1
Title: كنت شاباً... وفيما بعد... كنت أنتظر !
Author: المسافر
Date: 12-06-2005, 00:27 AM
Parent: #0



الخيبة... كلمة أصبحت تحتل مكانها بين سطور التشخيص الطبي لكثير من الأمراض العضوية التي تفت في الجسد خلسة حيناً وفي كثير من الأحايين إفتراساً.. كيفما جاءت تلقائياً أم تمكنت من تضاءل القدرة على تحقيق الهدف الذي امتد الصبر عليه سنوات ( أو كما تغنى ذلك ود البادية ممجداً الصبر على الهدف سنوات). في دنيا المغتربين الذين ضيعوا الأمر من بين أيديهم - ما منهم، من القيمة الفاقد والعملة بدل فاقد - ضاع العدد وكثر الفقد وهلكت ظروف المال، وتسربت الأماني العذبة، ومع طول الغياب تغيرت قوانين من الطبيعة ومن جنس الطبيعة كثرت الظواهر غير الطبيعية، وتشابك الطبع والتطبع ( أصبح الموت والعرس مناسبة يختلف في تفسيرها الناس وسط الجماعة) والماضي والمستقبل لا تعريف لهم والعمر يحتاج لدالة حسابية لا نهائية..

في عام 1993 كنت انتظر تحويل مصرفي من الخارج تفنن موظفي المصرف في تأخيري، لأني عرضت عليهم صورة التحويل بالتلكس الذي تم في يومه من حسابي ، ولكنهم أخذوا خمسة عشرة يوماً حتى انزلوه في حسابي، ورب من جرب القطعة هذه..

خلال مراجعتي للمصرف صادفت للمرة الثانية رجل عجوز لفت حواسي في ظرف انشغال عقلي بخلو ذات اليد وتأخر التحويل، فكنت أظن ربما هذا الرجل كذلك ينتظر تحويلاً من إبنه الذي يعمل في الخارج، لماذا تأخر عليه، يا ترى كم من الدائنين ينتظرون هذا التحويل، وكم من المتطاولين تهادموا هذا الجسم النحيل بنظراتهم المتفرسة طالبين دفع ما عليه من ديون..

تكرار المصادفة للمرة الثالثة جلعني انشغل بأمر الرجل كأمري، وحين كنت قريباً من الطاولة الأمامية للمصرف سمعت الرجل يخاطب موظفة المصرف، كان يقول لها يا بنتي أنا هذه المرة الثالثة أحضر ولا أجد شي، يا بنتي الحكاية شنو؟؟ أنا بجي بالمواصلات يا بنتي ؟؟

فتحت البنت محفظتها وناولته ورقة خمسين دينارا ( خمسمائة جنيه)، فقالت له أسوي شنو أنا يا عمي؟ ما بيدي حيلة..
عندما أخذ المبلغ كنت أحسب أن كل عضو منه يأخذ أمراً مختلفاً من عقل وعى السنين فأعيته، وكنت أظنه ينظر إلى أخمص قدميه وهو يغادر في تلقائية العودة بلا شيء.. غاب من الباب.. الباب الفاتح في الشارع.

أحتاج لزمن بلا حراك.. وبينما أنا على دفة من ذلك الزمن ..تواصل الحديث حولي.. التفتت الموظفة إلى زميلتها التي تجلس بجانبها تتأمل في مرقاب الحاسوب .. "" تفتكري معاشوا الجاي يسأل عنه ثلاثة مرات كام؟؟ تصدقي كلو خمسة ألف جنيه!!!""

جزء مني آثر اللاحراك في زمان يبحر، وجزء آخر انتشر سرابا.. في أي عمر كنت انا؟؟ وما فرق العدم بين عمر وعمر؟
إن كنت شاب لا قيمة لما بين أيديك..
وإن كنت كهلاً فأي قيمة تنتظر؟




















*********


Post: #2
Title: Re: كنت شاباً... وفيما بعد... كنت أنتظر !
Author: المسافر
Date: 12-13-2005, 11:14 PM


ثلاثة جنيهات
رصيد إفتتاحي في دفتر توفير البريد
مكتب البريد المجير بالجير الأبيض.. في طرف السوق
بناه الأنجليز
مازال بنفس الزنكي ظهر التور
والتلقيمة التي تخفي خشب الميرانتي الأصلي
والطوب الأحمر قياس
والمونة حرة
زيارة هذا المكان ربما تندرج ضمن خطوات الحضارة
وفي متونها استعدادات كثيرة
أقلها الحمام بالصابون الفنيك
ولبس الساكوبيس
والفاشري الجديد
وكل مرة بضع من الجنيهات تدخل في خزينة المكتب
وبضع أرقام تتراص على صفحات دفتر التوفير
المغلف بالبلاستيك الأزرق نيلي
المتدثر في المنديل الحريري
ولافيه الشريط
وفي الصباح الباكر من غير أيام السوق
هدوء واستراحة الغبار من معاركة حوافر الحمير
الصائغ يفتح أبوابه
يعجبهإعادة تحسين المشغولات
وتدبيكها ببعض من النحاس الأصفر المعتق بالحمرة..
مال هذا الرجل في كل مرة يصعب الشراء منه
بل نظراته تزداد حرارة تشع حول الأسورة
هذه الأسورة الهاربة
قد أسرها حب الصائغ ذو اللكنة العجمية
فتسربت إليه الواحدة تلو الأخرى
فارقت معصم الحاجة زينب
تحس يدها عادت في خفة
فأعتادت إخفائها
أو كادت تفعل
كلما تساءلت نظرة من جارات
والدفتر الأزرق نيلي
عساه قد فهم أن الأصفار التي بدأت تتزايد
تعصمه على جبل الثروة
إن حال الموج بينه وبين مركب القيمة
مال هذه الأصفار كثرت لتتناقص
أما تدري أن صاحبتها مع كل جلوس على الفروة
تسأل عمرا مديد
أيطول عمر تتنكس فيه القيمة
الدفتر كثرت صفحاته
الرقم كثرت أصفاره
في زمن كثرت فيه الزيارات
للشباك الأخضر عالي
في جنب الشارع في ناصيته مكتب البريد
الشيك الأخضر بالعشرات
غاب في خزائن مكتب البريد
وجات الحوبة
جيناك يادوبة
يا دوبة تحوق يا رصيد
وفي السحب مرة
فد مرة
صفر
ما عاد ينفع قيمة
شيلو الدفتر
صلب
كنصل كنصل
خليه في الرايحات
والعمر
أصلو العمر رايح