|
|
 Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته (Re: محمد ادم ابوكيفو)
|
تابين القائد القروي ....جندي مجهول
يا شهيد العلاء ..ورمز الفداء ..لك منا تحية البسلاء
انزلوك التراب من غير اسم ولك اليوم اشرف الاسماء
.قائد فذا لم يذل قبل اصابته وبعد الاصابة ايضا ، .. لكن جرحه فسد وتغير وكان ذلك سبب في جعله يكره المشفى ويكره الطبيب ويغادرهما إلى الأعالي حيث فجر من ورود في انتظار القادمين إليه من المجابهة الضيقة في مواجهة الرصاص.
كان التابوتي يدخن كثيرا ، وهو يخرج الموتى المرصوصين في دواليب الأموات واحدا بعد الآخر حتى توقف عنده ، كنا في ضيافته في ركن المستشفى (هاوس أوف ديت بودي) ، كان قد تبدل ، لكنه لم يتغير عني كثيرا بدأت لي شعر رأسه كأنما ريش بلله المطر، كان مزجيا يسبت في نومه السرمدي . لم يسمعني حين دنوت منه وناديته ، وهمست إليه أن ينتظرني إنني قادم إليه .
ودعنا القروي اليوم .. لقب لحبيب : اخ وشقيق في الضال. وقائد عسكري تحجب الاقدار ذكر اسمه الى مدى.
دفناه في مقابر عامة اعتاد إخوان من الشطر الجنوبي دفن موتاهم فيها ، اؤلائك الذين كنا نطلق النار عليهم بالأمس من الشمال بأسم الوطن تارة وباسم الله أخرى. كانوا معنا يبكون على القروي ، فهم يعتادون زيارة موتاهم ، كل يبكي القروي ، حثونا عليه التراب، كأني سمعته كان يضحك، انه يسخر من الموت مثلنا .
لم يلتفت احد إلى قبره ونحن عائدون، الكل كان مشغول بالاعداد لثاره وثار امة ، و البكاء عليه ، وحدي الذي التفت لألقي التحية على قبر الغريب المتروك بتلك الأرض الغريبة . وحدي الذي لم يبكى عليه حينها . انه فقد ومصاب نجده في أعماق أعماقنا .
هكذا نودعه!! لملمنا بقايا لحمه لدفنه كأي قطعة لحم فاسدة . اي قدر تضعنا الاقدار نفسها فيها؟؟؟
القروي كان يعمل بولاية أريزونا بأمريكا الشمالية ، التحق إلى هناك بعد أن أكمل دراسته الجامعية بإحدى مدارس نظام الخرطوم بغرب السودان تلك التي تلقب بالجامعات . فهو من سلاسل قرى تورنتونغ . قرى تصنع الرجال غربي جبال مرة جنة الغرب. لكنه اثر أن يكون بجانب إخوانه الذين حرمهم القدر ، اؤلائك الذين لم يعرفوا كيف يمسك القلم . لم يعرفوا الطريق إلى الجامعات .
كان يتحفنا بالرسائل من بلاد الغرب الحرة ، كان يتمثل بشعراء الرابطة القلمية في نيويورك : ايليا وميخائيل . لكنه كان اقرب فكرا لشعر العصبة الأندلسية بأمريكا الجنوبية : عريضة وانطوان ، وللشبه الذي كنا نجده بينه و بين الشاعر القروي معلوف الكبير أطلقنا عليه اللقب .
ولكنز من الشوق أحفظه له تدحرجت فرحا من باريس عبر ليل عبر استراسبوغ لنتشابك تحية ووداد ، في صالة مطار فرانكفورت الدولي ثم في الحدود الجرمانية لفرنسا ، تسامرنا كأي طفلين يحبان اللعب ، استدعينا ما في نفوسنا من سماحة الشعب السودان وانسه .
كان يحلم بالبقاء في الميدان مقاتلا . ووصل إلي المسرح في الجبال والسهول الغربية قائدا.
في الجولة النادرة التي حملنا فيها رسالتنا إلى العالمين ضمن رحلات كانت محفوفة بالمخاطر غصنا الى عمق افريقيا السمراء . ألقى القروي بالإنابة عنا خطاب الثورة في داكار - غانا ، كان يردم الانجليزية على الطريقة الأمريكية ردما ، وهو كذالك الذي قدمناه عنا إلى طلبة جامعة دار لسلام في تنزانيا ضلع القارة السمراء في الشرق .كان لقاء قارنهم معا السودان والسودان المعاصر.
كان يحسبونه زنجي من اريزونا كما اخوانه كنتاكنتي هناك، انه يشبه لي أبطال كنتاكنتي لالكس هيلي كثيرا . وهو يميل كثيرا إلى تمثيل مارتن لوثر كنج الداعية المفوه. والحقوقي نادر المثال.
حياة الميدان لها سحر وألفة ، حيث انك تعود إلى معانقة القمر من جديد ، الفارق أن القرى التي كنا نسهر فيها ذات يوم في الماضي قد دمرت بقذائف ظلت تمطرها الفراشات الكبيرة من السماء، تلك التي تمطر الماساة . والفتيان و الفتيات الذين كنا نسهر سويا نرتوي من الق الاغاني الحية في ليالي القرى ، عادوا مقسمين بين: مقاتل او قتيل اوشريد .
لكننا عدنا إلى الطبيعة والفيافي حيث انك تجوب السهول والأودية في كدنجر وكوقي وباري وأزوم ودهوش واب درنقل . حيث انك تعانق قمم كاركو ، وجلي ، ومون ، وجو ، وتقالي مع مقالي ، وترشف من صقيع قولو من سلسلة جبال مرة .حيث انك تشتم رائحة الدم المخلوط بعبير الطين ورائحة الحشائشة الخردة . وتسمع صوت الرعد ممزوجا وانين الجرحى ، وحيث انك ترى أطراف القتلى الشهداء المتطايرة إن أردت ذلك أو لم ترد.
تكون برفقة جند مجهولون اعتادوا ارسال الرعب الى نفوس الاعداء،
لم تكن الحرب شئ نحبه وكذالك حكت عنا الآيات الكريمات (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) لكنه قدرنا الذي لا مفرة لنا منه وكذالك اردفت الكريمات (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم).
القروي لم يكن مثل الشقيقين جلول الذين قدما إلى الميدان مثله وتركا دعة الدراسة والعمل ، الأول كان في ملبورن باستراليا يكابد عنت الحياة الى عنت جديد . وكنا وجلول الصغير في ليون بفرنسا في ذلك الشهر ، وتعاهدنا جميعا على المضي قدما نحو فجر يبزغ لشعبنا بعزمنا.
لكن القروي كان شبيه لهما في الكثير ، فهو قادم من القرية ريفي الطباع مصبوغ بسذاجته الدارفورية، أمريكي إلى حد في الديمقراطية واحترام الرأي الآخر . أما جلول فقد كان بدوي ، يجنح إلى القوة وتلك طباع البادية ، فالشقيقين جلول نشا تحت رعي الإبل وعشقا البادية والطبيعة ، يستقربون بادية العرب الأجلاف فيقرضون الشعر .
كان القروي يجنح الى الليبرالية وتقليد مؤسسات الغرب ، وكان جلول الكبير وصديقه مهاجر يساريان متطرفان في الماضي السحيق.
العدالة مؤسسة فريدة تلك التي تجمع في أطيافها كل طالب عدل ، وكل باحث عن حق. جمعهم تحت لوائها : مهاجر ، كريم ، الشهيد ، الأشقاء جلول ، رحال ، والقروي ، والعقد الفريد الممتد ، الأخوة بين القروي و جلول الكبير كبيرة جدا ، فجلول من قام بتقديمه في نشر ديوانه الأول ، ولصديقين حياة عميقة من السعادة .ورسائل معمقة بالود والإخاء.
لم يكنوا حاضرين يوم دفنه فاختار جلول الصغير ومهاجر وكريم أن يؤبنوا القروي الشهيد بطريقتهم الخاصة ، فهم بين جندهم أرسلوا إلى الهواء عشرون طلقة من كل بندقية تكريما لذكر رفيقهم الراحل .
حزن جنود القروي الذين كان يقودهم بصدق ، وتواثقوا على المضي قدما في الطريق المستقيم.
رحال كعادته يطاطي رأسه في كل حزن ، ويرفعه في كل مواجهة . فهو حينما يحزن لا يقول شيء ، وهو يقاتل صامتا كصقر يجول بناظريه في الميدان ويحزن بالصمت ويفرح مبتسم فقط . ذلك رحال فهو قد أطال من صمته حزنا للقروي اليوم .
إنني حين انعيه انعي شبابه ، انعي نفسي بفقده ، اهنئء جيش من جيله شبان وشابات ، بما اعطى وقدم ، وأبارك استشهاد القروي الجندي المجهول في طلب العدل والمساواة ، الى كل حر وشريف . كان برعم لم يزل على غصن الدهر جديد الامل والامنيات .
كنا نستعد للاحتفال بيوم يدخل الثلاثين من عمره في فبراير القادم . ولكنه اثر الرحيل في اخر العشرين.
اخص بالتباريك شعبه السوداني المرتجي للفضيلة عبره : قلم ولسان ودم . ابارك استشهاده للثورته الفاضلة الناشدة لسودان فاضل .و ازف التهاني الى عائلته بالانابة عن كل العوائل الصابرة في دولة تنتظر الاستقرار : ام في الخمسين ، وشيخ بالغ الكبر ، و العذراء التي ظلت تنتظره أن يعود حتى الصباح ... ولكنه لم يعود.
لا يتصور ابدا ان من ينتهج الطريق القويم الموصل الى دولة فاضلة و مجتمع كريم في السودان سيفقد في سبيله اقل من فقدنا للقروي ، فان الثورة ابدا لم تكن نزه يسوح فيها الشبان بين السهول والجبال هكذا تقول العدالة لكل من يلتحق بها.
الخلود للشهداء الافاضل . والسلام على روح كل جندي مجهول في سبيل سودان معاصر ، والسلام على روحك يا القروي
منعم سليمان
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
 الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-07-05, 09:08 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-07-05, 09:19 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-07-05, 09:46 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | Tragie Mustafa | 10-07-05, 10:37 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | Shao Dorsheed | 10-07-05, 10:31 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | Tragie Mustafa | 10-07-05, 09:58 PM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-08-05, 06:30 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-08-05, 07:08 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-08-05, 07:17 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-08-05, 08:05 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-09-05, 05:42 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | Shao Dorsheed | 10-09-05, 08:26 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | تولوس | 10-09-05, 09:40 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | خالد عويس | 10-09-05, 09:41 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد عبدالرحمن | 10-09-05, 10:08 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-11-05, 07:48 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | Tragie Mustafa | 10-12-05, 03:27 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-12-05, 05:39 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-12-05, 06:29 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-12-05, 07:10 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-13-05, 07:22 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-15-05, 08:06 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-19-05, 08:54 AM |
| Re: الامير الاسمر عبد المنعم سليمان بعض من مقالاته | محمد ادم ابوكيفو | 10-20-05, 07:46 AM |
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست