|
Re: هل الديموقراطية والديكتاتورية وجهان لعملة واحدة ؟ (Re: Elsadiq)
|
كلمة ديمقراطية تعني حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب..
والواضح أنه لم يتحقق حتى الآن تطبيق الديمقراطية بطريقتها المثلى الواردة في هذا التعريف..
فمثلا ديمقراطية اليونان أصل الكلمة لم تكن تشمل النساء والعبيد..
ولكن تقليد الحكم الديمقراطي قد تطور مع الزمن وقد استطاعت البشرية مؤخرا جدا أن تلغي الرق، ولكنها لم تستطع أن تقضي على الفقر.. ديمقراطية أمريكا لا تزال بعيدة عن التعريف.. أصحاب المال والشركات هم الذين يسيطرون على الحكم والاقتصاد.. الفقير لا يستطيع أن يكون حرا لأن أولوياته هي حاجات الجسد ـ الحياة ـ وبعد أن تتوفر هذه يتطلع نحو الحرية والمشاركة في حكم نفسه.. الديمقراطية الآن في أمريكا تعتبر فاشلة لأن مصلحة غالبية المواطنين لم تتحقق، والسبب أنها واقعة تحت سيطرة رأسمالية أبعدت القيمة الأخلاقية من جدولها..
أحسن الدول التي قطعت شوطا بعيدا في التقليد الديمقراطي الموزون بمحاربة الفقر هي الدول الإسكندنافية كالسويد والنرويج..
النظام الديكتاتوري هو النظام المفروض على الناس فرضا، وهو ينقسم إلى نظام ظالم ونظام عادل.. على مر التاريخ كانت نماذج الحكم هي أنظمة مفروضة من ملوك أو فراعنة أو حتى أنبياء ورسل.. الحكومات الدينية على عهد الملوك مثل سيدنا سليمان وسيدنا داوود هي من نوع الحكومات المفروضة ولكنها اتسمت بالعدل حسب حكم وقتها.. والحكومة الدينية على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه كانت أيضا مفروضة ولكنها كانت حكومات عادلة إذا ما قورنت بمستوى الحكومات المفروضة في وقتها [فارس والروم نماذج].. ولكن هذه الحكومات قد بدأت في التراجع منذ أحداث الفتنة الكبرى، وكانت الأساب ترجع إلى احتجاج بعض الناس على توزيع الثروة وتوزيع المناصب..
الأنظمة التي حاولت أن تطبق النظرية الماركسية هي أيضا حكومات مفروضة ولكنها أزالت أنظمة سابقة لها كانت قد وصلت من السوء والظلم حدودا بعيدة.. وعندما بدأت هذه الأنظمة الشيوعية لم تحفل كثيرا بالحرية والحكم الديمقراطي بل اهتمت بمسائل العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية.. ولكنها فشلت في تحقيق ما كانت تصبو إليه من شيوعية [مساواة اقتصادية]، ولم تلبث أن تحولت إلى أنظمة بوليسية قمعية بصورة بشعة..
بلادنا في أفريقيا والشرق الأوسط تعرضت للاستعمار بشتى أنواعه.. فالعراق وفلسطين وبلاد الشام ومصر وبعض مناطق شمال أفريقيا كانت تحت الحكم التركي لعدة قرون.. أما السودان فقد وقع تحت الاستعمار التركي المصري منذ عام 1821 والجزائر تحت الاستعمار الفرنس منذ عام 1830، ومصر نفسها تحت السيطرة البريطانية منذ عام 1882.. نحن في السودان ثرنا على ظلم الحكم التركي بالثورة المهدية.. ولكن لم يلبث أن عاد الاستعمار في مطلع القرن نحو السودان ـ الثنائي الإنجليزي المصري ـ .. من كل هذا السرد أريد أن أصل إلى تقرير حقيقة هامة وهي أن شعوب هذه الدول قد عانت كثيرا من الاستعمار، ولكن الاستعمار لم يكن شرا مطلقا، وإنما كانت له فوائد كثيرة فقد انفتحت هذه الشعوب على حضارة الغرب وعلومه ووسائل مواصلاته وعلاجه وطرق تحسين الزراعة إلخ...
وكان من الطبيعي أن تقع الدول التي تحررت من الاستعمار في قبضة تسلط داخلي، مدني أو عسكري، لأن التقليد الديمقراطي لم يكن عنده أساس عميق في ثقافة الناس في المنطقة وإنما كان أمرا جاء مع الاستعمار ـ الغربي خاصة ـ.. تضافرت عدة عوامل لتجعل الحكم التسلطي في دول الشرق الأوسط القيادية مثل مصر وسوريا والعراق ينحاز إلى المعسكر الاشتراكي.. كل الانجازات التي حققتها هذه الدول، مثل مصر والعراق وسوريا والسودان في البداية عادت وهدمتها كلها ووقعت في نفس ما وقعت فيه أنظمة المعسكر الشيوعي فأصبحت دولا بوليسية قمعية حرمت شعوبها من الحرية أولا، ثم حرمتها من الحياة الكريمة في نهاية المطاف.. أكبر مثال لمثل هذا النوع من الحكومات المفروضة نظام البعث العراقي ونظام البعث السوري والنظام القومي العربي في مصر وليبيا والسودان.. حالة السودان كانت حالة فريدة لأن الجنوبيين كانوا دوما يقاومون اتجاه الاستعراب والأسلمة الذي كانت تسعى إليه مختلف الحكومات، مدنية كانت أم عسكرية.. ثم سيطر القوميون العرب على نظام نميري العسكري في النصف الأول من ذلك العهد، ثم بدأ النظام يتراجع نحو الأسلمة منذ المصالحة مع الجبهة الوطنية والأخوان المسلمين..
وجاءت قاصمة الظهر عندما قام نميري بإلباس الثوب الإسلامي لنظامه المفروض وذلك في محاولة لإطالة عمر النظام.. تلك الخطوة كانت السبب في سقوط النظام..
خلاصة ما أريد أن أقوله هو أنه ليست كل الحكومات المفروضة حكومات ظالمة ولكنها قابلة لأن تتحول إلى أنظمة تسلطية ظالمة بأكثر مما تتحول به الحكومات الديمقراطية إلى أنظمة ظالمة.. خلاصة الخلاصة هي أن الأنظمة الديمقراطية أفضل من الأنظمة المفروضة لأنها مفتوحة على التطور.. والأمر المؤكد هو أن الأنظمة الديمقراطية تتعلم من الدروس دائما.. ولا أستبعد أن يجيء اليوم الذي تقتنع فيه معظم الحكومات على أن ضرورة الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية في جهاز واحد هي حاجة ملحة وضرورية للسلام والأمن الاجتماعي..
|
|
|
|
|
|
|
|
|