|
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)
|
8- (حبال وزحاليق):
أحد كتب لويس/ بالطبع توجد هناك الكثير من الموانع الواضحة التي تعيق التطور الحقيقي للمؤسسات الديمقراطية بالشرق الأوسط؛ وأهم هذه الموانع تتمثل في نموذج الحكم الاستبدادي التسلطي المشهود حاليا في المنطقة كلها. وهو حكم غريب على الماضي الكلاسيكي العربي، وغريب على التاريخ الإسلامي، إلا أن عمره قد وصل الآن إلى عدة قرون، فبات متجذرا في المنطقة، ومحميا بقوة ووضوح.
مانع آخر -وهو مانع تقليدي إلى حد ما- يتمثل في غياب فكرة المواطنة عن الفكر السياسي الإسلامي وعن الممارسة السياسية الإسلامية. وهي فكرة تعني مشاركة الفرد بحرية في المجتمع المدني؛ وهي فكرة لها جذورها العميقة في الفكر الغربي، منذ الإغريق حتى يومنا هذا.
إلا أنها على الوجه المناقض، لا تمثل عنصرا أصيلا في الرؤية الإسلامية التي لا تقر فقط بفكرة مشاركة الجماهير في اختيار حكامها، ولكنها لا تقر أيضا بفكرة مشاركتها في إدارة الحكم. ففي العصور الذهبية للخلافات الإسلامية، لم يكن للمدن أي وضع رسمي على الرغم من قوتها وازدهارها، ولم يكن من المقبول وجود حكومات مدنية. فالمدن كانت تتشكل من تجمعات بشرية، تتمحور حول الولاء والهوية. فكانت ترتكز إما على الولاءات الإثنية أو القبلية أو الدينية أو الطائفية أو حتى الوظيفية.
وإلى يومنا هذا، لا توجد كلمة عربية واحدة تتعلق بمصطلح "المواطن" citizen. صحيح أنه يستخدم في جوازات السفر وفي الوثائق الأخرى، إلا أن معناه اللفظي لا يتعدى مفهوم الإنسان الذي ولد في نفس الدولة compatriot. وهكذا أدى غياب المواطنة إلى غياب التمثيل المدني؛ فبالرغم من قيام جماعات مجتمعية مختلفة باختيار قاداتها في الفترة الكلاسيكية العربية الإسلامية، فإن مفهوم اختيار الأفراد المخولين بتمثيل المواطنين في مجلس أو منظمة ما لم يكن معهودا به في الخبرة السياسية للمسلمين.
وإذا فتشنا ونقبنا عن عناصر إيجابية في التاريخ الإسلامي، فسنجد بالتأكيد ما يعيننا ويساعدنا على تنمية الديمقراطية. ومما هو جدير بالملاحظة في يومنا هذا، هو عودة فكرة الحكومة التي تحترم مبادئ الإجماع والتعاقد والحدود. فالرفض التقليدي للاستبداد والظلم بات اليوم أمرا حتميا، مكتسبا زخما جديدا وقوة جديدة.
لقد اكتسب "رفض الاستبداد" زخما هائلا في الكتابات التقليدية... والآن في الكتابات الحديثة. وصار المسلمون ينادون من جديد -إن لم يكونوا يطبقون- بفكرة الشورى. ويعتمد هذا النداء -بالنسبة للمسلمين الملتزمين- على ما نص به الكتاب المقدس وأحاديث الرسول، وكذلك على مجموعة كبيرة من الوقائع التي حدثت في التاريخ الإسلامي.
ويمكن للمرء أن يلاحظ مثل هذا "الاستيقاظ" في أفغانستان على وجه الخصوص، حيث لم يتعرض شعبها إلى مثل هذا الكم الهائل من التحديث -كما تعرضت الشعوب الإسلامية الأخرى- ومن ثم يصير الأمر بالنسبة لها أكثر سهولة وأقل تعقيدا في إحياء التقاليد القديمة من جديد، خاصة تقليد الشورى الذي تقيمه الحكومة مع جماعات المصالح المختلفة؛ وهو ما يمثله "اللويا جرجا" (المجلس التشريعي الأفغاني) الذي يتكون من عدد هائل من الجماعات المختلفة... إثنية وقبلية ودينية وإقليمية ومهنية وأخرى.
هناك أيضا مظاهر مبشرة تطل علينا في بعض الأحيان؛ ولعل أكثرها تأثيرا، ذلك التطور المروع في الاتصالات وانتهاج الشرق الأوسط لأحدث الوسائل الاتصالية، من دور النشر إلى الجرائد إلى التلفزة إلى الراديو؛ كلها أدوات أدت بدورها إلى إحداث تحول في المنطقة، مع العلم، أنها كانت تستهدف في البداية توصيل صوت الديكتاتورية، ليعطي الدولة سلاحا جديدا للبروباجندا والهيمنة.
إلا أن هذا الهدف لم يكن باستطاعته الاستمرار إلى ما لا نهاية، خاصة مع ظهور الإنترنت والقنوات الفضائية والمحمول؛ فإذا بالهدف الديكتاتوري يتحول إلى هدف توعوي إصلاحي. وأكبر دليل على ذلك، ما حدث للاتحاد السوفيتي الذي يعتبر من أسباب سقوطه تلك الثورة التكنولوجية العارمة. فكما نعلم، كان الاتحاد السوفيتي يعتمد أساسا على قدر كبير من السيطرة على قنوات الإنتاج والتوزيع والمعلومات، إلا أنه بتطور الاتصالات لم يعد ذلك ممكنا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|