|
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)
|
7- وأما المرحلة الثانية، فقد بدأت في عام 1940، حينما استسلمت الدولة الفرنسية إلى ألمانيا النازية، وهو العام الذي فتح على الشرق الأوسط كارثة سياسية بمعنى الكلمة. فبعد الاستسلام الفرنسي، تشكلت حكومة ائتلافية جديدة (حكومة ألمانية فرنسية) في منطقة فرنسية تسمى "فيشي"، والتي انتقل على أثرها المناضل الفرنسي الجنرال "شارل دي جول" إلى بريطانيا، مؤسسا "لجنة حرية فرنسا". فصار حكام المستعمرات الفرنسية مخيرين بين الانتماء إلى "فيشي" -الحكومة العميلة- أو التجمع حول "دي جول".
وكانت النتيـجة أن تـوجه معظمهم -خاصة حكام الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان اللذين يقعان في قلب الشرق الأوسط- نحو خيار "فيشي"؛ الأمر الذي أدى إلى فتح سوريا ولبنان للإعلام النازي الذي دخل في تلك المنطقة بكامل قوته، ساحبا معه آلته الإعلامية إلى قلب المنطقة العربية. ومن ثم، صارت سوريا ولبنان ركيزة أو مصدر انطلاق "البروباجندا" النازية في المنطقة العربية.
وكان هذا هو الوقت الذي ترعرعت فيه البذور الأولى للأيديولوجية البعثية التي تبلورت بعد ذلك لتشكل اللبنة الأولى من الحزب البعثي... الذي قام على أساس الرؤى النازية. صحيح أن أيديولوجية الحزب البعثي قد ارتكزت على أفكار القومية العربية والوطنية والاشتراكية، وصحيح أن الحزب لم يتأسس رسميا قبل عام 1947، إلا أن مذكرات ذلك الوقت -ومعها مصادر أخرى- تشهد على أن التدخل النازي كان هو البداية الحقيقة لنشوء الحزب.
فانطلاقا من سوريا، قام الألمان والموالون للفكر البعثي بتشكيل نظام عراقي موال للنازية، يقوده العراقي المعروف "راشد علي الجيلاني" الذي قُلب نظامه على يد البريطانيين، وذلك بعد حملة عسكرية سريعة في مايو-يونيو 1941؛ الأمر الذي أسفر عن انتقاله إلى "برلين" ليمضي مما تبقى من الحرب العالمية الثانية في صحبة مضيفه "هتلر" وصديقه "الحاج أمين الحسيني" مفتي القدس آنذاك.
بعدها دخلت القوات البريطانية والفرنسية سوريا، لتحولها من تحت هيمنة النازيين إلى هيمنة "دي جول". ولم يلبث أن انفك العقد البريطاني الفرنسي -بعد الحرب العالمية الثانية- ليأتي السوفييت ويحلوا محلهما في المنطقة.
وبسهولة مفرطة، انتقل الحزب البعثي من النموذج النازي إلى النموذج الشيوعي؛ فلم يأخذ الأمر إلا تعديلات طفيفة. لم يسع الحزب البعثي إلى الفوز بالانتخابات والأصوات، كما هو الحال في المنظومة الغربية، وذلك لكونه عمودا أساسيا في الجهاز الحكومي الذي تنصب كل اهتماماته على الغزو الفكري وأعمال الاستخبارات وسياسات القمع، كما هو الحال في المنظومتين النازية والشيوعية. وقد سعى كل من الحزب البعثي في سوريا ونظيره المستقل في العراق على انتهاج ذلك المنوال.
ومنذ عام 1940، ومنذ قدوم السوفييت إلى الشرق الأوسط، والمنطقة لا تكف عن استيراد النماذج الأوربية في إدارة الحكم: النماذج الفاشية والنازية والشيوعية. غير أن التحدث عن الديكتاتورية، باعتبارها ظاهرة لها جذورها وأصولها في ذلك الجزء من العالم، ليس حقيقيا بالمرة. بل إنه يُظهر كم الجهل بماضي العرب، وكم البغض لحاضرهم، وأخيرا كم اللامبالاة بمستقبلهم.
فنظام مثل نظام "صدام حسين" البائد -والذي ما زال الكثير من الحكام المسلمين يتمسكون به- هو نظام حديث وجديد، ولكنه مناقض تماما لمبادئ الحضارة الإسلامية. ومن ثم، فإنه هناك من القوانين والتقاليد القديمة التي يمكن للشعوب العربية الاعتماد والارتكاز عليها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|